أشياء أخرى (6)
من بلاد العم سام
ترجمة
سامر أبو هواش

شارلز بوكوفسكي
Charles Bukowski
(1994 - 1920 )

شارلز بوكوفسكييضع كثيرون الشاعر الأميركي شارلز بوكوفسكي ضمن(جيل البيت) (Beat Generation) أو في دائرته. لكن هذا التصنيف يغفل كونه لم يكن في واقع الأمر جزءاً من هذه الحركة ولا قريباً من روادها (كيرواك، بوروز، غينسبرغ، فرلينغتي، كورسو...الخ)، لا جغرافياً (فهو كان مقيماً طوال حياته في لوس أنجلوس، في حين استقرّت الحركة غالباً في نيويورك) ولا من حيث المعرفة الإنسانية أو الصداقة الأدبية أو التواطؤ الفكري والسياسي المباشر. غير أن التصنيف له ما يبرّره أيضاً، خصوصاً اليوم، بعد رحيل بوكوفسكي ومعظم رواد الجيل الأول من(البيت)، أي النظر بشيء من المسافة إلى هذه التجربة الأدبية التي انطلقت منذ الخمسينات من القرن العشرين، وازدهرت في الستينات ولا تزال مستمرة حتى أيامنا هذه. فوضع بوكوفسكي ضمن تيار(البيت) ينبع اليوم من اعتبار مختلف عن اعتبارات المرحلة التي ظهر فيها التيار، كما أدب بوكوفسكي نفسه، وهو اعتبار يقيمه القرّاء غالباً أكثر مما يحدّده النقاد أو الدارسون. فقد كان بوكوفسكي يشترك وشعراء وكتاب(البيت) بخواص عدة تقيم نوعاً من النسب غير المباشر بينه وبينهم. فهو مثلهم انطلق من خارج المؤسسة الأدبية والسياسية والاجتماعية الرسمية في أميركا، فاعتُبر من كتّاب الهامش أو(الأندرغراوند) وهو مثلهم أحدث انقلاباً على صعيد مفهوم الكتابة سواء في صلتها بالسائد والمكرّس أو في مقاربتها للحياة والواقع، أو في معاييرها الكتابية والإبداعية واللغوية.
وإذا كانت المسافة الزمنية ضرورية لإقامة مثل هذا النسب فلأن بوكوفسكي في هذا الإطار تحديداً كان مُهْمَلاً في زمنه. بمعنى أنه لم يكن يُنظر إليه كواحد من(نجوم) الهامش أو دعاته إذا جاز القول، ومعظمهم من(البيت) الذين أقاموا في مراحل مختلفة وبطرق عدة صلة قوية بالجيل الاحتجاجي الشاب الذي كانت تغلي به أميركا وأوروبا والعالم في الستينات من القرن الماضي. ففي الوقت الذي انطلقت فيه شهرة كل أفراد(البيت) ولا سيما بوروز وكيرواك وغينسبرغ وكورسو، من خلال أعمال اعتبرت علامات ومنعطفات تاريخية، كان بوكوفسكي يقع على هامشهم، أي على هامش الهامش. وقد احتاج إلى زمن أطول بكثير منهم ليصبح معروفاً، أو بالأحرى ليعترف بأدبه على الرغم من مساهمته الكثيفة كمّاً ونوعاً في صوغ الحساسية الأدبية الأميركية الجديدة، حتى ذهب بعضهم إلى اعتباره(أعظم شعراء أميركا) (جان بول سارتر).
يفصل اعتبار آخر مهم بوكوفسكي عن جيل(البيت). فعلى الرغم من أنه كرّس مثلهم الكتابة اليومية، وأدخل العنصر الاحتجاجي وحياة المهملين والبائسين والمهمّشين في صلب الكتابة، فإنه لم يسعَ إلى صوغ بيان أدبي/ سياسي سواء مباشراً أم مضمراً في النص أو الرواية أو القصيدة. كما أنه لم يشارك في الحياة السياسية المباشرة (محاضرات في الجامعات أو تجمّعات أو تظاهرات)، ولم ينتمِ أيضاً إلى التيار الروحي الذي انتسب إليه معظم كتّاب(البيت)، أي البوذية كمخرج روحي من قلق العصر وتخبّطاته.
بقي بوكوفسكي فرداً يغرّد خارج سرب التيارات والمدارس والحركات (وإن صنفه بعضهم ضمن ما يعرف بمرحلة(الشعر الاعترافي) التي ازدهرت كذلك في الستينات، كما يصنّف ككثيرين من أبناء جيله ضمن شعراء ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهي تسمية عامة مثلما هو واضح). وبقيت سيرته الذاتية، التي تعتبر في الواقع سيراً عدة، ولا سيما ذكرياته، تشكّل جزءاً كبيراً من أدبه، ذلك الأدب الخاص بامتياز. سجّل بوكوفسكي وعلى امتداد نحو سبعين كتاباً بين مجموعات شعرية وروايات ومسرحيات، سيرته الموزّعة بين الماضي والحاضر الذي احتلّت النساء والكحول والشخصيات الهامشية النافرة جزءاً أساسياً منه. وإذا كان(الواقع) شديد الحضور في بنائه الأدبي فدائماً من زاوية التورّط الشخصي، والنظرة الفاحصة إلى هذا الواقع الذي لم تعد تفاصيله مجرّد ذريعة أو استعارة لتعبير سياسي مضمر، بل أصبحت واقعاً بديلاً قائماً في ذاته.
ولد شارلز بوكوفسكي في 21 آب 1920 في مدينة أندرناتش (Andernach)، غرب ألمانيا، وبعد سنتين هاجرت عائلته إلى الولايات المتحدة الأميركية. التقت أم بوكوفسكي الألمانية أباه بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى حيث كان هذا الأخير جندياً ضمن القوات الأميركية المحتلّة لألمانيا. ولم يكن اللقاء حكاية حب رومنسية عاصفة، بقدر ما كان اختزالاً للعلاقة بين المحتلّ والمحتل. فعائلة الأم كانت معدمة ككثير من العائلات الألمانية بعد الحرب، وحين جاء الجندي الأميركي إلى منزل عائلة الأم عارضاً قطعة لحم كنوع من الصدقة كان رد فعلها أنها بصقت على حذائه. لكن الجندي الذي أعجب بالفتاة ظلّ يأتي إلى منزل العائلة الواقع ضمن منطقة خدمته كل مساء مقدّماً قطعة لحم يسرقها من مؤونة الجيش حتى نال تقدير الفتاة التي سرعان ما أصبحت زوجته.
عاد الزوجان بوكوفسكي إلى أميركا آملين بحياة أفضل، لكن الأمور جرت عكس توقّعاتهما مع الكساد الاقتصادي الكبير (Great Depression) الذي عصفت بأميركا منذ نهاية العشرينات من القرن الماضي والذي جعلت الأب ينضمّ إلى صفوف العاطلين عن العمل، ليتحوّل شخصاً عنيفاً ومحبطاً ناقلاً إحباطه ومعاناته إلى الابن شارلز. وتشكّل ذكريات بوكوفسكي الطفولية القاسية جزءاً مهماً من كتاباته، وقد عبّر عنها في العديد من قصصه القصيرة مثل(موت الأب) أو رواياته مثل(هام أون راي) كما في العديد من قصائده، حيث لم تقف معاناة شارلز مع أبيه عند الحدود النفسية والمعنوية، بل كانت أغلب الأحيان تجد تعبيراً فيزيائياً حيث كان الأب يضرب ابنه ضرباً مبرحاً باستمرار. ليجد شارلز نفسه في مطلع حياته فتى وحيداً ومعزولاً، وليصبح متعاطفاً مذذاك مع الذين يشاركونه حالته، أي أولئك الذين يعانون القسوة البشرية الناجمة عن قسوة الشرط البشري نفسه.: قسوة البشر المضطهَدين على البشر المضطهَدين مثلهم.
