نص النص

نص النص

مقدمة

هذه الصفحة تواصل كتابة مجموعة من المقالات تحمل عنوان القسم نفسه (الانترنت بوصفها نصا) وهي مجموعة مقالات تحاور وتحاول أن تقرأ المواقع الإلكترونية والحدث الشبكي باعتباره وحدة نصية، تشتمل على معمار نصي ومفاتيح لدخول أفق ذلك النص

هل ماتت ثورة المعلومات؟

إذا كانت الكلمة المأثورة تقول بأننا (عدنا والعود أحمد). فأنا شخصياً لا أعتقد ذلك، لسبب بسيط، وهو أني عندما شرعت في الاعداد الجديد لسلسلة هذه الزاوية وكتبت ما كتبت فوجئت بأني اقرأ مقالا يقول لي (هل انتهت ثورة المعلومات؟)، ولو كان هذا السؤال عالقاً من غير اجابة تذكر لكانت هذه الزاوية قد تأخرت 90 عاماً أخرى بحسب شاعرنا (قاسم حداد)، ولكني تنفست الصعداء بعد توصل كاتب المقال إلى أن الجديد سيكون عملاقاً.
هنا فقط، استطعت أن أكمل ما بدأت بحيوية جديدة وغير قابلة للنقاش، لكنني في الوقت ذاته توقفت كثيراً أمام هذا المقال واكتشفت أن كل ما يتم تداوله من نقاش حول ثورة المعلومات والصدمة التي نعيشها حالة أشبه بشخص کمعلوماتي أو هكذا يدعي لا يعرف من کمعلوماتيتهŒ إلا إرسال واستقبال بريد إلكتروني وإن أريد به خيرا سيتوصل إلى أن هناك محركات بحث يستطيع من خلالها أن يستجمع المعلومات.
كل هذا الارتباك جعلني أقف عند حدود الإمكانات التي سنستطيع بها تجاوز الزمن الذي غدر بنا تكنولوجيا ومعرفياً في آن واحد، الوفرة المعلوماتية العربية شحيحة إلى حد التسول، والمعرفة بهذه المعلوماتية وطرائق امدادها والتعامل معها لازالت في طور النشأة، وأفكر في عدد الذين بامكانهم قراءة الشبكة من منطلق التجربة بعيداً عن التنظير، بعيداً عن الحس الافتراضي لماهية الشبكة..أفكر في نقّاد الشبكة وهم قلة قليلة لا يسعهم الوقت لتدارك ذلك ولا يسع ممن لديهم الوقت أن يكونوا بداخلها. كان من المقرر لهذه الزاوية أن ابدأ بسلسلة حول (النص المنتج إلكترونياً)ولكنني آثرت تأجيل ذلك إلى حين الانتهاء من استعراض هذه المقالة الجيدة بحق. المقالة لـ (دبليو برايان آرثر)* وقد نشرتها مترجمة مجلة الثقافة العالمية في عددها الأخير، مساحة الزاوية لا تسع المقالة لنشرها ولكنني هنا سأستعرض بعض الفقرات التي من شأنها أن تحاكي ما نحن بصدده، حتى الاسبوع القادم.
كتب آرثر: منذ عامين فقط، عندما كانت فورة الإنترنت في أوجها، وعندما تعدى مؤشر ناسداك Nasdaq رقم 5000، وتكالب مليونيرات الدوت كوم (الشركات العاملة على الشبكة العالمية) على شراء المسطحات على التلال المطلة على بالو آلتو Palo Alto تراءى للجميع أن ثورة المعلومات ستمتد إلى الأبد، وفي كل مكان كانت تنبثق الشركات التكنولوجية الصغيرة، وكان المستثمرون الصغار يجنون من العوائد والأرباح ما جعلهم يشعرون بالعبقرية والنبوغ، ثم انفجرت الفقاعة، وكما يخبرنا علامة الإدارة بيتر دراكر Peter Drucker أن الفقاعة انفجرت وتفرغت لأن (کصناعة المعلومات كجزء من عالم الأعمال لم تكن تؤدي إلى أي مكان )! لقد تم تهويل وتفخيم ثورة المعلومات والمبالغة فيها) وكما يقول دراكر لم يقدم الكمبيوتر ولا حتى الإنترنت إضافة كبيرة للاقتصاد، هل يتجه اقتصاد المعلومات إلى لا مكان؟ هل انتهت ثورته؟ إن المشهد في وادي السيليكون Silicon Valley يبدو كئيبا بالتأكيد، ولكن التاريخ يوحي بأن هذ التشاؤم في غير محله ـ بل ويوحي أن أفضل أيام ثورة المعلومات قد تكون في الأيام القادمة. وإذا نظرنا إلى ثورة المعلومات کبدون محيطها التاريخي فإنها متفردة ولا يمكن مقارنتها بأي شيء عرفناه من قبل،أما إذا نظرنا إليها كجزء من التاريخ فسنجد أنها مجرد ثورة من سلسلة الثورات التكنولوجية التي امتدت منذ منتصف القرن الثامن عشر (وكل من هذه الثورات كانت مختلفة عن الأخرى): الثورة الصناعية، منذ حوالي 1760 إلى 1820 في بريطانيا، والتي استبدلت العمل اليدوي باستخدام الآلات وجلبت أنظمة مختلفة للمصنع والطاحونة.وثورة السكك الحديدية، في بريطانيا أيضاً، من حوالي 1825 إلى 1875، والتي شهدت اتصالا تجاريا كبيرا مع قدوم الطاقة البخارية.
