كازيميرو دو بريتو: الشعر عندي سجادة أضع فوقها العالم

لكل شاعر لغتان لغته الأم ولغته الشخصية

حاوره في مدينة لوديف: اسكندر حبش

كازيميرو دو بريتو"أنا أندلسي، أو لنقل عربي من جنوب أوروبا"؛ هكذا يعرّف الشاعر البرتغالي كازيميرو دو بريتو عن نفسه، وهو لا يقول ذلك لمجرد المزاح، بل إن اقتناعه يتخطى حتى هذه العلاقة الثقافية المجردة لينحو إلى موقف حقيقي يستمد حضوره أولا من التاريخ، تاريخ بلاده: "ولدت في لوليه (منطقة الألغارف) العام 1938 وهي المنطقة التي عاش فيها البربر مدة 7 أو 8 قرون. من هنا أستطيع أن أدعي أن تلك الدماء تجري في عروقي على الرغم من أن التاريخ، للأسف، يحاول أن يمحو ذلك". بالإضافة إلى هذه النزعة "التاريخانية" ينحو كازيميرو دو بريتو أيضا إلى القول إنه بدأ الكتابة مثل العرب القدماء ويقصد بذلك أنه ينتمي إلى التقليد الشفهي في الكتابة، وهو التقليد "الذي جعلني مختلفا عن زملائي، بالأحرى جعلني متفردا"، إذ إن الجميع كانوا ينحون صوب التقليد الكتابي. يرد الشاعر البرتغالي ذلك إلى البدايات الأولى: "كان والداي أميين، وحين كنا نجتمع آخر النهار حول النار نبدأ بالحديث عن أشياء الحياة، عن الأشجار، عن الفاكهة، ماذا فعلنا في يومنا المنصرم... كل هذه الأمور لعبت في ما بعد دورا في رؤيتي للعالم وفي كتاباتي، كانت جذورا رائعة لعملي". هذه الجذور يعيدها كازيميرو إلى هذه العلاقة مع الطبيعة، مع الحقل، مع كل ما كان يحيط به: "الثقافة الحقيقية تكمن هنا، هذه هي الثقافة الحقيقية، أي علاقتك بالحياة". فلسفة كازيميرو هذه أخذها أيضا عن جده الذي حين كان يقول له إنه يشعر بالسرور إذا لمس شجرة التين فيجيبه: "لا تأكل التين، هذه القصص هي جذور شعري". من هنا وجد في ما بعد أن ما يريده من الشعر هو "جعل الأشياء السرابية أشياء أكثر خلودا. لا نستطيع أن نغيّر أي شيء في العالم فنحن لا نعرف ماذا يوجد في حبة الرمل، لذلك علينا المرور من أشياء إلى أخرى، من أشياء عادية إلى أشياء جدية، هنا يكمن معنى التساؤل".

العالم والكلمة

كان لا بد لكل هذه المناخات التي لفته في تلك المرحلة من أن تفضي "إلى عقلية ما، أي لا بد لذلك من أن يعطي المرء كتابة ما. من هنا تصبح مهمة الشاعر علاقة بين العالم والكلمة، لذلك لا أنحو كثيرا مثل الشعراء الغربيين الذين يحاولون جعل الكتابة تبدو أكثر من كتابة. هناك اليوم العديد من الشعراء الذين يعملون مع الموسيقى، آخرون يعملون مع الأفكار، هناك أيضا من يفضلون التجريبية. حسناً، لكن أين القلب، أين الحياة، الإحساس. لقد اكتشفت معنى ذلك كله في ما بعد. لقد جعلتني قراءتي للشاعر الفرنسي بول فاليري أدرك ذلك. الشعر هو الموسيقى والمعنى والتجربة... إنه ذلك بأسره".
يقتصر دور القصص التي كان يسمعها كازيميرو دو بريتو على صوغ عالمه الشعري، بل لعبت أيضا الدور الكبير في تشكيل انتمائه السياسي: "كنا نقرأ ونستمع إلى قصص الفقراء الذين كانوا يسرقون الأغنياء لتقديم المعونة لفقراء آخرين، هذا الأمر قادني إلى الحزب الشيوعي البرتغالي". هذا الانتماء السياسي هو أيضا أحد عوامل تفرد كازيميرو في المشهد الثقافي في بلاده: "كنت ضد الفاشية، ضد هذا النظام الذي ضغط طويلا على صدر البرتغاليين. انتسبت للحزب عندما كان الأمر مسألة حياة أو موت، كنت في هذا المكان عندما كان من الصعب أن تكون، في ما بعد رحلت إلى المنفى، خرجت من البرتغال لأنني كنت ضد الاستعمار، ولكي لا أشارك في الحرب الأنغولية". ماذا بقي اليوم من ذلك كله؟ "لقد رحل كل شيء، الكنيسة، الشيوعية. شعري هو وطني".