سرعان ما وجد بوكوفسكي نفسه، إذاً، ضمن هذه الحلقة من الهامشيين والفقراء والمعزولين، وليصبح بعد ذلك، في أدبه، الناطق بمعاناتهم. وفي الوقت نفسه وجد بوكوفسكي ملاذه الفعلي في عالم الكتب. يقول في مقابلة صحافية أجريت معه عام 1982 متذكّراً اكتشافه القراءة:(كنت آخذ مصباحاً يدوياً صغيراً إلى سريري، وأندسّ تحت الشراشف، وكان الجو خانقاً وحاراً هناك، لكنه كان يزيد من ألق كل صفحة جديدة أقلِّبها، كما لو أنني أتعاطى المخدّرات: سينكلير لويس، دوس باسوس.. كانا صديقي تحت الشراشف). ومع اكتشافه عالم الأدب اكتشف بوكوفسكي الكحول أيضاً. يكتب في روايته/سيرته الذاتية(هام أون راي):(كان من الجيد أن أسكر.. وقرّرت أنني أحبّ حالة السكر هذه. فالسكر كان يبعد الواضح عني، وربما إذا استطاع المرء بما فيه الكفاية الابتعاد عن الواضح فلن يعود واضحاً هو نفسه). كان السكر واللاوضوح هما(وظيفة) بوكوفسكي كما يقول الناقد جاي دوغرتي في دراسته عنه، حتى بداية الستينات من القرن الماضي حين أضاف إليهما الكتابة التي اعتنقها مذذاك بصورة جدية وحتى نهاية حياته. لكن أياً من هذه "الوظائف" لم يكن ليؤمِّن متطلبات الحياة العادية له، فاضطر بوكوفسكي إلى التنقّل بين وظائف عدة من غاسل صحون في مطعم، إلى سائق شاحنة، إلى ساعي بريد، إلى موظف مرآب، إلى موظف المصعد في فندق، إلى عامل في ملحمة، وسوى ذلك من وظائف جعلته يحتك، وإن بشكل غير إرادي، بالمجتمع السفلي، مجتمع المعدمين، الذي شكّلت شخصياته جزءاً أساسياً من كتاباته. بعد ذلك قرّر بوكوفسكي التخلّي عن كل تلك الوظائف والانصراف كلياً إلى الكتابة. ففي رسالة مؤرخة عام ،1969 يكتب لصديقه كارل فيسنر:(لدي أحد خيارين، إما أن أبقى في مكتب البريد وأصاب بالجنون، وإما أن استمر بالكتابة وأموت جوعاً، وقد قرّرت الموت جوعاً). بعد ذلك بفترة قصيرة أنهى كتابة روايته الأولى(مكتب البريد) لتكرّ بعد ذلك سبحة مؤلفاته التي بلغت كما أشرنا السبعين والتي كانت تؤمن له دخلاً مقبولاً وإن غير كاف.
بدأ بوكوفسكي يعرف منذ السبعينات شهرة راحت تتعاظم للمفارقة في أوروبا (فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اسبانيا...) حيث كانت تترجم أعماله، في الوقت الذي استمرّ تجاهله في أميركا، لا سيما من النقّد والمؤسسة الأدبية. ويفسّر الشاعر نفسه نجاحه الأوروبي الذي يقابله تجاهله أميركياً بالآتي:(أحسب أن الجمهور الأوروبي أكثر انفتاحاً على المغامرة وطرق التعبير الجديدة. هنا في أميركا يبدو أنهم أكثر تفضيلاً للأدب الآمن والثابت. هنا لا يريد الناس أن يوقظهم أو يهزّهم أحد.. يفضّلون النوم طوال حيواتهم. بالنسبة إليهم ما هو قديم وآمن يبدو جيداً) (من رسالة إلى كارل فيسنر الذي ترجم بعض أعماله إلى الألمانية).
شكّلت مدينة لوس أنجلوس التي عاش فيها بوكوفسكي طوال حياته رافداً أساسياً من روافد أدبه. لكن هذا لم يضمّه كما يشير دوغارتي في دراسته عنه إلى سرب كتّاب(الغرب الأميركي) فقد كان يمكن، لولا الظروف، أن ينتمي بسهولة إلى نيويورك أو شيكاغو أو نيو أورليانز أو أطلانتا. فهو لا يناقش ككثير من كتاب الغرب الأميركي الحاضر الأميركي انطلاقاً من ماضيه الأسطوري أو من تقاليده أو من قضايا كالهجرة أو الهنود أو ما إلى ذلك. وهو بهذا المعنى ينتمي إلى لوس أنجلوس الأخرى. يقول في مقابلة أجريت معه عام 1974:(تعيش في مدينة طوال حياتك، ويحدث أنك تصبح على معرفة بكل زاوية شارع فيها... فبسبب نشأتي في هذه المدينة تولّد لدي شعور روحاني بأنني موجود فيها، كان لدي الوقت لأتعرّف إليها، بحيث لا أستطيع أن أرى مكاناً سواها). لم يقحم بوكوفسكي أدبه في الاحتمالات الميثولوجية الكامنة في الغرب الأميركي كما يفعل أي كاتب مهاجر، لكنه بدلاً من ذلك انشغل بهوية المدينة الروحية. وهذه الهوية لا تنفصل بحسب دوغارتي أيضاً عن عمله(تماماً كما لا تنفصل مصارعة الثيران ومقاهي الشوارع عن أفضل كتابات همنغواي.. فبدلاً من المقاهي ومصارعة الثيران انجذب بوكوفسكي إلى سباقات الخيل، والبارات الجانبية، ونُزل لوس أنجلوس الصغيرة).
وقد برع بوكوفسكي أكثر من أي كاتب آخر في نقل هذه الأجواء لا سيما أجواء أولئك الذين خذلتهم الحياة، ومع ذلك يستمّرون في العيش بكل طاقاتهم. يكتب في(ملاحظات عجوز أزعر):(لوس أنجلوس هي أعظم مدينة في العالم، حيث كل رجل وامرأة يملك أسلوبه الخاص ومزاجه الطبيعي، حتى الخرقى لهم مجدهم الخاص هنا. لوس أنجلوس تمثّل نهاية ثقافة ميتة زحفت غرباً لتفرّ من نفسها.. وقد عرفَت أن هذه الثقافة متعفّنة وسخرَت منها.. اسأل نيويورك أو شيكاغو.. لا تزالان تظنان أنهما حيّتان..).
على الرغم من كتابته الكثير من القصص القصيرة والمسرحيات والروايات (التي جعل بطل معظمها شخصية تدعى هنري شيناسكي، أو هانك التي تحضر أيضاً في العديد من قصائده بوصفها أناه العليا)، سوى أنه يبقى شاعراً قبل أي شيء آخر. غير أنه أدخل إلى شعره الكثير من خواص الرواية والقصة القصيرة ولا سيما الحوارات والسرد، وحرص على أن يبقى شعره بسيطاً طوال الوقت غير مدَّعٍ أو متثاقف، وفي هذا المجال يقول في حوار أجري معه عام 1981:(هي القدرة على قول أشياء عميقة بطريقة بسيطة). وقد نجح فعلاً في هذه المعادلة في عدد كبير من قصائده غير أن البساطة نفسها تتحوّل أحياناً خفة شديدة خاصة حين تتخذ القصيدة بالنسبة إليه شكل القصة حيث يمكن أن تستمر القصيدة عدداً كبيراً من الصفحات يمضيها في سرد عادي وتفصيلي من دون أن يتمكّن دائماً من رفعها إلى مستوى الشعر.

