حسين حبش

(سوريا/ ألمانيا)

Hussain

"أنَّى تكن الدروب معبّدة، أضلُّ طريقي"

طاغور

يزمُّ شفتيه الضالتين في جهالة الكلام.. وينزل إلى الثنايا المختبئة للأودية الكتومة، محركاً غفوة الماء الصامت في القيعان العميقة، فتتبلل أنوف النباتات بالإنبثاق والمقدرة المصاحبة لحماسها

الذي لا يقاس إلا بالكمال والجمال وألق رعشتيهما.

 

***

يطفق الندى من يديه مبتهجاً، ضاحكاً.. ومترنماً كثقوب نايٍّ مرميٍّ في رحابة الريح وفكاهته الطائشة.

يُرَقِّصُ الموسيقى على هوى دغدغاته وأحلامه العارمة.. ويتقدم متهيئاً للمجامر المربكة، مآله الخطورة والوعورة والمنحدرات والجروف الشاهقة.

ينتفض كاللهب مانحاً الشساعة المتوهجة إلى كل الجهات والمضارب.. القريبة والقصية معاً.

***

فاره المواجد لا يمنع أحداً من المرور إلى الضفة الأخرى من الينابيع..

لا يفرض جزية على أرياش العصافير.. ولا يطارد أثر الخطوات المختالة في نكرانها وقرائنها المستبدة..

فاره الورد يهدي شروداً لروح الجبل ويشق عصا الخوف والكتمان عن نهم السفر والرحيل إلى التيه والأعماق.

***

يؤكد فسخ القسوة.. ويأتلف مع العزلة المباركة من كيد الخيال وسحره الأنيق...

يتراءى له ظل التميمة ويتظاهر بالأرجاء الفتَّاكة، منادياً بأعلى صدره على إشارات القنص،

أي:

تقربي من شجى الملاعبات وابتكري الفضائل القصوى.

***

يصطدم مع الرتاجات الثقيلة ويهوي في محور اليقظة الدائمة..

اليقظة التي لا تخفي استدراج التململ إلى عصيانه الراعف والمورق بالحيل الماكرة.

يتصادق مع العبث.. ويبقى صديقاً للوعورة التي تأنس لها براعم الهوى والجنون.

***

يمتد كالزرقة، لا يطاله وقار السفن.. ولا يرضى لجسده العياء والإسترخاء.

يدعو الجيشان إلى مرقده.. وينهال بضلاله على كرسي الاحتمالات، ذاخراً بالشقاء والزمهرير

وفتنة القلق الأبدية.

***

يخالط الحرائق الباهرة.. ويرسل مقلتيه إلى الأخطار، تلك الأخطار التي لا ترد أبداً، تاركاً مآل خفته في ضيافة الإفراط، ملفقاً للذئب تهمة الفتك، نازعاً من نابه شرف الافتراس.. ومروِّضاً ضرره المهلك والمستديم.

***

شاهق الحواس يمخر عباب الشهوة، ملتحفاً صورة الولع الأثيرة، مصطفاً اصطفافات غريبة على نورج المتاهة، سابراً معنى المسِّ، مبعداً ما بين فخذي الخفر

قائلاً للأفعال:

تمرغي في نيران العشب حرفاً إثر حرف وتموضعي على سرَّة النَّص.

***

يمنح المعنى جسارات.. ويكاتب همَّة الغيم، مطوِّحاً بالشقوق إلى الأسفل ومستوقفاً إندفاقة النَّهب على أملاك البرهة الدافئة.. فتشرق من رئتيه نوبات العطر الغزيرة، ثم تتناهى إلى قلبه سيرة الخفيِّ الأبهر.. فيروي الرقى وانشطار الملكوت بين ملامح الرسل والإلهام.

***

يعلي الحلفان لسيماء الوجد وسمو جمرة الصمت، عائماً بين النجوم المتوهجة والمتوجة في الملكوت الفسيح واللامتناهي.

يبيح دم كوكبه للشفة العليا من السماء.. ويتباهى بالوهج القرمزي الذي يشع من هدييِّ السديم،

مقطراً من عطب الدلالات الرزينة فاكهة المغايرة والمفارقات الجامحة.

***

يرتدي ألف مقترحٍ من الضوء.. ويقرِّب الغوايات من وراق الكشف، منتشياً، نشواناً يشي أمام الملء بصداقته الراعفة لشعلة الشمس.

غريب الأحوال يشبُّ عن الألم.. و يشعل غرائز الأمداء الرهيفة، ميالاً لصنعة العناد والتفرد.

