سوزان عليوان
سوزان عليوان
www.suzanne-alaywan.com/

مخبأ الملائكة

مدخل

هربًا

من زمانِ القُبْح

تختبئُ الملائكةُ

.في عينيك

***

جرح

كنتَ تلملمُ أشياءَكَ

المبعثرةَ في حجرةِ الفندقِ

و تجمعُها

في حقيبةِ سفرِك

:حينَ أردتُ أن أسألَك

هل لديكَ"

مكانٌ

يتّسعُ

"لشيءٍ صغير؟

لكنّكَ كنتَ تشكو

من كَثْرَةِ أشيائكَ

و من صِغَرِ الحقيبةِ

و كانَ قلبي

أكثرَ كبرياءً

.من أن يسألك

***

وردة في شارع

إن مررْتَ

ذاتَ يومٍ

بشارعٍ رماديّ

تظلِّلُهُ أشجارُ اللَّوْزِ

و تميّزُهُ

محطّةُ بنزين

و مدرسة

ابحث عن وردةٍ صغيرةٍ

في الأسفلت

ابحث عن قلبي

قلبي الذي هربَ من حقائبي

خوفًا من غربةٍ جديدة

و اختارَ أن يكونَ

.وردةً في شارع

***

وردة الموت

في الوردةِ التي

تنبتُ من قلبِ التراب

.عطرُ موتانا

***

رحيل

أخذوا ذكرياتي

و رحلوا

و بقيت وحدي

أنتظرُ

أميرًا صغيرًا

يأتي من كوكبِهِ البعيدِ

ليأخذَ قلبي

قلبي الذي نسيَهُ الأصدقاءُ

حينما أخذوا الذكرياتِ

.و رحلوا

***

عدل

الليلُ عادلٌ

لا يفرّقُ

بينَ بحرٍ

،و سماء

بينَ عصفورٍ غريبٍ عن الشرفةِ

.و إنسانٍ غريبٍ عن البلادْ

الليلُ عادلٌ

.في السوادْ

***

ليست أنا

في الصورةِ المعلّقةِ على الجدار

طفلةٌ تشبهني

و لولا أنّها تبتسم

.لظننتها صورتي

***

إسم

ناديتني بإسمي

...فأحببتُهُ

***

في الظل

الجدارُ الذي صلبوا عليه قمري

.يبكي في أحجارِهِ النورُ

***

الشعر

كنتُ أحلمُ

بوطنٍ

و حبٍّ

و أصدقاء

.فكانَ الشعر

***

غيمة

ليتني غيمة

تبكي

.بدلاً عن عينيك

***

قصيدة الديوان الأول

بداخلِ كلّ منّا

عصفورٌ

يبحثُ

عن مقهاه

و يضيعُ العمرُ

.و لا يلقاه

***

بحر

ذلكَ البحر الممتدّ

من جرحِكَ البعيدِ

إلى دمعِ عيوني

تراهُ يبكي

في الليلِ

.مثلنا؟

***

الموت الأخير

ثمّة أشياء

.لا نعتادُها

نموتُ

كلَّ ليلةٍ

مؤقّتًا

لكنّ موتنا الأخير

يفجعُنا

.دائمًا

 

مكانُكَ في المقهى

.ليسَ خاليًا

بعدَ رحيلِكَ

جاءَ عصفورٌ

.و جلسَ في رُكْنِك

أتأمّلُهُ

من بعيد

مثلما كنتُ أتأمَّلُكَ

و هو يدخّنُ سيجارتَهُ

و يشردُ بعينيهِ التائهتينِ

.في الدخان

****

لا أشبه أحداً

لي خلف المجرّات إخوة
و على الأرض أصدقاء

تؤرجحُني
في فضاءٍ
كملاكٍ
لَهُ المجرّاتِ
إخوةٌ
و على الأرضِ
.أصدقاء

أغنيةُ آخرِ المساءِ و أوّلِ الليلِ
تهزّ
في الروحِ
أغصانًا
تطيّرُ الموتَ
تطربُ الصمتَ

ضَحِكُ الأصحابِ
يقودني لبكاءٍ منسيّ
لأدراجٍ مغلقةٍ على أطفالٍ
يشعلونَ دموعَهُمْ
.ليستأنسوا

الدخانُ
وطنٌ
في الخلاءِ
.يتلاشى

الجرحُ
قمرٌ برتقاليٌّ
تشعلُهُ الجمرةُ
.ليتجلّى

الماءُ يضحكُ
.وحيدًا في القاعِ

الأصحابُ
يضحكونَ
عاليًا
.يلامسونَ الفرح

الفوانيسُ
و النباتاتُ
متدليةٌ من السقفِ
.ظلاًّ لجنّةٍ بعيدةٍ

أيقوناتُ الغربةِ
متدليةٌ من جبيني
ضوءاً
لعتمةٍ
.صرفتُ في سوادِها طفولتي

بكاءُ النهرِ خَفَتَ
.يبدو أنّ الأسماكَ نامَتْ

الريحُ
.ما زالت تهدهدُنا

.هل نغفو؟

****

كنقطة عتمة في الضوء

بإمكانِ كُلٍّ منّا
.ألاّ ينامَ وحيدًا

لماذا لا تحرّكُ مقبضَ بابي
في هذه اللحظةِ
و تدخلُ
كضوءٍ
في العتمة؟
تجلسُ إلى حافةِ سريري
تعيشُ أرقي
و القهوةَ
و موسيقى روحٍ تجلّتْ؟

لماذا لا تأتي
كنجمةٍ بردانةٍ
تختبئُ تحت لحافي؟

قلبي يتيمٌ
كنقطةِ عتمةٍ
.في الضوءِ

لماذا لا تفاجئني
و تحرّكُ مقبضَ البابِ
فالستائرَ
فعدّةَ القهوةِ
و جهازَ التسجيل؟

لديَّ صمتٌ كثيرٌ
و بنٌّ رائعٌ
و اسطواناتٌ مجنونةٌ
.أعرفُ أنّك تُحبُّها


أرجوحة النعاس


نَمْ
كملاكٍ
كموسيقى خافتةٍ
.كقُبْلَةِ بحرٍ

حبيبي
.أيقونتي المكسورة

لأجلِكَ
يداي
،كتابٌ لحكايا الأطفالِ
صوتي
.فانوسٌ

نَمْ
عميقًا
.كأرقي

أرى مقهى حميمًا
كصَدَفَةٍ
.وسطَ مُحيطٍ

أرى أطفالاً
يصنعونَ
من قصائدِنا
.زوارقَ دمعٍ

أرى أجنحتَهُمْ
تلامسُ سطحَ بكائنا
ترتعشُ
.تهوي

أرى العالمَ
.حجرةً زرقاءَ

هل ترى
ما أرى؟

العالمُ
يبدأُ من أهدابي
و عندَ شاطئيكَ
.ينتهي

هل تراني
في المرايا
أحبُّكَ
و أهذي؟

نَمْ
كرغبةٍ قديمةٍ
كمدينةٍ
.على هُدْبِ إله

أرجوحةُ النعاسِ
.لا تتّسعُ لاثنين

****

ما من يد

قبل أن يرسمها الله
صرصار ليل على الحائط يغنّي

كلّ حجرة زنزانة
كلّ آخر جسر إلى الذات

زجاجات فارغة
كنيسة صغيرة من شمع و ألوان

لعظامه صوت يربك الفراغ
كأنّما في جسده محرّك سيّارة قديمة

لن يغادر عتمة مقعده
لئلاّ يوقظ النباتات من حلم
عينيها المغمضتين تحت أصابعه

رسمها
قبل أن يرسمها اللّه

لماذا يغضب إذًا
حين تلقّبه بالأب الروحيّ؟

رسم الوطن و البشر الطيّبين لأجلها
رسم قلبه
زهرة صفراء
في كأس نبيذ

وحيدًا يجلس
في غيمة من دخانه
يتخيّلها في فستان أبيض
.تقبّل أميرًا

كرسي من قش لا يشعله الحنين
وحيد
بقدر ما في البحر من زرقة و جثث

في الرمل يغرس أرجله
حالما بالجذور
ململمًا من حوله الأصداف
أصواتًا لا تخفت

يسمّونه الغريب
"لماذا لا يبني مثلنا القصور و يهدمها؟"
لو اقتربوا من صحراء قلبه قليلاً
لأدركوا أنّه طفل يشبههم
و سألوه عن اسمه

ألفته النوارس
بذراعيه استبدلت المراكب و ألسنة الصخر
هنا على الأقلّ
لن يرشّها الصغار بالماء
ستشاهد الغروب
بعينيه الفاضحتين ملحًا و أسماكًا

كان من الممكن أن يكون آخر
فزاع طيور في حقل ما
لكنّ اليد التي صنعته
فرضت هذه الهيئة
.هذه الحياة

جلباب الدمع
تكنس الكوابيس كل فجر عن عتبة البيت
تقشّر قبالة النافذة بصلتين
كي لا يسألها اليمام عن دموعها

بطرف جلبابها
تلمّع المرايا
عاجزةً عن إزالة حنان مترهل
يقرّب قلبها من التراب

ليلاً هدهدت الأطفال بحكايات البحر

في جلبابها رائحة الحارة
ألوان عرائس الحلوى و الأحصنة الصغيرة

وعدتهم بفطيرة جبن ساخنة في الصباح

الشمس
في هذه المدينة الكئيبة
باردة
قاسية
ستكسّر أسناننا

لا بدّ من حيلة أخرى
تخرجهم من دفء القطن و الأحلام

لو كانت روحها سجادة
لنفضت عنها هذا الغبار
لتركتها في الهواء قليلاً
.تتنفّس

الساحرة

لا
لم تكن ملاكًا

كل ما في الأمر
أنّها كانت تلتهم اللؤلؤ
.و تختار لمقعدها إضاءة خادعة

الفستان الأحمر

فيما كان ينهال على عريها
كان ظلّها قد تجاوز الباب
بفستانه الأحمر
.إلى حانةٍ ما

رغبة زائفة

مغمضة العينين
مستسلمة تمامًا

بعد ساعات قليلة
تستعيد جمالها
تدهش المرآة و الزمن

بالمشارط
سيزيل التجاعيد عن ضحكتها
سيحشو شفتبها المتعطّشتين للقبل
برغبة زائفة

لو أنّ يده تنزلق قليلاً
ليس لتكبير نهدها الذابل
بالونةً مجرّدةً من اللون و الهواء
و إنّما لترميم قلبها
هذه الطائرة الورقية التي يئنّ جناحاها
.كلما لامسها حب جديد

الفراشة

العصافير الرمادية
لا تصدّق
أنّها لا تستخدم المساحيق لتزيين جناحيها

عصفور صغير
فكّر في الأمر طويلاً
اتهمها بلبس المرايا
و خداع العيون بانعكاسات الزهور

"تعال و فتّش خزانتي أيّها السفيه"
صرخت في وجه دبّور أسود
حاول أن يلامس جسدها في مروره
لعلّ ألوانها تبهت على معطفه الداكن

بكت طويلاً
على كتف شجرة
"لست ساحرةً كما يشيعون في هذه الغابة"

يوم أحرقوها
تصاعد إلى السماء دخان غامض
ليستقرّ في قلب الزرقة
قوس قزح
.شعاعًا بسيطًا من روحها

مصباح كفيف

نافذة ما

لنفترضْ
أنَّها نافذةٌ
من خشبٍ محفورٍ
و عصافير زُجاج،
الشاشةُ الباردةُ
دمعُ نجومٍ
بينَ إسمينا
تجمَّدَ.

لنفترضْ
أنَّها جذورٌ
هذه الأسلاكُ المُمتدَّةُ
من قلب الآلةِ
إلى عروقِنا،
و أنَّ أطرافَنا عبر المفاتيح تتشابكُ
أغصانًا
عناقُها الأبوابُ.

لنفترض بيتًا سقفُهُ الخلاءُ
(جدرانُهُ من جلدِنا / صمتُنا غفوةُ حارسِهِ)
و حديقةً يُسيِّجُها العشبُ
و فراشاتٍ مُرقَّعَةً بألوانِ المطر
ظلالُها نمورٌ نُفتِّتُ لأجلِها خُبزَ الأصابعِ
و الكلمات.

لنفترضْ زمنًا لا يهربُ من الزمنِ
مكانًا لا يخافُ من المكان
بشرًا جميلين
طينُهُم ماءُ عيني
مذروفًا
في غُبارِ ضحكاتِك.

لنفترضْ حياةً أُخرى
خارجَ الجسدِ
و أبعدَ من الروح
و لنفترضْ
أنَّها نافذةٌ ما.

****

ليس هذا سطح بيتنا

رأيتُ بيتًا، خلفَ الزجاجِ، ينفجرُ.

على الشاشةِ التي
بين الحربِ
و بيني
رأيتُهُ يصعدُ مثلَ غيمةٍ سوداء
بجدرانِهِ
و أثاثِهِ
و فَحْمِ ناسِهِ
تمثالاً من غُبارٍ
ترفعُهُ ملائكةُ الموتِ
بأنفاسِها كما بأجنحتِها
وَسْطَ دُخانٍ كثيفٍ، كثيف
كحاجبيّ الطاغية
كالغربان التي تلعقُ دمَ الوطنِ عن شاربِهِ
كالخرابِ الشاسعِ الذي يخلِّفُهُ الغُزاةُ
أينما عبروا
حافرينَ آبارًا لأطفالهم
و قبورًا لأطفالنا.

رأيتُ أُمِّي تنهمرُ
على زاويةِ الكنبة
دمعةً على هيئةِ امرأةٍ
من سُلالةِ النخيل.

المنزلُ المُشتعلُ أمامها
بطوبه الشاحب
ببابِهِ الخشبيّ القديم
بحديقته المسيَّجةِ بالوردِ
و تسبيحِ اليمام
يشبهُ بيتَ أهلِها... هناك!

رأيتُ
في عينيها الجميلتين
دجلة و الفرات
يذرفان أسماكًا حمراء.

رأيتُها فجأةً تُشيرُ
بيدٍ مرتعشة
إلى الركامِ
و تصرخُ:
"ليس هذا سطح بيتنا!
أعرفه كما يعرفُ الكفيفُ وجهَ القِبلةِ."

تمتتُ معها:
"الحمد لله".

لم أبتسم.

لا بُدَّ أنَّ إنسانًا ما
يجلسُ مثلنا على بُعْدِ شاشةٍ من الحرب
تعرَّف الليلةَ
على هذا البيتِ المُحترق.