(مختارات من الشعر الدانماركي)

إعداد وتقديم: منعم الفقير
ترجمة: مي شلبي

دالي سامر منصور(يبدو أن العالم مرهق من تعدد بلدانه وعدد حدودها وتضاعف سكانه. ربما هذا الإرهاق الذي يميل إلى العنف والتآمر، بوصفهما عنصران من عناصر التغيير،انه يعيد النظر بخارطته، وفق منظوره التاريخي. التغيير بطبيعته لا يعلق أو يستأنف بناء على ابتهال أو استجابة لنداء أو خرافة أو تعويذة تبطل مفعوله. التغيير البادي في عصرنا، انه في حالة شروع دائم، يمكن ملاحظة تدرجه، غير أن ضجيج الحرب ونداءات إيقافها أو شنها من جهة ومن جهة ثانية إشغال الناس بهمومهم وإلهائهم عما يدور عنهم ومن حولهم. يشوش على ملاحظة التغيير خوفا من عرقلته أو الاستفادة غير المحسوبة سلفا، ليظهر التغيير كما لو أنه طفرة. إنها محاولات مقصودة ومرسومة لتهميش دور الغالبية فيه. على أية حال، العالم ليس هو ولن يبقي كذلك، لا يستقر على خارطة، كما يدلي التاريخ، تبعا لذلك، ستتحول بلدان إلى بلدات وعواصم ومدن إلى ضواحي وقري، أما اللغات ستنتهي إلى لهجات، وإن قاومت انقراضها، وستسود لغة واحدة تعبر عن ثقافة موحدة، أما الثقافات الأخرى ستواجه خطر الانقراض والتحول إلى عادات محلية لا تعدو عن كونها طقوسا احتفالية. ومن هنا، يمكن تصور الخارطة على نحو ما، سيختصر العالم بلدانه إلى ثلاث ولايات، هي: أوربا، أمريكا واستراليا، أما أسيا فتتحول إلى منتجع روحاني وأفريقيا إلى مزرعة، يقصدهما طلاب الراحة أو التصومع. لكن في كل الأحوال، ستبقي آسيا وأفريقيا محميتين، لا يظهر فيهما شبح التغيير، ويحافظ عليهما، كشاهدين على أصالة لا يزعزعها نزوع تاريخي محموم إلى الحداثة.
إن ملامح الخارطة الكونية الجديدة، يمكن التنبه إليها، فمناطق القرار السياسي، القوة والوزن الاقتصادي، تشهد تحولا بالانتباه، والاهتمام والتوجه، هذا ما يجعل من مدينتي بروكسيل ونيويورك أكثر اهتماما ومتابعة من عواصم تاريخية، ستبدو تقليدية، فيما بعد، مثل باريس ولندن. كل شيء يتغير، العالم ليس هو، العالم بيتنا، مهما جدد ديكوره وغيرٌت أثاثه. الأمكنة لا تنزح عن ناس رغم نزوحهم عنها، سوء العالم من إساءة البشر إليهم. المقطع من رواية مقهى مراكش التي أكتبها الآن، إنها عبارة عن رسالة يوجهها أبن لأبيه الذي يحزن عليه من زمن يتغيٌر إلى الأسوأ، يخاف عليه من خيانة وغدر، ينسي الأب أن الرعب كشف بشري، الخائف يخيف سواه. هكذا هم الآباء يجدون ميزات عصر أبنائهم عيوبا. ينغصون عليهم اهتماماتهم).
أستشهد بهذا المقطع، كمدخل لقراءة الشعر الدانمركي الحديث، حيث من المتعذر تناول الشعر بمعزل عن مصادر، مكوناته المكان والتجربة، لكن في حال تعرضهما إلى تغيير غير مرغوب أو مرجو، يصبح المكان غريبا والتجربة عبئا. مما ينذر ذلك بنشوء حنين، حنين يصبح في درجة معينة، انعزاليا، متموضعا في ماضي المكان، ورافضا الانخراط في حداثة الحاضر . ينضح إن الإنسان ماضوي النزعة، الماضي بشرٌ بوجوده، فيما ينذر المستقبل بعدمه.
يأتي الحاضر كما لو أنه مكيدة زمنية يتنصل كثيرون من التورط بصنعه أو الاعتراف به، فجأة وجدوا أنفسهم في ربقة حاضر، حضرٌ ليصفي ماضيا تخلف عن الحضور. الحاضر يعني تغيير الشوارع،ع واجهات المحلات، موديل المعروضات، تبديل ديكور المقاهي وموسيقاها. الحاضر يعني أيضا انشغال الناس عنهم، وميلهم إلى السرعة ومنح ذواتهم إلى البرمجة، الحاضر الاستهلاكي يجعل الوقت سلعة قابلة للمنافسة ومعروضة للبيع. مشهد كهذا في واقعه وتخيل مرارته، بقدر ما يكون مألوفا من جيل يكون غريبا على جيل آخر، لكنه في كل الأحوال يحتاج إلى وقت طويل لنفي غرابته أو إثبات ألفته. في الوقت الساقط بين الألفة والغرابة يقوم الحنين إلى ما قد مضي، ويتدخل الشعر بجماليته، للمساهمة في تشكيل الحنين إلى الماضي، ماضي بشري أو قومي، ويتم اختراع سعادات واكتشاف مفقودات، وتصوير متع وألم البحث عنها ولذٌة العثور عليها. كل هذا يحدث والتغيير جاري، الحنين يقوم على أنقاض الأمكنة. والزمن يتهم بالتآمر، يلعب على تبدل الأدوار، فيتحول اللاعب إلى متفرج. لإذكاء الانفعال وتصعيد القلق وإشاعة التوتر.
ينظر إلى ذلك كدوافع للانفصال عن الحاضر المختلف حوله والعودة إلى ماضي متفق عليه. فنجد شاعرا ينسحب من حاضره مندفعا إلى ماض لم يعشه، أهو احتجاج أم إعلان استقالته الروحية من عصر مادي. لنتأمل الصديق الشاعر ت.س. هوْي:

كما تعرف كنت وجها للحرب، منذ الفجر الذي فتحتج فيه عيني على نقطة الاختراق من جار ضد جار. في الشارع الرئيس كانت الأكاليل معلقة ترجرج عين مسملة وأذن مقطوعة بين المنازل. المشعرون اغتصبوا نساء الصلعين في موقف الباص وأمام مبني البلدية حادٌو البصر يقذفون أطفالا بنظارات إلى الجو ليتلقفونهم بالحراب.
فقط المسنون يمكن استعمالهم كحطب جاف للمواقد.
السعادة شيء يطوق العنق.
هكذا تغدو مناطقي خربة ليحصل الجبل الأجرد على أهميته. في طريقها للحصول على الماء أصيبت أمي بظهرها لذلك اختبأت تحت الأرض وعلى سطح الأرض تصخب وتشتعل الحرب، بينما السماء تطلق عليها النيران فتصاب وتتشظى.
تحت حماية وقف إطلاق النار الهش هربت والموت الذي بهيئة رجل يحمل منجلا قرقعته عند العنق. تسلق جبالي باردة انزلاق إلى وديان مهجورة، نوم في وحل وغرس أسنان في حصان فاطس. زحفا على الركب لقطع الطريق.

لم يكن متعرضا أو طرفا في حرب، إنما مشاهدا لها، تطل عليه بويلاتها عبر نافذته:
-التلفزيون-، ربما موقفا منه، في نقل الحرب إلى كراسته، وتمثل فظائعها، أملا منه في شجبها. أخذت اشتعال الحروب وتحطم الطائرات في تشكيل مناطق إلهام خلفية ومواقف متقدمة، لشعراء يرون ذلك جزءا من مشهد حاضر متحفظ عليه. حاضر يأخذ الماضي رهينة ليساوم عليها المستقبل. تأتي شاعرة صديقة أخري، هي ديته ستينباله، لتقف بحطام طائرة عند قدمها:

حطام طائرة في قدمي
جسم طائرة مفكك
ولا أعرف منْ هم الركاب
وماذا يحملون في حقائبهم
تحكٌني قدماي
أذهب إلى غرفة الفندق في مدينتي
أحمل حقيبة
وأطلس العام الجاري
لا أستطيع بلع السفن المبحرة
أتنفس أعمدة الدخان المتصاعد من السفن
أبصق كل شيء ثانية.

ربما حداثة عمرها، تزامنت مع ذيوع أخبار خطف الطائرات وتحطم بعضها. تحطم الطائرة هنا خال من العنف والإثارة، لكنه مليء بالفضول، حيث تحول الشاعرة ستينسباله حادثة تحطم الطائرة إلى مناسبة للتعرف على الآخر، الآخر المتاح على النظر والمتعذر على الفهم. هذا الشعر يسجل اتجاها آخر بالشعر الدانمركي، وبالدقة تنويعا على اتجاه سبيعني حيث إنشغل الشعر الدانمركي بالحرب والمقاومة وشغل قراءه بها. وقبل التوسع بهذا الموضوع، أريد التوقف عند اتجاه آخر له حضور وحضور شعرائه، هو الانتقاد الاجتماعي للشخصية الدانمركية، للثقافة وللمجتمع عموما، وهنا يظهر بوضوح أثر الشاعر (الشعبي) بيني أندرسن يعد من أعظم شعراء الدانمركيين لشعبيته وسعة تأثيره. حيث أنظمت قصائده التي لحنت إلى التراث الغنائي الدانمركي، مساره الشعري أدي به، ليكون نصيرا لقضايا الأجانب. ينطوي شعره على دعوة إلى الفهم وقبول الآخر. في قصيدته الساخرة مواطن عالمي في الدانمرك، يشير فيها إلى التوليفة العالمية للشخصية المحلية، أشرب فودكا روسية، ارتدي زيا أمريكيا، استقل سيارة فرنسية، وأنادي أفتح يا سم سم. أما في قصيدة الفسحات التي لم تعد كما كانت.

المرء يبحث عن كلمة
فيعثر على لغة
المرء يقبل فما
فيجد نفسه متزوجا من شعب
المرء يحفر في الحديقة
فيصادف كوكبا
المرء يتطلع إلى السماء
فيصبح ربيعا.

هذا الاتجاه في الشعر تعبر عنه على طريقتها الشاعرة مريانه لارسن، في قصيدتها للكبار، حيث تنتقد الوصاية الجماعية على الفرد. وحجم التزوير المتبع لتبرير تلك الوصايا. وهناك شعراء مثل ايريك ستينوس، بير هوي هولت، والشاعر المتمرد هنرك نوردبرانت المرشح الدانمركي لجائزة نوبل، حيث يتهم الثقافة الدانمركية بالبرود الذي يقود إلى البلادة، عاش فترة طويلة في تركيا، ويقيم الآن في أسبانيا. ولا يمكن إغفال شاعر مثل سورن أورلك تومسن الذي يفهم من شعره، على إن الحياة تساوي الموت إذا لم يتفوق فيها أحياؤها. قبل فترة وجيزة كتب مقالا مطولا نعي فيه، كوبنهاغن التي فقدت مقومات كونها عاصمة أو مركز، وهي بنظرة ليست سوي طرف أو ضاحية. وشعراء يحتلون مكانة في الشعر اليوم، مثل مورتن سنوكورد، يانوس كولندين، فيغو ماذسن، ف. ب ياك، هناك أيضا شاعر آخر يدعي -ميشيل سترونكة- انهي حياته بنفسه، الكلمة التي خلفها قبل أن يقفز من النافذة، جعلته لغزا ومن موته أسطورة، تقدم إلى النافذة، فتحها قائلا لضيوفه، سأقفز، كل القافزين يقعون على الأرض، إلاٌ أنا، سأقفز إلى السماء وأبقي معلقا بها. قفز فعلا، لكن السماء تخلت عنه، فسقط جثة نازفة على الرصيف، ومن ثم يواري في الأرض.
هناك شعر محلي يتسم بالمزاج ويصدر عن تقلباته، الآخر فيه غائب، يحضر عندما يكون عائقا أو مزعجا أو ربما حبيبا، هذا الشعر تتكرر فيه، مفردات الربيع ومدلولاته، المرء الذي يرقب تفتح الزهرة، شوق العين إلى فراشة، الشمس النادرة. شعر يدور خلف الأبواب يحس بوجود الآخر، نادرا ما يراه أو يحتك به. بقدر ما يتربى الفرد مدرسيا على الانضباط الثقافي والتمسك بالحقوق وأداء الواجبات، لكنه ينشأ على الحذر من الغريب، وتجنب الاحتكاك البصري، فالشارع، ليس مكانا للتجربة أو تعرف أنه ممر، قطعه يتطلب السرعة والحذر. وهناك قول مأخوذ عن قانون يانته (ينته لوْ) لا تعتقد نفسك شيئا، لا تعتقد أن بمقدورك أن تعلمنا أو تضيف إلينا شيئا، هاتان نقطتان من عشر نقاط يتضمنها القانون المذكور الذي ورد على لسان بطل في رواية تحمل أسم ينته، وهذا القانون لخص عناصر الشخصية الدانمركية.
والآن أعود إلى جديد الشعر الدانمركي، حيث الاحتكاك بالمظاهر السياسية لتحويلها إلى هموم وجودية ويومية، فالسياسة صورة متحولة عن الثابت الوجودي ومتلاعبة به. السياسة فن صناعة الأزمات واختراع المصادمات. تطل السياسية عبر واجهة هو: التلفزيون هذا الضيف الفضولي والثرثار، يحدثنا ونحن نتناول الطعام عن ضحايا العنف ويصور لنا أشلاءهم وحجم دمارهم، راجيا إلا يفسد ذلك علينا شهية. من جراء هذا الاتصال غير المسبوق، تنشأ تفاصيل يومية يرٌغب بها لتكون مشتركة، حالات الحرب المتزايدة ولحظات السعادة النادرة تؤلف بين مشاهدين مختلفين في الثقافة ومختلفين على الموقف. ما يحدث اليوم، خلافا لشعر حقبة الأمس، حيث شارك الشعراء الآخرين قلقهم من النزوع إلى عسكرة الكون، فالشاعرة بيا تافتروغروب التي تري أن عسكرة الكون تعني وثوب الحرب والهدف هو إصابة القلب¢، فيما ذهب الشاعر أوفا هادر عضو الأكاديمية الدانمركية، دفعه شعوره الحاد بالوحدة وإفراطه بالكحول، إلى طي حياته ومواجهة موته هزيلا، وحيدا ومنسيا في أحد دور العجزة، قراءة قصيدته ¢المعضلة¢ تشي بوقت كتابتها، والأرجح أن يكون يوم أحد من آحاد شهر أكتوبر، الشهر الذي تستوي فيه العتمة والبرد على الدانمرك:

