أحمد مدن
(البحرين)

مسيرة

أحملُ مِنْ أوتارِ النهارِ صِبْيَةً يهرعونَ للشارعِ ، لا تندى عزيمتهم ، يطلقونَ وَبْلاً مِنْ حناجرَ ، يطلقونَ وحدَتهمْ ، والشمسُ ترسمُ رحيلها فوقَ رؤوسهمْ كأنّها ظلّهمْ ، والناسُ غارقةً في شعاراتِ البيعِ وفي جُملِ السياسةِِ المترْفةْ ، والعرباتُ سِراعاً لا تستبقيْ سؤالاً ولا تُجاورُ جواباً لهمْ
ونحو هذا ونحو ذاكَ ، الفِتْيَةُ بقمصانهم الملوّنةُ بزْهر البراءةِ ، لا يوقظونَ سوى العسكرِ ولا يَصْطَفونَ سوى أخوةٍ ورفاقٍ تواروا قبلَ مدّة.
وحدهمْ وقصاصاتِ الورقِ وباقاتِ التحدّي وقبضاتِ الأملْ
وحدهمْ والآخرونَ بُزَّتهمْ جاهزةْ.

2006-05-05

ناحية

(النويدرات على الأرجح أو ماشابهَ القلب)

بينَ أنْ يطالكِ الوردُ
وأنْ ترمي إليكِ العصافيرُ خَبْطَ أجنحةٍ
كنتِ حافّةَ القلبِ
كنتِ أمسياتِ الدروبِ
وكنتِ جادَّةَ الشجرْ

وهذا الصباحُ أُدْلِقُ منْ شرفةِ النهارِ كتابَكِ ، كأنَّ نسيمَ الساحلِ وطأةُ الساحةِ ، وكأنّ خريفَ الحدائقِ ماءُ الكتابةِ ، وكأنيّ خَلَلُُ البداياتِ ، ورجرجةُ الحضور ورقرقةُ الطيورِ وقلبُ المطرْ

لنْ أدليْ بدمي
لنْ أتقاطرَ دونكِ
لنْ تجمعني الصبواتُ وسواكِ
لنْ نُشْرِكَ وادي الخروجَ
أو برّيةَ الدخولِ
أو بساتينَ الغربِ
أو ملوحةَ الشمالْ

ومثلَ أنْ تُدْرِكَ خَبَبَ القلبِ في تفاصيل الهَطْلِ ، ومثلَ أنْ ترشُفَ ظِلَ الرحيقِ في مرايا العشبِ ، ومثلَ أن تتموسقَ وهذا الخريرَ ، ومثلَ أنْ تهفهفَ خفقةً منْ سَعَفِ الهسيسِ ، ومثلَ أنْ تُغرقكَ التفاصيلُ وتومئُ بالطَلَلِ المُسْهَبِ ،ومثلَ أنْ تصحو يداكَ فلا تعْرِفُكَ المنازلُ الخفيضةُ ، ومثلَ أنْ تنأى الكتابةُ فلا تقربُ إلاّكَ ،ومثلَ أنْ يغزو القَفْرُ ويكتبُ جنودَهُ في الجّذوعِ ومنها الواقفُ ومنها النافقُ ، ومثلَ أنْ يستريحَ فيكِ دمي النافِرُ بالرطوبةِ والمآتمِ والبطالةِ والنومِ وأحلامِ اليقظة .
وقدْ يَُلْقَي الشَطَطُ أبوابهُ ، قَتَنْقُرُ جدرانَ الأحوالِ ، وتَطْرقُ ألقَ الكتابةِ و المحوِ ، وسيرورةَ الشبابِ ، وخرائطَ الإعتقالِ ، وممّرّاتِ القيظِ ، وأرصفةَ التُربِ ، وطرقاتِ التعدّدِ ، ومصابيحَ تهمسُ طقسها وتنثرُ أثقالَ الموتِ و النعاسْ .

