عباس خضر
abbas1@jeeran.com
(العراق/ألمانيا)

عباس خضرإنّه الليلُ
المدينةُ هادئةٌ
الجنودُ رموا أسلحتهم
وعادوا إلى النساءِ
ريحٌ ناعسةٌ تعانقُ الشوارعَ
النجماتُ تصلُ غرفتي
تجلسُ قبالتي على الطاولةِ
الموقدُ يجمعُ حطبه ويشتعلُ
فاطمةُ ترتدي نجمةً حولي
أمي تغفو في نجمةٍ أخرى
نجماتٌ في غرفتي
والمدينةُ هادئةٌ
لا أصوات
لا دمعة
لا رصاصة
الله ! ما أجمل العالم
لو بقيتُ نائماً
إلى الأبد

ميونيخ ،18/12/2003

***

تدوين لزمن ضائع

عباس خضر
(العراق/ألمانيا)

(نصوص مختارة من
مجموعة تدوين لزمن ضائع)

لوحة

عباس خضرحين اختفى النجم
تراءت على الشرفات
أحزان كثيرة,
المطر...
كان يترك قطراته
تتحد ّر
بعزاء ...
أعمدة المدينة
نثرت ــ هي الأخرى ــ
ضوءا
خافتا
وحزينا
على الأبواب ...
حين اختفى النجم
لم يكن في عباءة النسوة
غير
رائحة البكاء
كان شاحبا
لما عاد
ولم تكن للرجال
حكمة
كي تواري
حزن الشوارع

ربيع موتزنكن 2001

***

أسوار

سور للكلام
للقفز بطيئا كما ينبغي

سور للحب
لطي الحكايات سريعا

سور لأبي
كي لا تواري أمي خيبا ته
تحت اللحاف

سور لي
كي لا تستيقظ فيّ الطيور

سور للوطن
كي لا يستعيد ذكراه

سور للسور
كي نعود إلى أول الفجيعة

ميونيخ 2000

***

شتاء

الطريق أبيض
شعر المدينة أبيض
قنديل ضوء المدينة أبيض
المعطف الأسود أبيض
((مارين بلاتس)) وما ارتجف في أكف القديسين أبيض
والمنزل الذي عانقنا بدفء غامض أبيض أيضا...
الطريق أبيض,
والمحبرة لا تهبني صهوة الكلام

ميونيخ 15/1 / 2000

***

سياسيون

ينشرون العالمَ أمامي
مقسّماً على رقعةِ الشطرنج
جنوداً , جنوداً :
كلبٌ أحمق
كلبٌ مسعور
كلبٌ دنيء
كلبٌ وفيّ
لا تستغربوا إذن
إن نبحَ علينا العالم

مزده 1998

***

الحكاية

للسطوح جملة هاربة المعنى
ولكِ ذاكرة غيوم بعيدة
سماء توغل في الهرب
ولي تلك المشقة
جناح يفتح جناحيه
ولا يطير

ميونيخ 2002

***

زمن ما

لقد ألحقت بك الخسائر
الكأس يتمرغ
والنادلة لا تمسح صهيل دمك على الحائط
بالله عليك!!
أكان لديك حقا
ما تبوح به على الطاولة؟

ميونيخ 2001

***

صورة

فتحت عيني
ولم يكن في الجدار
سواي
ومسمار...
أغلقت عيني
ووجدتني
مصلوبا
والمسمار
يحملني

ميونيخ 2001

***

(.......)

إلى: طفولتي وطير آخر

للطيور التي ضربتني جناحا في غيمة
للطيور التي أعدت نجمة الظهيرة للخيول
للطيور التي واكبت تعثري بالسحب والدخان
للطيور التي علقت أعناقها بأعراس الشواطئ اللامرئية
لطيور أعلي أعشاش الحكايات القديمة
للطيور التي حلقت...
لم افتح جناحي
ولم
أكن هناك

***

(......)

يمر قطار إليك
يمر قطار نحو الطريق الآخر إليّ
يمر قطار عابرا الجدار نحوي
يمر قطار...
وتمر معا كقطار مزدحم
بلا أحد سواه

ميونيخ 2002

***

خاتمة

الليلة
لا كأس على نافذة الروح
الورد يهجر الطاولة
كل قوافلي تعاد
وأصدقاء ممرات البداية
يرشون هنا
جنب الزجاجات الفارغة
أسف انكساري

ميونيخ 31 / 12/ 2000

***

مدينة الماء

مثلما فعل أبي
سلكتُ دروب الأرضِ نحوها
وعدتُ دون جرعةِ ماء

بايرويت 2000

***

بداية

لم أعد قادرا
أن أتوالد
كي انتهي

مونيخ 2001

Abbas Kidir
Denninger Str 134
81927 Muenchen
Germany
هاتف: 00498999929923

***

أراء في الشاعر وتجربته

سفر طويل في طلب الأنا الضائعة وحلمه الصغير المقيد. رثاء مهذب على لسان غجري يمتهن الرقص وراء الجنائز

أحمد عبد الزهرة الكعبي - ألمانيا
المؤتمر 1 نوفمبر 2002

***

اصطبغت اللغة هنا,كالأحاسيس , برهافة قاسية, وحزن كسير, وجمال

د. حسن ناظم
عمان 2002
مقدمة الديون

***

أنه الثعلب القطبي في العواصف الثلجية . زوربا اليوناني وهو يكتب قصيدته رقصا على الأرض

حمزة الحسن - النرويج
الحوار المتمدن 10/1/2003

***

لغة المجموعة مكتنزة بصور تتجاوز العوالم المحلية لتمتح من معين الثقافة العالمية ,وهي لغة رقيقة وأنيقة وبعيدة عن التعالي ونافرة من التبسيط

صالح زامل - عمان
الزمان 1/ 8 / 2002

***

أن الشاعر يبث الروح في مفردة قد تبدو جامدة وغبية,فيؤنسنها, ويشعرنها ويحبوها جمالا داخليا..

مجلة ضفاف - النمسا
كانون الثاني 2003 العدد11

***

أن هذه المجموعة تبشر بصوت شعري يحاول أن يثبت أسمه بعناد محولا الألم إلى طاقة محركة للإبداع

عبد الرزاق الربيعي - سلطنة عمان
الزمان 28 أكتوبر 2002

***

((تدوين لزمن ضائع))محاولة شعرية بكر ضرورية لعباس خضر في مسعاه الصادق للقبض على مفاتيح الأفق الذي تحلم القصيدة العراقية وصوله.

عبد القادر الجنابي - باريس
إيلاف 18 سبتمبر 2002

***

بداية حقيقة لشاعر سيكون له شأنا في رسم قصيدة النثر الحقيقية

فيصل عبد الحسن - المغرب
إبداع 15 أكتوبر 2002

***

عباس خضر

رغم العطب الهائل

وحدها، مدينةُ الإلهةِ محطمةٌ
وحدها، دقائقُ الفجرِ غامضةٌ
وحدها، الشمسُ مصابةٌ بالطفحِ الجلدي
وحدها، الليلةُ البرلينية تحلمُ بالجدارِ
وحدها، اللوعةُ تصفي حساباتها مع الأرواحِ

وحدها، الأسوارُ تكرهُ شكلَ القلبِ
وحدها، البنوكُ تُنهي على ما تبقى
وحدها، الأخبارُ رصاصاتٌ في العمرِ
وحدها، الرسائلُ مكللةٌ بالخسائرِ
وحدها، الأوطانُ تمارسُ عاداتٍ سرية
وحدها، المنافي" بلا أبوابٍ وشبابيكٍ"

وحدهُ، الرّبُ يضربُ أخماساً في أسداسٍ
وحدهُ، البناءُ يحلمُ بشيءٍ غير حجر
وحدهُ، الشاعرُ بلا معنى
وحدهُ، العازفُ يتعثرُ باللحنِ
وحدهُ، الأبُ يكومُ خيباته أبناءً
وحدهُ، اللاشيءُ يُجملُ شوارع العمرِ