إنها المعضلة
يلتف من حولي
ظلام أكتوبر
وبعيدا عن التفكير بالحركات العسكرية
الجاهزة وراء البحار وخلف الحدود
بالأسلحة المشرعة نحونا
الطائرات المتأهبة
أو تلك التي في السماء
الغواصات التي أقرب مما يظنٌ المرء
من الصعب عدم التفكير
بنزلاء معسكرات الاعتقال الصاحين الآن
من الصعب تجاوز تفاصيلهم الماثلة أمامي
وأنا أقرر إنهاء مسائي
مودعا أوراقي في الدرج
مطفئا مصباحي
ومستسلما للنوم.

قصيدة الشاعر الراحل هاردر، لا تذكرنا بنزلاء معسكرات الاعتقال، إنما بالطبيعة الدانمركية التي تأسر المزاج وتعتقل الفرصة للاشتراك مع الآخر. فالطبيعة تبدو حاسمة، ولا يستقيم الحديث عن الدانمرك وعن شعرائها، ما لم يقوٌم دور الطبيعة عموما والمناخ تحديدا. تفرض الطبيعة الحديث عنها، بتمظراتها الجغرافية والمناخية. الإنسان نبتة حية في غابة الكون. تتأثر بعوامل الطبيعة وتؤثر فيها، واعتقد أن البشر أشجار حية، قد لا تموت عند اقتلاعها من تربتها وغرسها في تربة أخري، لكن قد تفسد أو تتبدل ثمارها. الطبيعة لها دور وللمناخ تأثير في النفس هنا حيث شروق الشمس سبب لبروز الابتسامة من سباتها الغيومي. يصف طبيعة الدانمرك البروفسور مارك أوشي من مؤسسة الأبحاث الألمانية والأسكندنافية في جامعة نانسي الثانية في فرنسا، على إنها مفاجئة، حيث أن أعلى قمة لا يتجاوز ارتفاعها 147 مترا. عن مستوي سطح البحر، فالبلاد الدانمركية مستوية، لا تتناغم طبيعتها مع الميلوديا الشعرية العظيمة الخالدة. يتسم الأدب الدانمركي، بسمتي: الألم والغموض الروحي وهما السمتان اللتان تخلفان إحساسا بالخيبة والإحباط مما يجعل القارىء يبحث عن حوافز إضافية، لمواصلة البحث.
وبغض النظر عما تقدم والرأي للبروفسور أوشي، فإن الأدب الدانمركي، هو أدب نقي وأصيل، يعدٌ واحدا من الآداب العالمية المميزة، وما يمنحه خاصيته العالمية كونه يرتكز على المزاج الذي يبدو غريبا، ألا أنه يتطلع إلى آفاق إنسانية رحبة. ولا نختلف مع البروفسور أوشي في ما يذهب إليه، أن أجواء حرية التعبير وحقوق الكاتب المكفولة مؤسساتيا، تجعله شفافا، فيما يتناول ويطرح دون خوف من رقيب أو عرف، والشفافية إلى حدٌ ما ميزة الأدب الدانمركي.


المختارات

ف. ب. ياك
ولادة ثانية جميلة

فكرٌي انك كنت جالسة على حجر مدٌة طويلة،
عجبا، بسبب العيون التي تنظر إلى فقط.
أتفكرين أحيانا بالوقت الطويل الذي شكلنا فيه عينا واحدة.
بعيدا عن الماء الذي يتنسم ساهما
طائر الرماد
مثل مدينة شاهقة تقوم شجرة ¢البوبلار¢ نحو السماء، إنها أسطورة الاندهاش،
أشدٌ نيكوتين السيجارة إلى القصبات الصدرية،
حتى القدمين تستطيعان استنشاق الهواء.
كل سنة سيران البحر يضعني بلا أوصاف في صورة جديدة.
يستشعر انسجام تعب جسدي،
أرتمي مسرورا على حجر برٌاق
يغدو الظلم والموت طبيعيان في مرآة أسفاري.
كما الألوان تنزلق تحت سماء المساء
هل هو رماد السيجارة الذي يشتعل،
يحترق ويشع في حركة ظهوره العامة،
أنا منتفخ بزٌرقة فيتامين، ثغاء العصير يحقنني بالصحة.
موقد المخيم ينطفىء حتى نوم الليل،
بينما الأحراش تستلقي في الخلف.
في أسفاري غالبا أكون في بيتي،
الرٌحالة الذي في دواخلي ينشد السلام والهدوء، نعم الورق متعالي.
لا أعرف أني نائم لكني متوحد مع حلمي
صورة جديدة تعتلي المشهد مع تنفس،
وغدا يمضي السفر نحو أناس جدد،
هكذا يتهيأ الصمت مرة أخري.
كما تنزلق الألوان تحت سماء المساء
هل هو مجرد رماد السيجارة الذي يشتعل،
منْ سمرته الشمس حاضر لإلقاء كلمة امتنان متهكمة
أنا مليء بالفضول.


ديتيه ستينسباليه
الحياة في منتصف ليل

الحياة في منتصف ليل
يمكنك أن تنام
يمكن أن تحيا تحت الغطاء
يسمح لك أن تسأل
عن صغائر الأشياء
عن القمر في بيتك
القمر الذي سقط ومات
مثل حشرة في ضوء شمعة
بسرعة ينتقل
وراء الأشجار
يقف الحب
نحن نتثاءب
عبر القمر نبصق
حبة الثلج السامة في ظلام
الكواكب والهواء
يعود خط منقوش
¢أنا حالة حب متوارية¢
مع الرأس الحاني
مع الرأس الحاني على اليد
هكذا تقرأ اليد الأفكار
وتمضي إلى المصافحة

الصندوق العازف

حاجة
ميكانيكية
إلى الطفولة
صباح ظهر مساء ليل
أربع نغمات سهلة
فتح أكل تنفس غلق
لا أتمني أكثر من ذلك

حطام طائرة في قدمي

حطام طائرة في قدمي
جسم طائرة مفكك
ولا أعرف منْ هم الركاب
وماذا يحملون في حقائبهم
تحكٌني قدماي
أذهب إلى غرفة الفندق في مدينتي
أحمل حقيبة
وأطلس العام الجاري
لا أستطيع بلع السفن المبحرة
أتنفس أعمدة الدخان المتصاعد من السفن
أبصق كل شيء ثانية
نزلاء الفندق يتكلمون لغات
جئت لكي أسمع
ما لا أفهمه
أنام مع أطلسي المفتوح على الوجه
في الصباح التالي أتكلم كل اللغات
وطائرتي تأخذني إلى بيتي

الضوء يعبأ أكثر

هنا الأرض بضوئها وظلالها
الضوء يعبأ أكثر ويقف بحرف كبير
هي كرة مهترئة
لكنها ضرورية للبقاء، على الرغم أن
في هذا الوقت يهيأ لي
يمكن أن نحيا دون الأرض
عندما يخيم الظلام نقف
في ساحات الكنائس الكبيرة تحت المصابيح القديمة
نقف في الظلال ونتبادل النظر إلى مشهد
صورنا الجانبية
والذين لا ينظرون إلى الظل
ينظرون إلى من ينظر

أثناء النوم

أضحي بالنهارات لأجل الهدوء
الليالي
النوم الطويل

الأيام، رقيقة كنسيج من الغبار
أنت جالس في تلك الغرفة التي لك
في الأثاث الموروث
الذي جلبته معك
الباعث على راحة العين

لاشيء لك
أنت تنظر إليها مثلما
تسمع صوت

تقطير حنفية الماء
صرير الأرضية الخشبية
أنت تمشي
رواحا ومجيئا

الأيام، انقطاع، صور خاطئة

تألق الثواني
ومسحوق السعادة المنتشر
بين

أنفاسك
ت. س. هوْي

رسالة من المصير

كما تعرف كنت وجها للحرب، منذ الفجر الذي فتحت فيه عينيٌ على نقطة الاختراق من جار ضد جار. في الشارع الرئيس كانت الأكاليل معلقة ترجرج عين مسملة وأذن مقطوعة بين المنازل. المشعرون اغتصبوا نساء الصلعين في موقف الباص وأمام مبني البلدية حادٌو البصر يقذفون أطفالا بنظارات إلى الجو ليتلقفونهم بالحراب.
فقط المسنون يمكن استعمالهم كحطب جاف للمواقد.
السعادة شيء يطوق العنق.
هكذا تغدو مناطقي خربة ليحصل الجبل الأجرد على أهميته. في طريقها للحصول على الماء أصيبت أمي بظهرها لذلك أختباءت تحت الأرض وعلى سطح الأرض تصخب وتشتعل الحرب، بينما السماء تطلق عليها النيران فتصاب وتتشظى.
تحت حماية وقف إطلاق النار الهش هربت والموت الذي بهيئة رجل يحمل منجلا قرقعته عند العنق. تسلق جبالي باردة انزلاق إلى وديان مهجورة، نوم في وحل وغرس أسنان في حصان فاطس. زحفا على الركب لقطع الطريق.
السعادة شيء يطوق العنق.
في هذه الإثناء لم يستخدم السلاح المتطور كما نعرف من اليورانيوم، الذري والغازات، لكن فقط المعاول، المجاروف والفؤوس. فناء المدرسة أصبح مركز استجواب ولا حاجة لديهم غير الإسفلت وأشرطة التعذيب وبانيوهات مليئة بالمياه. الاعتراف لا يغيٌر أسلوب المعاملة.
السعادة شيء يطوق العنق.
أنفقت كل ثروتي وصولا لنيل الحرية وفورا سجلتني في مركز معالجة المعذبين. تعلمت الوقوف والمشي. بعد العلاج وصلت إلى شارع تعصف به الرياح، تلهف لسماع الأخبار البعيدة والهدوء المسالم.
السعادة شيء يطوق العنق.

المسافة هي كلمة
لا متناهية الطول

بيت أبيض يمسك بالسماء في
أحمر ممزوج ببرتقالي الشمس
عبر البنفسجي قبة زرقاء
بيت أبيض يشكل حوله كهوفا
ثقوبا كنوافذ بلا أبواب
عبر الشرفة وضع أكل مشترك
بيت أبيض يحمل كهوف السماء
مربوطة في حبال متحركة
من الثريات الملونة المنشدة
أبيض يشكل بيتا هلاليا
عبر سحب الأراكيل الشاردة
منتصف الطريق بينك وبين الجزيرة العربية.

الكآبة المحترمة والنبيلة

الكآبة المحترمة، والنبيلة وغير المفهومة
الكآبة المحترمة، والنبيلة والمهملة
الكآبة المحترمة، والنبيلة وخفيفة المرارة

... حيث أقف، لا أحد ينظر وحيث أمشي تطير الكلمات بعيدا، عديمة اللون كالهواء.
أبحث بين أشباح الشوارع المهندمة، لا أجرؤ على الكلام عن الكارثة، التي تنفخ على عنقي
في كل منعطفات الشوارع، أزحف نحو الملجأ الذي جئت منه للتو، كما أري أن العالم صغير،
فيما البلدان كبيرة والمدينة مستوحدة، حيث تتبعثر الكلمات، عديمة اللون كالهواء.

... أنا الوحيد الذي أميل إلى، وبالأمس كانت ملابسي مناسبة تماما، حتى لحظة اصطدامي بزجاج الواجهة وغيابي عن الوعي، لا أحد يبلغ، عن فقداني في لا في الشوارع العادية ولا في نشرة الأخبار.
... أسنان جليدية تتشكل على الطحالب، بينما البرد يجعل الأخضر شاحبا. التلال تتمدد وحيدة فيما الظلام ينسدل فوق الغابات. القطار يسير شمالا وأنا أنظر إلى الخلف، مدينة الليل مصفرة بالنوم، لو توقفت عندها لكنت في أزمة، أشير إلى كوخ خشبي: هناك مهجعي.
... النهار الشفاف الذي يتدفق على بحر من الغيوم، ويجري تحت جبال من الماء خلال ليل مدلهم، أن تقلب قطرات إلى ذرات رمال وأن تقلب ذرات الرمال إلى قطرات، العالم صغير، الحدود كبيرة، هكذا هي المدينة لكن أين البلاد.

حلمي الحبيب، جزيرة، ضاحية، مكان ماء، كلنا مضطرون إلى السفر، لكن أين عائلتي؟
... ونحن بمنأى عن الأذى، الجبين مرفوع ولا حاجة إلى وضع الظهر منتصبا، لكن لو كانت صيدلية، لنجوت، وان كنت شاطئا، لكنت صحيحا. كلا الجبين مرفوع ولا حاجة إلى وضع الظهر منتصبا، لأننا بمنأى عن الأذى.
... أرضية رأسي معبدة بالإسفلت، بين الأذنين يمتد جسر، فمي حاوية روث الحيوانات، حمم سائلة على لساني، الهواء يحاول لاهثا، إنعاش كيسي النفايات الحاويتين على رئتي غابات تموت تحت الإبط ورجلاي الهشتان مثل أعواد البسكويت المالحة، أتهيأ ليدهسني المجتمع.
... قلبي هو كبد وجسدي حاجز يرتج في عاصفة الدم...

كريستينه هيسلهولت
الغرفة

يخيل إليه انه يسمع تنفسا من الأزل، حين تجلس على الفراش وتقول: أنا خجولة لأنك تنظر إليٌ وأنا أموت.
كن لطيفا أخرج حتى أموت
إلزابت تمسك القلادة تنظر إلي الساحة والمتنزٌه، تلقي رأسها إلى الخلف ويدها تترك القلادة وتنزل ببطء إلى الفراش.
توقفت عن التنفس، التنفس الذي يتوقف يغيٌر كل شيء، هو ليس متزوجا ومتروكا من الميتة والطفل الذي ينظر. لا يستطيع أن يري هذا المنظر أو يتخيله فيطلب حضور مصور.

غرفة المرحومة

على هيئة صورة على وشك الإلتقاط يقف الطفل وهو مع السرير المسلتقية عليه المرحومة. القلادة متدلية حول الرقبة الممدودة.
يمسك هو باللالىء. يمدٌ هو محدثا حركة في الغرفة والصورة. يفكر هو أن الغرفة تابوت. ووجودهما فيها خطأ شدٌ الطفل من يده منسحبا إلى المدخل.

المدخل

شخصية غريبة متكئة على الباب الرئيسي. ترتدي فستانا أزرق وتحمل حقيبة يد زرقاء فاتحة.
هو يعتقد إنها تشبهه في ألوانها، سعة العين، شكل الفم، يخطو نحوها، يسألها عما تريد؟
ينضح الشبه أكثر. تجيب إنها قادمة لمساعدته. طفل يقف وراءه.
تضيف أأنتما
يشدٌ الطفل الصورة من يد أبيه، تضع الغريبة يديها على كتفه وتنطق اسمها بعمق (AO).

من غرفة إلى غرفة

أدوري تمشي من غرفة إلى غرفة وتفتح النوافذ. تيار ريح يعصف بالبيت يحمل آثار نقاء، رائحة الأرض والدفء يطردان تدريجيا.
تعصف الريح بالأبواب هذه التي تصطفق، تذكٌر بصفحات كتاب يتصفح بسرعة هائلة.
الزهور تخشخش في المزهريات الريح تداعب فستانها الأزرق، يلمح لباسها الداخلي اللٌماع.

في حديقة الحيوان بمعية العجز

أسوأ شيء بالنسبة للعجز سكونه
يعبئك بأكياس من شيء تعجز عن التعبير عنه
أنه حيوان ضخم، فقط نصف إنسان
في أحسن الأيام

العجز يسكن عند جانبي السكة الحديدية
فيما الجو يتأخر على المشهد
المرور قشرة رمادية صاخبة دون مستوي السمع
العجز يرتدي قفازات. وحذاء جديد رخيص
يترك أثرا غير واضح ويخلف طعما باهتا
من الماء والفلور
يدفعك إلى الغثيان.
يقهرك على الجلوس هادئا على كرسي.
على ظهر العجز تجلس خالة القسوة
ترتدي الغامق ولديها من الأسنان الكثير
عندما تكون سعيدا
العجز أخوك الغريب
تذهبان إلى حديقة الحيوان معا
تجتمعان عند الأسيجة
وتبحثان عن حيوان جديد
لأجل إسعاد العجز تأخر في الذهاب إلى النوم
استلقي على ظهرك ويداك معقودتان على البطن
تخيل خالة العجز نصف عارية
لحظتها تبكي أنت
( . . . . . .)
كل صباح
أحمل قطعة ميتة وأدور بها في البيت
أنشرها على الهواء، آخذها معي خارجا
أعتني جيدا بقطعتي الصغيرة الميتة!
كل صباح
أدع الهواء يدخل من النوافذ المفتوحة
أشدها إلى الداخل
أسحبها عبر الأبواب
وأحمل شمعة حمقاء، تقطٌر
طوال الطريق بعد هبوب الهواء
أنا تظاهرة جذام
فقط بشمعة واحدة ودون أجراس

كارست ينسن

القلب

ليس القلب عضلة عضوية، إنه كلب يقفز خارج سياجه، يبتلع كلبا أصغر وبالتالي ينفق كلبا أصغر وبالتالي ينفق ببطء، بينما يتعثر ويسعل مترنحا على الطريق، واللعاب سائل يتدفق من فمه. كان بودلير يريد القلب أن يكون نائما مثل حيوان: استسلم يا قلبي ونم نوم الوحش، لكن القلب لا ينام أبدا: حتى الحيوانات خلعت أثوابها ولكنه يتذكر الزمن حين كانت الغابات واقفة والظلال تسقط مثل الأشجار.

وداع

في الصباح الباكر حينما يجلس الآخر على سريره ويغض النظر، عندها يحين الوقت فتلوح بمناديل بسعة شرشف، تتدفق الدموع من الأذنين كضفادع صغيرة من الماس. أريد أن أراك ثانية، لكن رسم وداع ينزل فوق الأفق، حتى الأشرطة المسجلة للآخر الذي يتكلم ويغني أو يضحك، يمحوها الزمن، فتتحول إلى وشوشة، شهقة.
وأخيرا لا يبقي إلا السكون الكائن بين الثواني.

إريك ستينوس

الأزمنة

ما الذي يجب المحافظة عليه
هل هو التغيير؟
القصور تمتص مياها كثيرة
من الأرض
حيث لا يمكن حفر الآبار بالعمق الكافي
ونضطر مكرهين على ترك
الصالات والحدائق
إلى السحالي، العناكب والأشباح

أما الصحاري
الزاحفة نحو الشمال
لا تحترم أراضي مقدسة
ولا مدنا.
بعد ثلاث عواصف شديدة
تبقي ذرات الرمل معلقة بالهواء
فوق العاصمة
ثم تستقر
على الشوارع، البيوت والحدائق

الجمال تأتي مبحرة
شيء ما قد تغير

خلال سبع سنوات

هددتنا السماء
بطغيانها
خلال سبع سنوات
افتقدنا الشجاعة
لننظر إلى الوراء
ونبكي القرى المحترقة

خلال سبع سنوات
انتظرت النجوم
أن يكف
الإنسان عن الصلاة

خلال سبع سنوات
هد الجوع
البلاد
والأموات الذين اتنسوا في الخوف
الآن يأتي
من أعماق الغابة
هزيم الرعد

رمح

يقف مهتزا
في الأرض
الكتاب الخامس

بعد العاصفة

عند الحدود
نصبت الخيام
أردنا بناء بيوت
من أقوي جذوع أشجار الغابة
أردنا إخصاب
الأرض بأيدينا
ونبذر حبوبا
كافية لنا
وكافية لعصافير السماء

لكن الصحراء
أدركتنا
سيل الذوبان البركاني
من أبراج المدينة
غطي مزارعنا
وأغرق جذوع الأشجار

سمعنا قهقهات الأوثان الإلهية
التي أخافت الأصوات وأبعدتها

اليوم نصبنا مرة أخري
خيامنا

أسمع ذبذبات الوقواق
وإشارته المتأنية
ومرح الطيور العميق

عاد المشردون
الحشرات تطن
في الهواء النقي

حصاد


أرض مغطاة بالخبز
على مد البصر
آن الأوان لحصاد القمح،
للساق أن يموت، والجذور تتعفن،
حان وقت الغبار والزيت والعرق

أقسم الحقول العريضة
إلى أخر ضيقة
صور كبيرة في صور أخر صغيرة:
على ساق منفردة ومنحنية قليلا
عصفور أحمر

يقص ويقص بمنقاره
راية بهيجة تحت شمس شديدة البياض
لهب مخملي
في مخبز الأرض

صفق صفق، ارحل بعيدا
آن أوان موت السيقان،
وتحويل الحبوب.
ارحل إلى عشك
وانتظرني هناك مساء

عندما أسكب على رأسي
جردل ماء. انتظر
عصفوري الأحمر
مثل لهب، مثل راية،
من عتمة الفرن ينفصل

ظل جائع وعطش

عيون الجسر

عندما كنت أعيش على ضفاف بحيرة نيانزا
كان المعمرون
الذين ناهزوا الخمسين، الستين، أو ربما الخامسة والستين
يقولون:
في قاع البحيرة مرة، في منتصفه مرة
أو على أطرافه مرات أخر،
تهتز الأرض وترتعد السماء
دائما في منطقة ما منها

نحن القدماء شهدنا كيف تضرب المياه
أعالي الأشجار وسقوف المنازل
وكيف تحترق الأعمدة كالهشيم.
ومرارا ما ينتهي العالم إلى خراب

لكن البحيرة تقدم الأسماك المغذية
تظهر أفراس النهر في الليل
طلبا للعشب. الأنصال والشباك
صالحة للصيد قرب نيانزا

أكون على فهم خاطىء لو اعتقدت
أنهم يؤمنون بآلهة
لكن مرأى لمعان طيور دمشق الذهبي، عصفور
سلطاني ومالك الحزين عند شروق الشمس

يدفعهم إلى ترديد ترنيمة امتنان
بأن ما يعيش معهم من النار، والماء
والمرض
يترك لهم هامشا للابتهاج
كريستسنا ستولز
نحو الجنوب

هناك أطفال يدفعون قوارب
ورقية
بأيديهم
أنا أتذكر
أن لا أخوة
يتوقفون عن الكلام
لكنهم يقذفون الرماح على الرمل
أبعد وأبعد
نحو الجنوب

نحو حضارات من الرغوة واللالىء،
نحو أمواج تقرر
كل لقاء

بين شخصين
على جسر،
في القاع نقود وأعشاب،
الهاتف الميت يرن مرة أخري

نحو البلدان الباردة
التي تتمسك بالمسافة
بين أرض وأرض،

لا تصغي إلى إشارات اللاسلكي،
ومضات الفنار تقدم لكل وداع
مثل شيء يصعب الندم عليه

أو يوفر عليه ما يبعد الموت
تجد معدات في الرمل:
نجوم البحر ونطاق البحارة،

بقايا من القادمين
لم أرها وأضواء الإنذار
يغير المتوقع
أن يعرفه أو يجيب
على كل ما يلقيه
البحر على الشاطىء
تماما هنا حيثما أقف الآن

أزياء

هناك كرنفال
في مختلف الألوان
والموت يلبس كعبا عاليا
يعزف على آلتي المفضلة
بينما تلمع القطع الذهبية
على عظم الحرفي الواضح

هناك أبنية تاريخية
وطرق مختصرة
ريش طاووس وزنابق على البحيرة،
آيس كريم الفراولة وشوكولاتة
وربما ستمطر
أكثر من الذهب عندما
أوقع على أن الوجه
لا يعود لي
هناك غرفة غريبة
تطل على نصب وأفارقة
على مصاطب الحديقة
كلاب صغيرة
وحشد كبير من البشر،
مشاورات ولغة منقرضة

لا شيء في المرآة
في القارورة ترقد الكلمات
والأعداد
التي ترددها الحاجبة
بينما تزداد الدرجات
أو تمتزج السنوات بالمحادثات
أو بصورة صحن مليء بالفاكهة
المعلقة على الحائط

والقمر والمزيد من النقود،
أسعار وسقوف كانت بالأمس بيضاء اللون،
غرور وعقود،
انتحار روماني وخلفيات جديدة،
إنارة أفضل، أسرار، حنفيات
تقطر وعزف على قيثارة
لا يفضلها أحد، خادمات،
أعياد ميلاد وأقواس قزح،
أسرة صدئة، أشجار الصنوبر
وعلامات حمراء
ترشدك إلى عمق الغابة والى البحر،
إلى الكرنفال، المحطة،
غلي الحفل اليوبيلي،
غرفة انتظار،
جوار إلى يمين الوسط
ماريانه لارسن

رسالة رقم 1

يبعث المكتب العالمي برسائله إلى كل بيت في منطقته
أتلقي أنا واحدة أيضا
عندما قشرت الورق بسكين الفاكهة
اكتشفت حينها
أن كل كلمة تظهر
تفقد سر التفاحة
أفهمت لاشيء

رسالة رقم 2

أبعث إنصاتي نحو كوة البريد
الواحد تلو الآخر، تسلل الألحان عبرها محلقة
من ذا الذي غناها، ولم يتمكن من إرسالها بالبريد العادي
رغم كل شيء ستصل

رسالة رقم 3

هناك بطاقة يانصيب، سأربح حلما
هناك صورة عنه. رحلة بعيدة
هناك سحابة انفجار، وسأهتز
أختار رقمي المحظوظ في ورقة يانصيب

ضيوف

نقرات على بابي
أفتحه
في الخارج يحتشد الملايين من البشر
يملأون كل المدينة
فتاة صغيرة تفرك يديها
تسأل
لماذا جرس الباب عاطلا
يمسك الرجل العجوز بيد الفتاة
ويسأل مبتسما
إن كان لدي بعض الوقت
يريدان أن يغنيا أغنية حب
تينه ميتابغون

الرمل

نعيد الرمل
ندفن المجرفة

وأصغر سطل
مليء لحافته
ونحمله

إلى حدائق أخري
نفتح القبر
هيكل سنجابي نحيف

أيقظ ذكري
أول لقاء
سرا وراء الشجرة

الحمي والممنوع
تذوب
في خط يجري

من الساق إلى
أقصي الغصن

أفتش عن مخرج، حركة
من القبو إلى السطح
وأكتشف بابا
مفتوحا مسبقا
ومنفي على السطح

سلسلة لا متناهية
من الليالي الأرقة
سفر بصحبة
عواء الذئاب
الحزين

استعدت شجاعتي
والقوة على تكشير الأسنان
ونهش الألم
بيني أندرسن

نصيحة إلى أحفادي

ضعوا نصب أعينكم هدفا عظيما
خلفوا وراءكم أثرا جليا
يدل على أنكم كنتم هنا

بالصيادة كنا نصوب ذات مرة
الأولاد كانوا يصيبون القناني الفارغة
لكن أين شظاياها اليوم؟
فيما كنت أصوب نحو هدف هو القمر
وآثاري لا تزال تري بوضوح حتى اليوم

نشيد إلى الموت

عندما أفكر بنفسي فقط
أفكر فعلا
أنك أخطأتّ حينا
وتركت لك أثرا
هناك ما تندم عليه
وهناك ما تفخر به
الخلاصة:
من الممكن أن ما خلصت إليه أن يكون أسوأ بكثير
لكن الأمور سارت على نحو أفضل
أخذت الكثير
لقد نجحت
هذا هو اليوم الملائم للموت
إذا كان لابد منه
لكن يوم الاثنين مناسب أكثر

لكني حينما أفكر بحبيبتي
أفكر
لا قطعا هذا مستحيل
تلك العين وهذه الابتسامة وذلك الصوت
مغلقة ومطفأة
هذا مستحيل يا صديقي القديم

هذه البشرة الناعمة، هذا القلب الدافىء هذا
الحنان الغامر هذه الخواطر المجنونة دون
أن نغفل ذلك الضحك الذي لا يضاهي وكل أذن
منك تحفة ولا ننسي أصابع القدمين
وتلك الركبة الرشيقة التي لا تقاوم
هللوا لا
هكذا لا نلعب
عندما تتألم أتألم أنا
عندما تكون سعيدة أفرح بوجودي
هكذا هي الأمور
فلا تشرع بالقدوم
روماتيزم وأمراض أخري
نقوي على الاهتمام بها
لا تلمسها، أبعد أصابعك عنها
أفهمت؟
إن أقدمت على شيء من هذا القبيل
فذلك سيكون على جثتي

رئتاي

أحب كثيرا رئتيٌ
يتابعاني أينما أكون
حتى عندما يغشاني النعاس
أحس أنهما يخاطباني:
نم قرير العين
نحن نحرس محلك
حقا يمكن الوثوق بهاتين الرئتين

لم أرهما إلا في مناسبة واحدة
عندما أخذت لهما أشعة
لكنهم لم يستوقفاني
ممكن أن يكونا رئتين لكائن من كان
لساعي بريد
لعارضة ستريبتيز
لتاجر سيارات مستعملة

يجب تذوق الرئتان من الداخل
مما لاشك فيه

أتنفس بهما
يريان بعيني
نشهق معا
عندما نقرأ إلياذة هوميروس
عند النظر إلى مؤخرة جميلة لامرأة
أو عندما أطالع كشف الضرائب

كنا متضامنين في السراء والضراء
ما يناهز عمر الإنسان كله
التضامن كلمة عاجزة عن التعبير
نشعر بعمق ترابطنا
أتمني لنا مزيدا من السنوات السعيدة معا

الفسحات لم تعد كما كانت

المرء يبحث عن كلمة
فيعثر على لغة

المرء يقبل فما
فيجد نفسه متزوجا من شعب

المرء يحفر في الحديقة
فيصادف كوكبا

المرء يتطلع بدهشة إلى الأعلى
فيصبح ربيعا

النازح إلى قلبي

التقيتك كغريبة
لكني اكتشفت أنك تعرفين
عني أكثر مما أعرف أنا عن نفسي

أرشدتني إلى اكتشاف نفسي
تعرفين الطرق المختصرة
المناظر الغافل عنها
المرجان الذي في قاعي
على خارطتي مرسوم طريق مسدود
تهديني إلى مطار الحب الكبير في روحي

أنت قست أفقي اليومي
بينما كنت جالسا كما على كرة الدبابيس
كنت تستلين الدبابيس مني
لتثبتي قصة الموديل على القماش
قصقصت ووسعت
أفقي الجاهز
مضيفة إليه آلاف الكيلو مترات
هكذا لم يعد ضيقا على حياتي

آخر الليل

أومأت برضي
في البدء ستشعر بأنه
فضفاض بالنسبة لماضيك
سوف تنمو فيه
ويليق عليك

يا من ضاعفت حياتي
أيتها النازحة إلى قلبي
بأفقي الواسع بعض الشيء
والفضفاض
أضمك إلى
في هذه الليلة الربيعية الحميمة
بيا تافتروب

هكذا تحيا النجوم في النهار

كبريق وراء المغمضتين
مثل علامة على جبينك
الشجرة الحالمة تزهر
بلا تعويذة للجمال
أضع يدي على كتفك
أترك إصبعين ينزلقان إلى العنق، عبر أذنك
يرسمان عبر القرون
سلما موسيقيا برتقاليا من الأصوات
يكتبان زماننا
من الفحم إلى الماس
نار، سأصير شعلة
تتوهج بيننا
الوجه الذي يمكن أن يضيء

دمعة

لا يمكنك النزوح إلى البكاء
يصعب عليك الاختباء خلف حجاب بلا لون
أحبك
أمنحك دفئي
أنصت إلى المطر المنهمر في عينيك
من تلقاء نفسه
كانت إذن هذه الدموع
التي خصبت الأرض
لكنها مالحة
وبعدها لا يمكن أن ينبت شيء
ديتيه ستينسباله

أثناء النوم

أضحي بالنهارات لأجل الهدوء
الليالي
النوم الطويل

الأيام، رقيقة كنسيج من الغبار

أنت جالس في تلك الغرفة التي لك
في الأثاث الموروث
الذي جلبته معك
الباعث على راحة العين

لاشيء لك
أنت تنظر إليها مثلما
تسمع صوت

تقطير حنفية الماء
صرير الأرضية الخشبية
أنت تمشي
رواحا ومجيئا

الأيام، انقطاع، صور خاطئة

تألق الثواني
ومسحوق السعادة المنتشر
بين
أنفاسك
سورين سورينس
الغابة الفضية

في قديم الزمان
موسم الحصاد الذهبي الآن
مكسو بقشرة فضية
تقنية الطلاء
أخذت على عاتقها
ميثولوجيا الأنواء الجوية
وغطت بالجليد
إيقاع مصابيح الشارع
صرير معدن
على العشب
وأشجار الحور الصامتة مجرد واقفة
وتنتظر بلا فكرة عما حولها
الغابة الفضية تري
خلف صخب المطار
الإسفلت والمصابيح
رجال مسحورون
نساء مسحورات
فيها ولا خلاص
من سحرهم
إلاٌ
دم الساحرة

يقف كل شيء
مغلف بالفضة
أبيض ومتحجر
حذاء الأميرة الذهبي
الذي أضاعته
يوجد في خندق
لا يمكن رؤيته
بعد الذوبان تنهض الساحرة
فيما يختلط الكبريت بالفضة

يحمض كل شيء
فالفضة تصبح سوداء

هل هناك
بديل

يوم الكلاب

يوم الكلاب
رقصة الجحيم
إنذار أولي
للقيامة
سيريوس، ألمع النجوم تتبع الشمس
الكلب سيده
هو يري
ينبح على السماء
الشمس تتابع سيرها
كما في عهد سليمان

سيريوس ينتظر
عندما يحين الوقت
يبلع الشمس

عندما يهلك العالم
يحين أغسطس

صباح في فيسبي

شحرور يقف ويصفق بجناحيه
زخرفة على ورق النوم الأبيض:
قلب
على قلب
على قلب.
من سريرك
يأتي لحن النوم، قلم فولاذي
صرير رسالة إلى الأبدي
والطائرة القادمة من ستوكهولم
تختم يوما جديدا
ها هو الصباح في فيسبي مرة أخري
يقف شحرور هناك.
أنت لا تزالين نائمة يا صديقتي...

حلم في هذه الليلة عن مادونا
تشمي حافية على العشب:
وقع قدم
على وقع قدم
على وقع قدم
من سريرك
يأتي لحن الليل: قلم فولاذي
صرير رسالة إلى الأبدية
والطائرة القادمة من ستوكهولم
تختم يوما جديدا

ها هو صباح في فيسبي، يا صديقتي.
يقف شحرور هناك
أنت لا تزالين نائمة يا صديقتي....
زينة من القلوب الورقية البيضاء
من منقار الشحرور إلى سطح السيارة الحديدي
قلب
على قلب
على قلب
من سريرك
يأتي لحن الليل. عثة
تصفق بجناحها فاقدة البصر تتجه إلى الأبدية،
والطائرة القادمة من ستوكهولم
تختم يوما جديدا
كريستينا ستولز

أحاديث تحت الأرض

ليس هناك مدينة
بزجاج وبيوت
فقط خيالات ومقبرة
تحت القمر
الذي لا يخضع إلا لقانونه الخاص وينادي
على أولئك الذين ليسوا هنا
يحرن على طريق العودة
من خطوط الشاهدة،
بعض السطور على الأرض المبلولة،
وحده مع نعل غير مشحوذ،
أمنية غالية
أن تقطع البلاد،
أن تشرب من البحيرة في الهزيع الأخير من الليل
لا يحيد عن الطريق
لكن يحرق شمعته
غريزتي التي تصرخ بحدة
حديثي
فيجو ماذسن

النوطة

الليل الطويل الأرق
أسمع هدير السيارات تعتلي التلة
لكل منها إيقاعها الخاص
أفكر بتدوين النوطات عنها
على ورق غير مرئي
بعد يوم أعزفها
في المطبخ على آلة الناي
بينما القهوة تغلي في آنيتها

أن يعرف المرء سيماءه عندما يراه

حلم آخر ضيعت فيه سري
في مكان ما على الطريق أحمل عودا
وأمشي منقبا عنها. ما الذي سأعثر عليه؟

أثر مرسوم بعدي. الوقت يأتي على هيئة
كتلة واحدة دون أن يملأ لي جوعا
جسدي صالة تضخم الأصوات

أنظر عاليا. أرفع نظري إلى الأعلى
وأري غيوم السماء في شكل لعبة
القطع المتداخلة
أحركها وأرتبها على النحو المطلوب

رجال ونساء، أطفال وحيوانات. خرافة:
تتضمن الصورة هذه السماء وهذه السحب.
في الزاوية
أقف حاملا القطعة الأخيرة

مانكين معروضة
في نافذة العصر

كانوا كثيرين جدا
لذلك وجدنا بعضنا
جميعا
لم أكن واحدا
منهم
كان واقفا كل واحد منهم على
جانب
من شعوره
وينظر إلى الداخل
هم أكثر مما هم ومع ذلك
قابلين على العد

سجناء المؤبد

ذات يوم شدني رفيق زنزانتي
إلى النافذة
'اختر إحدى هذه السحب'
وهو يشير إلى السحب العابرة
بعد ثلاث ساعات
ودون سابق إشعار
سألني:
أين أنت الآن؟

هناك أعلى البحر
تتعلق سحابة
لا تشبه غيرها

أخبار الأدب
الأحد 15 من يونيو 2003 م