من أعماله:
زهرة، قبضة، وجدار بوهيمي (1959)، قصائد طويلة المدى للاعبين مفلسين (1962)، رسوم وقصائد (1962)، تقبض على قلبي بيديها (1963)، اعترافات رجل مجنون بما يكفي للعيش مع الوحوش (1965)، أنا وكل سفلة العالم (1966)، عبقري الحشد (1966)، في شارع الرعب وطريق العذاب (1968)، قصائد كتبت قبل القفز من نافذة الطابق الثامن (1968)، ملاحظات عجوز أزعر (1969)، الأيام تعدو كجياد وحشية على التلال (1969)، الإطفائية (1970)، الطائر الغريد يتمنّى لي الحظ الطيب (1972)، جنوب الشمال (1973)، الاحتراق في المياه، الغرق في النار، قصائد مختارة (1973)، الحب كلب من الجحيم (1977)، نساء (1978)، شكسبير لم يفعل هذا أبداً (1979)، موسيقى المياه الحارة (1983)، تحت التأثير (1984)، الحرب طوال الوقت (1984)، وحيد في زمن الجيوش (1986)، نقاد السينما (1988)، لا نملك مالاً حبيبتي لكن لدينا المطر (1990)، في ظل الزهرة (1991)، قصائد آخر ليلة على الأرض (1992)، مشهور افتراضياً (1992)، صرخات من الشرفة: رسائل مختارة (1993)، الكذب على الحظ، رسائل مختارة (1995)، القبطان خرج لتناول الغداء والبحارة استولوا على السفينة (1998)، أكثر ما يهم هو بأي براعة تمشي على النار (1999)، مفتوح طوال الليل، قصائد جديدة (2000).

ملاحظة: القصائد المترجمة في هذه المختارات هي من مجموعات(الاحتراق في المياه، الغرق في النار)، و"الأيام تعدو كجياد وحشية على التلال)، و"الحرب طوال الوقت)، و"أكثر ما يهمّ هو بأي براعة تعبر النيران)، و"الحب كلبٌ من الجحيم)، و"آخر ليلة على الأرض).

*********

مأساة العشب

أفقتُ على الجفاف وكانت السراخس ميتة،
النباتات التي في القدور الفخارية صفراء كالذرة؛
امرأتي رحلت
والزجاجات الفارغة تحاصرني، كجثث مدمّاة،
بلاجدواها؛
كانت الشمس لا تزال تسطع مع ذلك
وملحوظة صاحبة البيت تكسّرت في اصفرار مناسب
غير متطلّب؛ أكثر ما كنت بحاجة اليه وقتذاك
كوميدي جيد، من الأسلوب القديم، مهرّج
يحمل نكاتاً على ألم مجرّد؛ الألم مجرّد
لأنه موجود، لا أكثر؛
حلقتُ، بشفرة قديمة، وبحذر
ذقن الرجل الذي كان يافعاً ذات مرة وقيل
إنه عبقري؛
لكنها مأساة العشب،
السراخس الميتة، النباتات الميتة؛
وعبرتُ الردهة المعتمة
حيث تقف صاحبة البيت
لاعنةً ومرسلة إياي، أخيراً،
إلى الجحيم،
ملوّحة بذراعيها السمينتين المعرّقتين
وصارخة
صارخة تطالب بالإيجار
لأن العالم خذلنا
نحن الإثنين.

إلى العاهرة التي سرقت قصائدي

يقول بعضهم إننا ينبغي أن نُبقي أسانا الشخصي
بعيداً من القصيدة،
"إبقَ تجريدياً"، وثمة منطق في هذا،
لكن يا إلهي؛
اثنتا عشرة قصيدة ذهبت وأنا لا أحتفظ بنسخ الكاربون ولديكِ
لوحاتي أيضاً، أفضلها؛ هذا خانق:
أتحاولين سحقي كالأخريات؟
لمَ لمْ تأخذي مالي؟ فهن عادة يأخذنه
من السروال السكران النائم المريض في الزاوية.
فلتأخذي، المرة المقبلة، ذراعي اليسرى أو خمسين دولاراً
لكن ليس قصائدي:
لستُ شكسبير
لكن أحياناً بببساطة
لن يكون هناك المزيد من القصائد، تجريدية أم سواها؛
سيكون ثمة دائماً، وحتى القنبلة الأخيرة،
مال وعاهرات وسكارى
لكن مثلما قال الرب
مصلّباً ساقيه،
أرى أنني صنعت الكثير من الشعراء
لكن ليس الوافر
من الشعر.

حال العلاقات الدولية من نافذة الطابق الثالث

أرى فتاة تلبس
كنزة خضراء خفيفة، شورتاً أزرق، جوربين أزرقين طويلين
وعقداً من نوع ما
لكن نهديها صغيران، وهذا محزن،
وتنظر إلى أظافرها
فيما كلبها الأبيض الوسخ يشمشمُ العشب
في دوائر شاردة؛
ثمة حمامة تدور أيضاً
نصف ميتة بنطفة دماغ
وأنا فوق في ثيابي الداخلية
بذقن عمرها ثلاثة أيام، أسكب البيرة وأرقبُ
حدوث شيء أدبي أو سيمفوني؛
لكنهما يستمرّان في الدوران، والدوران، ويمرّ رجل عجوز هزيل
في شتائه الأخير تقوده فتاة
بثوب مدرسيّ كاثوليكي؛
في مكان ما ثمة جبال الألب، والسفن الآن
تعبر البحر؛
هناك أكوام وأكوام من القنابل الهيدروجينية والذرية
تكفي لتفجير خمسين عالماً ومريخاً،
لكنهما يستمران في الدوران
الفتاة تهزّ ردفيها
وتلال هوليوود شاخصة هناك
مليئة بالسكارى والمجانين
والكثيرون يتبادلون القبل في السيارات،
لكن لا فائدة: تشي سيرا، سيرا:
كلبها الأبيض الوسخ لن يتبرّز ببساطة،
وبنظرة أخيرة إلى أظافرها،
تسير، هازّة ردفيها، إلى بيتها في أسفل المبنى
يتبعها كلبها الذي يعاني إمساكاً (وغير القلق ببساطة)،
وتتركني أنظر إلى الحمامة الأقل سيمفونية.
حسناً... مما تشير إليه طبائع الأشياء
يمكنكَ الاسترخاء:
فلن تنفجر القنابل.

إلى مارلين م.

منساباً بأسى إلى رماد لامع،
مرمى دموع الفانيلا،
جسدك الأكيد أضاء شموعاً للرجال
في الليالي المظلمة،
والآن ليلك أعتم
من مدى الشمعة
وسننساك، على نحو ما،
وهذا ليس بلطيف
لكن الأجساد الحقيقية أقرب
وفيما الديدان تلهث وراء عظامك،
أحب أن أخبرك
أن هذا يحدث للدببة والفيلة
للطغاة والأبطال والنمل
والضفادع،
ومع ذلك، جلبتِ لنا شيئاً،
نوعاً ما من النصر الصغير،
ولهذا أقول: جيد
ودعينا لا نحزن أكثر؛
كزهرة جفّت ورميت،
ننسى، نتذكّر،
ننتظر. أيتها الطفلة الطفلة الطفلة،
أرفع كأسي هنيهة كاملة
وأبتسم.

التوأمان

كان يُلمِّح أحياناً إلى أنني وغد وكنت أقول له أن يستمع
إلى برامز، وقلت له أن يتعلّم الرسم ويحتسي الخمرة وألا يسمح
للنساء أو الدولارات بالسيطرة عليه
لكنه صرخ في وجهي، بحق المسيح تذكّر أمك،
تذكّر بلدك،
سوف تتسبّب بمقتلنا جميعاً...

أتنقّل في منزل أبي (الذي امتلكه بثمانية آلاف دولار بعد عشرين سنة
في الوظيفة نفسها) وأنظر إلى حذائه الميت
الطريقة التي لوت فيها قدمه جلد الحذاء، كما لو كان غاضباً يزرع الورود،
وكان كذلك، وأنظر إلى سيكارته الميتة، وأشعر أنه علي إعادة صنعها
لكنني لا أستطيع، فالأب سيّدك دائماً حتى حين يرحل؛
أحسب أن هذه الأشياء حدثت مراراً وتكراراً لكنني لا أستطيع منع نفسي
من التفكير:
أن يموت المرء على أرضية المطبخ عند السابعة صباحاً
بينما الآخرون يقلون البيض
ليس بالأمر شديد القسوة
إلا إذا حدث لك.

أخرج وأقطف برتقالة وأقشّر قشرتها اللمّاعة؛
لا تزال الأشياء حية: العشب ينمو جيداً،
الشمس ترسل إلى أسفل أشعتها المحوطة بقمر صناعي روسيّ،
كلب ينبح بلا إحساس في مكان ما، جيران يتلصّصون خلف العميان.
أنا غريب هنا، وقد كنت (على ما أفترض) الفتى الخجول،
ولا شكّ عندي في أنه رسمني كثيراً (تقاتلت والعجوز
كأسدين جبليين) ويقولون إنه ترك كل اللوحات لامرأة ما
في(دوارت) لكنني لا أبالي البتة ـــ يمكنها الحصول عليها: لقد كان أبي
العجوز

ومات.

في الداخل أجرّب بدلة زرقاء خفيفة
أفضل بكثير من أي شيء ارتديته
وأصفّق بالذراعين كفزاعة في الريح
لكن لا جدوى:

لا أستطيع إبقاءه حياً
مهما بَلغت كراهيتنا لبعضنا.

كنا شبيهين تماماً، كان يمكن أن نكون توأمين
العجوز وأنا: هذا ما
قالوه. كانت بصلاته على البارافان
جاهزة للزرع
بينما كنت ممدّداً على السرير مع عاهرة من الشارع الثالث.

حسنٌ جداً. هبنا فقط هذه اللحظة: وأقف أمام المرآة
في بدلة أبي الميت
منتظراً أيضاً
أن أموت.

بيرة الثانية فجراً

لا شيء يهم
سوى الارتماء على فرشة
مع أحلام رخيصة وزجاجة بيرة
بينما أوراق العشب تموت والجياد تموت
ومالكات الشقق يحدّقن في الممرات؛
فوران موسيقى الظلال المسحوبة،
كهف رجل أخير
في أبدية من العجيج
والانفجار؛
ليس سوى المغسلة التي تنقّط،
الزجاجة الفارغة،
الخفّة،
الشباب المسوّر،
مطعون ومحلوق،
الكلمات المعلّمة
مسنودة إلى أعلى
لتموت.

صاحبي الألماني

الليلة
محتسياً السنغا
الليكور الملت من
تايلندا
ومستمعاً إلى
فاغنر

لا أستطيع أن أصدّق أنه
ليس الآن عند
الطرف الآخر
من الغرفة
أو عند مفترق
الشارع
أو حياً
في مكان ما
الليلة

وهو كذلك
بالطبع
إذ إنني مأخوذ
بصوتــه

وتنميلات صغيرة
تدبّ
على
ذراعيّ الإثنين

ثم
قشعريرة

إنه هنا

الآن.

عيد ميلاد سعيد

حين كان فاغنر
عجوزاً
أُقيمت حفلة عيد ميلاد
على
شرفه
وعُزفت معزوفتان
عشوائيتان
مفعمتان شباباً.

بعد الانتهاء
سأل
(من ألفهما؟)

(أنت) قيل
له.

(آه) أجاب،
(يبدو الأمر كما حسبته دائماً: الموت
له بالفعل
بعض الفضيلة).

أبي

حمل قطعة من الكربون
شفرة وسوطاً
وليلاً خشي
رأسه
وغطاه بالوسائد
حتى ذات صباح في لوس أنجلوس
أثلجت
ورأيت الثلج
وعرفت أن أبي
لا تسعه السيطرة على أي شيء
وحين كبرت قليلاً
وأخرجت شاحنتي اللعبة
خارجاً، جلست هناك
في الكلس
الكلس الذي يحترق
لأن شيئاً
لا يتحرّك في الصحراء
وللمرّة الأولى
غنّيت.

الحب، والشهرة والموت
تجلس خارج نافذتي الآن
كامرأة عجوز ذاهبة إلى السوق
تجلس وتراقبني
وتتعرّق بنرفزة
عبر السلك والضباب ونباح الكلاب
حتى فجأة
أصفع النافذة بصحيفة
كما لو أنني أصفع ذبابة
ويمكنك سماع الصرخة
فوق المدينة المسطحة
ثم غادرت.

الطريقة الوحيدة لإنهاء قصيدة
كهذه
هي أن يصبح المرء هادئاً
فجأة.

العمال
يضحكون دائماً
حتى حين يقع
لوح
ويدمّر وجهاً
أو يعوّق
جسداً
يستمرّون
بالضحك،
حين يصبح لون العين
شحوباً مذعوراً
بسبب قلة
الضوء
يضحكون كذلك؛
مغضّنون ومخبّلون
في سن مبكرة
يسخرون من هذا:
رجل يبدو في الستين
يقول
إنني في الثانية والثلاثين ثم
يضحكون جميعاً؛
أحياناً يُسمح لهم
بالخروج لتنشّق بعض الهواء
لكنهم مقيّدون بالعودة
بقيود لن
يكسروها
حتى لو أمكنهم ذلك؛
حتى في الخارج بين
البشر الأحرار
يستمرّون بالضحك،
يتجوّلون بمشية عرجاء
فارغة
كما لو أنهم فقدوا
حواسهم؛ في الخارج
يمضغون قطعة خبز صغيرة
يماحكون، ينامون، يعدّون قروشهم
يحدّقون بالساعة
ثم يرجعون؛
وحتى إنهم أحياناً
في حجرات حجزهم
يصبحون جديين
للحظات، يتحدّثون عن
(الخارج)
وكم من الرهيب
أن يغلق على امرئ في(الخارج)
إلى الأبد، وألا يسمح له
بالدخول ثانية؛
الجو دافئ وهم يعملون
ويتعرّقون قليلاً
لكنهم يعملون بجهد وكفاءة
يعملون بجهد إلى
أن تثور أعصابهم
وتُحدث ارتجاجات،
لكن غالباً ما يلقون الثناء
من أولئك الذين
ينبثقون منهم
كالنجوم،
والآن النجوم تراقب
تراقب أيضاً أولئك القلة
الذين يمكن أن يحاولوا
الإبطاء من سرعتهم
أو يظهرون لامبالاة
أو يحتجّون بمرض ما
لكي يكسبوا بعض
الراحة (الراحة ينبغي أن
تكسب لكي تكسب القوة
لمزيد من العمل
الممتاز).

