جعفر الجمري
(لبحرين)

جعفر الجمري- فلاسفة يبيعون البهار
- وشاعر في مدخل المترو
يجيد الرقص حسب مزاج
سكّان المكان العابرين
خرافة ستصير بعد دقيقتين
إقامة في الوعي
- تاريخ يدشن عنوة مستقبل اللاشئ
هاوية ترى في الغيم أنفاقا
حمار لا يرى الطاووس
إلا أزمة في اللون
حوذيٌّ يرى في الكاتب المرموق
جاسوسا عليه
وأنت نسيان تبرّج في المكان

***

ليت الذين أحبهم
تركوا ليَ الأبواب
كي أنسى المؤقتَ
في الطريق إليهم
ليت الذين أحبهم
تركوا حصانا واحدا
لأطير من سجني إليَّ
وليتهم مالوا الى الأشياء
واتعظوا من الحجر الغريب
أنا الغريبُ...أنا الطريقُ
إذا جفاه النوم فيما يشتهي
ووصيتي أنْ لا يحط عليَّ طير الماء
كي لا أُبتلى
بحنينه للماء... بالأبديِّ فيه
ومعجم الترحال فيما لم يكنْ
بيضاءُ ناياتي... فخاخُ الناس بيضاءٌ
إذا انحسر المؤقتُ
ليتهم تركوا المؤقتَ
كي أمرّ إليهم أبدا يفسّرني

***

في الريح كل الناس مجهولون
حتى الريح فيما تدّعي
لن يسعف الملحُ الرحيلَ على هداهم
والرفاق تقمّصوا صفة الأغاني...
لم يعتذر صوت لظلٍّ مّا
وهاهم وحشة ... فوضى
ترتب ما تيسر من مكاني...

***

كأنَّ منْ وترين نصعدُ

سَمَّيْته حجراً
ولكنِّي أسمّيه الدخولَ
إلى بداياتٍ مُعمَّدَةٍ بماءِ الرفض
لنْ أحْصي تراثَ الروح
إذْ مَاتَ الذين تَوَجَّسوا عَبَثاً
ولكنَّ الذينَ توجسوا وعياً
أراهمْ في الطريق إلى البدايةِ
شاهرينَ سمَاءهمْ وَضَحَاً
فخذْنا .. ضمَّنَا لتراثكَ السريِّ
خلِّ الأرضَ تدفعنا إلى أفق
يعيد لنا التوازنَ فيكَ
قد تصغي مباهجه إلى دمنا

تمرُّ الخيل في الإيقاع
لا أرضاً سواكَ أردتُ
فاتخذِ الحصى سُبُلاً إلى الأعلى
فضائي شاسعٌ ممَّا حرسْتَ
كأنَّ منْ وَتَرَ يْن نصعدُ
أو نذود عن الصعودِ !!
عند الغروب تكون هذي الأرضُ
أجملَ من تهافتنا على امرأةٍ
تجاوز صبحها سعة المدى
ومدى النشيد !!

أعلى من الشجر المُذَهَّبِ بالشظايا !
أوقعْتُهمْ في شرك فتنتيَ القديمةِ
فاستراحوا من مفاتنهم قليلا !!
ودسَسْت أسمائي جميعاً
في جيوب فضائهم سهواً
فمالوا نحو مملكتي ..
وصاياي:
اتركوا جهة انكسار الناس
واحتاطوا من المعنى طويلا !!
وأشعلوا ماءً ينام على سُداه
ومرِّغوا ليلَ الكلام بشمس أحلاكم
لكيْ تُمْسوا خيولا !!

البحرين في: 3/11/2002

***

لا أتعمّدُ الإيقاعَ

أتعمّد الإيقاعَ أحيانا
لأذكرَ أنني بعضُ استعارته
أمام حوافه...
أتخيّل امرأة هناكَ ... هناكَ
في مقهىً يصبُّ الآنَ
في وقتٍ إضافي
له صلةٌ بأعباءٍ تلاشتْ
منذ أن حطتْ على المقهى هناكَ...
إذنْ لماذا كلما فرّتْ
طيورُ حضورها انكسرَ الفضاءُ
وعدتُ لا ألوي على سُحُب؟
أيَا ضيفي الثقيل
كفاكَ في العشرين من فرَس
تجئُ محمّلا بنعاسك الأبديّ
لا المقهى يرنُّ إذا تأخرتِ الصبيّة
عن مفاتنها ...
ولكنَّ المدى محْضُ افتراء
حين لا تأتي
فقمْ لنباهل الأشياءَ
والسورَ المقيمَ وعدّةَ العرّاف ...
في المقهى البعيد هناك
يبدو الوقتُ مثلَ كمنجةٍ كسرتْ
ومثلَ الناي في هذيانه السريّ
لا أتعمّدُ الإيقاعَ أحيانا
ولكني أجرّبُ درسَه العبثيّ
لم أندمْ على الأخطاء
لكني ندمت عليَّ حين ندمتُ

***

في الغرب ... في الشرق

في الغرب : " الجنرال " " شرطي " !
في الشرق: " الشرطي " " جنرال " !

في الغرب : الحرية " لا تخلو من عُقد " !
في الشرق : الحرية " صدمة " تؤدي إلى " السكتة القلبية " !

في الغرب : 10 - 1 = 9 !
في الشرق : 10 - 1 = 0 !

في الغرب : الدّين يروج للإنعزال عن السلطة !
في الشرق : السلطة تروج للإنعزال عن الدّين !

في الغرب : لابد أن تكون متميزا كي تُمنح وساما !
في الشرق: لابد أن تكون نفاية كي تُمنح ذلك !

في الغرب : التسكع في مبنى للمخابرات حق يكفله الدستور !
في الشرق : التسكع في غرفة نومك ... مظاهرة خليعة !

في الغرب : العشب وجبة رئيسية " للقطيع " !
في الشرق : الشعب وجبة رئيسية للسلطة !

في الغرب لك مطلق الحرية في أن تضغط على الزناد حين تشعر برعب طارئ !
في الشرق : لا جدوى من ذلك ... فأنت في رعب دائم !

في الغرب : السجن ... إصلاح !
في الشرق: الإصلاح... سجن !

في الغرب : الأفيون ... رعب !
في الشرق: الرعب... أفيون !

في الغرب : الأعناق كثيرا ما تعلو !
في الشرق : الأعناق تبرير كاف للقطف !

في الغرب : العدل " بحر " !
في الشرق: العدل " حبر " !

في الغرب : قد تُسقط مقالة " سلطة منتخبة " !

في الشرق: قد تُسقط مقالة " شعبا انتخبته السلطة " !

في الغرب : خطوط المشاة فرصة لتأمل الحياة !
في الشرق: فرصة لتأمل " الموت " !

في الغرب : حين يفلس المليونير ويخرج من نادي النخبة يتمنى أن يصبح قسّا !

في الشرق: يتمنى أن يصبح راقصة !

في الغرب : السكون حركة !
في الشرق: الحركة... سكون !

في الغرب : المهرّج ... حكيم !
في الشرق: الحكيم... مهرّج !

في الغرب : اليأس ... تاريخ !
في الشرق: اليأس... مستقبل !

في الغرب : الانتحار ... هو أن تسير في الاتجاه المعاكس !
في الشرق: هو أن تسير في الاتجاه الصحيح !

في الغرب : يراد لرجل الكنيسة أن يكون أبا للجميع !
في الشرق: يراد لرجل الدّين أن يكون عدوا للجميع !

في الغرب : الجنون ... تصميم على العقل !
في الشرق: العقل... تصميم على الجنون !

في الغرب : إشارة المرور ... جهاز أمن !
في الشرق: جهاز الأمن... " إشارة قف " !

في الغرب : الطب فرصة لإنقاذ حياة !
في الشرق: فرصة للتعلّم !

في الغرب : الجريمة ... علم !
في الشرق: العلم... جريمة !

***

طيرٌ فاضَ بالأعلى

أختارها ...
أختار بئراً لاتفيض سوى بمرعاي القديمِ
وأستوي حجرا لأترك للفراشة
فرصة المأوى قليلا تحت ظلي !!
كم كان يوجعني الرحيل إليك
يابئر النهاية
كنت مأخوذاً بما تركتْ
عواصف شعبيَ الأولى
ولمْ أحرزْ من النصر المُشاعِ
هناك في الرؤيا سوى
أضغاثِ نصرٍ يابسٍ..
كنْ لي رفيقاً في الذهاب إلى السُدى
واحرسْ وليمتنا لنحيا
كن رفيقاً لي إذا الوادي
استبدَّ بسهْل روحي ..
كنْ رحيماً بي إذا فاضتْ بحارُ الملحِ
لا أسلابَ لي إلاَّك عن ثقةٍ ..
نبيذي فارعٌ
ورؤاي طير فاض بالأعلى
فهل لي مايعيد إليَّ أسمائي
لأذكرَ منْ تكون ومنْ أكون ؟؟!

***

صفة لليل عابر

ها جئت أعتذرُ...
من نجمة لم أدّخر جهدا
لكي لا أدّعي إثما بلا ميعادها
والليل منهمرُ...
يا أيها الحجر المعلق بين فاتحتين
لا تتركْ مفاتيح الجهات
تعيد ترتيب البيوت هناك
في " نثريّة " المنفي
فبعض الصخر انْ لم ينتصرْ
يوما سينتحرُ...
ليَ في السحاب هناك
بعض من غيابي فيك
يا شجر المكان
ليَ المياهُ
وبُحّة الروح الأليفة في معارجها
ولي "صحوٌ" إذا ما استيقظ " الخدَرُ"
ألا يا أيها الماضون في " تغريبة " المعنى
وفي " ألفية" المعنى المؤجّل
ما الذي يُرجى
إذا ما الموتُ حتى الموت يحتضرُ؟
كأنَّ الوقتَ لم يعبأ بأعباء المكان
ولم يعد حرا لأطلقه
وأمضي في احتمالات الصعود
كأنني الحذرُ...
هذا الطريق صهيل أعبائي
ومنفاي القديم
بداية للورد حيث الورد يدميه اختلاف
بين من وفى بصبح
أو رحيل الصبح
في ليل هو الأزل...
وليَ البداية
لي السياج...ليَ الغزاة
وذكريات البرد... لي الطير المسافر في موائد عمره
لي النارُ والمطرُ...
وليَ الكلام كأنني صبح النبات
وعمر أطفال بموت دفاعيَ المنسي
لي أسطورة البيت المليء
بحزن أيام تمرُّ
ولي الصدى والصوت
والنجم المشاع وسفح روح
هالها أنَّ " الذرى" " حُفرُ"...
هذا الغناء يعيد ترتيب
المشيئة في تفردها
كأنَّ " القمحَ"... " حُمْقُ" الأرض
في ظل انتهاب فاضح...
وردي " أقلُ"
وأدّعي أني...على عُرْي:
سماء... غابة... ظلٌ
كأن الظل في نعي مشاع
"ركعة"... " شجرُ"...
ما للنجوم تعيد أعبائي لبئر فاضح؟
هل أستطيع الصفح عن صوت
ملئ بالسنابل والذئاب ويوسف العربي
عن طير ملئ بالمدى؟؟؟
عن كوكب سيعيد لي بعض الصعود
وطير روح جارح كالتيه
أمضي مثلما عبروا...
كل الشهود خرافة المعنى
ومعجزة الغريب تحط في غيب وخنجر فكرة
وسحاب وهم كله نذرُ...
هل في وصاياك أتباعي بعض سهم الريح؟
هل في الدرب متسع لنفضي بالذي يدع السراج
كأنه المرعى وإنْ لم يتضحْ أثرُ؟؟!
ليل المهاجر جارح
والبيت قبر يحرس الليل المقيم
كأن شمس جهاتنا
صفة لليل عابر
والمستحيل يحط في العبثي مما نشتهي...
إنْ لم نُصَبْ بإقامة فينا
سنذوي مثلما الكلأ الشحيح
وبيتنا السفرُ...
لا وقت في دمنا
لكي ندع الضحية حرة في موتها
لا نرجس الكلمات يكفي
كي نرمم روحها
لا الزمهرير يعيدنا للدائري من العناق
ولا المعلقتان... لا الصحراء
لا السحْر الشحيح
ولا الكناية عن عدوٍّ
راح في النبوي من أعبائنا
لا السحْرُ لا السحَرُ...
لشقائق النعمان طعم طفولة أخرى
وللعُود القديم فضاؤه
ونجئ من وترين
من وتر غريب جارح
ومساء إسماعيل في أضحيّة المعنى
وفي الضجر المعلق من أهّلته
سلاما أيها الضجرُ...

