احمد الشهاوي
(مصر)

وصية

احمد الشهاويتذكري ان الجرأة تنوّر جسدك، وتمنحه شوقا لا ينتهي.
فالجرأة مع العاشق فريضة، لما لها من سلطان ومواهب علي القلب والروح، ولا ينفع خجل في الحب. وقديما ماتت امرأة في قريتنا بذهاب عقلها، لأنها سلمت ما تملك من كنوز ـ لم تدركها ـ الى سلطان الخجل. فاعصري له أعنابك خمرة، تتثبت مكانتك في الحب.

وصية

أبدعي له في كل ليلة حياة أخرى لم يعشها معك. اخلقي له في كل ثانية اسما يشتق من اسميكما، واعلمي ان نفس العاشق تتفتح كلما ذكرت اسمه. فالاسم علامة الرسم. تأملي اسمك تجدي اللغة فيه مطابقة للفعل.

وصية

إذا قال لك عاشقك، لا مكان لي، لا ارض لي، فأين أروح، أنا غريب، دوختني البحار، وأبحث عن ساحل، فلتكن إجابتك: أنا دليلك، شاطئك الذي يعصمك من ضياع، ومصباحك المضيء أبدا.

وصية

ليكن توقك الى فعل الحب معه دائما لا موسميا، وإذا اقتضت الضرورات، فاضربي وعنفي وكثفي واكشفي وارشفي، ومعجزة الحب انه ابن نفس مطلَقة، فالزمن في يدك، وبالامكان ان نختصر حياتنا في ثانية واحدة مع المحب.

وصية

اجمعي جزرك الصغيرة المتناثرة في بحر ذاتك، فأنت رئيسة قلبك، ادخلي الى عاشقك رافعة علم دولة عشقك، فالعشق لا يصح وبين جنبي المرأة سبع سموات، وسماء السموات والسماء العليا. فعليك ان توحدي السموات ـ جميعا ـ في سماء واحدة هي أنت، العاشق يحب ان تأتيه واحدة في تسع نساء.

وصية

حدثيه دوما بأنه أهل لحبك، ينكشف لك، وتري فيه ما حجب، وقديما قالت رابعة العدوية: احبك حبين: حب الهوى وحبا لأنك أهل لذاكا .

وصية

وأنت تدخلين متجردة الى حضرة عاشقك تمتمي بالحديث اللهم أني أسألك حبك، وحب من يحبك والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد .

وصية

اجمعيه، ولا تشتتيه في بلادك، مكنيه منك بالكلية، فقديما قالت جدتك رابعة العدوية:
ليس لي عنك ما حييت براح
أنتَ مني ممكّن في الفؤاد .

وصية

اذكريه كلما نطقت، املئي روحك منه، لا تدعي مكانا شاغرا في قلبك إلا وله فيه موقع الرياسة، يقل لكِ: أنا والله احبك، أملكك ما أملك، ثم انفق عليك روحي حتي تهلك ، عولي علي روحك المنيرة كمشكاة فيها مصباح.. فهي فاتحة المحبة، والطريق الأتم للوصول الى المحبوب.

وصية

ليتملكك العشق، حيث الطريق الى قلب المحبوب خلود، وإذا أردت خلودا فاذهبي الى عاشقك، فعنده اصل الاشياء، وعندك الوردة التي هي كأس خمرتك.

وصية

كوني أسيرة عاشقك تتحرري، فما عجبت لشيء قدر علمي ان علي الأرض بشرا خلت قلوبهم من العشق، فقديما قال الجامي: وما دوران الفلك إلا من اجل العشق .

وصية

اعتبي كثيرا فالمحبة ـ كما قال ابن عطاء الله السكندري ـ: إقامة العتاب علي الدوام ، لكن حذار من الإشارة الى الفراق والهجران، ففيهما هلاك المحبوب، لأن الرسول يقول: يحشر المرء مع من أحب .

وصية

كملت أعضاؤك، ووصلت الى الرتبة العليا، فليتصل جسدك بجسده، ففـــي اتحــادكما ذوب نوراني، وعـــــشق عرفاني. اتخذي المحبوب غايـة لك في الدنيا، يتم لك العشق، وُتهْدَ روحك.

وصية

اعلمي ان القرب جُواني، والمحبة تغتني في البعد، فلا نقض لميثاق، ولا غدر بعهد، فالوفاء وقود العشق، فكوني قريبة بعيدة بلا مسافة.

وصية

اعلمي ان قلب عاشقك لا يموت، قد يفني جسدهُ، لكن يظل قلبه موحدا باسمك، فلا تخرجي عن اسمه، لأنك ـ كما قال النفري ـ: إذا خرجت عن الأسماء، خرجت عن المسميات وإذا خرجت عن المسميات، خرجت عن كل ما بدا منه لك.

وصية

لا تجعلي بينك وبين المحبوب حجابا، فمقامك معروف عنده، وبيتك بيته، وقبرك قبره، ودنياه فارغة إلا منك، وآخرته ليس فيها سواك.

