(عَنْ تَحْقِيْقَات كَانَ)

مأمون التِّلب
(السودان)

(الكائن الحي الوحيد هو الموت)
مأمون التِّلب
أبريل – يونيو 2007م

مَكَاتِيْب الرُّسُل
حَوْلَ تَفَوُّهَاتِ الزَّمَان:

رَأَيتُ مَا أَصَابَ وَجْهَ الحَمَامَة
والْمَاءَ الَّذي شَرِبَتْهُ صَبَاحاً
بَيْنمَا يمرُّ وَلَدٌ بنَظْرةٍ خَافِضَةٍ أَبْرَزَهَا تَأنِيْبٌ أُمُوميٌّ
وكَانَتِ الرِّيحُ تُدْرِكُ أنَّ لها أَطرَافاً وحَوَاسّ، بعدَ أن وَسَّعَتْها أَطْرَافُ الكَّائِنَات.

رَأَيْتُ مَا أَصَابَ كُمُونَ الْمَطَرِ اللَّيْليِّ فِي عَيْنِ القِطِّ مُمْتَلئ
وأُنثَاهُ _بِسَهَرٍ عَلَى لِسَانِهَا_ تُسَرِّحُ شَعْرَهُ،
بَيْنَمَا جَرَسٌ فِي ضَفِيْرَةِ البِنْتِ يَنْمُو عَلَى مَهْلِ أَصْدَائِهِ،
وكَانَ الأَبُ يَفْحَصُ رُجُولَتَهُ بالنَّظَرِ إلى بَابِ البَيْتِ الْمَفْتُوحِ طَوَالَ اللَّيْلِ لأَشْبَاهِ الظِّلاَل.

بَيْنَ هَذَا وذَاك:
كَانَ كَمَانٌ يَعْزِفُ وَحْدَه؛
مَشْلُولَ التَّجْوِيْفِ وعِظَامِ الإيْقَاع،
شَرَرٌ يَنْبُعُ مِن فَمٍ يَتَذَوَّقُ آخَرَاً فِي الزُّقَاقِ الخَلْفِيِّ للبَيْت،
أبْطَالُ الأَفْلاَمِ الكَرْتُونِيَّةِ يَتَسلَّلُونَ مِن أَحْلاَمِ الكِبَارِ مُلُوكَاً لا كَابِحَ لحَقِيْقَتِهِم
وشوَاءُ الجِّيْرَانِ يَبْلُغُ أُذُناً نَاضِجَةً تَبْدَأُ أَذَانَ الفَجْر.

يَالَهَوْلِي،
وأنَا عَاشِقٌ،
يَمُرُّ كُلَّ هَذا اللَّيْل دُونَ أنْ أَعُدَّ أصَابِعَهُ الْمُجْرِمَة!
هَلْ مِن سَبِيْلٍ لإخْرَاجِ الحَمَامَةِ مِن جَفَافِ حَلْقِي
والْمَطَرِ مِن سُرَّتِي الوَلِيْدَةِ للتَوِّ
والْمَشْهَدِ الوَسَطِيِّ مِن يَدِي الَّتِي سَتَقْتُل؟.

البَيْتُ
جَسَدٌ
يُوْرِقُ
أَسلِحَةً
وسَاحَاتِ حَرْبٍ
تَتَفَرَّسُ وَجْهَ الكَوْن.

مَا شَابَ مَعْرِكَةً:

إنْ كَانَ لِهَذَا اسْمٌ
فَليَنْطق بِهِ أَحَدٌ
لتَنْبُتَ عَلَى شَفَتَيْهِ الجُثَثُ أَنْهَاراً مِدرَارَةً بالأُمُومَةِ والحُبّ.

إنْ كَانَ لِهَذا تَارِيْخٌ
فليُؤَشِّر لِعَيْنِهِ أَحَدٌ
لتَسْتَرِيْحَ القِيَامَةُ مِن عِبْئِهَا الطَّويْل؛
أَيَّامٌ تَحْسِبُ أَعْمَالَ الأَحْيَاء والجَّمَادَات،
وتَجْوِيْعُ النَّار لأَجَلٍ مُجَلَّلٍ بالنَّوَايَا والظُّنُون.

كُنتُ فِيمَا يُشْبِهُ سَمَاءً تَزْحَفُ عَلَى بَطْنِهَا،
ظَهْرُهَا لا مَكَانَ فِيْهِ لجُذُورٍ،
فِي الأَعْلَى تَسْطعُ النُّسُور بأجْنِحَةٍ مُظْلِمَة،
فِي الأَسْفَل كَانَتْ الطَّوَابِيْرُ الهَالِكَةُ تَنْتَزِعُ عُيُونَهَا،
تَعْصِرُهَا
لتَخْرُجَ مِنْهَا الحَيَاةُ وتَعْتَرِفُ:
لِمَاذَا يَبْدُو خَيَارُ الوِلاَدَةِ كَأَنَّهُ مِن أَوَامِرِ الْمَوْلُود؟
إذْ يَطْلُبُ الْمَوْلُودُ مُلكَاً ويقوِّضُ صِرَاعَهُ
يَتَجَرَّعُ الجَّهْلَ ويَعْرَقُ يَأسَاً عَيْنِيَِّاً
كَانَ ومَا زَالَ جَسَدهُ سَاحَةَ مَعْرَكَةٍ يَسْكُنُهَا العَرَّافُونَ بِثِيَابٍ خَفِيَّةٍ
ولا تَزَالُ يَدُ خَالِقِهِ مُبْهَمَةَ الْمَعْنَى فِي الأَحْلاَم؛
مَكْسُورَةَ الشَّكلِ خَلْفَ دُمُوعِ كَوَابِيْسِهِ،
فَقَطْ؛
مَخَالبُ اليَدِ بيِّنةٌ
مَا عَدَا ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ يَحْيَا،
بِتَبَادُلٍ لا يَنْفَدُ للقَتْلِ يُسَمِّي نَفْسَهُ.
مَا عَدَا ذَلك؛
سِيْرةُ الخَيَالِ، بِقُبْحِهِ وعَجْزِهِ، يَتَمَلمَلُ بأنْفَاسِهِ الأَخِيْرةِ تَحْتَ قَبْضةِ الزَّمان.

