(عن أوراق "مؤتمر المعرفة الأول" في دبي)

عبد العزيز جلال

التعليم وسوق العملهذه الورقة أعدت بهذا الأسلوب تلبية لطلب الهيئة المنظمة للمؤتمر التي تدرك ان موضوع العلاقة بين التعليم وسوق العمل اشبع بحثاً ودراسة تنتهي الى توصيات وتصورات عملية، ولكن ينقصها التنفيذ من جانب المؤسسات التعليمية وقطاع الأعمال.

وبناء عليه فهذه الورقة هي ورقة استخلاصات لبعض المداخل العملية والنماذج الناجحة لتوثيق العلاقة بين مخرجات التعليم وسوق العمل وتحقيق التلاؤم المطلوب بينهما بشكل مستمر ومتطور.

هذا ويجدر بمن يطلع على الورقة ان يستبق ذلك بالاطلاع على الورقة المرفقة بها والتي سبق وان قدمت في (المنتدى العربي للتربية والتعليم ـ مؤسسة الفكر العربي ـ عمان ـ ابريل 2007) فهي تمثل الخلفية البحثية لورقة الاستخلاصات هذه، مع التأكيد على ان الورقة الحالية استفادت واقتبست من الورقة السابقة.

***

المداخل العملية لتوثيق التواؤم بين التعليم وسوق العمل

  1. تقويم مخرجات التعليم (المستوى الثاني والثالث) من حيث الكفاءة الخارجية بمعنى ملاءمة هذه المخرجات لسوق العمل ومدى رضا قطاع الأعمال عن هؤلاء الخريجين من حيث المعارف والمهارات والسلوكيات.
  2. حصر اعداد البطالة في كل دولة بين خريجي التعليم بمستوييه الثاني والثالث ومعرفة اداء العاطلين منهم ومستوى تحصيلهم والتخصصات التي تخرجوا فيها وذلك لتحديد العوامل المسببة لبطالتهم، أي هل هو نوع التخصص والبرنامج الذي تخرجوا فيه، أو مستوى أداء تحصيلهم الدراسي من حيث المعارف والمهارات والسلوكيات.
  3. اشراك جهات التشغيل في القطاع الحكومي والقطاع الخاص في تقويم برامج التعليم وتطوير مناهجه وتحديد مساقاته، وقيام جهات التشغيل بتحديد احتياجاتها بوضوح من حيث التخصص المطلوب وما يشمله من معارف ومهارات وتوجهات سلوكية (ويكون ذلك الى اقصى درجة ممكنة من الدقة، وبصفة دورية لملاءمة متغيرات سوق العمل وطبيعة كل عمل) ومن ثم توجيه التعليم الى اقصى درجة ممكنة لتلبية تلك الاحتياجات (1).
  4. الاستفادة من وسائل التعليم التعاوني والتدريب على رأس العمل للمسجلين في التعليم في مؤسسات التشغيل الحكومية والخاصة لضمان تحقيق المستهدف من ملاءمة مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل.
  5. التأكيد على قضية النمو الاقتصادي في كل دولة وأنه ما لم تتم مقابلة النمو السكاني وقوة العمل مع النمو الاقتصادي فان ازمات التشغيل والبطالة ستستمر في التعاظم كما هو الحال الان في معظم الدول العربية ان لم يكن كلها، او بالمقابل ضبط النمو السكاني ليتواءم مع امكانيات النمو الاقتصادي.
  6. الوعي بالتوجهات القوية نحو اقليمية سوق العمل وعالميته وامكانية كل دولة لاقتناص هذه الفرص لمقابلة احتياجات سوق العمل العربية والدولية، كما هو الحال الان بالنسبة لبعض الدول وأبرزها الهند التي ركزت على اعداد مواطنيها في التقنية الحديثة في مجالات الاتصالات والمعلوماتية وبذلك وفرت لهم فرص العمل خارج بلدهم وفي داخلها مع مؤسسات اقتصادية عالمية.
