ترجمة هشام فهمي
شاعر و مترجم من المغرب يقيم في مونتريال
Hicham_Fahmi@hotmail.com
تقديم المترجم:

يانيس ريتسوسلا أحد ينكر تأثير الشاعر اليوناني الكبير يانيس ريتسوس (1990-1909)
في الشعرية العربية الحديثة ، خصوصا في العقدين الأخيرين و انتشار تسمية "قصيدة اليومي" كالتهاب السّحايا في الخطاب الجاهز المرافق ، وذلك بعد ترجمة بعض أعماله و التعريف بها من طرف شاعر عربي وازن في الساحة الشعرية العربية كسعدي يوسف.

نقدم هنا ولأول مرة للقارئ العربي بالاتفاق مع جريدة "القدس العربي" مختارات من الترجمة التي قمنا بها لكتاب ايروتيكا الشعري ليانيس ريتسوس ، و الذي يعدّ من بين أجمل الأعمال الشعرية في الأدب الايروتيكي العالمي ، و أكثرها فتنة و عمقا في التعبير عن العلاقة بالجسد في أبهى صوره العارية ، يقول سعدي يوسف حول شعرية ريتسوس في مقدمة ترجمة ايماءات: " لقد أحسست دائماً، وأنا أقرأ شعر ريتسوس، أن وراء قصيدته جهداً عظيماً، وروحاً مصفاة، صافية، أوصلت قصيدة الحياة اليومية، لديه، إلى هذه القطعة الغريبة من البلور" هذا ما سنلمسه هنا أيضا في قصائد ايروتيكا، إنها وجه آخر لذلك الألق والتوهج ، كأن الجسد داخل معصرة الجلد و اللغة تترقرق على سواحل سرير اللّذة .

يتوزع كتاب ايروتيكا الذي ألفه ريتسوس ما بين سنتي 1980و 1981 ،
إلى ثلاثة فصول عنونها على التوالي : متوالية صغيرة بالأحمر الرئيسي ، و عري الجسد ، و كلام الشهوة ، لكن ما يثير في هذه الفصول هو شذرية الفصلين الأولين و نثرية الفصل الأخير مثلما هو مسار ريتسوس الشعري الذي ينتهي بقصائد نثرية ، عكس ما يمكن أن ننتظره من الابتداء بالنثر و الانتهاء بالشذرات كأنها تقطّعات أنفاس بعد حياة طويلة .

الشذرة هنا تتقدّم على النص النثري الطويل ، رغم أن هذا النص النثري يمكن اعتباره شذرة طويلة .

قراءتي الأولى لايرويتيكا ريتسوس ذكّرتني بعملين شعريين أولهما عمل انطونيا بورتشيا الشذري " نداءات" و الذي ترجمناه الى العربية ، خاصة في الفصل الثاني عري الجسد ، حيث الشذرة تقاوم الحكمة و تخلخل العقل وسنرى ذلك هنا حين يتساءل ريتسوس : " كيف يعيش الموتى بلا حبّ ؟" أو كما يقول في شذرة أخرى : " الجسد سماء ، لا ينهكه أي طيران ". ثمة تقاطعات مع نص بورتشيا و ربما كان مع تاريخ الشذرة عموما ، كما هو الشأن مع شذرات الحب الغجرية المجهولة المؤلف أو كما سماها لوركا قصائد الحب الأندلسية، و التي لم تترجم بعد الى العربية ، نلمس فيها تلك المسحة من الروح المسيحية كما في هذا المقطع الريتسوسي : " جسدك غير مرئي . قابل للّمس . عصفوران تحت إبطيك . صليب على نهدك . و لا موت ."
نعتقد أن ترجمة ايروتيكا لريتسوس تأتي ربما بعد خفوت حّمى الاهتمام بالجسد في المشهد الثقافي العربي و التي حمّاها برأيي النص الصوفي خصوصا ابن عربي الذي يطغى عليه الحب الالهي ، و ليس النص الغربي بمنحاه الطبيعي و الحسي ، مما ترك أثره في النص العربي الحديث ، ليحوله في أغلب النصوص الشعرية العربية و ليس كلها طبعا إلى تهويم لغوي لا يذهب الى بيت القصيد ، أي إلى الجسد و لغته في شهوانيتهما و فجورهما أحيانا، و يعوّضه بجسد اللغة الميتافيزيقي .

النص الايروتيكي الحديث لا يضاهي النص العربي القديم في مغامرته لا اللغوية و لا الحياتية رغم اختلاف السياقين، و ليس هنا مقام المقارنة ، لكن ننبّه فقط إلى انقلاب الحياة العربية و طغيان الصورة و القنوات الفضائية و الفضائحية أيضا ، وصناعة الجسد وتصنيعه بكل ماركاته المسجّلة ، مما يفرض على المبدع العربي رؤية مختلفة في التعامل مع جسده و بالأحرى مع جسد الآخر ، ثم جسد النص .

ما فتتنني في ايروتيكا ريتسوس هو تمثّله للحظته ، و ذهاب اللغة إلى حدود قصوى قد تصل إلى االشراسة و الفظاظة كما في مقاطع كثيرة من نصوصه ، و نترك للقارئ اكتشافها ، بقي في الأخير أن أشير إلى كتاب ايروتيكا الشعري لسعدي يوسف ، لان القفز على ذلك في هذا التقديم السريع ، لا يمكن أن يكون سوى إغفالا لمصادفة متعمَّدة يتكامل فيها نص عربي مع آخر في الضفة الأخرى من سرير الشهوة الكوني .

ايروتيكا ليانيس ريتسوسمتوالية صغيرة بالأحمر الرّئيسي حتى الكلمات
هي عروق
بالداخل
الدم يسيل
عندما تتصادم الكلمات
أديم الورق
يحمرّ
مثلما
في لحظة الحب
أديم الرجل
و المرأة

أثينا 22.1.80

العينان مغمضتان
عارية تماما
على السّجاد الأحمر
تنتظر
أن ينزع حذاءيها
و جوربيها
ليدلك صدرها
بقوة بقوة أكبر
بقدميه العريضتين

أثينا 22.1.80

القصيدة
آه القصيدة - يقول -
قِرانٌ أبدي
بلا ترقيم
و لا نقطة إلى السطر
إنها الأرض التي تشتمّ
الزّبل و زهرة شجرة الليمون
و المنيّ
إنها المعول و المجرفة
هناك على الرخام
إنها عمل مضاعف
حيث الحب المتفرّد
لا ينبس ببنت
شفة

أثينا 22.1.80

ترتدي ثيابها ثم تخلعها
ثيابها نار
عريها نار
المسامير تذوب
نهر من الحديد
يمرّ تحت الأشجار
ثلاث نوافذ تنفتح
العصافير تنظر بالداخل
بعود كبريت في منقارها
هناك اثنتا عشرة واجهة زجاجية حمراء
ستّ منها ذهب

أثينا 30.1.80

تحت السرير
الحذاءان
يحتفظان بشكل قدميها
بحرارة قدميها
يـتـنفـّسان
وعصفوران بيضاوان
بعيون سود
مع خاتم من النيكل
على حنجرتهما

أثينا 5.11.80

آه مساء شهواني
القمر داخل الغرفة
القمر فوق السرير
على الجسد العاري-
في القبو بالأسفل
خبطات معدنية
الحدّاد يسمّر
حديدا كله ذهب
على حصان أبيض
الحصان المجنّح
و أنت لا تكترثين حتى لمعرفة
إن كان بحديد ثقيل كهذا
سيتمكّن من الطيران مرة أخرى

أثينا 7.11.80

أصابع اليد
أصابع القدم
قضبان
بين الأصابع الخمسة
أربعة فروج
عشرون و ستّة عشر-
قبل أن تتوصّل
إلى القيام بالجمع
منيّـك يرشّ
شفاه التمثال

أثينا 8.11.80

يدك
أو فقط
أصابعك الثلاث
التي تحمل الفنجان
تظهر
كل جسدك
عاريا
أقفل العينين
كي لا ترينه
كي لا ترحلي
زوالا يمرّ المبرّد
بالحي
سأردّ له
السكاكين الاثني عشر

أثينا 11.11.80

دعكِ من ذلك
أنا من سيعدّ الطعام
أنا من سيعدّ المائدة
لن آكل
سأرقبك و أنت تفعلين
كما لو أنك لا تدرين
سأجمع الدّبابيس
واحدا واحدا من على الأرضية الخشبية
فستانك لن أطويه
سأتركه على الأرض
برج عالٍ من الحرارة
مع عصفورين و قمر
و علبة كبريت

أثينا 11.11.80

عري الجسد

* * * *

شفاهي
جالت أذنكِ
الصغيرة و الناعمة،
كيف تسع لكل
الموسيقى ؟

*

تحت كل الكلمات
جسدان يتحدان
و ينفصلان

* * * *

في بضع ليالٍ
كيف للعالم أن ينخلق
و ينهار ؟

*

ألمس أصابع
قدميك
كم هو متعذر على هذا
العالم
أن يحصى

* * * *

شهران دون أن نلتقي
قرنٌ
و تسع ثوانِ

* * * *

أحمر
مع خطّ شاقولي.
التفاح يسقط في النهر .
يطفو .
ويرحل.

* * * *

الأعضاء المخبّأة
تعطي إشارات
خارج الزمن.
السفن المضاءة
تصل ، ثم ترحل،
و لا تصفر أبدا

* * * *

في النافذة المقابلة
هناك ضوء .
تتجرّدين من الثياب .
انك دائما أنت .

*

لا وجود لأسمنت .

فراغ
مخترقٌ برافدة من الحديد.

*

جسدك غير مرئي .
قابل للّمس .
عصفوران تحت إبطيك .
صليب على نهدك .
و لا موت .

* * * *

سأحمل المطرقة ،
و أنحت الهواء ،
سأخلق تمثالك
مفتوحا ،
سأدخله ،
و سأمكث هناك .

* * * *

وسط القصيدة
أنت ، ثم أنت .
نفـَـسُـك يملأ
كل الكلمات
كل الصمت .

* * * *

ستأخذين القطار.
سوف تتأخرين - قلت لك .
أسرعي ، أسرعي
فيتصلـّب زرّا نهديك .

* * * *

أحملك على ذراعي
فأطير

* * * *

الجسد
سماء .
لا ينهكه
أي طيران .

* * * *

تجرّدنا من الثياب
أقـفـلنا الخارج ، وراء الباب ،
البيوت ، والكلاب ،
والحدائق ، والتماثيل ،
والموت .

* * * *

كيف يعيش الموتى
بلا حبّ ؟

* * * *

كانت الحرب ،
كان الحب .
كلانا كان ميّـتا .
جمّعنا الموتى و الجرحى .
جرّدناهم من الثياب .
و رقدنا بعد ذلك .

* * * *

نسيت المظلة
في القطار .

كنت تفكّرين فيّ إذن.

شعرك المبلّل
سرّحته ،
ووضعت المشط
تحت القصيدة .

كلام الشهوة

I

نوم ايروتيكي بعد المضاجعة. ملاءات عرقانة مجرورة من السرير حتى أرضية الخشب.أسمع في نومي
النهر العظيم . يتباطأ الإيقاع . تتقـلّب على ميّاهه
جذوع كبيرة لشجرة.ألف عصفور على أغصانها يسافر بلا حراك في لازمة طويلة
من الماء و الأوراق، و في تعاقب مع النجوم. أمرّر يدي برفق كبير على عنقك،مخافة أن أقطع تغريد العصافير في نومك.

غدا، نعم ، على الساعة العاشرة ،
عندما ستفتحين المصاريع و حين تقتحم الشمس الغرف ،
سنرى أفضل شفتك السفلى المعضوضة في المرآة، و البيت سيصبح كله قرمزيا ، و موشّى بالريش الذهبي والأشعار الطويلة الناقصة.

أثينا 15.11.80

II

دخلتِ من السوق ضاحكة ، ذراعاك محمّلتان بالخبز ، و الفواكه و باقة من الزهور.على شعرك أرى جيدا أن الريح مرّرت أصابعها . أنا لا أحب الريح ، أكرّر لك ذلك . و بعدُ ماذا ستفعلين بكل تلك الزهور ؟ أيها أكثر من الأخريات أهداها لك بائع الزهور ؟ ربما حتى في مرآة البوتيك مازالت صورتك باقية ، مضاءة من جانب ، مع بقعة زرقاء على الذقن . أنا لا أحب الزهور .على صدرك هناك زهرة كبيرة مثل يوم كامل. اجلسي بالأحرى أمامي ، أريد أن أرى وحدي ثنية ركبتك و أدخّن حتى يأتي اللّيل دون أن أنبس ببنت شفة و تحت سريرنا سينتصب، جذّابا ، قمر شائع لمساء السبت مع كمان ، و سنبالوم(1) و كلارنيت .

أثينا 15.11.80

IIII

مازلت نائما. أسمعك تغسلين أسنانك في الحمام . في هذه الجلبة
هناك أنهار ، و أشجار ، و جبل صغير مع قبّة بيضاء ،
وقطيع أغنام في مساحة خضراء ( أسمع أجراسه) ، وحصانان أحمران ، الراية عالية على البرج، و عصفور على مدخنة ، ونحلة تطنّ داخل وردة- الوردة تختلج-آه كم تقضين من الوقت ، و الآن لن تشرعي في تسريح شعرك ،
مادمت أقول لك بأنني نائم منتظرا فمك . لا أحب
طعم النعناع في رضابك . عندما سأستيقظ ، سأقذف بأمشاطك من كل الأحجام،و فروش الأسنان عبر الكوّة .

أثينا 15.11.80

IV

الأشعار التي عايشت بصمت في جسدك ستستردّ مني صوتها عندما ترحلين يوما. لكن لن أملك بعدُ صوتا لأقولها . لأنك كنت معتادة دائما على المشي بأقدام حافية داخل الغرف ، ثم تتكوّمين في السرير ، يا كرة صغيرة من الريش،من الحرير، من اللهب المتوحش . تشبكين يديك
حول ركبتيك ، تاركة بوضوح ، و باستفزاز ، أعشاب قدميك الورديتين و المغبرّتين. يجب أن تتذكّرني بهذا الشكل- تقولين، يجب أن تتذكّرني بهذا الشكل بقدمين متّسختين ، وشعر يسقط على العيون -لأنه هكذا أراك بعمق.إذن كيف لا أبقى بلا صوت . أبدا لم يمش الشِّعر تحت شجر تفاح بزهر طاهر لأي فردوس.

أثينا 16.11.80

V

عندما لا تكونين هنا ، لا أعرف بعدُ أين أنا . البيت فارغ . و الستائر تتطاير خارج النوافذ . المفاتيح هنا فوق المائدة.
على الأرضية الخشبية ، مفتوحةٌ
حقائب أسفار قديمة بها ملابس غريبة لفرقة مسرحية عرفت في الماضي نجاحا باهرا و بعد ذلك تشتّت أفرادها ،
في إحدى الليالي أجمل الممثلات انتحرت على المسرح .
عندما لا تكونين هنا ، بالخارج الجنود يركضون في الشوارع ، و نساء يبكين ، ونسمع هدير مركبات مصفّحة ، وصفارات الإنذار تنطلق ،
سيارات الإسعاف تمرّ ، تتوقّف ، الممرّضون بلباسهم الأبيض يجمعون الجرحى من على الإسفلت ، يحملونني أنا أيضا ، و ينقلونني إلى مستشفى أبيض تماما و بلا أسرّة،
أقفل العينين مثل طفل محاصر بالأبيض . بقيت ممرّضة في الحديقة ، قرب نافورة الماء ، ثم انحنت لتجمع بعض الزهور البيضاء التي أسقطتها الريح كأكاسيا ،
أنت من تدخلين بسلّة ، - رائحة الأجاص الناضج تعبق بها الحجرة .
تنام ؟ يقول صوتك . تنام وحيدا ؟ لا تنتظرني ؟ أفتح عيوني . فإذا بالبيت هنا ، و أنا أيضا . أرائك حمراء .و أعواد كبريت فوق الطاولة .
أيها الضوء الطاهر ، أيها الدم الأحمر ، أيها الحب أيها الحب .

أثينا 16.11.80

VI

صباحا ، أنا أكثرك تعبا ،
و ربما أكثرك سعادة .
تستيقظين بلا جلبة ، ضجة صامتة للملاءات ، تبتعدين بأقدام حافية . و أنا من جهتي ، أستمرّ في النوم في الحرارة التي خلّفها في السرير جسدك العاري . أنام موغلا في أثر جسدك ، في حلكة مبيضّة ، أسمعك تغتسلين ، تحضّرين القهوة ، وتنتظرين .
أسمعك هي التي تعود من فوقي دون أن تعزمي على ذلك .
ابتسامتك
تعبرني من الرأس إلى القدمين ، تطرّي أظافري .
أنام .
سفن شراعية ناصعة البياض تمرّ مثل بروق جامدة . غطاء أحمر
معلّق بحبل .
الأحمر يثقل جفنيّ . نساء عاريات في النهر. رجال عراة على الأشجار.
خيول بطيئة و وقورة ( وليست حزينة) تذرع مضحل البحر .أحدها في حالة انتصاب ، يكاد يلمس الماء بعضوه الأسود الضخم .فتاة صغيرة تبكي .
بمُدْيته ينقش صبيّ عدد 99 على شجرة التوت ، و بعد ذلك يضيف أيضا 9 .
أنام بعمق أكثر، بالداخل أكثر .
دوريّ يحطّ على لبدة الأسد . رمية ، رمية ، قال صارخا . العالم خلق من جلد و ضوء و منيٌّ مخثّر. صباح الخير أيها الحب ، صباح الخير .

( 1) السنبالوم : آلة موسيقية وترية مجرية الأصل

موقع الذبابة