جمانة حداد

جويس منصورهذه الملكة ذات القامة الفرعونية، هذه الساحرة نظرتُها، المأهولة راحة يدها بالغابات والعصافير، كيف كان يمكن ألا أحبّها وهي من جنس النساء اللواتي لا جنس لهنّ ولا شاطئ؟ كم سكنتني وسكنتُها منذ ولادتها في انكلترا عام 1928 الى حين رحيلها عن 58 عاما، بعدما رافَقَتْ قطّّاع الطرق السورياليين في حرائق اللاوعي والحلم والحرية! وكم جبتُ معها أزقة باريس ودكاكينها الصغيرة بحثا عن الغرائب لمجموعة صديقها اندره بروتون- المجموعة نفسها التي أريقت كنوزها العام الماضي بالمزاد العلني- وكم نزلنا يدا في يد الى الجحيم وعدنا بغنائم وفرائس ودروب لا يفهمها سوى الملعونين الأنقياء!
هذه اللبوءة السمراء المأهولة راحةُ يدها بالغابات والعصافير، لا تقرأوها، لا تقربوها إن لم تكونوا مستعدين لجنونها الجميل. فأولئك الذين يدخلون قصيدتها الشرسة، ويلسعهم إيروسها الدموي، لن يعودوا كما كانوا. أمّا أولئك الذين يلبّون نداء شجرة تفاحها، فسوف يطردون من الجنّة مرتين: مرّة لأنهم عرفوا، ومرّة ثانية لأنهم عرفوا.   
هذه الملكة الحالكة، المشرقة علينا من أرض النيل، استحقوها.

ج.ح.

*****

ليستفزّكَ نهداي.
هكذا أريدكَ:
غاضباً.
أريد أن أرى عينيك تتخثّران
ووجنتيك تتجوّفان حتى البياض.
أريد رعشاتك:
فانفجرْ بين فخذيّ
ولتُستَجَب رغباتي على الأرض الخصبة لجسدكَ الداعر.

* * *

دعني أحبّكَ.
أعشق طعم دمكَ الثخين
طويلا أحفظه في فمي البلا أسنان
كي يحرق وهجه حلقي.
أعشق عَرَقك.
أعشق ملامسة إبطيك
الراشحتين غبطةً.
دعني أحبّكَ
دعني ألعق عينيك المغمضتين
دعني أفقأهما بلساني المسنّن
وأملأ محجريهما بلعابي الظافر.
دعني أعميك.

* * *

مكائد يديكَ العمياء
على نهديّ المرتجفين،
الحركات البطيئة للسانكَ المشلول
داخل أذنيّ المثيرتين للشفقة،
جمالي كلّه غارقاً في عينيك البلا بؤبؤين،
 
والموت في أحشائك ملتهماً دماغي:
هذا كلّه يجعل منّي صبيّة في غاية الغرابة.

* * *

رذائل الرجال
ملعبي
وجروحهم أقراص حلوى لذيذة.

أحبّ أن أعلك أفكارهم الدنيئة:
بشاعتها تصنع جمالي.

* * *

إنساني.
لتتنفّس أحشائي هواء غيابكَ النظيف
لتسر قدماي من دون أن تبحثا عن ظلّك
لتصبح رؤيتي الرؤيا
ولتستعد حياتي أنفاسها.
إنساني يا ربّ
إنساني لكي أتذكّر.

* * *

سوف أسبح إليكَ
عبر فضاءاتٍ عميقة
بلا حدود
حامضة مثل برعم وردة
وسأجدك أيها الرجل الجامح
نحيلاً ومغموراً بالأوساخ
يا قدّيس الساعات الأخيرة
وستجعل مني سريركَ وخبزكَ
وقُدسكَ
ويوم يغلبني الصمت
سوف أكتب بيديّ الاثنتين
سأتقدم بركبتين مشدودتين
بنهديّ الطافحين
وبصدري المريض من فرط الصمت المكبوت
ويوم يغلبني الموت
سوف أصرخ بكل قواي
كي لا أقع حين تتكهنني يداكَ
عارية في الأرض الحارقة
سوف أخنق نفسي بيديّ هاتين
حين يلعقني ظلّك
ممزّقةً في قبري حيث تلمع نباتات الفطر
وسوف ألملم نفسي بيديّ هاتين
كي لا أقطر في صمت المغارة
كي لا أكون عبدة حبي الفائق الحدّ
وستستكين روحي
عارية في جسدي اللذيذ.