البحر البرتغالي

تقود الذكريات كازيميرو إلى بداية علاقته بالكتابة. يقول عن أول قصيدة كتبها، انه كان في السابعة عشرة من عمره. لا يزال يذكر مطلعها: "أمام البحر، يتطلع صدري إلى كل الآفاق". جملة، بلا شك، تحمل كل أسس الذاكرة البرتغالية في الرحيل صوب تلك الآفاق المجهولة. إنه الحلم البرتغالي بامتياز في عبور البحار. هكذا كانوا في القرون السحيقة، وهم كذلك اليوم. ألم يقل بيسوا في قصيدته الشهيرة "البحر البرتغالي" ما معناه: "أيها البحر المالح، كم صنعت من ملحك دموع البرتغاليين". وإذا كان الشاعر لا يزال يذكر لغاية اليوم هذه القصيدة لا لأنه نشرها يومها بل لأنه، منذ مدة، طلب من 12 شاعرا من البلدان الأوروبية أن يكتبوا قصيدة لإصدارها في "أنطولوجيا" أوروبية، وكان أول ما قفز إلى ذهنه هذا البيت الذي بقي عالقا في أقاصي الذاكرة فعاد ليجعله مطلعا للقصيدة الجديدة. يحاول كازيميرو تفسير ذلك بالقول "إن ثمة علاقة بين ما فعلته منذ البداية وحتى النهاية، ذات مرة، استعدت الكثير من قصائدي التي لم أنشرها وحولتها إلى رواية".
نشر كازيميرو أول ديوان شعري له العام 1957. كان في التاسعة عشرة، وسرعان ما لفت الأنظار إذ كتب عنه أحد النقاد إن شعره مثل شعر ألفارو دو كامبوش (أحد أسماء بيسوا البديلة): "كنت مدهوشا، الأمر جميل للشعر وليس لك، أحسست، بعد قراءتي المقالة، أنه عليّ القيام بثورة شعرية على مستوى عملي الخاص، إذ كنت أريد أن يكون لي صوتي المستقل. في ذلك الوقت كان هناك برنامج إذاعي تبثه إذاعة لندن بعنوان (الإنكليزية عبر الراديو). كنت من المواظبين عليه، لأني تعلمت هذه اللغة من خلاله. من شروط البرنامج تقديم مسابقة والفائز بها يدعى إلى لندن. فزت وذهبت. هناك في معهد الدراسات الشرقية قرأت ترجمات للشعر الياباني، اكتشفت الشعر الياباني الذي عملت عليه بشكل منهجي لمدة ثلاثة أشهر. لم تكن الدعوة تغطي هذه الفترة لذلك عملت في بيع الإشاربات، كنت أشتريها وأرسم عليها، فاستطعت تأمين حاجياتي اليومية. مع الشعر الياباني، بدأ اكتشافي الشعري. لقد تغيّر شعري بالكامل. اقترابي من ذلك الشعر كان اقترابا من التبسيط، من التخزين، مع العلم بأن شعري لا يزال يحمل مراجع غربية. ما أريد أن أقوله من هذه القصة، إن في الشعر هناك دائما الشيء التقني مع الموسيقى كما هنا الشيء الذهني مع العقل بالإضافة طبعا إلى حيوية الحياة".
باستطاعتنا القول إن حياة كازيميرو وشعره مرّا، لغاية الآن، بثلاث مراحل: الأولى حياته عند جده، الثانية القصص التي كانت ترويها له أمه التي "كانت تتحدث لمدة 24 ساعة متواصلة" بينما كان والده يتكلم فقط باستعماله "الأفوريسم". أما المرحلة الثالثة فكانت في اكتشافه الشعر الياباني. ربما كنا نستطيع أن نضيف مرحلة رابعة هي مرحلة مشاركته حركة "جيل 61" الذي غير في مسار الحركة الشعرية البرتغالية الحديثة: "أعتقد أن عملنا الأساسي تركز بالدرجة الأولى على العمل على اللغة، فالبرتغالية هي لغة خلاسية، لقد جاء العالم بأسره إلى أراضينا وهذا أيضا ما جعل لغتنا أنعم. لغتنا أشبه بالإسفنجة التي امتصت كل شيء، ولهذا فهي غنية، ولا تنسى أيضا غنى أنغولا وتيمور وما أضافته هذه الشعوب من مفردات يومية، لذلك فكرنا في أن على الشعر أن يستفيد من هذه التجارب الأخرى وبخاصة التجارب الشرقية. ربما كانت علاقتنا بالشعر علاقة ديالكتيكية. أضف إلى ذلك أنه، في الفترة الفاشية، كان من الصعب قول الأشياء بطريقة سهلة. كان الشعراء يلجؤون إلى قولها بطرق مختلفة. كانت هناك أجيال مختلفة: السوريالية، الواقعية الجديدة، وما إلى هنالك. كانوا يتكلمون عن الحياة كما لو كنا نعيش في العصر الوسيط. حاولنا نحن الابتعاد عنهم وكتابة قول شعري مختلف، أحببنا تجنب الصفات. أن نقول الأشياء بشكل مباشر، واضح لكن من دون الاستغناء عن الشعرية. لكننا اضطررنا، في بحثنا هذا عن المختلف، إلى أن نلجأ إلى بعض الاستعارة والمجاز لأن النظام كان يقبع فوق رؤوسنا. هدفنا كان قول الكلمة الصائبة من دون التخلي عن المشاعر الحقيقية، لكن من دون أن نسقط في العاطفية".

بيسوا

نستطيع أن نقرأ أيضا محاولة كازيميرو ورفاقه في "جيل 61" وكأنها محاولة لإخراج الشعر البرتغالي من عباءة بيسوا. أسأله عن ذلك. يستهل كازيميرو جوابه بالقول إن بيسوا كان "سفير الشعر البرتغالي. إنه عالم كبير، كان عملاقا، لكن المشكلة أن هناك شعراء آخرين قبل بيسوا وبعده. بيسوا كان طائفة من الكتّاب، على الأقل هناك 3 أو 4 شعراء، من بدلائه، كانوا مدهشين. لا نستطيع أن نحدد اليوم موقفنا منه إذ لا تزال هناك 7 آلاف صفحة لم تنشر بعد. كان مجموع ما كتبه 23 ألف صفحة. لكن رأيي الشخصي أن كل أنطولوجيته ستتألف من 500 صفحة. إنه شاعر عظيم ولكن... كان عبقريا. لقد عانى الشعر البرتغالي في فترة من الفترات، من فراغ كبير وكان الوحيد الذي يستطيع أن يردم هذا الفراغ، على الرغم من أن هناك شاعرا كبيرا في جيل بيسوا وهو ماريو سا كارنيرو. أعتقد أن لكل شاعر لغتين؛ اللغة الأم ولغته الشخصية التي هي تجربة الشاعر مع لغته. لغة بيسوا الأم كانت الانكليزية. من هنا كانت البرتغالية لغته الشخصية، أي تجربته مع اللغة. هذه التجربة تتلخص في تفكيره فيها، في الحب، في علاقته مع أمه، في التفكير بأساليبه المتعددة والمختلفة. من هنا أظن أنه كانت له معرفة دراماتيكية وحس عميق للتقليد البرتغالي".
على الرغم من هذا الحس النقدي تجاه الشاعر البرتغالي الكبير، إلا أن كازيميرو لم ينجُ من أسره له، إذ ثمة أشياء مشتركة من مثل علاقة شعره بشعر ألفارو دو كامبوش، كذلك اضطراره بسبب عمله لأن يسلك كل يوم الطريق نفسها التي كان يسلكها بيسوا. كذلك عمل كازيميرو طيلة حياته مديرا لمصرف تماما كبطل كتاب بيسوا "المصرفي الفوضوي". كذلك هو يكتب طيلة الوقت ونشر أيضا بأسماء مستعارة، لكن ليس بأساليب مختلفة، أي لم يلجأ "للإتيرونومية" (أسماء بيسوا المتعددة)، بل حاول عبر ذلك أن يطور قصيدته. قد يكون الاختلاف البارز بينهما أن كازيميرو تزوج لمرتين بينما بيسوا لم يستمر حتى في علاقته مع أوفيليا.
اليوم، وبعد 40 ديوانا، لا يزال كازيميرو دو بريتو يفكر بالأشياء نفسها التي شكلت عالمه الشعري منذ البدايات: الحياة، العالم، الكتابة وعلاقته بذلك كله. "ليس عندي اليوم أي أفكار واضحة عن الإبداع الشعري، كان الشعر بالنسبة إليّ مثل سجادة أحاول أن أضع فوقها العالم، الموت، المجتمع. كنت ربما أحاول إعادة إبداع العالم. اليوم، ومنذ سنوات، وبعد أن كتبت "كتاب السقوط"، أصبحت أفكر في أن كل قصيدة هي سقوط، هي القصيدة الأخيرة. وعندما أكتب أشعر بأنني أكتب للمرة الأخيرة. لم أكن أفكر بالموت كثيرا، كنت أقول إنه غير موجود، اليوم أفكر به، وكأن الكتابة هي التي ستقودني إلى قاع البئر. من هنا تجد اليوم ذلك الاختلاف في طريقة كتابتي، إذ لم أعد أكتب القصيدة الطويلة بل المقطع".
هل في هذا المقطع اقترابه أكثر من الهايكو الياباني الذي سحره ذات يوم في لندن؟ ربما، لكن الواضح أن ثنائية السجادة/ البئر التي تحدث عنها، هي بمعنى آخر، اختلاف في الرؤية، أي الانتقال من الرؤية الأفقية إلى الرؤية العمودية. هكذا يحب أن يلخص رؤيته للعالم، ولهذا أيضا يعود ليكتب كل صباح، عله يجد هذا التناسق الذي بحث عنه مطولا.

*****

كازيميرو دوبريتو : لا أعرف مما أتألم لكن أعرف من أحب

ترجمة: اسكندر حبش

لا يخفي الشاعر البرتغالي (كازيميرو دو بريتو) أنه ذو (أصل أندلسي) بالأحرى يفضل أن يقول إنه (عربي من جنوب أوروبا). لا يعتبر ذلك مجرد مزاح بل إن اقتناعه يتخطى ذلك حتى هذه العلاقة الثقافية المجردة لينحو إلى موقف حقيقي يستمد حضوره، أولا من التاريخ، ويحدد تاريخ بلاده. ولد كازيميرو في (لوليه) (منطقة الألغراف) العام 1938 وهي المنطقة التي عاش فيها البربر مدة 7 أو 8 قرون، لذلك يجد (أن تلك الدماء تجري في عروقي على الرغم من أن التاريخ، للأسف، يحاول أن يمحو ذلك).
بالإضافة إلى ذلك، يقول كازيميرو إنه بدأ الكتابة مثل العرب القدماء ويقصد بذلك أنه ينتمي إلى التقليد الشفهي في الكتابة، وهو التقليد الذي جعله مختلفا عن زملائه.
هنا ترجمة لقصائد من كتابه (كثافات مكثفة).

(1)

انتبهوا. الحب
حيوان صغير
لا مبال، قماشة
تتناسل
شيئا فشيئا. أبقى
صامتا
لأتمكن من سماعه
وهو يتفتق.

(2)

أحب كما يجب أن نحب. أختبئ
في ظل ورقة رطبة
معتمة
ستسقط
على طحلب الصباح.

(3)

أحب الجنوب
والشرق، الرغبة
والقسوة، الغزارة
والعوز، القبة
وكل شيء.

(4)

أمسد كأس الشاي
كما لو أنه برتقالة
من دماء. نهدك. صَدَفة
شذبتها
آلاف الأجيال.

(5)

السديم الجميل يقلق
العالم من جميع الجهات. تجتمع
الأشياء كلها
في اليدين اللتين تبحران
على كتفيّ على
ردفيك. أو عروق
في عروق
ولا شيء أكثر.

(6)

لا أرى شيئا، لا يحدث
أي شيء، ما زلنا نسمع
ضجة ضعيفة
تنفسا يفسد
شكل المكان.

(7)

محرك
دقيق جدا: عشب
رنان
يؤمن فجأة
تحت قدميّ الشغف.

(8)

نقطتان
من ندى
على أصابعي. بهما
سأغسل عينيّ اللتين
ستزورانك، بهما سأمسح
الغبار، الخشب، عفونة
غرقي.

(9)

أحب فيك الخوف
من الموت، ورقة
تذهب ساقطة
على نظرتي؛ بين النور
والغبار
غبار موتي
وكلسه. عارية
ومختبئة
في ظل الشجرة التي تمضي.

(10)

أقبلها في النعاس أقبلها
في ذهني. عليّ أن أوقظ
نور أيامي.

(11)

لتنسب أيها الحب حيث يبدو
أن ليس هناك حب، لا شيء
سوى المياه التي نتنفسها
في الخفاء.

(12)

تشترين البرتقال من السوق القديم
ولا تدفعين وزن عطره.

(13)

أقرأ ندوب
الماء بُردى متقلص
كما يلائم الفن
الآتي من الأعماق.

(14)

من الندى أعرف أنها تولد
دمعة أرض
لترطب أصابعي.

(15)

ما يجمعنا، معرفتنا
أن لا أحد سيذوب
في مياه الآخر، أبدا. هذا ما
سينحتنا، تمثالا
برأسين.
ها نحن محروقان
من الداخل. متآكلان
بفم الريح،
الريح نفسها.

(16)

مطر خفيف وصبور
على جلدي
لسانك.

(17)

أفكاري هائمة
وبطيئة
كالمياه الآتية من الجبل
ولا تعرف شيئا
عن قلب البشر. لقلبي، مثلا،
خفة الريح
ويركض نحو المنزل كما لو أنه
كلب يتقدم
خطى سيده.

(18)

هذا الصباح نسيت
أن أشرب الشاي. ما زلت أشعر
بفمي يتضوع بعطر
قبلك.

(19)

بما أنني لن أستطيع تغيير العالم
دعيني أهز رمل
خفيك.

(20)

ويكفي أن أبتعد قليلا
عنك
كي أسقط من جديد
في الفخ المشؤوم، في الانحلال
الجاف. الورقة التي ترتجف
من ابتسامتك
تحوي العالم.

(21)

بهيمة خنثى ترقص
حتى الموت، الأخف، موت حديقة
الملذات.

(22)

أجلس على السرير
في انتظار
ابتسامتك: تمثال
سرابي
صنعته
طوال الليل.

(23)

الأرض لا تهتز،
ترتجف. ذرّة الأرض حيث
أنجلي، ترتجف. الذرّة التي أعطيها
شعاع شمس
بديلا من الكنز الكبير.

(24)

أكتب الآن، أشعر
بالتعب. من الأفضل
أن أستمر في مشاهدة الناس
في الشارع، أو مشاهدة البحر.
مشاهدة من يحيا
وذلك فقط بعد
الغناء.

(25)

لا أعرف ممَّا أتألم
لكني أعرف ما أحب في هذه
اللحظة المتعة ملوثة
بحنين السديم.

(26)

دخلت في بيت جسدي
شوشت الغرف كلّها
ولم أعد أعرف من أنا، أين أنا.
الحب يعرف. الحب عصفور أعمى
لا يتوه أبداً في طيرانه.

(27)

اسقيني قهوة مرّة إن لم يعد لديك
سمّ في فمك. أيقظي
جسدي، هنا حيث تقيم
الرعشة الأخيرة
بامتلاك روح. اسقيني
قهوة مرّة
لا أريد أن أفقد شيئا.

(28)

لا أفهم العناكب
وإن كنت أرى نفسي في صورها
في المرآة. أعرف أنها خالدة.

(29)

أعود إلى القبلة إلى ذاكرة
اللغات الأبدية
الحسيّة التي
فصلت كما تفصل
الأوراق عن المياه.

(30)

تحية إلى دوغن
تطير العصافير دون أن تترك
أقل أثر.
العصافير تطير و لا تنسى مطلقا
دربها.

(31)

هذه اللحظة حيث لا
حدود أبدا لا شيء سوى
رعشة بين الفم والفم
ذراع، كلس أعضاء جنسية، نور وهواء
حاشية.

(32)

في صحن
ساقيك
أبدو خالدا: محصورا
في ذراعيك، ذائبا
في خمرك مثل ورقة
تحملها الريح
أبدو خالدا.

(33)

بذرة شمس في نبع
الحياة.
أعود، محاصرا،
إلى فم الحياة.
شعاع الشمس، النور
المهووسة، في نبع الحياة
المعتم.
نقاط شمس.
تعشش بهوس
في فم
الحياة.
تين الشمس
مهووس
في فم الحياة.
مهووس نحل الشمس
في الفم القاتم.

(34)

ليس للصنوبرات أقدام،
إنها لا تسير أهي بعيدة
أم قريبة؟

(35)

لن أتعلم مطلقا
تطهير
الحياة هذا ما فكرت به منذ قليل
عندما كنت أشرب في كأس فخاري
القليل من الماء. أنا
الذي أستطيع شربها
في صدفة يديك.

(36)

أورا. حتى لا تبتعد
من رؤوسنا وحتى
لا تهمل
اليدين الكثيفتين اللتين
على الرأس المحبوب تستدعيان
المعارك
الاحتفالية.

(37)

أشاهد
في باخرتي الحجرية
مرور الزمن. إن كنت ارتديت
ثياب الربيع
فمن الطبيعي أن أفقد
أوراقي قريبا.

(38)

أنام على البقعة التي تركتها
على ثنايا الشرشف. لمعان
ناء. أسمع
تنفس الهواء التموج
الذي يباعدنا
ويوحدنا.

(39)

صباح خريفي: ظل
غصن الزهور
على الحائط الأبيض.

(40)

كم سنة مرت وأنا جالس
كي أرى البحر ؟ حب
بلا صدع.

(41)

ممدد بين الكثبان
بين الشمس التي تولد والريح المعطرة
حيث أبدو هشا حيث
أنني منحوتة.

(42)

لا تغني أصابعي فقط
حين أكتب. أأستطيع أن أقرأ
النص الذي تصفيه
حين تحب.

ليس فقط حين أكتب
تغني أصابعي.
هكذا أستطيع
أن أصفي الخمر التي تنسجها
حين أحب.

(43)

خطوط
الرغبة. شراشف الكتّان
أصابها النسيم، دمرتها
الريح. أفراس في عيد
في شقائق نعمان الدماء التي تنفتح
بتوهج؛ بذرة
على الملعقة المترددة، في الصدفة
اللسان
المعطرة.

(44)

أرقص على ظهر المياه
الغاسلة الحرارة؛ أرقص وآمر
الجراح
الصامتة
في قاع
الوجه.

(45)

أرحل مع الريح. الغبار
الطافي في الهواء
سيكون خبزا كافيا.

(46)

الحب شعلة حب مرتحل
لا يؤمن بالموت، فقط
بذوبان العشاق
السحري.

(47)

الحقيقة المطلقة
حين يصطاد
الصياد أو حين أسمع
قيثارة من قصب.
الحقيقة المطلقة،
الابتسامات الندية التي وجدت
في بوبيي ظل
الغيوم
على الأرض التي تمر.
أو حين أشعر بأنني أموت
وأتمدد
على النهد القاتم.

(48)

الكتب جافة كما لو أنها
أشجار بلا هواء أشباح
تصبح فجأة ذات فقريات
بسبب مياه الذاكرة.

(49)

يتراكم الضباب
حول المنزل. تقليد
الشرنقة
حيث نقيم.

(50)

آثار
أسنانك
على جلدي مزهرية
مضاءة
بالعاج الأصفر.

(51)

تتمازج أقمشة الخير
والشر حين أبتعد
عن الخشبة حين أجلس
أرضا على فم الكنز
النسائي.

(53)

بهاء الوردة
تدوم حياة بأسرها.
في ذاكرتي.

(54)

عما قريب، المزهرية التي فرغت
ستمتلئ مجددا
ستكون كريمة
ومستعدة للسخرية
من كل شيء.

(55)

مدينة سديمية
تجتاز الفراشة الشارع
عند الضوء الأحمر.

(56)

لا أعرف إن كانت الشجرة منحوتة
أو نبعاً حيّاً. أعرف أننا نتحدث
لغة قاتمة قريبة
من الموسيقى.

(57)

صورة في المرآة. حيث
تلتجئ المياه
التي أنا انعكاسها.

(58)

تغنين في النعاس. إنها ورود
ورود بلا عدد
تعطينني إياها. أقطف
بصمت
عطرها.

(59)

وفي هذه المغامرة أنسج نفسي ،
نقطة نقطة حيث أكون ديرا
إنني الآن لبّ.

(60)

غبارا يصبح جسدي،
الفوضى الأبدية التي بالكاد تبقى
نفسها وتبحث في رمال أخرى
عن شرفة موتها.

(61)

روح كاتدرائية
على ظهري المهذب
بأرغن باخ.

***