***

سأمدحُ حزني طويلا
وأحشرهُ في الهواء الأخير...
سأمدحُ هذي الدروبَ التي
أوصلتْني الى بيتها
لأعرفَ أني على سفرٍ...
سأكسرُ هذي المزاميرَ والنايَ والنأيَ
وبعضا من السفر الحر
سأكسر فتنة أجداديَ المتعبين
من الحب والروح
لأذكرهم في احتفالي البسيط...
سأمدح حزني قليلا
لأكتشف الفرق بين ادّعائي
ونذرٍ هنالك لم ألتقه ...
يعذبني البحث عن لحظة
كي أتقي شر أوقاتي المنتقاة...
يقول شهيد: لماذا انتصرتُ لوحدي
وشعبيَ رهن انكسار أكيد؟
يقول غمام: أصلي لكي تنعموا بانهماري
فنقوا السريرة قبل التراب...
يقوم حمام: أطير وحيدا
لأكتشف الفرق بين الفضاء
وبين العدم...
يقول غريب: تعبت من البحث
عن شكل روحيَ
كنت طويلا بأهليَ
صرت مجازا يفسر بعضي
تقول فتاة: نعبت من الحب والليل والحزن
فأبكي طويلا لأسعف روحي
من الحب والليل والحزن
وأسأل: هل كان حزني قليلا
غموضيَ: صبحٌ
وصبحيَ: محض غموض

***

حنطة الغرباء

يتحسس الموتى موائدهم
فينفلت الغياب كأنه نمَش الحضورِ ...
والورد لم يعبأ بفكرته طويلا
والخيول الى انتحار الشوط فيها
أي ورد قادر أن يدّعي
النسيان في هذا المدى؟
واذا " اتضحتُ " ... " خبتْ " طيوري...
لي خطوة في آخر المشوار
لي خبز سأنثره على جوع المدى
وليَ الغناء إذا انتهى صبح الحدائق
وانتهى في الياسمين صباح أيامي
ستنكسر الكنوز
إذا انكسرتُ مع الحريرِ...
للمرْج رائحة انتظار صاعد...
للمجد عرش لست أذكر
أي هدهد ندّعيه
لكي نعلّق في نهايته مزامير الوشاية
أو رؤى العبثي
لي سفح ولي سرْوٌ
ولي شرق من الأسماء والنارانج
لي باب تفرّس في النجاة
من انتظار مهمل ... ومن الصريرِ ...
تغتالني جهة فأسقط
في احتمالات الصعود
الى الذي يجبُ...
وإنْ ادّعيت سلامة من طيش فاتنة
سرى بي نحوها العَتبُ...
سببٌ يوزعني على هذا المُجون
فأنتهي فيما انتهيتُ
وينتهي السببُ...
إيقاعنا صفة لما لم نكترثْ
وغناؤنا فيما استبيح من " اليقين "
كأنه " رِيَبُ...
سأعود بعد حديقة
أو بعد دالية
لأعرف أنني في المستجمّ من الرياح
ومستبدّ الماء ينسكبُ...
زرقاءُ بابليَ المعلقة
انتهيت الى الشهود
فأيقنوا عبث البشارة...
أي إيقاع سيمكث في نشيد الليل؟
لا حرسٌ ولا معنى
ولا وترٌ جماعيٌ
ليندلع الزفاف السومريُّ
هنا .. هنا في سُرَّة التكوين
متهم أنا بالحب
بالأبد المقيم
وما افترتْ من وردة حقبُ...

حلمي يضيق إذا اتسعتُ
لفكرة الطير المهاجر
نحو عالمه وآدمه الغريب...
ليَ في الزحام فُتات مرآة
أحب مجالها الحيوي...
لي ندم غريبٌ
ليس يشبه حنطة الغرباء
لي الراعي ولي أسماء فضته
ولم سلْمٌ هو الغضبُ...
أدوات قلبي لا تفي بكلام جدتي القديم...
ووحشة الأسلاف...
ساعات انتظار بعد مأذنة وليل...
لست أملك غير غابات من النسيان
حط على يدي سفرٌ وزيتونٌ وتينٌ
بئرُ معنايَ القديم
وهدّني التعبُ...

أمي تمشط حزني الذهبيَّ
تدفعني لتفسير الظلال
وما تبقى من كلام عاطفي
في مداها الحر
أختي أجّلتْ ناياتها
ومضت الى اللاواقعي من الغناء
هنا : أنا ماءٌ
يفتش عن جهنمه القديم
وعن سدىً وزوال معجزة
وزرقةِ شرفة
في عالم حرٍ الى أعبائه يمضي ... فينتسبُ...

***

الحراسة على الماضي

إرجاع الزمن الى لحظة البداية، اختزال، بل هو محْوٌ لتاريخ الإنسان وحضوره وإنجازه منذ أن وجد على سطح هذا الكوكب. وهو اختزال ومحْو يقول فيما يريد قوله - بوعي أو من دون وعي - أن ما عداه من إنجاز وحضور، يظل "عابرا" فيما هو "المقيم" والمحرّك... ان ما عداه يظل ثابتا فيما هو المتحول على مستوى التأثير والإضافة... ان ما عداه متلقٍ وتابعٌ وممتثل، وعليه أن يكون كذلك. مثل تلك الرؤية التي ما زال بعض مريديها يؤكدونها... من أن الماضي ضمن تصور تلك الرؤية هو المرجعية المطلقة والوحيدة... تدفع الى تعميق حال من المسوّغات وتنشئ نوعا من "الحراسة" على الماضي خوفا من انفلات الحاضر ومساءلة المستقبل!.

***

مثل تلك الرؤية، هي في العميق من ذهاب السلطة بعيدا عن الحدود التي من المفترض أن تتحرك وتدعو وتبشّر بما تريد التبشير به... وبمعنى آخر، هي قمع وإن اجتهدتْ في تبريره على أكثر من مستوى، إنْ على مستوى القياس كمدخل رئيسي تنطلق منه تلك الرؤية لفرز وتصنيف وفي النادر قراءة ما عداها من رؤى، أو على مستوى التقرير !.
تكشف مثل تلك الرؤية عن "إكراهات" مدروسة، وعلى رأس أجندتها - من دون أن توحي بذلك - إكراهات تهدف إلى إيجاد "نظمية" تعتقد بها في مرحلة أولى، وتفرضها في مرحلة ثانية. لحظتها لا يعود الحاضر حاضرا بقدر ما يعود "ماضيا" بأدوات تحريك مغايرة... لا يد لها فيه... ولا يعود المستقبل مستقبلا، بقدر ما يعود حاضرا معاصرا ومعاشا له أجندته "المعاينة والملموسة" والتي يمكن تحديد الدقيق من إمكان تمثلها وتطبيقها!.

***

إذنْ هو تواطؤ على المستقبل، وتلك هي الخطورة... فالحاضر في امتداده العربي الإسلامي لا يشي بانقلاب - على الأقل على المدى القريب - من الإملاء في السياسة والاجتماع والتربية و... لا يشي بالمضاد من تلك الرؤية، وبالتالي يصبح الزعم بخلق أو إنتاج حال من "الكونية" المتوازنة على مستوى تلك الحقول ضربا من "التنجيم" بالنظر الى وضعية التواطؤ تلك وبالنظر الى تبني الاختزال والمحْو!.

***

مثل تلك الرؤية، تكريس لتوجه "تماثلي"... وحين تُكَرَّسُ حال "التماثلية" تلك، يصبح الحديث عن التعدد ضربا من السماجة والضحك على الذقون، بمعنى آخر هي دعوة الى "باطل كوني" مقدمته وبالضرورة نتيجته من ذات السنخ!.

***

مجتمعات هي في الصميم من تحكّم تلك الرؤية لا يُتوقعُ منها غير أن تديرَ ظهرها للمشكلات التي تواجهها...إذ هي جزء من ذلك الاختزال والمحْو... ومثل إجراء كذاك يدفع بتلك المجتمعات لأن تكون بمعزل عن حركية العالم في بعدها المتغير والمنتج... وأية محاولة للإنعتاق والتمرد على تلك الرؤية تكون بمثابة تعدٍّ على عدد من المفهومات والثوابت ...التي تدّعي الخوف عليها: الهوية... الأصالة... الذات الجمعية المتفردة!.

***

تظل الذات "محور العالم"... الذات في بعدها المنطلق للدخول في متطلبات الجماعة والتفاعل مع تلك المتطلبات.. بحيث تتحول إلى أداة فاعلة تهدف إلى وضع نفسها في تصرف التحرك والتفاعل الجمعي سعيا وراء الخروج من حال "الخاص" الى حال "الكوني"... على مستوى التكيّف... الإنسجام... التغيير بصفته ضرورة تثبت حركية الحياة!.

***

وفي مواجهة إرجاع الزمن الى لحظة البداية بكل ما يتطلبه ذلك الإرجاع... والقول ضمن - عدد من المقولات - "بأن ثقافة شعب ما أفضل من ثقافة شعب آخر"، وبشكل قاطع وفي المطلق، تدفعنا الى إعادة النظر وقراءة ما توصل إليه كلود ليفي - شتراوس في عدد من أبحاثه من خلال تأكيده أن التعصب لمثل رؤية كتلك إنما تكشف عن حال من الاستلاب إزاء الثقافات الأخرى... وفي جانب، هيمنة معايير الثقافة تلك على البشر المنتمين إليها والتبعية لها.
الثقافة التي لا تدشن أسئلتها حول العالم كفضاء كلي ومفتوح إنما ترمي الى تغييب حال من "التكامل"، وتصرُّ زورا على حال من "التفاضل"!.

***

ثمة تجاذب في الزمن "العربي - الإسلامي" الخاص... أو لنقل ثمة حال من "الهذر" لتلك القيمة وبمعزل حتى عن النصوص والوصايا والهدْيين القرآني والنبوي... وحين أشرت الى وضعية إرجاع الزمن الى لحظة البداية لم يكن ذلك الإرجاع على ارتباط أو صلة بفاعلية وحسمية تلك القيمة بقدر ما هو ارتباط به ضمن إطاره التقريري الجاهز بعيدا عنه وهو في الصميم والمركز من التحكم في فاعليات البدء ونوعية النتائج.

***

زمن يمعن في "زخرف" الممارسة فيما هو بمنأى عن "لب" الحضور وتأثير ونتائج تلك الممارسة... زمن بمنأى عن النموذج الأول ... ولن يكون مقنعا القول: ان ما استحدث واستجدّ في حاضر الزمن يظل علامة فارقة عن بدائية المتاح وقتها... إذ ما تم تحققه يضاف الى رصيد ما يفترض إنجازه وبنوعية عالية... من دون أن ننسى أن مساحة كبيرة مما أنجز وأتيح من أدوات أنتجها استثمار الزمن لدى الآخر الذي ظل في موضع الاتهام وعرضة لأن يكون تحت مجهر "التفاضل" ومقصى عن الإيمان به كطرف رئيس في حال من "التكامل"!.

***

زمن عربي - إسلامي، يؤجل الثمرة والنتائج كتبرير لعدم فاعلية الزمن المشهود، والحياة المشهودة، يمثل أنموذجا صارخا لردّة وتجاوز لنصوص ووصايا الهديين القرآني والنبوي، فيما أصحابه يتحدثون باسمهما آناء الليل وأطراف النهار!.

***

زمن شائع في "الكلام"... محاصر في "الفعل"... حاضر في "البلاغة"... غائب عن أثر ونتائج تلك البلاغة... ممتد في النصوص... مقلّص في الممارسة... متطاول في الاستشهاد... مغمور في السائد... شاسع في التصور... محاط ومسوّر بالتفسيرات الخاصة!

***

زمن رصيد أتباعه وإنجازهم "النظْم"... نظْم فوضى توجههم وتعاطيهم مع المصيري... مع أولويات وجودهم... نظْم يذهب حد "المسامرة" واللهو بل والعبث... زمن يطمر الآبار ويحبس الروافد ويسمّم القنوات ويثير حولها فزعا وهولا يدفع جلّ الأمة المنتسبة له الى اصطفائه كشرّ "مستطير"... زمن هو في الغياب من "الهامش" يطالب بالحضور في "المتْن"... زمن "الحقيقة" عنده مطلقة... فيما هو أسير للمضاف من الغيبي الذي لا علاقة للهدييْن به!.

***

زمن كهذا... حريٌّ بأتباعه أن لا يتشدّقوا بانشدادهم وتمثلهم له لحظة البداية... حريٌّ بهم أن يقرأوا ويواجهوا أزماتهم بشكل عملي... عليهم أن يؤسسوا لطرق أخرى في تعاطيهم وفي رؤيتهم وفهمهم للعالم... أن يتجاوزوا ما "كان" الى ما هو "كائن"!.

***

زمن على أتباعه التفريق بين "قمع" السياسات و"كبت" الفهم للنصوص...إذ ثمة كبتٌ يُسْهرُ عليه ويُراعى من دون قصد... كبت يتولّد من الإصرار على بنْية في التوجه والتفكير والتعاطي وحتى الإتصال... وهو اتصال "حذِرٌ" و"ناقص"، بل "مقطوع"، طالما استأنس بفهمه وتفسيره واستوحش بفهم وتفسير الآخر. زمن على أتباعه الخروج من "التبسيطية الطبقية".. والنفاذ الى عمق البنية الثقافية.

***

ثمة تلاشٍ في الزمن الراهن للكونية التي قام عليها الإسلام والفكر الإسلامي ، يتوظيفه للزمن خير توظيف... ثمة بديل صُراحٌ لذلك... ويبدو انه بديل بات مقنعا لكثيرين... بديل يتمثل في تفشي الدويلات وتناسل المذاهب والطوائف!. ألم يتحول الزمن في ظل واقع كهذا هو الآخر إلى زمن دويلات وزمن مذاهب وطوائف؟ زمن هو في الصميم من التشظي والتجزيئ؟.

***

كأنه زمن الأهداف السهلة... كأنه زمن قتل الحيوية في الأمة والإحتفال بزوالها!. كأنه الزمن الذي يشحذ أدواته للعنف... العنف المُبارك! العنف الذي يُوجدُ مواسم الإطاحة برؤوس أصرّتْ على الذهاب في اتجاهات معاكسة... فيما القائمون على ذلك الزمن لا يتحمّلون مثل ذلك الذهاب بعيدا عن التعاليم التي تكرّستْ على هامش الهدْيين القرآني والنبوي!.

***

من رؤية ذات الزمن الذي نحن بصدده تظل "الحقيقة: سلطة بالضرورة... والطغيان: في صلبها... والمعرفة:طرْدٌ للآخر الذي لا يؤمن بها"!.

***

زمن يضع الموروث في مرتبة النص... لا يستثني من ذلك الموروث جانب التعاطي مع المعنيّ بتفاصيل "البشري".


إقرأ أيضاً:

أقرأ أيضاً: