اعداد
خالد درويش

بين يدي القارئ الكريم قصائد لشعراء تختلف مشاربهم وأجيالهم فمنهم الذي لم يكمل عامه الأول ولم يصدر ديوانه الأول ومنهم الذي يمسك الراية ويحلق عاليا.
هذه الباقة نقطة في بحر الأدب الليبي الزاخر إنها قصيدة النثر وليدة التحديث والعصرنة، وإنني حين اخترت هذه المجموعة اعتمدت على ذائقة شخصية في اختيار النصوص وحاولت جاهدا ألا أغفل شاعرا حاولت أن يكون مشهدا متكاملا لشعراء قصيدة النثر في ليبيا فلا دارس ولا باحث للأدب الليبي سيمر دون ان يستوقفه شاعر مثل علي صدقي عبد القادر بانحرافاته الخطيرة التي يمارسها في النصوص الأخيرة وبطفولة تامة الطمأنينة وكذلك سيستوقفه مفتاح العماري كقامة مديدة في ارساء هذه المدينة الشامخة مدينة الشعر، الطويبي، طريبشان، ممن كانت لهم الريادة في تطوير قصيدة النثر خلال الثمانينات من هذا القرن.

أحمد الشريف
افتراضات مهمّش

أفترض أني أحد أعمدة الحكمة السبعة
وليس كما جاء في كتاب لورانس العرب.

أفترض أني
ولدت بملعقة من ذهب
أفترض أن ترعرعت في قصر القيصر
حيث الحسان وكروم العنب.

أفترض أني
أقاضي نيتشه، والخيام والسهروردي، وعفيفي مطر
لاختلاسهم ثيابي فيما كنت أسبح في النهر الكبير.

أفترض أني أتمشى عبر جادة الشانزيليزيه
ماراً على الحي اللاتيني ونهر السين
ممازحاً أحد المهاجرين
يصاحبني الإمبراطور نابليون وأورتيغا كاسيت*، والآنسة سيمون
فيما يثرثر إلى جانبي جان بول سارتر،
يحدثنا عن الانطلاق عراة نحو المطلق بجنون.

أفترض أني ورعوة بن الورد وأبا ذر وبابلو نيرودا، والنواب
نؤسس بمسافات الجمر مدينة محكمة الأبواب.

أفترض أني
أدخن سيجاراً كوبياً، وأسر بكلامي في المجلس لفولتير
فيما يوافقني ثلاثي عدم الانحياز
على أنه ثمة انهيار في السد يعقبه انفجار كبير.

أفترض أني وبيكاسو، وسيلفادور دالي
نجرد ونسرول
حروف الضاد بالصمت المثير.

أفترض أني صاحب كشك بيع نصائح معلبة للرؤساء
أولها عن كيفية أن يتماهى الفارون والعصا مع جلاديهم المبجلين
والمبجلين تماماً في حضرة النساء.

أفترض أني من رجالات السياسة والقضاء
أفترض أني أحب طريقتهم في الانحناء.

آخر الافتراضات
أني أتخلص من كل الافتراضات، عدا:
علبة حليب لطفلتي
وبيت دعائمه ليست من ديون.

* أورتيغا كاسيت: فيلسوف وجودي، دعا إلى التمرد في كتابه "ثورة الجماهير".

أسامة بلقاسم
كانت هنا أمنية وحيدة

الوهم..
ما صار يتبعني
ماشياً على ضفائر أمي
ونظراتي المتسائلة، مع لهفة الحيرة
في مسارات الحركة والسكون، وروعة سطوع التجلي
صار حولي في دوائر
وأنا
من الغبطة أدور.

الأصدقاء..
ما عادوا هنا، لنتقاسم الحكايات
ونستدرج الوقت -كيفما اتفق-
كيما نتعثر على درج الفضيحة.

الباب..
ما عاد يئن، على حواف الأرض
حين تطل فاطمة،
تتهادى على مهل
وفي عينيها، سلة من الحب،
وباقة من الفرح.

الستائر..
ما عادت تحن لوجهي
ونمنمات ألواني آخر الليل
وقريحتي..
حين يهطل الشجر
وصوت الأواني وهي تتكسر في بيت الصغير
الشاهد على إشعاع صمتي
وكسوف عيوني على الوسادة.

النار..
ما عادت تكفي
كي نتقاسمها سويةً
أنا والريح
على كرسينا المعهود
المرصوصة أعمدته في بطن العشب
وقربَ طابور النمل،
الزاحف نحو الأغاني.

النعناع..
ينمو في حدائقي
ويبرق صوتي
..هل ياترى أعود..
مع نسائم الرغبة، عصفوراً
على شجرة لوز
فتتفتح أزهار النشيد
كما تتفتح نرجسة، حول قلب عاشق..؟!.

النساء..
تبسمن في وجه العطّار
ليلة شجى القمر في وجه "جنان"،
وغمز
فتساند الظل على الظل
وابتسمت بحرارةٍ نقطة،
ارتكنت بعد القصيدة.

البكاء..
مدينة للبهجة
أعرف مصابيحها وأزقتها
وشوارعها المظلمة،
ما أكثرها
جلست في مقاهيها
وشربت من عطشها
وكنت، كل مرة أذهب إليها
أدس في جيبي عنوانها،
وأرحل، بعيداً في شوارع أخرى
تفضي إلى شرفة
يقف عليها الهذيان (رجلاً)
في عينيه تلمح حبات الرمل،
وقلبه يقول:
" كانت هنا أمنية وحيدة ".

ام الخير الباروني
لاشيء يزول
كانت تنهار
ما كنت لتمنع
زهر الخوف من الإثمار
ما كنت لتفعل
غيض الماء
قضي ما سطر من أقدار
كانت
معلنة الشهوة
تتخير رجلاً
تصنعه بطلاً
تنحته
تجتثه
يعرض مشهوداً في متحف
مجللاً بالشهرة.

كانت
ملهاة تتألف من فصل واحد
تتناسل فيه
سنون العمر
عدد عصور
وتحت سنابكه
تهتز شوامخ
تندثر معالم
يتنامى قصور
فلا شيء يظل.... ولا شيء يزول
كانت
أحلاماً تتنفس والحلم نهار
الحلم تباشير.... إعمار
ما كان ركوب البحر نجاةً
ولا كان قصد الإبحار
تحت لحاف الضوء 

تحت لحاف الضوء
نتسامر
وبوح الفجر المتخافت
ينسج
من قصص الأحلام
مهداً
احتفاءً
بطفل مرتقب

***

تحت وسادتي
شاطئ
وحلم

***

تحت عراء الليل
تغمرني
دفق اللحظة المتقدة
فيتأمل الصمت
مرتقباً
ستائر الضوء المرتبكة

***

تحت ظل الحزن
اتفيأك غيماً
تمطر
بأعماقي
فتخصب
بكروم.. ونخيل
وخمائل غبطة
فيما الظل
يشخص.. يتشخص
يتخلل بصري
جيلاني طريبشان
مكابدات

ما الذي جئت تفعلهُ،
في بلاد لست تعرف فيها أحدْ؟
لقد آن أن تستريح.
ما الذي جئت تفعله؟
فالدوائر ليست كما تتراءى الدوائر
والشوارع عامرة بالأفاعي
والبنات يداومن في الصبح في الثكنات
والقبائل تتهيأ للرقص
في مهرجان التطام الجديد.

تجلس الساعة في فندقٍ،
يطل على المتوسط
ليس فيه من بهجة النزل غير الضجيج!!

قبل عشرين عاماً
عرفتك الشجيرات في أول التل
طفلاً صغيراً
يطارد سرب الحمام،
ويبني قصوراً من الرمل، أو وطناً
يحلم أن يتقاسم فيه المهمات
وها أنت ذا الآن في جبل ليس فيه من الأطلس
غير الحجارة.
تنتظر الشعر
تخلق طقساً من الوهم
تفتش في ذكريات الليالي الطويلات
هل كنت حقاً أنا ذلك المارد المتدفق بالأمنيات؟
أيها الشعر أسألك الآن:
كيف تخبو الأماني الصغيرات؟
هل ذبلت زهرة القلب؟
أيها الشعر:
أه لو جئتني قبل هذا السكون،
حين كان القميص مشجرْ.

