مواليد 1958 - محضرة - الجنوب
له : أنقاض الغبطة
سنتبل في منحدر
عنوانه :
أرامكو -
ص . ب : 9079
الظهران 31311
المملكة العربية السعودية
هاتف : 8910894

محمد الدميني

لم يَزل ضوءُ نافذتي يستميلُ الغُبار
المحبّون ناموا
فمن للأغاني سواي…!
أيّها الليلُ
يا حبرَنا
أيّها الحارسُ البربريُّ
علينا، لَنا
أمِنَ العَدل أن تَقضيَ الليلَ مرتَعداً ها هُنا،
لاثِماً خِرقتَك
مثل نائِحَةٍ تصطفي مقبَرة؟

سأعِيركَ إن شئتَ مرتَبتي
والمزاجَ الذي يستعِر
والأنينَ الذي يتسلَلُ
كالفاتحَة.
إن أردت نديماً
لهذا الظلام.

"1985"

شحوب

(1)

خيوطٌ رماديّةٌ تملأُ الأُفق
ذاك… سوادٌ نحيفُ بقلبي
وفي الأفق..
طيرٌ وطائرةٌ
وروائحٌ عاهرةٌ
وعيونٌ- لعلمِكَ-
لا تعرفُ الحُبّ..
لا تُتقِنُ الضَحِكات

( 2)

سوادٌ نحيفٌ بقلبي
فكيفَ أُداريه؟
والخٌرافة مخلوقَةٌ
ومعمّرةٌ كالخٌرافة.
زمانُ حصى
والسماءُ رماديّةٌ شاحبَة.
كشُحوبِ نهارٍ
تكدَّسَ فيه الرُفات.

(3)

رمادٌ هو الأفقُ
لولا غمامةُ عينَيكِ
إنّي بقيّةُ نارٍ
وأجهَلُ أن أنحني لجلالِكِ
أجهلُ أنّي بعينَيكِ
أطردُ عن عصَبي
وسَنَ الأغنياتِ

(1983)

الحتف

هي المحبةُ فجراً قام صانِعُها
من الخَراب فما سَلّت سوى كبِدي
كأنّني شمعَةٌ والريحُ ساعدُها
نمشي معاً نحو نجمٍ لم تَطله يَدي
نمشي مليّاً وننضو الرمل عن دمِنا
ونحنُ أدرى- لهذا الحتف- كم نَلِدُ

"16 أكتوبر 1983"

رغبة في شارع

شوارع موءودةٌ، فلأقُل هذه الحيلةَ الباسقَة:
ذات يوم ركضتُ وراءَ سوادٍ شفيفٍ. تركتُ المدى، وتنكّبتُ
هذا الطريق.
أرتضي وأُراضي، وأحضِنُ هذا الجدارَ،
البرودةُ في القلبِ، والسقفُ نصلٌ مُدَلّى. وذاكَ السوادُ الذي
يتلَعثمُ فوقَ الحصى كيف أرفق بِه..؟!
أين أمضي، لأنحتَ حُبّاً لوردي؟…
زنابقُ من حجَر، وغمامٌ يُريقُ صباه لهارونَ… يا أيّها الأقدمون
أما من مساءٍ يكفّنُ هذا الشهيد..؟ لنا طُرقاتُ المدينة تلك
الّتي قَرضَت قَدمي كُلُّ أشواكِها، ولنا أمّهاتُ يسمِنَنا ثمراً
في الدُّعاءِ. ويا وَردُ، يا من نهبناهُ من سَلَّةِ الجارِ
في السُّوقِ
هل تنحَني، طازجاً،
لحظةً
لتعانقَ
ذاكَ السوادَ الشَفيف.

"11 يناير 1985"
من كتابه: أنقاض الغبطة

مَلاكُ الحَسرة

لا مقابر قرب هذا المنزل. كان الموتى قد سهروا
حتى أطفأهم الصباح. ورأيت المعاصي وهي
تضجرُ فوق ثيابهم. وهذا الصباح بلا ضوء.
لقد كنَسِته عربة القمامة.
وفكرّتُ في البحر ساهماً يتقرفص تحت هدير
البوارج. وفيه أودعت أحلامي لأن المصارف
مقفلة هذا النهار:
وقريباً من البحر
سيرقص القَتَلة
ويمتلئ الأفق بالدموع.

