القسم الثاني. الفصل الأول 6

محمد الماجد

المغامرة خلف الاستبصار العبثي المتشائم

ارتبط معظم كتاب القصة القصيرة بالشعور العارم الذي اختلج بوجدان الطبقة المثقفة خلال الستينات إزاء التطور السريع للنظام الاقتصادي ، هذا الشعور الذي يقوم على عزلة الأفراد وانطوائهم مع معالجة أعماقهم الداخلية التي مزقتها آلية المجتمع الجديد ، وخيبته الاجتماعية والسياسية . إن هذا المجتمع الذي خرج من مرحلته التقليدية في التوِّ سرعان ما تحتضنه تبعية رأسمالية فيزداد تناقضاً ، ويفتقد الأفراد الحاجة إلى القوانين ، كما تزداد حاجتهم للتوازن والانسجام مع القيم والمثل العليا . ومن هنا تبدأ مشقة البحث والصراع الذي يجول فيه البطل الرومانسي في قصص محمد الماجد . فهو يدرك المعضلة الاجتماعيةالتي تفتت كيانه الداخلي ، كما كان يدرك ذلك بطل حسن العلي وخلف أحمد خلف والخليفي وغيرهم ، ولكن مناط تجربته الرومانسية أنه لا يلتمس بحثها في أرضية الواقع وإنما يلتمسها من أعماقه الداخلية المهترئة.

وهو في كل ذلك يعبر عن النظرة القلقة لغالبية المثقفين الذين أرادوا فهم تناقضات المجتمع فلجأوا إلى البحث عن القيم المثالية في الحب والجمال والخير والشر والسعادة . حيث لم تكد هذه الغالبية تتجرع في الستينات خيبة الماضي القريب ( الخمسينات ) حتى كانت في حمأة صراع جديد مع التناقضات النفسية والاجتماعية التي أتى بها اتجاه المجتمع نحو التبعية . فلقد انبثقت منهم أعماق متشائمة راحوا يستبصرون منها حلول الزيف واختلال القيم بتهرب يفترض الانسجام مع القيم المثالية ، في حين أنه يوغل بهم في مجاهل الضياع والعدمية ، وهذا الـتـهـرب كما وصفـه جـورج لـوكـاتـش : " تهرب جبان ، وفي أحسن الحالات ، تهرب يتصف بالخشية من

معضلات الحياة المتناقضة المحيطة بهم ، إنهم يشيحون بطرفهم عن الكفاحات (كذا) الاجتماعيـة ، وينشـأون يبحثـون عن الانسجام في أعماقهم الداخلية ومثل هذا " الانسجام " إن هو إلا انسجـام ظاهـري سطـحـي يصـير إلـى عـدم لدى أي تماس جدي مـع الواقـــع "(91). ولعل أكثر من ينطبق عليه ذلك محمد الماجد في مجموعته " مقاطع من سيمفونية حزينة " التي أصدرها في بداية السبعينات بعد أن جمع فيها ما نشره من القصص القصيرة في الصحف في الفترة مابين 1965 - 1969.
وقد جعل الماجد سياق البحث عن الانسجام في قصص هذه المجموعة متمثلاً في البحث المستمر عن المرأة. فالبطل يحمل تعطشه الشديد للمرأة لا بوصفها امرأة فحسب بل بوصفها الحقيقة المنشودة للانسجام بين الفرد والقيم المثالية ، وهذا ما خلق لديه أجواء مفعمة بالعواطف الذاتية التي ينتزعها من أعماقه مزقاً تشف بها خصائص شعرية . وتحتدم بها مصائر العبث والعدمية ، فهو في قصة " غناء الذكريات " يحب فتاته حباً جارفاً منذ الصغر ، وعندما يسافر بعيداً عنها تظل تنتظره بالأشواق والأماني ، بينما يكتب لها عن جنونه وتمزقه ، وفجأة تنقطع عنه ، وحين يرجع يكتشف أن أهلها يريدون تزويجها من تاجر كويتي . ومن هذه الخيبة التي مني بها البطل يتمثل الكاتب صورة الضياع والانتهاء التي تقضي عليه ، فقد كانت المرأة بالنسبة إليه هي الحياة وهي الوجود المتناغم مع قيمه المنشودة ، فهو يقول :
" وتمنيت لو كان لي ذراع هرقل لأوقف به عجلة الزمن ، وأسحق به اليوم الذي ستزفين فيه .. اليوم الذي سينتزع منه قلبي وكانت أمنيتي أملاً ضائعاً، كأمنيتي فيك.. فيا لضيعة الأماني في عالم يقدس المال، ويكفر بالحب. والنساء كثيرات وغداً سيتزوج وينسـى.. هكـذا قـال أبـوك لأمي. إذن فقـد خسـرت حياتي إلـى الأبــد "(92).
إن الكاتب هنا لا يخفي شعوره بآلية المجتمع وماديته لأن ضياع البطل لديه ينبع من سيادة تلك المعايير التي تبدد قيمة الحب بنظرتها المادية للمرأة ، وهو حين يقول : " آه في مدينتي يصلب الحب وتباع الفتيات وتشترى " إنما يعبر عن أثر من آثار الانسياق الشديد نحو اعتناق القيم المادية الجديدة التي خلقها التغير الاقتصادي في المجتمع ، ويكرر الماجد هذه النظرة في قصة " لمن يغني القمر ". فالبطل حين ترغم حبيبته على الزواج من ثري يقول : " وماذا يستطيع أن يفعل المطر في عصر يقاس المرء فيه بما يملك من ذهب " . هذه النظرة ليست مناطاً أساسياً للتجربة الرومانسية التي يخوضها بطل الماجد ، وإنما هي خط من خطوطها المنبثقة من المصائر العدمية المتشائمة التي تعقب خيبته الشديدة مع المرأة ، فهو يصطدم مع الواقع في صورة هذه المفارقة المأساوية التي تنقلها عبارته ، " أموت أنا ، ليحيا غيري ، أنا الذي عاش ينتظر " لأنه بعد أحلامه العريضة وانتظاره الطويل تذهب المرأة التي أحبها إلى رجل آخر ، وهذا هو الشكل الصدامي مع الوقع الذي يحمل الصورة الحقيقية للإنسان وينتهي به إلى الغربة والضياع.