وصية

كوني من الذين جعلهم الله من أهل الليل، فأنت ضالته في كل أين، وفي كل زمان، ولكن لليل حدوسا وقداسة، لا غائب بينكما، كلاكما حاضر.

وصية

لا تعاقبي قلبه، بل حاولي ألف مرة، فان القلب يلتئم إذا كان المحبوب مازال في عشقه إلهيا، وإذا فارقت مكانه، فلا تفارقي اسمه ورسمه، فالقلوب تبصر ما لا تدركه العيون، وإذا لم تريه في المكان، فالروح تشيله وتراه في كل حال.

وصية

اعرفي ان لا شيء يأكل المحبة غير الظن بأن العاشق قد تحولت روحه عن محراب محبوبه، فحكمي الباطن، فانه قاضي العشق العادل.

وصية

خلي حرفك يدخل في حرفه، تتحدا، وتكن لغتكما واحدة، لا تدعي للاختلاف محلا بينكما، فاسماكما مكتوبان في كل لغة، بحروف واحدة، صيرها العشق اسما كاملا للوجود.

وصية

لا تقيمي في النفي، فكل ما لدي المحبوب آت إليك، فالإقصاء ليس صفة فيك، وما خفي من سر محجوب عنك ستكشفه نفسك، فلم العجلة في مجاوزة المحبوب، واتهامه بما ليس فيه، أقيمي في قلبه، دعي قلبك يهجم علي قلبه، تتضح الغايات.

وصية

أقيمي في مقام عين محبوبك، تصليه في الدنيا والآخرة. لا تجاوريه في شيء، لأن في المجاورة مسافة، وفي المحبة لا يعرف الخيط من الإبرة، من العاشق ومن المعشوق.

وصية

اعلمي انه لا يسعك في الدنيا والآخرة غير محبوبك.
فالمحب الحق يعشق بلا سبب أو غاية، وإذا عرف سبب العشق فسد وانقطع. فاستمسكي بمن رأيت انه مرآتك الأبدية.
لا تجعلي قلبَ محبوبك يطمئن أبدا،
فإذا اطمأن القلب سكن، فعليك بالإيقاد والإحراق،
دونما مغالاة لا طاقة للعاشق بها.

وصية

اسكني اليه في كل حال، فحال العاشق باب لا يدق أو
يستأذن في الدخول اليه، إنما هو قدر محتوم مكتوب قبلا،
ومفتوح، وقد يقع التأخر في الوصول.

وصية

ليكن كل شيء عندك بمقدار، فلا تطفئي نور لهبك مرة
واحدة، لان المحبوب يجوز الى دار محبه حتي قيام الساعة،
وعلي نارك ان تظل هكذا مشتعلة، وإلا وقع الهلاك وتم.

وصية

اطرقي البصر، لا تمدن عينيك.. وإذا تهيأت روحك،
وصرت الى درجة المرقي، ونام العالم عنكما، ولم يعد إلا
نفساكما ونفسكما، فأميتي نفسك حتي حيا، وأطلقي
خليجك في صحرائك، يضئ قمرك.

وصية

لا تهجري عاشقك، إلا إذا ارتكب كبيرة، حتي لا تهلكي،
فقد هلكت قبلك نساء كثيرات. قال الشعراني: ومعني
رأيته مرتكبا كبيرة: العلم بذلك ولو ببينة، فلا يشترط في جواز الهجر، رؤية الهاجر لذلك العاصي ببصره، ولذلك قال سيدي علي الخواص رضي الله عنه: شرط جواز الهجر علم الهاجر بوقوع المهجور فيما هجر لأجله يقينا لا ظنا أو تخمينا، فلا يجوز لك الهجر من غير تحقق وتثبت.. .

وصية

فليوافق سرك نطقك، وليغلبك الصدق، فهو من صفات
الأنبياء والرسل والملائكة والصالحين، هو ثاني درجة النبوة فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء الصالحين ، ففي صدقك ترتقين وتصلين، وتعيشين في اللذة الكبرى الى النهاية، لان الجسد لا يحب ـ أبدا ـ إلا بمحبة القلب، ودفق الروح، وموافقة النفس.

وصية

كوني معه صادقة ومخلصة أربعين ليلة وأربعين فجرا، قودي دفة اللغة، وليكن الزمام في يديك، تتفجر ينابيع الحكمة من قلبك علي لسانك ، وبلسانك خلصي نفس عاشقك من أدرانها، ليعلو بك روحا وجسدا، فرب ثانية واحدة منك معه تساوي حياته وزيادة. فطيب مذاقك يؤهل لديمومة ومواصلة، والنفس لا تتوق إلا لمن تهوي وتنعم وترتاح.

وصية

حذار ان تجلسي علي سجادة النهاية، وتقنعي بذلك، فلا
نهاية في العشق، وكل نهاية لها دورة بداية أخرى، وكل
بداية نهايتها ليست الأخيرة، لان البدء يمتد، وماء المرأة
يجري في بحر لا تنفد مياهه.