***

يقيس نبض العصيان في هيكل اليقظة.. ولا يدع الأمواج المتلاطمة تهدأ في باب الوهن والجمود.

يرتكب الحقول ويمشي على قوس الخلجات التي تعتمل في نفوس النحل، مهرقاً من وميضها العسل

ومن طنينها رحيق المبادرات العطوفة في قلب الأزهار.

***

يأنس لأتون الودِّ.. وينثر لمعان الصحوِّ على خمائل الوجنات الغائبة في غفلة من عيون الصباحات،

موثقاً عرائش الرعد بأسارير المطر وأحلام الزرقة، مُوْدِعَاً مرساته في شرر الأقيانوس والمحيطات.

***

يميل إلى جلال الإشارات، منتشياً بالجاذبية.. ومولعاً بطيش الحب ومهاويه الشاردة.

يسارر خدر المنامات النحيلة على مرأى الوسائد ونقوش الستائر.. ويوقد حسرات الليل على أطراف أصابعه المضيئة

موقناً أن:

لا محالة من أي شيء إلا بالإحتفاء.. وإمارات الشغف الذي يبعد شبح الفجاجة وظلال الكآبة عن نعمة الكون.

***

يوسِّع خدود الأوجه البريئة ويبعد الذبائح عن ملامحها تحت طائلة الأنشوطة وغلائل الطرد،

مكوناً نبوءة من الأسماء الحسنى للحرية في جلباب المكان، طارحاً أسئلته المدوية كالطوفان.. ورافعاً زند الفقراء إلى الأعلى.. إلى محكِّ الكشف والمجاهرة، لابطاً بجلمود يديه على غطرسة الحرمان، مفتتاً جثمانه المريض والمشدوخ الرأس.

***

ينذر نفسه لغيِّ الرعشة، هاشَّاً عماء الغبار عن ميوله العظيمة واللانهائية.

يتساوق مع كثافة الفتنة.. ويدلُّ العبث إلى خارج الأنساق المتوطدة، خالقاً قطيعة كبرى مع كل البلدان والأمصار، ممجداً اللعب والهذيان.. بهما يعلي صرخات التمرد.

***

يهفو إلى الأناشيد والترانيم المستنهدة في كل الأمكنة.. ويريق في الأرجاء بخور الغناء، مشيداً في الردهات أفاويق الفرح التي تنثر الروائح الفاغمة على رئة الخشوع في محاريب الاستماع والابتهال، جاعلاً الموسيقى عمود القداسة في البيت.

العمود المنقوش بالهبات،

العمود الهفهاف،

العمود السرمدي.

***

يتنافر ولا يتناغم.

يتشظى ولا يجمع.

لا يهندس شيئاً

ولا يعرف التخوم.

***

يهتبل الركود وينبجس من جذوة العناد، منتضياً سيماء البساتين من أطرافها ومواجعها البوار،

حارثاً دماثتها ببوادر النطاف والبذار، مهللاً لنطقها الفاغم والرهيف.

يهيم في البراري.. ويتماوج فوق حصان الومضة، عاقداً مواثيق الرفرفة مع زغب صغار العصافير، متماهياً مع مفردات النباتات والأشجار.

***

لا يترجل مكسوراً في القفار ولا يتهاوى في النعمة، متيناً لا يرتهك من التعب.. ولا يتقوس إلا أمام زهور الشفق، مصقولاً بعناية الفراشات.. وموصولاً بخيط الغليان مع تلك النهايات المفقودة.

***

خصباً،

غَدِقَاً،

شبيهاً

بدوَّار

الحبِّ.

***

يلهب الصدى في معجم القارات ويحرث الجهات المبعثرة في الظلمات، مولعاً بطرح الأسئلة وقلقها الفائض والمستفز، مسقطاً الأرض من صياغات الوصف، بادياً في خفاء الزمن كمنفيٍّ ينسج من حنجرة العالم دوياً حميم.

يكابد الهجران ويطوف في الخضاب، ممسكاً بآجر الغياب، مباغتاً الكرب في ديجور الليالي الممتَّدة في المآزق الطويلة، مستردَّاً من لكنة الأحواض عافية الإوز.

***

يمور بالشذى.. ويفلت هوى العطور إلى الهشاشة، ماحياً حياء الطبيعة.. ومطلقاً جذوة الكرم الشفيفة في مفاصلها، مرفرفاً بالحدائق المخاتلة بالزنابق ومعانيها السارحة في رقة الروائح المجهولة وشهوة الدغدغة.

***

يهرف بالقصائد الكميتة، زاجراً الاستقامة في جسدها القلق والمباغت، مبجلاً تفرع الأقاصي في سلوكها

وأمواج الطيران في أطرافها والنحول المتضوع في تموجاتها الغريبة.

هازجاً:

لا شِعْرُ

بَلْ

إيمانٌ

باللايقينِ.

***

يجيش بالجوهر الثمين، مستجلياً فاكهة الغيهب من الغليان ومن أعماق الأنواء البعيدة.

ينثال من عُرى الهذر الضاحكة، مبدداً فوران الظلمة ومشتتاً هيبتها في أجنحة القطرب الذي يضيء ويختفي كما نور الملائكة في الليالي الدامسة.

***

يهلُّ مرحاً في ذبذبات الغيوم.. وقربها المليئة بأجنة المطر، محذراً نكباء الطقس من أي برهان،

مهدِّداً بالهطول الجمِّ والمتدفق، شافياً غليل الوجد في أعالي السماء،

ظافراً

أو

والجاً لا محالة.

***

يمدُّ حدقتيه إلى الأمواج المتلاطمة في أعالي الألم.. وينسج من الزبد قميصاً لصدور الحافات العارية،

مترنماً بالأناشيد المندلعة من الآكام المنسية، واهباً حصى الوهم من يديه الهائلتين بالحمام، معتلاً بسكرة النغم والغناء، طارحاً على الأرض أسئلة المزامير.. لكي لا يتبلد كيانها على أرائك الخمول والمراكب التي تقودها رويداً.. رويداً إلى الجحيم.

***

صامتاً،

عميقاً

وكثير

الرحابة.

***

يتخذ من الشوق صديقاً لمنكبيه، واضعاً على جبهته دهشة الطفولة والبراءة، مثبتاً عزائمه على جوهر النجوم ولمعانها العميق.

يهتم بالصدف والجنح الصغيرة التي ترتكبها زهور الأحلام

قائلاً:

أيها الليلك المعطر طابت أهواؤك، أهواء الصدور الرامقة إلى العُلى على عزلة وإنفراد.

***

يواظب على الترقب والحذر.. ويجد ضالته الكريمة في الصبابة ورائحة الزنجبيل،

ماحياً العتاب عن جبين التوق المسكوب في الأرواح الهائمة في الضياع

مردداً:

النفس أمارة باللذة لا تحرموها من الرهافة، لا تحرقوها في ضآلة الروؤس العجراء

ولا تقسروها على ما ليس لها.

***

يفكُّ سيور الغيمة، ملاطفاً شكوك المطر المنثورة في أطوار السماء المتقلبة بين كل الأمزجة.

يزيح المزاليج عن شآبيبه ويصفق للانهمار الحرون على عواطف الأدغال والغابات.

***

يروم الوصال مع مروؤة العدم.. ويصطلي بالهباء الأعظم، ممتطياً الخيول المطهمة للمستحيل،

مجدِّفاً بالطبع والتطبع وآلهة السقم.

شريراً لا ينقاد إلى الخطورة والمرابض التي ترفل في نعيم السكون والقبول والتوبة المقرورة.

يجلُّ بهاء المعضلة وثناءها المحرق غائراً في أحشاء النسيان، شغوفاً بالتغلغ والغياب.

***

حيث يجتمع الجميع،

يغيب

وحين يغيب

يمتلأ.

***

يقف في مرمى الشبهات.. ويلوِّح للهذيان وحضوراته المتسعة للبهتان والنصاعة، مباغتاً الخفة..

ينبوعاً من الهدهدات الثمينة والعصارات المترنحة.

يعبق بالنبيذ طوال الألم ويسبر كيان الليل.. حياً دائماً.. عاشقاً دائماً وواهباً ذاته القلقة للعدم دائماً.. دائماً،

مبدداً صرير القهر على حجر الذات.

***

يدلف كداهية فوهات المهاوي والكهوف المفترسة.. ولا يحفل بالوَمَدِ في سكون الغبش ورهجه المعمي،

كاشفاً الغطاء عن سجوف الظلام الأصم، الأبكم والأصلم...

غير متنحنح،

غير سادم،

غير متلعثم،

غير مبترد،

لا غير.

***

يميل إلى الانتزاع والاضطرام في قلب الأريز الشديد والوغير المحرق، محيياً آماق الأنهار المحمحمة،

سموقاً كرأس رمح، مدبباً كقبة جرح، فاغماً كالجلنار، مستبسلاً كليث يشدُّ كفَّه على كفِّ الشَذَاة والمغامرة.

***

ينحني للريبة، متعالياً على بلوى القداسة.. ونظراتها المقيدة للرفرفة السامية، مباركاً التنافر الأعظم في سلوك البروق، سائراً إلى أغوارها ومسالكها المتشعبة، مزوِّداً الشهب والنيازك بالطاقة المجنونة، تاركاً ركائب العالم خلفه، متخندقاً في ضمير القصيدة.. دفاعه الوحيد.

واهباً كيانه،

هواجسه،

قلبه،

أفكاره،

كلها

لغفرانها

ااا

اا

ا،

متهيأً لعبقريتها وشرورها الفاتنة.

***

يبعثر مذاهب العتمة وأورامها المتقيحة.. ويستلُّ شرارة الصاعقة من أغوار الكون، متدفقاً بهبات العقاقير والأدوية الناجعة، محاولاً إيصال المتع إلى الاسراف، متخذاً الاستثناء رمشاً للجفون ورفَّةً لها.

يحتفي بالغامض ويحرض ملائكة المجهول على حذو درب الحذاقة والانتشاء في الأعماق المثيرة لمصائر الطروحات العصيَّة، مصفقاً للمشاعر ولغة الغرائز المختلجة في أعماق الإنسان.

***

يقترب من السموات وينادي الله:

إلهي لا تبذِّر حنانك على الطغاة، لا تكن رؤوفاً معهم ولا تجعلهم يعيثون في الأرض ذباباً.

إلهي لا تجعلهم يستبدون ويتسعون كالجريمة.

إلهي ألجمهم،

ألجم طغيانهم.

إلهي، إلهي،

إلهي

ي

ي

ي

ي..

لا تدع دعاءنا يذهب أدراج الريح.

***

يجيء كالروافد متبختراً، مختالاً...

يتغرغر بالأعشاب ويبدِّد روحه في الأخاديد.

.........

.........

كليّ

الظهور

والتحديق..

يمزِّق الثياب عن جسد التراب.. ويكشف ظهر الضفاف، متوارياً في نصال الماء، تاركاً على وركيه صورة القافلة.

***

يجيء كالحقائق.. ويخلف وراءه مقعد الحزن ناصعاً تتفرج عليه معاطف الطيور المتعبدة في القمة.

يمكث في مجداف القلق.. ويصعق البلل من ذراته وركوده الشفيف.

يطلق المراكب الشاغرة إلى النهر، بعد هنيهة يبحِّرها ويتركها تتمرغ بالأعماق.

***

يتهادى في الأبلسة وشرور الشر، مرتداً عن النبوؤة والإيمان والحذلقة المنزلقة من لحى الأئمة ورسل الخيبات.

***

ينسف الجدران من الصور ويرتطم بحماقة الألوان لوناً إثر لون، معوِّضاً اندلاقها بخلسة مبينة في دمه وخبراته الأكيدة، راسماً درب الخطوط على عروة الحصى وقلقها الأملس...

يتماهى مع المحال.. ويستفز المكان بعبارات غامضة بعد أن يفك طلاسم وضوحه تحت أشعة الشمس المقبلة من جهات الصهيل، مكوناً ثلاث هبات من جمرات النار الملثمة بالرماد وميراثه الطائر في الريح كهبة ذكية للفراغ والغياب.

***

يوقد الحجران الراقدان أمام باب البيت.. ويوقرهما بالمعالجات الشفافة، ثم يثبتهما كأسدين ملبدين بالزئير والحدة الفجائية.. كلاً على طرفي النافذة كتحدٍّ وارف للخراب المعتصم في الضباب والاصفرار.

***

يدوخ من الأسماء المنمقة والمحنطة في واجهات التاريخ.. ويخمش افتراءاتها الشحيحة.

يرفع سياج شفتيه

وينادي:

لا ممكنات تصعد القمم

لا يقين يذلل عسس الأضرحة

لا هيمنات ترجرج شفاعة الغضب

لا شموخ للفهاهة

لا موازين للتيه المبارك.

***

يروِّض الأفاويح:

فوح القِدَم المهشم على صخرة الأزل، فوح الحبق العابق بالصمت، فوح الغضب المتطير شرراً،

فوح الجوري المتأنق بالأحمر الغامق والطاعن في الدَّم، فوح الموجودات المنفية في ظلالها،

فوح المصكوكات الممهورة بالرصانة، فوح زهر الرمان المنفرج كعانات الخيال،

فوح الأبدية المنزلقة عن مصادفات الخلود، فوح الشهوات الرقيقة.. مستجلياً من روائحها نصيب الديكة في توترها المزدوج.

أمير العانة وعضلة الخيال الميالة إلى التشظي والانبهار.

***

ينشد هبوب نِعَم الخطايا.. ويدحرج المغاليق عن ذهب الخيال فتنضح الرهبة فائحة في مراميه وضجره.

يصرف شؤون اللعثمات في غرة الترجمة، ترجمة أسى المعاني الهاربة من إهانة النظم وصرير الثغرات الهشيمة والمشقوقة والمقصومة... إلخ

***

ينقل مدخرات التلقين في أحوال العبور إلى الطرف الأغر من الحكاية.

ثمة تواريخ مفقودة في الأمر المحتوم لأمم قاتمة تتململ في جوار النعاس والزمن المتراخي الوجنات.

حكاية ترتِّب سور الألم على مغاليق الشموس وتعصف بالتراب ومعاقل الاطمئنان، عبثها عمران جريح وعدمها مستوحى من مقادير الهباء.

***

يجتهد القبر بلا توقف في تفتيت الجسد الناحل في نزهته الأبدية.. وترتفع همهمات الملاكان الشقيان ببطش على ما أقترف الجسد من خطايا ولوثات تقوض الحظوظ.

حظوظ العفو والخلاص.

خلاصه الفرح الذي فيه.

***

قنص بلا عدٍّ يرشح من أحشاء الفراغ.

تندلع الحكاية من جديد وتنبثق المحاولات.. وتتفتق أشكال الخسارات زاحفة إلى كل المعابر بلا تمويه ولا تحوط.

عارية من رفقة الحذر دائماً.

***

فجاءات تمرن الحكاية، وعيد في السطر الذي يلي الصبر، أفك ومواثيق معصوبة القدر، سحاب مدمى. أربع ألسنة تهيم في المجاز والتورية، نظر مفكوك البصيرة، شرود مسرف، سرمد حالك في قيافة الحقائق المطمورة والمغمورة في النسيان، صلصال مخضب بضراوة اللفظ الرجيم..

ينزل مترجرجاً في كتاب الحواف وغلالها المتوحشة كعصب ملفوظ من دخان الحكاية المقفلة من معصمها وأطواقها المشغولة بمعاقبة سياق السرد والنثر المعافى.

***

عراك للتذكار على الألسنة التي تعبِّر عن عنادها المطلق، وجود يتراقص بغرام مشتهى.. يتقطر من الشفاه المحاطة بالكرز.

غزارة في الارتطام، لذة مباركة، تدفقٌ عارم من الورد إلى الورد.

اشتهاء دائم.

***

يذود عن الرؤى.. ويصدِّق الشفق، صاعداً منصة الأحلام، رافعاً رايات الرهوة على كل المنعطفات والرؤى الغريبة

وينادي:

هيهات للتهدج

والرماد

والذبائح.

.........

.............

***

ظمآن يتأرجح في مواكب الهذيان.. ويصغي لنهنهات الوردة ورهامها في صرخة الغياب.

يسرد الرعشة ويحتال على المآتم، ثم يندس في سرير الهلاك، راعف الاحتمالات..

يولم النشيد.. ويرفع الجنازات على سعير الرهبة والقيامة.

يستهويه المضي قدماً إلى التيه، مستجيراً بضراوة اللهب، جامعاً أصداف الشهقة في أجنحة النوارس وانفعال مناقيرها المتصيدة للأفق والغيوم.

***

ينتدب فراسخه إلى زرقة الأفق.. ويشعل السماء بجدل الفتك المجيد والإعصار الحرون،

معلناً بواكير الإشراق من قلب الغيوم واضطراباتها المريعة، موقظاً المطر من مآخذه ودلالاته..

انهضْ أيها الماجن من نومك وجرِّب هطولك فوق رئات الأرض.

ثم خذ بتلابيب العطش إلى مهب الأنقاض، بعثره فتاتاً، فتاتاً وألحقه إلى العماء.

لعل البراعم تنتهك بشهوتها سيادة الزرقة وتحيل بتلاتها إلى ربيع الغبطة وعذوبتها في رفاه سماويٍّ يشعشع بالألوان.

***

يغمره الأفق.. ويمرر على جسده الناحل سهم المباغتة في غفلةٍ

ليس له منارة يستدل بها، ليس له دربٌ هادئ يسير عليه..

يمور بالبروق على صهوة الجمرات، شريداً يؤجج وردة الحياة.. ويدفع عن نفسه حرير الأسماء،

مرمِّداً المُثُل في موقد الأخطاء، مدركاً ما سيتلوه

الآن:

أي باب يخاف من الريح ليس ببابي،

أي بيت يتنكَّر للشِّعر ليس ببيتي،

أي كتاب يحجب الحبَّ ليس بكتابي،

أي أب "يتأبب" ليس بأبي،

أي إلهٍ يوصي دائماً ليس بإلهي.

ألمانيا 2004