فيديل سبيتي
(لبنان)

فيديل سبيتيسماء قاسية

الفاتنة في الصورة الفوتوغرافية يعرفها. ربما هي أمه، او أخته الغائبة، او إمرأة جميلة أهدى اليها باقة زهور في مناسبة ما.
كانت تبتسم ابتسامة حقيقية، وهو لم ير ابتسامة حقيقية منذ زمن بعيد. وكما في حياته الماضية، كان غفورا في حياته الجديدة هذه. في الاساس لم يكن صَلبه بالمسامير موجعاً. وحدها السماء كانت قاسية وهي غائرة بالدموع.

أب مفقود

مدّوا نحو فمه الاسفنجة المنقوعة بالخلّ. تذكّر انه شفى أعمى، وانه حوّل الماء نبيذاً، وصرخ بالذين أرادوا رجم زانية. لم يكن مضطرا للشرب لان عطشه ليس في الحنجرة بل في الذاكرة. وهو لم يكن يعلم ان السموات سبع وعليه ان يتزوّد ماءً أثناء صعوده. أقسى ما لاقاه حين صرخ منادياً السماء ان أباه لم يكن موجودا في الحين، كما لم يكن موجودا في أيّ لحظة.

الرجل الشجرة

لم يقلّم الازهار النابتة في أنفه. ولم ينظر في المرآة ليرى انها اشرأبّت من أذنيه وبين أسنانه واصابعه وسرّته وتحت إبطيه. ظن ان روائح الازهار المنسابة الى دماغه سببها تفاؤله المستجد. تعجّب من نظرات الآخرين اليه، لكن تعجّبه لم يطل، ففي لحظة مباغتة امتصّت الارض رجليه، وراح رويدا رويدا يتحوّل شجرة.

التلفزيونيّ

كانوا جنودا حائرين. صرخوا به: "انت القائد، قل لنا ماذا علينا أن نفعل". لم يكن يعرف في أيّ أرض او في معركة هو. كان جالساً أمام شاشة التلفزيون قبل لحظات.
سألهم: "هل من حانة قريبة؟". قالوا: "بلى". قال: "تعالوا نجرع البيرة. انا سأدفع ثمنها".
نظر المحاربون بعضهم الى بعض بتعجب، ثم انفجروا في الضحك. ضحك المخرج بدوره. فيما راح هو يجول بنظره في المكان باحثاً عن ثقب في الهواء يعيده الى كنبته في مواجهة التلفزيون.

مرآة الميت

حمل غيتاره البلاستيك. تسكّع كالهيبّيين كما أراد دائماً. أطال شعر رأسه ولحيته. حمل كتبه البلاستيك تحت إبطيه، وترك الصلاة، وما عاد يبدّل ملابسه، والنظارات الشمسية باتت رفيقة عينيه حتى في العتمة. أشعل نيراناً بأخشاب وجدها هنا وهناك. ماءت هررة خيالية بين رجليه، هامت غربان سوداء فوق الكتفين. نزّ العرق من كل مسامه حارّاً قبل ان يبرد كبصاق. قضم خشباً يمتص أسيد معدته. لمعت في رأسه افكار كثيرة لكنه أهملها، حتى سمع طرقا على الباب...
كان ثمة في انتظاره... مرآة. أقفل الباب وعاد من حيث أتى، هامسا بغيظ: "لا نستقبل امواتا في هذا المنزل".

رحيل منزلي

العتبة حين مرّ فوقها قالت متأففةً: "ها قد وصل".
سمعها تهمس، فرفسها، واقتحم العتمة هاوياً على السرير، فدفعه السرير الى الارض قائلاً: "لا ينقصني جسد بلا روح".
حتى الارض لم تتقبّله، فراحت تقلّبه كممسوس.
وقف على كرسيّ المرحاض منتظراً بزوغ الشمس.

حنجرة مغنية الجاز

ظهْرُ مغنية الجاز يستمع الى لحن أغنيتها وكلماتها. العضلات المخبّأة تحت رفشَي كتفيها تتمتع بالإنصات، كذا عمودها الفقري. وحدها الحنجرة منشغلة عن باقي أعضاء الجسد. الحنجرة المتيّمة بحبالها الصوتية.

أسرار

لم ينفعه التمدد على كرسي الطبيب النفسي في التوقف عن النحيب. مع ذلك ظلّ مصرّاً على زيارة طبيبه النفسي.
كان قد منح هذا الطبيب كمّاً هائلاً من أسراره ولن يتخلّى له عنها ببساطة.

أولاد الحبّ

الفتاة الشقراء، ليست غبيّة كما قيل عنها. على العكس، نفخت شفتيها وثدييها لتثير إعجاب حبيبها.
الفتاة الشقراء ليست مومسا كما أريد لها أن تكون. على العكس، أنجبت أولاد الحبّ من كل الذين أحبّتهم.
مشكلة الفتاة الشقراء، أنها تكبت مشاعرها، مما يزيدها إصفرارا، حتى تكاد لا تفرّقها عن سوسنة.

7-2-2010