إن ملامح الضياع الرومانسي هي معالم التجربة للبطل في قصص الماجد لأنه يتجرع باستمرار مرارة استلاب المرأة وخيانتها في حياته بصورة تقلب مفاهيمه ومثله . وقد جسمت قصة " غناء الذكريات " ذلك الضياع الذي يمتد نحو الماضي ليشمل الحياة الحاضرة . وهذه من الصور التي يستغرقها التشاؤم الرومانسي ، فالأماني والأحلام المنبثقة من الماضي أصبحت عبئاً ثقيلاً يفجر ذكريات المأساة الأولى ، والبطل في القصة يستحضر صوت الماضي بصورته الحالمة ( كما في أغنية فيروز ) لا ليتغنى بالحلم القديم بل ليرسِّب في ذاته أعماقاً مليئة بالضياع والإحساس بالانتهاء ، فغناؤه للذكريات القديمة ماهو إلا ذلك الاتصال الأثير بالجرح القديم.

ويرصد الكاتب أشكال الضياع والهزيمة بوصفها مصائر انتهت إليها شخصياته، ومع هذا الرصد يكون العنصر الدرامي في قصصه قائماً من ممارسات البطل في حياته اليومية أو معاناته الذهنية ، فهو لا يكاد يشعر بالتماس مع إحدى التناقضات في الواقع حتى ينتهي عن وعي واختيار إلى الضياع والعدمية كما يفعل أبطال العبث في الرواية ، فحين تشتمله الخيبة يردد بوعي في أكثر من قصة مثل هذا القول : " أنا أبحث عن العدم " ليؤكد معاني العجز واللاجدوى في حياته ، وهذه العبارة لا تختلف عن فكرة الانتحار التي تتردد عند كثير من كتاب القصة الرومانسية ، بيد أنها عند الماجد تكتسب قيمتها الجديدة من أنها تعبر عن حالة مأساوية لا منتهية يتوقف الإحساس بها مع حالة الضياع التي تحيط البطل بواقع لا معنى له . ففي قصة " العالم يموت في المحرّق " يقول بعد أن فقد حبيبته :
" ماذا يعني وجودي هذا في الغرفة بالذات وبين عائلة لا تؤمن بشيء غير الزيران وقبور الأولياء . كل شيء لا معنى له . جدتي العجوز خير مليون مرة .. هي على الأقل تؤمن بشيء .. ولكن أنا بماذا أؤمن .. ؟ الفراغ ، الموت ، الفشل .. هذا كل ما أعرفه في حياتي .. أود أن أعدو في الشارع عارياً ، وأبصق في وجوه الناس أود أن أسلب جميع النساء وأذهب بهن بعيداً .. بعيداً لأشعل النار في أجسادهن "(93).
وتعد هذه التساؤلات بما فيها من زيغ الغربة والعبث واللاجدوى ، من الأطر الشعرية الجديدة التي اكتسبتها رومانسية هذه الفترة في قصص محمد الماجد بشكل خاص ، وهي هنا تأخذ شكلها الاحتجاجي ومشاعرها الناقمة مع استمرار تداعي القيم التي يتمثلها في المرأة . وكأن المرأة لديه هي وجه العالم وصورة الواقع ، فهو حين يفقد حبيبته يلجأ إلى أخرى ، ولكنه ما إن يكتشف عهرها حتى يقول لها : " أيتها العاهرة .. أقول الحق هذا العالم قائم على قاعدة مصبوبة من التفاهة واللاشيء ". فهو يخرج من خيبة ليدخل في أخرى فيكون متجاوباً مع نزعة الكاتب في التباعد عن الواقع والالتحام بالأعماق الداخلية الممزقة.

