عبد المنعم رمضان
(مصر)

اشتريت الحصانْ
ثم اشتريت له سرجا مذْهبَهْ
وطوَّفت في الأرضِ
حتى وجدت مكانا بعيدا عن الناسِ
يصلح لي
فاشتريت المكانْ
كان لابدٌ أن أبحثَ الآنَ
عمٌا سيحفظ ممتلكاتي
ويحفظن
قلت: أبحث عن جبلي
غير أنٌي تراجعت
قلت لنفسي: إذن سوف أبحث عن هضَبةْ
وذهبت إلى السوقِ
حيث رأيت النساءَ يحطن بشيخ مسنٌ
ويسألنَه:
كيف تأمن يا شيخ أن تسكنَ الكوخَ
والكوخ يسكنه سيٌدانْ
ولكنه لم يشأ أنْ يخاطبهَن
وأوقفنَي حيث كنت
وقال: اقتربْ
أنتَ ياأيها الكهل يا أيّها المستريب بنا
هذه مأدبَةْ
وهذا هو الوقت
لو تستطيع اللحاق به
سوف يصحبك الملكانْ
كان قلبي معي منذ وقتي طويل
بعيدا عن القلبِ كانت ظلال تلاحقها الأغربةْ
ولكنني الآن
قلت لشيخي المسنٌِ:
أنا
هل أنا من تريد له
أن يحرٌِكَ رجليه.. عبر الفناءِ
وأن يقصدَ الدارَ
يسرق مزلاجَها
هل أنا من تريد له
أنْ يدرٌِبَ خفٌته
قبل أن يتخطَّي الترابَ القليلَ
وبعضَ الحشائشِ
ثمَّ إذا واجهَ الباب
أنتَ تريد له
أنْ بطيئا يمرّ على هاتِهِ العتبهْ
أم أنا المشتبهْ
ورحلت
تركت المكانْ
ونسيت كأني تركت علي جانبيهِ
قطيعا من السندياناتِ
حول قطيعي من الدبَبَهْ
كنت أحسب أنَّ هنالك بئرا
وأنَّ لدي البئر
دلوا وحارسَ بئري ومصطبة
خلفها هضبَةْ
ولم أستطعْ أن أفكٌِرَ فيما تركت
ولم أستطعْ أن أفكٌِر في خطواتِ الحصانْ
كان قلبي يطنّ فأسمعه يتحدٌث:
بعد قليل ستصعد فوق الهواءِ الشحيحِ الذي في ثيابك
قلبي يطنّ:
وبعد قليل ستهبط في حفرة
ملئت أحجَبهْ
ويطنّ
وسوف ترى الشيخَ يجلس معتمدا ركبتيهِ
ويفرزها
ويتمتم
هذا الحجاب لأختي الصغيرةِ
هذا الحجاب لكلبي
لفصلِ الشتاءِ
لخادمتي
هذه للمخاوفِ
هذا الحجاب ليمنحَ حاملَه فسحة من أمانْ
وأعطاه لي
ثم قالَ: انتبهْ
فبعدَ الخروجِ من الجبٌِ
سوف ترى راحتيك يعشٌش فوقهما ملكانْ
يسألانك: ماذا تريد
تغمغم
ماذا تريد
تغمغم
حتى إذا سقطَ الليل واعتزما أنْ يصيرا
غريمين قبل الأوانْ
فتواريَ الذي في اليمينِ
تواري الذي في الشمال
تواريتَ مثلهما وابتسمتَ وقلتَ:
أخاف من الأجوبَةْ
كان قلبي معي منذ وقتي طويلي
بعيدا عن القلبِ كانت ظلال ستنهش أطرافَها الأغَربةْ
ولكنني الآن
قلت لشيخي المسنٌِ:
أنا
هل أنا من تريد له أن يقيمَ علي المسغبَةْ
أم أنا المشتبَهْ
ورحلت
تركت الحجابَ الذي قد يحقٌِق بعض الأمانْ
وها أنذا
صرت كالبهلوانْ
أدٌعي أنني سوف أصبح حاشية تتردَّد فوق اللسانْ
أدٌعي أنني سوف أصبح أصداءَها المتعبَةْ
الحياة هبَةْ
والممات هبهْ
لم يعدْ لي حصانْ
لم تعدْ سرج مذهَبةْ
هكذا
هكذا
لم يعد لي مكانْ
كنت أحسب أني إذا ضعت
سوف أهيم إلي أن أرى في السماءِ
وميضا يغذّ خطاه إلي أن أري في السماءِ
جيوشا من النورِ
لماٌ تصير علي مقربَةْ
تتجمٌع
تنحلٌ
تصبح ساقين، فخذينِ
حوضا
وجذعا
ورمٌانتين
وشعرا طويلا
ومفرقَ شعري طويل
وجيدا
إلى أن أري امرأة تستدير حواليَّ مثل ذواتِ الحنينِ
ومثل ذواتِ الحنانْ
ولكنني أتوجٌس، أفتح عينيَّ
تلك الطيور التي تفد الآن سوداءَ
سوداءَ
تملأ خطَّ السماءِ، وتنظر ناحيتي
تستعد
كأني الطعام الذي تبتغيهِ
كأني أري جوعها يتساقط
ينشب فيَّ مخالبَه
فأصير الحطام وبعضَ النفايات والأتربةْ
أصير كأنْ لم يعد لي شَبهْ
وحدها الكلمات القديمة سوف أقلٌِبها
وحده اليأس سوف أغوص به
سوف أطفو علي سطحِه
وكأنْ سوف تؤكل أوردتي
سوف يذبل جفناي
تفنيَ خلاياي
تسقط أجنحتي
سوف لا يتبقَّي معي
غير عينينِ مسكونتين
تكفَّانِ
لا تريان الطيورَ التي تفد الآن سوداءَ
سوداء
تكتفيانِ بأنْ تريا ليليانْ
تكتفيانِ بأنْ أتخَّيلَ حبلَ الخلاصِ
يلف علي معصمَّي
ويمتد يمتّد يخرج من قدميَّ
فأصبح مثل خفيرِ النهارِِ الذي علقوه علي خشبَةْ
ثمَّ باعوا له في الظلامِ أكاليلَ عشبي
ستصبح حين يدسٌونها
فوق مايتساقط من شعرهِ الصولجانْ
إنه المجد للصاعدين الأعالي
وللعائدين من السوق
دون ممالك
للذاهبين بغير سروجي مذهٌَبَة
وبغير حصانْ