وصية

احرصي علي ان يمر الماء بين حشائشك، لان في ذلك متعة ولذة للعاشق ولك، والحشائش الخبيئة تهيج، إذا وقع البصر عليها، وتأذن بالدخول دون طرق، وتلتف علي الباه فتحييه، فتذكر رأسه، وتهتز في العتمة المضيئة، فلا تعودين
تعرفين من أنت، ولا في أي مكان أو زمان، تضيع لغتك،
وتخلقين لغة لم تعرفي أبجديتها من قبل، ولدتها الحالة،
وأحياها الحال، ثم تبدئين معراجك.

وصية

إذا استوي ليلك، وطاب قمرك، وصرت من الاعلين،
امنحي قمرك لعاشقك دون حساب، فما ضاع عشق،
وتلفت روح، إلا كان وراء ذلك الخسران أمور وحسابات
ظاهرية لا تتصل بالباطن، ولا ترتبط بالقلب.
فاجعلي جوادك يركض في ميدان العشق، استعيني علي فعل الحب بالمحبة، فإنها دواء ناجع، ووصفة قديمة مقدسة، فلا حب يقوم إلا والقلب أساسه.

وصية

املئي زجاجة قلبك بنور مصباحه، دعيه يجرب، ويملأ،
ويتكوكب، وتلمع بوارق كشوفه في شجرة جسدك
المباركة، دعيه يسرج قنديلك حتي يشتعل، لا تقلقي إذا
احترق، ففي ذلك فرح عظيم، حيث تتزين سماؤك بالسر،
ويضيء زيتك، لان غمامه جاء من شرق ومن غرب، ومن
شمال ومن جنوب، وأنت بذلك ستسبحين في فلكه، طالعة الى مقام نور علي نور. مرفوعة الى معراجه، مرتقية اعلي المدارج، واصلة الى مرتبة سيدة النساء، فلا قرب ولا معرفة دون عشق.

وصية

نصيحتي ألا يكون سكوتك أكثر من كلامك، ولا كلامك
أكثر من سكوتك. فالليل خيمة صمت، لكنها تتوق الى
كلام الصمت، وصمت الكلام. والكلام في الحب لا يحفظ
ولا يعاد، ولا يستعار، لكنه ابن الحالة والحال واللحظة
والآن والفعل، استخدمي ما أوتيت من فتنة زاخمة في الكلام، فالعين تقول واللسان واليدان والأصابع وسائر
كنوزك تصل بك الى الجنة التي تسعي إليها أية امرأة وتتوق واعلمي أنها بين يديك لو أردت.

وصية

طينتك حية بالحب، وتجليك منقوش فيها، وذاتك نورانية، بحرها لا ساحل له، فخذي عاشقك الى بحرك، اجعليه يغرق، ليكن الذي لم يكنه، ويحلف بأن حياته ولدت من غرق دائم، وان ثانيته الأخيرة حلت، لما تحولت عنه، وحجبت بحرك عن فمه، ففارق الغرق، وفارق الحياة.

وصية

اعلمي انه من الموت لك، ان يموت عاشقك بسبب منك، أو
يصير كالمجنون هائما، فكوني فردوسا في الأرض تحسدك السماء على ما أنت فيه، اكسري فتنتك لمن أتاك حاملا حياته علي كفيه طالبا وصالك.

وصية

دعي قلبك يشهد إليك، ولا تدعي الشوق ينقصه، اسأليه
ولا تسألي مفتيا، غامري، ولتكن عيناك صافيتين ـ وهما
تتوجهان الى عاشقك ـ، وذراعاك مديدتين، وهما تجولان
في حقل جسده، لا تقصري عن شيء أردته قبيل لقياه، لأننا لا نشرب الماء مرتين، ولا ندرك اللحظة أبدا إذا خطفها الفوت.

وصية

اعلمي ان الحياة ـ كما قال محمد إقبال ـ ليست إلا النار
الباطنية ، فأنت في مقام رفيع، فامضي اليه حافية القدمين، محلولة الشعر، شفيفة الملبس، تملكي الدنيا والآخرة، فلا تحتجبي عنه أبدا.

وصية

اعلمي ان معجزتك في اسمك، وبساطتك، وعفويتك،
وتاريخك الحزين، وألوهيتك التي في الأرض ترعي البشر
الوحيدين اليتامى كعاشقك.

وصية

اعلمي أنك بنت الأسلاف، فلا تفرطي في تاريخهن
لعشقي، أنت الآن، جماعهن، فاجمعي تجاربهن في دفقة،
وامنحيها لفاتحك الذي تلا قرآنك قلبيا، وذهب اسمه في اسمك.

وصية

وأنت تحبين، أعلمي أنه ليس في الأرض سواك من نساء،
وعندما تتجردين تجردي من الدنيا، فمثلك نال مرتبته، لما
ذاق وانتشي، وغابت روحه عنه.

وصية

كوني رافده في العقل والروح والنفس والجسد، وأسطورته
في الدنيا والآخرة، ومعراجه ليترقاك، وقطبه ليتلقي عنك الأسرار.

وصية

اجعليه يرابط في مغارتك، ويتلو أحزابك، ويحفظ أورادك، امنحيه عهدك، ليرتحل في أقاليمك، فخرق العادة عندك عادة.

شاعر من مصر