لانغستون هيوز
Langston Hughes
(1902 - 1967)

لانغستون هيوزأحد كبار الشعراء المعاصرين، وأحد رموز ما عرف خلال الثلث الأول من القرن العشرين بــ (نهضة هارلم)، الكيان الثقافي والفكري والسياسي والاجتماعي والفني الذي جمع نخب السود ووحّدهم في محاربة التمييز العنصري والعرقي في أميركا، والمطالبة بالمساواة الثقافية (الاعتراف بالآخر) والحقوقية مع البيض.
انطلقت (نهضة هارلم) أو (حركة النيغرو الجديدة) كسلسلة من النقاشات دارت بين المثقفين والفنانين في مانهاتن السفلى (غرينويتش فيلج)، ومانهاتن العليا (هارلم) في نيويورك، وعكست وعياً جديداً للسود بأنفسهم وبالعالم من حولهم. أحد عوامل صعود هذه الحركة تمثَّل في موجات الهجرة الكبرى للأفارقة الأميركيين من المدن الأميركية الجنوبية إلى مدن الشمال مثل واشنطن ونيويورك وشيكاغو، لا سيما في الفترة بين 1919 و1926. وترافق ذلك مع بروز عدد من المفكرين الأفارقة من أمثال عالم الاجتماع والناقد ألين لي روي لوك صاحب الكتاب التأسيسي (النيغرو الجديدة)، وماركوس غارفي مؤسس (رابطة الإنماء العالمية للسود) و و. إي. دو بوا صاحب مجلة (كرايسيس) التي أصبحت صوت المثقفين السود في أميركا. وبالإضافة إلى هؤلاء شهدت تلك المرحلة بروز عدد من الكتاب والفنانين والشعراء من أمثال لانغستون هيوز وكونتي كولن ولويز مايلو جونز وويليم جونسون وبالمر هايدن وأنجلينا غريمكه وجسي زدمون فوست ونيلا لارسن وزورا نيل هورستون وكلود مكاي وجان تومر وأرنا بونتمبس.
بين هؤلاء لعب هيوز شعراً ونثراً (المسرح والرواية والقصة القصيرة والمقالة) الدور التأسيسي الذي لعبه كل من دو بوا ولوك. فإذا كانت مهمة المفكرين السود محاججة الدعاوى العرقية التي كانت منتشرة بقوة في العالم الغربي والقائلة بالانحطاط (الأصلي) (بالولادة) والجيني للعرق الأسود وعدم قدرته (الطبيعية) على التطور والارتقاء، فإن أهمية هيوز تكمن في أنه قدّم البعدين الروحي والحضاري للسود، والمتمثلين في الأشكال التعبيرية والإيقاعات الموسيقية والثقافة الطقوسية الضاربة عميقاً في التاريخ، وبالتالي فإن السود غير طارئين على البشرية ولا ثانويين في مسار تطورها.
إلى ذلك عكس هيوز في شعره ومسرحه ونصوصه النثرية واقع المجتمع الأسود في يوميات عيشه دامجاً بين تصوير أقصى المأساة وأقصى الأمل مخاطباً الفئة المضطهَدة، أي السود، وتلك المضطهِدة، أي البيض، في آن معاً، محفّزاً الأولى على الخروج من وضعية الضحية، وكاشفاً للثانية تناقضات سلوكها وخطابها السياسي والثقافي.
في سيرته الذاتية كتب هيوز ملخّصاً بدايات حياته ونشأته الأولى: (ولدتُ في جوبلن بمايسوري. أمي كاري عملت مدرسة قواعد اللغة الإنكليزية في أوكلاهوما حيث التقت أبي الذي كان يعمل في مكتبة وقتذاك. حتى سن الثانية عشرة قامت جدتي، ماري سامسون بترسون ليري لانغستون، بتربيتي. بعد موتها انتقلت للعيش في لينكولن بإيلينوي مع أمي التي كانت طلقت أبي لتتزوج هومر كلارك حيث عاشت معه زمن طفولتي في المكسيك. درستُ في ثانوية كليفلاند، ولدى تخرجي ذهبت إلى المكسيك حيث عشت مع أبي بضع سنوات. أولى قصائدي كتبتها في الثانوية ونشرتها في مجلة المدرسة).
ويتابع هيوز: (ذهبت من المكسيك لمدة سنة، حتى ،1921 إلى جامعة كولومبيا. ثم اشتغلت في مهن عدة في أرجاء نيويورك، وانتهى بي الأمر بحاراً في الرحلات الذاهبة إلى أفريقيا وهولندا؛ ثم عملت طبّاخاً في مطعم ناد ليلي في باريس. لدى عودتي إلى أميركا عملت نادلاً في فندق (واردمن بارك أوتيل) في واشنطن، وتمكنت من اجتذاب انتباه فاشيل لندساي عبر ثلاث قصائد دسستها في صحن طعامه. في 1925 حصلت على أول جائزة شعرية لي في مسابقة أجرتها صحيفة (نيغرو لايف)، ومن خلال المسابقة تعرفت إلى كارل فان فختن الذي طلب الاطلاع على قصائدي كلها، ثم عرضها على دار نشر (ألفرد نوبف) التي نشرتها تحت عنوان (قصائد بلوز غريبة)، فكان ذلك كتابي الأول. من خلال الشعر أيضاً حصلت على منحة دراسية من سيدة لطيفة وكريمة لإكمال دراستي الجامعية في جامعة لينكولن في بنسلفانيا التي تخرجت فيها في 1929. بين الشعراء الذين تأثرت بهم وقتذاك والت ويتمان وكارل ساندبورغ وبول لورنس دانبر).
كتب هيوز بعد ذلك رواية (ليس بلا ضحك) وعدداً من القصص القصيرة ومجموعة شعرية ثانية وبدأ يحقق شهرة أدبية واسعة لا سيما في أوساط السود. في 1926 نشر هيوز مقاله الشهير (الفنان الأسود وجبل العرقية) في صحيفة (الأمة) وعرض فيه رؤيته للفنانين الأميركيين من أصل أفريقي. منذ مطلع الثلاثينات بدأ هيوز ينضم إلى الجماعات اليسارية ولا سيما الحزب الشيوعي، وعلى الرغم من أنه لم ينضم إلى الحزب الشيوعي غير أنه عبّر بأشكال كتابية مختلفة عن إعجابه الشديد بالثورة السوفياتية والنموذج الشيوعي الذي رأى أنه الوحيد القادر على جلب العدالة للأقليات في أميركا. (صباح الخير أيتها الثورة) و(وداعاً أيها المسيح) تعتبران من أكثر قصائده جذرية في هذا المجال. وبصورة عامة لم تكن قصائد تلك المرحلة بين أفضل ما كتبه هيوز(لذلك استغنيت عن ترجمة نماذج منها)، بل يمكن اعتبارها بين الأسوأ، إذ احتشدت بالمباشرة وبطغيان الشعار السياسي على الجماليات الشعرية. في 1933 دعي هيوز إلى الاتحاد السوفياتي للمشاركة في فيلم سينمائي عن السود في أميركا، وعلى الرغم من عدم إنجاز الفيلم غير أنه أقام هناك نحو عام، وفي 1937 سافر إلى إسبانيا حيث قام بتغطية الحرب الأهلية هناك. وعلى الرغم من ابتعاده النسبي عن التيارات اليسارية خلال الحرب العالمية الثانية ومشاركته عبر الصحف والإذاعات في المجهود الحربي الأميركي، غير أنه كان بين الذين استدعوا للتحقيق أمام لجنة مكارثي التي تعتبر أسوأ كابوس عرفته أميركا في تلك الحقبة وهدفت إلى ملاحقة أولئك الحاملين الفكر الشيوعي أو المرتبطين بنشاطات مع أحد أحزابه في مؤشر إلى تصاعد الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفياتي سابقاً. تعاون هيوز مع اللجنة غير أنه لم يشِ بأي من الأسماء. بعد ذلك اتخذ هيوز من هارلم مكان إقامة ثابتة له وراح ينشر الشعر والروايات والقصص القصيرة وفصولاً من سيرته الذاتية، كما درّس الشعر في عدد من الجامعات، وفي 1967 عام وفاته بالسرطان كان هيوز أصبح بمثابة الأسطورة التي تتجاوز الكتابة والشعر إلى مستوى الرمز حتى أطلق عليه البعض لقب (شاعر الشعب الأميركي).

من أعمال هيوز في الشعر:
(قصائد البلوز الغريبة) (1962)، (ثياب جيدة لليهود) (1927)، (أيها الموت العزيز) (1931)، (حافظ الأحلام) (1932)، (شكسبير في هارلم) (1942)، (بطاقة سفر بلا عودة) (1949)، (مونتاج لحلم مؤجل) (1951)، (اسأل أُمك) (1961)، (القصائد الكاملة للانغستون هيوز) (1994). وفي النثر: (البحر الكبير) (1940)، (أتساءل فيما أتجول) (1956) وغيرهما. وفي المسرح: (مولاتو) (1935)، (ألا تريد أن تكون حرّاً) (1938) وغيرهما. إضافة إلى عدد من الكتب التي جمعت رسائله ومحاضراته، وثلاث أنطولوجيات شعرية حررها أو ساهم في تحريرها.

****

من (قصائد 1921 - 1930)

النيغرو (1) يتحدّث عن الأنهار

عرفتُ أنهاراً:
عرفت أنهاراً تاريخية كالعالم وأقدم من
تدفّق الدم في عروق البشر

صارت روحي عميقة كالأنهار.

استحمّيتُ في الفرات حين كان الفجر فتيّاً.
بنيت كوخي بجوار الكونغو الذي هدهدني لأنام.
نظرت إلى النيل وشيّدتُ الأهرامات فوقه.
سمعت غناء المسيسيبي حين نزل لينكولن
إلى نيو أورلينز، ورأيت وحوله
تصير ذهبية عند الغروب.

عرفت أنهاراً:
أنهاراً قديمة داكنة.

صارت روحي عميقة كالأنهار.

حكايات العمّة سو

رأس العمة سو مليء بالحكايات.
قلب العمة سو مليء بالحكايات.
في ليالي الصيف على الشرفة الأمامية
تضع العمة سو في حُجرها طفلاً بنياً
وتسرد عليه الحكايات.

عبيد سود
يعملون في الشمس الحارة،
وعبيد سود
يمشون في الليل المنعش،
وعبيد سود
ينشدون أغنيات الأسف على ضفاف النهر العملاق
يغطّسون أنفسهم بنعومة
في دفق صوت العمة سو العجوز،
يغطّسون أنفسهم بنعومة
في الظلال السوداء التي تعبر وتعاود عبور
حكايات العمة سو.

والطفل الأسود، مصغياً،
يعرف أن حكايات العمة سو حقيقية.
يعرف أن العمة سو لا تأتي بحكاياتها
من أي كتاب،
بل مباشرة
من حياتها.

الطفل الأسود هادئ
في الليلة الصيفية
يصغي إلى حكايات العمة سو.

نيغرو

أنا نيغرو:
أسود كما الليل أسود،
أسود كأعماق أفريقيا.

كنتُ عبداً:
أمرني قيصر أن أُبقي عتبات بيته نظيفة.
ومسحت حذاء واشنطن.

كنتُ عاملاً:
من تحت يديّ ارتفعت الأهرامات.
صنعتُ ملاط مبنى وولورث.

كنتُ مغنياً:
من أفريقيا إلى جورجيا
حملت أغاني حزني.
صنعت الرّجتيم (1)

كنتُ ضحيةً:
قطع البلجيكيون يدي في الكونغو
وأعدموني بلا محاكمة في المسيسيبي.

أنا النيغرو:
أسود كما الليل أسود،
أسود كأعماق أفريقيا.

أنا أيضاً

أنا أيضاً أُغنّي أميركا.
أنا الأخ الداكن.
يرسلونني لآكل في المطبخ
حين تأتي الرفقة،
لكنني أضحك،
وآكل جيّداً،
وأنمو قويّاً.

غداً،
سأكون على المائدة
حين تأتي الرفقة.
لن يجرؤ أحد عندها
أن يقول لي
(كُلْ في المطبخ).

إلى ذلك
سيرون كم أني جميل
وسيخجلون من أنفسهم.

أنا، أيضاً، أميركا.

سؤال (1)

حين يأتي العجوز الموت جامع الرّمم
ليجمع أجسادنا
ويرميها في كيس النسيان،
أتساءل ما إذا كان سيجد
أن جثة مليونير كبير
تساوي بنسات أكثر من الأبدية
من الجذع الأسود
لمزارع قطن أسود.

دراما ليلة شتائية

لا تستطيع النوم هنا
يا رجلي الطيب،
لا تستطيع النوم هنا.
هذا بيت الرب.

يفتح الحاجب باب الكنيسة. يخرج الرجل.

لا تستطيع النوم في هذه السيارة القديمة المترفة،
ليس هنا.
إذا وجدك جونز،
فسيسلمك للشرطة.
أخرج من هنا فوراً،
هذا ليس بيتاً.
لا تستطيع البقاء هنا.

السائق يفتح الباب. يخرج الرجل.

أيها الرب لا تستطيع ترك رجل يستلقي
في الشوارع هكذا.
جد ضابطاً بسرعة.
أرسل بطلب سيارة إسعاف.
ربما يكون مريضاً لكنه
لا يستطيع الموت عند هذه الزاوية،
ليس هنا.
لا يستطيع الموت هنا.

يفتح الموتُ باباً

أوه، إلهي،
دعني أذهب إلى كنيسة القديس بطرس
دعني أجلس على عتبات عرشك.
دعني أستريح في مكان ما.
ماذا قلت، الله؟
ماذا قلت؟
لا تستطيع النوم هنا...
لا يستطيع المتشردّون...

الرجل يهذي.

أرسِلوه بسرعة إلى المشفى.
إنه يجتذب حشداً.
لا يستطيع الموت عند هذه الزاوية.
لا، لا، ليس هنا.

من الله إلى طفل جائع

أيها الطفل الجائع
لم أخلق هذا العالم لك.
أنت لا تشتري أسهماً في سكك حديدي،
لا تستثمر في شركاتي.
أين حصصك في النفط؟
خلقتُ هذا العالم للثري
والذي سيصير ثرياً
والذي كان دوماً ثرياً.
لم أخلقه لك،
أيها الطفل الجائع.

مياه ناهضة

بالنسبة إليكم
يا من أنتم
زبد البحر
لا البحر نفسه..
ماذا عن الصخور المسنّنة
والأمواج نفسها،
وقوة المياه المتجمعة؟
أنتم
لستم سوى زبد البحر
أيها الأغنياء،
ولستم البحر نفسه.

قصيدة لجندي ميت

(الموت عاهرة تعاشر كلّ الرجال)

الشغف الجليدي
ونَفَس مُرّ
زيّنا سرير
الشباب والموت..
الشباب؛ الجندي الشاب
الذي ذهب إلى الحروب
وعانق الموت الأبيض،
الأدنأ بين العاهرات.

الآن ننثر الورود
فوق قبرك
نحن الذين أرسلناك
إلى موتك.
الآن ندبّج المقالات الناعمة
وننشج بالبكاء الناعم
وننثر الزهور الناعمة
ونطلق الأكاذيب الناعمة.

سنكفّنك بالحديد
وننحتك بالحجر،
غير متجرّئين على صنع تمثال
من لحمك وعظامك الميتة،
غير متجرّئين على ذكر
النفس المرّ
ولا الشغف الجليدي
لليلتك الغرامية مع الموت.

ندبّج الخطابات الناعمة.
ننشج بالبكاء الناعم
ننثر الزهور الناعمة
ونطلق الأكاذيب الناعمة.
وأنت الذي كنت شاباً
حين ذهبت إلى الحروب
خسرت شبابك الآن
مع أدنأ العاهرات.

المشاة فجراً

كوننا المشاة مع الفجر والصباح،
مع الشمس والصباح،
لا نخشى الليل،
ولا أيام الغمّة،
ولا الظلام.
كوننا المشاة مع الفجر والصباح.

أغنية الأرض

إنها أغنية أرض
وقد انتظرتُ طويلاً
أغنية أرض.
إنه الربيع الآن
وقد انتظرت طويلاً
أغنية الربيع:
قوية كانبثاق البراعم الفتيّة،
قوية كانبعاث نبتة،
قوية كميلاد أول طفل
من رحم أمه.
أغنية أرض!
أغنية جسد!
أغنية ربيع!
وقد انتظرت طويلاً
أغنية الأرض.

أغنية

أيها الجميل، القاتم، والوحيد،
عرِّ صدرك أمام الشمس.
لا تخشَ الضوء،
أنت يا طفل الليل.

إفتح ذراعيك واسعتين للحياة،
دوّم في رياح الألم وكافح،
واجه الجدار ذي البوابة السوداء المقفلة،
أضرب بقبضتين بنيتين عاريتين...
وانتظر.

حافظ الأحلام

إليّ بكل أحلامكم
أيها الحالمون،
إليّ بكل
أغاني قلوبكم
سألفهّا
في شراع السحاب الأزرق
بعيداً عن أصابع العالم
القاسية.

إلى صديق ميت

ما يزال القمر يرسل ضوءه الرخيم
عبر السواد القرمزي لليل،
نجمة الصبح وضاحة وشاحبة
قبيل الفجر.

ما تزال الشمس تشرق تماماً كما من قبل؛
الزهور ما تزال تزهر على بابي،
لكنك رحلت.

السماء زرقاء وطائر أبو الحنّاء يغنّي؛
الفراشات ترقص على أجنحة قوس قزح
ومع ذلك أنا حزين.

في الأرض كلّها لا فرح ممكناً؛
ما عادت السعادة تعرفني،
ذلك أنك مت.

الضاحكون

مغنو أحلام،
رواة قصص،
راقصون،
ضاحكون صاخبون في يد القدر...
أبناء قومي.
غسالات الصحون،
فتيان المصاعد،
خادمات السيدات،
المقامرون بالنرد،
الطباخون،
النادلات،
فنانو جاز،
حاضنات الأطفال،
ملاكمون،
بائعو الأرقام (1)،
الكوميديون في الفودفيل
وعازفو السيرك...
مغنّو أحلام كل...
أبناء قومي.
رواة قصص كل...
أبناء قومي.
راقصون...
يا الله! أي راقصين!
مغنون...
إلهي! أي راقصين!
راقصون وضاحكون.
ضاحكون؟
أجل ضاحكون... ضاحكون... ضاحكون....
ضاحكون بأفواه واسعة بين يدي
القدر.

ربيع بعد ربيع

الآن،
في حزيران،
حين الليل ليونة مديدة
مليئة بالنجوم الزرقاء
وشعاع القمر المتكسّر
يسقط على الأرض،
أكبرتُ إلى درجة أني ما عدت أرى الجنيات ترقص؟
ما عدت أجدها.

حين ترتدي سو فستانها الأحمر

حين ترتدي سوزانا جونز فستانها الأحمر
يشبه وجهها حجر كاميو (1) عتيق
وقد استحال بنيّاً عبر الأزمنة.

تعال مع نفخ الترومبيتات
يا يسوع!

حين ترتدي سوزانا جونز الأحمر
تنهض ملكة من ليل مصري ميت من أزمنة سحيقة
وتسير ثانية.

أُنفخ الترومبيتات، يا يسوع!

وجمال سوزانا جونز بالأحمر
يشعل في قلبي نيران حب حادة كالألم.

ترومبيتات فضية جميلة،
يا يسوع!

أحلام

تمسك بسرعة بالأحلام
لأنه إذا الأحلام ماتت
فالحياة طائر مكسور الجناحين
لا يسعه الطيران.

تمسّك بسرعة بالأحلام
لأنه حين تمضي الأحلام
الحياة حقل عارٍ
يجلّده الثلج.

عن بورتريه فتى أفريقي على نمط غوغان

كل طبول الأدغال الصغيرة تقرع في دمي،
وكل أقمار الأدغال الوحشية الحارة تشع في
روحي.
أنا خائف جداً من الحضارة...
القاسية جداً،
القوية جداً،
الباردة جداً.

عاهرة شابة

وجهها البني الداكن
أشبه بزهرة ذابلة
على غصن مكسور.
هذا النوع يباع رخيصاً في هارلم،
هكذا يقولون.

ظلال

نعدو،
نعدو،
لا نستطيع احتمال تلك الظلال!
أعطنا الشمس.

لم نُولد
للظلال،
للظلال الثقيلة،
والهواء الضيق
الذي صنعته تلك الأشياء البيضاء.
نعدو،
يا إلهي،
نعدو!
علينا أن نخترق الظلال،
أن نعثر على الشمس.

هجرة

طفل جنوبيّ صغير
آتٍ إلى مدرسة في الشمال
يخاف من اللعب
مع الأطفال البيض.

في البداية يكونون لطفاء معه،
لكنهم أخيراً يهينونه
وينادونه (نيغر)

الأطفال الملونون
يكرهونه أيضاً
بعد فترة.

إنه فتى صغير داكن
بوجه أسود مدوّرٍ
ولفاح أبيض مطرزٍ.

حول هذا الطفل
الصغير الخائف
يستطيع المرء كتابة قصة
ترسم ملامح الغد.

سحر البحر

سحر البحر
أطفال البحر أنفسهم
لا يفهمونه.
لا يعرفون
سوى أن البحر قوي
كيدي الله.
لا يعرفون
سوى أن رياح البحر ناعمة
كنَفَس الله،
وأن البحر يحمل
موتاً عميقاً، واسعاً.

الكذابون

نحن الكذابين الحقيقيين:
الذين ندّعي ما لسنا عليه
والذين لا ندعي ما نحن عليه.
نحن الذين نستعمل الكلمات
كشاشات للأفكار
وننسج كسوات سوداء
نغطي بها الجسد العاري
للحقيقة الناصعة.
نحن ذوو الأرواح المتحضّرة
الكذابين الحقيقيين.

راقصان زنجيان

(جسدي وجسد حبيبتي
يعرفان طريقتان أخريان،
طريقتان أخريان لرقص الشارلستون!
دا، دا،
دا، دا، دا!
طريقتان أخريان لرقص الشارلستون!)

ضوء خفيف على الطاولات،
موسيقى جذلة،
راقصون بنّيون
في كاباريه.

إضحكوا أيها البيض!
أيها البيض صلّوا!

(جسدي وجسد حبيبتي
يعرفان طريقتان أخريان
طريقتان أخريان لرقص الشارلستون!)

مصاقل الفولاذ

المصاقل
التي تصقل وتصقل،
التي تصقل فولاذاً جديداً
وتطحن معها
أرواح الرجال،
عند الغروب
مداخنهم
مظلات سوداء
قبالة السماء.
عند الفجر
تقذف حمماً حمراء.
المصاقل،
تطحن حديداً جديداً،
ورجالاً قديمين.

إلى مثقفين معينين

لستم أصدقائي
لأني فقير،
أسود،
جاهل وبطئ الفهم،
لست من نوعكم.
أنتم أنفسكم
قلتم لي ذلك،
لستم أصدقائي.

مناجم جوهانسبورغ

في مناجم جوهانسبورغ
240000 إفريقي
يعملون.
أي قصيدة
يمكن كتابتها
عن ذلك؟
240000 مواطن أصليّ
يعملون
في مناجم جوهانسبورغ.

امرأة مضطربة

تقف
في العتمة الساكنة،
هذه المرأة المضطربة
المحنية قامتها
من الغرابة والألم
مثل
زهرة خريفية
في المطر البارد،
مثل
زهرة خريفية تذروها الرياح
ولا ترفع رأسها
ثانية.

زهرة الخشخاش

زهرة خشخاش برية
ذبلت وماتت.

أناس النهار ضحكوا
لكن أناس الليل بكوا.

زهرة خشخاش برية
ذبلت وماتت.

خائفون

نبكي بين ناطحات السحاب
كما بكى أسلافنا
بين نخيل أفريقيا
لأننا وحيدون.
إنه الليل.
ونحن خائفون.

وجه في محطة القطار النفقي

لا يعنيك أنني
طوال حياتي
أبحث عنك.
لا تعرف.

لم تعرف أبداً.
ولا أنا.
الآن وفيما تستقلّ قطار هارلم صعوداً،
أستقل قطاراً محلياً نزولاً.

أمي

أنتظر أمي،
التي هي الموت.

قُلها بنعومة.
قلها ببطء إذا شئت.

أنتظر أمي،
الموت.

مخارج

البحر عميق،
النصل حادّ،
وأسيد السم يحرق،
لكن جميعها تجلب الراحة،
التي تتوق إليها
الأرواح المتعبة.
كلها تجلب الراحة
في فراغ
لا ترجع منه
أي روح.

البيض

لا أكرهكم
لأن وجوهكم رائعة أيضاً.
لا أكرهكم،
وجوهكم أضواء مشعّة من الجمال والروعة أيضاً.
مع ذلك لمَ تعذبونني،
أوه، أيها البيض الأقوياء،
لم تعذبونني؟

آلهة

آلهة العاج،
وآلهة الأبنوس،
وآلهة الألماس واليَشمْ،
تجلس صامتة على رفوفها المعابد
بينما الناس
خائفون.
غير أن آلهة العاج،
وآلهة الأبنوس،
وآلهة اليشم والألماس
ليست سوى دمى سخيفة
صنعها
الناس أنفسهم.

حبيبتي

هل أصنع سجلاً لجمالك؟
هل أكتب عنك الكلمات؟
هل أكتب قصيدة تحيا
مئة عام وأرسمك في القصيدة؟

قَومي

الليل رائع،
كذلك وجوه أبناء قومي.

النجوم رائعة
كذلك عيون أبناء قومي.

رائعة الشمس أيضاً.
رائعة أيضاً أرواح أبناء قومي.

الجلوس على مقاعد الحدائق

جلست على مقاعد الحدائق في باريس
جائعاً.
جلست على مقاعد الحدائق في نيويورك
جائعاً.
وقلت:
أريد وظيفةً.
أريد عملاً.
وقيل لي:
لا وظائف.
لا عمل.
لذا جلست على مقاعد الحدائق
جائعاً.
منتصف الشتاء،
أيام جائعة،
لا وظائف،
لا عمل.

قصيدة
(إلى ف. س.)

أحببت صديقي
مضى بعيداً مني.
لا شيء أقوله بعد.
القصيدة تنتهي
ناعمة كما بدأت،
أحببت صديقي.

رسالة منتحر

وجه النهر
الساكن واللذيذ
طلب قبلة مني.

جرح

من يبالي
بجرح قلبك؟

أُكتب أغنية كهذه
لتعزفها فرقة جاز:

لا أحد يبالي.
لا أحد يبالي.

دندن أغنية كهذه
على شفتيك.

لا أحد يبالي.

حسبت أني أريد طنجة

الآن أعرف
أن نوتردام في باريس.
والسين الآن بالنسبة إليّ
أكثر من خط متعرّج على خريطة،
أو اسم في قصص الرحلات.

الآن أعرف
هناك قصر كريستالي في أنتويرب
حيث مئة امرأة يبعن أجسادهن العارية،
وعشاق الليل من البحارة
ينتظرون الرجال في موانئ جنوا.

الآن أعرف
أن قمراً ذهبياً عظيماً
كالأقمار في الكتب
يشرق حقّاً وراء سعف النخيل
في أفريقيا،
والتوم توم تقرع حقّاً
في ساحات القرى تحت أشجار المنغا.

الآن أعرف
أن (البندقية) هي قبة كنيسة
وشبكة من القنوات،
وأن طنجة هي بياض تحت الشمس.
حسبت
أن طنجة هي ما أردت،
أو تماثيل نوتردام،
أو قصر الكريستال في أنتويرب،
أو قمر سعف النخيل الذهبي في أفريقيا،
أو قبة كنيسة وقنوات مائية.

السعادة ليست في أي مكان،
قال عجوز أحمق،
ما لم تكن فيك.

لكنه أمر مؤكّد
نوتردام في باريس
لكنني حسبت أن طنجة هي ما أُريد.

حالم

آخذ أحلامي
وأصنع منها إناء برونزياً،
ونافورة مستديرة واسعة
في وسطها تمثال رائع،
وأغنية بقلب مكسور،
وأسألكَ:
هل تفهم أحلامي؟
أحياناً تقول إنك تفهم
وأحياناً تقول إنك لا تفهم.
في الحالين
لا يهمّ.
أمضي في أحلامي.

حمّال

عليّ أن أقول لك
حاضر سيّدي
على الدوام
حاضر سيدي!
حاضر سيدي!
كلّ أيامي
أتسلق جبلاً كبيراً
من الــ (حاضر أيها السادة)

رجال أغنياء بيض قدماء
يملكون العالم
أعطني حذاءك لألمّعه.

حاضر سيّدي.

كورا

حطّمتَ قلبي هذا الصباح
لا قلب لي بعد اليوم.
المرة القادمة حين يقترب رجل مني
سأوصد قلبي بقوة
لأنهم يعاملونني بشكل سيئ
أولئك الذين أحبّ.
دائماً يعاملونني بشكل سيئ.

/ مايزي يموت وحيداً في مشفى المدينة
أكره أن أموت هكذا والسكون
يخيم على كلّ شيء كالكفن.
أفضّل أن أموت حيث الفرقة تعزف
بصخب وضوضاء.

أفضّل أن أموت كما عشتُ
سكراناً ومشاكساً ومرحاً!
إلهي لم لعنتني
وجعلتني أموت على هذا النحو؟

**********

من قصائد 1931 - 1940

متعب

متعب من الانتظار،
أولست مثلي؟
انتظار العالم ليصير طيباً
ورائعاً ولطيفاً؟
لنأخذ سكيناً
ونقسم العالم إلى اثنين
ولنرَ أي ديدان تأكله
تحت اللحاء.

بيت في العالم

أبحث عن بيت
في العالم
حيث الظلال البيضاء
لن تسقط.

ليس ثمة بيت كهذا
أيها الإخوة السود،
لا بيت كهذا
على الإطلاق.

الله

أنا الله
بلا أي صديق،
وحيد وفي طهرانيتي
عالم لا ينتهي.

تحتي عشاقٌ شباب
يطأون الأرض الطيبة
لكنني الله
لا أستطيع النزول.

الربيع!
الحياة هي الحبّ!
الحياة هي الحبّ فحسب!
أفضل أن أكون بشرياً
من أن أكون الله، ووحيد.

حلم

حلمتُ الليلة
هذا الحلم الأغرب،
وفي كل مكان رأيتُ
ما لا يمكن أن يرى:

لم تكوني هناك معي!

مستيقظٌ،
استدرت
ولمستك؛
نائمة كنت،
ووجهك إلى الجدار.

قلت،
كيف تكذبُ
الأحلام!

لكنك لم تكوني هناك على الإطلاق.

شخصي

في مغلّف كتب عليه:
شخصي
أرسل الله رسالة لي.
في مغلّف كتب عليه:
شخصي:
أرسلت إليه جوابي.

بلد مسيحي

الله يهجع في زقاق خلفي
وفي يده زجاجة جين.
هيا، أيها الرب، إنهض وقاتل
كرجل.

طبل

ضع في حسبانك
أن الموت طبل
يقرع إلى الأبد
حتى تأتي آخر الديدان
لتجيب نداءها،
حتى آخر النجمات تسقط،
حتى آخر الذرات
لا تعود ذرات على الإطلاق،
حتى يضيع الوقت
ولا يعود هواء،
والفضاء نفسه
يصير لاشيء في لامكان،
الموت طبل،
طبل إشارة،
ينادي الحياة
لتأتي!
وتأتي!
وتأتي!

غيتو نيغرو

نظرت إلى وجوههم السوداء
وهذا ما رأيت:
الريح محبوسة في اللحم،
الشمس مكبّلة بالقانون.
راقبتهم وهم يتحركون ويتحركون،
كالمياه في الشارع،
وهذا ما تحرك في قلبي:
أقدامهم البعيدة المتواضعة.

وحش يحتضر

مستشعرة موته،
تحتشد الصقور
ملاحظة الكفاح الأخير
للحم تحت الطقس،
ملاحظة النظرة الأخيرة
في العين المعذّبة
والريح العابرة
والسماء التي بلا حدّ.
مستشعرة موته
تحتشد الصقور فوقه
منتظرة اللحظة الساكنة
حين الحياة...
ميتة

المسلول

طوال اليوم تحت الشمس
التي أحبها كثيراً،
جلس،
شاعراً الحياة تمضي.

طوال الليل في السرير
منتظراً النوم
استلقى،
شاعراً الموت يزحف
يزحف كالنيران
يزحف كالنيران من شرارة بطيئة
ماضغاً أنفاسه
ومحرقاً العتمة.

حديقة

غريبة
أنصال العشب المشوّهة،
غريبة
الأشجار المشوّهة،
غريبة
الزنابق المشوّهة
الراكعة على ركبها.

الأمر سيّان دائماً

الأمر سيان أينما كان بالنسبة إلي:
في موانئ سييرا ليوني،
في حقول قطن ألاباما،
في مناجم ألماس كيمبيرلي،
على تلال القهوة في هاييتي،
على مزارع الموز في أميركا الوسطى،
في شوارع هارلم،
ومدن المغرب وطرابلس الغرب.

سود:
يُستغلون، يُضربون، ويُسرقون،
يُطلق عليهم الرصاص ويقتلون.
دم يجري

دولارات
باوندات
فرنكات
بيستات
ليرات

فلكي يَثرى المستغِلّون
لا يرجع الدم إلي ثانية.
الأفضل أن يجري دمي
في قنوات الثورة العميقة
وفي أيادي الثورة القوية،
يلطّخ كل الرايات بالأحمر،
يأخذني بعيداً عن

سييرا ليوني
كيمبيرلي
ألاباما
هاييتي
أميركا الوسطى
هارلم
المغرب
طرابلس الغرب

ويقضي السود في كل مكان
على القوة التي تقتل
والسلطة التي تسرق
والجشع الذي لا يبالي.

الأفضل أن يتحد دمي بدماء
كل العمال المناضلين في العالم
حتى تتحرر كل أرض من

سارقي الدولارات
سارقي الباوندات
سارقي الفرنكات
سارقي البيستات
سارقي الليرات
سارقي الحياة

حتى جيوش البروليتاريا العالمية الحمراء
بوجوهها السوداء والبيضاء والزيتونية والصفراء والبنية
تتحد لترفع راية الدم الحمراء التي
لن تنكس أبداً.

راقصون سود

نحن
الذين ليس لدينا ما نخسره
علينا أن نغني ونرقص
قبل أن يقهرنا
أغنياء
العالم.

نحن
الذين ليس لدينا ما نخسره
علينا أن نضحك ونرقص
قبل أن تفرّ
ضحكاتنا
منا.

الأسباب

فقط لأني أحبك
روحي مليئة بالألوان
كجناحي فراشة.

فقط لأني أحبك
قلبي يرتعش كغصن حور
حين تعبرين.

مكعبات

في أيام مكعبات بيكاسو المكسّرة
وفي أيام أغنيات الشباب المكسرة
الشبان الثملون فلا يغنون
والشابات
غير الواثقات من الحب ليحببن
التقيت على بوليفار باريس
أفريقياً من السنغال.

الرب وحده
يعرف لم يسلّي
الفرنسيون أنفسهم بأن يجلبوا إلى باريس
نيغروز من السنغال.

إنها اللعبة القديمة نفسها للرئيس والمرؤوس
الرئيس والمرؤوس،
المتسلي
والمتسَلى به
العامل والذي يُعمل به،
خلف مكعبات الأبيض والأسود،
الأبيض والأسود،
الأبيض والأسود.

لكن بما أنها التسلية القديمة
يعطونه عاهرات فرنسا
الثلاث
العدل والحرية والمساواة..
والعاهرات الثلاث مرضى
برغم ضرائب الحكومة
وبيوت الدعارة القانونية
والأطباء
والمارسيلياز.

بالطبع الشاب الإفريقي من السنغال
يحمل معه من باريس
مرضاً صغيراً إضافياً
لينشره بين الفتيات السوداوات في أكواخ النخيل.
يحضر لهن كهدية
مرضاً
من الضوء إلى العتمة
مرضاً
من الرئيس إلى المرؤوس
مرضاً
من لعبة الأبيض والأسود
مرضاً
من مدينة مكعبات بيكاسو المكسورة
م
ر
ض
اً.

مقعد في حديقة

أعيش على مقعد في حديقة
أنتِ يا بارك أفينيو
يا للمسافة الشاسعة
بيننا.

أستعطي عشرة سنتات للعشاء
أنتَ لديك خادمة وكبير خدم.
لكنني أنهض الآن
قل لي ألست خائفاً

من أنني ربما، ربما فحسب،
في سنة أو سنتين
أتقدّم
إلى بارك أفينيو.

**********

من قصائد 1941 - 1951

كو كلاكس (1)

أخذوني بعيداً
إلى مكان منعزل ما.
قالوا ( هل تؤمن
بالعِرق الأبيض العظيم؟)

قلت، (سيدي
لأكون صادقاً معك
مستعد للإيمان بأي شيء
إذا ما تركتموني وشأني)

قال الرجل الأبيض (أيها الفتى
أيمكن
وأنت واقف هناك
أن تقتلني؟)

ضربوني على الرأس
ورموني أرضاً
ثم ركلوني وأنا في مكاني
على الأرض.

رجل من الكلان قال (أنظر
إلى وجهي، أيها الزنجي،
وقل لي إنك تؤمن
بالعرق الأبيض العظيم).

النصف بالنصف

إنني وحيدة في العالم، قالت،
ليس هناك من يشاركني سريري
ليس هناك من يمسك يدي،
في واقع الأمر
ليس هناك رجل في حياتي.

فتح بيغ بوي فمه وقال
مشكلتك
أنك بلا عقل!
لو كان لديك عقل واستعملته
لكنت حظيت بي معك
على الدوام.

أجابت، عزيزي، ماذا عليّ أن أفعل؟

قال شاركيني سريرك
ومالك أيضاً.

تأمُّل على نهر هارلم

هل نزلت يوماً بمفردك إلى النهر
عند الثانية بعد منتصف الليل؟
هل جلست على ضفة النهر
وفكرت بما بقي لك؟
هل تتذكّر أمك؟
بارك الله روحها ماتت ورحلت!
هل تتذكّر حبيبتك
وتتمنى أنها لم تولد بعد؟

هناك على نهر هارلم:
الثانية
بعد منتصف الليل
بمفردك!
إلهي أتمنى لو أموت
لكن من سيفتقدني إذا رحلت؟

أغنيات

جلست هناك منشداً
أغنياتها في الظلام.

قال
لا أفهم
الكلمات.

قلت،
ليس هناك
من كلمات.

نوم

حين الفم
والجسد
يستسلمان
تبحث عن يدك،
تلمسها،
ويأتي النوم،
بلا قلق،
ولا أحلام،
حين الجسد
والفم
يستسلمان.

رجل

كنت فتى وقتذاك.
لم أكن أفهم..
كنت أحسب أن الصداقة تكمن
في مصافحة يد ليد.
كنت أحسب أن الحب لا بد أن يكون
في قرب جسدها من جسدي.
كنت أحسب أن الثمالة
حقيقية
في النبيذ.

لكنني كنت فتى وقتذاك،
لم أكن أفهم
الأشياء التي يتعلمها
الشاب قريباً
حين يصير
رجلاً.

راقصون

يسرقون من الليل
بضعة
ساعات يائسة
من اللذة.

يسرقون من الموت
بضع
أيام بائسة
من العيش.

ذات يوم

مرة أخرى
هدير الأسلحة.
مرة أخرى
نداء الرجال.
مجدداً
تبدأ الحرب،
مجدداً
الشعارات الخطأ المضجرة.
لكن لا أحد يصرخ:
يكفي! لا للمزيد!
ككلاب جائعة يزمجر الجنس البشري
يحبّ القتل.
يقول المتشائم
إنه سيبقى كذلك.

هذا ما لا أعتقد به.

ذات يوم
سيبلى المتوحش فينا.
ذات يوم واضح
سيرى الرجال
كم يمكن أن تكون الحياة نظيفة وسعيدة،
وكيف،
كأزهار مزروعة في الشمس،
نستطيع كذلك أن نقدم ثماراً
يتقاسمها الجميع.

موت في أفريقيا

أن تموت
ولا تعرف أبداً ما الذي قتلك
حين يأتي الموت سريعاً
كجبل
يظهر فجأة في وجه طائرة مسرعة،
لا بأس بهذا. لكن أن تموت
حين الموت يأتي بطيئاً
كجامع الضرائب
سنة بعد سنة
أو السيد الأبيض في أفريقيا
الذي لا يرحل أبداً،
فهذا أمر آخر.
الطبول والأطباء السحرة عاجزون.
الإرساليون عاجزون.
حتى دامبالا (1)
عاجزة أيضاً؟

غروب في ديكسي

الشمس
ستغيب
في ديكسي
ذات يوم ما
وسيكون غيابها واضحاً
إلى درجة أن الذي لم يعرف
الأمس
سينسى..
حين تلك الشمس
تغيب في ديكسي.

نيغرو جنوبي يتكلّم

أحسب أنهم نسوني
حين أسمعهم يقولون إنهم
سينقذون الديمقراطية.
طريفون جماعة البيض
الراغبون في الذهاب والقتال
في أوروبا
في سبيل الحرية والضوء
في حين أنه هنا في ألاباما
يا ربّ احفظنا!
يعلنون أنني طابور خامس..
إذا لفظت كلمة حرّ
يحاصرني جيم كرو (1)
لا يحق لي بالتصويت.
لندع عين جارنا (2) جانباً
ولنلتفت إلى القظى في عيوننا
لأنني متأكد أنني لا أفهم
ما الذي يعنيه البيض
حين يتحدثون عن الحرية
ويطبقون جيم كرو عليّ..

من بومونت إلى ديترويت

اسمعي أميركا
ما فعلته قد فعلته
دعي الأمور تمضي
حتى تأتي التظاهرات.

رجال شرطتك
يتركون رجال العصابات أحراراً
أحسب أنك لا تبالين
بي على الإطلاق.

تقولين لي إن هتلر
رجل جبّار شرير
أحسب أنه تلقى دروسه
من الكو كلكس كلان.

تقولين لي إن موسوليني
صاحب قلب شرير
حسناً لا بد أنه في بومونت
عرف بداياته الأولى.

لأن كل ما يفعله
هتلر وموسوليني
يلقى النيغرو
ذات المعاملة منك.

طبقت عليّ جيم كرو
قبل وصول هتلر إلى السلطة
وما زلت تطبقينه علي
الآن في هذه الساعة.

ومع ذلك تقولين إننا نقاتل
في سبيل الديمقراطية.
إذاً لم لا تشملني
ديمقراطيتك هذه؟

أسألك هذا السؤال
لأنني أريد أن أعرف
إلى متى سيكون علي أن أحارب
هتلر وجيم كرو معاً؟

ضجر

مضجر حقاً
أن تكون فقيراً
باستمرار.

زاوية مستوحدة

ذهبت إلى الزاوية
وقفت هناك شاعراً بالحزن
اعتدت أن أدور حول الزاوية
وأنادي عليك حبيبتي.

عند زاوية قديمة مستوحدة
أقف ويعبر الناس
لكن لا أحد منهم
هو من أريد أن أراه.

الليل: أربع أغنيات

ليلة القمرين
والسبع عشرة نجمة،
ليلة ما قبل الأمس
وما بعد الغد،
ليلة الأغنيات الأربع غير المغناة:
الأسف! الأسف!
الأسف! الأسف!

الأثقال

ليس الضجر
ما يحنيني
لكن الاقتراب المفاجئ
لأغنية بلا صوت.

مقبرة

هنا مكان النوم ذاك،
مكان الراحة الطويلة،
لا مكان الاستلقاء
بل مكان عدم
النهوض
ثانية.

نهاية

ليس ثمة
ساعات على الجدار
ولا وقت،
لا ظلال تتنقّل
على السقف
من الفجر حتى الغسق.

ليس ثمة ضوء
ولا عتمة
خارج الباب.

ليس ثمة باب.

من سيلما

في أماكن مثل
سيلما، ألاباما
يقول الأولاد،
في أماكن مثل
شيكاغو ونيويورك...
في أماكن مثل
شيكاغو ونيويورك
يقول الأولاد،
في أماكن مثل
لندن وباريس...
في أماكن مثل
لندن وباريس
يقول الأولاد،
في أماكن مثل
شيكاغو ونيويورك...

************