حسن السبع*
(السعودية)

(1)

سوق العطش :

" وقامت على ضفةِ النهر سوقٌ
تسميها الخاصة سوقَ الري
وتسميها العامة سوقَ العطش "
( الخطيب البغدادي )

(2)

سحابة الرصافة :

تخطر ، الآن ، مثلُ العروسْ
مزنة ٌ ترتدي حلةً
نُسجت من حريرِ الشموسْ
الرياح وصائفها
والفضاء لها سكّةٌ ورصيفْ ..
ـ اذهبي أينما شئت !
صبي هنا .. أو هناك المطر
سوف ترشح ماء ً سقيماً
سقوفُ البيوتِ _ العراءْ
سوف تنزف ، ليلا ، دموعُ السماءِ
على وجناتِ الصغارِ
وهم يحلمون
يحلمون ..
ويلتحفون الشتاءْ

(3)

أرض السواد :

غيمةٌ تعبر ، الآن ، أرضَ السوادْ
فرحٌ عابرٌ
في ثيابِ الحدادْ
هاهي الأرض تمتد خضراءَ .. خضراءَ
ملء َ البصرْ
مطرٌ في جيوب الجباة
مطرٌ في الدنانْ
مطرٌ في أكفِ الجواري الحسانْ
مطرٌ
فاصلٌ بين خضرةِ تلك الكرومِ
وعتمةِ ذاك السوادْ
فاصلٌ يشعل الشعراءْ
فاصلٌ لا يراه الرواة الذين ارتدوا
طيلسان الحيادْ

(4)

شحاذ باب الذهب :

الأسَامِيُّ لا تشترى
غير أن التي أنجبته نهارا
نحتتْ من ظلام الزقاق اسمه
ثم ألقتْ به للعراء
ـ كن كما شئتَ .. لا أم لك !
انخرط في لهاث الزحامْ
واسلك الدربَ فيمن سَلَكَ
ومضى :
ومضةً من بروق الذكاء
نيزكاً أرهقته الجهاتُ
إلى أن هوى ..
شعلةً من غضبْ
أطفأتها ، أخيرا ، رياح التعبْ
هو ذا يتأبط عطف الرصيف
ويمد يدا تنزف الكبرياء
عند باب الذهبْ !

(5)

عنان الناطفية :

طفلةٌ غرَّة ٌ حافيهْ
تسكن الوزنَ والقافيهْ
والفيافي التي عاث فيها اليبابْ
نبتتْ في تراب اليمامةِ
قبل المطر ْ
ونمت زهرةً في غدير الظمأ
كحلت عينها ب ( سين ) السرابْ
وارتدت حلة من عراء الظهيرة
ليست ككل الثيابْ
ثم أفضتْ إلى نهر دجلةَ
صارت قطوف المدينة من كفها دانيهْ
كل ما في المدينة طوع يديها
ولكنها لم تزل جاريهْ !

نِرفـانـا

أجملُ لقطةٍ تتخطف الأبصارَ
نِرفانا ..
وأجرأ لحظةٍ في دفـترِ الأعمار
نرفانا ..
أريق العمرَ
كلَّ العمر كي أحظى بطلعتها
فقد أدمنتُ هذا الحسنَ
منذ براءةِ الأظفار
هذا الحسنُ يُدعى
في كتابِ الحبِّ :
أمطارُ الخيالِ
وغابة الأسوارِ .. والأسرار
نرفانا ..
.. ..
هي الأسنى ..
إذا غاب النهارُ .. وغيِّبَ المعنى
إذا لاحتْ تدفقت الليالي
لؤلؤاً .. كرزاً .. وألحانا
وإن خطرتْ تمنَّى كل من في الحي
أن يشقى بهذا الحسنِ أزمانا
ببركانِ الهوى مأوى !
بجمر الوجدِ والتبريحِ والنجوى
بشيء من حريرِ الفتنةِ القصوى
بنهر الشوق نرفانا
ليصبح شارعاً من أجلِ خطوتِها
ومرآة لزينتها ..
ويمسي كرْمَ سهرتِها
ونرفانا ..
تريق الوقت خاليةً
ولاهيةً ..
وتجري مثل نهر حالم الإيقاع
يسقي المغرمين الظامئين
الصد والترحال والحمى
ويختلفون .. حتى الموت
" كل يدعي وصلا "
بنرفانا ..
ويمضي العمر
ما وصلوا
وما نهلوا
وما عثروا على ظل
لنرفانا !
.. ..

تضج الرأس بالتذكار
من منفى إ لى منفى
تفتش عن حدائقها ..
وعن خفق اليمام
بشاطئ العينين
عن إيماءة النوار
نرفانا ..
تعددت ا لمنافي والصبايا
يا بعيدَ الدار
كل مليحةٍ تستدرج الأنظار
والأشعارَ
والأوتارَ ..
تسكن خيمة الذكرى
ونجوانا ..
لأن بها قليلاً من قليل
من سناءِ الشمسِ
نرفانا !

عصفورة التعب

أتيتُ أقـرأ فصلَ الصمتِ في لغـتي
حطَّتْ على شفتي عصفورةُ التـعبِ

يدنو بـها سببٌ ..
ينأى بـها سببٌ ..
وقـد تراوغني ، حينـاً ، بلا سببِ

أصابـهـا تـعب التحليقِ في أفـقٍ
من جابَ فيه الذُّرى أبلى ولم يـُصبِ

الثلج في كفهـا جمـرٌ وفي فمهــا
صمتٌ عريقٌ من ( اللاءات ) والشَّغَبِ
تقول ، والليل والمنفى ينادمنا ،
" شَرقْتُ بالدمع حتى كاد يَشْرُق بـي ! " (**)

عصفورة المرفـأ المنسيِّ كم حلمتْ
أن تسكبَ ( الآه ) شـلاَّلاً من الطربِ
ضج المدى .. فـغدا
إيقـاعها بددا
لحنـاً بدون صدى
في قبضة الصخبِ

وكيف تسكبُ روحَ الكَرْمِ قـافيـةً
وقـد تعثَّـر بوحُ الماء في السحبِ

من أين تبدأ .. والأمداء واحدةٌ
تعيد أحلامَـها رأساً على عقبِ
وكيف تعـبر أسواراً مشيدةً
من زخرفِ القولِ في دوامة الخطبِ
تيهٌ ترامى ظنونـاً دون بوصلة
سوى الأعاصيرِ والإعياءِ والحجبِ

صحراء تستنـزف الأيامَ سطوتـُها
وتستريح فيافيهـا على تعـبي

بيني وبينكِ أحلامٌ مؤجلةٌ
تحصّنَتْ بقلاعِ الصدِّ والهربِ

من أين نبدأ يا عصفورةَ التعبِ ؟!

(**) أبو الطيب المتنبي .

*حسن السبع

ـ من موالـيد 1948م . المملكة العربية السعودية .

المؤهلات العلمية :

ـ بكالوريوس آداب ـ قسم التاريخ ـ جامعة الملك سعود ـ الرياض 1972م
ـ دبلوم علوم بريدية ومالية ـ تولوز ـ فرنسا ـ 1978م
ـ ماجستير في الإدارة العامة ـ إدارة عالمية مقارنة ـ جامعة إنديانا ـ الولايات المتحدة الأمريكية ـ 1984م

النشاطات الثقافية :

ـ كتابة الشعر ( القصيدة العمودية ، وقصيدة التفعيلة ، وقصيدة النثر )
ـ كتابة المقال الأدبي والاجتماعي .
ـ عضو هيئة تحرير مجلة ( النص الجديد ) الصادرة عن كتَّاب النص الجديد بالمملكة العربية السعودية . ( منذ 1998م )
ـ عضو النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية .

النتاج الأدبي :

زيتها .. وسهر القناديل ( ديوان شعر ) 1992م
حديقة الزمن الآتي ( ديوان شعر ) 1999م
ليالي الناطفي ( عمل سردي : مزيج من الفنتازيا والتاريخ ) ( مخطوط )
ركلات ترجيح ( قصائد ساخرة ) ( مخطوط )

العنوان الإلكتروني : hsn_saba@hotmail.com
hsn_saba@yahoo.com