محمد جبر الحربي
(السعودية)

محمد جبر الحربي لا تحزني يا حرة عربيّةً ملكتْ زِمامَ منيّتي
فلقد ذكرتكِ والرماحُ نواهِلٌ
مني ِ وبيض الهندِ تقطر من دمي
فوددتُ تقبيلَ السيوفِ لأنها
لمعتْ ولمْ
يحضرْ أحدْ.

هي شمعةٌ أشعلتُها من غيظِ أحزاني، وفيْض طويّتي
فجراً ولم يحضرْ أحدْ.

والوردةُ الأولى على أطرافِ ليل الصابرين غرستُها
بين اليقين، ونوح ِ نائحتين قرّبتا المثاني في جنانِ الله لم تحدا ولمْ
يحضرْ أحدْ.


هي قطعةٌ من عزفِ مجهولين فات أوانهم
ظلّت معلقهَ على ناي الفراتِ
تهذِّب الصحوَ الخفيضَ
وقسوةَ الإنسان والأوطان
لم يحفلْ بدعوتِها، وقطفِ الصبح ِ فلاحو الغنائم ِ
ما استفاق النَوّمُ الثملون من سُكرِ الهزائم ِ
والكلام ِ المثقل ِ الأجفان ِ بالأوهام ِ
لم يحضر على قلق ٍ أحَدْ.


هي لحظةٌ من نقش ناحلتين حارستين أدمنتا الترقّب خِيفة ً
هي لحظةٌ فانعمْ بِنَومِك هانئاً
يا صاح ِ نام الناسُ مثلُكَ
لم تفُتْك غنائمٌ،
وتحررت من عبئها الأنفالُ،
لا نصرٌ تيامَنَ،
لا ثقاةٌ خُلّصٌ يُهدون للتاريِخ ِ بيضَ رقاعِهِمْ.
ما اخضرّت الدنيا على إيقاعهمْ
هذا مُثارُ النقع ِ:
تلك على اليمين مقابرُ الزمن الجميل ِ،
وتلك شهبُ قلاعِهمْ.


وهنا قلوبُ العاشقين لأمةٍ عظمى توقَف عزفُها
وروى الخليقة َ نزفُها..

العنوان واللوحة: ضياء العزاوي.  مجموعة المتحف الوطني للفن الحديث. بغداد هي فتنهٌ عظمى:
لصوصٌ مارِقُون تمكنوا منَا ومن أشياعِهِمْ.
شيعٌ وتجارٌ وأشباهٌ شواحبُ من غثاءِ السيل ِ
باعوا عَرشنا
لا دودةٌ حَفلت بمنسأةٍ
ولا إنسٌ أفاقوا
فتنهٌ كبرى ولم يحضُرْ أحدْ..
لوداع أحزان الظهيرة ِ..

يا خديجةُ خبّري عنِي التلفّتَ والندى
أني أميرٌ ما أسِرتُ إذا أسِرْت من العدا
رِدءاً أردتُ فكان مستنداً رماديَّ الرّدى
الموتُ في عينيه لم أبصرْهُ كنتُ مُرمَّداً
والموتُ في أعطافِهِ ولبسته ياللردا
انّي الخُذِلتُ وكنت وحدي أبْلجاً ومهنداً


ما خنتُ:
كفّنت الشهيدَ،
وناذراً للموتِ.. مبتدِراً غداً.
أفشيت سِرَّاً ؟
لم أخنْ.
خانوا ولم يحضرْ أحدْ.


هو نهرُ خلاني يُغنيه الفراتُ
وترتدي أحزانَه أضواءُ دِجلة
رجّها المجدافُ
مرتني بباب النوم ِ أهدتني مكاني
بين أسياد الكلام وسادة الفوضى العظام ِ
على ينابيع ِ النظام ِ.
كلما قلبتُ رأسي شدّني
لعظيم حكمتِهِ
وفارع صبرِهِ
وطوى الكتابَ على وميض الدهشةِ العينان ِ
لامعتان ِ لا صوتٌ، ولا جسدٌ يعيقُ تدفقَ
المعنى الكتابُ يمرّ من مبنىً الى مبنىً
ومن غيم ٍ إلى غيم ٍ على كتف الجبال ِ
الأرضُ واقفهٌ على طلل ِ الرشيدِ
ووحدها الأفكارُ لا تفنى
ولا يفنى القصيدُ.