لن يضيء الشارع سوى هذه المرأة المغدورة بالعتمة

سلاماً.. أيها المفكّر. لقد انتهت الحفلة،
وانتصبت الأشباح. وقريبا سيحدث الموت أمام
عينيك. وستندلق عليك المواعظ الطويلـ………
الطويلـ………
الطويلة………
من المنابر المجاورة
ستصنُع القصائد من الرمل، وفي الحيرة ستبنى
البيوت، وعلى القضبان ستنتحب خيولنا المتعبة.

وسلاما……سلاماً
الطّلح سيّد الوادي. وفوق شجيرات اللوز تتلبّد
طفولتي كحرباء. والفكرة الضّالة مزّقت جسد
صديقي. وقريبا من جثّته الحارة وجدت عينيه
وقرأت بهما شغب البارحة.
هذا المطر لن يغسلني لأنني صحراء، ولم أرِث من
الأودية أكثر من صخورها الملساء، وعقاربها
اليَقِظَة. وفي حضن أمّي رأيت التين يزهر،
وسأرتعد كحصى الصبح وهي تغتسل بالندى،
وفي حضنها سأواصل موتي لأنه خديعتي المفّضلة.

لتنم أيها الكلب
قرب قلبي

ويا أيها الضوء
ابق خليط غيمتي

والقَيظُ لن يشذّب هذه الوردة
لأنها تقتاتُ
من معاصّي الفاتنة.

آخر تلّة ودّعتُها تلك التي جفّت فوقها دموع
الأم. كانت الجنادب تتقافز في حضرة شمس
تنهض من سريرها وتذكّر الأمّ بِفَتَاها الذي سيكبر
قبل أن تهطل أدعيتها فوق جُنياته.

وأمام نافذة البيت سيشرب الأب قهوته الفقيرة،
وسيعدّ أغنامه مخطئا، مرارا، قبل أن يتذكّر في
ثغائها القارص، رحيل سيّدها، حيث يزحف
الضباب فيمحو آخر ظلاله وهو يختفي وراء
الحصون البعيدة.

بعد لأي… سيفتح باب هذه الغرفة عنوة.. لأن
صمتي يطفح في الشارع.

وسيعثر علّي رجال الأمن
مسجوناً في كتاب

هذا الحائط صديقي
لا الشمس التي تبترد في جسدي

لن يمكث أحدٌ في السماء
أكثر
من هدنة الجنرالات

هذه العين
جديرة بشاعر ليكتب
وسريري ليس للنّهدات البيضاء
ولكنه للأحلام

وقريباُ من الغيمة
سأعثر
على قُطّاف المطر
وسأصنع ملكوتي
لأن الكهنة لا يعيرون
ملكوتهم.

سأطلب هذه الليلة
كفناُ لآخر شهيد
ومنفى لأصدقائي الموتى
ومراثٍ لمائدتي
التي مزّقها أنِينُهم…

الطّلقة مثل القتل
خيانة آلة

وحين توصدون الأبواب
لا تتركوا شجرة تعربد في محبرتي
وثعباناُ في سريري
ودِناناً في شراييني

ولماذا تنسون
نهاركم في نهري
ودويّكم في عظامي
وحروفكم في قصيدتي
وأزرق ضوئكم
فوق رمادي؟
ولماذا؟
لماذا؟
لماذا؟

كل الحكمة سأتركها عند قدمي هذه الجدة
وأحفادها الذين بلون الرصيف. والموت يتقدم لأن
الشاعر يتقيأ الكآبة فوق المنبر.

الشمعة التي لم تطفئها العواصف
سيقتلها الضجر

وحين أعانق صديقي أشُمّ اللغة وهي تنشج في
جبينه، والقمر يجفّ في نشيده.

سأقرأ هذا الكتاب بعد أن يفرغ منه
الفأر، وينفَضُّ عنه نمل الرطوبة. وفي
المرآة (التي لا تُرى مثلومة إلا في الصباح) شهدت
أسوأ الخيالات. وبعد ساعة سينهض الضوء
الذي يشبه هشيم البارحة. وقبل الوظيفة سأتفقد
تراب الصمت الذي شيّده فرسان
حائرون من خطب فولاذية وأسمال مدفونة.

وسلاماً.. سلاماً

المدينة أثّثت جرحك السري. فلا مطر هنا يَقيكَ
هواجس الليل والذئاب. وستوصد الشرطة هذه
المكتبة لأن الصعاليك- منذ القدم- يحيكون
أنخابهم المرّة، ويتأملون عظام أحلامنا.

وفي المقهى الذي محت الرطوبة اسمه سنثرثر عن
الجحيم المتساقط فوق المدينة.

لم نعرف الجنديّ من خوذته، بل من شارة نصره،
ولم نفكّر في القبور ألا أمام التوابيت. ولن أغادر
رأس هذه السنة قبل أن تؤوب هذه العقبان من
سماء أطفالي، وتذبل الحيرة الناشفة في عصبي
البغيّ.

مرات نحاسية.. لهذه القبيلة التي نسيت أبناءها
في المصنع المجاور، ورأتهم في الأسى البارد
يخوّضون في الحكايات المغبرة كتماثيل، ويتنفّسون
برئات الموتى.

ومراث أخرى لهذه الحرب التي التحف فيها
الشعراء موتهم المقيت. ولمعت فيها النّصال حتى
الصدأ، ولتلك المنازل التي لم نعرف سقوفها قبل
أن يوقظنا ضوء الفوانيس وهو يتململ تحت
المطر..

وليلنا طويل، لأن شمسنا تشرق من هذه الزجاجة
المطاردة (…………) وسنُبقي عند باب الجار
موعظة عن الألم، وصمتا يكفي لإطعام خِرافِه.

وفي جوار الحسرة
سأتركُ هذه الأنشودة السوداء
تنزفُ فوق معاطفكم…
كما
نَزَفَت
فوق
دفتري
الأبيض.

1992
مجلة (مواقف)عدد 72 - 1993

شمسٌ مُسنّة

شاخت الشمس تماماً
لم تعد نديمة الصِّبا
ولا شاهدة الحب المطارد بين حقول الذرة
لقد ذبُلت
وغَرقت
في الأعالي
وتركت لنا الفظاظة
تتسكّع في الشارع
كدعابات قديمة
يطلقها
بائع التوابل العجوز


الحارس

في آخر النهار
يذهب الحارس إلى منزله شغفاً
لقد أتمّ وظيفته
بشكل خارق
لم يعبر عامل إلا وتفرّس في هوّيته
ولم تمرق عربة
دون أن يدعك أرقامها

ها هو الآن في المنزل
يحدّق في هويته بهلع
وجهه… نَشرتهُ الأيّام
ومنازله
حَرَثَتها العواصف

في الصباح التالي
لم يتفرّس في هوّية أحد
نشر الجريدة (مروحة الهواء اليدويّة)

فوق وجهه
وفكّر في العمر
الذي نهَبَهُ غزاة وأصدقاء
من
مدّخراته السّرية


سِيرة

(1)

وُلدت في حضن ينبوع
وها أنا من حضنِه أسيل

(2)

أقدامٌ، وبنادق، وتمائم
توّجتني فتى المنزل الكبير
الرماة يحرسون المنحدر، والأرائك
وأنا أتجرّع خيبة القياصرة
لم أستيقظ
من كابوسكِ الوحيد… يا أمّاه
إنيّ
فتىً أتهدّم

(3)

من هذه الرماح المغروسة في المخيّلة
دجّنتُ أيائلي،
ورشقتُ أحلامي على الآفاق،
تقطفُ، وتصفّق، وتُرعِد
وتؤثّثُ خيمة لمديحي
لا أنصب فخاخاً لرعيّتي
ولا أدجّج جُندي
اللُه
كفيلٌ
بهذه المهزلة!

أفقر المسَّرات

إلى: يوسف أبو لوز

(1)

انقضت تلك الأيام
التي كان الحِبر فيها
يُجبر الأسرِة
ويَعدُنا بالإقامةِ في المجد
وعُدنا
غالباً إلى الأمس
وأحياناً إلى نواصي الشارع
نِهُمهم……
كضوءٍ ينسكب من شُرفة امرأة
ملتقِطين
وَقع أقدامها في ساحل ما
أو من أحشاء رواية
وفي المساء
الذي نُنفِقه في مطاردة المسرات
عبر أفقر الأزقة
نعود إلى المنزل
جاهزين لسحق آخر جرذ
ومشاهدة مسلسل بارود بيروت المسائي.

(2)

هنا برونز الأيام الهرمة. نواتها الجريحة. يد الحائك
النّتنة تخيط نعش العالم. هنا ترتاح عظام الليل
ويتناثر ريش اليمام. ما أبخَس اليقظة في هذا
الوحل، وما أعلى الوحل، وما أعلى عروش الصمت. وقتنا غبار
طباشير منزوعة من أحداق الصّبية.
لهاث امرأة تُغتصب في الذاكرة. خناجر منسيّة في
الضفة الأخرى من الجسد. بروق تنسكب على ثمر
اللوز، وأحجار مجفّفة يسمّونها التاريخ.
ما أعظم الصُّدفة محاطة بأعلام العالم. صوتنا مديد
كلذّة مغبّرة، وهناك فوق الطحالب يَرَقةٌ تنتظرنا.

(3)

لم تعد لنا
تلك الطاولة التي يلتقي فوق عاجها
بياض أيدينا
ولا أخشاب البحر
لقد استأجرتها شركات ما وراء البحار
ونَصَبت فوقها الخديعة
والغيوم المصعوقة
وعلينا أن نتعلّم
الوِقفة القاسية فوق المرمر
واحتمال الرّيبة المدلوقة من عيون الحراس
واكتساب الألم
فبعد قليل
سنؤوب إلى الشاشة ذاتها
كي نحتسي الدم
من عيون "عشتار"
فالدهاليز التي كانت تغصّ بالأساطير
ليست الآن
سوى مدافن
يحدّق فيها
مطرٌ مسلح.


حنكة الغيم

أتعلمُ الشعر منذ هذا الصباح
الذي يهشّ القلب برياحه الثملة
لقد نسيت كل يوم
ولم يبق سوى هذا الضجيج
المنثور في الأفواه
ما هذه الوظيفة الزنخة؟
لولاها
المنثورة في الممرات كخرز الطفولة
ترتق هذه الوحدة
وتبقي الصباح هادئا في سريره،
لا أريد صباحاً بغير هذا المزاج
أنفقت كل حنكتي
في البحث عن غيمة زائفة من يد عالية
وها هي
تسقط في الأقاصي
كماء لزج
يقذفه الجسد في الجسد
ليس هذا وقت الخصب
إنّه
وقت أن تُطلَّ من شرفتك المغبّرة
على هذا العمر المعتاد
وتُلقي بدموعك من دَلوِها
على هذا الرصيف الذي يتعثّر في الفسق

لقد نسيت كل يوم
ارفع يا ضجر راية حربي
لقد اقترب النّساك من هذا الصباح
الذي يهشّ القلب
برياحه الثملة..


مقهى

هذه السماء لي
جَمَعتُها في الكف
كما يجمع
النادل نرد الطاولة
مَلَلَتُ هذا الصديق
الذي أهزمه على الدوام
أريد ندّاً
يستحق هذه الهزيمة
وطاولة
تستحق بياض أيدينا المتقاطعة
وحطام كؤوسنا
أريد نرداً
غير هذا النادل الوقور
كضحكات الأجداد
وأنتظر شيئا ما
مركباً أو رفشاً
يقتلعني من هذا المقهى
قبل أن يكتظّ
هذا الشرشف الأزرق
بالغربان


هؤلاء

إن هؤلاء بشر
كتَبتُهم ومحوتُهم
كما يفعل إمضاء رسمي
لستُ دولة كي أغرس لهم الورد فوق الطحالب
هنا الجمر
(وأشار إلى صُدغِه فتى الحتف)

فيما عربات البريد توزع الزهور على القَتَلة
مباركةٌ ليلتكم أيها الشّجعان
مباركة خطواتكم فوق صكوك الأجداد
وعلى الدمع
دمعي الفقيد منذ الطفولة
نام الأجداد منذ آخر ذعر
وأبقوني حارساً على مفقوداتهم
أتعقّب هذا الزمن
بالمعاول
وأكفّن هذا الشجر المتثائب في الطرقات
فتح الزهّاد أبواب هذه المتاجر الضجرة،
فلا مجد
سوى كآبتنا في السُّرُر
نحصي خِرَقَنا منذ الفجر الأول
وننتظر مراثي الشهداء
كحّطابين
في واد سحيق
يثقُبهم القمر

إيَاب

تلك الشمس الغاربة
تركها أبي هناك، أعلى المنحدر
كي نلعب بها
لكنها ستغرب
وتتساقط في البحر
قبل أن تصلها أقدامنا
وغداً
لن تشرق
لأن الأب الغاضب
- في إيَابِنا عنها-
ألقاها
علفا لأبقاره.

من كتابه: سنابل في منحدر

مطر الضحـى

" إلى روح جدتي عزّة "

1

إقتلعناها من السرير
كما تقتلع العاصفة
خشب المنزل
وغسلها المطر مراراً
قبل أن تكفّنها الدعوات
وتحت هذا التراب الذي يتثاقل تحت فؤوسنا
سَـجَّينا الجدة
حيث ستنقضّ عروق الطلح
لتطفىء رعشة الجسد .

II

لم يكن الأبناء بريئون كي يصفح عنهم النهار الذي في
برودته يوقض أعمق الذكرى وأقلّ الأسى
كانت القيامة تهجع هناك ، تحت كلمات الخطيب الذي
ينهر ضجره بالدموع وسحق عصابات النمل ...
وهناك أيضاً .. - رأينا بقرب شديد - أكثر مما ينبغي -
غاسل الموتى وهو ينتزع تراب أقدامنا الميتة ، رافعاً
نحونا عينا الجدة الجزعة ... كنُصبٍ في برّية ..

الرقاد وحده كان يتلطّخ بالأيدي وهي تَحِلّ فوهات القِرَبْ .
ووراء الشبابيك المكتظة بالدخان والرضّيع وخوار البقر
سنشتم رائحة القهوة ، وبخور الموتى ..

III

حين عاد الحفارون وأزاحوا الفؤوس التي عميت فوق أكتافهم
كانت النجوم قد تركت ضوءها الناشف فريسة للشتاء ..
وكان علينا أن نشعل قنديلاً كي نطرد ذلك الصمت
اللامع من خزائن الجدة .
وتحت شراشفها المشجرة عثرنا على أواني النوم وأعواد
الريحان التي أنتزعت بغلاظة من ثنايا شعرها فبقي أنينها
يتصاعد ويخفق في الظلمة .
وكان على الجدّ الذي يتسكع في ندوب روحه
أن يوصد الباب
لأن الأحفاد
في سهرهم العكر
هشموا الذكرى .. أيضاً .

فردوس الرعــــــاة

أغلقنا أبواب الفردوس ونمنا
نحن رعاة الغنم الأتقياء
من يمنحكم كل هذا السعال ؟
ماهذه المسابح اللامعة في زرقة الليل ؟
نناديكم
قبل أن تصلوا
قبل أن تطأوا كل هذه الأشواك
قليلاً على جباهكم
قليلاً على هذه القلوب التي تتدحرج في الصدر منذ الولادة
نناديكم
بعد أن روضتكم كل هذه المقابر
وأبحرتم حتى آخر النوم

نناديكم
نحن رعاة الغنم الأتقياء
لقد نامت شياهنا
وأغلقنا أبواب الفردوس
ونمنا .

بــــــــــــــرد

ذكّرته هذه المدفأة بالبرد
وحين أيقظوه
كان المطر ينشج في قلبه
سنين كثيرة ترمّدت في الطرقات
وأخرى
في عيون الأصدقاء التي من فرط احمرارها
لم تعد عيوناً
كان أكثر نحولة من القفل الذي بدّد الصيف الماكر
كل أسراره
وأبقاه دُمية للقوة
وكان عليه أن يتصفّح في قلبه الشاغر ... الجمر والأغاني
التي كانت تدفىء الحقول

سيمر الشتاء الوجل على الجباه تاركاً آثامه الكسولة
فوق أذرع الجار التي أصبحت حطباً ..
وسيبقى المطر وحده
يتعثر في سلالم المرمر
حتى يصبح
أمسنا
الأمس الذي في رحيله
يؤثث المستقبل .

السعودية