وهذه الأصداء المتجاوبة تقترب من المشاعر المنبجسة من السياق الذهني لفلسفة العبث التي يقرأ الكاتب فيها كثيراً . ولا نعول هذا الاقتراب من ترديد الكاتب لكلمات : العبث واللاجدوى واللاشيء والعدم ونحوها .. مما تنطبع في مشاعر بطل معظم قصص المجموعة ، بل إننا نعول على ذلك التجاوب الداخلي الذي يتردد في أعماق البطل حين يعيش خيبته مع المرأة . ذلك أنه يقوم دوماً بمقارنة هذه الخيبة مع واقع المثل والقيم التي تتمثل له في العالم المحيط . ومن ثم يقترب بطل الماجد من الشعور بالعبث عن طريق هذه المقارنة أو الربط بين حالته الواقعة مع المرأة وبين العالم الذي يتجاوز هذه الحالة ،وهذا ما يجره إلى الشعور بالتناقض واللاجدوى والرغبة في الانتهاء . ولا شك أن هذا السياق له صلته الواضحة بفلسفة العبث عند البير كامو الذي يرتوي الماجد من آثاره الأدبية المترجمة . كما أن له صلة بالمنابع الشعرية الجديدة التي تلهج بها مفردات القص عند هذا الكاتب.

ويمكننا أن نجد تلك المقارنة في معظم قصص الماجد لأن أبطاله غالباً ما يواجهون الضياع بعد أن يتداعى لديهم حلم العثور على المرأة ، فالبطل في قصة " من أحداث يوم تافه " يستحضر تفاهة العالم وهزيمته بعد أن يرتد واقعه مع المرأة إلى هزيمة منكرة ، ويرحل في عينيها رحلة لا نهائية . ومن هنا ينبثق سقوط الأشياء حوله ، فقد أصبح كل شيء يؤول إلى التفاهة كما يقول : "أنا تافه ، أعيش حياة تافهة ، وسط أناس تافهين ، إذن .. أين السين المجهولة في هذه المعادلة .. ؟ موجودة : كل شيء تافه " . كما أصبح يتحدث عن الهزيمة العربية في الخامس من حزيران ، وهزيمة السلام التي يرددها بهذه الصورة اللاذعة : " عرفت ما معنى أن يضاجع الثعلب الحمامة " ، كما يردد هزيمة المعنى الداخلي في صدره بأن الحب ثورة . وهو بعد كل ذلك يخرج من خيبته الفردية إلى التساؤل الملح حول تناقضات العالم وعبثيته .. " ما الذي يفعله الإنسان في مجتمع تصطف فيه الحقيقة مع العاهرات نحن نعرفها ، وأنت تعرفها .. حتى الكلاب تعرفها ولكن من الذي يقولها نحن نعرفها .. ولكن من نحن ؟ أين هويتنا .. أين وجوهنا .. ؟ سمعت أحد المارة يقول لزميله : أن الله قادر على كل شيء .. ابتسمت من المدهش أن يكون هناك من يومن بقدرة الله في عصر ملوث بالكفر والإلحاد "(94).
بهذه الصورة يندفع البطل من إقراره المرير بتبدد واقعه مع المرأة إلى إقرار أمرّ وأشدّ لذعاً . ولا يخفى ما في ذلك من تواجد لمشاعر العبث التي تطلق الإنسان من حالته الخاصة إلى الحالة الإنسانية العامة مستحضرة منها التركيبات المتناقضة التي تستفز الأعماق الداخلية لبطل القصة ، وتجعله في عزلة مستمرة، ورغبة دائمة في مواجهة الأسئلة الكبرى التي يفترض فيها مواقع هزيمته ويستشف فيها الصورة المتداعية لأعماقه ، وقد انتهت هذه الرغبة ببطل القصة السابقة إلى الارتماء في أحضان العاهرة التي تمثل جانباً شاملاً من جوانب زيف العالم الخارجي . فهو بذلك كما في قصة " العالم يموت في المحرق " يرتمي فوق أرضية ساقطة لأنه يرى كل شيء ثمرة للخطأ حتى ذاته.

ونجد هذا البطل في قصة " أصداء الفجيعة " يردد أفكار الوجودية بيقين ذهني، فهو يقول لأصحابه : " الحياة بلا معنى ، فليصنع كل منكم معنى لحياته " ، ويتباهى بذلك وتمتلىء مشاعره بالأفراح حين يسكر مع أصدقائه ، ولكنه فجأة يقع في امتحان عسير ، فقد أحب فتاة لم تستجب له كانت كما يصفها " ذات عينين زجاجيتين وقلب ميت " ، لهذا قابلته باللامبالاة ، ومن هنا احترقت جميع أحلامه وأفكاره وتمثلت لديه مشاعر العبث نحو العالم بأسره ، وأخذ ينظر إلى عمل الإنسان وإمكانياته الخلاقة بتشاؤم ونكوص. فهو يصرخ في أصحابه: " أيها الرفاق .. الخمر أمامكم . والتفاهة والموت واللامعنى وراءكم .. فاختاروا ما يريحكم .. " وهو يسد جميع وسائل البحث بالخيبة ، لأنه ينشر إحساسه المنهزم أمام الواقع على جميع الأشياء . وذلك ما يقابله إحساس أبطال العبث عادة بالموت في لحظات ممسوخة من الحياة ، كما يفعل بطل القصة هنا حين يشرع بوعي منه إلى الإقرار بهذا الواقع:
" ألم تكل أيديكم من طرق أبواب الحياة. ألم تفنى أبصاركم من القراءة.. ألم تتمزق أشرعتكم من كثرة رحلاتكم الخائبة.. ها أنا الآن أبدأ في إعلان هذه الحقيقة .... لا شيء وراء تلك الأبواب على الإنسان ألا ينتظر أي جواب .. أي استجابة لنداء "(95).
إن الكاتب لا يستنفد شكلاً من أشكال الانتهاء كما يستنفد ذلك الإحساس المتشائم بلا جدوى الحياة وفراغها مع جميع القيم المنشودة لأنه يستمر في استهلاك ملامح الصورة المنتهية بتجريد العالم من القيم ، فالبطل يعلِّم حبيبته حرية الاختيار التي استمدها من ثقافته الوجودية ثم تفاجئه بقولها : (أنت علمتني حرية الاختيار وأنا الآن قد اخترت إنساناً آخر) (96) ، فتتركه فريسة تمزقها الوحدة ، وتضج بها مشاعر النقمة نحو الأصدقاء والآخرين ، والعالم حين يذهب لتهنئتها بالزواج متصوراً نفسه يعيش إحدى تناقضات العالم ، فهو باسم الحرية يموت في ليلة عرسها حزناً وسخرية ، حتى تراءى له معنى السعادة في أن يختفي الإنسان من هذا العالم المزيف.

وتظل شخصيات الكاتب تحمل نزعات العدمية والعبث في أشكالها وأطرها الواقعيـة كـمـا عرفـت بهـا عنـد البير كامو ، وفرانز كافكا ، وغيرهـما بمـا فـي ذلك " الإطار الرومانسي الذي يغلف القصة ويشيع فيها جواً من الخيال والانغلاق على الذات "(97). فالبطل يخرج ممتلئاً بالأحلام والأماني المجهضة، يحلم بالسعادة، والسلام والثورة ، ومجتمع الفضيلة ، والتوازن والانسجام ، ولكنه يعثر على نقيضها. يحلم بحب مفقود يحمل أساس تجربته القلقة المتناقضة مع الواقع، ذلك الحلم الذي تكمن فيه أبعد الملامح الفنية لرومانسية الكاتب، فقد أسبغ عليه طاقة غنائية كبيرة ، ومشاعر رومانسية مترامية تتوق توقاً صوفياً يبرح بوجدان البطل نحو التوحد بالعالم المفقود كما نجده في نهاية قصة " لمن يغني القمر " يعيش بلا وعيه مع ذلك التوق الصوفي البعيد حين يفقد حبيبته:
" ويذوب الليل والجدران .. يذوب كل شيء ، وتزغرد النجوم في السماء ويغني القمر ، وعلى أبواب حدائق المطلق كان في انتظارنا رجل وأمرأة . وعانقنا الرجل وعانقنا المرأة ، قالا لنا : مرحباً بكما في جنان المطلق .. وكان وجه الرجل يشع نوراً ، وكانت المرأة ترفل في ثياب بيضاء ، وكان وجهها يتلألأ كجوهرة أسطورية ، وتسألنا : من تكونان ؟ فقال الرجل: أنا جدك الحلاج ، وقالت المرأة : أنا جدتك رابعة .. هؤلاء علماني فيك الغناء يا حبيبتي :
- جدي لمن يغني القمر .. سألت الرجل فقال :
- لمن يحبون الله ... وسمعت صوتاً يناديني .. واختلط الصوت بالغناء . والتفت إلى مصدر الصوت لا أحد يناديني ..
عاد الليل وعادت الجدران .. فتحت النافذة ، وتاهت نظراتي في الظلام ، كانت السماء حزينة ، صامته ، لا نجوم تزغرد فيها ، ولا قمر يغني "(98).
وإذا كان هذا الحلم الذي أفاق به على نظرة مظلمة حزينة قد ترامى إليه من اللاوعي ، فإنه مع الوعي يعيش أجواء مفعمة بالحزن والكآبة . تطلق العقال للخيال والامكانيات الغنائية والصوفية المشحونة بالأماني الضائعة . وقد عبر الكاتب عن هذه الأجواء بلغة حزينة باكية تجعل للبطل أعماقاً رومانسية أكثر التحاماً بطبيعته النفسية من مشاعر العبث والعدمية ، وبخاصة أنه يستظهر لغة الحزن من ذلك الواقع الخاص مع المرأة بما فيه من فراغ وحرمان واضطهاد لعواطفه . وهذا يعني أن المجرى الفردي الذي تسلكه شخصيات قصص الماجد هو الذي يخلق لها أجواء الحزن ، تلك التي يتمثلها في غربته ووحدته وضياعه وبكائه على ما أهدرته المرأة في حياته من قيم وأحلام ، ولأنه ينظر غالباً تلك النظرة العدمية المتشائمة التي تغلق عليه أبواب البحث ، فإنه ينظر إلى الحزن في مقابل ذلك على أنه مصير أبدي. وكثيراً ما أطلق البطل على هذا الحزن أنه أبديّ بالفعل بل يتراءى له الحزن في كل شيء في قصة " الجحيم " حتى يقول : " وكل شيء حزين ، الحزن ينتشر في كل مكان كالموت كالطاعون.. كل شيء حزين في طريقي حزيناً (كذا) إلى الأبد " .. وفي قصة " الفجر والرماد " كانت عيناه نهري أحزان تغرق في قرارتهما آلاف الجراح .. وفي قصة " لمن يغني القمر " كان الليل يتنفس حزناً في وجهه.

ويستمر الكاتب مع هذه الصور النابضة بالحزن حتى بدت وجهاً واحداً للانتهاء يطرد في قصصه مع شعور " البطل " الفرد بالوحدة والعزلة أمام تمزق علاقته مع المرأة ومع العالم أيضاً . ولعل في إطلاقه لتسمية " مقاطع من سيمفونية حزينة " من غير أن تشتمل المجموعة على قصة بهذا العنوان ما يشير حقاً إلى الغنائية الحزينة التي تلف مصائر شخصياته في جميع القصص بصورة تجعل منها اختياراً رومانسياً واعياً من الكاتب.

ولا تقوم رومانسية الماجد على أطر الخيال وعوالمه المنغلقة ، فالعقدة الفنية في قصصه عقدة رومانسية يستهلك الكاتب صياغتها من التقاليد الفنية للرومانسية التي تجعل بطل القصة في صراع مع منطق التقاليد الاجتماعية أو النظرة المادية، وانهيار القيم المثالية . ويمكن لنا أن نلاحظ قوام هذه العقدة في ذلك الحب والفناء في المحبوب الذي تشاء التقاليد الاجتماعية ، أو يشاء تنكر المرأة وارتداد عواطفها إلى انتكاس تلك التجربة بصورة ميلودرامية فاجعة تؤدي إلى ضياع البطل.

ولم يستغن الكاتب عن هذه العقدة حتى أصبحت تجري في وتيرة واحدة يجول معها في كل قصة من المجموعة ، وهذا ما يصم تجربة الكاتب بالضيق أو ما يمكن تسميته بالصراع المتوحد المتكرر الذي أفقد شخصياته خصوبتها الفنية حتى تراءت لمن تعرض لقصص الماجد بالنقد أنها تصوغ خواطر وانثيالات شعرية أو ذهنية حزينة "(99) ، في حين أن المشكلة الفنية التي تعانيها القصة القصيرة عند الماجد مناطها الأساسي ليس في بنائها الفني بقدر ماهو في إلحاح هذا الصراع و "تيماته " المتكررة التي جعلت لجميع شخصياته سمتاً فنياً ونفسياً واحداً لا تضرب به في أكثر من اتجاه واحد وهو ارتباطها بمصائر الضياع والخيبة مع المرأة . ولا تنشغل بشيء قدر ما تنشغل بمشكلة غياب المرأة . فالواقع الذي تدور فيه لا يعدو أن يكون جانباً وهلياً بارقاً لا يعكس عناصر مركبة من أحداث الواقع الشامل التي تشتبك علاقاته العديدة بكل بادرة من بوادر الشخصية باعتبارها " كائناً اجتماعياً " .... وينعكس هذا الانشغال المحدود على بناء الشخصية القصصية عند الماجد، فالهم الإنساني الضيق ينم عن وجود سطحي فوق الواقع ، كما " أن غنى وعمق الشخصيات المخلوقة فنياً يتبعان غنى وعمق فهم المجرى الاجتماعي الشامل ، إن الإنسان في الواقع - لا في البريق الغنائي " (100) وتظل مشكلة البطل عند الماجد في ارتباطه بهذا البريق السريع الذي يستقي مصادره من تجربة فردية ضيقة مع المرأة.

وأبرز ملامح الفقر الفني التي انعكست على الشخصية القصصية يمكن أن نجدها في الصورة النفسية المحطمة التي يخرج بها البطل في جميع القصص ، حتى أنه يردد نفس المشاعر الناقمة بتمرد شديد ، ويعيش ذات المشكلة بكل خطوطها وصورها وخواطرها . وليس من الصعوبة أن نلمس في قصصه الصور التعبيرية والاسطورية العابرة لا المتجذرة التي تضطر الكاتب - مع تلك المشكلة - إلى ترديدها في أكثر من قصة واحدة ، كصورة السندباد التي يتمثلها في بطله الباحث عن الحب ، وصورة شهريار أو شهرزاد ، التي يتعبد بسحرها وعطرها .. نجد ذلك في قصة " الفجر والرماد " وقصة الجحيم " وقصة " العالم يموت في المحرق " وكذلك حين يصور علاقة البطل بالمرأة في أكثر من قصة بعلاقة المطر بالأرض العطشى.

بيد أن هناك جانباً سلبياً آخر ينعكس من ضيق التجربة الفردية التي يخوضها بطل الماجد ، فقد خلقت ديمومة خيبته مع المرأة صورة قبيحة مشوهة لطبيعة علاقتها مع الرجل ، فهو يتمثل فيها الخيانة والزيف ونكوص العواطف في عدد من قصصه القصيرة ، ففي " لا مرفأ للضائعين " (101) نجد الحبيبة قد هجرت بطل القصة بعد أن " نحر قلبه من أجلها . ووضع لها إكليلاً من خيوط القمر ، وبنى لها قصراً في أعماقه " تركته وأحبت صديقه فبات يرى زيف العالم وتناقضاته في ليلة زفافها إليه بينما ارتسمت صورتها في أعماقه لتكون " منبع الحقارة والتفاهة .. قمة الزيف والخيانة " ولا تغادر هذه الصورة حتى عندما يعانق المرأة العاهرة التي أحس بها استمراراً للزيف والخيانة ، فهي تواجهه بالرجس والعهر، ثم تنتظر رمضان كي تصوم وتركع لربها ، وتختلف صورة هذه المرأة في قصة " قوس قزح "(102) فهي أيضاً نبذته بقسوة وأعلنت حبها لصديقه الذي عشقت فيه صمته الساحر ، ولكنها هنا تكشف عن خيانتها وتحللها بصورة سافرة ، فهي تسخر من حبه ووفائه : " أوتظنني مجنونة مثلك.. أترك حياتي تتعفن بين أحضان رجل واحد ... اليوم لك وغداً لصديقك وبعد غدٍ للآخرين .. وبعدها للكلاب ، وللقطط ، أما لرجل واحد فهذا محال ". وتستمر هذه الصورة السلبية للمرأة التي تجعل الرجل ضحية كبريائها وتنكرها في قصص .." من أحداث يوم تافه " و " الفجر والرماد " و " العالم يموت في المحرق " . وفي حين يحمل البطل في " لمن يغني القمر " و " غناء الذكريات " ذروة التمرد والاحتجاج على التقاليد الاجتماعية التي أجهضت حبه نجد المرأة قد تداعت بضعفها وخضوعها الشديد فضيعت نفسها وتركت حبيبها يتمزق بآلام الوحدة.

بهذه الصورة تبدو المرأة في قصص الماجد تحمل الدمار والخيبة ، ويكشف موقعها عن غموض وتناقض وتحلل ، ويعبر الكاتب بذلك عن أبلغ مظاهر التشويه والامحال لواقع المرأة ، فقد نظر إليها من زاوية ضيقة جعلتها تخرج إلينا بوجه دميم ، وهو بلا شك يوجه هذه النظرة طبقاً لنوازع إرادته ، بل إننا لا نستبعد أن تكون تلك الصورة المتحللة للمرأة التي برزت بإلحاح شديد في قصص الكاتب تعبر عن أثر من آثار تجربة فردية قاسية صدمت إيمانه بواقع المرأة . ذلك الواقع الذي ربما كان أكثر قلقاً وكفاحاً من واقع الرجل.

لقد حرص الكاتب على إسباغ حصيلة تجربة أو نظرة قاصرة مختلفة تقضي بتفوق الرجل وبراءته أمام تناقضات العلاقة بينه وبين المرأة ، فهو الذي يحمل طهارة الواقع ، والمشاعر ، ويرتقي بقيمه المثالية الصافية بينما تتجرد المرأة من كل ذلك لتكون مفتاح سقوط الرجل وضياعه ، بما تقوم به من دور آثم ، وربما كان مما سيلفت الانتباه أن الماجد يحمل موقف النقمة على المرأة والشعور بخيبة الأمل منها في الوقت الذي نجد أن السمة الغالبة في رومانسية هذه الفترة عند كتاب القصة القصيرة في البحرين والكويت ، هي في ذلك الموقف المتعاطف مع المرأة الذي يدعو إلى تحريرها من قيود المجتمع وسلطة الرجل . ولن نستغرب لذلك كثيراً حين نقرر أن الماجد يرتد بالموقف المتعاطف ليس من أجل معالجة جديدة ، بل إنه يفعل ذلك لأنه لم يستطع أن يخلص رؤيته الفكرية من تجاربه الذاتية وإسقاطات نوازعه الروحية المباشرة . فالبطل في قصصه إنما يعبر عن نقمة الكاتب وتمزقه وقلقه نحو المرأة ، وهو حين يقوم بذلك إنما يعبر من وجهة أخرى عن رؤية مثالية غير متصالحة مع الواقع . لأنه يظل رغم مشاعر النقمة يبحث عن التوازن والانسجام مع الواقع ، بما تختلج به أعماقه من أحلام وأماني، وتصبح المرأة هي إحدى مقاييسه وقيمـه الرومانسية التي تغيب فيغيب عنه التوازن مع كل شيء.
إن البطل عند الماجد سواء في نظرته للمرأة أو في رؤيته الذهنية تنعكس عليه الأزمة الفكرية التي يمر بها الكاتب نفسه بحيث لا تنفصل تركيبة هذا البطل عن الماجد ، فهو ذلك المثقف الذي ارتوى من الايديولوجيات الحديثة ، بل إنه غالباً ما يكون كاتباً يحدث حبيبته عما سيكتب في عشقه لها أو غربته وضياعه بسببها . وليس هذا فحسب بل إن البطل يعتنق أفكار الكاتب التي انطبعت كثيراً على مواقفه الاجتماعية المتذبذبة . ففي قصة " الجحيم " كـان يـعـلم حبيبته كيـف تخـتار بحرية علـى طـريـقـة الـمـثـقـف الوجـودي ، وفـي قصة " أصداء الفجيعة " كان يتباهى بوجوديته ، ويحاول أن يفكر مثل تفكيرهم ، وكما يردد البطل أصداء لمواقف قلقة يتبناها الكاتب ، وبخاصة في نزعته العبثية المتشائمة، فإنه يردد أصداء ثقافته التي تصل بين نظرته ونظرة الماجد ، فهو في جميع القصص المثقف الذي يرتدي ثياب الحزن ويبكي خيبته مع المرأة حتى يتراءى له منها عبث الحياة وتناقضها الشديد.

إن الكاتب لا يستبطن واقعاً يخرج عن ذاته، حتى يمكن القول أنه هو البطل الفعلي لقصص المجموعة " مقاطع من سيمفونية حزينة ". لأنه يتبنى مواقفه ، ويتغذى بثقافته ، ولعل في ذلك ما يفسر تلك التأثرية الثقافية التي تنطبع مع سياق المشاعر في قصصه . فهو يردد عبارات لسارتر أوعبارات من الانجيل أو يردد الصور المرتبطة ببعض الشخصيات الروائية ، كبطل السأم لمورافيا ، أو بطل الشحاذ لنجيب محفوظ ، أو المرتبطة بالشخصيات التاريخية كالحلاج ، ورابعة العدوية وشهرزاد وسندباد ونحوها مما يقوم الكاتب باستعمالها لزخرفة الصور الشعرية التي يستشفها مع توهج أعماقه الداخلية . كل ذلك يجعل بطل الكاتب لا ينتمي لشيء بقدر ما ينتمي إلى تجربة الكاتب الذاتية ، وهو ما يؤدي إلى الاعتقاد بأن محمد الماجد يكوِّن فكره بمعزل عن الضرورة والواقع الاجتماعي ، فإدراكه لموقع المرأة ، ومفاهيم الحرية ونحوها من القيم يتصل بحالته الفكرية المتذبذبة بين شتى قيم العصر ، والمضطربة بالتراكم الثقافي ، وانطباعاته السريعة التي لا تتجاوز معاناته الذاتية القلقة مع المرأة إلى رؤية الواقع الاجتماعي ، ورؤية موقع الإنسان بين علاقاته الشائكة والمعقدة . ولعل في خضوع هذه الرؤية لمزاجه النفسي والذهني أبعد ما يؤكد على تفاقم الحس الرومانسي ، وانثيال نزعاته الذاتية المختلفة.

ورغم ما أضفاه الماجد على رؤيته الرومانسية من ملامح يجترّها من فلسفة العبث والوجودية فإن تجربته في القصة القصيرة تظل تعبر بصورة حادة عما منيت به الفئة المثقفة في البلاد من خيبة شديدة الوقع خلال هذه الفترة ، حيث تعايشت شتى المتناقضات التي من شأنها أن تمزق تطلعاتها الذهنية والوجدانية، فهي ترتوي بنهم شديد من الثقافة الحديثة ، فتفجر في أعماقها قيماً ومثلاً بعيدة في وقت تتفوق فيه على أوضاع اجتماعية متخلفة وتناقضات جائرة تستفز مشاعرها المثالية ، لذا تكون عرضة للتمزق والخيبة في أولى بوادر المواجهة مع الواقع ، وفي هذه المواجهة يعبر الماجد عن قلق الفئة المثقفة ونقمتها وعزلتها وترفها الذهني الذي يستمد من العدمية ما يعبر عن تلقائية الانحلال الراهن . إذ أنها من الفلسفات التي " تساعد الكثيرين من المثقفين الذين يشعرون بالقلق على الملائمة بين أنفسهم وبين الأوضاع المضطربة "(103).
ومن هنا فإن أكثر ما تميزت به قصص الماجد هو نزعتها المتشائمة التي استمدت نقمتها وتمردها من فلسفة العبث والعدمية ، ثم تعبيرها عن الحالة الذهنية والوجدانية الممزقة بالحوار الداخلي الذي يرصد تلك الحالة ويجسمها بدقة فنية شديدة ، ويلعب هذا الحوار دوره الفني في أكثر من قصة .. " لا مرفأ للضائعين " " العالم يموت في المحرق " و " من أحداث يوم تافه " .. ففي هذه القصص يمزج الكاتب بين تداعيات الوعي الداخلي لدى الشخصية ، وبين إحساسها بالعالم الخارجي . ويجعل ذلك قائماً مع لغة الحوار الأمر الذي يكسبه خصائص اللحظة الممزقة بالفعل كما في قصة " بكاء صامت في ليل طويل ". فالبطل يتفق مع حبيبته على الافتراق ، ويهرب إلى أقداح الخمر مع صديقه ، ولكنه يظل في حالة نفسية قلقة يعبر عنها هذا الموقف حين يسأله ذلك الصديق عن حبه فيقول :
- لماذا .. ألا تحبك
اطمئن يا سيدي .. يخيل إليّ أنه واثق تماماً من حبها ، إن له صدراً لا يعشعش الشك فيه
(كانت لها شفتان ميتتان ولست أنت من يعيد الحياة إلى تلك الشفتين .. إنها لا تغير .. لا تسأل .. لا تشتاق .. لا تحن .. ألم تكن هذه منابع الشك عندك ، ومن هذه المنابع تفجرت في عروقك هذه المكابرة ) أيها الحيوان الشرس .. لماذا تريد أن تمزقني بأنيابك السامة .. ؟
- لماذا لم تتزوجها .. ؟
- في هذا المجتمع الحب معناه الزواج ، وما عـدا ذلك ففضيحـة بملـيون نـاقــوس ..
- لها ابن عم ، ووالدها مصر على زواجها منه.

مجتمع غبي ، وآباء يتاجرون بأعراضهم.

- وهي أليس لها رأي ..
- حاولت ، ولكنها كانت أضعف من أن تواجه سلطة أبيها.

غريبة فتاة هذه البلاد.. إما ضعيفة فتستسلم، وإمـا غبية فتحرق نفسها (104)
لقد جمع محمد الماجد بين حسٍّ قصصي جديد وتقنية حوار جديدة ، وجعلنا - بذلك - نلمس جوانب التمزق وقد اجتمعت أطرافها في الصوت الداخلي الذي يكون رمزاً لزخم المرأة وحضورها ، رغم افتراقه عنها ، ثم صوت اللحظة الهاربة، ثم حواره الخارجي مع الصديق ، وأخيراً إحساسه الناقم الذي صور له غباء المجتمع والمرأة معاً . كل ذلك يسجله الحوار السابق بحذق وعناية رغم صعوبة توظيفها في بوتقة واحدة كما فعل الكاتب.

وهذه اللغة المركبة في الحوار والشفافية الشعرية هي أبرز الملامح الفنية في قصص محمد الماجد فهي بامكانياتها الغنية تضيف خصائص جديدة تواكب تطور الشكل القصصي مع استمرار الرومانسية في هذه الفترة ، وهي بالنسبة للكاتب تعد أبعد ما حققه في تجربته مع القصة القصيرة من الوجهة الفنية.

وقد انقطع محمد الماجد عن كتابة القصة القصيرة بعد أن نشر قصص مجموعته " مقاطع من سيمفونية .. " واشتغل بكتابة المقال الصحفي ، وفي السنوات الأخيرة عاد إلى كتابة القصة ، ولكنه لم يستفد من تجربته السابقة . فقد ظلت رؤيته وتأثيره الثقافي المتراكم المضطرب يفصم اتصاله بالواقع ، ولم يستطع مع عودته أن يهتدي إلى شكل قصصي يمكن أن يلتفت إليه بالعناية التي حظيت بها مجموعته القصصية الأولى (*).