عماد أبو صالح

كلما اقترب يهربن منه وينظرن، بتقزز، إلى لعابه المندلق على ملابسه الممزقة مع أنه لا يفكر في إيذاء أحدٍ مطلقا يريد، فقط، أن يشرح لهن أنه كان عاشقا قديما وفمه تهدل، هكذا، من كثرة القبلات.

سيقطعونها بمنشار
ليغرسوا عامود إنارة

ظلت عمرها كله تغسل الملابس في البيوت إلى أن انخلع كفاها - يوما- في طشت الماء. ولأنها ترى حياتها بقعة كبيرة لن نزول إلا بالاستمرار في الغسيل؟
فإنها تقف ساعات طويلة

في الحديقة وهى تقلد الأشجار.
تغرس قدميها في حفرة
وترويهما بالدمع على أمل أن ينبت لها كفان جديدان
وتعود للعمل مرة ثانية.

يتوسل إليه الجيران
ليرى الكبريت في الظلمة

يجمع الأطفال ويحكى لهم كيف يمكنه أن يغش المدرسين
وينعس- في الفصل- على راحته. كيف يخطئ - متعمدا- ويحضن أي بنت دون أن يضربه المارة.
كيف أن الله رحمه من رؤية منظر العفاريت
وكيف تتوقف العربات ليعبر بمجرد أن يشير بعصاه.
45

وحين يشعر أنهم تسللوا وتركوه
يحدث لنفسه يجفف عينيه بمنديله وينصرف وحيدا يبحث عن أحد يحكى له كيف يمكنه أن يبكى على راحته دون أن يكتشف الآخرون هل ترشح عيناه الماء أم الدموع.

ليس مشوه حرب فنقول :
" كان قاتلاً خائباً"

قطار - أراد فقط أن يسير بأرجل من لحم ودم-
خطف قدميه فصار بلا قدمين.
لا تتسرعوا وتبكوا لأجله
كي لا يضطر للزحف في وحل الدموع.

كانتا ستورطانه في أماكن مشوهة.
بقربهما بطن كلب صغير
أحذية، وجوارب، وماء ساخن بالملح،
وأظافر تجمع القاذورات.
تتنملان.
سيشب بروحه ويرى الناس من الشرفة.
( لا. لم تعد هناك مشكلة مع المراحيض الإفرنجية)
فرصة للتدريب على معاشرة التراب.
لتجنب اليأس الذي يتطلب السير
وركل الحصى في الطرقات.
للتشفي في الروماتيزم.

لتقبيل قدمي امرأته - بأسرع وقت-
حين تهدد بهجره.

عبء.

هل كان سيصعد بهما ويكلم الله في السماء
أم كان سيمد واحدة ويعرقل مسيرة البشرية؟


* من كتاب ( عجوز تؤلمه الضحكات) -طبعة أولى- خاصة ومحدودة- دار صوت العرب- القاهرة 1997
صدر للمؤلف: أمور منتهية أصلاً - 1995 / كلب ينبح ليقتل الوقت - 1996