الأسرة والمرأة والتغير

غير إن الإصلاحات الاجتماعية التي نادت بها حركة الإصلاح الوطني وشاركت فيها الطبقة الوسطى مشاركة فعالة تمكنت من منح الحرية المحدودة في التطرق إلى أوضاع المرأة بصورة خاصة . كما أتاحت لكتاب القصة القصيرة معالجة وضع الزوجة داخل الأسرة ومشكلات العلاقة بين الرجل والمرأة من خلال وجهة النظر التقليدية ذاتها، وذلك لأن كتاب القصـة الـقـصـيرة في هـذه الـفـترة كانـوا يعايشـون - بوعيهم الجديد - الجهود الأولى في الدعوة إلى تحرير المرأة وتوعيتها وخروجها من عزلتها .

وقد بدأ ذلك منذ جريدة ) البحرين ( في العدد الصادر في تاريخ 10/ أغسطس 1939 عندما نشرت ) خطاب مفتوح إلى فتيات البحرين من واحدة منهن ( بتوقيع حرف (ع) .. ونادت فيه بالتعليم الإلزامي من سن السابعة إلى الثانية عشر قبل أن تأتي موجة الحجاب . كما طالبت بالخروج من البيت وعدم اقتصار عمل المرأة على الخياطة والطهو ونحو لذلك، وألحّت على ضرورة التعليم الذي يبث لديها المقدرة على الاختبار فتقول ) نحن نطلب أن نتغذى بالعلم لأننا بواسطة الثقافة نقف على تطورات العالم الاجتماعية بما نقرؤه من الكتب ونسمعه من المحاضرات فنختار أيهما الأصلح ونتبعه ((14).

وأثار هذا الخطاب نقاشاً طويلاً في الجريدة بسبب ردود الفعل التي خلّفها، الأمر الذي أسهم في الدعوة إلى ضرورة تعليم المرأة في سن مبكر . وعندما صدرت مجلة ) صوت البحرين ( انبرت لهذه القضية أيضاً بالدفاع عنها وعن كثير من قضايا المرأة، كما حفلت جريدتا القافلة والوطن بصدام عنيف حول هذا الموضوع سنة 1954 .

وفي الكويت وجدنا هذه الدعوة تثور ثائرتها أيضاً كما حدث في البحرين بأقلام نسائية ورجالية وخاصة في مجلات : البعثة، وكاظمة، والشعب، وتركزت جهود هذه الدعوة حول محور واحد وهو تحرير المرأة من جدران البيت وتشجيعها على زيـادة الاهتمام بالتعلـيم وحفــز الإدارات التعليميـة على جعله - أي التعليم - إلزامياً (15).

ولقد تعايشت هذه الأصوات الأولى لتحرير المرأة مع المرحلة الأولى في نشأة القصة القصيرة . لذا فإن كتاب القصة أتيح لهم المشاركة في هذه الدعوة والتعبير عنها في أدبهم الجديد، كما نجد ذلك لدى فرحان راشد الفرحان في قصة ) آلام صديق ( وعبدالعزيز محمود في قصة ) أحلام ( التي صور فيها الحلـم والخيـال البعيـد الذي يقـع فيـه الرجـل نتيجـة عزلته عـن المـرأة وفـراغ حياته مـنـهـا، وهيفـاء هاشـم فـي قصـة ) الانتقـام الرهـيـب ( ومــوزه الزائـد في قصـة ) طـواهـا الـنـسـيان ( وأحـمـد كـمـال فـي قـصـص ) الـصـابـرة ( و ) حـمـاقـة أم ( و )المجنونة( وغيرها، وفاضل خلف في معظم قصصه .

وفوق ذلك فنحن نجد كثرة من القصص التي عالجت مشاكل الحياة الزوجية وركزت في الوقت نفسه على الآثار السيئة التي يخلفها سلوك الأزواج المتخلف على حياة المرأة باعتبارها زوجة وربة بيت، كما صاغت تلك التحولات البسيطة في وضع المرأة بعض القصص التي تصور عاطفة الحب، وهذا يؤكد لنا بقوة مدى ارتباط الجيل الأول من كتاب القصة القصيرة بالتطور الاجتماعي الذي طرأ على أوجه الحياة الاجتماعية، وما طرأ بصورة خاصة على وضع المرأة بعد ازدياد الاهتمام بأمر تعليمها خاصة أن ) المواقف المتزمتة من المرأة بدأت تفقد بعض حدتها، إذ أن نمط المعيشة والاقتصاد الجديد وكذلك التعليم جلب معه حرية جديدة للمرأة، وإن كانت هذه الحرية دون ضمانات كافية(16).

وتظل المرأة خلال هذه المرحلة الأولى بعيدة عن مجال الثقافة والممارسة العملية في صورتها العامة. وأكثر ما يمكن أن نذكره لها هو مبادرتها التي سبقت بها الرجل في الدعوة إلى التعليم الإلزامي وتطوير وضع المرأة كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق، أما في الكتابة القصصية فلا نجد من حاولت أن تدخل في عالمها أو تعالج قضايا مجتمعها اللهم إلا في بضع محاولات متواضعة، وهذا يرجع إلى طبيعة الواقع الحتمي المعزول للمرأة الذي حال دون ظهور عناصر نسائية قادرة على المشاركة الثقافية والاجتماعية، فالحركات الوطنية والإصلاحية ظلت مقصورة على المبادرة التي يمسك بزمامها الرجل وحده، في الوقت الذي كانت المرأة تشكو من عزلتها وحرمانها المستمر لأبسط حقوقها، وهذا ما عزل فرديتها في المجتمع وحال دون أن تظهر لها سمات فكرية واجتماعية واضحة حتى من خلال نمو الطبقة المتوسطة فهي لا تعدو أن تكون تابعة للرجل، وتبعيتها هذه لا تمنحها من وضع الرجل المتفوق شيئاً بل كان يستلب منها الكثير .

على أن ذلك لا يضير أدب القصة القصيرة في البحرين والكويت كثيراً فلقد مر هذا الأدب بظروف شبيهة، في الوطن العربي . إذ خلت المراحل الأولى في تاريخه من القصص التي تكتبها المرأة . لأنها كانت تمر بنفس المرحلة التاريخية في حياتها الاجتماعية .

لقد جاءت القصة القصيرة في الخليج العربي في مرحلة تاريخية محددة اقتضتها طبيعة التطور الذي تمر به سائر المجتمعات . فالشكل القصصي أكثر ملاءمة للتعبير عن الفترات الانتقالية وما تثيره من مظاهر التغير والتطور من الشعر الذي سيطرت عليه العزلة والرومانسية، وجال بين مفاهيم التقليد والمحافظة ورتابة النظم في الكثير مما أنتجه الشعراء في هذه الفترة كإبراهيم العريض وعبدالرحمن المعاودة وفهد العسكر وصقر الشبيب وغيرهم .