1993

البطل في الساعة الخامسة والعشرين

أراك تموت من الغم
لابسمة في الشفاه ولاضحكة واعدة
مضى عام , عامان , خمس
سنين
وأنت تقيم هنا بيننا
نصبا باهتة
اتنتظر الصاعقة ؟
دنت ساعة الفيل (*)
هذى التلال أمامك
وهذا الصنوبر خلفك
فدونك
واوسمة الزيف خذها
توسّدها... ضعها هلى الصدر
شاهد زور
وشاهد قبرك

سأقسم بالنار والنور و الثور
سأقسم بالصاعقة
وبالريح حين تهز الجبال
وتجتاح جبنك
بغرزيل (**)
بالفرح الراقص في الاعين
العاشقة
بكل تراب بلادي
بليبيا
كتبناها فوق الجبال وفوق
البحار
وفوق اديم الرمال
تمهل
واقرأ تواريخ أيامنا الناصعة
اتخجل منا
ومن أنت
غير انعطاف تواريخنا
الحالكة
ومن كنت
حين عرفناك
كالأرض تعشب وردا ودفلى
وتعشب شوكا
وتعشب عوسج
وكنت كماء النهر
تمد كنوزك لغيرك
وتبتلع الابرياء
وتجرف أرضك
وتقذف بالخصب حينا
عدوك
وترقد في كبرياء
تخشب صوتك
جف الرحيق على شفتيك
و افْرخت سمك
فها هو قبرك
ضريحا بلا كربلاء

( طرابلس خريف 1968)
(*) اشارة الى نوع من الفيلة تشعر بساعة الموت فتتجه الى الغابة منتظرة النهاية
(**) غرزيل: ثور مقدس كان يعبد في ليبيا القديمة

السنوسي حبيب
نانا مليحة*

شك شك شك بم
شك شك شك بم بم
شك شك بم
يغمر الإيقاع الصادح المكان
مبهرجاً بشكشكة الصنوج
حاملاً الراقصين على جنح الحلم
إلى غابة تضج بفاكهتها وعبق تربتها البكر
أشجارها السامقة تظلل الرؤوس النشوى
رغم خضوع المكان لسلطان الشمس
قارعا الطبل
يقودان الرقص بمهارة وانجذاب صوفي
يسكبان النشوى
من عصويهما المعقوفين
يركضان أمام الجمع
ينحنيان في خشوع إلى الأمام
بحنو أمٍ على رضيعها
ويميلان في اتجاه بعضهما
مشكلين قوس قزح، بجسديهما الفارهين
فيفرقع الإيقاع
جالباً مطر النشوى
للأقدام القارعة الأرض
والأيدي المرقصة الأفق
والأطراف المستحمة بعطر الجسد
وتكون نانا مليحة
حالة من العشق تتلبس الجميع
تبرق بذكراها الوجوه
وتلتمع الابتسامات
يحس الرجال بالرجاء
والنسوة بالاطمئنان
والشباب بالفتوة
إذ تتواشج إيقاعات الأقدام
على الرمل
والأذرع متأرجحة في الفضاء
والعصي على بعضها
ناطقة كرك
ناسجة لوحة للبهجة
وذكريات اللوعة والفراق
في موسم الصيد البري
وحصاد الغلال الوفير.

*نانا مليحة.. هذ أحد الرقصات الشعبية بمنطقة الجنوب، والتي منها الشاعر، إذ في هذه الرقصة يلتف الجميع على قارعي طبل وضارب صنج، ونافخ مزمار، المشاركة في الرقص من الجميع بواسطة عصي قصير تضرب سوية

حليمة الصادق

هذا الذي
يوقظ خمائل نائمة بوجنتي
هذا الذي
انحنى.. حين رآني
راكعاً بين يديَّ
هذا الذي
من ينابيع الحلم
من جراحي النازفة
دخل إليَّ
من زنابق علمتني كيف تنتشي
هذا الذي
ينثر هواه.. قادماً مني إليَّ
هذا الذي
يحوطه حنيني
بالوعد يغريني
إذا غاب عني
فإن الهدب تشقيني
هذا الذي.. من بحره.. اغتسل
وأغسل كل فساتيني
هذا الذي
حين الثريا تناديني
يشد كل شراييني
الثوب

حين كان طفلاً
كان الثوب طويلاً جداً
وحين كبر
صار الثوب قصيراً جدا
فقرر أن يهديه للشمس

حنان محفوظ
طيور الرماد

هل أحكي لك قصيدة
تسربت للغتي العنيدة
عندما قررت أن أغادر كل معنى،
كل جنة،
كان لي فيها أمان.
تتسرب طيور الرماد
إلى منافذ فؤادي
والسعادة كما هي
طفلٌ قد فقد صوابه
يعبث بي،
بأشيائي
حد التمادي..

1/12/1999

حواء القمودي
 واقعة

البنت كبرت
أنا
تلميذة عتيدة
ألاحق المقعد وأثبت طفولتي على السبورة
صديقاتي اللواتي
يساقطن كورق التوت
وحين يجيء الربيع
يفتحن الأبواب
علّ زهر ة اللوز
توقع أحدا

 

وحين يمضي الصيف مشيعا بالقبلي
يلتحفن الخريف
ويساقطن كورقة التوت
نحن المنسوجات بالصبر
صنيعة آباء مرهقين
وأمهات ضجرات
في غفلة
كبرت الأشياء
وبلاد واسعة
بفسحات ضيقة
الثاويات بعض النواجد
على الجسد
تميمتنا الأخيرة
وأنا،،،
يلميذة عتيدة
ألحق المقعد وأثبت طفولتي على السبورة

 

سقطنا في غفلة
أن البلاد ستكبر بنا
تنتظر الصقور التي
نربيها على مهل
فتحنا كتب القراءة
تعلمنا الحساب
التدبير المنزلي
استيقظ الحلم
نائيا
وغافلا،، عن الصقور التي نربيها على مهل
وأنا تلميذة عتيدة ألاحق المقعد
أثبت طفولتي على
السبورة

هي وعاداتها

هي
سابحة في لازورد البحر
تلملم الأزرق في قارورة عينيها
تستنطق اللون
لتحكي لحبيبها كل الذي لا يباح.
هي
سابحة في عبق نسمة
تأتلق البحر
تخبيء في مسام الجسد،
كل الذي سيباح.

من عاداتها
أن تقول: صباح الورد للطائر الذي يتحدى هدير الوقت،
ويغرد فارشاً جناحيه مدىً أزرق لشمس يومٍ جميل.
تلحس بلسانها قطرات المطر العالقة بالنرجسة الناصعة البياض.
تتشمم عبق التراب الشبعان
وتصهل بالضحك حين يبتسم البحر.
تضم الصغار إلى قلبها
وتزرع في الليل دمعة،
حين لا ترى دفء الفصول في فراشها.

هي
ضاحكة من كل الذي كان
اتكأت جذع نخلة وبكت
خبأت (سوق الجمعة) في القلب،
توسد البحر ركبتها ونام.

من عاداتها
أن تؤثث يوماً آخر بكوب الحليب والشاي
تستنهض فراش طفولتها،
لتـفوح قهوة الأم العالقة في دخان الطابون
تهسهسها أساور الذهب،
فتتلمس تعاريج الزراقة،
كما لو أن هذا الوقت لها تنشده الأغنيات
ولا تخاف سيفه الذهب.

هي
غارقة في اتباكها
تلملم طرف رغباتها
تسأل الأزرق
لماذا أكون وحدي والكائنات لي؟.

من عاداتها
أن تربك أصدقاءها بوهج الألفة
ثم تنثني متلاشية في غيمة بعيدة
تعد الأنجم السابحة
تحلم أن تصادقها ذات يوم قريب.

12/1999

خالد درويش
سفر غرناطة

كسلالم في بناية شاهقة،
يغرق حي "خوانتا فاكيروس" بنداءات الصباح،
ورقة نعناع طرية تشع نسيمها في بيوتات الحي،
يطلق صباح الخير تحية و سلاما،
يوم تولد المدينة الفرح و يوم تبعث من حزن.
يهتدم السور القديم،
فيوخز القلب بدبوس حاف القدمين،
حتي اذا جاده الغيث تتلمذ علي يد الوندال
ينهل من قدسية الاسم،
ومكانة اللواء (تغلب عليها المياه الجارية و الرخص و السعة )
سعة الصدر و المكان،
قربان للالهة و لاككل القرابين قدمه
رجل في ضربة حظ، 
ولادة.... صباحك سكر.
أكتب اليوم و أنا في غاية الجهد،
وهذا الداء اللعين يتقمص دوري في الحياة،
يفتل شاربيه. يقامر برأسي ساعة تهب ريثا.
وأخرى تفح أعاصير تأكل مقتلي ملحاً و قبحاً.
من أخر حبات المسبحة اللؤلؤية،
يجلس يوسف باشاً يسأل (( الدغيس )) عن متانه الاسطول،
يقرع بصولجانه هيبة المتوسط،
ويجعله بحيرة خالصة له
ينتظم العقد و تتشقق الكلمات
فهل ياأميرتي للزمن ذاكرة ياتري.
تركض الاوتار في امتداد شاغر،
هو ذا الالم رياح سوداء
حائط جثة، لقمة غارقة،
معزوفة خافتة لشبح الموت،
(طيفك طوق النجاة الاخير لمركب روحي ).
عيناك معجزة علها تهب لنجدتي،
من قارورة الوجع هذه
علبة الصيفح التي تطبق علي القلب
وتزحف حثيثا تسد الهواء و مجري النفس.
ولادتي أختنق يصبح الهواء أزرقا،
والمدي سامريا مدويا.. يحرث الافق صفاقته 
ولادتي: أسمك الاعجمي هيكل سليمان،
مدافن تتربص بك لتعب فيك شرهها،  
وانفلاتاتها.
تتربص بكِ علَّها تسرق من ملامحك خطوط البناء والهندسة
صنعة التكوين، وسر الابداع،
تتربص بك كما تتربص بي هذه المدينة الغلواء
فهل من يجيرني من عينيك، ومن غلوائها المحموم،.
اليوم غيروا مواقعنا..
أخذوني الي عنبر أخر
عرفوا اني شاعر يمتهن الحرف فامتهنوني،
أُمتهن بيدٍ أنا من علمها مالم تكن تعلم...
أحضروا لي دواة و قرطاسا
وطلبوا مني ان أتبرأ..
سألتهتم ممن....؟
فأجابوا بطفولة و صدق:
ــ منها
ـــ رددت معهم بطفولة و صدق
ـــ منها...من ؟
نظر في عيني طالع العريفي و امرني بتودة أكتب.
تذكرت( جاءاللحم مع القيد ) فكتبت..
عاالشمس المابتغيب
لما لي ولا احبابي
على مافي حبيب. 

هي أرق من خرائب الحزن
وأوسع من أوردة الفرح،
بلح يانع وجمهور عريض من الرفض واللذة،
قاتلة عيون المها ماثلة كحكم مستأنف
عابرة كسحابة عطر لوزية المفاتن
جائعة التعاريج فارهتها،
 كأنها سبل الهداية المغطاة بألف توبة وشرك
 تفح من محجريها أسئلة الهروب،
غارقة في شراك التوق حلاجية الوقت
مترنمة كشذى
رائعة كتوقيع شفوي
واضحة كقباب الروح الملئ فيضا ووحيا وعشقا طاهرا أبديا
..كانت ترقص لذة وتمؤ شبقا وعراكا مخلبيا،
 يسطع في جنابات الغرفة المخدع
الغرفة السرير
 عالم من الأباريق المتلألئة،
 تسبح في شبه حلم
 وتركب جواد الرغبة المحموم عرقا يلهث وشهوة تتقد..
 (كسنابل تركت بغير حصاد ) يهطل الشعر مدرارا
عميق الصيف غلالة برازيلية مسافرة
 تحضن شواهق المدى وحواف المستحيل
وتتربع على القمة ملكة متوجة
عيناها أبد مزدحم
وسماء ناهدة الفوق
تبحر فيها مراكب الشوق
وعزائم الوجد،
تفك طلاسم الحب في قلب لم يعرف السهد
 في غيابات الملكة الحق راية للوجع الأبيض
تأتي بين رغبة ورغبة
 بين حلم يطوى وآخر يحلق
 تشرع في سموها تصرخ ( ألست وعدتني ياقلب أني )
 فيجيبها القلب بالوجيب
 ينهض لأبتسامتها سامق العنفوان
متألق الجبين يهمس في وجنتيها ( يامن جحدت عيناه دمي )
رق منشور ? ساطع في ليل خرب
حروفه اللثغة السكون
 قنديل في أخر الدرب،
 إضاءة مكثفة تكشف كهوف الروح وعتمة الأفئدة
تستنزل الأيائل من السفوح لتدفنها في
مقابر الوجد بريئة سافرة
 خالدة عاشقة.
أهرع إليها تلك التي والداها الملك والصولجان
وأمها المدينة الزاهرة،
أذكرها مشتاقا لضمة من عبير
تبلى جوانحي والشوق مارد غصوب
 فهل من سفر إليك ياقبلة العواطف
ومهجة الروح
 يا من أرقتها الفواصل فاشتهت المغيب
.. ( أنت أشهى عندما ترحلين ثمة نساء
        يصبحن أجمل في الغياب )
 فهل كان غيابك أنيقا حدّ التبرج،
 يامن كحلت بأهدابها أسوار المدينة
 وأسبلت ظلام شعرها على ضياء أبراجها
تهمس النواقيس لك بالشوق
 وتنحني لقامتك القباب روعة وسموا،
على حواف الزجاج المتشضي يتقلب القلب
 يلهث الفؤاد غاصا بالمعاني
تحت جمرة اللهفة المتوارية في (جسد غض طري لآمرأة في ربيع العمر )
صهيل الرغبة المكتوم ساعة تهجع الحواس
وتشرئب الحرائق مثقلة باللواعج .
يتثنى ( لسان الدين ) عابرا زمن التريث واللوعة المشبوبة
يغرف من معينها الصهباء
ويكرع من حق عاجها جنونا بها
جنوبا خلف ( قاعة السفراء ) مدارات استوائية
 في عرين الدنيا، وعلى جبينها الأسمر
 تاج الخلافة المروانية،
 تشرق الدنيا من خلالها أبهة الدنيا
 زهرة فاتنة ومعلقة لم تعلق.
كان موعدنا مع المطر
 كل مطر.. وأنت بخير كل مطر وأنت حبيبتي
كل مطر وجمالك أروع
يا سحر الممالك.. وذبالة الروح
تفوحين داخلي كأنك أنت
وتشرقبن في سمائي كأني أحبك،
 كلماتي الأولى حين يهب الشتاء ضاحكا من طفولتينا
 مزدحم الشبابيك يصب
في موجة غريبة تشبه الحب.

خديجة الصادق
نوم قلق، وأرصفة مقرورة

ليلٌ استيقظ في فراشي
ارتدي سحنة الفجر، وخرج
إلى الطرقات لاهثاً
بوسادتي المختلسة.

صباحُ الخير..
قلت له
اعتذر الصباح عن المجيء
الليل سيقيم معي
اعتاد دفئي
والنهار
احترق في يدي
يوم أشعلت عود ثقاب
بحثاً عن دفءٍ ووسادة.

أطفئيني..!
لم أره
الليل دامس
والضباب منسدل فوق جبيني
أطفئيني..!
لم أسمعه
ليل يلهث
يستر الأرصفة المكشوفة
ولهياكل البؤس
يعير وسادتي.
بالسكينة تحسست النوم القلق
اعتمر عيني
وذهب يصلي
في ملاجئ موشومة باسمي.
نهار يحترق
ورجل إطفاء ملتهب
يمسح دموعه بدموع الآخرين
أطفئيني..!
احترقت الأبجدية
مثقل عاد الليل
بالأرصفة المقرورة
يبحث عن دفءٍ
ووسادة.
رامز النويصري
قليلاً أيها الصخب

تمهل قليلاً أيها الصخب أريدُ أن أحتفل بدون سماء
أن أعبأ الأرض من نسلي،
أن أطأ الأرض كلها،
وأدُورها
أن أشاغب حواصل الريح،
وأهمس في فم المطر: "كل الجسد لي"
فانزل،
أملأ التخوم،
وأصنع بركةً في الأثر
احمِلْ مذاقَ السّرة لقدمي، وماء العيون لفمي..
أريد أن احتفل..
ساعةً،
أزرع الخصب من حولي
أرقب الطير تأكل في خمسي
أطلق الدواب ترعى إلى البحيرة
نَمرٌ وغزال..
أسدٌ وحمارُ وحش..
وساعةً،
أستبين استدارة الفصول
حفاوة الأمكنة..
وساعةٌ أستعير شكل البروق، هناك أكون
وهنا
يتشكل القسمُ باسمي، وينحلُّ الورد على أصابعي
يغادرُ الطيرُ صدري حيث سكنَ، الفصل
أواخر العصور المطيرة
قبل انقلاب محور الأرض، وميلُ الشمس
وطوفانُ المغارات البكر.
وساعةْ أجلس فيها لحبيبتي، أقول لها:
تزعجني لا مبالاتك
وابتسامتك في الآخرين
الحضور المكثف فيك،
غلبة المكان.
تزعجني لحظتنا المخْتَلسة
شكلنا المرتاب،
لا انفصال الورد في شفتيك
الورق المبعثر من حواليك، دون قصْقصَة
وأخاف من اصطدام رأسك بالحكايات السيّارة
وكويكبات الحظ
وشهب العيون الصفراء
ونيازك الوقت الطويل
أكتب لها:
ليس من المهم أن تتنفس فينا المسام، وأن تنطبق على بعضها، وإن نظل أقرب، وأن تظل الأماكن هي الأماكن، والأصدقاء هم ذاتُهم، والحكاية بذات الأبطال، وطابع الكلاسيكية الممض، وشهوة المدنية العمياء، في رسم خطوط الجسد بكل الألوان، والزخرف.. حيث من العادةِ ألا نلتقي إلا قليلاً، كنذرِ المفاجئات، وشكل البلاد المهذب، إذ يفترض الحال صراخاً أكثر، وازدحاماً بأكثر من جوقة، وأننا سننتظر الشتاء فربما غسلنا المطر سوياً، واتحدنا في بركة، ترسمنا جزيرتها.. لننتظر الشتاء، فوجه البلاد لم يعد يحتفل بالصيف، ولا بالشمس، داخل البيوت، وبيتنا سيكون بذات الشكل، وذات المواصفات، شرفة بدون مؤانسة، وحبل غسيلٍ خجول، وباحثٌ مجدٌ عن ما هو خارج، وزوجان لا ينتهيان إلا في الليل، جسدان لصباحٍ ثقيل إيضاً..
أريد أن أحتفل..
ساعةً، أضيء الشمس بدون خوف،
وللوقت الذي أريد
ربما اخترت الساعة نهار
ربما اخترتها بلا نهار
ربما اقتسمت النهار
ربما اقتسمت اللا نهار
ربما اخترت أن يكون الأمر طبيعياً، فتكون الساعةُ بما جاءت،
وربما اخترت،
فأعاند الساعة التي جاءت
وساعةً،
أبدأ التعلم فيها
سأتعلم لغة البلاد التي شغلني الحديد فيها عن أمر المواصلة والحلم بمكان وامرأة وسماء بلون عينيها، وسهولٍ بلون عيون الصغار الذين سيأتون
سأتعلم فن المؤانسة، فلا تضجر السحب من مناوشتي لها، ولا تفر عن طلبي بأن تتفضل
سأتعلم شكل المغامرة، فأكتب "دون-كيشوت في رحلته الخامسة والعشرين"
سأتعلم نجم السّيارة، فأعقد عَرَافتي ببالونات الأحلام، بيوم غدٍ سعيد، ورقم حظٍ بين الصفر والواحد
سأتعلم شكلك، فلا أخطئك كالعادة،
فأتعلق بأول مارةٍ بالطريق، وأقول لها:
هذه أنت، شكل البلاد في عينيك
فاكهة القرية في وجنتيك
وهذا الرمان الذي تخبئين
أعرف شكل استدارته، وفوحَ انقسامه
أعرف شكل الدبيب في يديك
لتهتاج القصائد تحت الثياب..
سأتعلم أن أسير دون وشوشة، ودون غناء
سأتعلم التخفي، فأكون قريباً وبعيداً
سأتعلم القول، فلا أخسر في أي معركة
سأتعلم الخوف، فأنتصر في كل المفاوضات
سأتعلم العوم، فأظل سابقاً كل المسيرات
أريد أن أحتفل..
ساعةً بدون حلم
ساعة،
بدون ملح وساعة، بدون نساء
وساعة بدون غناء
وساعة،
على حافة البحر أغرف من المساء بقدر حكايتنا،
وكلام الأضواء المتقاطعة
وسيرة نصف القمر
وساعةً،
أتنفس فيها الهواء بلا عطرك،
فقد أتعبني التفكير فيه
وساعةً،
أعود فيها إلى مكاني
حيث علّم البرق، وصنعت الحكاية مهدها
وساعةً،
أبكي فيها بدون نحيب
وساعةً، للنحيب
وساعةً للدموع
وساعةً لها، وساعةً لي
وساعة،
وساعة
وساعة،
وساعة
وساعة، لأناااااااااااام
وساعة،
لأقول اكتفيت...
انتهى الحفل، فغادر

طرابلس: ‏16‏.‏07‏.‏2

زكريا العنقودي
الحفاة

الحفاة الذين نموا بسياط العسف
بقايا السجائر
جلودهم أشرعة القراصنة

الحفاة
جرذان تعدو لحتـفها
رتل حجيج للعالم الآخر المفعم بالهلوسة
الذين أجسادهم قرابين قلق
تتلاشى أرواحهم خيوط دخان من مجمرة الأسئلة
الذين حبيباتهم زاد طريق، وجراب مبارك
يفيض بالحفاة الجدد

الحفاة
قناديل موكب الملك
اللذات تناثرت كي يجمعها الأمير مسبحة
لعبة السماء
برسيم الحمير

الحفاة
بقايا المهزلة
يهيمون على الأرض اليتيمة التي تعدو خلف ذيلها الآبق
عل القمر يعتزل الانفصام
فتنعم بنومة عشق هانئة

الحفاة
يدرسون فقه القتل لتسموا المجزرة
الضالون عن طريق الآلهة
يستهدون بالأضرحة
الراحلون شطر ظل وفيِّ لمكانه
نحو ليل لا يخون النهار
المرتادون للكذب كي يتنفسوا أيامهم بطمأنينة
الحفاة
الراقصون على أقدارهم التي تغلي
الهائمون في حلقة الحلم
يزفون للقبر بأيام بكر
عبدة الانتظار
عل الأرض تمل الدوران
وتنعم بنومة عشق هانئة.

سالم العوكلي

قصائد

1

من يتوق للعب معك
أيها الولد الوالج إلى زمن غامض
تدسُّك الأرملة بين فخذيها , فتهرب
يقودك الشيخ إلى حلقة الذَّكر..
فتنعس فتنعس
يغرسونك على الرصيف
مئذنة للتبغ المهرّب, وتخسر
من يتوق للعب معك؟
وفي مقدورك كل هذا الفشل

2

الممرضة القديمة الممتلئة
تغادرها الاصابعُ إلى جسد الجريح
ممتطية حذاءها الخشبي
تهذي بالشاش
غير مبالية بجرس الهاتف
ولا بالبنادق في الممر
هي الممرضة القديمة الممتلئة
يموت الرجال - كل يوم - بين يديها
ورويداً
رويداً تذبل فرصتها في الزواج
لي حبيبة يستبيحها كسل مثير
تشتمني ,
وتعشق عناقي بساقيها النحيلتين
مررها خوف الليلة في جسدي
أحببت عناقها ,
لكن النمش على كتفيها
طار كالعصافير المذعورة
لا شىء يبقى
حين يضج الرصاص في رئة الغابة

سعاد سالم
خريف خاصٌ بكْ..!!

تباً..
فتياتُ الشعْرِ المشعث
والأحبة السامقون
والمعاطف الخفيفة
طرق اللانهاية
وأحذية المطر
كم أغبطكن..!
أنا..
ابنة الطبيعة الصارخة الحياد
ابنة الصيف اللامنتهي
ويقظة الشمس
مطر السياط
وبرد الكوانين
أرغب لوْ..
يتمهلِ الخريف
لوْ..
أصغي لطرقعة خطونا،
فوق الشوارع المفترشة
نـُذف القلوب وشجن الغيم
لو..
نهشم بأحذيتنا يباس الشعور،
ومدن الرماد
لو.. نضحك بصخب
في المماشي الممهدة للقبل
ورفقة شجر يهدده العرى
أرغب..
لو.. أتأبطك لنخوض الغابات النائمة في العتمة
ولمّا تلفني أصابعكَ،
تهصرُ سري
فأبوح..
أحبك هذا الخريف، بشكلٍ خاص
دعني يا غيمتي أشرح لك
كم يثملني الخريف
كيف يراقصني قلقي
ولا أمل..!
ألا تدري..!
قاطع الخريف الشمس
وقبعته هذا النهار
أسقطت فوقنا رذاذه الفاتر
وزفر بعض بردٍ عبث بشعري
وأيقظك فيّ
أيـْنكَ..؟
ففي أمسيات الخريف
يصعب الوفاء لرجلٍ ليس يتاح.

سعاد يونس

في جعبتي ذاكرة

جالسا
يشطر سنوات عجزه
وحلقة قرص الشمس
بعكازه المغروس بين قدميه
يلعن مناشر القديد الخاوية
وحبال المشانق
يرثي ملك أبيه
الموشوم بالشظايا
والقبور المجوفة
يتذكر...
كيف كانوا
يغسلون وجوه نسائهم بالفحم
كي لا تلغم
كيف كانوا
يحرمون على أبنائهم
ارتداء أحذية العدو
وينقعون القمح في خوذ الجنود
كيف كانوا
يدسون أنفاس لذتهم
بداخل زجاجات الخمر
المنتشرة فيهم
بعدد الشظايا
 وعدد الحجارة
وعدد القبور المجوفة

سميرة البوزيدي
أغنيات مغادرة !!

فقط لملم بعضك منّي
ثم غادرني
وسأتعلم بعدكُ
أن أكون بارعة
في القسوة
.. أعدك بأنني
سأتلاشى بهدوء
في هذا الجحيم المغري
الذي نسميه نسيانا
وفي الخراب الذي نتخذه
سلوى كاذبة
وباتزان مفتعل
يغطى بوشاحه البارد
حريق الروح
سأحاول أن أغسل يديَّ
من كل شئ
وأقلب ظهر هذا القلب
لكل شئ
وأضحك باكية
على كل شئ
وأن أمحو ملامح أمسنا
في وجه أيامي القادمة
والمهرولة نحو حتفها
بجدارة مروّعة
ثم أُسمى الأشياء
بمسمياتها الحقيقية
سأسمى الحب وهماً
يروق لبلاهتنا كثيراً
أن تستغرق فيه
وتتجرع من أوجاعه
أنكالاً شتى
وسأسمى الشعر
السكاكين التي
تنهمر منّا
على الورق
والشوك الذي
يتخذ من ورد الروح
مساكن كبرى
لحين بوحٍ متعب
والمعاني التي تجاهد
في سوح الورق
سأسميها خيبات
تهيم في أودية العبث
أما الحلم ,,
ذلك الأرعن الجميل
سأسميه
خفيّ حُنين !!
بمقاسات شاسعة الخبل
لا تليق بدروب الأمنيات
الطيبة التي
يحلو لنا أن نتمطي فيها
سادرين
في سذاجة مزمنة
وسأسميكُ يا أنت
وجعي النبيل
وآخر الأوهام
تتساقط
عند اعتاب الفجيعة
وتشطب من مواعيد الروح
مواعيدها
وسأدوس على قلبي ايضاً
واسميك - كاذبة - التنفس الذي
لا ضرورة له
والدم المسفوح بعيداً
عن وريد بقائي
وتشردي المباح
في فلوات الوهم
مهووسة بنوافذ شتّى
لا تشرع على شئ
وببضعة مباهج مؤجلة
تساقط عندها الأحلام
واحدة.. واحدة
..حسناً ألا أبدو
بعد كل هذا
أنني مقنعة في نسياني ?!
فقط غادرني.

اتكاءة شاحبة

1
إلى هنا
سار الركبُ الأخير
محمَّلاً بالحنين
وهوادج الأمنيات
إلى هنا
 جاء يسوق تعبه
يرتجي بئراً للعطش
وراحة من شجن الحداةْ.

2
كأنه لم يكن
إلا جنون عابر
مس ذات انتشاء، فاكهة الحزن في دمي
فأينعت تعباً
كأنه الحلم الآبق
عاد من حوته سقيماً
ولايقطينة تهبه ظلالها
كأنه القوارير
رمى بسرِّه على الشواطئ
وغاب في الموج.

3
على قارعة الوهم
ألوك قصائدي
أشتم بعجز وقت طويل
وأعطي ظهري، لأرتال الذكريات الموحشة
ثم أشرع في الزعيق
وأدّعى أنني أغني للحياة

4
والآن
دعوني للكلمات التي تجر بخيلا طرق القصائد
تفتتح أرق الليلة
وتتوامض بملاحة فاتنة.

<P5
غير أني منزعجة تماماً مني
أيامي سخيفة
وقصائدي متكررة. 

عاشور الطويبي

الناظر يدقّق في ساقية المدينة

كان لابد للناظر أنْ يدقّق في ساقية المدينة
أنْ يرفع وشوشات الصباحات الجانبية
عن أول العابرين
المغمورين في فجوات المكان
الواقفين في محطّات الحافلات
الجالسين في المقاهي الكسولة
السابحين في ضلالات صغيرة
المائلين على أكفّهم في الشرفات
الغاطسين في ملكوت الجسد المشدود
الغاضبين من كلِّ شئ
المبتهجين بسقوط المطر على ظهورهم في بداية الخريف
الناشطين بلا فعل
الحالمين تحت سقوف القرميد الحمراء
الماسكين على قلوبهم لأنهم يخوضون حبهم الأول
المحمولين على الأكتاف دون أنْ يضحكوا ضحكتهم الأخيرة
كان لابد للناظر أنْ يدقّق في ساقية المدينة
قبل أنْ يترك الماء يكتب حكاية ما جرى

 

على مسرح صبراتة (1)
عندما تتخطّى الساعة العاشرة ليلاً
عندما تعبر نسمة البحر الضائعة
عمود الكهرباء الوحيد
عندما يحسب بائع السمك في رأسه
كم سمكة وضعها فوق ميزان سوق العلالقة (2)
تقترب نجمة من السماء العظيمة و تترك ضوئها على حافة الشرفة
تقول:
ماذا أفعل بنجمة خائبة
تسمع أصوات بلغة رومانية
تسحب رجليك على درج إسمنتي غير مهذَّب
من تراه دخل الليلة تاركاً حزنه نائماً على عشبة الكليل ؟
تأخذك الأصوات الرومانية إلى مسرح صبراتة
تقف هناك تجمع ما تبقّى من فسيفساء
هذا انف الأميرة النائمة في الماء
هذا مخلب صقر يسقط منه دم الضحية
هذا سطر يحكي عن شرف قديم
هذا جناح ملوّن كان يطير
هذا اسمك تلتهمه نار غاضبة
قد ترغب في البكاء
لكنك تصعد درجاً غير مهذَّب
لتنام على سرير نظيف
بلا أمنيات

(1) صبراتة مدينة أثرية شهيرة تقع غرب ليبيا
(2) سوق العلالقة سوق شعبي في مدينة صبراتة

سقـــــوط

تندفع نحو القاع
غبش على العينين
غبش على كلّ شئ
تنفس ببطء
تنفس بروية و حكمة
هل ترى ما تبحث عنه ؟
كيف تطلب من الضحك
أن يكون رفيق رحلتك و قد نسي من يكون ؟
دوائر حالتك صارت باردة
و وقتك أخذته شباك الهمهمات الخفية
إلى حلزون الاكتئاب

من على حائط العمر المسفوح
تجيء الأيام الهاربة
ترفع يدها الجافة في الهواء
الكراسي البيضاء على الأرض الميتة
مشرعة الصدور
سيقان الرجال تمشي تحت الكادر الحزين
كعيدان قصب منسية
نـمْ أيها الفتى الجميل
لن تأتيك الأحلام الليلة
لن يبقى الكلام معلقاً في عيون الجالسين
والأصوات الكئيبة ستأخذ الأنين إلى ظلمة صابرة

عبد الباسط أبوبكر
البحر أول مرة

أذكر أول مرةٍ يعانق جسدي ماء البحر
بهيجاً كان لقاء الماء
طفلا كنت
سحر البحر يجذبني
تضربُ الأمواج شاطئها

فيرتجف القلب
وتعود فأركض خلفها
هل تهرب مني؟!
فتفاجئني حبلى بالرمل
وبالأصداف
وتعاود كرتها تلك
مرات.. مرات
في البدء
كان هدير البحر يغريني
ثم برودة الماء
غير ان تجلي الزبد
يطفو على الرمل
ثم يذوب ببطيء
أدهشني
قصور الرمل أوهت ساعدي
وكل بدايتي كانت بحثاً عن بديل الماء
للشاطئ الخدر الذي يسري
ورجفة التعب الممزوج بالعرق
وللأمواج دغدغة مقرورة الجسد
ترتجف لها الغيوم
فيرتمي المدى ضحكة ساخرة
للماء في وقت انتصاب الشمس
برودة.. برودة
ترفع عني رعشة النعاس
لقاء يكون فيه الماء أقل رغبة
الماء..
فتنة السماء،
ولهفة الماء
يحضنني
أنا الآن في الاثنين معاً
أناول البحر حيرتي
فيغرقني بأمواجه،
برماله وأصدافه يفتح لي باباً
لأحضن دهشتي.

امرأة هكذا

بدونها
لا أعرف كيف أرتب هواجسي
وبدونها أيضاً
تأخذني الظنون بعيداً عن أي أمل.
امرأة هكذا
تعرف كيف تنفخ
في صدري سحر الكلام
تعرف كيف تذوب ببطيء
على أسرة الخيال
كثير منها قليل
وقليلها مفتوح على أجوبة مراوغة
تتسلل من بين أظافر الرتابة
تفر من العيون المصوبة
تهطل فرحاً في القلب
أو تظل سحابة حائرة
لا تطالها الأيدي
ولا يشغلها الهطول.
امرأة هكذا
يصورها الوهم كما شاء
سدة لهذا الهباء الأنيق
ترتمي في سماء الأذن
نغماً غامضاً
احتسيها
رشفة لعطش سرمدي
وأنتشي
كل سراب يكتمل معها واحة عامرة بالقطوف.
امرأة هكذا
روح لا يأسرها الجسد
وعفة لم تمسها الشهوة بإثم
تعرف كيف تنتقي من تعبي باقة أماني
تعرف كيف تنسج من مخاوفي
تفاصيل الغد.

عبد الوهاب قرينقو

حدسٌ ثان

فوق رابية عالية،
في غرفة ببابين ونافذة
يلعبُ ما تبقى من هواء الخريف كيفما اتفق.
هُنا جريدة لايُقرأ منها سوى صفحتين..
حاجيات لمبيت ليلة واحدة، ورواية لكافكا.
مُكالمة من أُنثى لايُضجر منها،
ومبررات بيضاء مني لرفيق أخلَّ بموعده !.
( الكهلُ ) داخلي سئم التجارب وأحزانه..
جلسات الأصدقاء والموسيقات والكتب.
هُنا كأس نظيف يتلعثم أمام نزق القهوة،
وقلق يُحاصرني حتى ماقبل انهيارات أيلول !،
.......... من يحتضن ( ثقتي ) ؟!.

* * *

نحو إشارات التوقع التي تبرُق الآن
يشرئبُ عنق الحدس ليجفل بعيداً،
ربما كي لا يحدث الذي حتماً سوف يحدُث /
( الأفظعُ مما حدث ! ).
فقبل أن تنخدش ( اللبؤة )
ألفيتني _ عبر موقعٍ لما تبقى من
ثرثراتنا _ أصرُخ:
" الحب، الشعر، الحضارة، الجنس، الحرب،
الدمار، الخراب، العنف،...... الرعب !! ".
...... هتفتْ ليلتها لعوبٌ عبر الشبكة:
" ليلتفت أحدكم / إحداكن لهذا
المسكين الذي يهذي ! ".
هه..
كم ثرثارة يا تُرى
تتذكر ما ( هذيتُ ) به قبل
يومين من انفلاشات الفضا ؟!.

كُتِبت في " هوُن " _ ليبيا 10. 10. 2001 ف.

أيضاً لاوصول

- أحياناً
ألتمس العذر لرفيف المساء
عندما لاتمر رايات السعد
عبر قلقي،
.. والتمسه للصباحات
عندما لايكون صوت المُغنية
أثيراً كما عوّدنا.
- أستأنس بتفاصيل البنفسج
عندما يكون لا حاجة للجدوى
أن تنسرح في سهول الوقت
أو حين لا معنى لها كما ألِِفتُ.
- أحلامي للمدى نسائم..
لا أتعلق بتلابيب ( لذاذتها )
رغم أنها تعبرني
- كل ليلة أؤجل لغد الغد
مشاغل اليوم التالي
وأخبىء وجه ( كسلي )
عن عيون النهار
- مشدوهاً إزاء انهطالات الرمل
أطوِّف بناظري
فلا تتحرك مفاصل الوعد،
فعند الأفق لاتلوح البشارات.
دكاكين التحقق مقفلة
فيما تبكي خاوية جيوب الحلم
- الشجر شاحب
رغم إدعاءات الصفاء
والزرقة على مرأى من التوق
تسبّ مراياي
وتشمت الأغنيات:
موات.. موات
- أعذري.. إنشئتِ - ( انهزامي )
ياعّرابة ماتبقى
واسعفي ذاكرتي أن تبحث عن بديل
لعقارب لاتصادق هدأتيّ..
تأبى رفقة حُلمي ,
وما تيسر من جنون.

حروب

(نظرياً)

- الحقيقة
لملمة المتناثر
عبر
أثير الزمان !.

(كوننة)

- في الكوكب الذي لن يُرى،
إلتقي " جهينة "
بِمُراسلٍ حربي من الأرض،
وأسسا
أكبر محطة إخبارية
عبر الكون.

(بث)

-في عملٍ غير مدروس،
 كَنَسَ
 عامل تنظيفات ليليٍّ
 نشرةَ أخبار الدولة
 صبيحة الأمس !

(تنظيف)

منطلقين من قصر الراشي،
إقتحم فُرسان الورق
مدرسةً مُهترئة
لاعتقال المُدرس الخصوصي.

( غالباً)

الرقصُ بعيداً عن ( الطابور )،
الجنون الجميل
مكذوب عليه
بأنه "تهور".
( الاحتفاء)

ـ أليس هو الاختفاء ؟
..... احتفال بطريقةٍ أُخرى.
ـ.... ( الاختفاءُ العلني!! ).
ـ... إنهمُ يئِنون تحت الظِلال،
وعِندما تنحسِرُ
 يتعاهدون الحزُن !.

( عُرس الجنازة)

ـ إنحسر ظِلّ آخر.
قام ظُليلهُ
بغمر ( الدفتر) بالسديم،
ثلاث ثوان وانقشع الرذاذ،
.. عَجَّ أثير الفضاء بالصورة...
إنهطلت مطرُ الخلق في الشوارع،
عاد عسسُ البلاط إلى البوابة..
ـ.. مبروك،
كُلَّ ظلٍ وأنتم ( بخير).

( أزمة وسائِط)

ـ " نقل المعركة إلى الداخل ! ".
ـ... ... .... !
... ... ومتى خرجت ؟..،
هل انولدت ؟ !!.

( رحمة )

ـ حربّ
تمضغُ مدينتين،
وفي مشفى البلدة
ثمة ولادات جديدة.

( حربنا)

ـ وعارة العقل
في
 كاباريه اللاتفاهم.
( الحربُ الحالمِة! )

ـ قشور النمال الجريحة والقتيلة،
لا تهرسها مناقير النُسور،
لا تُروم في سراديب
لا تُرمى في بحر الغُرباء..
 لا تنهشها أنياب الكلاب،
... فقط تُقرمشها العصافير !.

( هجومُ العصافير)

ـ ياللنمال !.. حتى عدوهن ( رائع )،
..... ليت العصافير تهجمُ علينا !!.

( حربُ الفواكه )

ـ.... تشيلبووووووق....
.... إنفجارات العنب...
ـ هيا حبيبتي،
لنختبيء
في جوف تُفاحة.

عبد السلام العجيلي

المشواشي التعيس

هو ظل
فاجأه النداء
تركه
معلقاً
في آخر الزقاق
وهي عاصفة
هودجها الغبش
غناؤها
خيط من الرمل
وسعال......... قديم
فاقتربي
ايها العاصفة
هذا النافر
وطن لأصابعي
وذاك القرمزي الصغير
نهر لمراكبي
انا المشواشي التعيس
سليل
آلهة
الرماد
اعرف كيف انضج
فاكهتك
العنيدة !
وكيف ارسم
الأدغال والطبول
على أغطيتك
الشتائية
أدعوك للرقص
في مواسم العطش
وارتديك
في ليالي الجوعْ
وجهاً ورغيفْ
صدري
تابوت
لألوانك البعيدة
بيني وبينك
ملح بليغ
آه...
كيف أكمل
فيك أغنيتي ؟!
والمدنية ضيعت قميص نومها
وهبت نعاسها للرياح
والخطا تساوم المسافات
بالوهم الذي تطاول على السفر
أنا المشواشي
العائد
من آخر الغزلان
فرشت...
لبكاء العالم
قلبي الطري
وهبطت..
إلى الغبار
أساوم
الحليب المجفف
وابتسم
لأقبح النساء
مصوباً...
قصائدي المرتبكة
إلى عينيك البعيدتين
انتعل
ثقباً
في الصباح
أهّرب
في جيب الظهيرة قبلتي
اقترح عظامي
حطباً
لمساءات الرحلة
فاقتربي
آيتها العاصفة اقربي
هذا الزقاق
ما عاد يتسع لرؤوسنا
حذائي ما عاد يسمعني
بريدي
بوح
ثقيل
لاتحمله الرياح
يسقط
قبل
المعارك

عبد المنعم المحجوب

حاشية

كان الشرق مالا
حقيقته فاقة حد الموت
حقيقته ترف حد الموت بطرا
حقيقته استبداد
حد الموت تألها
حقيقته قرابة حد الموت
كان الشرق رغبة
مجرد حديقة أضواء مجردة
وفانتازم كلمات لدى المعتوهين به
من منا توسط حقيقته
حديقته
الشرق افتراض
الشرق لأجل هذا
مرض مقدس

الهوية

لا _ ثبات، تبدل، وامحاء
الهوية:
 جماع هو و هي و التاء
أن يكونا نفسا واحدة تبت زوجها
التاء مجال الإجتراح
التاء تتبادل الرهافة والقسوة
التاء كلام يذوب في الإصغاء

أنا

أنا هفوة لساني
 بين الظلال وبين الضلال

الوهم

ما الوهم
أنك تمتص ضدك
وكل حكمك لام النفي.

 

عبدالرحمن الجعيدي

مطر

قلبي، مازال ينتظر جواباً
من طفلة تلقفها الألم
ينتظر مطراً
ينتظر دفئاً
وأحلاماً بنفسجية تناغي طفلاً
بقلبي
غابات سحب
وبالبال أسماء كالوطن
وعلى عتبات المطر
أنتظر
قلبي.

تساؤلات

سألت وجهك
سألت الساعة وهي تحفر وجهي
سألت موج عينيك لأختبئ منك
سألت بكاء الماء الذي رتيباً كمساء سفرك
وحدها أجابت
وحدها كانت
إيماءة العشق وحدها
ذكرتني أنك
نزيفي على الورق.

صورة

ماذا حدث
عندما يخاطب النرجس قلب مذبول
أو
تغرس بنت أظفارها في جسم منهوك
ماذا تقول..؟
يحدث ماذا..؟
عندما تتوارى في رماد السماء والشجون
عندما يلتجئ القلق إليك كعصفور صغير
عندما تحاصرك السماء
ماذا تقول..؟
يحدث ماذا..؟
يعتقلك الكون معلناً أن للورد
أشواكاً تدمي وعطور
يحدث ماذا..؟
أيها الكون.

علي صدقي عبد القادر
 من قصيدة "يا قمر علاّلي

 " لا أجد أصابعي في نهاية كفي
لأنها ذهبت خلسةً لتطمس حلمي الأخير
وعادت وهي تحكّ أنفها
والحلم يدير الحبل، ويقفز، مردِّدا
أغنيةً من بلدي غير مغشوشة: (يا قمر علاّلي)
متجاوزاً برتقالتين، وأربع قارات
والخامسة فرّت إلى حضن أمّي.
ونجمةُ آخر الليل التي تتفرّج
كانت امرأة، تغزل المطر والحب
لا بدّ أن تكون هي من أحببت
لأن عيد طفولتي، مذاقه الآن في فمي".

اعتراف بالقلم الأحمر... مع التوقيع
أوراقي القديمة..

ذات صباح خلعت رأسي، وضعته أمامي، بالمنضدة
وأنا غارق في أوراقي القديمة، أقلبها كعادتي
أوراقي تتناسل كثيرا تأكل عمري ولا أدري
هذي ورقة مزقتها ، تلك أحرقتها، أخرى في القمامة
ورأسي بالمنضدة، خاف أن أمزقه، أحرقه، كأوراقي القديمة
خاف لأنه أقدم من أوراقي القديمة
خاف لأنه أتعبني بحمله، ركب كتفي منذ ولدت ولم يزل
إني عييت، وسأطرحك يا رأسي يوما ما

عش عصفور

فتحت رأسي، نشرت ما به بالمنضدة، فحصته
هذي رسالة حب، بها وردة ذابلة، ورسم سهم في القلب
تلك خصلة سعر بشريط أحمر، وحبتا عنب يابس
وخاتم من ورق الفل، وريشة عش عصفور
وصورة تذكارية، لي ولها بمقعد حديقة، منعزل

صحيفة سوابق

والآن أقول ما لم تقله الأوراق القديمة
أعترف: كسرت الماء وهو يصرخ، وشظاياه بكأسي
أعترف: حبست الهواء بصدري سنينا، ولم يرتكب جريمة
أعترف: لطخت بياض الورقة بالحبر، ولم أتب من ذنبي
أعترف: فعلت أشياء في الحلم، محرمة، أشتهيها في اليقظة
هذي صحيفة سوابقي بالقلم الأحمر
وتطاردني الشرطة في الحلم وأصرخ، ويصرخ منبه الساعة
انهض من النوم، وانهض، دقت الساعة السابعة
وامسح الحلم عن عيني، وأدخل نهارا جديدا

عمر الكدي
رحلة سمك السلمون الأخيرة

سأتشرد قليلا في بلادي
مثلما تشرد دون كيخوته، ولكن بلا نبلٍ ولا أوهام..
سأتشرد بما يكفي لأعرف بلادي
راجلاً، وحيداً لأنفرد بالحقيقة سافرة
حين تهدأ رياح الأعداء، وتنجلي سحب الظنون..
سأمضي بلا اتفاق، تقودني الشوارع للشوارع
وكل الطرقات تفضي إلى نهاياتها الآجلة..
سأتخلى عن يقيناتي الفجة، وأجوبتي الجاهزة
وسأتسلح بالمكر والدهاء..
سأحرث حقول الشك،
نازعاً بلا رحمة كل عشبة تستظل بيقين، لا وجود له..
سأخنق أحلام اليقظة،
قبل أن تبني قصورها في الهواء،
وسأهدهد الأماني لتنام..
وسأمضي إلى حيث لابد أن أمضي
حين ينسد الأفق
وتحط على الأرض السماء..
سأعود إلى الرحم الذي أنجبني
لا كما يعود الطير إلى وكره
ولا النبي إلى كهف وحْيه
سأعود كما يعود سمك السلمون إلى نهره
ليضع بيضه ويموت
تاركاً اتساع المحيطات لغيري
متوغلاً في نهر الضيق الطويل..
سأدوس على خطواتي بالمقلوب
مقتفياً كل شيء في رحلتي نحو الجذور..
سأحمل أسئلتي القلقة
وشكوكي وفؤوسي ومبضعي،
وسأحمل ما تسنى لي من مصابيح،
ومجسات وأجهزة لا تعنيها حيرتي
وكل ما شيده العلم على ركام الكنائس،
وكل ما استخلصه العقل من هذيان النصوص
متخطياً أمواج التقاليد والطقوس
وكل ما سنّهُ الطغاة من قوانين..
وسأعيد هذه الجثث إلى قبورها البعيدة
مشيعاً إيّاها بكل ما يليق، بأقارب مبجلين..
سأتخلص من عقدي المزمنة
وستتخلى عني هواجسي القديمة
ومخاوفي الملازمة،
حين أعود قافزاً فوق شراسة التيار والصخور
مثلما يعود سمك السلمون إلى مسقط رأسه،
ومثواه الأخير
غير أني هذه المرة على يقين
أن رحلة الموت
رحلة ميلاد جديد..

فرج أبوشينة
ميراث المحبرة

لم يعد الرقص
صوت الجسد
ثمة موسيقى خائفة
لم تعد الصحراء
مستودع رمل..
ليس ليلاً
حتى نسعل
ليس نهاراً
حتى نذوب..
ليس التصفيق
دهشة ميكانيكية
التصفيق
حضور حضاري
الوقت
كتابٌ مفتوحٌ
عل مصراعينا..
لم يبق له حلقٌ
في الذاكرة..
يهرب ممن
والخطر أمامه؟!
تسألوه
عن الوقت
سكت ساعته
ترشدوه
--- نبع
يهطل دونما رغبة
يعطي ظهره للنماء..
غايتي
إرواء الماء
وسيلتي
تدّوين السراب..
حتى لو ذبل الورد
لن يخفق صوته..
هذا فجرٌ مُتاحٌ
اصحوا وتمازجوا.

فوزية شلابي
أول طرابلس... آخر طرابلس*

من هنا يعبر المسافرون،
والظهيرة للرمادي.
باعة يفترشون الوقت الطويل،
وقت يتثاءب في العربة،
عربة لبانوراما الحاضر الغائب
وغائب يندغم في السؤال
أأسميك للشتائي
للدفء المستحيل
لعنق الوردة المتدلي
لكنزة الفدائي القديمة
لنشيج البنادق
من هنا أول طرابلس
آخر طرابلس
أو أسميك للظفيرة المهملة
للقنديل المرتبك
لتلاوة السر
للشغب
للجدار
للجريد المدلوق من دكنة الليل إلى سقسقة الماء
للدم الاستوائي
الفقير
الراديكالي
يناوش، يستدعي، يتنادى
من هنا سدرة المنتهى
براق البلاد
فرفقاً بالبنت يا نخلة
إنها
مسورة بالتداعي، تعبة، وجده، مسربلة بالاحتمالي.
ممحونة، منداة، دامية، راعفة، مبتلاة، أولية، مبوبة
على لائحة النار.
من هنا آخر طرابلس
أول طرابلس.
تصويرة العود المحاصر بالأبيض
وعينيها،
جندي كان لبيروت
فصار للحصار،
وجيتو القبائل.
من هنا عبروا
مرق مشروعهم المعادي
انداست الوردة
سكت الولد
استعصى النهار.
من هنا جاءت النخلة
تمضي النخلة،
فيا نخلة
ويا بنت!

* طرابلس الشام.

كريمة حسين
فجر

عندما
يقبل الفجر
درب نجمة مغادرة
شيء من الحب
يفرط حباته
للشمس
ولك.

****

ليتني حجر
أرجم الريح الساكنة
بالأعماق
ربما ينبثق شيء
بين
الشظايا

ود

شيء من الود
سقط بالود
ستجرفه المطر ذات
شتاء
أو يتحول لإكليل
يمتشق مساءات
قادمة

***

أحتاجك جدا
في زمن بات فيه الحب ورقة
منتهية الصلاحية للبعض
والحلم تذكرة اللاعودة بالنسبة
لنا
والوطن غربة تسكن الذاكرة
والغد إعلانا عن زمن لا نصنعه
نحن
بل ينشره السلطان في الجريدة الرسمية

محمد السبوعي
تحولات

أبني بيوت الضوء الهارب
أبني مسارب للرمل السارح
أسكنه
هذا
كتاب اللغة، سلطان حروف الجر
يمارس طقس الاستفهام ؟؟
أبني بيوتا
للرمل الهارب
للضوء السارح
لك
حين ترخين ظفائرك عبر فجوع الرمل الريح
لك
لتلميذات يترصدن معلمتهن ويقسمن
على لون قميص النوم
أبني مسارب للريح
أيها الريح وداعا

 

      **

 

أمعن في ترديد قراءاتي
هذه إمرأة لا تشبهني
تملأ كفيها بفخار
وترفل بتعاويذ
وللهوي عليها شد
هذه امرأة لا..؟
كالحلم
تدخل فجوة النوم
ترسم يومها
تنثر وقتها بجميع الرجال
ألف
يا
 أمعن في قراءاتي
هذه المرأة تشبهني
قبل دخولي
ومآذن الله ــ الله أكبر يعلوها
هذه المرأة تدخل مائي
تفترش رملي تقرأ لغتي أبني بيوتا
 حين يصير بعدك حلما
حين يصير قربك حلما
أرمم بعدي فوق رمل متجه نحوك
لينسج قربي
حلما
حتى دخول الوقت
ولهذا سأغلق كل مواراتي
و أتهيا لك
أفتح كل قواعد اللغة
الفتح
الضم
الكسر
النصب
واكرر لغتي حتى الصباح
ليملأ يومه بالدهشة
يامرأة

محمد الربيعي

ذلك المتكئ على كتف الوادي

ثمة شيء ما
جعل قمما تخرج عن وقارها
تترجل في هدوء
لتٌقَبِل ذلك المتكئ على كتف الوادي
مسربلا بالنشوة
يشدو بأغنية لها طعم الكمأ
ويداعب فوق الجمر رغيفا لم ينضج
وإبريق شاي يعبق برائحة الطلح
الخراف مؤدبة جدا
وشبعانة حتى الحلوق
لكن صوت احتجاجها لم يتوقف
لعلها تطمع أن تترجل قمم الهروج
هذه المرة لأجلها وهي تغازل صورها بالغدير
بضعة براكين أفرغت ما بجوفها منذ الأزل
هي الآن بيوت للزواحف
ومخازن للرمم
لاشيء يثير الدهشة
فكثيرا ما يتشكل الفراغ مسرحا
للحياة والموت معا
الشمس تلملم أطرافها
وتطوي لآخر مزخرف
من بساطها البديع
وصوت الاحتجاج يعلو ويعلو
ربما في آخر الشهر
وأن ماردا بشعا يوشك
أن يسحق بفرشاته القاتمة
روعة الأفق
النهار الذي يلفظ أخر أنفاسه
وكل شيء يتلاشى
لكن ذلك النحيل لم يزل شاردا
يعتصر اسفنجة الذاكرة
باحثا عن نغمة يخترق شرايين الظلمة
وعن فاتنة لا يصادر الدجى من وجنتيها
فما زال يحلم أن يضرب على صفحة الماء
موعدا للقمر

محمد زيدان
خارج الوقت - داخل اللهب

هو ذا الوقتُ
دوزنةٌ مُزجاةٌ للعبثِ المستحيل
وأنا، سيرةُ ارتخاءِ الوتر
في رمادِ الأغنيات

هو ذا الوقت
تهتُّكٌ غيرُ ذي رحمة
في نسيجِ الكفّ
وأنا، شريانٌ مغويٌّ
أتكرَّرُ في جناحِ فراشة..!
أيتها النار - اسنديني
حين تليلُ مداخلُ الوقت
وإذ تفرغُ الحبيبةُ مني،أيتها النارُ يكادُ يكادُ وجعي
أن يكونَ أرجوحةَ الأزل
وفي ما بيني وبينَ الله
وجهُها وانحسارُ المسافة
وأكادُ أنعسُ في الهديل..
يماماتٌ تجنّحَ بها الإعصارُ
طارتْ في دمي
يماماتٌ تنقرُ عشبَ الساعدِ المرخيّ
ويكادُ يكادُ يضفرُني وجعي
لهباً أسيلُ على حوافِ الكفّ
أكادُ أتنيَّر..!
أيها اللهب - اعتصِرني
تقوِّسُني أصابعُ الوقتِ في الهُلالة
تدوِّرُني - خصرَ الحنين
أتقاطر
أ
ت
ق
ا
ط
ر
..
أتبلّر..
ما الذي يغريكَ بي
أيها الوقتُ أنا لا أصلحُ لك..!!

مفتاح العماري
حطّاب الأرض الوعرة

لأني من نسغ الأرض الوعرة
أبي حطّاب أحلام
وأمي نسّاجة وعدٍ
وولاّدة مغزى
لن أنوي الهجرة
إلى لغة أخرى
لأطير مثل رمادٍ مخدوع
تتخاطفه طواحين هواء
فوق بروجٍ من دخان
مغمراً بمباهج وهمٍ
وثرثرة نزوات نزقة
ومهما تشرّدت لغتي
لن تأفل أغنيتي
عن سماء منازلنا
ومزارع ألفتنا
ومهما أخطأت أمي
لن أنشر غسيل أيامي
على حبل جارتنا
وستظلّ أمي رغم جراحي النازفة
تتربّع على عرش مخيّلتي
كما لو أنها ملكة
ورغم لدغة الزمان الوضيع
سأظلّ كلّ صباح
أشرب من قهوتها المرّة
ومهما يكن
سأبقى هنا
فوق هذه الأرض الوعرة
أضرب فأس خيالي قوياً
أقتلع الأشعار من عروق حجارتها
أمنحها من روحي وهج الروح
ومن قلبي
أهبها أجنحة الجدوى.

هنا سأعتّق خمرة حدسي
وأشرب كأسي
فيسكر قمري
ويرقص ظلّ جلاّسي
وحين تسهو أذن الليل
أسبر غور جدراني
وأغافلُ حرّاسي
وأدقّ أوتادي عميقاً
في كبد المعنى
فتهتزّ عروش الكواكب
وتسقط قبّعات النجوم
وتطلق الشمس في حقول قصائدي
قطعان خيولها المرحة
ولأني جندي
تحمله خفّة عيونٍ
كحّلتها التجارب بلون مفازات عطشى
بلون ساعات رمل
مكسورة بهزائم شتى
بلون مطرٍ من غربان
وأصداء جيفٍ تأكلها هبة السهو
بلون هتاف جماعي لغابات القتلة
مهما يكن
لن أهجر عشّ أطفالي
وخلوة الظلّ الفقير
وكرمة الندى

سأبقى هنا
حدّ الوارفة مثل نافورة من هداهد حكمةٍ
تصدح بنداء التمر
توأم النحاس الأصيل
أظفر المديح للأنثى
أميرة الشجر
محرّضاً معرفتي أن تأخذ عراجين الكشف
وتكنس أوساخ الحواة
وشباك العنكبوت
لتتعرى العورات
وتسقط أوراق التوت
أوّاهٍ ما أجملَ هذا الموت
حين تكون القبضة ظافرة بالطير
وعصير الأسرار
وتصبح أروقة الشعر
ثريّة بالرؤى
ومناجم الملح والآبار
حين تخمد في عجينة الطين
جمرة يدي
وأموت هنا
وتبقى كأسي مترعة بالنشيد
وكلماتي أسراب غيوم
ترعى فوق الأرض الوعرة.

جنازة باذخة

حكاية من هذه السادرة في نهبها
القوافي دوائر ياقوت
وهي الجسد
فكيف أزيح الغبار
وأرفو اليقين شقيق الكذب
وصخبك يحجب الشمس
أيها المتنبي
كأنك الأبد
وما تبقى زبد

**

حكاية من هذه التائهة موشومة بالأجراس
تخسر السفر والمواعيد
والقمر الوحيد يؤبّدُ النظر
بقبضة مفتوحة على غدر الأمهات
واثقاً أن البلاغة غربال الريح

**

إذن سأنتظر القطار الكهل
وهو يطحن بصفيره زجاج ألعابنا
والكائنات البريئة تهتف عبر نوافذ
راكضة ترشق المسارب بالأحلام.

وإن يكن وقفي بلا ظل وماء
ولا شيء الآن باسمي يُسَمّى
سيظل كل ذئب تاه في لغتي
كنزُ عواءْ

**

لست شيئاً
غير أني أرى الرمل يعتلي ظهر المشيئة
ويغتصب الجهات
وأرى الشوارع
حفلة صيد
أنا العديد في جسدي
ترتعد عناصر الجارات تحت أغطيتي
ويقرع الشتاء أبوابي
ولا أحد يأتي
وأنا البعيد في لغتي
حين بدأت الحرب أخطأتني حظوظ الصبايا
يقيناً أني جرّبت الحمام
وطيّرتُ الرسائل والحدائق والقُبَل
لكنهم صنعوا الأسوار
وجلبوا البنادق والنياشين
وصور النساء الغمّازات
ونحن الصغار لم نشترِ بعد
لوازم الرحيل إلى البلد
لكي نطوي الرمل الكفيف خلفنا

**

حكاية من هذه الضالة
تبحث عن صبي ضيّعته الأمهات
جميعهنّ حفرن وشمه
أمهات من سلالة القطط
تجمعهنّ فمٌ باذخة بالمواء
أمهات بلا أحد
سوى أن الحروب الصغيرة
تقود الخيال إلى مهبّ جامح
ولا أحد يأتي

**

ستعلو فوق صوتي قال الغراب:

أبواق النفير
ويحبسني لوني في العلوّ
بعيداً عن أبي أمحو جلالة الألم
وأضع فراخي
أنا الغراب المستجير
تقف الجيوش بأعلامها الدامية تحت أجنحتي
ويحتدم السعير
محتفلاً بسمائي والقوانين التي يسهل خرقها
أحرس الولائم بأقفال لا يعبرها الضوء
متأهباً لإيقاظ المعادن
أخطف النساء من معاقل النثر
وأطير

**

لماذا أيها الحفاة تتّبعون سُنّة الوهم
تحزمون الصحراء الشائخة تحت ظلالكم الجريحة
صوب المحطات البعيدة
وتنتظرون هبة الحواس
وهي تصعد الوسائد
التي يفلت ريش أحلامها عبر الشرفات
ليهب الحب للتائهين
والنوافير قبعات تهطل بالألوان
والعشاق دوائر يسيّجون مهابة النظر
ويحيطون اللغات
بصمت اللغات

**

حكاية من هذه الدائخة بتواريخها الخاسرة
والجندي التائه، تائهاً، يقطّر بلاغته النازفة
- أعطوني اللغة السمراء الهابطة بالغنائم
يحرسها الإعجاز الأصيل
أعطوني صفةَ الضوء وكلام الرسل
لأحلّق بفخامة
غير ملتفت لقميصي
وقد فخّخته النجوم
سأعتق السفن وأخلط الأسماء والعناوين
ليتوه الخلق في معرفة المفاتيح والساعات وأشكال الكواكب
والخيول
دعوني أسمّي الوطن الثقيل طفلاً قتيلا
يجاور التيه، وأسمّي الأحلام بنوافذها المأهولة بالغرقى
أعطوني الذئبة شقيقة اللعب
معلّمتي الضحك ونحن نعبر الغايات ملتبسةً
بظلال الأمهات والأبناء
الملدوغين بهزائم النظر
واعدين المستحيل بجنازة باذخة
أعطوني الأميرة حامية المباهج
التي قصائدي حصانها إلى
طروادة الروح
وبلاغة الجسد

وإن وقفي بلا ظل وماء
ولاشيء الآن باسمي يُسَمّى
سيظل كل ذئب تاهَ في لغتي
كنز عواءْ.

مريم سلامة

الزفرة الأخيرة

أرادني أن ابتلع الطريق
واختصر الكلام في خطوة
إلى يده المضمومة بلا غبار ومتاهة وعودة
إلى يده الكسلى التي شبه وردة نائمة في دفتر
عاشقة صغيرة
كان سهلاً لقدمي الحافية
ولكن السلة التي أحملها فوق ظهري
لم تفرغ بعد من محطاتها
ورحل كالنص الممزق لعاشق خجول
قبل أن يسمعني ألفظ الزفرة الأخيرة
مفتاح ميلود

يقايضون المطر
 بما تيبس من خبز
يحيكون من جلد الشيخوخة
ثيابا تليق بالتسول
من أين نجيء للأرصفة
بنظارة العشب
 الآفاق الشاحبة
أنهكتها سنوات الترقب
أي خطوات بإمكانها
 أن تعبأ
كل هذه الدروب
أي شتاء قديم
يعير الليالي الأربعين غيومه
تكدسي يا مواسم
ما من قبرة صيف تجلب
الحصاد
ما من وجهة تتبنى دفة الريح.
نصرالدين القاضي
حال الوقت

يطيب:
أن نلوذ بأجنحة القصائد
عسى أن تنبسط أسارير الرغبات الجميلة،
بعض الوقت
ويليق:
أن يوقع القلب إيقاعه الرائق،
وقت الصحو
ولا يرتبك

* * *

حال الوقت..
قائظ الوصف
وما تراكم من غبار الخراب،
ثقيل

* * *

هل يكفي ما في القلب من توق؟
وهذا الوقت بارد الخطو،
وما تبقى
من جمر الشعر قليل؟

المصدر- مجلة ايلاف
الاثنين 30 ديسمبر 2002 19:09