  7. التأكيد على ان احد النجاحات الكبرى لأي نظام تعليمي ليس هو قدرته على ايجاد فرص عمل لخريجيه، بقدر ما هو تزويدهم بالمعارف والمهارات والتوجهات والسلوكيات التي تمكنهم من ايجاد فرص العمل لأنفسهم لدى الغير او من خلال قدرتهم على ايجاد مشاريعهم الخاصة التي تشغلهم وتشغل غيرهم، وكذلك قدرة هذا التعليم على تمكين خريجيه من التعلم الذاتي والتطوير المستمر وفق مستجدات المعارف والمهارات والقدرات واحتياجات سوق العمل محلياً واقليمياً (عربياً) ودولياً.
  8. الاستفادة من فرص العمل عن بعد في ما بين الدول العربية وفي ما بينها وبين غيرها كما هو حاصل الان في بعض دول آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية بالنسبة لتشغيل مواطنيها في بلادهم عن طريق العمل عن بعد لمؤسسات اقتصادية عملاقة في الدول المتقدمة.
  9. بالنسبة لبعض الدول العربية ـ وبالذات دول الخليج العربي ـ حيث تبرز البطالة بين مواطنيها بينما تمثل العمالة الوافدة حوالي 90% في القطاع الخاص ونسبة معتبرة في القطاع الحكومي فان هذه الدول بحاجة ماسة الى حزمة من الاجراءات للحد من الاستقدام للعمالة الوافدة برفع تكلفتها وتحديد مجالات عملها حتى لا تشكل تهديداً لقوة العمل المواطنة تحت حجة عدم ملاءمة خريجي التعليم المواطنين لسوق العمل.
  10. حيث ان هناك ملايين عدة من العمالة الوافدة غير العربية في بعض الدول العربية فان مؤسسات العمل العربي المشترك حرية باقتناص هذه الفرصة لاحلال العمالة العربية في ما بين الدول العربية محل تلك الوافدة. وهذه الفرصة تحتاج للقرار السياسي العربي والتوجه الايجابي للعمالة العربية للعمل خارج دولها بروح مهنية وانتاجية بعيداً عن مشكلات السياسة وخلافاتها بين الدول العربية التي عصفت بالكثر من المشاريع العربية الخيرة.
  11. ادراك ان الحد من البطالة لخريجي التعليم لا يتوقف على زيادة العدد من سنوات التمدرس (أكثر من الحد الأدنى في المتوسط العالمي وهو تسع سنوات)، بقدر ما يتوقف على نوعية البرنامج الذي تخرج فيه الخريج وجودة تحصيل الخريج من المعارف والمهارات وتطوير السلوك المناسب.
  12. ادراك ان احتياجات سوق العمل متغيرة في طبيعتها ونوعية المعارف والمهارات التي تتطلبها الأعمال المتوفرة والمستجدة بين فترة وأخرى. وهذه الحقيقة تتطلب ان عملية تقويم المخرجات للتعليم وتحديد الاحتياجات لسوق العمل هي عملية مستمرة بالتعاون بين الجهات المسؤولة عن التعليم وأصحاب الأعمال في كل القطاعات، الحكومية والعامة والخاصة.
  13. التأكيد على تكامل التعليم العام (الأساسي) مع مراحل التعليم التالية له: الثانوي العام، الأكاديمي، التقني والمهني، والعالي بكل تخصصاته، بحيث يبني كل منها على ما قبله وضرورة ان يقوم كل منها على غرس القدرة على التعلم الذاتي المستمر وتنمية قدرات الابداع والابتكار والحوار والتكيف والتمكن من تقويم المواقف واصدار الأحكام الموضوعية والعقلانية والواقعية.
  14. ادراك ضرورة وجود برامج للارشاد والتوجيه الاكاديمي والمهني منذ انتهاء المرحلة الأولى من التعليم لمساعدة الطلاب في متابعة البرنامج الدراسي المناسب لقدراتهم وميولهم، ومن حيث متطلبات سوق العمل، سواء في التعليم الثانوي العام الأكاديمي أو ذلك الموجه نحو التخصصات الفنية والمهنية على المستوى الثانوي. والأمر نفسه ينطبق على التعليم العالي بأنواعه وبرامجه المختلفة.

نماذج ناجحة للعلاقة بين التعليم والعمل:

في هذا الجزء سنركز على الاستفادة من تجارب بعض الدول القريبة من مستوى بعض الدول العربية ومع ذلك استطاعت ان تختط تجربة نجاح في هذا المضمار يمكن أن تكون نموذجاً يحتذى للدول المشابهة لها.

النموذج الأول: ماليزي (2)
ارتبطت التجربة الماليزية لتوثيق العلاقة بين التعليم والعمل من رؤية تنموية شاملة عمادها حزمة كاملة من الإصلاحات على المستوى السياسي والإداري ومحاربة الفساد والبناء على الجوانب الإيجابية للثقافة الماليزية الآسيوية. وقد بدأت هذه الخطة منذ عام 1981 وسميت رؤية 20 ـ 20 أي انها خطة استراتيجية مدتها اربعون سنة. والمكونات التعليمية لهذه الخطة تمثلت في:

  1. التنمية البشرية المعتمدة على تنمية المعارف والقدرات والمهارات والسلوكيات واخلاق العمل والابداع والابتكار والتعلّم الذاتي، وكل ذلك يتم من خلال المؤسسات التعليمية في مختلف المراحل والأنواع من التعليم.
  2. التأكيد على تناسق التعليم العام والتقني والمهني والعالي بكل برامجها وتخصصاتها مع متطلبات سوق العمل المتغيّرة خلال سنوات الخطة طويلة المدى، ما يتطلب بالضرورة ان يكون هناك تقويم مستمر لمدى تحقق الارتباط والوفاء بحاجات سوق العمل وذلك بالتنسيق المستمر مع قطاعات الأعمال.
  3. زرع الولاء والاخلاص لأداء العمل المناط بالعامل وتأكيد الاعتماد على العمالة الماليزية والحدّ من استقدام العمالة الأجنبية، ومن المؤكد أن زرع الولاء والاخلاص للعمل يتطلب بالضرورة أن يكون العمل مقتنعاً بالعدالة والموضوعية في الحصول على فرص العمل والارتقاء من خلاله وما يناله هو وغيره من مقابل مادي ومعنوي. وهذه الاشتراطات متوفرة في التجربة الماليزية المؤسسة في احد مكوناتها على محاربة الفساد الإداري والمالي.
  4. تأسيس فلسفة التعليم في ماليزيا على استثمار منظومة القيم الثقافية الآسيوية (ومن أهمها الولاء والاخلاص والتفاني في سبيل خدمة الوطن واعتبار ذلك واجباً مقدساً في التعليم والعمل وأي سلوك يمارسه الفرد) في التعليم والتنمية البشرية، مع عناية فائقة بإعداد المعلمين واختيارهم واستمرارهم من عدمه في ممارسة المهنة، وتنقية المناهج وتطويرها من وقت لآخر والربط والمواءمة المستمرة والدقيقة والتفصيلية بين مخرجات التعليم وسوق العمل واحتياجاته المتغيّرة، وتشجيع القطاع الخاص للمساهمة في التعليم والتدريب، وإعادة القوى العاملة حسب الاحتياج إلى مؤسسات التعليم والتدريب لتحديث معارفها وتنمية قدراتها ومعرفة ما استجد في ميادين عملها وتخصصاتها. وكل ذلك بالأساس مؤسس على كون المكوّن الأعظم للمادة المدروسة هو علوم العصر الطبيعيات والرياضيات واللغات الحديثة وعلوم الحاسب والمعلومات وتقنية الاتصالات.

ومن مظاهر هذا التوجه أن أكثر من 40% من طلاب الجامعات الماليزية يتوجهون للعلوم والرياضيات والهندسة مقابل الاعداد القليلة في الدول العربية الموضحة في ورقة الكاتب المقدمة إلى منتدى الفكر العربي ـ عمان ـ ابريل 2007 ـ ومن هذه المظاهر ما حققته ماليزيا في مسابقة الاولمبياد الدولي للرياضيات حيث قفزت من المرتبة 15 عام 1999 إلى المرتبة العاشرة عام 2003 مقابل الدول العربية المشاركة في الاولمبياد في بعض دوراته مثل الكويت ومصر والسعودية والمغرب والتي حققت المراتب ما قبل الأخيرة بجدارة تستحقها أنظمتها التعليمية. (النتائج منشورة في موقع http://timss.bc.edu)

النموذج الثاني: كوريا الجنوبية:
قبل ثلاثين سنة تقريباً يذكر أهل الخليج قصة النجاح الكوري الذي تعدى دولتهم ليصل إلى أصقاع الأرض متمثلاً في الشركات الكورية التي تعاقدت معها دول الخليج خلال الأعوام 1975 ـ 1985 لتتولى أكبر عمليات شهدتها المنطقة ـ في وقتها ـ لإرساء البنى التحتية في الطرق والموانئ والانشاءات المعمارية.(3)
لقد تأسس هذا النجاح على رؤية تنموية استراتيجية بدأتها كوريا قبل ستين سنة تقريباً. وأدى النظام التربوي فيها الدور المحوري في الاستراتيجية التنموية. وما يهمنا هنا هو جانب ربط التعليم بدنيا العمل، ويتجلى ذلك في الاهتمام المعطى خلال كل مراحل التعليم لاكساب المهارات وتعزيز القدرات الأساسية في العلوم الحديثة والتركيز على تكوين الانسان الواعي والمبدع والملتزم بالعمل والاخلاق والقدرة على التكيف والتعلم الذاتي.
وتمثل مرحلة التعليم الثانوي، والتي ليست إجبارية، ولكن عدد من يلتحقون بها من خريجي المرحلة المتوسطة يبلغ 94%، نقطة الارتكاز في ضبط العلاقة بين التعليم ودنيا العمل. وهذه المرحلة أقرب ما تكون إلى ما يعرف في الأدبيات التربوية بالمدرسة الثانوية الشاملة حيث تشمل الشعب الأكاديمية والفنية والمهنية والتعليم عن بعد (المراسلة ـ الانتساب) بما يمثله ذلك من مرونة حق الالتحاق والتحول والدخول في دنيا العمل أو الانتقال لدراسة المرحلة الثالثة (الجامعي ـ العالي).
ان التربية الفعّالة في دنيا العمل تتمثل في المدرسة الكورية، فمنذ المرحلة الابتدائية يلاحظ التوجه العملي السلوكي حيث تشكل الحقول التالية صلب المنهج الدراسي: ـ التربية من أجل الأمانة ـ التربية من أجل الحياة ذات المعنى ـ التربية من أجل التمتع بالحياة ـ التربية الخلقية ـ التربية الرياضية ـ الحرف والمهن ـ النشاطات اللاصفية، بالإضافة للمواد التقليدية في اللغات والعلوم والرياضيات والدراسات الاجتماعية، ويمتد هذا المنهج للمرحلة المتوسطة والثانوية بشعبها المذكورة آنفاً.
بجانب ذلك هناك جوانب ثلاثة للارتقاء بنوعية التعليم الكوري:

  1. الصرامة في اختيار المعلمين والمديرين ومدى استمرارهم وضرورة نموهم المستمر أو الابعاد عن الميدان.
  2. الإرشاد والتوجيه أساسي في جميع مراحل الدراسة ويلزم جميع المعلمين والمديرين ان يكونوا على خط وافٍ في هذه الميادين.
  3. التقويم المستمر المركز على نتاج النظام التربوي وليس على الطلاب فمقياس النجاح للنظام التربوي ألا يفشل فيه أي طالب بفضل توفير الدروس العلاجية والإرشاد والتوجيه والاخلاص في العمل من قبل المعلمين. (4)

ويمثل التعليم المهني والتدريب دوراً أساسياً في ربط التعليم بدنيا العمل وتركز كوريا منذ بداية نهضتها على أهمية التعليم والتدريب المهني وتطويره وتشعيبه وتغيير مجالاته حسب طبيعة الأعمال المتغيّرة. فالتنظيمات لهذا التعليم والتدريب دائماً تحت التطوير وإعادة التشعيب، وشكل التعليم والتدريب المهني قاعدة الاصلاح للنظام التربوي وركيزة الاسهام في تنمية مجتمع الصناعة والخدمات التي حققت فيه كوريا درجة مشهودة من النجاح. (5)
ويدل على أهمية التعليم الفني والتدريب المهني في كوريا ما وصل إليه التوسّع في التعليم الجامعي والعالي، حيث بدأ خريجو هذه المرحلة مهما كانت تخصصاتهم علمية تطبيقية يعانون من البطالة ولا يجدون فكاكاً منها بالقبول بأعمال مهنية مثل أعمال النظافة وخطوط الانتاج.
وقد أدركت كوريا أخيراً ان عروض سوق العمل المتوفرة لخريجي التعليم العالي لا تزيد عن 25% من فرص سوق العمل ككل. وقد سميت هذه الظاهرة بظاهرة التضخّم التعليمي والتأهيل بأعلى مما تتطلبه الفرص المتوفرة في سوق العمل (أليست هذه الظاهرة في كثير من دولنا العربية؟، ولكن السبب في بعضها يعود لعدم ملاءمة التخصص لسوق العمل في معظم الأحوال).
وقد واجه مسؤولو التعليم في كوريا هذه المعضلة لا بتقليص فرص التعليم العالي فقط وهو إجراء يجب ان يكون في حده الأدنى لما يسببه من تحطيم لطموح الفرد ـ بل لجأت إلى تطوير مؤسسات التعليم العالي وجعلها أكثر استجابة للفرص المتوفرة في سوق العمل متزامناً ذلك مع قيام مؤسسات الإنتاج بتطوير مستوى ونوعية فرص العمل الإنتاجية بحيث تتلاءم مع قدرات خريجي التعليم العالي المطور حسب احتياجاتها، وبما يرضي طموح هؤلاء الخريجين وتحقيق ذواتهم (6).