ِ فصلُ الكلماتِ والأعذاقِ والكبار على مصاطب الصباحِ ، وفصلُ شخوصكِ يقطرُ أُلْفَةً مِنْ حكاياتِ التكرار يُلََمْلَمْنَ هوامشها نسوةٌ يُشاغبنَ ضجيجاً وعِراكاً ويفضحنَ خواتمَ الرجالْ

بابُ الطرائقِ ماءُ الذاكرةِ، وبابُ النوافذِ ظلُّ المارّةِ، والشغافُ فخاخُ الفتْيَةِ ، والطيور مهاجرةٌ لا تحطُّ فوقَ أعجازِ النخيلِ، ولا تداري خيبةَ السفرْ

موجُ العُمرِ كمنازلِ البحر في بيوتِ المدِّ ، و كرفقة الريحِ لا تصحو إلاّ في غرفِ الطينِ ، ولا تسلسلُ إلا فقرائها ،ولا تميطُ اللثامَ إلاّ في بيوتاتِ السعفْ

شرائطُ الأحداثِ فُوّهةُ أعوامٍ لا تبدأها خمسةٌ وستونَ بعد التسعمائةِ والألفِ ولا تنهيها فصولُ التسعيناتِ أو مستهلِّ الأَلْفِ الثالثةِ ، أو يُراوغها ساسةُ دينِ مُتَبَرِّجونَ بتجارةِ لا تبورُ، أو يقترحها المتسلقونَ على أكتافِ فتية منْتشونَ بقمصانِ السوادِ وراياتِ التظاهر وشعاراتِ الجدرانِ واكتظاظ البيوتِ وزخّاتِ الندواتِِ المتلْفزة

مرفأُ وحْدتها في يديها وعلى مسافةٍ تقرأها كيلومتراتِ معدودةٍ تتداولُ القرى المجاورةُ البساتينَ التي أقفرتْ والبراري التي زرعتْ طابوقَ بيوتاتٍ متعاقبةٍ ، وخرائبَ عنيفةٍ وصفائحَ آسيويينَ ، وملاجئَ أنقاَضٍ ،
وكلابُ التشرّدِ مبثوثةٌ تذرْذِرُ غوايةَ الصغار وفسحة َالنباحْ

قمر النهارِ شمسُ ضحاها وحميمها اغتسالُ البحرِ بساحلِ العمرِ والضوءُ رحلةً من ْ عتمةٍ لا تغادرُ سطوحَ منازلها ولا تبرأُ منْ قاطنيها ولا تشفى مِنْ لغطها ولا تقاضي بارئها ولا تغفو على صفيحةٍ مِنْ كلامْ

وأعتابُ الصبابةِ سلالمَ مِنْ شرقِ الصبخةِ وآسنِ البحرِ حتى غروبَ الساحةِ وبقايا ملاعبَ وبقايا مظاعنَ قيظٍٍ والتمْرُ هجرةُ أصحابهِ كمنْ يشعلُ وجبةَ الشمسِ ، وبقايا مساجدَ إنفضّ عنها المؤدلجونَ، ولمْ تعد الدروبُ تحملُ أسفاراً منْ دوابٍ أو أسفاراً منْ غُتَرْ
فصيلُ الموتِ أو فصيلَ الطمأنينةِ كجثومِ أهلُ الإقامةِ و الرَحْلِ يلعقانِ آبارَ الجفافِ وخرائِبَ القلبِ والنهيراتِ منْ بَعْدِ أَثَرٍ لا تُمطرُ جوانبها ولا تُشْغِلُ قَطْراً ولا تُمهرُ جذراً ولا تهجسُ نقعاً أو تفارقُ غياباً أو تلامسُ الحضور

كأني بها أجدرُ ، أو على الأرجحِ أخاطرُ ،كأنيّ لا أسمّيها حدّ رَتَْقِ اللفظِ أو حدّ اختصار الولوجِ ، أو هفهفةَ الروحِ ، أو حدَّ الشَبَهِ ، أو حدّ المكوثْ

كأنّي أحاذر بها يوميْ ،
وكأنها لَبْثُ الماءِ
وكأنها جُرْعةُ الوقتِ بتفاصيل الوطنْ.

2006-05-10

البلادُ ،
كتابكَ المفتوحْ

إلى أحمد الذوادي

يا هذا
أنْ تكتبَ البلادُ قوافلها
أنْ تكتبَ لكَ هذا النشيدَ
أنْ تحفظَ خواتمها
أنْ تبدأَ فيكَ الصهيلْ

يا هذا
أتمطرُ البلادُ أنجمها؟
أتمطرُ هواتفَ النبأِِ؟

ياهذا
أتقرأ روحُكَ فضاءاتنا ؟
والبلادُ كتابكَ المفتوحْ

يا هذا
رِفْقاً
وكأنّ الأنباءُ تكاتبُ ربْكَةَ الخَبَرِ ،
وكأنّ الصمتَ سيّدُ الوقفةِ ،
وكأنّ ماضي البلادِ يُشاكلُ مدائنها ويلُْقي فقرةَ قراها ، وكأنّ قصائدها دونَ صلاةَ الشعرِ
لنْ أظلَّ أكتمُ دهشةً مثلَ حيرةِ طفلٍ تداولُ رغائبها وأنتَ نهارُ الكلامِ وندى الساسةِ وفصلُ الوطنية ووبلَ الحركاتِ،