مَا كَانَ زَمَاناً تَسْبحُ دَاخِلَهُ:
قُبَلٌ لم تَكْتَمل،
أشْبَاحُ أبْنَاءٍ يَرضَعُونَ _لا زالوا_ مِن أثْدَاءِ أُمَّهاتِهِم
تَمْزِيْقٌ مُسْتَمرٌّ لصُورَةِ الأَبِ مُبْتَسمَاً خَلْفَ سِيَاجٍ يَحْمِلُ جَسَدَ ابْنِهِ الدَّامِي.

فِي الثَّانِيَةِ الأُخْرَى
بَيْنَمَا يَحْمِلُ طِفْلٌ قَطَرْةَ مَاءٍ حَيَّةٍ رَاكِضَاً _بِقُوَّةِ فَنَائِهِ_ نَحْوَ جَدَّته ليُبْهِجَهَا بِلَمَعَانِ القَطْرَةِ،
هِيَ تَتَحَسَّسَ ظَمَأ حَكَايَاتِهَا القَدِيْمَةِ،
تَعْرِفُ الوُجُوهَ الْمُكْفَهِرَّةَ الذَّائِبَةَ عَلَى سَطْحِ بُوَيْضَاتِهَا الشَّبَحِيَّةِ.

فِي الثَّانِيَةِ الأُخْرَى
بَيْنَمَا تَقْفِزُ الشَّامَةُ مِن نَهْدِ الفَتَاةِ لتَبْحَثَ عَنْ كَوْنٍ لتُصْبِحَ ثُقْبَهُ الغَائِر،
بَيْنَمَا يَتَحَسَّسُ الوَلَدُ كَيَانَ شَيْبِهِ مُحْتَشِمَاًَ؛
شيبٌ يَرمُقُ نُطَفَهُ مَطْعُونَةَ الظَّهرِ
يا لَهَا مِن نِهَايَة!.

فِي الثَّانِيَةِ الأُخْرَى
تَعْبُرُ نُبُوءَاتُ الْمَجَرَّةِ كَامِلَةً شَوَارِعَ أَلِفَتْهَا،
تَخْتَالُ بِثَوْبِهَا الرَّمَادِيِّ؛
تَنْقَشِعَ اللُّغَاتُ مِن خَلْفِهَا
كَاشِفَةً جَسَدَ الحَرْبِ البَشَرِيَّةِ تُرَفْرِفُ دَاخِلَ جَمَالِهَا.
يَا جُمْجُمَةَ الوَادِي:
قَرْيَةٌ تَنَامُ دَاخِلَكِ،
مَدِيْنَةٌ تَهُشُّ الكَوَابِيْسَ بَيْنَكُمَا.

يَا جَمْرَةَ الآتِي مِن لَحَظَاتِ ولاداتٍ مُتَتَالِيَة.

الثَّانِيَةُ الأُخْرَى لَيْسَتْ تَالِيَة،
أصلاً بِجَانِبِ (التَّالية) تَحْيَا، وتَفُورُ بِمُقْتَنَيَاتِهَا الأَلَمِيَّة
خَطْفٌ مُسْتَمِرٌّ لآيَاتِ الأَنْبِيَاءِ نَحْوَ غَابَةِ أَحْدَاثٍ تُبْصِرُهَا العَيْنُ الْمَدْفُونَةُ مِن خَلاَلِ دُوْدِهَا.

الثَّانِيَةُ الأُخرَى مَا يُجَاوِرُ القَتْلَ فِي سَرِيْرٍ طَافِحٍ عَلَى نَهْرِ الأَبَدِيَّةِ
حَيْثُ تَتَلَفَّتُ الغُزْلانُ بِجُرْأَةِ مَاءٍ أَزَلِيٍّ يَنْتَفِضُ مَفْتُونَاً مِن شَعْرِهَا الصَّحْرَاوِيِّ
حَيْثُ الْمَشَانِقَ تُطَارِدُ حِبَالَهَا بِمَا فَاضَ مِن رَسَائِلِهَا لارتِجَافَات أَعْنَاقٍ جَاسَدَتْهَا.

أيُّهَا الزَّمَان؛

لَدَيْكَ تُرَابُ القَبْرِ مَحْمُولاً عَلَى يَدِ اليَتِيْمِ،
يَتَسَرَّبُ مِن أَصَابِعِهِ حَامِلاً مَعَهُ بَصَمَاتٍ ولَيَالٍ أَلْف،
لَدَيْكَ الوَهْب،
وكِبْرِيَاءُ النَّارِ تَتَجَذَّرُ فِي نَسَبِهَا الشَّيْطَانيّ.