خاتمة:
لقد اقتصرنا في هذه الورقة على خلاصات واستنتاجات من تجارب الماضي لنا ومن نماذج ناجحة بسبب حيويتها وتفاعلها مع واقعها ومع متغيرات الزمن. وإذ اقتصرت الورقة على عرض نموذجين: ماليزيا وكوريا الجنوبية، إلا أن دولاً أخرى خاضت تجارب ناجحة ساهمت في نهضتها التنموية وحسّنت مستوى معيشة أفرادها. وإذا كانت سنغافورة مثالاً آخر للناجحين، فإن اليابان والهند والصين تستحق وقفات إجلال واحترام لجهودها في ميادين التنمية وتسخير التعليم لذلك. فاليابان تاريخها معروف في هذا المجال وكثيراً ما تقتبسه الأدبيات التربوية. وإذا كانت المعلومات عن التعليم في الهند ونجاحاته في الحد من بطالة خريجيه وإيجاد فرص عمل لهم في وطنهم في مؤسسات مقرها الهند، وكذلك فرص العمل عن بعد في الهند لصالح مؤسسات تقع خارج الهند، بالإضافة الى استقطابهم في الدول المتقدمة صناعياً، خصوصاً في مجال المعلوماتية والاتصالات وحقول التكنولوجيا الأخرى، إذا كانت هذه المعلومات معروفة عن الهند، فإن الدول العربية بحاجة للمزيد من التعرف على تجربة الصين والاستفادة منها ومن تجربة الهند وما ماثلهما من تجارب.
أمام هذه الجهود التطويرية لمواءمة التعليم مع دنيا العمل، ما هو واقعنا العربي؟
لن ندخل في التفاصيل ولكن بعض الاستشهادات القليلة ضرورية لقرع الجرس الذي تكرر قرعه بدون استجابة.
فمتوسط التقديرات الرسمية للبطالة في الدول العربية تبلغ 15%، وحسب التقديرات المستقلة تبلغ 30%. ومما يرجح التقديرات المستقلة أن حجم البطالة في المغرب يبلغ 22%، وحوالي 30% في الجزائر وسوريا حسب التقديرات الرسمية. وتتضاعف البطالة بين النساء، وتصل الى 85% في أوساط الشباب دون الثلاثين في بعض الدول ومنها الجزائر ممن يدخلون سوق العمل لأول مرة بما فيهم خريجو الجامعات.
ونسبة المسجلين في التخصصات العلمية والتطبيقية في التعليم العالي لا تصل الى 20% في أغلب الدول العربية بينما تصل الى 44% في ماليزيا وكوريا أكثر من ذلك في الدول الصناعية المتقدمة (7).
وبجانب هذا، ماذا تمثل مناهج التعليم العام في الدول العربية مقارنة بماليزيا وكوريا حيث التوجه العملي والسلوكي والعلمي هناك مقابل مناهج عربية تغلب عليها الثقافة اللفظية مع نقص واضح في مجالات العلوم والرياضيات واللغات الحديثة مقروناً ذلك بغياب التوجيه السلوكي وتنمية روح الإبداع والابتكار وسيطرة ثقافة التلقين والاستظهار.
وحسب التجارب، فإن العبرة ليس بما نعرف من مشكلات وسبل مواجهتها فهذا متوفر وبشكل تراكمي في الدول العربية كلها، ولكن المشكلة في ضعف الإرادة السياسية واتخاذ القرار وهي مشكلة أزلية في دولنا العربية. ولعل مبادرة وضاءة مثل مبادرة سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم المعروف برؤيته وتوجهه العملي تمثل اختراقاً لما تواجهه دولنا من دوامة تراكم المشكلات والرغبات والنظريات الى رحابة التنفيذ والإنجاز وتوسيع مداه. فالمبادرات الفردية من الدول أو من الأشخاص لها دورها التاريخي في التكوين الحضاري والإنجاز العلمي كما يوضح ذلك تاريخ الحضارة والتقدم العلمي الذي يظهر بوضوح أن حلقات التقدم إنما تحققت بفضل مجهودات دول أو أفراد، زعماء سياسيين، أو رواد فكر وعلم وأصحاب مبادرات لا ينتظرون أن يقوم آخرون بالعمل بل يباشرون ذلك بأنفسهم. ولا أخال مؤسسة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم - كما يتضح ذلك من الأفكار المبدئية للمؤسسة - إلا داعمة لمشاريع عملية واضحة في مجال العلاقة بين التعليم ودنيا العمل، تقدمها الجهات المسؤولة في كل دولة للمؤسسة وتقوم المؤسسة بالمساهمة في تنفيذها لا من حيث التمويل فقط بل بالمشاركة في الإشراف على التنفيذ ضماناً لحسن التطبيق وصرف الجهود والتمويل نحو ما تستهدفه المؤسسة ويستهدفه كل مخلص لعمله ولوطنه.

قراءات إضافية استفادت منها الورقة:

  1. منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD): Education at a glance، التقرير السنوي عن البيانات والتحليلات التربوية لعام 2007، موقع المنظمة على شبكة المعلومات.
  2. ميسون الدخيل: تكامل التعليم العام مع الجامعي أثبت نجاحه، (مقالة من سلسلة مقالات عن التعليم في اليابان) صحيفة الوطن السعودية 9 مايو 2007.
  3. شاكر النابلسي: لماذا استعصت مناهج التعليم على التغيير، صحيفة الوطن السعودية 9 يونيو 2007.
  4. عبدالحسن الحسيني: تطوير البرامج التعليمية وتفاعلها مع سوق العمل، المؤتمر الهندسي العربي الرابع والعشرون، عمان ـ الأردن ـ مايو 2007.

المستقبل
22- 11- 2007