عبد العظيم فنجان
(العراق)

الى الروح الحارسة النبيلة:
أبي وشيخي أمير الدراجي،
الذي لن اكف عن التمرد عليه،
حتى آخر رشفة من الأمل.

"و رأيتُ في منامي أني جالس على دكة بابي، ورأسي مقطوع، وأنا ادوّره بين يديّ، واضحك متعجبا من هذه الصورة الغريبة: كيف ان رأسي مقطوع، وكيف، في نفس الوقت، انظر إليه، حتى انتبهت. " (العارف حيدر الاملي) .
 
سلـّفني الإفلاس ُبعض خواطره، فاصطحبتُ الشاطئ، وتسـوّلتُ من قميصه، موجة ً، بزرقتها غسلتُ رأسي من الصحراء، نظـّفت ُجيوبي من الأسلحة، وتوسدتـُها ونمت ُ. في منامي: سمعتُ أصوات قطارات. فوق احد القطارات رأيتُ نفسي بصحبة جنودٍ، يغرسون الأرق حول رؤوسهم،  وهم نيـّام. أنا خارج السرب، انظرُ الى الليل، وفمي، في الهواء، يقتفي اثر قبلةٍ، لكن القطارات   تنحرف، فجأة، صوب شلال. الجنود يرمون خوذهم الى مجراه، ثم يرفعونها الى أفواههم فيجدونها مليئة بالدم.

لم ارفع خوذتي. تركتها طافيةً وهبطتُ، فرأيتـُني ماشيا بصحبة مهرّب. قايضتـُه بندقيتي بعلبة  تبغ. بحضوره دخـّنتُ أيامي، سيجارة بعد اخرى. في المرة الأخيرة، فيما دخان سيجارتي   يتصاعد فوق، ويؤلف: سماءا، بلادا، ورابية ً، تدخلتْ مخيـّلتي: أرسلت الى السماء بغيمة،  زرعتْ جنديا فوق الرابية، أما البلاد فتوّجتني ملكا.
أنا الآن ملكٌ: بلادي جرباء، وغيمتها الوحيدة لاتمطر. آمرها بالانصراف، لاتنصرف. اضربها بتاجي، فتنكسر، ثم تنفد سيجارتي. اسحب منها نفـَسا أخيرا. اسحب البلاد والسماء والرابية.  اترك الجندي مغروسا في الفراغ. أتخيله يركض في الاتجاهات، باسطا ذراعيه، كيما يتلقف  تاجي، لكنني أفاجئه، في دخان سيجارة اخرى، وهو يهزّ مهدا: في المهد أجد جثتي.

طالبته بها، فصاح بي:
" اذهب.
 اذهب، يامن سوّدتَ بالسخام حياتك.
 اذهب، اذهب،
 ودعني
 أهدهد هذه الجثة ضد صحبة الأشباح "
ثم

ضرب على صدري بقوة، فسقطت بيننا ظلمة عميقة، يتمرغ فيها المرء، داخل أحشاء ذكرياته، طلبا للنجاة، دون جدوى. داخل الظلمة وجدتـُني أتسلق جبلا، عند احد سفوحه قابلتُ مجنونا، يجر عربة بيد، فيما الأخرى تحمل شعلة.
في حوض العربة وجدتُ مدينةً مغطاة بقش. ارفعه، فاكتشف فيها أناسا تستضيء الجدران بهواجسهم. احدٌ ما منهم يقرأ كتاب النبؤات بصوت تعال، رددته القرون، مرة بعد مرة: " وعندما يصل المجنون الى الذروة، يضع الشعلة في العربة، ثم يركل العربة الى الوديان "
في مقطع آخر من منامي رأيتُ، في الوديان، نفس العربة. في حوضها، رأيت ُ: فلاسفة، شعراء، عشاق، صعاليك و... هناك رجل يغطيهم بقش، يدثرهم بخواطر زائفة، ثم يجر العربة بيد، وفي يده الأخرى ترفرف الشعلة.
يبتعدون، وأنا انظر ُ الى نفسي بينهم، وأتعجب: كيف أنا بينهم، وفي نفس الوقت: كيف، من منامي، انظر إليهم، حتى انتبهت ُ.

الناصرية - ابريل - قم الإيرانية
1990 -1999
من كتاب " مراسم تشييع شبح "

إيلاف -2004 الأربعاء 24 نوفمبر