وهَلْ لَكَ منَّا عَهْدٌ؟
لتُسَابِقَ رُمُوشَنَا للبُكَاء
لتَلْتَقِطَ القُبْلَةَ من عَاشِقَيْن
وتَقْذِفُهَا فِي حُلْمِ صَبِيٍّ يَعِيشُ فِي القَرْنِ الأَخِيْرِ مِن القِيَامَة؟
وهَلِ الحُب،
_وما شَابَهَ أَنْحَاءَ أَسْلِحَتِهِ وقَتْلِهِ_
يَتَجَلَّلُ تَحْتَ يَدِكَ الْمُتَفَانِيَةِ فِي الإفْنَاءِ والْمَحْو؟
أُنْظُر للطَّرِيْقِ إذاً،
وَتَغَيَّر لِمَرَّةٍ إذْ لا يَمْشِي عَلَيْهِ أَحَدْ،
ولا تُحْدِث (فِعْلاً) يَشِي بِوُجُودِكَ لِمَرَّةٍ وَاحِدَة،
سَتَرَى حِيْنَهَا:
هَامَاتٍ تَتَسَامَقُ لأسْفَلِ سَافِلِيْن،
حَيْثُ تَكَالَبَتْ أَجْنِحَةُ الْمَلاَئِكَةِ عَلَى دَمِ الحُرُوبِ الْمُتَكَلِّسِ،
وحَاوَرَتْ لُزُوجَةَ الرَّائِحَةِ هُنَاك،
وأَشْبَاهَ الأَصَابِعِ وَهِيَ تُعَلِّمُ أَسْمَاءَ الاتِّجَاهَاتِ بالتَّهْدِيْد
(والجِّهَاتُ _تَعْلَمُ_ مَحْكُومَةٌ بدَوَرَانِ الأَرْض، وأسْمَاؤهَا شَهْوَةٌ للمَرْكَز)
هُيَامَ الفَتَيَاتِ الْمُرَاقِبَاتِ مَا يَحْدَثُ فِي الأَسْفَلِ يَسْطَعُ؛
أقْمَارَاً هُلاَمِيَّةَ الجَّدْوَى واختِيَارَاتُهَا نَافِقَةٌ بِحَسْرَة.
لِمَرَّةٍ قَاوِمْ مَرَارَةَ أَصَابِعِهِنَّ،
ومَرِّر لِسَانَكَ وارْفَعْ بَصَرَكَ إليهِنَّ وقُلْ:
هَلْ للتَّقْوَى مَكَانٌ؛
والإيِمَان؟.

في الثَّانِيَةُ الأُخْرَى؛
إنْ شَاءَ الْمَوْلُودُ،
يَرَى الحُضُورَ القَوِيَّ لِمَلاَئِكَةٍ تُوْلَدُ مِنْ صُلْبِهِ
وتَبْحَثُ قَلِقَةً عَنْ أَقْدَارٍ صَنَعَهَا بِيَدَيْه
تَقْتَنِصُ الأَرْوَاحَ وَهِيَ تَحْيَا جَمَالاً لَمْ تُدْرِكْهُ فِي حِيْنِهَا،
إذْ يَسِيْرُ الجَّمَالُ أَمَامَ الرُّوْح،
ولا تُدْرِكُهُ إلا بَعْدَ خُرُوجِ الحُروبِ مِن عَيْنيْهِ الغَائِرَتَينِ فِي الأَبَدْ
تَنَامُ ميِّتةً _بَعْدَ أنْ حَدَثَت_ تَحْتَ حِمَايةِ ظلِّهَا
ودُمُوعٌ تَتَدَحْرَجُ فِي لحَظَاتِ الغَضَب.

وإنْ شَاءَ الْمَوْلُود؛
تَقِفُ حَيَاتُهُ عَلَى صَدرِ القَتْل،
حَافِرةً جِلْدَهُ بأظَافِرِهَا؛ مُحَطِّمةً ضُلُوعَهُ بأنْيَابِ خَوْفِهَا،
نِهَايَةً بَسَطْحِ القَلْبِ؛ ذِي الإيقَاعِ المُهَاجِمِ الْمَهْجُور،
تَنْحَنِي عَلَيْه كَأنَّهُ الإله؛
سَاجِدَةً بتأمُّلاتِهَا الْمَبْثُوثَةِ فِي تَوَهَانِ العَالَم
_إنَّهُ يَنْبُوعُ الرَّغبَةِ؛ حَارِسُ الرُّعب!_
وبَيْنَمَا تَلْمعُ دِمَاءُ القَلْبِ فِي عُيُونِ حَيَاتِهِ الخَشِنَةِ،
بَيْنَمَا يَتَلاعبُ أَطْفَالٌ _وُلِدُوا فِي ذَاكَ الْمَكَان_ بِحَيَاتِهِم المُتخيَّلة،
وبَيْنَمَا تَلْتَفُّ الشَّرَايِيْنُ ببَعْضِهَا مُكَوِّنةً مَا يُشبِهُ الوَرْدَة،
وبَيْنَمَا يَتَكَالَبُ الصُّراخُ الْمَحْبُوسُ بالدَّاخِلِ مُنْذُ آلافِ القِيَامَات،
يُسْمَحُ لأرضٍ مُنْتَفِخَةٍ بِجُثَثٍ وذِكْرَيَات
أنْ تَنْطُقَ باسْمِ الإنْسَان.

هِيَ أَرْضٌ، تَتَذَكَّرُهَا
فَتَظْهَرُ للوُجُودِ؛ مِنَ النَّفَسِ والسَّاعِد،
مِنَ الإغْمَاضَةِ،
أَشْجَارُهَا تَخْرُجُ شَرِسَةً مِن بُطُونِ الغِزْلاَنِ الْمَيِّتةِ هُنَاك؛ فِي السَّمَاءِ الذَابِحَة،
أَظَافِرُ بِحَارِهَا تَنْشُبُ فِي أُمُومَةِ النِّسَاءِ فَتَشْهَقُ حُقُولٌ لا نِهَائِيَّةٌ بأثدَائِهِنَّ،
والطَّمْثُ يَهْتَاجُ بِحُبِّهِ للحَيَاة.

هِيَ أَرْضٌ؛
كُسُوفُ قَمَرٍ يَخْرِقُ خُسُوفَ شَمْسٍ بأَعْضَاءِ الضُّوْء
هِيَ مَا يَضِلُّ
ويَسْرِقُ شَهْقَةً أَخِيْرَةً مِن شِفَاهٍ تُحْتَضَرُ ليَسُدَّ رَمَقَ وَحْشَتِهِ،
هِيَ مَا يَرَاهُ الطِّفْلُ فِي نَوْمِهِ طوفَانَاً؛
ويَرَاهُ العَدَمُ فِي دَمْعَةِ الخِيَانَةِ طِفْلاً.

أَرْضُ الْمَعْرِكَةِ أَيُّهَا الزَّمان،
لِمُدَّةِ ثَانِيَةٍ أُخْرَى،
ثَانِيَةٌ تُنبِتُكَ شَيْبَاً حَيْوَانِيَّاً حَتَّى تَلِدَ أَبَاكَ الْمُحَارِبَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ
أبوكَ بِجَمَالِهِ الْمَيِّتِ يَسُوقُ الْمَعَانِي للذَّبْح،
ليُحَدِّثَ أَعْنَاقَهَا الْمَبْتُورَةَ بَأَنْقَاضٍ وُلِدَتْ فِي حُلمِهِ
حُلمٌ يَسْطُعُ فِيْهِ البَيْتُ الْمَسْكُونُ بِشَبَحِهِ الْمَرْعُوبِ؛
إذْ يَرَى ذِكْرَيَاتِهِ تَتَقَلَّبُ مَشْلُولَةَ القَتْلِ فِي ذَاكِرَةِ زَوْجَتِهِ.

أَرْضُ الْمَعْرِكَةِ وَأَحْوَالُهَا،
مَعْرِكَةُ الأَرْضِ وأَبْنَاؤهَا،
والعَرْشُ يَهْوِي فَجْأةً،
مُحطِّماً مَا دَارَ مِن زَمَنْ.

عَرَاقَةُ القَلبِ تَدُلُّ عَلى وُجُودِ سَوَادٍ مُجَاورٍ دَائِم
واحْمِرَارِ أشْجَارٍ تُغرَسُ على تُخُومِهِ؛ يَلِي الإشَارةَ إليهِ،
سيِّدُ حياةٍ وماضٍ؛
الشَّاهدُ عَلَى بَتْرِ رَأسِ صَاحِبهِ.
هِيَ ذات الأنْهَارِ الْمُتَوَالِيَةِ تَهْبطُ مِن عَيْنَيهِ
مَا دَامَ يَخْفُقُ فَرِحَاً بإيقَاعِه
اللَّمسَةُ السَّاطِعَةُ مِن تَلَفُّتِهِ فِي الرُّعْب تُطيِّرُ الحَمَامَ مِن السَّاحةِ؛
تُشِيْحُ بِمُشَرَّدِيْهَا عَنِ القِيَامَةِ وأهْوَالِهَا...
أُنظُرُوا:
(ذَرَّاتُ العَنَاصِرِ،
والتَّفَوُّهِ بالرَّغَبَات؛
يَرْكُضُونَ خَلْفَ ألْعَابِهِ وشَغَبِهِ المُكتَّف،
ومَنْ يَتَدَثَّرُونَ بَأَقْمِشَةِ النَّوْمِ والحَنَانِ يَغْرَقُونَ بِغُبَار الرَّكْضِ والتَّعب).

مَا شَاءَ القَدِيمُ
_مَا يُسَمِّيهِ بإِشَارَةٍ آمِنَةٍ كَانَتْ لأوَّلِ مَرَّةٍ فِي يَدِ آدَم_
يَمْنَحُ القَلْبَ حُدُودَهُ،
وَأَنوَاءَ حِقْدِهِ وسَلاَمَةَ بَصَرِهِ مِن الدُّودِ القَبْرِيِّ،
(مَا شَاءَ القَدِيْمُ) يَغرقُ ضَاحِكَاً فِي بَحْرِ الأَبَدِيَّةِ لأنَّ مُنْقِذِيهِ يَتَكَاثَرُونَ بِنُطَفِ الخَوْف، لأنَّ مَن يَتَوَارُونَ بَيْنَ أَقْدَامِهِ فِي اللَّيَالِي اللاَّهِبَة بأشْبَاحِ أَجْسَادٍ تَتَدَاخَلُ فِي سَمَاءِ العَالَم، لا تَلْمَسُهُم أَمْطَارُ العَرَق؛ خَفَافِيْشُ اللذَّةِ تَمْرُقُ مِن أَظَافِرِهِم بِصِيَاحٍ يَخْرِقُ العَمَى مُشَوِّشَاً هُدُوءَ خيالهِ.

وَهُوَ كَذلِك،
قَافِلَةُ التَّرْمِيْلِ تَشُقُّ الأَرْضَ بِحَوَافِرٍ ميِّتةٍ نَحْوَ الْمَمَالِكِ القَدِيْمَة
حَيْثُ الحُورُ مَنْقُوشَاتٌ عَلَى الأَسَاوِر البَاكِيَةِ
كُتُبُ الشَّيَاطِيْنِ مُتْرَعَةٌ بأفْوَاهٍ جَائِعَةٍ يُطْعِمُهَا بَيْضُ الطَّاعَةِ الْمُجَنَّح،
السَّلاَمُ المُلقَى عَلَى كَاهِلِ فُرسَانِهَا مِيزَانٌَ مُتَوَرِّمُ النَّوَايَا؛
وشُحُوبُهُ يَتَحَدَّثُ مُكرَهَاً بالْمَعْرِكَةِ القَادِمَة.

قَافِلَةٌ:
نَجْمَةٌ مُخَرَّبةٌ بِنَبَضَاتِ سَيِّدِهَا الفَضَاء،
حَرْبَةٌ تُسْهِمُ الفَرَائِسُ فِي صِيَاغَةِ قَبْضَتِهَا.

تَتَلاَحَقُ أَنْفَاسُ الأَنْقَاض:
الَّذِي زَالَ؛ يُرَى شَبَحَاً سَكْرَانَاً؛ طَيْفَاً مُغَازَلاً مِن جنَّاتٍ تُبْنَى فِي يَدِ القَتَلَةِ،
الَّذِي جَارَ عَلَى وُقُوفِهِ الغَارِقِ الخَلاَّق، يُنَكِّس أَكْوَابَاً بِتَلاَمُسِهَا تُطلِقُ ألْحَانَ قُضْبَانٍ رَاقِصَة.

تَتَلاَحَقُ أَنْفَاسُ الأَنْقَاض:
وتُرَى أَجْسَادٌ مَقْضُومَةُ الأَطْرَافِ والجِّلْدِ،
تَرْفَعُ الجُدْرَانَ الرَّابِضَةَ بِتَهَشُّمِهَا فِي مُوَاجَهَةِ الزُّهُورِ مِن تَحْتِهَا
تُطِلُّ مِنْ بَيْنِ الكَرَاسِي المُعْدَمَةِ بِخُيُوطِ عَنَاكِبٍ وُلِدَت مِن جُلُوسٍ غَابِرٍ
تَهرُشُ الأَجْسَادُ صُوَرَاً لَهَا فِي الْمَاضِي، تَتَكَوَّنُ عَلَى الغُبَارِ الْمُلَثَّمِ بِدُمُوعِهِ؛ الحَائِمِ كَمُنْتَقِمٍ،
تُقَشِّرُهَا مُبْرِزَةً أصْنَافَ أَنْبِيَاءٍ، وحَدَائِقَ تَزْحَفُ باتِّجَاهِ عُيُونِ خُضرَتِهَا الْمُلْتَهِبَة.
سماءٌ بصدرٍ شهيٍّ تَقْتَرِبُ مِن الأَجْسَادِ وَهِيَ مَشْغُولَةً بِمُرَاقَبَةِ صُوَرهَا
طَالِبَةً لَهَا الْمَغْفِرَة،
تَقْتَرِبُ مِنْهَا كَامِيْرَاتُ تَصْفِيْقٍ مِن الجِّهَاتِ الأَرْبَعِ، تَحْمِلُهَا الرِّيحُ،
تَتَقرَّحُ مِن تَحْتِهِمْ بِمَلَلٍ أَنْيَابٌ تَنْتَظِرُ اللَّيْل.
أيُّ عَالَمٍ يُشبِهُ هَذَا اللَّيْلَ القَادِم؟
أيُّ لَيْلٍ يَقْتَادُ عَالَماً إلى مَضَارِبِ أُمُومَتِهِ النَّائِحَة؟.

تَتَلاَحَقُ أَنْفَاسُ الأَنْقَاض:
أَجْسَادٌ مُمَزَّقةٌ تَرْكُضُ فِي الرِّيْح
اتِّجَاهَاتُ الأَرْضِ تُحدِّدُ اسْمَهَا مِن اتِّجَاهِ الدَّمِ الْمُتَطَايِرِ مِنْهَا،
والنُّسُورُ
تَتْرُكُ مَنَاقِيْرَهَا _بَيْنَ الحَيَاةِ والْمَوْتِ_ عَلَى رُؤُوسِ الأَجْسَاد،
جِبَالٌ تُشِيرُ إلى الغُبَارِ الْمُثارِ مِن سُقُوطِ الأَصَابِعِ الذَّاهِلَةِ،
أنهَارٌ تَرَى قيْعَانَهَا تَتَلألأ عَبْرَ الظُهُورِ الْمَثْقُوبَةِ بالقَذَائِف.

أدرَاجَ الرِّيْاحِ إذاً أيُّهَا العَالَم
والأَبْرَاجُ الْمُتَبَخِّرةُ مِن فَمِكِ الْمَفْتُوحِ باتِّجَاهِ الغَنَائِمِ السَّماويَّةِ
دَعْهَا تُغنِّي بالأَقْمِشَةِ الحَرِيْرِيَّةِ والذَّهَبِ الذَّائِبِ الْمُتَفَشِّيين بأنفَاسِهَا العُليَا.
فَمُكَ البَاحِثُ بلسَانِهِ الْمَشْقُوقِ عَن مَذَاقِ خُلُودٍ خَلْفَ حُجُبِ الْمَوْت،
إرمِهِ بـِحَجَر؛
حَجَرٌ هُوَ بِنْتٌ تُسَاقُ للذَبحِ بضَفِيْرَةِ أمِّهَا
ونَدَىً يُحرَقُ بِخُضْرَةٍ تَنْعَكِسُ عَلَى وَجْهِهِ الْمُتَوَسِّل.

خَالِقٌ بِكُلِّ هَذِهِ الْهَيْبَة؟
أَسْمَاكٌ صَّغِيْرَةٌ تَخرُجُ مِنْ قَدَمِهِ الصَّحْرَاوِيَّةِ ليَتَلَقَّفَهَا طُعمٌ مَائِيّ؟
يسمِّي الموْت؛
يَتَأَرجَحُ عَلَى سَرِيْرِ أَوَامِرِهِ،
لكنَّ والِدَةَ الْمَوْتِ لَمْ تَجِدْ مَنْ يَقْتُلُهَا؛
هِيَ الوَحِيْدَة.

أَخْبِرْنِي بِسَلاَمَةِ الجِّدَارِ الَّذِي وَجَّهتَ خلاياه لتَنْطِقَ الغُمُوْض؛
غُمُوضٌ يَلُفُّ نَظْرةَ الأُنثَى فِي لَحْظَةِ سُقُوطِ ظِلٍّ مُرْبِكٍ عَلَى نَهْدِهَا،
يَغْشَى هُيَامَ الأَعْمَى بابْتِسَامَةٍ لا تَلِيْن،
ويُسَمِّرُ نَظْرَةَ القِطِّ فِي الظَّلامِ نَحْوَ القَادِمِ الْمَجْهُول.

الرِّيْحُ الَّتِي أَطْلَقْتَهَا تَمرُّ بشَعْرِ امْرَأةٍ
ويدَ طِفْلٍ مُلَوَّثةٍ بِطِيْنٍ
وسُورَ حَقْلٍ تَتَرَبَّصُ بِهِ الثَّعَالِب.

الرِّيْحُ؛
(ومَا شَاءَ لَهَا أَنْ تَكُون
دَاخِلَ مُبَاغَتَةٍ تَمُوتُ عِنْدَ طَرَفِ الوَرَقَةِ اليَابِسَةِ،
الورقةُ أُمُّ الشَّجَرَةِ ولَكِن لا تَدْرِي).

بالرِّيحِ أُدَاوِي شِفَاهِي،
والَّتِي بِهَا تَذَوَّقْتُ الثَّمَرَةَ،
والشِّفَاهَ الأُخْرَى،
والاسْمَ،
والدَّمَ الْمَوْلُودَ لِتَوِّهِ ليَظْهَرَ الجُّرْح.

أُدَاوِي بِهَا رِئَتِي
وهِيَ البَارزةُ أَمَامَ أَرْضِ الرَّغبةِ الشَّاسِعَةِ
تَحْرِثُهَا بالضُّلوْعِ،
تَرْمُقُهَا بالتَّنفُّسِ الْمُنْتَظِم..
تَنْتَظِر.

إذَاً؛ خُشُوعٌ مُسْتَحَقٌّ أيُّهَا الخَالِق..
مُقْتَنَيَاتُكَ امْتَلَكَهَا العَالَم،
والكَائِنَاتُ مِن بَعْدِهِ سَارَتْ فِي طَرِيْقِ الزَّمَانِ وطَارَتْ لأَجْلِهَا،
سمَّمَتِ الفَضَاءَ بتَحْدِيْقِهَا
نَامَتْ فِي كُمُونِ الذُّنُوبِ بِجُفُونٍ تَجْرَح
وَهَاجَمَت صُوْرَةَ القَتلِ فِي انْشِرَاخِ الوَجْهِ إلى ظُلْمَتِيْن.
صَرَخَ
خَيَالُ
البِذْرةِ،
صَرَخَتْ قَطَرَاتُ البَحْرِ الْمُتَبَخِّرَةِ عَلَى مِشْنَقَةِ الحَرَارَةِ،
وَأَفشَت سِرَّ الطَّيَرَان.

خُشُوعٌ مُسْتَحَقٌّ
ومِن بَيْنِ أَوْصَالِهِ يَنْزِفُ اللَّيْلُ ذِئَابَهُ:
إنْ كَانَ للبَرْقِ رَائِحَةٌ لِخَلَقْنَاهُ بالدَّمْعَةِ
وإنْ كَانَ للنُّجُومِ لُغَةٌ لأشَارَت بالنَّار.

أَدْرَاجَ الرِّياح:
أوْرَاقُ الأَشْجَارِ تَسْقُطُ عَلَى فُسْتَانِ الشُّحُوبِ الْمُتَآكِلِ عَلَى شَكْلِ فَتَاةٍ
والشَّجَرَةُ لَيْسَتْ هُنَاك!
مُوْسِيْقَى _فَقَط_ تَلْتَفُّ تَحْتَ الأَرْضِ جُذُورَاً لِهَبَاءِ الشَّجَرَةِ
أَغْصَانُ نِيْرَانٍ تَتَرَاقَصُ فِي الهَوَاءِ كَأنَّهَا تَمْلُكُ الحَرَكَةَ كُلَّهَا.

مِنْ كُهُولَةٍ في الحُبِّ
يَخْرجُ سَقْفُ البَيْتِ
يَتَحَدَّثُ عَنْ أَبْوَابِهِ الهَارِبَةِ بِبَصَمَاتِ القَتَلَة
يَحْكِي عَن عِنَاقَاتٍ تَنْسَلخُ عَن الجُدْرَانِ لتَحْيَا فِي الظَّلام القَدِيْم؛
قَدِيْمٌ حَدَّ تُرَى نُطَفُ الضُّوْءِ البِدَائِيَّةِ تَتَدَاخَلُ _كَهَلْوَسَةٍ فِي ذِهْنٍ يَتَحنَّطُ_ دَاخِلَ دَمْعَتِهِ
تَخْلِقُ الفَضَاءَ اللامُتَنَاهِي لنَظْرَةِ الفَتَاة.
عَاصِفَةٌ تَتَقَدَّمُ بَيْنَمَا يَتَرَاجَعُ حُطَامُهَا فِي رُؤْيَةِ الآتِي
آلاتٌ طَائِرَةٌ تُعَرِّفُ ذَاتَهَا بأسْمَاءٍ وَهِيَ تَسْجُدُ للفَتَاةِ على بِلاَطٍ لَيْلِيٍّ
قَنَابِلٌ تَرْتَصُّ خَلْفَ بَعْضَهَا نَمْلاً فِي طَرِيْقِهِ للتَّخْزِيْن،
والشِّتَاءُ يَحْيَا بِصَوْتِ الخَطَوَاتِ إذْ هِيَ نَبَضَاتُ قَلْبِهِ.
العَاصِفَةُ؛ وُجُوهٌ قَاسِيَةٌ تَتَكَلَّسُ وتَتَبَدَّلُ فِي جِلْدِ الفَتَاةِ الجَّمِيْل
مِنْ مَسَامِهَا تَنْطَلِقُ أنَّاتٌ مَكْتُومَةٌ وجَفَافٌ يَسْتَفْحِلُ فِي عَدَمِ العَالَمِ الخَفِيِّ
لَمْ تَكُن تَعْرِفُ اسماً للوْنِ نَهْدِهَا؛
ولا السَّائِلِ الجبَّارِ الْمُتَدَفِّقِ عَبْرَ عُرُوقِ صَدْرِهَا خَارِقَاً جَسَدَهَا،
نَاقِلاً أشْبَاحَهَا وأسْلاَفَ عُشَّاقِهَا.

لِمْ يَكُن لقَبْرِهَا الْمُفَتَّتِ فِي رَاحَتِهَا شَبَهٌ بالرِّيْح،
لتَتَقَدَّمَ العَاصِفَة.

لَمْ نَصِلْ لِتَسْوِيَةِ الأَمْر
الثَّوْرُ الْمَلَكِيُّ القَادِمُ مِن جَحِيْمِ العُرُوشِ يُغَنِّي بِصَوْتٍ يَنطَحُ الفُحُولَة!
الغَزَالُ الْمُورِقُ بَيْنَ الدُّمُوعِ يَتَشَرَّبُ هُرُوبَهُ ولا يَرْتَوِي!
الشَّحنُ المُثبَتُ الْمُتَدَفِّقُ مِن خِنْجَرٍ عَلَى سُمِّ تِجَارَةٍ خَاسِرَةٍ للظَّهْر!

لَمْ نَصِل لِتَوْرِيَةِ الأَمْر.

العَقَارِبُ؛ أيُّ سُمٍّ، أيُّ فَاكِهَةٍ تُوْرِثُ أَجْيَالَ نُضْجِهَا التِّيْه؟
الذِّئَابُ؛ أيُّ لَيْلٍ، أَيُّ صَحْرَاءٍ تَشْنِقُ الفَرَاشَاتِ النَّائِمَةِ بِسَلاَم؟
أيُّ صحراءٍ؛ سِبَاقٌ مُراقَبٌ بَيْنَ السَّحَابِ والسَّرَاب؟، (مَنْ مِنْهُمَا يَسْتَدِرُّ حَيَاةَ الآخَر؟!)
النَّارُ؛ أيُّ ثَبَاتٍ نَبَوِيٍّ، أيُّ آيَاتٍ تُتَمْتِمُ بِهَا وُشُومٌ مَرْسُومَةٌ عَلَى بُطُونِ الحَوَامِل؟!

لَمْ نَصِل لتَنْجِيَةِ الأَمْر،
إذْ فِي الْمَعْرِكَةِ:
الرَّايَةُ تَعْمَلُ وَحْدَهَا
مَجْدٌ غَامِقٌ يَلْهُو بلُعَابِ ذِئبٍ يَتَوَالَدُ فِي تَقَرُّحَاتِهِ،
القَدَمُ مَبْتُورةً تَخْلعُ عَنْ خَطَوَاتِهَا مُكَوِّنَاتِ التُّرَابِ وبدَمِهَا تُجَانِسهُ،
السَّقْطةُ المُكَلِّفةُ الأَكِيْدَةُ لدَمْعَةِ الْمُقَاتِلِ تَتَوَرَّدُ بِخَجَلِ الرَّصَاص،
بالدَّوِيِّ ومُخَلَّفَاتِهِ تَتَعَارَفُ الأَصْوَاتُ بَيْنَ بَيْن،
السَّانِحَةُ _حَيْثُ فَرَّ قمَاشُ المَلِكَات_ تُقلِّمُ ضَمِيْرَهَا أَمَامَ مِشْنَقَةٍ تُضْفَرُ فِي حَالِ رَمَادِهَا.

فِي الْمَعْرِكَة:
(لا أَحَدٌ) يُغلِقُ مَصْرَعَ نُطْقِهِ دَاخِلَ كَهْفٍ مُضَاءٍ بالخَفَافِيْش،
والْمُسَاوَمَاتُ جَارِيةٌ إبَّانَ جِلْدٍ يَتَعَبَّدُ أَمَامَ كُلِّ لَمْسَةٍ نَاوَشَتْهُ بوَحْشَتِهَا.

مَكَاتِيْبُ الزَّمان عَلَى عُيُونِ الرُّسُل:

كأنَّنِي كُنْتُ مِن قَبْل؛
صَوْتاً يَسْتَخِفُّ بوَفَائِهِ للصَّدَى
قِطَّاً يَنَامُ بِجَانبِ سَيِّده الْمَفْقُود
شَعْراً يَحْمِلُ رَائِحَةَ سَيِّدَتِهِ ويُدَاعِبِ الرِّيح.

بيَدَيْنِ مُرْتَجِفَتَيْن سَجَنتُ الْمَكَانَ العَالَمَ داخِل،
تَرَكْتُ بَصَري يَجُولُ بِمِرآةٍ مَكْسُورَةٍ تَتَنَفَّسُ أَمَامِي
رَأَيْتُ الحَيْوَانَاتِ تَنْفَصِلُ عَنِّي
مُخَلِّفةً جِرَاحَاً تَنْدَمِلُ بصُرَاخٍ هَادِئ
رَأَيْتُ السَّمَاءَ كَامِلَةً تَدْخُلُ الْمَسَامَ عَابِثَةً بِجَاذبيَّةِ الدَّمِ والخَلاَيَا.

كَأَنَّنِي كُنْتُ مِنْ قَبْل؛
عَلَّقتُ أَبْوَابَ أَعْضَائِي عَلَى صَلِيْبٍ
عِنْدَمَا مَرَّ شَجَنٌ بِخَدِّي،
_و يَدٌ نَاعِمَةٌ تَجُوسُ بِقَلْبِي_
تَرَكْتُ الأَنْبِيَاءَ للطَّرْقِ الْمُسْتَمِرّ.

هَذَا الكَوْنُ
هُوَ مَن يَسْبَحُ الآنَ فِي العَيْن،
وسَوَادُهَا الْمُستَدِيْرُ نَوَاةُ انْفِجَارِهِ القَادِم.
أَتَأرجَحُ دَاخِلَ سَائِلٍ يُدعَى دَمْعَةُ الأمّ
أَسْقُطُ مُرْتَطِمَاً بزَفَرَاتِ الأَبِ الْمُتَسَارِعَةِ
ومَا بَيْنَهُمَا مِن تجمُّدٍ أُدْخِلهُ _سَالِمَاً_ عِظَامِي
مُكَوِّناً تَمَاثِيْلَ قَاسِيَةً
أتعبَّدُ تَحْتَ ظلاَلَهَا فِي اللَّيْل
أَمْتَصُّ نِيْرَانَ حَرَكَاتِهَا الْمَكْبُوتَةِ
وأَصِيْرُ الإعصَارَ الْمُنْتَهَك
خَالِدَاً فِي الجَّحِيْم.

تَدْخُلُ مَعَ النَّفَسِ آلافُ الطُّيُورِ إلى رِئَتَيَّ
يَدْخُلُ خَلْفَهَا الشِّتَاءُ الَّذِي هَاجَرَتْ مِنْهُ
تُظْلِمُ التَّمَاثِيْلُ فِي الدَّاخِلْ:
كَأنَّنَي صَخْرَةٌ بأرْوَاحٍ قَابِلَةٍ للنِّسْيَان؛ ومِنْ ثَمَّ الحَيَاة..
يَاه...
هَذَا الْمَلَكُ الْمُخْفِقُ فِي مَهَمَّتِهِ يَقْطُرُ مِنَ أَصَابِعِي
واليَدُ فِي تَوَهَانِهَا تَتَخَبَّطُ فِي عَدَمٍ يُوَاجِهُ جَسَدِي...
إنَّنِي الزَّمانُ؛
ولَيْسَ لِقَلْبِي غُرَفٌ لأُسْكِنَ فِيْهَا مَا تَحْمِلُهُ الأَرْضُ عَلَى ظَهْرِهَا مِن أَقْدَار،
وهَذِه العُيُونُ الدَّافِئَةُ، لأيِّ جِهَةٍ مَجْرُوحَةٍ في صُراخِي تَنْتَمِي؟

كُنْتُ أُتَابِعُ الأَبْرَاجَ تَتَصَاعَدُ مِن ظُهُورِ الحَشَرَاتِ،
وكَانَ كَمُّ اللِّذَّاتِ الْمُؤَجَّلةِ يَتَفَتَّتُ مِن طِيْنِ الأَبْرَاجِ الأَعْمَى
وفِي يَدِ لَحْظَةٍ
_كَانَتِ الدُّنيا ومَا يَلِيْهَا مِنْ رُعْب_
تَقَلَّصَت عَضَلاتُ الشَّيْطَانِ والإلَه
وكَانَتِ الدَّمْعَةُ ضَرِيْحَاً لأَحْجَارٍ مَيِّتةٍ
بَعْثَرَتْهَا الصُّدْفَةُ بَيْنَهُمَا
ليُكْمِلا لُعْبَةَ الاتِّهَامَات..

رُغْمَ كُلِّ هَذَا السِّحْرِ الْمُحِيْطِ بِي،
لَمْ أَعْشَق سِوَى كَوْنِي مُسَبِّباً لِحَرَكَتِهِ الدَّائِبَة
سِوَى لَفْظِي لأَنْفَاسِيَ الأَخِيْرَةَ عَلَى عُيُونِ الْمَوْلُودِ الْمَرْعُوبَة...

كَانَ عَلَيَّ أنْ أَكُونَ الْمَكَانَ لِمرَّةٍ وَاحِدَةٍ
وبَعْدَهَا فليَكُن الْمَوْت،
_هَذا الَّذِي يَحْيَا بِخَفَقَاتِ قَلْبِي_
قُبْلةً تَائِهَةً بَيْنَ قُبُورِ قَلْبِيَ الكَثِيْرَة.

كَأَنَّنِي كُنْتُ مِنْ قَبْل.

أبريل – يونيو
2007م