لقد خنتكم جميعاً
فدلّوني إلى تينةٍ
أتدلّى منها
لا تدعوني أحسد يهوذا
رأيت قرى
عمّرتها يد الجحيم على عجل
رأيتُ أطفالاً
لا يحلمون
لقد أتيتُ ولم أشارك
يا لقلّة حيلتي
من يمنحني ثأراً فأركض؟
وأبتهل
لإله بسيط آمنت به
رقصنا طويلاً
أدرنا أكتافنا البضّة
وتغامزنا
عن روح الميت
رجال كثر
دبكوا في أحلام العذارى
رفعوا قبضاتهم عالياً
شبكوا صدورهم المشعرة
بطَرْقهم السريع للأرض
علت أكفّ المولولات
فاض بحر من حيض
وبحر من مواليد
والصواني تدور
يغمسن أيديهن في دم القتيل
يبتسمن حتى تتفصّد الشفاه
الأرامل
وبنات الهوى
ومن زرن بيت الله الحرام
يا أسماك بحرنا
الملوّث،
لا صيادين في الأزقّة
يشقّون النفايات بحثاً عنّا
لا تجوع الأفواه الآن
ثمة من جاء من السماء
سهم من ملاكٍ حقود
أضرم أقدام الصبية
كيف ألوّح؟
وقد فقدتُ يداً بالأمس
اليد التي كانت ستطلق الزناد
على صدغي
سامحي عبوري الخفيف
يا ضاحيتنا
يا شعور بنات أرضي
المحروقة
يا أثمار أرحامهن
الممزقة
سامحيني يا نظرة أمي
الأخيرة
يا دعاءها الذي
بدّدته الطائرات الحربية
ويا فستان العرس الذي لم أرتدِ
طعم سميك كالقطن
راح يتجمّع في فمي
لم أطلب كوب ماء
ولا سيارة إسعاف
انهرتُ فقط
تظاهرت أني لا أسمع
قرعهم بالمطارق
صفيح سمائنا.
صدّقيني أيتها النجوم التي هجرت سطح أهلي
لقد انتابتني تلك الليلة
رغبة قي تقبيل
الجدران
وفي جمع الغبار المتبقي
تحت بوّابة ذاكرتي
سقط الكثير
ممن حاولوا اجتياز الطريق
أو استيقظوا صباحاً
وقالوا: نحتاج خبزاً
لم تنهمر قطرة واحدة
ربما لا أنهار لدينا
وربما سنلتهم أطرافنا
قبل أن تفعلي
لم نطلب منك أن تبكينا
لكن لا تكوني سامّة
يا ضاحيتنا.
دم الأرض
لا يكفي
لكتابة كلمة أخيرة
أريد بلا خوف
أن أُصرع
بعيداً عن جنّة المعمّمين
وعن حروب
الكون التي لا يد لي فيها
كمعصم مفتوح
أكتب كلمتي
وأمضي
سامحوني
لأنكم لم تحتملوا
وجودي
كيوبيد لم ينجُ من سهامه
لأن الوعي مهزلة الآلهة
والقمر بداية النفق.
حفرتُ عميقاً
في جسد هذه المدينة الجرباء
ربما بعد ذهابي
سيغدو الدم أكثر حمرة
ربما يملأون جرار النوم بالعسل
وما همّ
الكثير من الورد الضار
نبت في شراييني
التي طاشت عنها
نظراتك يا ألله
هذه السنة
جاء الخريف قبل أوانه
استدعته نذور أرملة
سنحتاج مصحّات كثيرة
لرفع هذا الركام كله
استخففنا بك أيتها المأساة
فغرّرت بنا
لا داعي للتبرّج الآن
لا داعي للاحتشام أيها الجنون
ماذا يفعل من كان الهاوية نفسها؟
بقليل من الصراخ
شلّوا يديّ
ليس للوقت منحدرات
كما قالوا
هي أرجلنا تزلّ
حين تملّ الاتكاء
أنحتاج توابيت حقاً؟
ألا تكفي هياكلنا العظمية؟
لقد وزّعنا الكثير
من بيانات الاحتجاج
ولم نمنع شتاءً من القدوم
شطّبنا بالحبر وجه الأرض
ولم نغيّر نهاية واحدة
لقصة واحدة.
كان جسر الفراغ طويلاً
حزمنا ما استطعنا من حزن
ونزحنا
مرة أخرى يعلنون بمكبّرات الصوت
أن الملحمة لم تنتهِ كما يجب
مرة أخرى نهزّ رؤوسنا
ونهرع للحصول
على دورنا
في دورات المياه
ثمة صبيّة في الصور العائلية
اختفى وجهها
ولم ينتبه أحد
يا ضاحيتنا...
لم يعد لنا عناوين
وهذا الحزن لا يكفي
الأشواك تسأل عن فستانها
وطفولتي المعلّقة على حبل
رائحة الصلوات الصاعدة
من جبينها
وكلّ الأولياء الذين انتظروا زيارتها هذا العام
لقد ماتت
وحين لفّوها بالخيش
لم تحتجّ على رائحة الدواء المُطهّر
أصغت إلى أسماء عتيقة
لأئمة لا يموتون أبداً
الأدعية عيون الفجر
وهذا الذي ينبجس فجأة
سرّها الصغير
على شكل نقطة
تخرج من زاوية العين
لقد ماتت
وضعت إصبعها على القبر
كي لا ينبس بحرف
(أو وردة؟)
ما زلت أتنفّس
رغم كل ما كتبتُ
بعد اليوم
لن يصدّقني الموتى
حوّمتُ حول جرحي
وسط هذا الدمار
وكانت المدن تتداعى
في راحتيّ
يحكى أني كنت هناك
حين مات الجميع
ولم أجد سبيلاً
إلى موت أو جنون
أنا قاتلة
ما دام الكلّ يطوفون حولي:
أبّدتني في الانتظار
ولم تعد خلطتي
رغم انك وعدت
أيها الرب!
شرّعنا قلوبنا للنهب
هتفنا باسم أخيل ومحمّد
كان لصرخاتنا قرع مختلف
هل تذكر؟
قالوا إنها جنين
تلك اللطخة
ولم نُعطَ الوقت
لشراء فستان للصغيرة
قصصتُ جدائلي
ورقصت فرحاً:
خصل شعري
عجز أصليّ فيّ
كلّ مرة يغلبني هذا الشعور
بالامّحاء
لا أراني إلا صدىً
لكائنات أخرى
يد بديلة ربما
أحبك
كما أفتح نافذة الصباح بعد مأتمي
وتعشقني
كأني جواب عن أسئلتهم
هدّئي من روعك أيتها السنوات
لا بد أن يأتي فصل من كتاب
على قدميه
ويركض حتى يدمى
كمعصم مفتوح
هو هذا الفجر
الذي طرحه الليل عند بابي
لقد ترقّط جلدي
من الكلام المخبوء
هلا استعدت أمواتك أيتها الأرض؟
أين تذهبين بعيوننا
حين تنطفئ المرايا؟
أيتها المدفونة
في ركامي
اخرجي الآن
باسم هذا الدمار
الذي لا يسمّى
لا رأس لي
والعبيد يتناتشون إلهاً واحداً
لقد دفنتُ جمجمتي بينهم
فأساءوا إليها،
نقشوا عليها مأساتهم
صارت كرة أرضية
وصاروا كهوفاً
كنا جميعاً عالقين
في شراك نُصبت لغيرنا
في حياة لم نردها.
لن أتوقف عن الكتابة هذه الليلة
سأكتب كما لو أن الموت
لن يأتي أبداً
سأزعم أني أرى
أثراً لإبريق مكسور
أيها البيت اخذلني الآن
سأموت كما يليق بخائفة
لا أعرف إذا كان للأطفال الإسرائيليين
أسنان مثلنا
تلمع في الصور العائلية
لا أعرف كيف تبكي النساء هناك
يا أولاد الضاحية
يا أطفال الموت المكرور
كان ينبغي أن تموتوا كي نرى
ضوءُ الكاميرات ليس شحيحاً
فأسبلوا للرحيل
أعينكم
لم يستشركم أحد
إن كنتم تريدون دخول الكتب
لكنهم سيمنحونكم أسماء مختصرة
ثم يهيلون التاريخ عليكم
هل يحق لنا أن ننظر؟
لم نملك ثمن حياتكم
فلا تقبلوا حصصنا الغذائية
واحد هو هذا الموت
وأنا مجنونة بما يكفي لأرى
لأشتري جريدة
أو أفتح تلفازاً
ستون قبراً لموت؟
نعاني نقصاً في الحقد
تنحّي يا أشجار الطريق
ثمة شيخ يعرج في ماضيّ
ثمة معادن يجذبها دمي الممغنط
لديّ جرح وسرير
على أيّ منهما أنام؟
لديّ دمع
والنازحون لا يحتاجون ملحاً
أجهل تلك الخريطة
أكرهها
لقد رحل السكّان
وتركوا عينيّ مضاءتين.
"ملحق النهار" 1 تشرين الأول 2006