الشعراء حسب الترتيب الأبجدي

"حرف الألف"

إبراهيم البهرزي

محض [لَـمْ ]

صرتَ غريباً تماماً
يا ناحر الأعياد في مأتمك الأبيض
صرتَ غريباً تماماً
لا تألف العشب الرطيب حتى وهو يلثم القدم المترنحة:
           ثمة التشفي على جرح في الإصبع الكبير
           وثمة الغانغرينا في كعب "أخيل"
صرتَ غريباً:
يبكرون إلى المطاولة صوب عناقيد النهب
وتغلّس أعشى تنبش في الصخر عن كمأة الغفران.

*

المدارس مقفلة والرنين عالٍ والمعلمون خلف العربات
يسرجون خيول الدمى
وتماماً غريباً
لأنّ الذين كانوا يدلفون إلى نذيرك الأجشّ
استداروا لشبر الصنوج والولائم.
السعادة العجلى تفلج سيقانها على الممرات
ولا تطلب ثمناً
غير نسيان النفس الأولى
والغياب مع الفحيح إلى عتمة الكلمة.

*

يا بلادي التي سوّد الله فيك الكلاما..
          عمّـي ظلاما!

*

تلفّتُ أسأل عن صحبة في قفار الليالي
فلا غير كلب وحيد ينابحني
          لينابز حال..

*

صرت غريباً تماماً
في زمان التسلل هذا
بلاد تموج بالمقنّعين
فمن لم ينلْ حصته من الأقنعة
تسوطه الدروب بالنظر الشزر
والوجوه الصراح كماء الفرات
تروم الوصولا
وتخشى تبلّ شفاه الحسين !

*

غريباً تماماً
ومن زمن يتحاشى الغريب عن عمد
أن يتصفّح أيامه
ككتاب رجيم..
تقول لمن ليس يسأل:
          أين السبيل؟
يقول: الحياة !
كأنّ الذي سوف يخرج من "كرشه" مدد الأنبياء
وما مرّ من عهدنا
          لم يكن غير ومض زناة!

*

خذوها بكل مباهجها واسرحوا
امتلئوا حدّ أن تطرحوا
واكرهوا ملء أبدانكم
ضاحكاً سرمدياً يقول:
خطأ مطبعي من الربّ
ما تحسبوه سبيلاً أصيلاً!

*

أكون غريباً
تكونين مثلي
وفاء لمن ليس يألف هذي الطمأنينة الجارفة
فـئة جائـفة
هي من تتكئ فوق صمتي وضحك المرائي وكفّ الخدوم
حسبها أن كل الخطايا تدوم
ذاك حسبيَ أيضاً…
          فكل الخطايا تدوم !
غير أني قصير النفس
أشتهي أن يكون الضداد خصوم
ويمرّ خلال دمي واضحاً
دون أي لبس
عطر كل الذين استعدوا لنعشي
بأبهى الوجوم.

*

يا بلاداً أبوح لها مرة وأنا أستحي
أنتِ موعظتي وتخوم جنوني
كائناً من يكنْ
لن يكون بدلاً عنك في الحلم أو في الحنين
لِـمَ أذلَلتِني هكذا
منذ عشرين عاماً ووجهي غريب يسائله الطارئون
ولي عند كل غلام أمير مساءلة
ومعي دفتر ملّ من " طمغات" الصغار..
أفي كل لفتة حبٍّ عليَّ مراجعة " الدائرة"؟
وكم من "دوائر" هذا العراق تطابق أقواسها
جرح قلبي
لأبرأ من سمتي الكافرة؟
لِـمَ أذلَلتِني هكذا
يا بلاداً توسلتُ في بعرها والرمال لأبقى مداس قدم؟
لِـمَ أذلَلتني هكذا يا بلاد النعاج التي طوّفت
في فيوض النِعم ؟
لِـمَ أذلَلتني هكذا؟
كي أهاجر ؟!
لا..
خُمرة أنا أبقى من العتق كي لا تساق البلاد مع البدوِ صوب غبار العدم
قد أكون عدم
غير أني أُسمّى
ولكنهم عبث طارئ أسمه محض [لـَمْ]

15-10-2001بعقوبة

***

إبراهيم حيدر الخياط

تفعيلة الخذلان

شريكين كنا،
وكأن كل البرايا ضداد
شريكين بلا ليل
فيغمرنا من فجر الحروب
سواد
شريكين ولا منيةَ لنا
سوى دار
تحوطها - سهواً- بلاد
فلما أخرجتني من مضافتها
الأماني
شريكين بتنا: أنا والرماد
نزيلين بتنا،
بعد ما خلت مني نار الياسمين
ونامت غربتي الكريمة
في مهاجع البخور-
تحلم بـ(هَلْ) أتى على الشعراء حين ؟
وها أنذا بخذلانك تـيّاه
تحت مزهى القالة النادمين
فما الذي أنت تبكيه ؟
وما الذي ترجوه ؟
يا عاشقاً تناهبته الغيرة الطبقية
واتسعت كاسات الانكسار فيه
قلبي عليك..
قلبي على قلبي ينوح
في أول حرب..
خسر الكلام
وفي آخر الحروب،
خسر الروح
وقلبي عليك..
قلبي على قلبي حزين ….

وفي كل غزوة كنت أتعب قبل قيلولة الضحايا وأنا المشّـاء الشهيد في ركب الغزاة الغرّ، كنت أرتقي أبراج المخافة والقباب التي انتبذتها من بين أضلاع بغداد، وكنت هيـّاماً حدّ السكوت حين أتلفّع الغيمة الغشومة وأمتهن التجوال على محيط العراق، هذا المسوّر بالجزائر الرملية وبضعة راسيات غفين على سراب قيل الحكومة، هذا السفين الجامع للإغاثات الخجولة واحتجاجات الجيرة وشكاة حبيبتي..
وكنت أبكي عليك..
قلبي على قلبي بكى
في غزوة لم يشتكِ..
في غزوة أخرى اشتكى
وقلبي عليك
قلبي على قلبي أمين،
وفي كل نازلة كنت أتنزّه عند ملقى الأنهار المسفّرة من خرائب قرى لم تهملها مذكرة التفاهم أو حادي التجانيد ولا الضباط المدنيون بعد الدوام الرسمي، وفي كل جارية كنت أجري، وفي كل راكدة كنت أعوم، وفي كل حاضرة كان ارتيافي الطليق، ولما شرب القلب عراقه؛ اكتفى بك منه- يا كافّتي- فارتويت.. بك ارتويت..
وقلبي عليك..
قلبي على قلبي هفا
في غزوة لم يرتوِِ..
في غزوة أخرى اكتفى
قلبي على قلبي نعم .!

***

أحمد الشيخ

1-فهرس الزجاجة.. اندهاشة القبر

كأني لا أضع قدمي على الأرض
وأنا أتقدم نحوك أيها الصنم الخفي
كأني أبتكر وشيجة بين رصاصة وأراك
غداً.. أو تصبحين على خير
أيتها المرأة التي لا تكرر الحروب ولا تشهد
عليها. أبكر سلّماً لأصل الشهقة.. كأني،
.. وحريقاً لأفخر قارباً من الضباب.. فلا تقوى عليه
أسنان الموج،
وكأني أضع عن جسدي صورة الجسد..
وأنزلق إلى مخدعك المرفوع بين الشمس والعمى..

*

إنها ارتباكة، أو لعلّها نظام، أو ربما ارتباكة ونظام معاً، من يدري؟
غاية الأمر أن الصراخ يفيض صباحاً..
صباحاً وليلاً.. ليلاً.. ينتشي المهد، وتنتشي الشموع..
الجسد الذي كان لي كله صار زجاجة..
ووقفت النشوة - بعيداً- لا تجرؤ فما
بين جسد وجسد ترقد سلالة من السيوف، وما
بين سيف وسيف تتلمظ حيوانات الوقت سطوة تذبل..
ونسترق الأنين الذي في النشوة..
ملياً.. يعتم دم الزجاجة.. ويهدر، أرى إليه..
كان أكثر طغياناً من الكلمة التي تعقب
الهزيمة.. أكثر هياجاً من الطائر تقع عليه
عين الشمس، أو يبلله لفظ العاصفة..كان
عصياً - دم الزجاجة- وممهوراً بفم
ضوء شاحب.. لا يكفّ عن الطفولة، ولا
ينفطم عن اقصاء النشوة بعيداً..
صار زجاجة - هكذا- لا ينقص
فهرستها.. ولم يعد الجسد. أما النشوة.. فلم تعد
أكثر من اندهاشة قبر، أتقدم نحوه بقدمين
خفيتين كما لو أبتكر وشيجة بين مرآة
وتصبحين على خير أيتها الحروب التي تتكرر !

2- إصبع تشير إلى جهة ما

لتكن إصبعي..
هل تتغير الأرض كثيراً!؟
أنا الآن في ضفة مجهولة من رأس الحكمة،
لا أقيم أصناماً لأقدّسها
ولا أثير غبار أحد
أرى حشود نمل.. تأكل نهاراً عمره ألف سنة
ولا أتقزز.. ليس هناك ما يدعو لتأنيق الذاكرة
لتكن جثة شفتي، وقيداً يتفصد لساني
لأكن يعفني ورعونتي ! أنا ،
ولتكن يدي بضمادتها
وسلاحي بصدئه الأجش
لتكن ذاتها - الأرض- أذاً..!

***

أحمد آدم

أعطل نظام سيري

في سفري إلى النهائي
كنت ذاوياً من العويل..
تدور حولي الزوبعة..
أنا الذي تمسك بثوب الإله،
دم الفجر يحوم حولي
لا شيء….
مجرد من جسدي
لابدّ أن تنعتق السنابل المدلهمة
كي تولد المسافات الماشية نحو التوحد.
استويت إلى النهاية
أكتب ظلي…
وحانة التأريخ تشققه!
أرتدي الصخر والبلوى..
لم أغيِّب عني التسابيح،
المنشدون - ورائي
الأصوات العذبة مرثية لي
يا أنا…
آيب من سفري قبل بدءه !

***

أحمد حمدون

حنين

بعد أن صهرته نار الشوق
تبخّر الشاعر
كان هناك هيكل عظمي
لأمل قد توفي
داخل منجم الانتظار
بحثوا بين ركام القصائد
عن قصيدة يلومون بها حبيبته
عن وثيقة يدينون بها
من مزقهم
بحثوا في شجرة الذكريات
عن تاريخ لقائهما..
وعن تاريخ فراقهما..
لكن نيازك الحاسدين
كانت قد أحرقت
أمنيات العاشقين !

***

أحمد سعداوي

كلمات

كلماته المعروفة جداً
أصبحت تطارده
كدائنيه
فقرر أن يعتزل دون ضجيج
سيعلن ذلك
للمقربين المعروفين جداً..
لـ (قررت)
و(أن)
و(أعتزل) !

***

أحمد محسوب أحمد

قصيدتان

- أزميل الموت

المساء مسيج بالضجر
بعضي يحبّذ الإطراق
يعضي
لا أعي ثباتي
وحدها خطواتي للمجهول
سليلة ساعة رملية.
ليلة لا تعدّ

حين اعتنق شهريار
وجه العتمة
في الدجى
حشدت شهرزاد كل الصباحات
لذا غفا ما بين كتفيها
آمن .

- معطف البرد

محاط بالرمز
جعدت آفاتي
مدى القدرة
أنت نتاج
ثغرة
المضمخ بالتمتمات
الخفيّة أيها الوداع
الغامض. !

***

احسان الراوي

دموع الكلمة

أحاور زمني
واليقظة في الحلم تدور
وبلا خطوات تقصر المسافات
المفترقات كثيرة في زحمة
الماضين بنجيعي
تلك آهات تؤرجحها العبرات
ومن حدقات العبرات
يخرج سيل الطواف
أيقونة تشدّني بأيقونة
فآهٍ لمداراتي
المأسورة بالضياع
كم تشبهني الخطوات
كم تشبهني الكلمات
هي تطلّ من نافذة تضيء
وأنا المدهوش دائماً
بسرّ الملكوت
أصرخ بالتيجان ..
وبالأنين
أبحث في داخلي عن خارجي
وعن مجاهيل تلوذ بالفرار
من وحدتي
أحاور المستحيل
وتبقى في الدموع
كلمة… أخرى
تلك … ضوضائي
ونحو مجاهيل تبعثر ظلي
أراني غريباً
الريح صراخي
وغبار الجراح .. ردائي
زجيني
مرايا.. تتهشم
دون أنين … !

***

أمل الجبوري

الأنثى تأتي ولا تجيء

ليلك كثير التشابه
كثير الشبهات
ليلك يدخل نوافذنا كل يوم
مثل لص يتكئ على لون مباح
ليس له أن يتحرر،
والشمس استدارت على وجه صباح
لا يجئ . !

***

أمير الحلاج

خبر عاجل

دائماً
تتطلع في وجهة ما
تقرب تدوين ذكرى انتهت
ربما أن تهلّ بسيماء إيراقها العشب
أو ذهباً من سنابل قمح
يرفرف قبل وصول فم جائع يقتنيه
بأجنحة الحشرات المقادة تحت سياط الجراد
ونأمل أن يعلن مذياعنا خبر الحسم
أن لا مياه تجفّ
بتوديعها الروح والبئر
والنهر والقعر
من غير أجنحة تعلن الطيران السريع
وفي الحلم نحلم أن تسقي المشاتلَ نافورةُ الأرض
ما ينعش البذر دون اكتئاب العيون التي
في بريد الفضاء
من النظرات التي تعلن ما يستدلّ إلى الواحة المرتجاة
ويبقى التطلع للغد
يزرع في دارة الشمس
غيمة سكب الدموع الوديعة
يا قسوة الصيف تنفث شمساً
تجفف أجسامنا ونكابر
علّ انهمار العواصف يشرق سوطاً يقود الغيوم لتبكي
ويعلن قبل اختتام البرامج في البثّ
آخر أخباره
عوض الحرّ قد جرّت الشمس كل غيوم الفصول
فيرتدّ دجلة
يرتدّ نهر الفرات
ليصمت طبل الحروب
الطبيعة تعلن فيه التوازن
للفعل ردّ إلى الفعل
والنار تكوي لها قدرة الردّ
كالندّ
يوازن مملكة الندّ
هذا هو الخبر المعلن الاختتام من البثّ
في بهجة الانتشاء
قبيل نشيد النهاية،
ما يفعل الربّ فينا الصواب
يحمّل للضدّ
ما تقتضيه الإساءة من أقرب الأقرباء
ونبقى على أمل
في بريد الأماني
تجيء الرسائل مفعمة
بالغيوم التي تتفتح من قسوة الجبل المتحجر
كالأم
تولد ما ليس يحصى
عيوناً من الماء
بعد انتهاء برامج بثّ الإذاعة
آخر أنبائها العاجلة !

9-11-2001