ياهذا
أنْ تَسّاقطَ الطرقاتُ منازلها
أنْ تَفْتحَ النوافذَ
وأنْ تُعَبّأَ العتباتِ بالمارّةِ
وأنْ تَخْرقَ أسماءً لنا
وأنْ تستطيبَ المناشيرُ طفولتنا
وأنْ ترسمَ البواكيرُ أولّنا
وأنْ توقظَ فينا الدهشةَ ، واللفظَ ، وسِرْقةَ الكلامِ
ولونَ الهمهمةْ

ياهذا
صورتكَ واضحةٌ
كذاكرةٍ تقيمُ مساءاتها
أو تناولنا حشدَِ الطفولةِ
أو ترتضينا فُتُوّةً وزخّاتِ وطنْ

ياهذا
إنَ أشجاراً تلبسُ البلادَ أوّلَ العمرِ
وِجْهَةٌ منْ ظلالكْ
وإنّ ليلاً يُهيّأُُ أقمارَ النخيلاتِ
عذْق ٌ منْ رياحكْ
وإنّ صباحاً يداولنا بيانات الحلمِ
نهارٌ منْ قلبكْ

يا هذا
الخَفَرُ ، العَسَسُ ، الجواسيسُ ، الأمنُ ، العيونُ الحمراءُ
لا أحدٌ
لا أرْوقةٌ ضيقةٌ
لا سماءٌ زرقاءُ
لا نهارٌ أبيضٌ
غيرَ أنّا نصطادُ ما يُرسلهُ الصبحُ ،
وما تصطادهُ النوافذُ والعتباتُ ،
وما تقتضيهُ الشجاعةُ

هكذا نصادقكَ
أو هكذا نصادفكَ
أوراقَ الحجارةِ
أو سلاطةَ البيانْ

يا هذا
لرَّحْلُ قديمٌ
الرَّحْلُ جديدْ

لنا منكَ البداياتُ
لكَ منا النهاياتُ

ياهذا

2006-07-11

في أنْ تقربَ لبنانَ وريداً

صوتٌ ،
أنْ تقولَ لنا الأرضُ هيئتها وأنْ تعقدَ فينا خواصرها ، وأنْ تُجالسَ الحقيقةَ وتوابعها وأنْ تطالَ النشيدَ وشمسهُ ، وأن تملأ البيدرَ وحصيدهُ ، وأنْ تذرذر الصيفَ وغزوهُ

شوطٌ ،
أنْ تجيءَ لنا ملاحمُ خريطتها وأنْ يستمطرَ الكلامُ جغرافيةَ الدمِ ، وأنْ تكتبَ الدفاترُ وقعتها وأن تقصدَ المجازرُ أوتارها ، وأنْ تقرأَ الأساطيرُ شهادتها وسطوتها

شوطٌ ،
أن تراكَ الأرضُ في ضرورتها ، وأن لا تفقدَ النواحي صيرورتها وأنْ تلجَ الشجرَ والحجرَ والبشرَ، وأن تلقاكَ الصبوةُ واللقطةُ والموجةُ واللحظةُ

هي ذي نهاراتنا تقاتلُ المحطاتَ وتلغو في أنباءِ الغزوِ والقصفِ
هوذا يومنا يغزلُ سماءَ الجنوبِ ويهدر صورتهُ في أوطان ِالفرجةِ

لكَ الجهاتُ ، لكَ الطرقاتُ ، لكَ الدلالاتُ ، لكَ الإشاراتُ ، لكَ السمعُ ، لكَ البصرُ ، لكَ الرقابُ ، لكَ الشطرُ ، لكَ المدُّ ، لكَ الدفقُ ، لكَ الشفقُ

مطر القنابلِ ، والبلادُ تُسَلْسِلُ أياّمها وتهدي أنجمها وتشحذُ بلاغاتها وتشهرُ صورتها وتلقطُ فواصلها وتغزلُ عاداتها وقوافيها