وحدهنّ، عاهراتُ الرّبِ راهباتٌ
وحدهنَّ، يتمرغنَ بالأغاني الغافلاتُ
وحدهنّ، عسلُ العمرِ غائباتٌ
وحدهنّ، رحيقُ الليلِ راحلاتٌ
وحدهنّ، أسرارُ المجرةِ صامتاتٌ
وحدهنّ، صورٌ على الجدارِ الباقياتُ

وحدهمُ، فراشاتٌ في شارعٍ مفقودٍ الهاربونَ
وحدهمُ، عناوين شوارعٍ غير مرئيةٍ العائدونَ
وحدهمُ، خسائرُ المنازلِِ العاشقونَ
وحدهمُ، صفرٌ في حسابٍ جارٍ الحالمونَ

وحدهمُ وحدها وحدهنّ ووحدهُ
ووحدي، ورغم العطب الهائل
أغني

برلين، ربيع 2005

* * * *

محطة أدم

الباعةُ المتجولونَ يبتسمونَ
باعةُ الشاي
وباعةُ السجائرِ
وباعةُ حبِ عبادِ الشمسِ
وباعةُ سندويشاتِ البيضِ المسلوقِ...

وسكنةُ المحطةِ يبتسمونَ
سائقُ الباصِ رقم 1
والركاب
الصبيةُ السمراءُ مع أوراقها الجامعيةِ
والرجلُ الطويلُ مع حقيبته السوداءِ
والقصيرُ مع ربطةِ عنقه
والجنودُ
والموظفونَ
والمرأةُ المجبةُ
وذات الشعرِ الأشقرِ
وذات المؤخرةِ الكبيرةِ
والملطخةُ بأحمر الشفاهِ...

وأصحابُ المحلاتِ المقابلةِ للشارعِ العامِ يبتسمونَ
الصيدلي
والخبازُ
والحائكُ
والاسكافي
والجزارُ
والعطارُ...

والبقيةُ بيتسمونَ
الأطفالُ في الطريقِ إلى المدرسةِ
العمالُ في الطريقِ إلى العملِ
النسوةُ
والرجالُ...
كلّهم بفرحٍ يبتسمونَ
...
...
...
ويا للعنة
لقد كان مجرد حلم

برلين، صيف2005

* * * * * *

طوابع الجاحظ

تصلُ مثل كلّ مرةٍ الرسائلُ
بعضها ، ما أن تفتحها، تهبُّ منها جوقةُ حمامٍ
" نجحَ الصغارُ"
" وصلتْ الصورُ"
" سلام من زنوبة والزرازير"
وأخرى ، تحومُ حولها الغربانُ
وتغطي العيون والشبابيك
وتغدو الساعة معها وكأنها تتدلى بمشنقةٍ
" ذهبَ إلى رحمة اللهِ"
" فقدتْ نهدها الأيسر بقذيفةٍ"
" البلادُ في الطريق إلى نهايةِ المجرةِ"
أما ساعي البريد
فكلما تأخرَ، تأخرَ الصباحُ وكأنّه حجرٌ هامد
وكلما طالَ انتظاره
ترددُ صناديقُ البريدِ
" لم ينتظر أحد مثلك في هذا العالم"
و ما أن يصل حتى يركض القلبُ هلعاً مثل حصانٍ بري
وكأنما قد مسّه الجنُ
وكلما مضى ، يُنتظر مثل هلالٍ مرة أخرى .
والآن يا طوابع الجاحظ !
" أيّ معانٍ ملقاة على قارعة الطريق؟"
المرعوبة من انتظارِ وقع خطوات الساعي؟
أم الخائفة من وصولِ الغربان ؟
أم تراها الحالمة بحمامٍ بلا ريش ؟!

الرسائلُ تصلُ مثل كلّ مرةً
والمعاني ملقاة في صناديق البريدِ .

abbas73@freenet.de