وثورة الصلب والكهرباء، من حوالي 1875 إلى 1920(ويتحول المسرح الآن من بريطانيا إلى الولايات المتحدة وألمانيا)، وكانت هذه الثورة هي عصر الهندسة المكثفة وكهربة الاقتصاد.
ثم عصر التصنيع الكبير، من 1910 إلى 1970 أو حول هذه السنوات، جلب لنا الإنتاج المكثف على نطاق واسع، والسيارات، مع وفرة البضائع الرخيصة. وثورتنا التي بدأت بما يسمى المعالج الدقيق أو الميكروبروسيسور Microprooessor في حوالي عام 1970، وهو ما أوصلنا إلى عصر الرقمية Digital في كل شيء، الشبكة العالمية web، والتجارة متشابكة الاتصال.ومن الجدير بالإشارة أن التواريخ التي تمت الإشارة إليها تقريبية. فما زالت المعركة قائمة بين علماء الاقتصاد حول متى بدأ هذا العصر ومتى انتهت تلك المرحلة، وحول ماهية التجمعات التي ينعقد باجتماعها ما يؤهلها لأن تكون (ثورة).
ويواصل آرثر مقاله باستعراض لتاريخ الثورات الصناعية وكيف تم الانقلاب عليها بالفعل التاريخي للتطور حتي يصل إلى أن ثورة المعلومات لا تختلف اختلافا جذريا عن الثورات السابقة الأخرى،( کفقد تحقق للإنترنت ازدهارها وتم تصادمها وسقوطها. وليس هناك ما يبرر أن ننكر التاريخ وأن نبطل مفعوله.فالاستخدام الكامل للتكنولوجيا سيتحقق في النهاية حتما، لقد كان الحال دائما هكذا.ولكن هذا يستدعي من التكنولوجيا أن تكون ميسرة لعمل المستخدم، وأن تعيد الأعمال هيكلة نفسها لكي تستخدمها.وهذا ما سيحدث تدريجيا خلال السنوات العشر أو العشرين القادمة عندما يتم استكمال المكونات الناقصة من هيكلة استخدام التكنولوجيا.وفي هذا البناء buildout، فإن التكنولوجيا التي ستصبح أكبر أهمية، تلك التي ستتحكم في سرعة الإيقاع، هي التي أسميها کترتيبات الاستخدام.
وإذا كان هناك فارق واحد في هذه الثورة مع ذلك، فإن هذا الفارق قد يكون أنها لن تنتهي عندما تغطي كل البلاد بالألياف الضوئية أو الكابل الضوئي أو عندما يتوفر الكمبيوتر بثلاثة أضعاف سرعته الحالية Teraflop processorتتشكل تكنولوجيا المعلومات وتتحول كل عشر سنوات تقريبا، بحيث بات كل ما اعتقدنا أنه يعرف ثورة المعلومات ويحددها ـ مثل المعالجة في كتل Batch processing، الحساب على سطح المكتب Desktop computing، الاتصال القائم على الشبكة ـ يتغير باستمرار ويحل محله شيء جديد، وما ننتظره في المستقبل لا يمكن أبدا توقعه بالكامل ويعني هذا أنه يمكننا أن نتوقع ابتكارات أكثر في هذه المرحلة من مراحل البناء بالمقارنة لما تم في الثورات السابقة. ولكن خلال الخمس سنوات القادمة على الأقل فإن ما سيتحكم في قيادة عملية البناء هو أمر ظل غير ملحوظ ولم يشر إليه وهو: الاتصال الهادئ العنيد بين الأعمال، والظهور البطيء للخدمات القائمة على الشبكة Web-based services التي تقدمها عملية الترقيم Digitization.
ما هي السرعة التي يمكن أن تعود بها اقتصاديات ثورة المعلومات؟ أنا لا أعرف.
فالاقتصاد هادئ الان، يبشر بفترة حمل للمرحلة الجديدة. إن ما أعرفه أنه عندما يأتي هذا الطور الجديد فإنه سيكون عملاقا .

   - دبليو برايان آرثر W.Brian Arthur أستاذ سيتي بنك Citibank، في معهد سانتافي Santa Fe
   - العنون الأصلي للمقال Is the Information Revolution Dead? ونشر في مجلةBusiness 2، عدد مارس 2002م.

النص المنتج إلكترونياً (1)

في عموم التاريخ النصي للأدب وأشكاله المنتمية واللامنتمية للأطر أو الإيديولوجيات، برزت عدد من التجارب الواسعة الأفق من حيث التراكيب الهندسية لجغرافيا النص، حتى راحت بعض الكتابات تستلهم من النقش المسماري وصولاً بالتجارب المغيبة لتفتش لها على نحو مغاير مسلكاً يدعم شكلها المتفرد.
ووصولا إلى النص الحداثي وما بعده، اقترحت التكنولوجيا على النص الأدبي بعداً آخر غير الذي كان، فإذا افترضنا أن الآلة الكاتبة قد أوحت للنص الأدبي خصوصية انتفاء المصدر الكتابي للنص عبر الحرف المصمت الذي لا يحيل إلى شخص بعينه، فإن التكنولوجيا المعاصرة قد تجاوزت لتكون عالمها الخاص بحيث تطرح اسئلتها المختلفة كإمكانية بروز فضاء النص تكنولوجيا والتأكيد على قراءتها بفعل التقنية لا بفعل الكتابة فحسب.
إن هذا التحول في تاريخ النص الأدبي - المنطوق والمكتوب - يسعى لاستنطاق الحواس المرسلة والمستقبلة في آن واحد، فإذا كان تاريخ النص الأدبي المنطوق قد أفضى إلى الأذن بمستويات عدة على صعيد الحالة الشعورية أو الموضوعة العامة لمستوى النص فإن التطور في النص الأدبي المكتوب وجد مستحيلاً لابد من دخوله وهو تعويض القيمة الصوتية كتابياً مما أدى إلى بروز عدد من التجارب تخلق لنفسها صوتاً داخلياً قد بني على المتن العام للنص ومنها قد ساهمت التجربة النصية في تأسيس موسيقى جديدة ومؤدية بذلك إلى خلق نظريات وبواعث بحثية من شأنها أن ترصد الجديد في ماهية النص.
يمر النص الأدبي في عصرنا الحالي بمنعطف ربما سيؤسس مستقبلاً فضاء آخر للكتابة غير الكتاب، ولا يمكن الاستعاضة عنه إلا بها، ألا وهي الآلة وهي محصورة حاليا في التقنية المستمدة من الوسائط المتعددة Multimedia كأجهزة الكمبيوتر وبرمجيات المذكرات الخاصة ومن ذلك تغذيها الانترنت عبر عدد كبير من الحلول الهندسية على مستوى النص، بمعنى آخر أن النص المستقبلي سيكون مكانه الآلة لا غير.
فإذا افترضنا مبدئياً أن النص الأدبي المستقبلي يستند على ما لا يوفره الكتاب، كـ:

   - تخطيه لحاجز الزمان والمكان بسرعة لا تقارن بسرعة انتشار الكتاب.
   - طواعية كتابته بصورة لا يمكن تخيلها عن طريق (الصورة، الحركة، التأثير والسماع)
   - اخضاعه لعدد من التجارب بحيث يكون قادرا على منح منتج النص خيارات عدة.

إلى غير ذلك من الاستنادات، أما السؤال المطروح هنا، هل سيختفي الكتاب من بين أيدينا حتى لا يكون له أدنى ذكر.. بالتأكيد سيبقى السؤال قيد التداول لكن المؤشرات الخارجية لا تشير إلى ذلك.
في المرفق سيرى القارئ نصاً للشاعر علي الشرقاوي تمت تجربته وفقاً لمعطيات الكتابة الالكترونية، وقد تم البناء على ثلاث مستويات حركية (تأثيرية)

المستوى الأول:
يبدأ النص على الشاشة بصفحة بيضاء، ثم من اليمين إلى الشمال في منتصف الصفحة تظهر مجموعة من كلمات (اخرج( حتى تستقر شمالاً بشكل مستطيل.

المستوى الثاني:
(الكتابة على اليمين) نابعة من المستطيل(اخرج ( على شكل عشوائي حتى تستقر بالشكل الذي عليه.

المستوى الثالث:
من مستطيل )اخرج( تخرج كلمة (اخرج) باللون الأحمر، حتى تتبعها جملة (لا يحتاجون إليك) بعدها يظهر عنوان النص.
تحميل Presentation1

النص المنتج إلكترونياً (2)

أضحى جميع ناشري وسائل الإعلام الورقية بحسب (د. فرانك كليش) الذي أصدر كتابه (ثورة الانفوميديا) عام 1995م أن يخوضوا غمار مرحلة شديدة الاضطراب، وأقرب تلك التهديدات موجه لناشري المراجع، وبالفعل فقد بدأت موسوعات مثل الموسوعة البريطانية (Britannica) في مواجهة ضغوط من جانب دخلاء جدد إلى ميدانها الذي انفردت به من قبل، وهو توثيق وحفظ المعرفة.
لقد حان الوقت للاستغناء عن الموسوعات التي تتخذ شكل كتاب والاستعانة بالوسائل الإلكترونية الحديثة، فتلك الموسوعات الورقية مرتفعة الثمن وضخمة وصعبة الاستعمال، حيث تضع قيوداً على كيفية تسجيل محتوياتها لمستخدمها، فالوسيلة الوحيدة المتاحة لعرض المعلومات هي الكلمات والصور، ويخلو عالم الوسائل الإلكترونية من مثل تلك القيود.
ويمكن تخزين موسوعة كاملة على اسطوانة مدمجة واحدة کأو على اسطوانات إذا كانت الموسوعة ضخمة ، ويعود قدر كبير من تكلفة الموسوعات التقليدية إلى تكلفة طباعة وتجليد وتوزيع هذه الأعمال الضخمة، أما في حالة وضع الموسوعة على اسطوانة مدمجة فيمكن إعادة إنتاجها مقابل دولار واحد تقريبا، وعندما يصل طريق المعلومات فائق السرعة إلى المنازل، فلن تكون هناك حاجة إلى الاسطوانات المدمجة، وسوف يكون بمقدور مستخدمي الكمبيوتر الشخصي، والتلفزيون التفاعلي الوصول إلى المعلومات التي يريدونها - كما هو حاصل الآن- حيث ستربطهم الشبكة بمكتبات إلكترونية ضخمة من المراجع، وقد بدأت الإنترنت وموردو المعلومات الآخرون مثل CompuServe بالفعل في اتخاذ مواقع الريادة للتغييرات القادمة.
كما يورد د.( فرانك كليش) بأن (کأكيو موريتا) Akio Morita)) مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة سوني كان يفخر عام95 بجهازه الجديد (ديسكمان) Discman الذي أنتجته الشركة، وهو كمبيوتر في حجم راحة اليد يشبه إلى حد كبير المساعد الإلكتروني الشخصي PDA وإذا ما أدخل المرء في ذلك الجهاز اسطوانة مدمجة قطرها 3 بوصات، يظهر على الشاشة النص الكامل للكتاب، ويلغي هذا المنتج المتقن الحاجة إلى الكتب الورقية التقليدية تماما.
سوف تدمج المساعدات الإلكترونية الشخصية الحقيقية دون شك وظائف على غرار الـ Discman وسيجد الذين يسافرون وقد اصطحبوا كمبيوتراتهم کالمحمولة في حقيبة أوراقهم أن من المناسب لهم إدخال خرطوش صغير يحتوي على نص الكتاب كي يعرض أمامهم على الفور من خلال الشاشة، أما المولعون بالقراءة فبامكانهم اقتناء خرطوش يحمل العديد من الكتب بمنتهى السهولة.
وهناك شيء مؤكد هو أن تحويل الروايات والكتب کفاخرة التجليد إلى صيغة إلكترونية قد أصبح في غاية البساطة، فالكتب التي تحتوي على نصوص فقط تأخذ حيزاً ضئيلاً للغاية من الذاكرة، مقارنة بأفلام الفيديو والاسطوانات المدمجة.
أما الآن فأن الأشكال المتاحة من PDA تجعلنا نتسائل.. أي مستقبل سيكون للكتاب والنشر الورقي، إذ أن الاتجاه المتنامي لتحويل الكتب إلى صيغة إلكترونية ينذر بانقلاب في العقلية المتعارف عليها وخصوصاً أن الكثير من طلبة الجامعات الغربية قد استندت إلى استخدام PDA كوريث حقيقي ومتطور للكتاب وخصوصاً أن كل ما يريدونه يستطيعون توفيره كخاصية نصية إلكترونية.

للاستزادة بالإمكان البحث عن أجهزة PDA وكيفية استغلالها مع توافق خاص بالكمبيوتر أيضا.

النص المنتج إلكترونياً (3)

آثرت فيما سلف أن أورد ما جاء في كتاب(د. فرانك كليش) متعمداً لكي أنقل ولو بصورة مقتضبة ما يتداوله الباحثون في مستقبل حتماً سيكون فيه للآلة حضورها الطاغي أكثر مما نعيش الآن أو نتوقع.
وعليه وبالعودة لحديثنا حول النص المنتج إلكترونياً، فإن القدرة على قراءة النص قد تحتاج لأدوات تتوافق ومفهوم القراءة المطروح، فلا يمكن بأي حال من الأحوال قراءته بأدوات لم تنبع منه أصلاً، فإذا افترضنا أن النص يعتمد في دلالاته على عناصر اللون، فاللون في النص الإلكتروني لم يعتمد على ثبوتيته في أحيان بل ربما في تماهيه، فلا يمكن قراءة اللون كما هو في اللوحة التشكيلية مثلاً ومطابقتها باللون في النص الإلكتروني.
وكما هو الحال في السياق الإلكتروني الذي يحتمل عصر السرعة كما يسمى، لابد يعادل ذلك جهداً بشريا موازياً اجتماعياً على نحو قريب، سيحتاج المجمتع بشكل عام مشاريع تنموية لاستنهاض حواس أفراد المجتمع عبر وسائل عدة ومنها ينطلق الدماغ البشري لاستيعاب ما يتلقاه.. فلقد حرصت نسبة كبيرة من المجتمعات على اعتماد حالة التلقي بعيداً عن السير في طريق المنتج أو المرسل، ولا أعتقد أن تطور أدوات القراءة للنص الإلكتروني يراد له عمراً زمنياً بعمر الأدوات النقدية للنص التقليدي. إن ميزة إشراك الفرد في العملية التكنولوجية على نحو ما وخصوصاً الانترنت يحفز الجنس البشري على مواكبة ذلك بالسرعة ذاتها دماغياً، ربما يحتاج الإنسان إلى الجهد كعامل قوة ولكن دماغياً باستطاعتة مسابقة هذا كله، فالذي أوجد ذلك باستطاعته ملاحته.
أن المقولة التي تبحث في أن العرب ظاهرة صوتية، يراد لها إعادة تأسيس مباشر وعلى نحو بالغ في الأهمية لمجتمع الشبكة الكبير، فالانشغال على تأكيد هذه الذهنية إنما تجذر حالة الصوتية والعالم ينظر له بحالة بصرية.. ولابد من إعادة الاعتبار لذائقة العين التي وأدت لسنوات طويلة، والانشغال هذا يكرس حالة مفهوم الصوت على نحو بالغ التأثير، وبما ان هذه الحالة قد كرستها البنية المجتمعية إلا أنه في الوقت نفسه قد تم تجاوز وإهمال البصر الذي كان حاضراً في ذات مع حضور الصوت وطغيانه، فالبدوي الملتحف بالسماء وبساطه الأرض لم يستطع إيصال ذلك كله إلا بالصوت، والمفارقة العجيبة التي عاشها البدوي في كل ذلك هو تمازجه مع الروحانيات، فإذا كان القرآن (مثلاً) قد دعا على نحو مستمر إلى التأمل واستخدام حاسة البصر للنظر إلى مخلوقات الله والعبرة منها نجد المفارقة في التعبير عن ذلك كله بالمنطوق والصوت فقط، حتى وهو يحي (مثلاً) شعائر دينية، ولنأخذ شعائر العزاء الحسينية نجده يميل إلى الصوت بالرغم من كل التمثيل الحاصل أمامه، حتى بالغ منظمو هذه الشعائر إلى سرد تلك الحوادث (بصرياً) ولكن دون جدوى، لذلك تجد أن الجموع تميل للصوت وحلاوته بعيداً عن الصورة بالرغم من تأثيرها.. وكان منه أن يغمض عينيه ربما أو يترنح في سكر مؤثر لكون حضور الصوت بالغ التأثير فيه.
وهذا ما تحتاجه الحالة العربية على وجه الخصوص في أن تتمرد على الحالة السمعية وإعادة الاعتبار للبصر المعطل.

الثقافة المهمشة في مواجهة النص الكولونيالي (1)

إذا افترضنا أن التكنولوجيا وحدت - نسبياً - ثقافة العلامات* بين اللغات وتحديدا الإنجليزية والعربية، فإن الناتج الفعلي لهذه الوحدة يكمن أيضا في تمرد الثقافة المهمشة (العربية) على ثقافة النص الكولونيالي - آثرت هنا أن استخدم هذا اللفظ باعتباره مصطلحاً شائع الرواج على عكس لفظة الاستعمار الذي تم تكريسه من خلال البنية الثقافية العربية على أنه ثقافة الآلة العسكرية - من خلال تطويع الرسم الحرفي للغة الإنجليزية وجعله في متناول الشكل الحرفي للقراءة العربية.
فلقد ظلت الثقافة العربية من خلال تعاطيها مع التكنولوجية الوسائطية مهمشة في الثقافة الكولونيالية، فالمنتج - الكمبيوتر على سبيل المثال - وروابطه من انترنت وشبكات إلكترونية وهواتف توضع له لغته الأم بالدرجة الأولى، بمعنى أن الإنجليزية في المقام الأول حتى وإن تم تصنيعه في أي بقعة من بقاع الكرة الأرضية ومن ثم تأتي اللغات الأخرى كالصينية واليا بانية والفرنسية والبرتغالية إلى غيرها من لغات ثقافة البلد الواحد، بينما اللغة العربية تكون دائما الأخير، وخدمة البريد الالكتروني لشركة مايكروسوفت (هوت ميل) خير دليل على ذلك، فلقد ظل مستخدمي (MSN) والبريد الالكتروني سنوات طويلة حتى تعطفت عليهم مايكروسوفت بالبرمجة العربية، وبالتأكيد يرجع ذلك إلى حجم التجارة الالكترونية في المناطق العربية أو ثقافة الانترنت فيها وعدم ثقة المستثمرين الغربيين في السلطات العربية في هذا الجانب خصوصاً.
لكن التمرد الواضح في تطويع الشكل الحرفي للعلامات الكولونيالية في الثقافة العربية تمرد أتى بناء على الحاجة في التخاطب، فكما هو بالنسبة للإنسان البدائي وحاجته إلى شكل لغوي متعارف عليه أتى التمرد ذاته في التمرد على الثقافة الالكترونية، وما إن دخل النص الكولونيالي عصب الحياة حتى ابتكرت الحاجة وسائلها.. فطوع العرب حروف (الكيبورد) الإنجليزية إلى لغة يفهمها أصحاب اللغة وحدهم ومن يتعامل مع ثقافة الانترنت والهاتف النقال.. وهنا بعض الأمثلة:
3 تعادل حرف (ع)
6 تعادل حرف (ط)
7 تعادل حرف (ح)
وبها يتم تركيب الكلام المراد إيصاله، فالمستخدمون لهذه العملية عاينوا الشكل للرقم وطابقوه بالحروف العربية لذلك نجد أن هناك تشابهاً في الشكل الرسومي ما بين الرقم والحرف، حتى انتشرت هذه الحرفية وتأصلت في غرف المحادثات (Chat) وراح الكل يكتب بلغة الأرقام والعلامات.
ثم تفنن آخرون حتى تمكنوا من توصيل كلامهم برسم العلامات كما هو حاصل أيضا في ثقافة الهاتف النقال بحيث يتم رسم أشياء مختلفة وترسم أيضا الكلمات العربية.

الثقافة المهمشة في مواجهة النص الكولونيالي (2)

في سياق ما أكتب، تلقيت رسالة كريمة من الدكتور إبراهيم عباس نتو، يدعوني فيها لإحلال كلمة بدل كلمة (الإيميل) من شأنها أن تحافظ علي خصوصية لغتنا العربية، وقد اجتهد الدكتور إبراهيم بإحلال الكلمة المركبة (بريدون) بدلا من الإيميل، فبحسب الدكتور أن كلمة (بريدون) والتي هي علي وزن (تليفون) مشتقة من (البريد) والإلكترون، كما هو الحال في كلمة (E-mail) أو بالترجمة الحرفية (البريد الالكتروني).
واستكمالا للموضوع الذي بدأت كتابة جزءه الأول سابقاً والذي استكمل جزءه الثاني في هذا المقال، ليأذن لي الدكتور في مناقشة ما اقترحه هنا بعد شكري وامتناني له علي عبارات الإطراء متمنياً أن يثير استكمالي للموضوع مزيدا من اهتمامه المتواصل، علي أن أثبت ما اقترحه ليكون في متناول القارئ ليأخذ به أو يتحفظ عليه.
إن واحدة من أسباب المواجهة بين الثقافة المهمشة والنص الكولونيالي هي أزمة الهوية التي يبحث عنها كلي الطرفين علي اختلاف الأصعدة، فمشكلة إثبات التعريب والركض وراء الكلمة الغربية والتي تغدو مصطلحاً فيما بعد، تفرز عن نقص وقصور لدي الثقافة المهمشة، والتهميش هنا لا يعني فعل الآخر فقط بل حتى التهميش الداخلي لحملة هذه الثقافة، بمعني تصدير التهميش ليكون بمثابة (غزو ثقافي كما يقترحه البعض).
فالقصور الذي يواكب نمو الثقافة المهمشة يتفاقم حتى يصبح عجزاً وبالتالي تقتات هذه الثقافة علي منتوج الآخر وتأتي فيما بعد لتثبت حقاً من حقوقها كالتعريب مثلاً علي اعتباره هدفاً للمحافظة علي الهوية، فمثلاً، كلمة الخادم والتي تم تعريبها عن server لم تأتي أساسا علي اعتبارها منتجاً كما هو الحال في لغتها الأصلية وان تشابهت في الفعل بمعني الخدمة إلا أن الفرق بين الكلمتين هو أن الأصل غذي مصطلحاً متعارفاً عليه في ثقافة عالمية، والآخر لم يأتي إلا ليقول أني موجود.
فاللغة العربية علي سبيل المثال هي ثقافة غير منتجة إلكترونيا لأن الواقع التكنولوجي لم يرافق هذه الثقافة وقس علي ذلك الكثير.
إن المجمع اللغوي الذي يثبت الكلمات العربية ويجيز بعضها ويلغي بعضها الآخر يستند علي الآخر بوصفه فتات وليس بوصفه شريكا كما هو الحال في بعض الكلمات العربية المشتركة مع ثقافات أخري، فالحال بالنسبة للغة الإنجليزية حال متغير، فالمعاجم الإنجليزية التي تعني بأصول اللغة تتغير وتزداد بتقدم الزمن المنتج علي عكس المعاجم العربية التي ظلت ثابتة منذ عقود.
ثم إن الحاجة للتعريب في زمن متغير ومتحول تبدو سراباً يحسبه الظمآن ماء، ولا يعدو الأمر سوي أن يقتات المرء علي فتات كما أسلفت، والموضوع برمته بحاجة إلي إعادة نظر، فلا نحن مصدرين لهذه الثقافة الالكترونية ولا منتجين، وبالتالي لا يحق لنا - عملياً - مجاراتها لأسباب تتعلق بالهوية فقط.. أعتقد أنه يجب علينا أن نشترك في إنتاج مثل هذه الثقافة حتى لا نبقي أبد الدهر متلقين عاجزين عن إنتاجها.
ثم أن النص الكولونيالي نص مبني علي (Code) أو الشفرة وهذا غير موجود في ثقافتنا العربية في حين أن الثقافة الالكترونية برمتها قائمة علي مثل هذا الـ Code.