في أن تقْرأَ المدائنَ لبنانيةً ، غير أن تتهجّى مدائنهمْ
في أنْ تَرِدَ الأماكنَ جنوبيةً ، غيرَ أن تسايرَ جهاتهمْ
في أنْ تَقْرَبَ بيروتَ وريداً ، غيرَ أنْ تجانبَ مدائنهمْ
في أنْ مَرْفَأً لكَ صُوْراً ، غيرَ أنْ تُساحلَ مرافئهمْ

خزائنُ روحكَ كينابيعِ السَكْبِ ، والرأسُ ماءُ النفيرِ ، وبعلبكِ وادي الجسدِ ، والصباحاتٌ قائظةٌ، وقانا ومروحينَ والشياحَ والقاعَ آلهةُ القُرْبِ ،

كانَ لكَ أنْ تمالئَ وجهتكَ القائمةْ
كانَ لكَ أنْ تمالئَ خُطوتكَ الدائمةْ
كانَ أنْ يستكينَ لكَ ليلُ الفضائيات وأنْ يَلْبَثُكَ قمرُ الجنوبياتُ وأنْ يهرعَ المكوثُ ولا تغادر التمهّلَ
وأنْ تقرأَ في غرفتكَ المدائنَ المثقلةَ بالغيومِ والدخان

ليسَ أكثرُ منْ أنْ يكتبَ الأبطالُ قواميسهمْ ، وليسَ أكثرُ منْ أنْ يهدرَ الشهداءُ ريحهمْ ، وليسَ أكثرَ منْ أنْ تنالَ القوافلُ سيرتهمْ ، وليسَ أكثرُ منْ أن تغادرَ الطائراتُ أجسادهمْ ، وليسَ أكثر منْ أن يبذرَ الغزاةُ مجازرهمْ ، وليسَ أكثرَ منْ أنْ يكتبَ الأطفالُ دمهمْ

على مرأى الغزاةِ روحكَ
على مرمى الغزاةِ صورتكَ

وحدكَ ،
وحدكَ ،
فقرةٌ تجانبنا
وحديثٌ لا يشابهُ جملتنا
وتمضي بنا ، لبنانُ نهيراتِ القلبِ وسقياهُ فرائصَ منْ وتدِ الهجيرةِ ، أو تمائمَ وردٍ تصاحبُ نارَ شجيراتنا ، أو تُقاطرناَ صُحبة نهاراتِ الذهولِ ، ولا ترافقنا غيرَ سورةِ الإمتحانِ ، ولا تدهشنا غيرَ حثيثِ الخطوِ ودبيبِ الشهادةِ

دمارٌ ينشرُ فضائهُ
أنقاضٌ تلوَ أنقاضْ
جثثٌ
كبذار الليلِ
كبذارِ النهار

الحرائقُ تكتبُ دخانها ، والحدائقُ تُبَرّْعِمُ أطفالها ، والجنوبُ طرفُ الجهاتِ ، وبيروت مدينة المدائنِ ضاحيةً للجنوبِ وضاحيةً للدمِ وضاحيةً للقلبِ وضاحيةً للمَشَاهدِ وضاحيةً للتفاصيلِ وضاحيةً لمطرِ القصفِ

البحرُ ينشرُ رذاذهُ
البحرُ قذائفَ
البحر موتٌ
والبحرُ شجرُ الرمادِ

الغزاةُ تقاطروا ، والكونُ معالمُ حشدٍ ، وقانا تحاصرُ قاتليها ، والأنقاضُ تزهرُ أجساداً ، والبيوتاتُ لا تفارقُ الجثثَ ، والطرقاتُ نافذةٌ للقنصِ ، والجسورُ صلاة التراب

قلبُ العالمِ ظلمةٌ
الأرز شمعته الوحيدة.

14/8/2006

جهات

أقترحُ في مثلِ هذهِ الجهةِ البادئةِ ،
أنْ لا يعتريني حديثٌ يُشابهُ دبيبَ النهارِ ، أو يتقاطع وجسرَ الليلِ، ولي منهُ سرادقَ القلبِ ، ولي منهُ رواقَ الصمتِ ، ولي منهُ دلوَ الأحبّةِ ، وطرفِ الأصدقاءِ ، وإناء الصِبْيَةِ ، وفُتُوّة الشبابِ ، وطفوِ الطفولةِ ، وعَبَثِ الأحبّة

أقترحُ في مثلِ هذهِ الجهةِ الثانيةِ ،
أنْ لا يهاجسني هسيسٌ أو يشاغبني حفيفٌ أو يجانبَ أطرافي شغافٌ ، أو يتلوني همسٌ أو تسقطَ منْ بلاغاتي خطاباتٌ القادةِ ، أو تتناولني الهزيمةُ في ربيعها ، أو تمطرني الصلواتُ في تراتيل الفجرِ أو يعبؤني الوقتُ مشاغلَ حنين ٍ أو مشاعلَ صدفةْ