أحياناً يموت أحدهم
أو يجنّ
وعندها يدخل شخص جديد
من(الخارج)
ويمنح الفرصة

لقد كنت بينهم
منذ سنوات؛
اعتقدت بداية أن العمل
رتيب، بل
سخيف
والآن أرى أنه مفعم بالمعنى،
والعمال
بدون وجوه
يمكنني أن أرى أنهم ليسوا بشعين حقاً
وأن الرؤوس بلا عيون...
أدرك الآن أن تلك العيون
يمكنها أن ترى
وأنها قادرة
على إنجاز العمل.
العاملات
هن الأفضل غالباً،
يتأقلمن بشكل طبيعي
وقد مارستُ الحب وبعضهن
خلال أوقات الراحة؛ بداية
يبدين
كإناث القردة
لكن لاحقاً
مع بعض التبصّر
أدركت أنهن أشياء
حقيقية
وحيّة مثلي.

الليلة الفائتة

العامل العجوز
الرمادي والأعمى
الذي لم يعد مفيداً
أحيل إلى التقاعد
وأرسل

إلى(الخارج).

خطاب! خطاب!
طالبناه.

كان
جحيماً، قال.

ضحكنا
نحن الأربعة آلاف:
لقد حافظ العجوز على
روح الدعابة
حتى
النهاية.

الانتقال إلى القرن الحادي والعشرين

كانت حفلة رأس السنة في منزلي
على ما أظنّ،
كنت واقفاً حاملاً كأساً حين
اقترب مني ذاك الشاب النحيل
وكان ثملاً بعض الشيء وقال

"هانك لقد التقيت امرأة قالت لي
إنها كانت زوجتك
لعامين)

(حقاً؟
ما اسمها؟)

(لولا
إدواردز)

(لم أسمع بها
أبداً)

(آه، هيا يا رجل،
أخبرتني...)

(لا أعرفها
عزيزي...)

في الواقع لم أتعرّفه

احتسيت كأسي حتى آخر قطرة
واتجهت إلى المطبخ
وملأته ثانية

ثم نظرت حولي، بلى، هذه شقتي
لقد تعرّفت المطبخ.

حفلة رأس سنة سعيدة
مرة أخرى.

يا إلهي.

خرجت لأواجه
الناس.

سعف النخيل
عند الثانية عشرة تماماً، منتصف ليل
1973 - 1974
في لوس أنجلوس
بدأت تمطر على
سعف النخيل خارج نافذتي
اندلعت أبواق السيارات والمفرقعات النارية
وأرعدت السماء.

كنت آويت إلى الفراش عند التاسعة مساء
أطفأت الأضواء
واندسّيت تحت الأغطية...
بهجتهم، سعادتهم،
صرخاتهم، قبعاتهم الورقية،
سياراتهم، نساؤهم،
سكاراهم الهواة...

ترعبني دوماً
ليلة رأس السنة.

الحياة لا تعرف شيئاً عن السنوات.

الآن خمدت الأبواق
والمفرقعات والرعود..
انتهى كل شيء في خمس دقائق..
لا أسمع سوى المطر
على سعف النخيل،
وأفكّر
لن أتمكن أبداً من فهم البشر،
لكنني خضت الحياة
بحلوها ومرّها.

بلا أحلام

النادلات الكهلات رماديات الشعر
في ليل المقاهي
استسلمن،
وبينما أعبر أرصفة
الضوء وأنظر إلى نوافذ
الحاضنات
أرى أنها لم تعد معهم.
أرى بشراً يجلسون على مقاعد الحدائق
وأستطيع أن أرى من طريقة
جلوسهم ونظراتهم
أنها غادرتهم.

أرى بشراً يقودون السيارات
وأرى من طريقة
قيادتهم السيارات
أنهم لا يحِبّون
ولا يحَبّون
ولا يفكّرون في
الجنس. كله منسيّ
كفيلم قديم.

أرى بشراً في المتاجر
والسوبرماركيتات
يسيرون عبر الممرات
يبتاعون أشياء
وأرى من طريقة ملاءمة ثيابهم
لهم ومن طريقة سيرهم
ومن وجوههم وعيونهم
أنهم لا يبالون بشيء
ولا شيء يبالي
بهم.

يمكن أن أرى مئة شخص في اليوم
استسلموا
كلياً.

إذا ذهبت إلى حلبة سباق
أو إلى حدث رياضي
أرى الآلاف
ممن لا يكنّون شعوراً لشيء
أو أحد
ولا يتلقّون شعوراً
في المقابل.

في كل مكان أرى أولئك الذين
لا يتوسّلون شيئاً سوى
الطعام والمأوى
والثياب؛ يركّزون
على ذلك،
بلا أحلام.

لا أفهم لمَ لا يختفي أولئك
البشر
لا أفهم لمَ لا تنتهي
مدّتهم
لمَ لا تقتلهم
الغيوم
أو لمَ لا تقتلهم
الكلاب
أو لمَ لا تقتلهم
الزهور والأطفال،
لا أفهم.

أفترض أنهم مقتولون
لكنني لا أستطيع التكيّف
مع واقعهم
لأنهم كثيرون
جداً.

كل يوم،
كل ليلة،
تزداد أعدادهم
في قطارات الأنفاق وفي
المباني وفي
الحدائق

لا يشعرون برعب
أنهم لا يحِبُّون
أو لا
يحَبَّون

الكثير الكثير الكثير
من إخواني
البشر.

اسحبْ خيطاً تتحرّك دمية

علينا جميعاً أن ندرك
بأي سرعة
يمكن أن يختفي كل شيء:
القطة، المرأة، الوظيفة،
العجلة الأمامية،
السرير، الجدار،
الغرفة؛ كل حاجيّاتنا
بما فيها الحب،
القائمة على أسس رملية،
وأي سبب آخر
أياً يكن غير مترابط:
موت صبي في هونغ كونغ
أو عاصفة ثلجية في أوماها..
يمكن أن تخدم في خرابك.
كل أدواتك الصينية تتحطّم على
أرضية المطبخ؛
ستدخل صاحبتك
وستكون واقفاً هناك، مخموراً
وسط ذلك كله وستسأل:
يا إلهي، ما الذي يجري؟
وستجيب: لا أعرف،
لا أعرف.

صوت الحيوات البشرية

دفء غريب، الإناث الحارّات والباردات،
وأمارس الحب بشكل جيد، لكن الحب ليس
جنساً فحسب. معظم اللواتي عرفتهن
طَموحات، وأحب أن أستلقي على
وسادات وثيرة عند الثالثة
من بعد الظهر، ومشاهدة الشمس
تعبر الشجيرات في الخارج
بينما العالم هناك
يمضي بعيداً، أعرف ذلك جيداً، كل
تلك الصفحات القذرة، وأحبُّ الاستلقاء
وبطني إلى السقف بعد ممارسة الحب
حيث كل شيء يُزهر:
من السهل جداً أن تكون سهلاً - إذا ما تركت نفسك لذلك،
هذا كل ما يتطلبه الأمر.
لكن الأنثى غريبة، إنها طموحة
جداً - خراء! لا أستطيع تمضية اليوم نائماً!
كل ما نفعله الأكل! ممارسة الجنس! النوم! الأكل! ممارسة الجنس!

عزيزتي، أقول لها، هناك رجال في الخارج الآن
يجنون الطماطم، والخس، وحتى القطن،
هناك رجال ونساء يموتون تحت الشمس،
هناك رجال ونساء يموتون في المعامل
من أجل لا شيء، من أجل أجر زهيد...
أستطيع سماع صوت الحيوات البشرية تتمزّق
أشلاء..
لا تعلمين كم نحن محظوظون..

لكنك نجحتَ في النهاية، تقول،
قصائدك...

حبّي تخرج من السرير.
أسمعها في الغرفة الأخرى
الآلة الكاتبة تعمل.

لا أعرف لمَ يحسبُ الناس أن الخلق
له أي علاقة
بالجهد وبذل الطاقة

أحسب أنهم مخطئون كذلك
في أمور كالسياسة والطب
والتاريخ والدين

أنام على بطني وأغفو؛
مؤخرتي إلى السقف
على سبيل التغيير.

*****

وحش

أنت وحش، قالت
بطنك الأبيض الكبير
وتينك الساقان المشعرتان.
لا تقص أظافرك أبداً
ويداك سمينتان
ولديك مخلبا هرّ
وأنف أحمر لامع
وأضخم خصيتين
رأيتهما في حياتي.
وتقذف المني كما يطلق
الحوت الماء من
فتحة ظهره.

أيها الوحش الوحش الوحش
قبّلَتني، ثم:
(ماذا تريد
على الإفطار؟)

موسيقى لذيذة

الموسيقى تعزف الحب لأنه ليس ثمة
من ندوب:
تشغل الراديو، برامز أو إيفز
أو سترافينسكي أو موزار. تسلق
البيض وتعد الثواني بصوت مرتفع: ،56
،57 58... تقشّر البيض وتجلبه
إلى السرير. بعد الإفطار الكرسي
نفسه والاستماع إلى الموسيقى
الكلاسيكية. إنها تحتسي كأسها الويسكي
الأولى وسيكارتها الثالثة. أخبرها
أنه ينبغي عليّ الذهاب إلى حلبة السباق. لقد
كانت هنا منذ نهارين وليلتين(متى سأراك
ثانية) أسألها. تقترح أن ذلك يرجع لي.
أومئ برأسي
ويعزف موزار.

رماد

حصلتُ على رماده، قالت، وأخذته
إلى البحر ونثرته
ولم يبدُ رماداً حتى
وكانت الجرّة مثقلة
بفقاعات خضراء وزرقاء...

ألم يترك لك شيئاً من ملايينه؟

ولا شيء، قالت.

بعد أن اضطررت إلى تناول كل الإفطارات
والغدوات والعشوات معه؟ بعد الاستماع
إلى كلّ ترهاته؟

كان رجلاً لامعاً
تعرف ما أعنيه.

على أي حال حصلت على الرماد.
وأنت ضاجعت أختيّ.

لم أضاجع أختيك.

بلى فعلت.

ضاجعت إحداهن فقط.

أي واحدة؟

السحاقية، قلت، لقد قدّمَتْ لي العشاء والشراب،
ولم أملك الخيار بعد ذلك.

أنا ذاهبة، قالت.

لا تنسي زجاجتك.

عادت إلى الداخل وأحضرت الزجاجة.

لا أمل يرجى منك، قالت، وحين تموت
ويحرقونك سيكون عليهم أن يضيفوا كل
الفقاعات الخضراء والزرقاء.

حسناً، قلت.

أراكَ بعد ستة أشهر! صرخت وصفقت الباب.

حسناً، فكّرت، أحسب أنني لكي أتخلّص منها سيكون عليّ
مضاجعة أختها الثانية. دخلت إلى غرفة النوم ورحت أبحث
عن رقم هاتفها. كل ما استطعت تذكّره أنها
تعيش في(سان ماتيو) وتشغل وظيفة
جيدة جداً.

كاريزما

هذه المرأة تستمر بمخابرتي
حتى بعد أن أخبرتها أنني أعيش مع امرأة
أحبّها.

أستمر بسماع أصوات في الجو
تقول لي،
ظننت أنه أنت.

أنا؟ لكنني لم أسكر منذ
أيام.

حسناً، ربما لم تكن أنت لكنني شعرت
أنه أحدهم يحاول
مساعدتي.

ربما كان الله. أتحسبين أنه موجود؟

أجل، إنه خطّاف يتدلى من السقف.

هذا ما ظننته.

إنني أزرع الطماطم في عليّتي
تقول.

هذا معقول.

أريد أن أنتقل. إلى أين يجدر بي الانتقال؟

الشمال واضح. الغرب هو المحيط. الشرق
هو الماضي. الجنوب هو السبيل الوحيد.

الجنوب؟

أجل، لكن لا تعبري الحدود. إنه موت
الغرينغوز (الغرباء).

كيف هي ساليناس؟ تسأل.

إذا كنت تحبّين الخسّ
فاذهبي إلى ساليناس.

فجأة تقفل السماعة. دائماً تفعل ذلك. ودائماً
تعاود الاتصال بعد يوم أو أسبوع
أو شهر. ستكون حاضرة في جنازتي مع الطماطم
ودليل الهاتف محشورة في جيوب
معطفها الملطخ بالبني في درجة حرارة ،97
حقاً، لديّ طريقة خاصة في معاملة النساء.

إلى تجّار الرحمة

مبرّرة
كل أشكال الموت مبرّرة
كل أشكال القتل كل الموت
كل النفقان،
لا شيء يذهب سدى
ولا حتى عنق
ذبابة،

وزهرة
تشقّ الجيوش
وكصبي صغير
يتباهى،
ترفعُ
لونها.

عاشق الزهرة
في جبال(فالكيري)
بين الطواويس المختالة
عثرتُ على زهرة
كبيرة بحجم
رأس
وحين مددت رأسي لأشمّها
فقدت شحمة أذن
جزءاً من أنفي
عيناً
ونصف علبة سكائر.

عدت
اليوم التالي
لأقطع الزهرة اللعينة
لكنني وجدتها
جميلة جداً بحيث
قتلت طاووساً
بدلاً منها.

التقيت عبقرياً
التقيتُ عبقرياً اليوم على القطار
في السادسة تقريباً
كان جالساً قربي
وبينما
عبر القطار الخط الساحلي
وصلنا إلى المحيط
وعندها نظر إليّ
وقال،
ليس جميلاً

كانت المرة الأولى
التي أدرك فيها
ذلك.

والقمر والنجوم والعالم
النزهات الطويلة
ليلاً
هذا كلّ ما يفيد
الروح:
استراق النظر إلى النوافذ
ومشاهدة ربّات المنازل
المتعبات
يحاولن ردع
أزواجهن
الذين ذهبت البيرة
بعقولهم.

المثقفة

تكتب
باستمرار
كخرطوم طويل
يدهن
الهواء،
وتجادل
باستمرار؛
لا شيء مما
يمكن أن أقوله
إلا ويعني
شيئاً آخر،
لذا، أتوقف عن القول؛
وأخيراً
تتجادل ونفسها
خارج الباب
قائلة شيئاً من نوع
لست أحاول
ترك انطباع حسن
لديك عني.

لكنني أعرف
أنها سترجع
غالباً ما يفعلن ذلك.

وعند الخامسة عصراً
كانت تدقّ الباب.

سمحتُ لها بالدخول.

لن أبقى طويلاً، قالت
إن لم تكن تريدني.

لا بأس، قلت
عليّ أن استحم
الآن.

ذهبتْ إلى المطبخ
وشرعت بغسل
الصحون.

الأمر أشبه بالزواج:
سرعان ما تقبل
كل شيء
كما لو أنه
لم يحدث أبداً.

جلبة
ثلاثة فتية صغار يركضون نحوي
مطلقين صفاراتهم
ويصرخون
أنت قيد الاعتقال
أنت سكران
ويبدأون بضرب رجلي
بهراواتهم الزائفة
وحتى إن أحدهم يحمل شارة شرطي. والآخر
أصفاد لكن يديّ مرفوعتان عالياً في الهواء.

حين أدخل متجر الخمور
يدورون في الخارج
كنحل
أطلق من قفيره
أشتري خمس زجاجات من الويسكي
الرديء
وثلاثة
ألواح حلوى.

قصيدة حب

كل النساء
كل قبلاتهن والطرق
المختلفة التي يحببن فيها
ويتكلمن ويحتجن.

آذانهن
كلهن يملكن آذاناً
وحناجر وفساتين
وأحذية وسيارات
وأزواج سابقين.

غالباً
ما يكنّ في غاية
الدفء
يذكّرنني بالتوست
والزبدة
ذائبة فيها.

ثمة نظرة في العين تقول
إنهن أُخذن إنهن
خُدعن. لا أعرف ما الذي
يمكنني فعله
لهن.

أنا عشيق جيد ومستمع
جيد
لكنني لم أتعلم الرقص
أبداً... كنت مشغولاً
بأمور أكبر.

لكنني استمتعت بأسرّتهن
المختلفة
مدخناً
ومحدّقاً
في السقوف. لم أكن سيئاً
ولا غير منصف. مجرّد
تلميذ.

أعرف أنهن جميعاً لديهن
تلك الأقدام وعاريات يعبرن أرض الغرفة
فيما أشاهد مؤخراتهن الحييّة في
العتمة. أعرف أنني أستهويهنّ وحتى إن
بعضهن يحببنني
لكنني أحبّ
قلة قليلة منهن.

بعضهن يجلب لي الليمون والفيتامينات؛
أخريات يتحدّثن بهدوء
عن الطفولة والآباء
والمناظر الطبيعية؛ بعضهن يكاد يكون
مجنوناً لكن ولا واحدة منهن بلا
معنى؛ بعضهن
يحببن جيداً، بعضهن الآخر
لسن كذلك؛ لكنّ أفضلهن في الجنس
لسن دائماً
الأفضل
في نواح أخرى؛ كلهن لديهن مثلي
كما نعلّم بعضنا
بسرعة.

كل النساء كل
النساء كل
غرف النوم
الحصر
الصور
الستائر، شيء
أشبه بالكنيسة سوى أنه ثمة ضحك
بعض الأحيان.

تلك الآذان تلك
الأذرع تلك
المرافق تلك العيون
تنظر، الإعجاب
والرغبة، لقد كنت محتضناً
قد
كنت محتضناً.

أوه بلى
هناك أشياء أسوأ من أن
تكون وحيداً
لكن غالباً ما يتطلّب الأمر
عقوداً لإدراك ذلك
وغالباً
حين تفعل ذلك
يكون قد فات الأوان
ولا شيء أسوأ
من فوات الأوان.

بعد القراءة الأولى للآداب العالمية الخالدة
صفق التلاميذ
كتبهم
الثقيلة
وهرعوا بجذل نادر
إلى الملعب
أو
مما يثير القلق أكثر
إلى منازلهم
الفظيعة
ليس هناك ما يثير
الضجر
أكثر
من الخلود.

الحال

أسفل الجادّات وأعلاها
البشر يتألمون؛
ينامون متألمين، يستيقظون
متألّمين؛
حتى المباني تتألم،
حتى الجسور
والأزهار تتألم
ولا انعتاق
الألم يجلس
يطفو
ينتظر
يكون.

لا تسأل لمَ هناك
سكارى
ومدمنون على المخدرات
وانتحارات

الموسيقى سيئة
والحب
والسيناريو:

وهذا المكان الآن
فيما أطبع هذه القصيدة

أو مكانك أنت:
فيما تقرأ هذه القصيدة.

حول الألم
زوجتي الأولى والوحيدة
كانت ترسم
وكانت تحدّثني عن الرسم:
"هذا مؤلم جداً
بالنسبة إلي، كل ضربة ريشة
كناية عن ألم...
خطأ واحد وتخرب
اللوحة كلها...
لن تفهم أبداً
الألم....)

(اسمعي حبيبتي)
قلت(لمَ لا تفعلين شيئاً سهلاً
شيئاً تحبّين فعله؟)

لم تقم سوى بالنظر إلي
وأظن أنها فهمت للمرة الأولى
مأساة أن نكون معاً.

أمور كهذه تبدأ
عادة
في لحظة ما.

لي
تتمدّد ككتلة صمّاء
أستطيع أن أحس جبل رأسها الفارغ
العظيم
لكنها حيّة. تتثاءب
وتحك أنفها
وتسدل الشرشف عليها.
عمّا قريب سأقبلها قبلة النوم
وسننام.
وفي البعيد هناك اسكوتلندا
وتحت الأرض
تعدو السناجب.
أسمع محرّكات الليل
وعلى امتداد السماء
يد بيضاء تلوّح لي:
عمت مساء، عزيزي، عمت مساء.

حرية

احتسى النبيذ طوال الليل ليلة
الثامن والعشرين. وما برح يفكّر فيها:
في مشيتها وطريقتها في الكلام والحب
الطريقة التي أخبرته فيها أشياء بدت حقيقية
لكنها لم تكن كذلك، وكان يحفظ لون
كل فساتينها
وأحذيتها ــــ كان يحفظ استدارة كل
كعب
والقدم التي تتكوّن به.
وحين عاد إلى البيت لم يجدها
وستعود ثانية تفوح منها تلك الرائحة النتنة،
وعادت،
عادت عند الثالثة فجراً
رثّة كخنزير يجترّ الروث
و
استلّ سكين الجزّار
وصرخت
مرتدة إلى جدار الغرفة
لا تزال جميلة على نحو ما
على الرغم من رائحة الجنس النفّاذة
وأنهى كأس النبيذ.

ذلك الفستان الأصفر
المفضّل لديه
واستمرّت بالصراخ.

وحمل السكين
وحلّ حزامه
ومزّق الكلسون أمامها
وقطع خصيتيه.
وحملهما بيديه
كمشمشتين
ورماهما في المرحاض
ودفق الماء
وظلّت تصرخ
فيما استحالت الغرفة حمراء

يا إلهي
ما الذي فعلته؟

وجلس هناك يحمل ثلاث مناشف
بين فخذيه
غير مبال سواء بقيت أم
رحلت
لبست الأصفر أم الأخضر
أو أي شيء على الإطلاق.

ويدٌ تحمل المناشف
والأخرى ترفع الزجاجة
وصبّ كأساً أخرى.

ثلج للنسور
لا أني أتذكّر الجياد
تحت القمر
لا أني أتذكّر إطعامها
السكّر
مكعّبات السكّر المستطيلة
الأشبه بالثلج،
وكانت لها رؤوس
كالنسور
ورؤوس صلعاء يمكنها أن تعضّ
ولم تفعل.

كانت الجياد حقيقية أكثر
من أبي
أكثر من الله
وكان يمكنها أن تدوس
على قدمي ولم تفعل
وكان يمكنها فعل كل الأشياء المرعبة
لكنها لم تفعل.

كنت في الخامسة تقريباً
لكنني لم أنسَ بعد؛
أوه يا إلهي كانت قوية وطيبة
تلك الألسنة الحمراء يسيل لعابها
وهي تمتدّ من أرواحها.

سلام

كنت أحسب أن الحمامة هي طائر السلام
لكنهم هنا كانوا يطلقون عليها الرصاص
ويسقطونها عن الأغصان
يتسلّقون منحدرات الجبال
ويسقطونها أيضاً؛
وأينما ذهب الحمام
تجد الصيادين
يطلقون الأعيرة النارية
وثمة رجل لا يشبه الحمامة
على الإطلاق
أُصيب مرة في كتفه؛
وكان ثمة الكثير من التذمّر
من أن الحمام
بات أصغر وأندر
من العام الماضي،
لكن طريقة سقوطه
في الهواء
حين تسحب الحياة منه
كانت هي نفسها؛
وكنت هناك أيضاً
لكنني لم أستطع إطلاق النار على شيء
بفرشاة رسم؛
وجاء صيادان ووقفا فوق قماشتي
ووقفا ووقفا ووقفا
حتى قلت أخيراً
بحق الله
إذهبا وتفرّجا على بيكاسو أو رمبرانت
على كلي أو غوغان
استمعا إلى سيمفونية لماهلر
وإذا ما حصلتما على شيء من هذا
عودا
وحدّقا في لوحتي!

ما خطب هذا الرجل؟ قال أحدهما

إنه مجنون. كلهم مجانين
قال الآخر. على أية حال لقد
حصلت على حماماتي العشر.

أنا أيضاً. قال صاحبه، لنذهب
إلى البيت: يمكننا أن نصل بها إلى البيت
عند موعد الغداء.

إلى جاين

225 يوماً تحت العشب
وتعرفين أكثر مني.

منذ أمد بعيد أخذوا دمك،
إنك عود جاف في سلّة.

أهكذا تحدث الأشياء؟

في هذه الغرفة
ساعات الحب
لا تزال تصنع الظلال.

حين رحلت
أخذت معك تقريباً
كل شيء.

أركع في الليالي
أمام النمور
التي لن تعتقني.

ما كنتِه
لن يحدث ثانية.

وجدتني النمورُ
ولستُ أبالي.

بقايا

الأحوال جيدة ما دمت لم أمت بعد
والفئران تتنقّل في عبوات البيرة
والأكياس الورقية تتقافز كالجراء؛
وصورها الفوتوغرافية عالقة في لوحة
لرسام ألماني ميت وهي ميتة أيضاً
وقد احتجت إلى 14 عاماً لأعرفها
وإذا ما أُعطوني 14 عاماً أخرى
سأعرفها أكثر...
صورها ملتصقة على الزجاج
لا تتحرّك ولا تنطق،
لكنني أملك حتى صوتها على شريط
وتتحدثُ في بعض الأمسيات،
هي عينها
حقيقية جداً حين تضحك
تقول ألف خبرية،
وما تجاهلته دوماً؛
لن يفارقني أبداً:
أنه كان عندي حب
وأنه مات؛
صورة فوتوغرافية وقطعة تسجيل
ليستا بالكثير، علمت ذلك متأخراً،
لكن امنحني 14 يوماً أو 14 سنة أخرى،
وسأقتل أي رجل
يمكن أن يلمس أو يأخذ
ما تبقّى.

ساقان، وركان، ومؤخرة

أحببنا الكاهن لأننا رأيناه مرة يبتاع
قرن بوظة
كنا في التاسعة وحين كنت أذهب
إلى منزل صديقي المفضّل كنت أجد أمه كالعادة
تحتسي الخمرة مع أبيه
كانا يدعان الباب مشرعاً ويستمعان
إلى الموسيقى عبر الراديو
كانت أمه أحياناً تدع فستانها مرفوعاً
وكانت ساقاها تثيرانني
توترانني وتخيفانني لكن تثيرانني
بطريقة ما
من حذائها الأسود اللمّاع وجوربيها النايلون
على الرغم من نتوء أسنانها
ووجهها المسطّح.

حين كنا في العاشرة قتل أبوه نفسه
بطلقة أخترقت
رأسه
لكن صديقي المفضّل وأمه بقيا
في ذلك البيت
وكنت غالباً ما أراها
تصعد التلة إلى السوق
حاملة سلتها وكنت أرافقها
مستنفر الحواس تجاه ساقيها
ووركيها ومؤخرتها
وكيف تتحرّك كلها معاً
وكانت دائماً لطيفة معي
وكنت أقصد الكنيسة وابنها
ونعترف معاً
وكان الكاهن يعيش في كوخ
خلف الكنيسة
وكان ثمة امرأة سمينة
عنده دائماً
حين نزوره
وكل شيء بدا دافئاً
ومريحاً
وقتذاك في 1930
لأنني لم أكن أعلم بوجود
كساد اقتصادي عالمي
وأن الجنون والخوف والأسف
في كل مكان تقريباً.

أبي والمتبطّل

كان أبي يؤمن بالعمل
كان فخوراً لكونه
موظفاً
أحياناً كان بلا وظيفة
وعندها يشعر بخزي عظيم
إلى درجة أنه يغادر المنزل صباحاً
ويعود مساء
لكي لا يلاحظ
الجيران.

أما أنا
فكنت أحب جارنا:
كان يتخذ مقعداً
في فناء منزله الخلفي
ويرشق السهام المريّشة
على دوائر رسمها
على جانب مرآبه.
في لوس أنجلوس الثلاثينات
كانت لديه حكمة
لا يسع
غوته وهيغل وكيركغارد
ونيتشه، فرويد،
وغاسبر، وهايدغر
وتوينبي
إنكارها.

حديقتي

في الشمس وفي المطر
في النهار وفي الليل

الألم زهرة
الألم زهور

تتفتّح كل الوقت.

رجلان وفخذان بيضاوان
كنا الثلاثة بين التاسعة والعاشرة
نتجمّع عند التاسعة والنصف مساء
بين الشجيرات الممتدّة على الطريق
ونقبع في العتمة
ناظرين عبر ستائر السيدة "كرسون"
إلى ساقيها المتصالبتين دائماً
إحداهما كانت تهزهز، يا للكاحل
الرفيع الرائع
وكانت عادة تجذب تنورتها
إلى ما فوق ركبتها
(فعلياً إلى ما فوق الركبة)
ثم فوق الرباط الذي
يمسك الجورب وأحياناً كنا نرى
لمحة من فخذها الأبيض
كم نظرنا وهمسنا وحلمنا
بذينك الفخذين الأبيضين
المكتنزين
فجأة كان السيد كرسون
ينهض عن كرسيه
لينزّه الكلب
وعندها كنا نشرع بالركض
عبر ساحات غريبة
متسلقين أسيجة مشبّكة بارتفاع
خمسة أقدام
نقع ثم ننهض عابرين الشوارع
وأخيراً تعاودنا الشجاعة
ونتوقف عند كشك همبرغر
لاحتساء الكوكاكولا.
أنا واثق من أن السيدة كرسون
لم تدرك إطلاقاً ما الذي
فعلته ساقاها
وفخذاها البيضاوان
بنا.

الفئران

اصطاد أبي صغار الفئران
كانت لا تزال حيّة حين قذفها
الواحدة بعد الأخرى
في الموقد المشتعل.
اضطرمت النيران
وأردت أن أرمي أبي هناك
لكن لكوني كنت في العاشرة
جعل ذلك مستحيلاً
(حسناً ها قد ماتت) قال لي
(قتلت الوغدات!)
(لم تكن مضطراً لفعل ذلك)
قلت
(أتريدها أن تجري في أنحاء البيت
إنها تخلّف روثاً وتجلب الأمراض
ماذا كنت لتفعل بها؟)
(كنت ربّيتها كحيوانات أليفة)
(حيوانات أليفة!
ما الذي أصاب الجميع بأي حال؟)
كانت الشعلة في الموقد
تذوي
ببطء شديد
ثم خمدت.
لقد ربح أبي مجدداً.