هي رؤيةٌ فُتحت لباب ِ الشمس ِ
من غَبَش ِ الشواهِدِ
نبتة أورقتُها
للريح.. للمطر ِ الجديدِ أسوقه لفرادةِ التاريخ ِ
أحفظُهُ لميلاد ِ الوليدِ
مهدهداً شِبْنا ..
ولمْ يحضرْ أحَدْ.

الرياض
14/5/2003م

المملكة العربية السعودية

محمد جبر الحربي
خديجة

(المملكة العربية السعودية).
ولد عام 1956 في مدينة الطائف.
حصل على الشهادة الثانوية العامة1975،
وحضر مجموعة من دورات اللغة الإنجليزية المكثفة ببريطانيا1975- عمل في مجموعة من الصحف المحلية مثل الجزيرة، واليوم،
ثم عين رئيسا للقسم الثقافي والفني في مجلة اليمامة الأسبوعية بين 1983- 988 1، لا يزال يعمل في القطاع الإعلامي،
ينشر أعماله الإبداعية محليا وعربيا.

شارك في العديد من الفعاليات الثقافية المحلية والعربية، في الأندية الأدبية في كل من السعودية، والمربد، وجرش.

دواوينه الشعرية:
- بين الصمت والجنون 1983
- ما لم تقله الحرب 1985.
- خديجة

عنوانه:
ص. ب: 2048 الرياض- المملكة العربية السعودية.


جاءت خديجة
طلعت فتاة الليل من صبح الهواء، فأورقت تينا وزيتونا و ألقت للنخيل تحية الآتين من سفر فأينعت الوجوه شقائقا ونمت حبيبات الندى مطرا على تعب القرى
قمرا على الباب العتيق لعالم نسي الحديث الطفل، والكلم المذاب مع ارتخاء النهر أول ما ظهر نسي القمر
طلعت على مد البصر.

جاءت فتاة الليل من صبح الهواء فأسفرت
دخلت على الأطفال موالا، ومالت للحديث فأزهرت
قرأت كتاب الله وانتثرت على الكلمات دفئا اسمرا

قمرا على وجع القمر.
دمعت... مشت
مشت الدروب على خطاها واكتفت
بالصمت حين تحدثت:
اللوح اسود
فاستروا عري البلاد و سوأة المدن اللقيطة
واحتموا بوجوهكم
وتبينوا إن جاءكم نبا
هذا أنا تعب، ومرساة، وقيد رافض للقيد
(من يزرع قلوب الناس يحصد: ذا زمان الحصد من يسرق يجازى بالتي...) وضعت يديها فوق نافذة الكلام و أسرجت خيلا لعنق الشمس
واحتفلت بميلاد الحروف
و أطلقت عصفورها للبوح في طرق السماء :
لا تزرعوا قمحا من قبل أن يجد الفؤاد طريقه للناس..
لا تركبوا بحرا من قبل أن يجد الحمام مكانه في القلب.. لا
لا تطلبوا أجرا على وجع الكلام، وحرقة القلب المضرج
قبل أن يفد الحمام
قالت..- و أسدلت الكلام.
تتذكر الآن البداية
مفرق الطرق القديمة..
كان "شام "
(إن تغرس السكين في الظهر ستغرس ألف سكين بظهرك)
جلست على طرف الكلام
هذا معاوية الذي..

ويضج طفل البوح في فمها ويشتعل الكلام:
لا تقرءوا التاريخ
زيف! ما يسطره الذيول
كفاكمو زيفا على زيف
سني العمر مرت ما قرأت حقيقة
مرت كما مرت على الصحراء صائفة الغمام
تعب وحال الناس في الأرض التعب
إن جاءكم نبالا..
فهذا ساحل الرؤيا وان عجت به ريح الشمال!
تظل أصوات النوارس، صرخة الحيوات ملء رماله
فتبينوا إن جاءكم نبا.
دخلت على الحجرات في القلب المشاع
ملوه وطن، وأسئلة تثار ولا إجابة في المنابر
لا أتجابه في رحيق السيف
وجدث نخيلا واقفا بالباب منحنيا
جداول! جف فيهما الطين
أسرابا من الوجع المهاجر
لا أمان
ولا مكان
ودمعتين نوافذ التوق الذي أدمنته عاما فعاما
ثم نمت على الحجارة لم أخن
كشفت وكم كشفت عن الأوراق في حجراته
وأنا أصيح: قصيدتي وجه الزمن

صرخت.. صرخت وما فتئت اردد الصلوات في روحي
واسترق الوطن:
كلا ورب السيف والكلمات والمدن الخرافة.
ما ناشني فرح
ولا دونت اسمي في دواوين الخلافة.

مضت الفصول
خلعت جلدي
يا بلادا باعها السمسار للسمسار
واستبق الغزاة إلى ملابسها
وتجار الصحافة

لهفي على وطن يغادرنا
ليسكن في المحافل والفنادق
تترك الصحراء أنجمها
وتبحر في ملفات العويل
وواجهات النشرة الأولى
وأقبية الفراغ
وتترك الأنهار أبناء القرى
لتنام في برك السباحة

طلبت موانئ
فتشت في السفن عن وطن بديل
تعبت من البحث الطويل
تعبت من الركض الذي يمتد من فرح الأجنة
وانطلاقات الجذور
إلى انحناءات الكهول
تعبت من الوطن البخيل.

وطن سراب
غاب من القيم الخرافة
وانتماء مرغ الوحل به انف السحاب
وطن
عيون فيه تستقي
وتسقى جمره
جيف تفتش عن غراب

وطن تراب
يقف النخيل وكم يطول الوقت بالنخل
وكم ينأى السحاب
وطن ضباب
إن تدرك الأطراف تدركك المنية يا معذب
فالتئم بالتربة العذراء
وليكن الغياب
غاب وغاب
لا ارض في الأرض التي تهب السواد
لا ارض في الأرض اليباب
وطن تراب
وطن ضباب
وطن سراب
سراب
سراب

طلبت مداد ا
جف ما! البحر
صرختها استحالت نبتة في غرة الصحراء
دمعتها استحالت قطرة
(الغيث في الصحراء لا يأتي
إذا لعبت اكف الريح وانهزم الجواد).

طلبت مزيدا من مداد
وطلبت منها أن نكون
أبقيت في يدها يدي
فكفت الدنيا عن التجديف
ذا بحر
وقفنا
والسموات انتهت فينا
وكنا راحتين تحوطان الشمس
شفة وشمس
لغة ترطب مبسمين
حمامة ترتاد ساحتنا نحب
نحب

يا الله نحن الحب
نحن الصرخة الأولى
ولون الماء والأشياء.
لونا الجداول
فاستدار الماء بالأسماك
واحتفلت على يدنا بميلاد الهواء.
ولونا البلابل في صباح غائم بالحب
اسكنا حناجرها مفاتيح الغناء
ولوّنا القبائل
ذاب فص الملح
والصحراء
من بحر إلى بحر
وهبناها مساء الخير، والكلمات
فرحتنا
-
وطعم الخبز ممزوجا بطعم الرمل
وجه النخلة العفوي

نحن الحب
نحن الحب

ما كذب الهوى قسما
ولا كذبت يدان تحوطان الشمس
جاءت على شفة وشمس
طلعت خديجة من تفاصيل الهواء فأشرقت
ونمت على يدها القرى
ونما الهوى أبدا
وما كذب الهوى
كلا وما كذبت تراتيل القرى.

الرياض/ 1983 م

من كتاب ( خديجة) دار الأمة -بيروت -الطبعة الأولى-1998


مـرثيتـان

(1)


السموات دونك فلتقطفي للسماء سماء تظللني ثم في بهجة الخطو خطي امتدادا لعينيك غيما جسورا لعيني إن الغيوم التي تعرفين استقالت وتلد التي تجهلين استمالت سرابا فمالت لكم ظل في الأرض ما يسند العود كم أثخن الطفل طفل يحاول أن يجمع الماء من بهجة النهر مختطفا أثما: الجيوش معي ثم إني لمنتصر غير أن القلاع تهاوت ولم يبق غير الرمال البهيمة خطف الفراشات كف الموات عن الموت كفان جاهزتان ولا قطرة للغناء.
خليفة كل النساء وهامة كل الرجال السلالات دونك ما يفعل المرء حين يشيخ وما زال طفلا.. يحاول أن يجمع الماء من مهجة النهر كفان جاهدتان ونبع من القلب حتى انحناء الهواء إذا ما احتفى بالطوالع والباسقات إذا ما تسلل عبر الخلايا وفجر في هدأة المرء أوطانه إذ يمر خفيفا... عنيفا وتفتح كفان جاهدتان

ولا أثر للهواء!!

(2)

مطر تطاردني القصيدة أستجـير بمعطف الماضي فأخرب الأوقات وأسرب الأموات من فلواتهم وأرتب الجلساء للقاضي.
لا لم يجيئوا بعد لكن المقابر في تلفتها تضيء ملامح الزوار ما جاؤوا ولكن البياض يحل سرته فتخضر الحمائم حـاملات رزق عشاق تناءوا
لكأن في العينين ما يكفي عن الديباج في الأغصان ما يغني عن الأطراف في حـجل الإحـالة ما يحل القلب من دمه وما جاؤوا.. جلسوا على الأحجار ينتظرون أن تصل القصيدة من سحاب الرمل أن يصل المغني صوته بالرعد أن تلد البروق لكي يرى الأعمى مطر.. تطاردني العواصم لا أرى منها سوى أشباحها ونخيلها الذهبي منفيا على طرقاتها العذراء حيث الناس لا يمشون وهم تراثها في دلة البدوي محموسا على الأوطان. وأكاد ألمح وجهها في أعين الشعراء مسحوبين من آذانهم في أعين البسطاء يحضنها التراب ولوعة الجدران. مطر.. تطاردني الحمائم، والذئاب، وخسة الندماء لا ليل تجلى لا نهار مهد الطرقات للموتى قصائدهم وللأحياء فسحة أن يموتوا أن يطل نشيدهم عذبا جريحا كاسرا من جوع عين من دم غض إلى نهل المسامع: يا حمائم.. يا حمائم: أطلقي السجناء. **** من قصيدة: سطوة النبـلاء
وأعرف أوردتي لا تقيل الضحى ولا تفرش الليل للعابرين جفونا من الغيم فارهة غير أن الحقيقة مغرية والأرائك شاغرة فاجلسوا غير مرتهنين إلى شاهد في دمي، واحتسوا كل ما طاب من ثمر عتقته العروق، ومن كرمي الطائفي البسوا

سطوة النبلاء، وحين أفـاجـئكم بالحـديث احبسوا طرف العين واحترسوا من زمان مشاع كراسيه لا تدوم وحراسه وان أعجبتكم ملابسهم- طيعون لمن يشتري طيعون لمن يحسن الاختفاء أفاجئكم لا أبيع القصائد.. لا أشتري ليس عندي سواي ونافذة كنت أشرعها للهواء. وأكذب- لا
للهواء ولكن لأرسم في ضـوئهـا صـورا ليس يقرؤها الآخرون وأكذب إن قلت ما من أحد فالظهيرة مكتظة والمدائن غرقى ووجـهك في كل ما يتشظى من الماء في طرف الباب، في الأرض مقطوفة وهي تصرخ لا أحد غير وجهك في كل ما يدعيه المساء *
محمد جبر الحربي