أقترحُ في مثلِ هذه الجهةِ الثالثةِ ،
أنْ أتواصى بالبحرِ ، وأن تساحلَ قلبي جزائر القصفِ ، وأنْ تندى ثيابُ القطراتِ ، وأنْ يهزجَ المدُّ ، وأنْ تشاطىءَ السواحلَ سفائنُ البَلَلِ ، وأنْ تعانقَ الغربةُ فضاءات الموجِ، وأنْ تشاطرَ الطيرَ المرافئُ، وأنْ تستقيمَ الأجنحةْ

أقترحٌ في مثلِ هذه الجهةِ الرابعةِ ،
كما لو لم تقترحني الأمسياتُ ، وجهةً مِنْ خَبَبِِ الأغنياتِ ، أو لوحةً في أُطُرِ اللحنِ عندَ أقصى مناخاتِ الوقعِ ، أو أشدّ إيقاعاتِ الوِطْءِ في لمّ سلالَ النجومِ على تخومِ الظلمةِ وشِراكَ السماواتِ القريبِ، أو شرفةً لحبائل النومِ عند مداخلَ اليقظةْ

أقترحُ في مثلِ هذه الجهةِ الخامسةِ ،للجولةِ أبوابها ، وللصولةِ نوافذها ، وللحربِ تجارها ، وللهمجِ سرائرَ الدمِ ، وللحكامِ مقاعدَ الشعبِ ، وللجماهير الشوارعَ ، وللخيبةِ قسوتها ، وللموتِ طرائقهُ وأطفالهُ ، وللجثث أنقاضها ، وللعسكرِ أنواطَ الفرجةِ ،
ولي منّةَ الكتابةِ ، وهديرَ المكيّفِ ، وشاشةَ الحروفِ ، وعطبِ الساعةِ ، وخرابَ الأملِ ،

أقترحُ في مثلِ هذه الجهةِ السادسةِ ،
أنْ نتبادلَ نخبَ اليومِ ، وأن نتدارسَ شرائطَ الكلامِ ، وأن نستسقي غمائمَ العمرِ ، وأن نتواطأ واللهجاتِ وغرائبَ الحديثِ ، وأنْ نتهادى صباحاتِ التَيَقّظِ ، وأن ندلقَ ماءَ العشبِ ، وأن نروي رطبَ الظهيرةِ ، وأنْ نهندسَ أصابعنا ، وشيئاً من رطوبةِ دمناَ

أقترحُ في مثلِ هذهِ الجهةِ السابعةِ ،
ينابيعَ النهاراتِ ، أوائلَ الوردِ ، فضائلَ الفتحِ ، نسائمَ الفصلِ ، شرق الشمسِ ، أقمار الفضاءاتِ ، مواسمَ الطيرِ ، قطارَ الوصلِ ، أطرافَ البدءِ ، مفاصلَ الصباحِ ، هدهدةِ المصابيحِ ، ثرثرةَ الصحوِ ،
بذْرَ المساءاتِ ، ذرذرةَ السطرِ ، فتحَ اللهِ والكلماتِ ، خرائطَ النحوِ ، كتائبَ الأصدقاءِ ، شرائعَ الحبِّ ، قناديلَ الصورةِ ، شجيراتِ الصبابةِ، منازلَ الحنينِ ، قرائطََ العشقِ ، سرايا الندى ، طلَّ الهطلِ ، قطرات الشفِّ ، وصالَ الشوقِ ، نهيراتِ الطفولةِ ، جُنباتَ الدمدمةِ ، مهابطَ الروحِ ،خبطَ القلبِ ، مراتبَ النبضِ ، أصيلَ الجهةِ الغاربة

أقترحُ في مثلِ هذهِ الجهاتِ جَمْعاً ،
ِلَمْلَمَةَ الغروبِ ، أبوابَ المغادرة ، رفرفةَ الرحيلِ وهبّةِ الذهاب .

2006-08-21

تداعيات

(1)

مذْ أكثرَ منْ شهرٍ وأنا أستنطقُ العالمَ وألوي عنقَ العربِ ، مُبصِرَةٌ يدايَ ، وخريرَ القلبِ يرشحُ مِنْ أفئدةِ النهارِ وليلي تَجاسرَهُ الرعبُ ، وأطفأَ سرَّتهُ هديرُ العتمةِ ، ولستُ أداريْ سوءةً أو أطلقُ خطيئةً،
أو أكتفيْ بالإذاعاتِ ، أو أمازجَ نومي بالمشيةِ وعَصَبِ الإحتضارِ وموتِ الحديثِ
أحفرُ ، أظلُّ أحفرُ ، أكثرُ منْ شهرٍ ، وأعمقُ منْ مطرٍ ، وأقسى مِنْ قصفٍ ، وأبعدَ مِنْ صباحْ
توقُ الروحِ على طللِ الكلامِ ، وطفلُ الماءِ نسيجُ الوحدةِ ، ولا آخرَ في الصفِّ ولا ابتداءً للحضورِ
أعمقُ مِنْ غيابٍ ، وأقصرُ منْ ومضةٍ ، لا مدنَ ، لا عواصمَ ، لا خرائطَ للساسةِ ، ولا وِرطةً للخيبةِ
أمازجُ قدَرَ اليومِ ، وأهصرُ شغافَ القضاءِ ، وأجولُ زمنَ الغيبةِ ،
يدايَ مبصرتانِ
وعينايَ مغمضتانِ
وأطرافيْ فضّ الغيابْ
ردْهةُ الصورةِ ضيقةٌ
وطرائقَ الرسمِ ضبابُ الريشةِ
ومذْ أحللتُ فيكمُ الجنوبَ لا حَمْدَ دونهُ ولا هفهفةَ الصيفِ ولا مراتعَ الرطوبةِ ، ولا امتثالاتِ الجهاتِ
النسوةُ لا يغادرْنَ ، يَمْتَشِقْنَ اللَبثَ ، وتكابرُ الطفولةُ غلى أعتابهنَّ ، والجنباتُ مصائدَ اللحظةِ ، والسلالمُ تصّاعدُ أغْبِرَةً منْ صبايا
أنهضُ ،
مُنطفئٌ في دمي ،
وباردةٌ مفاصليْ ،
عينايَ فاترة ٌ
إلإّكَ ..
إلاّكَ .. .

2006-08-26

(2)

مُذْ أقبلتِ الأهلّةُ والصغارُ عناقيدُ الليلِ ، والنجيماتُ زخارفُ الصبيةِ ، والسهلُ بساطٌ الطائراتِ ، وأنا أُرهفُ المجالَ ، وأصيخُ السمعَ ، وأقضي مآربَ القلبِ ، وليْ مِنْ سهامِ الحربِ اكتظاظُ الجعبةِ ، ولي مِنْ شظايا الشهر والنصفِ زيفُ الساسةِ وابتداعِ التحليلِ ، ولي مروقُ التفاصيلِ والهواءٌ المتكسّر في ثنايا المحطاتِ ، وليْ فقرةُ هذهِ النوايا وصورة الغزوِ وقسوة التهجير، ولي هشيمَ النهرِ وخطّ الأزرقِ ولي حنايا القبضةِ وتقاطيعَ الوصولْ.
أفهمُ غشاوةَ الوقتِ ، أفهمُ أراجيحَ الماءِ ، أفهمُ منازلَ القمرِ ، أفهمُ مراتبَ القومِ ، أفهمُ عسكرَ الوردِ
يمالئني الفهمَ غيهبٌ ، ويمالئني الفهمَ مطرُ القنواتْ.

2006-08-26

ثوابَ الركوبلأني ،
قدْ أُقِيْلُ الرغائبَ على حافّةِ النظرِ ، وقد أُسْقِطُ الترهاتِ مِنْ طرائقَ العينِ ، وقدْ يشرفُ منّي الكلامُ على تلّةِ الأوراقِ ، وقدْ أكوّمُ أنهار الليلِ على شمسِ النهار، وقدْ تتراقصٌ الفتراتُ في مضاجعي ، وقد تنهمرُ شهور القصفِ على مطالعِ أيلول ، وقد لا يؤاخذني حَذَرٌ منْ نومٍ أو يقتفيني قميصٌ قُدّ مِنْ ندمٍ ،أو تكابرُ بي سلّةُ أشعارٍ
فقطْ ،
لأنّي ،
حينها
أو
حينكَ
لا يغادرني البحرُ
أو لا تُغادرني السفائنُ
ليسَ لي غير هذا الساحلِ
ليسَ لي غير ثوابَ الركوب .

2006-08-27

أقرأ أيضاً: