عباس بيضون
(لبنان)

أيتام الجنة

عباس بيضونالحروب المتروكة لا تترك كتبا والأثر الوحيد يتركه من يحاولون إزالتها. يفعلون ذلك بوسيلة أسوأ، وسيكون منظرها وهي ممحوة أكثر بشاعة. سيتكون من ذلك ما يشبه الوصمة، زيت وسخ بدل الدم وأحيانا ممزوج به. الذكريات المكروهة ستكمل تحولها الى قمامة. قبل ذلك سنظل نتعرف فيها على رائحتنا الخاصة. ينبغي وقت طويل قبل ان تموت المذلات تماما أو يختفي الجرح الذي يخلفه الاغتصاب. بالطبع تساعدنا قدم مبتورة على ان نتذكر ان شيئا مشابها حدث في نفوسنا. سنفكر أننا نعيش أيضا برغبة مبتورة. لن نتكلم عن القلوب فهذه الألفاظ ما عادت تناسب حالنا وسنفهم ان أمورا اقل سوءا دفنت بوقار في كتب مجلدة. وسنفكر أننا نستقبل مع المذلات أحاسيس كبيرة رائعة وربما حواسا بحالها.

نفعل ذلك بالطبع لنغدو زوارا مقبولين للبارات التي نقضي فيها ليالينا على الشاطئ. لن ننتصر على شيء. لكننا نزيح اللوحة الى الوراء واثقين أننا قتلنا مع ذلك بعضا من ذكائنا وجمالنا.

الصيف سيكون عامرا بالتأكيد وليس مثل أي صيف. هذا الذي غدت فيه الصور صغيرة ومعروضة فقط في الأيدي. ألهتنا الصغيرة ومومياءاتنا باتت في الجيوب وحدها. صعدت الى السماء الملصقات الهائلة التي تظهر فيها جباه عريضة ومتحجرة. الأرجح ان ملائكتنا وشهداءنا يغردون الآن في غيمة الزيت الكبيرة الملونة التي لا تنصرف عن المدينة. الأغصان الصغيرة التي نتهاداها في أعياد الموتى إشارة لطيفة الى غيابهم العزيز، لكنها لطيفة وناعمة بحيث يمكن ان تنقل أسوأ النوايا. يمكننا ان نتحدث هكذا عن المصابيح الخطرة والرسائل التي لم تتأكد من المخطوفين. عن مواكب الحفاة الطويلة الى الصوامع والأودية المقدسة. يمكننا ان نحلم مجددا بتلك الليلة الدامية لعصافير الله وبالاحتفالات الكبيرة وتسليم الموتى على وسائد عالية. بالفتيان الذين يسيرون بالأبواق والزنابق التي هي شارات الأيتام اللطاف المعدين للجنة. الحياة مستمرة ولا تزال تنتج كميات كافية من الأوزون النافع والسم الذي يتفوق عليها.

أصنام عادية

لم ينتظر ان يصعد المنشار الآلي الى آخر غصن في الشجرة العظيمة لكنه لعب بالأغصان كالمقص وفي مدى وقت قصير كانت الأشجار محلوقة تماما وظهر وجهها، الذي كان وجه الحكمة، كاملا. هوت الفروع الهائلة بلا أي ثقل. فيما كان وجه الشجرة الذي لا يشبه الشجرة ولا أي شيء آخر يفاجئنا نحن الذين لم نعتقد في يوم انه موجود أو ان في داخل الشجرة سوى أغصانها.

كانت وجوها عظيمة بالتأكيد لكنها ليست سوى تكشيرات شاسعة، محطمة ومتناثرة في كل مكان. وجوها بلا هيئات وحين نراها نشعر ان شيئا أعظم يعلن عن نفسه بهذه الطريقة.

لا ننجح في ان نلتقي بعيونها ويخيل إلينا ان ما نلمحه تقريبا هو أطباقه فمها، ولا نقول أي جوع تسببه للنفس هذه المحاولة المتجددة لاستنطاق رمز خشبي.

الزوار تآلفوا بسرعة مع هذه الأصنام العادية، والعصافير اعتادت بسهولة ان تقف على الخشب العاري. العشاق واللصوص والقوادون والأمهات دخلوا بلا أي فرق مع الحامل الحسون على كتفه وذي العين الزجاجية والرفاء والمعتوه.

ليست مدينة السلام هنا فالفقر والبطالة والرغبة آلهة أيضا ويمكن ان تكون هذه هي الحياة الخشبية المحطمة في العلاء.

لا نحتاج الى دليل بالطبع. حياتنا تعود إلينا دائما ككلب أعرج. إنها حلقات متواصلة. من لا يعرف الحديقة لا يعرف المدينة. من لا يعرف الكلب لا يعرف الأرنب. لكن من رمى المفتاح.

حلقات متواصلة، السؤال الصغير يؤدي للسؤال الكبير. الطعم يؤدي للسمكة، السمكة الكبيرة للسمكة الكبيرة الصغيرة لكن من رمى المفتاح.
الفردوس كلمة غريبة من البداية. فن الحدائق جاءنا من كلمة أعجمية وجدناها بذرة على الطريق وكان يمكن إنشاء الشوارع والجسور على منهاج مخطوط أعجمي. المدينة المحلوقة أيضا تخرج آلهتها، الجبين الخشبي للخط، الجبين الخشبي لرأس السنة، الجبين الخشبي.. ولكن أيضا المهبل المنور واللسان الذي يسحب من أسفل سمكته الكبيرة والهبوط الى بطن المدينة (الدن تاون) والسهر، وسط الرموز المستوردة، في التجديف ومعاشرة فكرة لا تنام خوفا منها.

ما من مسدسات إذا قلناها بلغة أجنبية. ستكون آمنا أكثر إذا نقلت خيانتك إليها. لن يهددك ثأر ولا حرب أهلية. إذا لم تعرف بأي لسان تحلم الأشجار أو تفكر فستبقى مبجلة مرهوبة في هذه المدينة التي تقتل الغرباء أو تُملّكهم عليها وستقع البذور، مع ذلك، في منتصف قدرنا، منتصف حياتنا، ستقع في الفرق الذي هو خط وجودنا، في ألمنا الخاص، وسيبقى الأمر كذلك إذا كانت الآلهة هي أيضا الوجوه الأجنبية الكالحة التي تطل، بلا سبب، علينا.

الفرق

(س) يرقص على رجلين من خشب يتعجبون من انه يفعل ذلك بلا ساقين، أما هو فيفكر أنها مسألة إحساس، لو كانوا أكثر لطفا لما لاحظوا أي فرق. يسمع وقع قدمه كأنه ضجة شيء آخر إذ لا يقول الخشب سوى حاله. لا يحس بثيابه فعلى جسده ان يصمت تماما أو يتخشب كله ويفكر ان هذا هو الفرق الذي لا يلاحظه أحد.

يتعجبون من انه لا يقع. لا يخطئ في تقليد نفسه ويكاد يكون (س) القديم ذاته ويفكر أنها مسألة إحساس، لو كانوا أكثر لطفا لما لاحظوا أي فرق. لو كانوا أكثر لطفا لما ظنوا انه فن خشبتين وان ما فعله هو تدريب خشبة على ان تقف رجلا. لما اعتبروه خشبة راقصة.
لو كانوا أكثر لطفا لعلموا انه أمات جسده وروحه في هذه الرقصة. ان جرحا ينشف ويتوقف عن الصراخ يتخشب في نهاية الأمر وان من الممكن ان يبيع المرء حظه بخشبتين. ذلك هو الفرق الذي لا يلاحظه أحد.

على سبيل المزاح

لا أدري ماذا نفعل بساقين مقطوعتين، هل نرسلهما الى الله بدون إيضاح. هل تقدران على الصعود وحدهما وهل تتكلمان في حضرته بعد ان عملتا دائما كحيواني جر عجماوين. حشيتا بالصبر الذي لا مفردة له في لغة الآلهة وحملتا الطرق والجبال في ذاكرة دائمة، وكان العالم بالنسبة لهما مجرد تعب تتفرغان منه على حشيه السرير. هل يمنحهما اليود وليالي البراد الموحشة معنى إضافيا، أم ينطقهما الله ويبعثهما حيتين. هل تقفان حقا في صف الملائكة والشهداء، وهل تقتربان من العرش وتتقاطعان تحته في رمز سماوي. هل نقول هذا على سبيل المزاح، ان لم تكن السخرية من الجسد الكسيح الذي لولا خطأه لم نضطر الى الكذب عمدا، والى التغني دون إبطاء بالحياة التي تُعطى كصدقة يومية وتقاوم في الدودة العمياء، ان لم تستمر طويلا وحتى الضجر كادمان أو عقوبة مؤبدة. إن لم تكن السخرية، من الاهانات الكثيرة التي تتراكم على الوجه الإلهي.

الوصمة

هل نضرب هذه الساق المقطوعة مثلا أم نستخرج من رجلين خشبيتين درس النملة المجتهدة. لو كانت نملة كاملة لضربت مثلا أوضح. لو كانت خشبة لأحياها الله في ثانية. لكن الألم هو الفرق الذي لا يلاحظه أحد.
بين الخشب والجلد لا نسمع المنشار الذي يغني. بين الخشب والجلد لا يتوقف المنشار. لا ينزل الجسد عن عمود الظهر. لا ينزل الجسد عن آلة الرقص. لا ينزل ولا يستريح.

نحن في النهاية لا نتكلم عن الشقاء العبودي للقلب ولا آلة الصلب لفقرية. لا نتكلم عن الرماد الذي يتم تعزيله كل لحظة ولا عن الخلايا المختنقة. لا نتكلم عن الزيت المستعمل مرارا لتكوين أفكار يصعب غسلها. إذ يجب إنقاذ أشياء كثيرة من الشوارع وربما أصوات ونزوات مصاحبة لتكوين حياة خاصة.
كان يمكن من ساقين مقطوعتين تكوين رسم شعائري. يمكن تعبئة الجسد الثقيل بالرمل أما أصابع الحليب التي يستحيل تقليمها فمن العبث البحث عنها. سنجدها متقرحة غير مفهومة وسيصعب تكوين لذة جديدة منها.
لقد تم قتل الأشجار هذه المرة لبناء المزيد من الطوابق. كانت هذه هي التضحية الوحيدة المتوفرة. تحطم كل شيء آخر في عاصفة من السخرية وسيحمل الى الأبد صور الكاريكاتورات التي هاجمته والتي هربت في عاصفة أخرى من الكحول. كان ذلك اختبارا لانفجار ميليغرام واحد من الكراهية. في حفل تنكري، يسعى الكل، حتى الهذيان، الى الوصمة ذاتها. ليس فقط اللحى غير البالغة ولكن أيضا الابتسامات البلهاء المفتوحة بأيد غير مدربة. انه أيضا حفل تدنيس، شيطنة غير موهوبة وتهريج انفجاري وسخف ذو قوة رعدية. الدم المعاد تكريره، المعاد تخزينه، لا توجد لغة بعد لتعزيله لا من الأوكسجين المحترق فحسب ولكن أيضا من التهكم الذي ضرب حدته وهو يغلي في المحركات.

العالم هكذا الآن. رمز من قدمين مقطوعتين. هناك القوة التي تنقلب سخرية وفكرة ان التاريخ يتحرر وينخرط كله في ضحك مرير أو رقص على رجلين خشبيتين. لا شك ان هذه استعارة قاسية. القسوة يمكن أيضا ان تنقلب ضحكا على قفاها. لكن الغريب هو ما يستطيع ان يفعله فأر أبيض، كلمة (استشهاد) مثلا في كل هذه الفوضى. لا نستطيع ان ننقذ شيئا من الواقع بإرسال قارض صغير. مع ذلك قد نفعل شيئا بفكرة مستوحاة من تصلب الشرايين وبإرسال أرنب أعمى قد يشبه كلمة (تكفير). لن يكون أحد موجودا ليسمع، ما دمنا تركنا الله يتكلم وحده في الراديو، أو ربحنا عليه في عملية انتحارية.

الملائكة

هل يمكن لساقين مقطوعتين ان تصعدا مع كثير من النقرس والتقرحات. لن يقتلهما ذلك وستعودان صالحتين لكن هذه، للأسف، المنحة الوحيدة التي يستحقانها. لو كانت لهما روح لبعثهما الله طيرين وجعل لهما أجنحة. ستسيران فحسب وستكون هذه الخدمة للاأحد لكنهما ستكونان في ذاتهما جنديين وعبدين وليس شيئا سوى خدمتهما، ستظنان ان قدما عليا في انتظارهما وأنهما ستجدان الملائكة مصطفة كالأقدام السليمة تحت العرش. ستصليان لأله الأرجل الصحيحة بالإيمان الذي ينقل جبلا بحاله ولا يساعدهما على ان يتقدما خطوة. مع ذلك يستمران في الاعتقاد بأن سائقهما الذي لا يرحم هو الله نفسه.

تشبها بالعصافير

ولدتا لتمشيا وستفعلان ذلك أيضا. مع ان هذا العصر انتهى في السماء حيث غلبوا الموت وغلبوا الله نفسه بالطاعة، لكن هذه قضية قديمة. لقد اعتق الله الجميع من كل تكليف وسيصعب عليه ان يجد بعد خادما، ربما لن يجد أيضا وقتا للراحة من ضجة الانقياء قلوبهم الشهداء الذين يتشبهون بالعصافير.

يستمر الإيمان على الأرض في نقل الجبال وتفجيرها لكن هنا يتحدثون عما بعد الله. ذلك طبعا ليس حديث ساقين مقطوعتين تنتظران ان تستقرا الى الأبد في إسطبل الأب. وإذا أمكن ان تفكرا بمعجزة فستحلمان بأن يبعثهما القادر الجبار عجلتين في السماء.

عمل فرنكشتين

أعداد كبيرة من عصافير الله طارت ولم تعد، أعداد سقطت على الأرض كبطات خشبية تحطمت ولن تنهض ثانية. ستغدو أثقل بعد ان حمل كلا منها في جسده قطعة من الحداد أو قطعة من النجار. سيكون لذلك إله أعرج قُذف لهذه المهنة وستخرج من عنده بشرية بصناديق وعجلات، هذا تجديف بالطبع لكنه الخلق القليل الإتقان لكاريكاتورات لم تكمل بعد سيطرتها. ربما هو زواج بين الناس والآلات ولن يكون سعيدا.
الله لن يكون هنا ليجيب. معتوهون مبجلون ومخلوقات بدواليب وملائكة كسيحة ومعلمون سيئون ينتشرون على السطح وبين الواحد والآخر فرق ثانية، فرق ألم غير مرئي.

لن يكون الله هنا ليجيب وسينتظرون طويلا مع المدمنين والمنتحرين والمسرطنين، فرق ثانية بينهم وبين الحياة، فرق ثانية بينهم وبين الله سيخفيهم ولن يُشاهدوا بعد. سيستمر عمل فرنكشتين السري في العالم الموازي وسنسمع دائما ولولة من المقابر، ولن نجازف رغم أننا نشاهد في كل مكان الأبواب المعلنة للنسيان، وبينما يستمر عمال سوكلين في محو العلامات، سنتساءل مجددا كيف اختفوا فجأة.

عارض ميتافيزيقي

لن يكون هناك أحد ليسمع، الجريمة ستجد حلا. ستتخلص من عارضها الميتافيزيقي. ليعود هناك صراع مع الله على الجثة. سيكون ذلك هينا كالدعابة ولن يترك وصمة. سيكون تعجيزيا ان نجد معنى لنصف الجسد لكن ذلك سيبقى مطروحا كأحجية. على سبيل اللعب قد نصنع رمزا دنيويا من ساقين مقطوعتين. على سبيل التجديف قد نصنع رمزا ماجنا. لكن الله لن يجيب، إذ تتعطل القدرة فجأة كما تتعطل أجهزة الإنذار في هذه الناحية المحلوقة التي يتكلم فيها البؤس أحيانا كجندي وأحيانا كإله.

ثم ان الشهداء لن يكونوا أقل سخرية، لقد تحقق كل ذلك بتفجير ذرة من الإيمان ولم يتكلفوا أكثر لاحتلال السما، شفوا سريعا من الطاعة ولن يفعلوا شيئا لإنقاذ الله نفسه.

(الحياة في مكان آخر)

المفؤودون على كورنيش المنارة لا يتلفتون كثيرا، يمرون مسرعين في معاطفهم المزررة بالكامل ولا يتوقفون لأحد. إنها إشارة الى ذلك الجرح الذي اختفى من صدورهم والى ان الجسد الذي ابتلعه ليس آمنا. لا يخافون مع ذلك ان يكون انفقد من حياتهم إذ لا يزال سرا في وسطها وهذا قد يكون المعنى الضئيل لدوريتهم الليلية.

المفؤودون الذين يتمشون على الكورنيش ذهابا وإيابا لا يتلفتون كثيرا. يريدون ان يرى الناس كم أقدامهم قوية إذ وهم يرفعون أحذيتهم الرياضية يغلبون في كل خطوة قلوبهم الخائنة ويدوسون عليها. إنهم يمشون ذهابا وإيابا ذلك الجرح الذي هو علامة انتصارهم، يمشون حياتهم ويغلبونها ذهابا وإيابا. يطيلون شيخوختهم وأمراضهم مرتين، دارين ان الحياة (في مكان آخر). قد تكون ثملة وعاجزة، قد تكون كوز الذرة المشوي أو النخلة العجوز. يمشون ذهابا وإيابا والحجر الذي يكبر في الساق يسقط من الساق والقدر الذي يركلونه يتحقق في يوم آخر.

تعب

أفعل كل شيء بقدمي، وكل شيء ينضاف الى عظم ركبتي يتحول صلابة وثقلا، وبعد قليل يسكن العالم كله تعبا رائعا في عضلة ساقي.
المدينة نفسها اسمعها تذاع في مكان آخر، وأقول ان ما يحصل لن يكون حقيقيا قبل الصباح التالي. من الأفضل ان أتقدم وأنا أفكر بأن ذلك سيبقى يغني في صدري ولا داعي لأن أتفقد الجرح الذي تحجر فيه، سيبقى بعد موت الألم نوعا من مومياء خاصة. لا يهم ما دمت أحرك مزيدا من الوقت بقدمي، اقتلع في كل خطوة ثانية أخرى، ويمتلئ ساقي بالعناوين والساعات المحطمة.

شجرة تشبه حطابا

شجرة صلعاء ينبت فوق جمجمتها شعر خشن شبه بشري، لا نأمل ان تمد أغصانا. لقد تملكها ذلك الشكل الآدمي وهي الآن تكاد تشبه حطابا، وبهذا الوجه الذي يسخر من نفسه في الفزاعات يمكن ان نوجهها الآن لطرد الطيور.

سيكون صعبا عليها بعد ان ترقص في الريح، ان ترفع أذيالها وتدور صاخبة. إنها تقريبا عرجاء وبشكل طبيعي كما ينبغي لشجرة تشبه حطابا، ويجب ان تتحمل قدرا من الألم لتبقي واقفة.

ستُنبت رؤوسا بدل الأيدي وستبقى مكشرة تحت واجب غير معروف. ستمد جذورها الى الأعلى وستكون طفيلية هناك، لكنها ستتعلم ما هو الصداع هذه المرة وتتدرب على العيش ضد نفسها وبالمقلوب، ضد نفسها وضد الريح.

ستخترقها العاصفة في صميمها وستتكلم طوال الوقت في قمتها لتمنعها من ان تنام. ستكون خشبا للصاعقة وتفهم ان هذه من الآن طبيعتها الثانية.
لن نتخيل بالطبع النهايات البالية التي تنتظر شجرة صلعاء، لكن التوازن سيكون بعد الآن صعبا وكل حركة في هذا العالم ستكون إرغاما وتقتضي ألما مقابلا. إنها الآن شيطان بالنسبة لشجرة. لن تكون لها جارة سوى حفرة مهجورة لكنها، كتعويض، ستتعلم كيف تلعب مع نفسها. يمكنها الآن ان تكره أو تخاف بدون مساعدة من أحد. يكفيها ان تتأمل سحنة الحطاب التي لها وقامتها العرجاء. لقد دخلت بالخطأ، وخلافا للطبيعة، في الوضع الإنساني.

أقرأ أيضاً: