ديباجة
لأن خارطة الشعر الفلسطيني ممتّدة امتداد وجعنا المفتوح على الجهات وشساعتها فإنه من الشائك الوقوع في انتقائية فيما يتعلّق بأنطولوجيا لتقديم المشهد الشعري الفلسطيني في سياقيّ الوطن والمنفى.. من هنا فإننا وجدنا في إقتراح الشمولية أكثر نجاعة في معالجة هذه المنتخبات الشعرية، رغبة في إلقاء الضوء على كثير من الأسماء الشاعرة التي لم تطلها طرائق التعريف والتقديم.. وذلك مساهمة في توسيع فضاءات المشهد الشعري في فلسطين ليتواصل مع عمقه العربي، ويحطّ بكامل حمولته الشعرية في أرض الجزائر.. المكان الفعّال والمعافى.
إذا كان ثمة فضائل للمنفى فإنه حققّ لعدد كبير من الشعراء الفلسطينيين التثاقف والإطلالة على الشعريات العربية والإنسانية.. وهو ما حُرِمَ منه الشعراء والمبدعون في الوطن المحتل الذين وقعوا تحت غوائل الحصار والمحو والإلغاء والمنع، ما حال دون تواصلهم مع المحيط الثقافي العربي والإنساني.
هنا في فلسطين تفتّحت في حديقة الشعر أزهار برية قاومت النقيض بأنساغها الحيّة وبحضورها اللافح الحرّ، ونسجت عباءتها الشعرية بخيوط المعاناة وأصرّت على الحياة فعلاً وقولاً وإبداعاً ناجزاً.. هكذا أستطاعت "الإيقاعات البرية" أن تجعل لها مساحة من الحراك الثقافي والشعري عبر ما يتسلّل للبلاد من مطبوعات للإنفتاح على آفاق أكثر رحابة.. وعلى الرغم من ذلك فإن الأصوات الشعرية في فلسطين ما زالت تعاني عصف الحواجز التي يمارسه النقيض على الطير والبشر لتحويل البلاد إلى سجن والسجن إلى بلاد.
في هذا الأنطولوجيا ـ التي لا تدّعي الكمال ـ، ولكنها محاولة محمولة على الرضى بتقديم الشعرية الفلسطينية بما أستطعناه وتوصّلنا به من شعراء في فلسطين المحتلة بثالوثها: فلسطين المحتلة 1948، والضفة الغربية وغزة والمنفى، وذلك انتباهاً لوحدة الثقافة الفلسطينية والتي نطمح لها أن تتسع لتصبح وحدة الثقافية العربية، على الرغم من عوائق الجغرافيا.
في هذه الأنطولوجيا التي تشمل جيل السبيعينات والثمانينيات وما بينهما من تواشيج وتداخل لينضاف إليهما جيل التسعينيات الذي ينفتح وإياهم على الألفية الجديدة.
لا أخفي إنحيازي لجيل التسعينيات في فلسطين الذي أفردت له مساحة كافية في هذه الأنطولوجيا.. وكذلك الأصوات الجديدة من الجيل ذاته في المنفى.. ليتقدم الجميع بنص البلاد من غير سوء .. إقتراحاً وحواراً وتجريباً ما زال الجيل يصرُّ عليه، حتى لا تغطي شجرة شاعرة غابة الشعر، بل يترك الفضاء لطيور الإبداع الذاهبة نحو حقها في الكتابة والحياة والتحليق والحرية.
الصوت الشعري التسعيني في فلسطين صفة تنأى عن المصطلح النقدي.. صفة لتحديد الظاهرة لمعاينتها ليس إلاّ، وهي إن جاز التوصيف تشكل قنطرة عليا في الشعرية الفلسطينية، إذ هي جسر متصل منذ سنوات في فلسطين، هذه الموجة الشعرية تم تقديمها بغير طريقة وعبر غير فصلية ثقافية أو سياق إبداعي، ليصل إلى الأمداء العربية والعالمية، وكانت غمزة البكر لهذا الجيل في: ضيوف النار الدائمون، الذي صدر عام 1999، عن: بيت الشعر الفلسطيني، وتحت باصرتي الشاعر والمفكر الكبير حسين البرغوثي.
والمنتخبات هنا تستكمل المشروع وتواصل توسيع رقعة المشهد الإبداعي.. وهي بذلك لا تدّعي الحذف والإقصاء، أو تقديم اقتراحٍ نقدي بعينه.. بل هي اجتهاد في تقديم الأسماء التي واصلت حراكها وفعلها الشعري في فلسطين والمنافي.. في محاولة لتوحيد الثقافة الفلسطينية على أرض الشعر.. وتوفير فرصة للإطلاع على هذه الأصوات الجديدة من قبل المهتمين بالمشهد الشعري والثقافي العربي من نقّاد ودارسين.. والمنتخبات ـ خاصة التعسينات منها ـ، خطوة أولى تليها موجة شعرية أخرى تجاورت وتكاتفت لتصب في نهر الشعر الذي يتسع للجميع.. ويتسع بالجميع.
بإيقاعات بريّة تتقدم هذه النصوص.. فهذه الأسماء نبتت في أرض شائكة.. وبعضها مطحون بأنياب الغربة: غربتان إذن.. الوطن / المنفى...، تحاول النصوص صياغة حريتها وإصرارها على التجاوز.. والدفاع عن حق الفلسطيني في الكتابة والجدل والمعرفة.. وتقديم ما هو مختلف بعيداً عن قتل الأب، ونأياً عن الوقوع في سياق المشابهة والتكرار.
لقد أحدث إتفاق أوسلو حالة إنشراخ في الوعي الجمعي والفردي الفلسطيني وتداعيات ذلك على النص الإبداعي والشعري الفلسطيني.. ما ألقى بظلاله على الأصوات الجديدة.. التي تسعى وبجهد حثيث لتقديم اقتراحاتها الشعرية بما يجعل القصيدة الفلسطينية حيّة ومغايرة.
وما دام الشاعر/ة الفلسطيني /ة، يخطّّ أوراقه على الرغم من أنياب الموت وبطش النقيض.. وناقع التدمير والإلغاء.. فإن الشعر بخير.. وفلسطين بخير.
إن الكتابة الشعرية الفلسطينية ليست ترفاً أو من كماليات البلاد.. على العكس من ذلك فإن الشعر الفلسطيني الذي أصّل مدارك الوعي للأجيال فسقط الشعراء الشهداء عبد الرحيم محمود وكمال ناصر.. وغيرهم لما لصوتهم من نفاذ وقدرة على المواجهة والعناد في منازلة الغزاة وأشياعهم.. الشاعر الفلسطيني صنو تحدٍ وفعل ومناضلة يدلُّ على الكتابة.. والكتابة تدّل عليه.. كيف لا وهو صائغ الأمل من شقوق الألم للأمل هذا الفلسطيني يحيا.. وله كذلك.
فلينفتح الشعر على الأمل.. والحياة على الحرية والبذل الجسور.. والإبداع المغاير.
هذه المنتخبات موجة شعرية والنهار يتسع بها ولها.
إنها من فلسطين
وإنها بسم الله الرحمن الرحيم.
***
إبراهيم نصر الله
- من مواليد عمّان الأردن، عام 1954.
- تلقى تعليمه في مدارس وكالة الغوث بمخيم الوحدات للاجئين الفلسطينيين.
- أكمل دراسته في مركز تدريب عمان لإعداد المعلمين.
- كما عمل في الصحافة.
صدر له:
- الخيول على مشارف المدينة، شعر، 1980.
- المطر في الداخل، شعر، 1982.
- الحوار الأخير قبل مقتل العصفور بدقائق، شعر، 1984.
- نعمان يسترد لونه، شعر، 1984.
- أناشيد الصباح، شعر، 1984.
- الفتى النهر والجنرال، شعر، 1987.
- عواصف القلب، شعر، 1989
- حطب أخضر، شعر، 1991.
- فضيحة الثعلب، شعر، 1993.
- شرفات الخريف، شعر، 1997.
- كتاب الموت والموتى، شعر، 1998.
- باسم الأم والابن، شعر، 1999.
- مرايا الملائكة، شعر، 2001.
- براري الحُمّى، رواية، 1985.
- الأمواج البرية: سيناريو الانتفاضة، رواية، 1989.
- عَـو، رواية، 1990.
- مجرد 2 فقط، رواية، 1992.
- حارس المدينة الضائعة، رواية، 1998.
- الملهاة الفلسطينية: طيور الحذر، رواية، 1996.
- الملهاة الفلسطينية: طفل الممحاة، رواية، 2000.
- الملهاة الفلسطينية: زيتون الشوارع، رواية، 2002.
- الملهاة الفلسطينية: أعراس آمنة وتحت شمس الضُّحى، روايتان، 2004.
nasrallah23@hotmail.com
عواصف القلب
إيمان
كلما قرأتُ عن نَمرٍ
أفترسَ مدرّبَهُ في السِّيرك
أو حارسَهُ في حديقةِ الحيوانْ
طرتُ فَرَحاً
داخل قفصي!.
إتحاد
في البداية كنت أركضُ كالمجنون
وأنا أغلقُ المنافذَ
في وجهِ كلِّ شيء يحملُ الموت
كنتُ خائفاً
إلى أن خرجت للشوارع.
حيرة
في البدايةِ
قالت الخيلُ: أُريد سهولاً
قالت النسورُ:
أريدُ القمم
قالت الأفاعي:
أريدُ جحوراً
وظلَّ الإنسانُ حائراً !.
سباق
ذلك الفارسُ المنطلقُ في المقدمة
هل يحاولُ بإندفاعهِ هذا
أن يظلَّ متجاوزاً الفرسانَ خَلْفَهُ
أم يحاولُ تجاوزَ فارسٍ أبديٍّ أمامَه
نحنُ لا نراه ؟!.
معجزة
يوماً ما
سيدركُ أحفادُنا
أننا كنّا معجزةً !.
نحنُ الذين عشنا عمرنا كلَّهُ
دونَ أوكسجين!.
تعجب
دائماً يسألني الأصدقاءُ
القادمونَ من مدنٍ بعيدة:
كيف تستطيعُ الكتابةَ
في مدينةٍ مقفلةْ ؟!.
صِدْق
ذلك الرسامُ
بكى كثيراً
عندما لم يستطعْ رَسْمَ الدَّمعة !.
صداقة
يا لهذه الطاولة
أنحنيتُ على ظهرها أكتبُ
ثلاثينَ عاماً
ولم تقلْ: آه
وحينَ رحلتُ
لم أستطعْ حملها على ظهري
ثلاثين خطوة !.
عرس
الحصان الراكضُ في البريّة
هل يعرفُ حجمَ البهجة
التي أثارها في الغبار ؟!.
حيطة
لم أتركْ طفولتي يوماً
تبتعد كثيراً
إن الوحوشَ تتجولُ في الجوار
ولذا
لم أَجِدْ بُداً من الاحتفاظِ بها
حتى اليوم.
براءة
الطفلُ الصغير
لا يبحثُ عن شكلٍ لسؤالٍ يلقيه
على شجرةِ البرتقال
حين يتسلقها
لكي يقطف ما يريدُ من ثمارها.
صدمة
أستجمعتُ طفولتي مرةً
وسألتُ رجلاً حكيماً:
ما الفرقُ أيها الكبيرْ
بين حافةِ القمة
وحافةِ الهاوية ؟
من يومها
لم يستطعْ التوقّفَ عن الضحك !.
حياة
هل لاحظتم
ذلكَ العصفورُ الذي يمرُّ فوق رؤوسنا
غالباً ما يتركُ زرقةَ السماءِ
التي مرَّ بها
أكثرَ صفاءً ؟.
كلاب
في هذه اللحظة
هذه اللحظة بالذات
وأنا أكتبُ هذه الكلمات الطيبة
ثمةَ جنرالٌ يشحذُ سكاكينَهُ
وهممَ كلابه.
خريف
خريفٌ كاملٌ يندفعُ باتجاهِ الأرض
هازَّاً جذعَها
خريفٌ مدججٌ بصفرةِ الموتْ
كأنَّ الذينَ ماتوا
وكانوا يستحقونَ موتَهم
يعودونَ إلينا
رياحاً مجنونةً.
شعراء
في تلكَ المدينةِ الطيبةِ البعيدة
في ساحةٍ مليئةٍ بالعشبْ
كلُّ الأشياء كانت تغنّي
وكان الناسُ يرقصون
قال:
أذهب وأطلبِ المهرةَ للرقص
كنت خجولاً
قال:
إذا خسرَ الشعراءُ
لن يربحَ العالمْ.
***
أحمد الأشقر
- من مواليد طولكرم، عام 1980.
- حاصل على البكالويوس في الحقوق ويعمل مستشاراً قانونياً في مجلس القضاء الأعلى الفلسطيني. عضو الإتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين،
صدر له:
- صلوات في معبد الحزن، شعر، منشورات دار القسطل، 1998.
- مخاض الفراغ، شعر، منشورات مركز أوغاريت الثقافي، 2007.
ahmad.ashkar@yahoo.com
التمثال
من يفتح باب البيت عليه
لا أحد.
من يثني عليه بنظرة عجلى
لا أحد.
التمثال المركون بأقصى الزاوية
تفجر غيظاً
أي قدر أعمى
ألقاه في زاوية البيت الخرب
يتساءل غضباً ؟
هل أنا حجر ؟
وهل هذا البيت قبري ؟
................
................
التمثال الجميل
أصيب بنوبة قلبية
ولا مغيث له.
ترانيم شيطانية على مشهد الخديعة
يا صاحبي ما توضأت بالضوء والندى
وهم يسلخون دمي من عنابه
ينصبون شركاً من أفاع تنقض عهدها
وبما أفترست مقلتاك تجفف الفريسة من حليبها الوحشي
تسرح شعر المدينة الصاخبة
وشوكها نابت في دمي
تنقض على قدمي الكسيحة في الزقاق
تؤكسد ما تشمه الصراصير في جحورها.
2
تباً لك يا صاحبي
لمخرزهم يناطح خدي
وما قاله العراف لي
عن الأعمى ذي المفردة العرجاء
يتلمس بالعتمة صوتي المقتول
وخطاي تعج برعدها في زحام الجمر.
3
هي طعنتك الأولى فولِّ ظهرك شطرها
وأسكب دم الخفافيش على قدميك ورأسي
وألعق إصبعها الأيسر المقطوع
شفتيها الصخرية المشققة
وقعر مشيمتها الشيطانية
هي الحبلى بفضتها
وأنت الجرذ ترضع جبنك خمر إغوائها.
4
تباً لك يا صاحبي
لحمضك النووي المتعفن
لصفيح أيام المتسخات بالخديعة
لزيتونة تعكر زيتها بدمك الرخيص
وما عرفت أنك محض كذبة سوداء
طالع كدمل في الوجه
مشوه كما البغداديات بعد الحرب
وكما العراق بدون سيده.
5
أنت تشاكس قهوة الصباح بينما
يهطل البحر
يركب ناقة الصحراء العربية
مضرجا بهزائمها
كم بقي إذن من سجائرك العشرين ؟
تحرق العمرة تارة
وتارة تضيق الغرفة بسبعين مرضاً كوجهك
وهي تمشط غرتها الخشبية
كما روي عن كاهن الصدأ
تجمل قبحها
وقد حزمتك بعبوة من بارود المراوغة
أفقدتك وعينا
تسكب لك الروح بقدح الخيانة
وأنت تقيم عليها صلاة الذهول.
6
تباً لك يا صاحبي
لخبزها المر
ورقصتها
ونياشينها الدموية
ترتقي لأرض سابعة
لغناج كأسك
لحيض النحل عسلاً كالحاً كأحلامك
تبرق في بريدها حناجر القتلى العراة
تلبس قلبك ما نسجت قدماها.
7
أنت اللقيط
وهم يدوِّنون سيرتك بلا حروف
يشمِّعون أيامك بجلد خنازيرهم
يوارون سوءاتهم بورق الفضيحة
يستقدمون خزيهم
يتخذون أولياءهم من حجارة الطريق
والطعين أنا بما سميتك خنجرهم
وتقول لي سبحانهم
كأنهم قد أورثوك سلالة النار
وحرموا عليك تأويل رؤيانا
منحوك شفاعة الشيطان يا صاحبي
تخرج من كل الثمرات قبحاً لنا
يا نذيرهم المشؤوم
تبلغنا رسالة العمى
وما عجبنا إذ تعد زوجاتنا
بجنة من رجسهم.
8
يا صاحبي المأفون
سماؤك ليست صافية لنا
موغلة بحمى الفجاءة
تكسر في يقظة الملح طعم البحر
بغيمها المحروق
متوجة ببندقية الشمس الحامضة
تلسع رؤوسنا
وتحرق حناء أعراسنا عند الظهيرة.
9
هنيأ لك يا صاحبي
لأشباحك الملعونين في مشهد الخديعة
سيكون لك فن جميل
و"فيديو كليب" لراقصات الجحيم
كعباً أتراباً
متشحات بزينة من جماجمنا.
رؤية
أرى ليلاً على قبري حمامتين
وظلاً محدقاً
أي ظل في الليل أبيض
جسد مسجى
يتلو على القبر طقس النبؤة
يا سيدي
ما أرى
حمامة لي
وأخرى لجسدي القتيل.
..................
..................
الظل يد بيضاء
يلطخها دمي الأسود.
***
أحمد الحاج أحمد
- من مواليد غزة، عام 1972.
- تخرج من جامعة بيرزيت بكالوريوس لغة عربية، 1996.
لم يصدر أي مجموعة شعرية.
مشهد كلي
لأنثى تغازل إله الصيد
(فراغُ المسرح وتشكيلُ المكان) (*)
ومضة
الساخرُ يطرزُ الضحكَ بكائيةً على جسدْ
فيما تدورُ النساءُ على قافيةٍ معادة.
كاتب مسرح يحاور النص
ـ لم يبتعد الضوء عن ساقيها، في حين
يسقط البطل في جزيرة الحوار.
ـ لا يعرف النصُ سوى تشكيلٍ مخادعْ.
ـ أرخت يديها نجمتين على المشهد
فيما تحاول الستارةُ الانفراج قليلاً.
ـ يهرب من يديكَ نصٌ لا يُقرأ
يبقى
نصُ الهامش للشخوص.
حوارية (*)
ـ الصيد أن تكبرعيناكِ.
ـ تظل تجري كشمس تطارد الهباء.
ـ الصيد أن تجري.
ـ ليس لكِ إلا سلاح صدئ.
ـ الصيد أن تعرفي السلاح.
ـ تدخلك البراري ظلا للفريسة.
ـ الصيد أن تعرفي الخوف والبراري.
ـ لن يجدي العويل
يا إلهاً معلقاً في طلقة صامتة.
ـ لست إلها
وأنتِ لا تعرفين الرؤى:
كيف يقتل الحلم لغة الشاعر ؟
كيف يسرق طيرٌ عينَ صيادْ ؟
لست شاعرا
وأنتِ لا تعرفين الرؤى.
رؤية خارجية لمُشاهدٍ أبله (*)
فاشلٌ هذا الترتيب، كنتُ أعرفُ شيئاً
يشبه التمثيل:
ماعزٌ يراقب.. جبلاً.
يسقط الجبل.. ثغاءْ.
يسقط الماعز.. بكاءْ.
لم أعرف أيهما الماعز؟
وأيهما الجبلْ ؟
تسقط الأنثى على خشبة
فيما يبكي المخرج فشل اللغة
ما زال جاري طويلاً
يحدق في الهواء
أرى عينيه
ممثلاً يرتقيان المشهد
ضيقٌ هذا النص
وما زال ثوبها يرفرف على الوجوه
رأيتُ كتاباً يسقط
في الوقت المتاح للخروج
أمي
تربط منديلها على خصرها المجروح
المخرج
يصرخ في الحضور
ما زال
جاري طويلاً يحدق في الهواء.
مداخلة موسيقية
"لا يلتزم الموسيقي بنتوءات اللغة"
عبارة الثائرين على عجز الوصول
ونحن لا نرى رمزاً يراقص دمعة
لا نرى جواداً يقتل الصهيل
كنا نقاتل زاويةً مظلمةً في مسرحٍ مهجور
فيما يجرنا النغم إلى بهاء الفراغ.
النص ملحقٌ موسيقي
ونحن لسنا ضفافاً لأحد
لسنا حديثاً يقترب من الإنتهاء
"..لا يلتزم الموسيقي.."
يتبعثر النص على وتريات
مقطعة
كم مرة سيغتالنا المكان ؟
"..لا يلتزم.."
سنبكي
كلما مسنا الوتر.
لوثة
الحضور يشربون الموسيقى بأعينهم
الشاخصة
يتبادلون الأدوار مع الممثلين
أحدهم يعلن عن موت الفرس في معركةٍ وهمية
يصفقون
يصرخ المخرج
يخرج من المكان مهرجٌ يقول:
المسرح لعبة الأطفال
رملهم حين ينهار بعد الجفاف
ماؤهم حين تتبلل الثياب
يصرخ المخرج
يصفقون.
ومضةٌ أخرى
يظهرُ نهدان مضاءان بالشبق
فيما
يحاول المكان الفرار من العتمة.
***
أسماء عزايزة
- من مواليد دبورية بحيفا، عام 1985.
- حاصلة على لقب أول في الإعلام واللغة الإنجليزية من جامعة حيفا.
- عضو في إتحاد الكتاب العرب في النت.
- عضو في مجموعة: ديوان الشوام، مجموعة مبدعين ومبدعات من الجليل والجولان.
لم يصدر لها كتاب.
صباحٌ قصيرٌ من أجل الحب
صباحي
لا يتّسع لفنجان قهوةٍ كاملٍ
فهو قصير النفس
أكتمه حال خروجي من نفسي.
صباحي قصيرٌ
لا يتّسع لقراءةِ خبرٍ كاملٍ في الصحيفة
ولا للسلام على جارتي اللعينة
التي كانت تسرقها كلّ صباحٍ دون قصد.
ولأنّ صباحي قصيرٌ
فليومي وقتٌ فاض عن الوقت اللازم للحب
وليومي
فائضٌ من الإحساس بالغد
والغدُ
جالسٌ على مقربةٍ مني
ينتظرني أسحب من تحت أقدامه
ما طفح عنه من ساعاته الزائدة
فأقرّر:
أجعل من صباحي نصف ساعة
أو أقل
لتكون السهولة سهلةً في أن أنزع قصاصات
غدي التي نفرت عن أطرافه
وأقرّر:
أجعل من صباحي لحظةً عابرة
لا أتذكّرها إلا وأنا فيها
فهكذا يكون الوقت مصقولا
وهكذا يكون اليوم منظومًا كبيت شعرٍ قديمٍ
وهكذا
أحبك أكثر.
ولأن صباحي قصيرٌ
فليومي دسمٌ يزِن حاله
فيه من الساعات ما يكفي
ومن نفسه ما يكفي
ليكون مداه أكرم من مدى يومك عليك.
فأكون أنا من يحبّ أكثر.
لا لوقتك كفٌّ تتسع لقلبين
ولوقتي كفٌّ صديقةٌ
تتسع لقلبين وأكثر
أحبك أكثر.
اروِ لنا، يا ليلُ
يحدث هكذا
أن لا يروي لنا الليلُ
ماذا فعلت العتمةُ في غيابِنا
غير
/أن لا يحاول العاشق
أن يلتفت إلى الوراء/
لئلا يرى الفراق متضخمًا
بين وجهين
ففي الليل دورة القمر حول وجهٍ دائخٍ
ظنناه يومًا وجه الحبيب
ولكنّ
القمرَ
مرآة الخديعة
تكشف ما غاب من جسد امرأة مصقول
أنتهى مثّاله من صنعه للتو.
فيحدث هكذا
أن يكون القمرُ
ذريعةَ العاشقِ الأخيرة في الغزل
ينأى عن عينه
ويدنو من لسانه
كقطعة سكر مالحة.
ويحدث هكذا
أن لا يروي لنا القمرُ
ما أضاء في ليلته
وما مرّ عنّا في عمانا
فماذا تفعل
يا صاحبي
غير إيقاظ البحر من نفسه
/ ما تجتذبه في كفه
من مدٍّ
وما ترخيه فيها
من جزرٍ
نزوة لا يحسبها التاريخ ولا البحر/.
ـــ
فللبحر
مآرب فاضت عن شواطئه
في نسج الحكاية
بينما تفر الخيوط أسرابًا
ويضيع ثوب الحكاية.
ويحدث هكذا
أن لا يروي لنا البحرُ
ما نسجَ
وما خلجَ
ما ضاعَ
وما غابَ
وما انسابَ
بين مدٍّ وجزرٍ.
ـــ
أنا لا أتمنى غير هذي العتمة
ثقبًا في ذاكرة النور
يحجب عنّا خطايانا
والطريق.
أنا لا أتمنى غير هذي العتمة
سبيلا إلى هروبي
من لحظةٍ شريدةْ
يا ليلُ
يا صمت الحكاية
أرو لنا ما غاب عنا
فمنك
.. إلى القمر
.. إلى البحر
مشوار قصيدةْ.
***
أنس العيلة
- من مواليد قلقيلية، عام 1975.
- حصل على بكالوريوس لغة عربية ودبلوم صحافة من جامعة بيرزيت، 1998.
- عمل في بيت الشعر الفلسطيني، ومجلة: الشعراء، الفصلية التي تصدر عنه.
- حصل على جوائز أدبية مختلفة من دار الفاروق للنشر وجامعة بيرزيت.
- يكمل الدراسات العليا في فرنسا.
صدر له:
- ضيوف النار الدائمون، شعر، بالإشتراك، عن منشورات بيت الشعر الفلسطيني، 1999.
كائن
الكائن ذو القامة
تتدلى من طرفيه
خمس أفاعٍ صغيرة
مرآته
بحيرتان من الماء المتحجر
بينهما جبل منكفئ
تشقه حفرتان صغيرتان
وأخرى بين منحدرين
والغابة للأعلى.
الكائن ذو القامة
كائن بلون التراب
له قامة الشجرة
وأرجل الحيوان
يلتهم الطبيعة
ويزرع البيوت والشجر
يأكل بطرفيه
منذ أرتفع النهد إلى الصدر.
الكائن ذو القامة
تتدلى من طرفيه
خمس أفاعٍ صغيرة.
زِقْ… زِقْ
هذا الفضاء صحراء شاسعة
يمتدّ بلا أرصفةٍ أو محطات
ومسافاتٌ مُشرَعةٌ في الأفق
أتلمس تضاريسها بجناحي.
زِقْ… زِقْ… زِقْ
ذاكرتي تنبض بالريح
تتشابك كأغصان الشجر
وتتسع كالمدى
أخلع وجه الفصول
وأرتدي صيف البلاد البعيدة
في زوايا الشجر
أنسج بيتاً كالعنكبوت
من عيدان يابسة
وألقي عصاتي لأنثى
تشاركني الهواء.
زِقْ… زِقْ… زِقْ
هذا الفضاء صحراءٌ شاسعة
تتسع لجناحي
ولا تتسع لجوفي
زِقْ… زِقْ
زِقْ… زِقْ.
جوع
العصفور
تناول دودةً بيضاء
بكل براءة
تناولها قشةً فارغة
لم يكن نباتياً كما يدّعي
فهو طيرٌ مفترس
أو
ربما
يقتات
من الدّود
ما يكفي
لموته.
القط يأكل فأراً جائع
فيشبعان !
هكذا
تشبع
الفريسة
الجائعة.
نبات
أنا بيتي ومسافتي
أقيم في نفسي
وأموت فيها
جذوري أشرعةٌ في التراب
وجذعي مقعد الريح
ومتكأ الكائنات
تنبض فيّ الأرض
وأنبض في الفضاء
أسافر في أغصاني
أتنفس الأفق المشمس
وأعجن الماء أبناءً بلا ولادة
أنا بيتي ومسافتي
أقيم في نفسي
وأموت فيها.
من هنا
لا تمضي من هنا
النهار يجثو على ركبتيه
والمنازل تلقي بأجسادها للشوارع
وأنتِ امرأة المكان
تُخيطين بقدميكِ أرصفةً مهترئة
لا تمضي من هنا
غيابكِ هواء فاسد
والريح التي تحرشت بنهديكِ
أحتفظتُ بها في الخزانة.
البيوت والشوارع
تأخذ وجه أصدقاء قدامى
بينما المسافات الصغيرة
تَموء
بعينين باردتين
من شدّة النسيان.
لا تمضي من هنا
عيناك بؤرتان للمساء
ومن جسدك تسيل تضاريس الأبنية.
***
أيمـن أغبـاريـة
- من مواليد أم الفحم، عام 1968.
- تخرج من الكلية الأرثوذكسية في حيفا، وحصل على اللقب الأول والثاني الجامعي في الأدب الإنجليزي وعلم النفس.
- أتم لقباً جامعياً آخر في الولايات المتحدة في التطوير والإستشارة التنظيمية.
- يعمل حالياً رئيساً لقسم التربية اللامنهجية في المعهد العربي لإعداد المعلمين العرب.
صدر له:
- تناسخت وأحب أن لا يجمعني أحد، شعر، 1997.
طــروادة
في جوفِ حِصَان طِروادة
أستنكَف مُحارِب صرعَتْهُ العتمة
ها أنذا أَكتُبُ إسمه بمعجونِ الأَسنانِ
على مرآةِ الحمّام
ها أنذا أحصي مخاوفي بدلاً عنه
لأخفف عن سيف وحدتنا.
2
منذ حاصرت طروادة حصانها
لم يتغيّر في العالم الكثير
ولم يحدث شيء مما أنتظرناه
خيلٌ كثيرة
حلمتُ بدخول طروادة
ومنها كتابي الأوّل
ديوان مليء بالفرسان والخسارات
لم يلتفت إليه النقّاد
ولم يَعْبَأ به حرّاسُ الأسوار.
3
منذ أن هدمت طروادة
لم تنجح القصائدُ بتغيير العالم
ولم يعدْ الشعراء يبتعدون عن أنفسهم
كتب كثيرة
حاولت استعادة الأحلام الضائعة
ومنها كتابي الأَوّل
ديوان مليء بالمرايا والفشل
ظلّ خارج تاريخ النّهار والخيل
لكنّهُ منذها
أحتلَّ أكثرَ مِنْ وِسادة
وأستطاعَ أنْ يُشْبِهَ وَجهَ اللَّيل.
فـرس السـباق
اِقرأني تراني
الآن
تراني
فرس سباق كهل
أُنهي مساري مخزيّاً
أبحثُ عن قارئٍ يصدّقُ أعذاري
هل تصدِّقُ أنّ المسأَلةَ طالتْ عليّ ؟
هل تراني
أُرافِقُ ظلّي خارجَ السِباق
ولا أجِدُ من يوَاسيني خارج القصائد ؟
هل تَقرأُني الآن ؟
من يقرَأُني يسبِقُني ؟
وسيفهمُ أنّه لا عزاء
لمن ضعُفَ بَصرُهُ مِثلي
ولِمَنْ قلبهُ خان الطَّريق.
2
أقولُ لِمَنْ يَراني
وزّعوا عدّتي بينكم:
المرج لم يحبوا مثلي
جمعُ العناوينِ والغيومِ
اللّجامُ لمن سيذكُرني دائماً
أو لِمَنْ سينساني تماماً
حدواتي للذين لن يتركوني
عندما سَأسقُطُ على ظلّي وحدي
كؤوسي وجوائزي للخَيلِ التي سَبَقَتها
زينتي لمَنْ يَفُوزُ بها
أمّا صَهِيلي فدَعوهُ يموتُ مَعي.
3
أُخبِرُكُم:
حلمتُ بالسباقِ
فسحبَ الشجرُّ ظلَّهُ من حَولي
وصارَ طُموحيَ منفاي
بدأ الوهَنْ
مُنذُ ميّزتُ بينَ اللّيلِ الذي يحيطُ روحي
والنّهار الذي تصنَعهُ حوافري
حلمتُ بالنُّجومِ
فأحاطني الغُبارُ
وصرتُ لا أربحُ إلاّ ما يخسرُهُ الآخرون ؟
بدأ الوَهَن
منذ فهِمتُ أنّني لا أُضيءُ
وأنّني وحيدٌ
ولا حاجَةَ لي بالآتي:
لا المجدُ
لا الظفرُ
ولا العنفوان.
4
أخبركم:
لديّ أسرارُ الخيلِ كلّها
وسأكتُمُها في صَدْرِ البريّة.
أُخبِرُكُمْ:
لديْكُم منّي قصائدي
كلّها كرّ وفرّ
وخيل وليل
كلّها عناق وفراق
وكتابة وكآبة
فيها الأُفُق الذي فَتَحتَهُ عيوني
وفيها المدى الذي هزمتني فيه العصافير.
أخبركم:
حذروا بأشعاري
كلّ مُهرٍ صغير
من الحُبِّ ومراقبة البرق
من التسابُقِ على الدّموعِ
ومن الجلوسِ طويلاً في مقاهي المدينة.
أخبركم:
لديكم أخباري
كُلُّها وقوف على الأرصفة
كلّها انتصارات على العتمة
وفوز بالنفس
كلّها غارات على الفرحِ
وقنص لغزلان الضياء
فحذّروا بها الخيل
من العدو السريع نحو الغروبِ
ومن الشجاعة على النهار
حذّروا بها الخيل
من السِباقِ ومن نفسها
وحذّروها من الإنشغال بالشعر.
أخبركم:
سيظلُّ الشعراء أبصر من غيرهم
وسيظلّون الأسرع دائماً في الهرب إلى أنفسهم
وخسارة انتصاراتهم
سيظلّون الأقوى على القصيدة
وأفتك الخلق بقلوب النّاس.
أخبركم:
من سيراني سأراه
ومن سيقرأني سيكتبني.
أخبركم:
أنا لم أصمت أبداً
أنا لم أخسر أبداً
أو على الأَقَلْ
لم أَجرؤ على ذلك
فلا تُصَدِّقوا أَعذاري
لا تُصَدِّقوا أعذاري.
شخص ما مثلي ومنّي يـبكي
شخصٌ ما
مثلي ومنّي يبكي
لأنّ الفقدان في الحقيقة ليسَ بالسوء
الذي يحلو للشعراء أن يتذكّروه
ستارةً أو مالحاً
وليس صريحاً
كما يحبّونَ أن يتركُوهُ
حولَ القلبِ غيماً
واضحاً أو حامضاً
وَحدَهُم الشعراء
لم يَفهَموا بعد أن الوقت
مضيَعةٌ للوقت
كما الذكرياتُ عن الذكريات.
وحدهم الشعراء
لم يَفْهَموا بعد أنَّ الثِقَة بالصمتِ
خيانة للصمت
كما الذكريات للذكريات.
وحدهم الشعراء
تؤمُّ الأجنحة أسرتهم
ليل نهار.
وحدَهُم الشعراء
يبالغون في الإستعداد للنّوم
من أجلِ حلمٍ قديمٍ
أو جَسَدٍ عابر
وحدَهُم يُبالِغون في القَلَقْ
على وَردَة أشقوا أنفسهم بإنقاذها
من حَدائقِ الكلام الذي خسروه
عندما راهنوا على أحلامهم
من أجلِ امرأة أحبّوها
أو خافوا منها.
***
باسل ترشحاني
- من مواليد عام 1978.
- مهندس في الحاسوب.
لم يصدر له كتاب.
الوقت المنهار
في الضوء الأولِّ
من كلِّ نهارْ
تتشاجر فيها الأطوارْ
امرأة في المستور من النارِ
تدور
لا العاصفة
ولا الثلجُ
ولا البرد الفاحشُ
يوقف أورام الرغبة فيها
امرأةٌ.
في الوقت المنهارْ
تترك نظارتها
وبقايا حُمرتها
تترك نهديها
وتدورُ
كما العار
بلا رعد
أو
أسوارْ.
البهتان
أهدته كتاباً
ولكي تمنح عطر قراءتهِ
من فتنتها
تركت رقم الهاتف والعنوانْ.
تركتْ
نبض قصاصات الشهوةِ
بين الأسطر
واأتظرتْ
باللهفةِ
حمى الموعد
يا للدهشة
ما إن طرقَ الرعويُّ
خلائطها
حتى أنحلّت
كالرعشة في الهذيانْ.
يا رُوّاد النار أعيدوا
قلقَ الشعرِ
إلى الناصع من جذوتِهِ
فالشعر
ومنذ كتابٍ
لم يهدأ
بين يديها
صار يُكنّى
بالبهتانْ.
مشهد خلفي
في شتاء إنتظاراتنا
والمدى
لا يجيد التحدثَ
كانت رؤى
ما يثغثغ في الدم
تُصغي
لأنقاضنا
في صقيع انتحاراتنا
يمحي المشهد الملحميُّ
يموتُ الممثلُ
والثلج يغمرُ
آخِرَ
دورٍ لنا.
وَهْجُ العابر
في الريحِ
إلى عاشقها
وأمام كلام الغيمة
رجلٌ
لا تعرفهُ
أو يعرفها
رجلٌ
بغرابته الفظةِ
يمشي تحت مظلّتها
وبلا خوفٍ
أو
شبهاتٍ
يكتظّ بها
يكتظُّ
ولا تردعهُ
بل تسمعهُ.
من أول حَبّةِ ماءٍ جُرحتْ
حتى آخر شرنقةٍ
في صبوتها
للعاشق
وهو يحدث مندهشاً
أن يسأل:
هل تعطي المرأةُ للعابر
ـ أياً كان العابرُ ـ
وَهجَ محارتها
أم أن امرأة الهالوكِ
فقط
لا
شيءَ يحصنها ؟.
مرايا الإيقاع
كعذاب لا يشبهُ
غير الموتْ
كبروق فاحمةٍ
في الصوتْ
خرجت مني امرأة الكابوس
بوساوسَ خرجت وعواصفَ
من جسمي الغضِّ
إلى الأرض
هل بأنامل من عسلٍ
تقرع في الآخر
آفاق الناقوس ؟!.
2
تنحني
يا دمي للبهاء
كم مددتَ يديكَ
لكي تقرأه
تنحني
كي يمرّ البهاء
هكذا أنتَ
إن مرّ موتٌ
وإن مَرَّ بَرْقُ
جلالِ النساءْ.
3
منذ كلام الكون الأولِ
وهبوب الألوانْ
كان يُذكّرني النسيان
بأنّ مزارع لغتي
ستكون على
مرمى الدهر مكاناً
تفتحه الرغباتُ
على السبّي
أو
الطّعنِ
أو
الطوفانْ.
4
في المرآة رأتْ
مَن حَطَّ
على ماء قصيدتها
مَنْ عاد من الموتِ
وعيناهُ
على طَلْعِ محارتها
في المرآةِ
احتدم العاشقُ
بالمعشوقِ
فذابَ سحابٌ
كان يُغني
سقطتْ
من حُمّى الشرفاتِ
كواكب
أشبه بالغاباتْ.
5
هُما
صورة الجوعِ
أو فتنة الرمل بين اليدينْ
هُما
قبضتانِ
تدقانِ باب جهنم
كان الخلاصُ
قريباً
بعيداً
يموتُ
بلا أذنينْ.
6
مرتين ألتقينا
ولا أذكر الثالثة
هل نسيتك في الحلمِ
أم غيْهبِ الكارثة
فالحواسُ
ـ ولا وقت للوقتِ ـ
كانت تغيب مع الرعبِ
حيث جهنم تطلعُ
من أوّل الأرضِ
حتى الجنونْ.
هل (جنينُ) أنتهت
أم (جنينُ) أستوتْ
فوق عرش المنونْ ؟
***
باسم النبريص
- من مواليد غزة، عام 1960.
- حصل على دبلوم كمبيوتر من الجامعة الأمريكية في القاهرة، 1982.
- يعمل حالياً مديراً في وزارة الثقافة الفلسطينية.
صدر له:
- تأملات الولد الصعلوك، شعر، 1990.
- نظم العقل الخالص، شعر، عن منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، 2002.
- الجلوس في عتمة البيت، شعر، 2003.
- الأعمال الشعرية/ ج 1، عن منشورات بيت الشعر الفلسطيني، 2003.
- مقال في معنى الريح، شعر، عن مركز أوغاريت للنشر، 2006.
basemnabres@hotmail.com
قصائـد
أملاك
لِمَنْ كُلُّ هذه الشمس ؟
لمن كلّ هذه الشواهد الـ مِن طين ؟
لمن كلّ هذه الجُمجمة ؟
والتُّرقوتانِ ؟
والحوضُ ؟
وعصعوصُ الظَّهرْ ؟
إِنّها لَهُمْ
إنّها احتياطيّهم الباقي
في عُبورِهِم السّريع على هذه الدّنيا.
اختزال
(مِنَ التّرابِ جئتُ
وإلى التّراب أعود)
كلاّ !
وأَيْمُ الحقّ
كلاّ !
ثمّة مَن جاءَ بعدَكْ
أيّها "الجامعةْ"
ثمّة من كان أعمقَ مِنكَ
غوراً
وأكثرَ عبقريّةْ
ثمّة:
مُواطنيْ توفيق صائغ
وثمة:
(من المَنيّ
إلى المَنِيّة) !.
شهوات
يا جسدي
يا فتيلة الأرملة
يا آكل خبز الطوابين
وقارئ أطياف ماركس.
لا ترعوِ
بل مزيداً مزيداً من النار
ففي جسم نملةٍ أكثرُ مما فيك
من شهوات!.
عن التّعب والرّاحة
أبونا الذي في السماواتِ والأرضِ تركَنَا عُزلاً أمامَ
أقدارِنا
وأستراحَ منذ يومِهِ السابع إلى الأبدْ.
أبونا الذي نراهُ في النملة والجبل وزهرة البامياء وبُحّة الناي
الذي نلوذُ به من وحشة بيوتنا فنخرجُ
لِنقابلَهُ في قوس قُزح وكركرة طفل ودمعة شيخ.
أبونا أستراحَ من سابع أيامهِ لنشقى نحنُ مواليد
النساء من أزل الدنيا إلى يوم الدينونة.
حَسَنٌ
وإنْ كان يُخَيّلُ ليس حسنًا أحيانًا
حسنٌ
فلتكن راحتُهُ مُقدّسةً
وليكن شقاؤنا
أيضاً
مقدّساً.
فمِن هذا الشقاء
أنسابت الموسيقى
وتزيّنت المرأةُ
وأخضوضرَ عُودُ البنفسجِ
وكَتَبَ الشعراءُ أبهى كلماتهم
حسن
ليكن ذلك السابعُ حَسَنَاً مرّةً
ومشؤوماً مرّةً
وغامضاً مَرّاتٍ
غير أننا في جميع الحالات مَزْهُوّونَ بحياتنا:
ترفعُ لنا قرصَ العسل تارةً
وتاجَ الشوك تارة أخرى
فنحبُّها في التّارّتين.
حسنٌ يا أبانا
حسن جداً
ولكن الحسن
أيضاً
أن تغفرَ بمحبّةِ الأبِ الرّحومِ طيشَ الأبناء المُتعبين
آمين
هللّويا
آمين.
(....،....)
وكلّما تذكّرتُ قولَ أحدِهِم
بأنّك أنتَ الشاعرُ
وسيْديْكَ وتاجَيْ رأسِكَ
هُمُا فقط حكيمان
أشحتُ وجهي عن ديوانِكَ طبعة 1987
وأنتابني الغضبْ
انتابني الغضبُ
كأن أحدهم داس على قدمي
بل
وأعتورتني تجاهكَ الكراهية !.
المغفرة يا أبا عُبادةْ
أعرفُ أن هذا لا يليقُ
بشاعرٍ من أحفادِكْ
بشاعرٍ مثقّفٍ من عصْر ما بعد الحداثة
ولكن هذا ما يحدثُ معي
وهو من حُسن الحظّ
لا يحدثُ إلاّ أحياناً
المغفرة يا بُحتري
غُفرانكَ مرّةً ثالثة !
عبء أن نحيا
لَكَمْ تشظّت هذه اللبؤة الهَرِمَةْ
خُذْها من يدها
ودُلَّها على ماضيكْ.
هُنا
أيتها الغافية
كانت لنا حياةٌ
وكان أصحابٌ يملؤنها
هُنا
على جذع هذه الشجرة
كتَبْنَا ذات نهارٍ:
(عبءُ أن نَحيا)
أَمّا الأصحابُ فقد رحلوا أيدي سَبَأ
وأَمّا الشّجرة
فقد سقطت بعد صَيفيْن
وبقينا أنا وأنتِ
لِنواصلَ أعباءَنا / لِنُواصلَ أعباءَهم
ألا تذكرين يا سيدةَ الثقوب ؟
لكم تشظّيتِ أيتها الذّاكرة
لكم حتى صرتِ عبئاً عليّ !.
***
بشيـر شلـش
- من مواليد قرية عرّابة البطوف بحيفا،عام 1978.
- درس الأدب العربي والفلسفة.
- أكمل دراسته العليا في ألمانيا.
- ممارس للفنون التشكيلية.
صدر له:
- أرق، أوسمة مستوحشة، ونوارس، شعر، 1997.
- ضيوف النار الدائمون، شعر، بالإشتراك، 1999.
- سماوات واطئة، شعر، 2001.
- حصاد العاصفة، شعر، 2002.
bashirshalash@hotmail.com
نهار سوريالي
*
أصحو
الضَّوءُ غطّى جسدي كُلَّهُ
والعصافيرُ بنت أعشاشَها
تحتَ إبطيَّ
وفي ياقةِ قميصي.
*
لا شيءَ تحتَ المخدَّةِ
حَلمتُ بالأبيض والأسوَدِ
أن صديقي يشربُ عُلَبَ الألوانِ المائية
ويركُضُ نحوي صارِخاً:
أرسمني
مُعِتماً كان المكانُ
وكانَ ثَمَّةَ رائحةٌ لغيابٍ لم يكتملْ.
*
أجلسُ في المقهى
أطلبُ قهوةً
أشرَبُ
وأكُبُّ
فجأةً
أغرقُ
في السّوادِ العميقِ
وأتشبَّثُ بالملعقةْ !.
*
أحَدِّقُ في عينيها طويلاً
العَينانِ بُحيرتانِ ماسيَّتانِ
إذا عبرتُهُما سائحاً
سأصِلُ سريرها.
*
أفتحُ نافِذةً وأطِلُّ
أينَ أنا ؟
في الخارج
أم في الدَّاخِلْ ؟.
*
كُلّما مَرَرْتِ
شَمَمتُ
رائِحةَ
الحَبَقِ
المُشْتعِلْ.
برية صاخبة تتـنفس الصعداء
حلمتُ بنهاياتٍ سعيدةٍ لآلافِ الروايات
بقفلات صاخبةٍ
لمعزوفاتٍ خياليّةٍ تُرافقُ نومي
وتحنو عليَّ
بأرصفة طويلةٍ لملايين الأقدامِ الحائرةْ
بشمسٍ وافِرةْ
لرؤوسٍ مُشعّثةٍ ومُتربةْ
تزخرُ بهواجسَ متناقِضةٍ
كَسَمكٍ ينتفضُ
في شبكةٍ صيدٍ مُحكمةْ.
عاليةً ومُضيئةً كانتِ الأرضُ
حينَ وُلدتُ في جرحها
كفراشةٍ رعويّةٍ
تحلِّقُ إلى زهرةِ الضوءِ
بقوّةِ موتها
تطيرُ
هكذا
وتكسرُ للضوءِ رمحها.
وتعلّمتُ أن أغنّي بلادي دائماً
في الأمسياتِ الطويلةِ كعنقِ الزّرافةْ
في اجتماعاتنا الحزبيّة
في سكرةِ السّبتْ
في الضوءِ والعتمةِ
والضّجيج والصّمتْ
وفي القطاراتِ التي تمضي وتتركنا
مُعلّقين على يقينٍ كحدِّ الخرافةْ
لأننا لا نجدُ الفرقَ بين دمِ الأقحوانِ
وضميرِ الغائبِ
الذي يشغرُ الوقتَ
ويواصِلُ من دمنا إعترافَهْ.
الآن
أريدُ أن أحلّقَ كفراشةٍ
أن أهدرَ كالرّعدِ
وأن أتشمَّسَ كبريّةٍ صاخبةٍ
تتنفّسُ الصُّعداء.
طقـوس
الأسِرّةُ مبلولةٌ بالنعاس والملح
عَرَقٌ أبيضُ يومِضُ
مثلَ بَرقٍ عابرٍ
في العيون المُخضّلةِ المُتقابلة.
تطيرُ البجعاتُ إلى جهات غامِضةٍ
يسقُطُ ريشُها في الهواءِ
ثم يصيرُ مخدَّةً لرأسَينا المُتعبَيْن
تطيرُ السنابلُ في الرّيح
تعلو
وتحرقُ صَيفَها دفعةً واحدة.
قشُّا فِراشنا
دمُها خبزنا
وطعامُ خُيولنا الصّافنة.
ـــــــــــــــ
هُزّني يا صَبيُّ، وخُذني إليّ واضِحةً كالثلجِ، ناضِرةً كالأرض، دافِقة كالينابيع
خُذني
بدني كُلّهُ إبرٌ تُنادي عليكَ
بإسمكَ الثلاثيّ تُنادي عليك
ويركُضُ قلبي إليكَ
كحصانٍ في مَرجْ.
يداكَ عاليتان
العِناقُ دمي
والغيابُ عُيوني.
كُلٌ بما يخفِقُ قلبهُ بإسمهِ:
الشهّاءةُ
والشَّهاءةُ
والرّغبَةُ
الشّمعةُ
النافذةُ
والسّريرُ
المُمَدّدُ في مُوازاةِ السّماء.
هُزّني يا صبيُّ
تَمْري لكَ
ولك عُمري
إذا شئتَ.
ـــــــــــــــ
السماواتُ الواطِئة تُعلّمُ الحِكمَة
العُيونُ المبلولة تُعلّمُ الهذيان
يصعدُ الليلُ السُّلم
درجةً
درجةً
يصعدُ
يقفِزُ فوق الوسائدِ
البردُ في القلبِ
وفي الأناملِ يصعدُ
النارُ تصعدُ ثلجَة النارِ
والنهاراتُ بلا أسماء
تصهلُ ثُمَّ تغيبُ.
ـــــــــــــــ
كُلما قَبَّلتني صِحْتُ:
أنتهى جَسَدي.
تصعدُ الغيمة
وتكسِرُ ماءها الرقراقْ
وتغسِلُ أرضَ اللُّهاثِ المُبطّن باللوز
وتُمطِرُ على الحطَبِ الأخضر
المُخبَّأ بين شفتين غامِقتين
وتمضي
في إتجاه الهواءِ
تتركُ حيرةَ القتلى وراءها
يُحدِّقون بأنفاسِهم المتصاعدة
دونَ أن يستطيعوا إيقافها.
***
بيسان أبو خالد
- من مواليد دمشق، عام 1969.
- درس الطب ثم غادرت إلى بروكسل فكانت دراستها في علوم الباثولوجيا.
- حصلت على درجة الدكتوراة، 2005.
- تعمل حاليا باحثة في الأورام في جامعة هارفرد في أمريكا.
صدر لها:
- مراثي الجنون، شعر.
- صليب إنتظار، شعر، دار النمير سوريا، 1997.
"........................" (*)
إلى خليل خاوي
إلى الرجل الذي أختار موته في اليوم الذي لم أختر فيه ميلادي.
إليه في هجرتي الأولى إلى شهباء
لا أحد يدرك كم كبرت فيها وكم ستكبر في
ولأنك لن تكون سرفانتس الأزمنة الرديئة لن تدرك أي فارس هواء كان يسكنني، وأن خلف معركتي آلاف من الطواحين ذبلت بين رحاها السنين.
ولأن سرفانتس مات قبل أن يجتث من جسدي هباء فرسان الهواء ظلت الطواحين تهزم بإسم سيزيف لتتدحرك الصخرة المقدسة من قمم المتاهات إلى حضيض ألف هاوية.
تتخطى حرقة سيزيف خنوعه
يرقى شهقته المجنونة
ليفتت في ذروة عبثه
صخرة أحزانه وسجونه
أتوجس شيئاً لم يسبق لنبيذ الشهقة أن يُخمره في صدري
أي صحارٍ كانت تشرخني عن نفسي ؟.
لقد صليت في تلك المدينة
ركعة للبحر
والسفن الغريقةِ
ما انحنيت العمر
إلا الآن كي أستل منك الجمر
يا نهر الرمادْ
وراءك يا إمام الصمتِ
شيء بات يكويني
وما حمَّلت من طوفان أسئلتي
ربيع رحلتُ غير كتابك
المنحور في نعش السكارى
واستبحتُ مصيرك الغجريَّ
ما استوقفت حين مضيت
غير الوقت في أشلاء بصارة
وليس الرمل جثته بقادرةٍ
لكيما تستشف دروب كفينا
فخلِّ العمر مثل العمرِ
قد يمضي.
وقد نمضي
ونترك سرّه الزبديَّ
لا أحد يفك المدَّ لغز الموجِ
حين يفضّ لوعتهُ
ويحمل من فتات الصخر أغنيةً
تَرسَّبُ في أقاصي العشقِ
من أنتٍ ...؟
سؤال ملؤه الظلماتُ
يا وجع الغريبة في لهاث السندبادِ
يزف رحلته ويخشى العاشرة
وما خبأت مختمر هنا
وحل وأفيون الرحيلِ
وجوه من غادرت ملء الأفقِ
أسئلة ركيكة.
***
لا شاطئ لاحت منارته الأخيرة
في الندى
وتهشمت سفن الحقيقة في دمه
والكل لوّح حين لوَّعه الرجوعُ
مراكبي ثكلى
وأحزاني دليل
وصهيله مرجانة الوجد القتيلِ
على ضفاف محاره المسبيِّ
خلف شِبَاك لوعته
ولاح الفجر أيقونة
فنورسها الذبيحُ
يلاحق الطيف المسمر
في نزيف الظل
في مرآة أشجانه
سئم الطريق من العبور
إلى رصيف البحرِ
وزنبقه الذي ظللَّ الطريق إلى رحيق مسافرٍ
فتمردت في العشق نجمته الأخيرةُ
وأنحنى شجراً يظلل محجرَ
الليل المحنط في دمه
وأراق لوعته الزمنْ
العتم كهل والدروب رخيمةٌ
ومساؤه المجدول من تعب الطريقِ
وغصة الأسماء زهر العيدِ
محتفل بجرس رعافه المنحوت
في المنفى تراه يعودُ
في وجه
وفي مطرٍ
ترى أأعود طفلته التي افترشتْ
بليل الأمس ضحكتهُ
ونمضي غيمة في القفر
يهرمها العبور ووحشة الآفاقِ
آه
من حوار ليس يهجره الظمأ.
***
لمي شتات الورد
أخمرنا الذبول وأهدرت
سجف الخريف طيورها
من ذا يخبئ لليمامة غيرَ
أعشاش ومرثاة تهزُ
براعم الكلمات في صدأ الوجعْ
ومن يبقى على مرآتهِ
انطفأت وجوه الحيِّ
في أحداق مجزرةٍ
وصار الشعر نسل الخمرِ
في مدن تلوك الطفلُ
في أشداق رحم الصمتِ
من يدري
بأن الخبز مقصلةٌ
لطائر رعده المنسي في زمني
فيا مشروخة الموالِ
لا تنسي وصيتهم
أبيحوا لحم موتاكم
غداً يأتيكم الطوفان
ولا نوح يلم صكوك غرقاكم.
***
يؤوب الجدول الغجريُّ
من رئتيك مسموماً
مجرَّح الطرقات
ويرشفه اليباس على مرافئه
الجسد المعار
وتلفظه حجارتك الندية إثر
أن تاهت بخمرته
فعاد إلى المدار المر محترقاً
بنعش أثيره المصلوب في رئتيهِ
فرَّ من العيون الجرد مشدوه الخطا
ومهشم الضحكات
غار الغيث في أخدود أحزانه
لهاثي من لهاثكم
وإني فاقد لغة
وجسراً بين حلمينا
ليعيق حرقة الكلمات
وأرض أينعت
حجرين في كفينِ
في جسدٍ
وإحداها مصوبةُ
(لتورق خلق فرخ النسر من
نسل العبيدْ)*.
***
وعلى اليد الأخرى حجر
مرجومة إن فكرت يوماً
بفضِّ بكارة الأحزانِ
أو ضوء القمرْ
حجرٌ حجرْ.
سوناتا الخريف
صديد وجاز
وشرنق أحزانه كي يطير
وفضَّ عن الصمت أختامهُ
في صدى قد يلوك صداه
ويمتد ملء الفراغ الفراغ
ترنّحت حيناً على بابه
وأمطرت فيه ارتجاف الزمان
تعانق فينا صديد الحروب وجرح المدينة
لم يجتذبني إلى الرقص كأس وغاص القمر
تبدد صوتي ولون العناق
فعدت إلى شفتيه سديماً
وما مات فينا هزيع الكلامٍ
سنابك ليل غداً لن تطأني
وبابك حي
ووجهك أيقونة للعذاب
ولا نحس الرقص
شمسي
وساقك مبتورةٌ
أتذكر آخر جاز لنا
دعوتك للرقص ذاك المساء
وحدثت بعضك عن قبلةٍ
ستمتد خلف احترق الصداع
ولم تدعُ قلبي إلى الرقص يوماً
وغاب القمرْ.
كواليس ملهى
قدر لبهجة سيد النزلاء أن يتجمعوا
خصيان هذا القوم في الفندق
قدري بأني قد ولدت مرابياً للحزن
في نتن المقاهي أشتهي
بيتاً
ونافذة كلوحة
قدري بأن لا يعرف الباقون من أمي
ويجهلني أبي.
كبرت في لهو المقاهي
ليلة نجلاً لغانية حزينة
تسدي لطفلتها الغناءَ
وتشتري خبزاً بنهديها
فتقتلها الخطيئة قبل أن تأوي إلى كنف جديد
ووددت لو شاهدتها يوماً بوجه لا تغيِّبهُ
المساحيق الرخيصةُ
ووددت لو أني عرفت الآن موطننا لماذا ؟
قد ولدت هنا وأين ؟!
وبعد هذا العهر إن هرمت سنبقى
تحت سقف مشرع للريح هل سأكون دميتهم
لآوي المرأة الهرمة
كما في البرد آوتني ؟.
وفي ماخورها المجنون ربتني
كقطة مطعم شرهة
تلاطفهم لكي يرموا لها خبزاً
ويركلها كبير القوم يا أمي
فأكبو تحت نافذتكْ
أخمن من تراه أبي ؟
فهل هو ممن يديرون الكؤوس
ويشربون الدمْ
أم أنه ممن يراق هنا دمه ؟!
هل كنت في الأمس البعيد صبية
مثلي يداهمها البكاء
أم أنت وجه من نحاس ماجنٍ
هل جدتي مثل النساء الأخريات ؟!
يا أمي الصماء لا أدري
شقاء مفعم مالح، يدفعهم لأن تبقي أمامي في ابتسام مزمنٍ
وأنا أرى وجهي المحنط في مرايا الدمع منسكباً
على خدٍ زهيٍ شاحبٍ
تحت انسدال الشعر في فوضاهُ
ضميني لأدرك أنني حيَّهْ
فكي خيولي من لجام خنوعك الأزلي
كي نمضي
إلى وطنٍ
إلى أرض بلا إسمٍ
وإن تهنا كما نحن إلى موتٍ
سخيٌّ ظل شاهدةٍ
ولا تبكي فما أنت بأرملةٍ
أعود الآن من حلمي أرى نفسي
على شطآن منفضة
زجاجات مكسرةٍ
صليل النخب إثر النخب أحذيةٌ
أرى نفسي مسورة بأكوام النفايات
ووحدي تحت مائدة
مسيّجة بقضبان من السيقان
فهل أغفو
وأخشى إن غفوت اليوم
أن أغفو
وبعد السخط يا أمي أجالسهم
وفي بأسٍ أضاجعهم
فلا يبقى لنا بيت ولا حلم ولا موتٌ
أطلي تحت مائدتك
خذي كفي ورأسي الآن في حضنك
وصلي الليل كي أكبر.
***
***
تركي عامر
- من مواليد حرفيش بالجليل، عام 1954.
- دبلوم صحافة وإتصال.
- حرّر أسبوعيّتي: الدّوالي والخميس، مطلع التّسعينيّات.
- منحته الأكاديمية العالميّة للفنون والثّقافة دكتوراه فخريّة في الأدب، 1999 .
- أسّس منتدى: ورقستان الإفتراضيّ والأرضيّ، 2007.
- يعمل أمين مكتبة مدرسية.
صدر له:
- ضجيج الصمّت، شعر، 1989.
- نزيف الوقت، شعر، 1990.
- استراحة المحارب، شعر،1991.
- فحيح الضّوء، شعر، 1993.
- من حواضر الرّوح، شعر، 1996.
- لن أعود إلى المرعى، شعر، 2004.
- سطر الجمر، أعمال شعرية بالعامية، 1997.
- Arabian Nightmares، شعر بالإنجليزية، 1998.
- Whit Leaves، شعر بالإنجليزية،2001.
- العائلقراطيّة، مقالات في الاجتماع والسيّاسة، 1984.
- صباح الحبر، مقالات في الأدب والثقافة، 1994.
turkiamer@yahoo.com
بينَ هذي وتلك
بينَ هذي وتلكْ
حجرٌ من جبالِ السّماءْ
تلكَ تزعمُ
هذي تقولْ:
"لي أنا".
والسّماءْ:
"إنِّ لي حجراً عندَكُنْ..."
يخنقُ الصّوتَ دمعُ السّماءْ
ودمي يُغْرِقُ الأرضَ ماءً
وينمو بخاراً يحبُّ السّماءْ.
2
بينَ تلكَ وهذي
رغيفٌ وأغنيةٌ من ضبابْ
تلكَ تهذي
وهذي تجوعُ
ويبقى الغيابْ واقفًا
بينَ تلكَ وهذي
كتابْ:
يتهجَّى الرّغيف
ويطحنُ أغنيةً من سرابْ.
3
بينَ هذي وتلكْ
شعرهٌ لا تُرى
في حساءِ المساءْ
جدّلُوها رباطًا وثيقَ العُرَى
لحذاءِ السّماءْ.
4
بينَ تلكَ وهذي
ترابْ:
تدّعي تلكَ
هذي تقولْ:
"لي أنا هذا التّرابْ"
وتمرُّ الفصولْ
ويظلُّ التّرابْ
لا يرى كيفَ هذي تزولْ
تلَك عمّا قريبٍ تزولْ ؟.
5
بينَ هذي وتلكْ:
تلكَ تأخذُ تاريخَ هذي
وهذي
تضاريسَ تلكْ
أيُّهذي الهُنا
أيُّتِلْكَ الهُناكْ
لو تصيرانٍ واحدةً
(يا) هنا (يا) هناكْ
وتفضّانِها سيرةً.
وبجاهِكَ من مستقرِّ علاكْ
إهْدِ هذي
وتلك كتابًا جديدًا
يَراكْ.
مديحُ الكعبِ العالي
إخلعي ملابسك كاملة
لا تخافي
لن يكون أحد هناك
خذي حمّاماً فاتراً
لا بأس أن تغمضي عينيك
اتّقاءً للصّابون
لا تمكثي طويلاً تحت الماء
ثمّة نار تنتظر
نشّفي كل المناطق
إلبسي ما قلّ ودلّ
تعطّري قليلاً
دعي الإكسسوار جانبًا
لست ذاهبة إلى زفاف
لن يكون هناك
من تحبّين أن يمتن غيرة
من فستانك الجديد ؟
إجلسي حيثما ترتاحين
إفلشي ورقة بيضاء
غير مسطّرة
أزيحي الشّرشف عن الطاولة
فهذا لا يسعف في ارتكاب الجريمة
إسحبي القلم
كمن يسحب مسدّساً
كاتمًا للصمّت
إرفعي الطّبّة عن رأسه
إذا كان يعتمر طبّة
أو أطقسيه
إذا كان من ذوات الطّقس البارد
أنظري عبر نافذة
لا تطلّ إلاّ على الحلم
أطلقي النّار دونما تصويب
هكذا إلى لا مكان
أشطبي الرّصاصة
أطلقي من جديد
وبعد أن تسرّحي شَعر القصيدة
أنزليها إلى الشّارع
سترين إلى مارّة يتحرّشون بها
لا سيّما إذا كانت تكشف
عن بعض تضاريس
جيّد أنّك جعلتها
تنتعل كعبًا عاليًا
يعرف من أين يمعس
أعقاب مجاملاتهم غير السّلسة
وعديمة النيكوتين الواشي
بشيء من الصّدق.
صحراء
في مقهًى
يختصرُ الصّحراءْ
بَسَّطْنا
ذاتَ مساءٍ يشبهُ كلَّ مساءْ بضاعتُنا
لا جمرك يسألُها
حرَّه
والغيبةُ كانت سيّدةَ السّهرَهْ
وأستغراقًا بفراغٍ يملؤُنا منذ الطّوفان
شمّرنا عن وسخٍ
وطفقنا نغتصبُ السّاعاتِ:
فهذي كستكُها مقطوعٌ
تلكَ بزمبركٍ فلتانْ
والسّهرةُ ما زالت مهرَةْ
والغيبةُ
فوق الصهّوةِ
سيّدة السّهرة
فجعلنا نعتنقُ الأرغيلة
نسجدُ للجمراتْ
ونثرثرُ (بالمليانِ) على كلِّ الجبهاتْ:
أنزلْنا هذا عن زُحلٍ
وتغلغلنا في لحية والدهِ الشيباءْ
لم (تزمطْ) والدةٌ أو أختٌ من كحل أيادينا البيضاءْ
ورفعنا ذاك إلى الزُّهرةْ
وتركنا "كعب أخيلِ" سلالتِهِ ينتعل الزّرقاءْ
علاّنةُ طوّبناها قدّيسهْ
روحًا وتضاريسَا
فهرسنا عطرَ قصيدتها من أفخرِ ماركةٍ
وأرَيْناها موسوعاتٍ
وقواميسَا
وفلانةُ حمّلناها يافطةً حمراءْ
شرَّعنا ساقيها للرّيحِ
وأدخلنا رأسَ التّاريخِ نعامةَ ماءٍ في رملٍ الصّحراءْ
وتنفّسنا الصّعداءْ.
***
جهاد هديـب
- من مواليد أريحا، عام 1965.
- يعمل صحافياً في جريدة: الدستور الأردنية.
صدر له:
- تعاشيق، شعر، 1997.
- ما أمكن خيانته ويُسمّى الألم، شعر، 1999.
- قبل أن يبرد الياسمين، شعر، 2001.
jihad_hudaib@hotmail.com
الأبـلــه
ما كنّا مُشاةً أو في سفر
لقد بلغ تلك الشجرة ثم تفرّق إلينا
عرفناه وفي يده الكتاب، أعطيناه ملحاً وخبزاً، ولما طردناه، قال شيئاً عن النبع، وآخر عن المغارة، فعلق بنا ندبة في شفة .
أنسلّوا كلهم: صائد الأفاعي، وناخلة التراب، الأسير وأميرته، وتبعتهم العاهرة فقوّادها والقاتل المأجور وفي إثره ضحيته، ومضى السارق والواشم.
أنترك في الظلّ
كبقعة زيت في الثوب
كما يوسف في الجبّ.
الأبله
في وحدته الكثيرة، يصغي إلى خطوته تنأى في الوحشة، أو يرى إليها تلمع في الصهد بينما يردّد شيئاً عن خيط ماء ينسربُ؛ عن ظلٍّ وحيد في مغارة، أيضاً.
أيضاً
حمقى وزعران وسكارى ومشرّدون وقارئو كف، كلّهم طيّبون أتوك يتامى.
ألتمّوا إليك لمّا كنت في المرآة، تواروا خلفك ولم يبينوا ثانية.
ما عادوا في الصور الملونة، ولا في التذكار الذي بالأبيض والأسود.
وليسوا في الكلام عليك.
وفيما مسيحك في مكانه العالي، دائماً كضوء أنبثق في العتمة فجأة، ينْقُبُ في معجم الطير أو يقَّلِبُ كتاباً في البيزرة كنتَ في الحانة تقْلِبُ طاولة أو يرتطم وجهُك بجدار. كنت في الحديقة تقول لامرأة:
قمري في السرير
نصفه من خبزٍ
نصفه تفّاحة.
ثم تصادف الغريبة، تقرأ في كفّها صوراً أعددتها الشرك، وفي الشارع تفاوض الأبله أن يأخذ رغيفك كي يعبر عنك كأساً أو صلاة.. وفي آخر الليل تعود إلى امرأة الحانة وتطلب يدها من جديد كي ترجئ قصيدة تلِّحُ ولا تجيء، ثم تجاور يأسك في غفوة على العتبة حيث امرأة حمَلَتْها إلى منامك الطيور كي تفيق وقد دفنت سرّاً بين أختين.
حمقى وزعران وسكارى ومشرّدون وقارئو كفّ طيِّبون مرّوا حفاةً بقلبك وكان مخلوعاً بابه
تركوا لأجلك شقيقاً وسمّوه الندم
تركوا المرأة الأجمل من رغبتك في الصراخ؛ لأجلك سمّوها الكآبة
قالوا:
إنهما خادماك كلما أفقت أو عدْتَ من غيبة
كلما أُخِذَ بك النعاسُ
لم يبينوا ثانيةً ومسيحك في مكانه العالي
ياااااااااه
كم تُبودِلْتَ
حتى أنّك لم تعد وحدك
حتى أنّك لم تكن وحدك.
الأرضُ أخرى، يابـسـةٌ
الذين مرّوا كطائرٍ تَرَكَ الأثرَ لا يدلُّ إلى هيئةٍ أو جهة، ثم أقاموا في بياضٍ يَصِلُ الأرض بأسفلها وموتاً بالذي يسبقه؛ الذين منذ الوحشةُ استطالتْ أعشابُها وتأجَّلَ الكلامُ
ثم صاروا سمكاً في بحر
الآتون من جبال دائخةٍ أسكرَها الضبابُ
هبّوا في النسيان كذكرى.
(1)
العتمةُ عندما اشتدّتْ إلى حُلْكَةٍ عثروا على وجهِها ثمّ نبَحوا فيه.
ما تذكّروا سبباً لذلك.
ما حدثَ وأشعلوا ناراً أو تدفّأوا بالحنين.
قد يخرجُ واحدٌ منهم يلقي حصاةً في بِرْكَةٍ، يحبّون الدوائرَ تبدأُ من بعيدً ويحبّونها
لو تنكسِرَ قريباً إليهم.
(2)
كلمّا مرّتْ في أرضِهم شمسٌ مسحوا عنها البردَ والصدأَ، ثمّ قرعوا حجارةً في إثرها كي تسبَحَ ثانيةً.
(3)
هناك
في الوعرِ الذي باتَ لهم
تتراءى صخرةٌ أمامَهم
مرةً
كانت امرأةٌ مالَ جذعُها
والآن
كما لو أنّها الصرخةُ العارية.
(4)
الذي خفقَ فيهِم
ذلك الغامضُ كرغبةٍ ما أسْتُدِلَّ إليها، ها يخفقُ حولَهم.
وبينما جباهُهُم واضِحةً تنِزُّ، ولهاثُهم يخلطُ أولَّ البكاءِ بظمأِ الذئبِ إلى عويلِهِ، كانت نظراتُهُم تلتَهِمُ نبعاً تصعدُ إلى أعلى.
يتربَّصونَ بجَلَبَةٍ قد تحدثُ؛ كأنْ تُرى، من الأسفلِ، وهْيَ تطأُ عشباً تيبّسَ قدمٌ للتي ما أتوا على ذِكْرِها:
حياةٌ لها هيئةُ امرأةٍ تعرَّتْ للماءِ أو غزالةٍ تَرِدُ وربما أفعى أنتابَها عطشٌ
يا
ويلَها
إن أدرَكوها ثمّ جرّوها إليهم
لسوفَ
تَمْضُغُها
أياديهِم.
غصن وحيـد في غابة
تمطرين
تعالي إليَّ
خذي جذعي إليكِ
أبتلُّ بمائكِ
فأحلمُ، وقد أنسى الجوعَ والبردَ، بل هذا الأرقَ الذي جاء محمولاً على أكتافهما
كما يُحْمَلُ مخمورٌ. لكنْ ها يجرُّ خطى تتثاقلُ؛ يقتربُ من غرفتي؛ يتنهَّدُ كما عجوز
ثم تصفُرُ أنفاسه فينأى.
سأخونُكِ
مع هذا الأرقِ الكهل. فأطأُ منازل دون رائحةٍ مني أو أثرٍ سواها يدُلُّ. سأذهبُ وحدي كي أرى المطر يؤنس وحشةَ الليل في الحديقة. فأعرفُ أنَّ يدَكِ في وحشتها ويدي تفتقدُ غريقة في البرد.
سأخونُكِ
ما عدتِ عاريةً تحلمين
ومرَّ الخريفُ بياسمينيةٍ مذ حَمَلَتِ إسمكِ وهي تطرحُ اللوزَ أزرقَ. الرمل ُ يكثرُ حولَكِ وصوتُكِ تكسَّرَ كجرةٍ من خزف. عيناكِ ذبُلَتا، بل سقطتا وما وقعت غيمةٌ أو حتى ارتجَّت.
(2)
يا
التي من عسلٍ مقسّى
ولم تذُبْ قطعةٌ منكِ في فمي
قلبي أضيء ولم يكن لتمسسه نار أو تُخبَّأُ فيه تمائمُ تأتي بكِ من غيابك
إنه
ينتظرُكِ ضامرةً وجائعة
ـ يا المتعبة ـ
قدماكِ حافيتان
وبيضاوانِ ساقاكِ.
(3)
وقَعَتْ ريشةٌ من طائرٍ في الحديقةِ وظلَّتْ تؤلمُ. لقد رأيْتُهُ. دورِيٌّ كقلبكِ. لقد فضحَكِ عندما غرَّدَ كأنما يتوبُ قال إسمَكِ
أرجوكِ
أرجوكِ
كبيتٍ أحترقَ فجأةً ثم ارْتدمَ من زمان قلبي.
(4)
كان ليلاً
وموسمَ هجرةٍ وسقوطَ ثلجٍ على الأضرحةِ، وأنا أميرٌ مخلوعٌ إلى الخسارة عندما جئتِ فجأةً وفي يدكِ الحلوى لي.
ضَللْتُ في الصمت وفي الموسيقى، وتقلَبْتُ بين الذين أطالوا النظرَ إلى المرايا وموتى تركوا الحقائب قربَ الباب.
مثل مجنونٍ كنتُ أقرأُ سورتي على رأسِ عتمةٍ ماتت وقد أجرُّها كقطةٍ نفقَتْ أو أوْقِدُ ناراً فيها
كلما أضعْتُ وجهَكِ
كلما صعَدْتُ إلى النبعِ ولم أجدْه كما لو نفد.
(5)
كحاجةِ الخبزِ إلى النار
كانت حاجتي إلى الحربِ فأولدُ. غير أنّا بقينا كلاً بمفردِه. دون عائلة.
غريبين نجول في الأرض.
والفرق:
إني خرجتُ مِراراً من الذين نجوا من المجزرة، عندما تركوا منازلَهم للخلاءِ وهاجوا في الوعرِ كالجراد تَتَصادفُه الريح.
(6)
أحتاج إليكِ الآن يا حبيبتي كي أصفَ:
هكذا
قضى الحنينُ:
وعلٌ ظلّ يركضُ في الوادي حتى أهتاجَ
ثم:
كمَنْ يدري
سدّد قرنيه القويتين إلى صخرة.
(7)
لا تحتاجُ إلينا الحربُ. لقد عادتْ تقودُ أدلاّءَها مثلَ كلاب حراسة. كنت كلما تعثَّرَتْ بي غيَّرتُ لونَ الستائرِ ثم جدَّفت. وتركْتُ الرغبةَ على قلقِها وأصابعي تحدسُ.
عادت الحربُ
هل ندخلُ إلى ثيابنا ثانيةً، ونتركُ الخطيئة في عريها ؟.
(8)
جاء هذي المرةَ يتألمُ:
فالليلُ لن ينسلخَ عن عتمتَه، والحربُ ما من أحدٍ رآها حتى أنَّها لا تُنادى
جاء كي لا يخرجَ:
يشْتُمُ ويجدِّفُ.
أنطفأتْ عيناهُ ويلهثُ. خمرٌ تفوحُ رائحتُها من فمه. ولما بلغَ الرُّكنَ المعتمَ أرتمى.
الأرقُ
ـ مثل أمس؛ مثل الغدِ ـ
ينامُ ويبكي معاً.
أنا
وحدي في العالم
الذي رأى أوّل نشيج
أنا
وحدي الذي يفتقدكِ
كأنما أصلّي لأجل راحة أرقِ لم أعْهَدْهُ.
(9)
وقعْتِ في حلم رجلٍ وُعِدَ بمجيء
كنْتِ نوديتِ من مجدكِ العالي
وهبطْتِ إلى بحرٍ مكَرَ بكِ
لكنّ موجةً ولدَتْكِ ثانيةً
وسوى ذلك
كنتِ الشجرةَ ولا دربَ إليك
أنا بَهْلولكِ الذي يحُجُّ
أعلّقُ في أغصانكِ مزَقاً خضراء، وأظلُّ أطوفُ كعرّافة تحرسُ بكلامٍ قديمٍ مخدعَ أميرة.
كلَّما طارَ عصفورٌ من حِضْنِكِ
غِرْتُ
وتهيَّأْتْ أنفاسي للنحيب
وما أنْ أضَعْتُ مفتاحاً لبابكِ
حتى دلقْتُ خمراً ثم احتطبْتُ
وعندما نوديتِ
ذابتْ عتَمَةٌ وأبيضَّ المنام.
***
حسين البرغوثي
- من مواليد قرية كوبر رام الله، عام 1954.
- توفي عام 2002.
- نال درجة الدكتوراه في الأدب المقارن، من جامعة واشنطن سياتل في الولايات المتحدة الأمريكية 1992.
- قام بكتابة العديد من الأغنيات لفرق موسيقية مختلفة مثل: صابرين، الرحالة، سنابل، فرقة أحياء بلدنا.
- عضو مؤسس في المركز الثقافي الفلسطيني ـ بيت الشعر.
- شغل منصب مدير تحرير مجلة: الشعراء.
- كما شغل منصب رئيس تحرير مجلة: أوغاريت.
- عضو الهيئة الإدارية لاتحاد الكتّاب الفلسطينيين.
صدر له:
- ليلى وتوبة، شعر، 1996. الرؤيا، شعر، 1998.
- توجد ألفاظ أوحش من هذه، شعر، 1998.
- مرايا سائلة، شعر، 2000.
- الضفة الثالثة لنهر الأردن، رواية، 1983.
- ريشة الذهب، قصص من التراث الفلسطيني، إعداد وإشراف، 1998.
- أزمة الشعر المحلي، نقد، 1979.
- سقوط الجدار السابع، نقد، 1981.
- الضوء الأزرق، سيرة، 2001.
- سأكون بين اللوز، سيرة، 2002.
- حجر الورد ـ نص ما بعد حداثي، نص، 2002. ا
- السادن.
- الناقة كفن معماري.
- قصص عن زمن وثني، 2003.
- المعصرة، سيناريو فيلم روائي طويل بمشاركة رشيد مشهراوي، 1999.
- الغرباء، فيلم وثائقي، قام بوضع السرد والدراما، 2000.
- حريتي المفقودة، فيلم وثائقي، قام بوضع المفهوم والدراما، 2001.
- المزبلة، مسرحية، 1984.
- قصة ساحة الورد، مسرحية، 1987.
- روميو وجولييت، مسرحية، 1994.
- موسم للغرايب، 1995.
- الليل والجبل، إعداد مسرحي، 1995.
- وجوه، مسرحية، 1997.
- حفلة على غفلة، مسرحية،2001.
- لا لم يمت، مسرحية، 2002.
من كتابات الجنِّ فيَّ
سلّمٌ من طموحٍ أم حجرْ
هذا الزحامُ من النقوش على خاتَمِكِ اللؤلئيِّ
افتتاحيةٌ للطقوسِ القديمةِ، أم دعوةٌ لنمورٍ مرقطةٍ تعشق الاقتناصَ أم النمورُ
رسومٌ ؟ لمن
كلّ هذا المنظر الوحشيِّ، يا بنتَ أمي، وممن
أحسُّ بهذا الخطرْ ؟.
أكملي العزفَ البحرُ أحمرُ والموج مقمرُ، لا قرارَ لهُ
فالقرارُ لنا أن
نكملَ العزفَ أو
ننحني كغزالٍ يأكل العشبَ، ونقطع بالشفتين الوترْ.
فجأةً، يا بنتَ أمي، أخافُ (لنا زمنان مختلفانِ) الغربةَ !
هذه لغةٌٌ بها "لبَسَ الثلوجُ بها عليّ مسالكي فكأنها ببياضها سوداءُ " (1)
مليحٌ
إذاً
يا بنت أمي.
نسير إلى أحرفٍ سطّرتها الجنُّ فوق قبابٍ من نحاسٍ في غروبٍ
شاملٍ
أفتح مثل الكتابِ المقدسِ وجهِيَ
أتلو لأحلو
من سورة النملِ والماءِ الحُلُميِّ والنرجسِ فيَّ
وأحلو
لأخطو على صخرةِ الصمتِ الأبيضِ، عند رجوع الأساطيلِ القديمةِ
أخطو
لأعلو
نحو بابكِ من أجل مفتاحِ خلقٍ جديدٍ أو سفرْ.
فأرسمي وجهي على خزفِ الأواني
أقطعي رأسي
أحمليهِ على صوانٍ من القشِّ محمولةٍ بيد القيانِ إلى قمرٍ أحمر يرجف
مثل بركة ماءٍ أو وترْ
من كهرباءِ الروح لما
كان خصري مكاناً للزنبقِ الأبيضِ لما
كان مُلْكَ يديّْ.
زمّليني يا خديجةْ !
فالمتاهات فيّْ
قد تؤدي لنتيجةْ !.
المأدبةُ على السطحْ
ـ وكان هذا في الجنوبْ ـ
لم أستطع الكلامَ بحريةِ الأرضِ
الربيعيةِ
من حيث جاءوا
ولذا
أصغيتْ.
قال صوتْ مثل موسيقى النبيِّ:
"رولى، تلكَ، كانت
فَراشْ".
قال صوتْ:
من قبيل الإحترازِ، لها، من قبيل الإحترازْ
صوتها لا يُقلَّدْ
كلنا كان صداهُ النشازْ.
والروح رحبةْ
في الجنوبِ، وبين الزهور وبين الخشبِ
أختاروا لي
مكاناً
من رولى، تلك، كانت فَراشْ.
فأدخل الآن في الجِدّْ:
توِجد ألفاظ ٌأوحشُ من هذه
توجد ألفاظ
أو
وَحْشٌ من هذه.
أنا قاربٌ في لحظةِ الشمسِ، والزبدِ الأبعدْ
أسأتُ قراءة زرقةِ الموج الدقيقْ
حذفٌ من الضوءِ في جيلٍ غير محتملْ.
ذئبة تنهش الكفَّ
الكفُّ عنها عند بابِ الكهفِ
كيف الكفْ ؟
ممنوعةٌ أنتِ
يا بنت أُميَ
يا صاحبةَ الثوبِ المقمرِ
ممعنةٌ في سفرٍ خطرِ.
قلتِ كلاماً مثل فَراشٍ حول سراجٍ، قلتِ:
"فليذهبْ العالم للذئبةِ حتى أنامَ
وأكرهُ جدّاً أبي "
وألمَّ بي هذا الكلامُ ألمّ بي.
وسَرتْ في جلديَ كهرباء الغيبوبةِ، والخصاءِ
فواجهْتْ
وبنو أبي
منعوا عني ريادةَ الماء أنحنيتْ
نحو الأوحشِ
والخطوةُ في بحرٍ حلميٍّ ترفعُ فيَّ بصيرة في جُمَلِ.
كم كنت ناعمةً، شبه لي، شبه نائمةٍ، قلتِ:
"ومن أين سأعرفُ هذا الذي
أجهلُ الآن هذا الذي أسألُ من أين عنهُ ؟"
فلا تسألي !
غنِّي
أي
خبئيني في غناءْ
عني وعنك تخلّت سماءْ
سلّمتنا للقططِ التي تأكلُ فينا الطفوليَّ فدافعْتْ
عنك وعني فغنيّ في أولِ البيتِ
البيتِ - الكهفْ - الشتائيِّ، عن أولِ النارِ التي باركتْ جسماً يخِفْ
ويتقن اللعبة بالخنجرِ الفضةِ
والامتناعاتِ عن.
غنّي
كم فتشتُ عن عودةٍ للوراءْ
فانتهيتْ
غنّي
أي علقينِيَ كالحَمَلِ
بين ضبعٍ وضبعٍ
وأنهشي ما تبقى فوق الشجرةْ
لكن بلحنينِ ودفٍّ ودنْ
كي تكبر الحشرةْ
التي سوف توقظنا.
قلتِ:
قرأتْ فْرويْدْ
لماذا أفترضتْ
جهلي بماركسْ ؟.
سجّلتُ ما سجلتْ
من هذا الحوار ـ الفتحةْ.
المتنبي، أي التبست عليه الطريق من الثلج.
***
خالـد جمعة
- من مواليد رفح في قطاع غزة، عام 1965.
- حصل على شهادة دبلوم في الرسم المعماري من كلية الخليل الفنية الهندسية ـ البوليتكنيك، 1986.
- عمل رساماً معمارياً ومراقب أبنية في وكالة الغوث.
- عضو مؤسس لمجلة: الغربال.
- عضو مؤسس في: فرقة الجنوب للفنون الشعبية.
- عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين.
- عضو مؤسس في: منتدى السنابل بيت لاهيا.
- عضو هيئة تحرير مجلة: عشتار الأدبية.
- يعمل مدير تحرير مجلة: رؤية، الصادرة عن الهيئة العامة للإستعلامات.
صدر له:
- رفح.. أبجدية مسافة وذاكرة، شعر، بالإشتراك مع عثمان حسين،1992.
هكذا يبدأ الخليفة، شعر، 1996. - نصوص لا علاقة لها بالأمر، شعر، 1999.
- لذلك، شعر، 2000.
- ما زلت تشبه نفسك، شعر، 2004.
- صفحات من يوميات جرثومة، قصص للأطفال، 1996.
- الماسورة الحزينة، قصص للأطفال، 1999.
- قرية الحروف، قصص للأطفال، 2000.
- حديث الغابة ـ كليلة ودمنة للفتيان، قصص للأطفال، 2000.
- الحفلة، قصص للأطفال، 2000.
- الشبلان، قصص للأطفال، 2001.
- دموع اللون الأصفر، قصص للأطفال، 2001.
- السياق، قصص للأطفال، 2001.
- سوداء أذن شقراء، قصص للأطفال، 2002.
- الأغاني الشعبية الفلسطينية في قطاع غزة وأغاني الصيادين في قطاع غزة، تجميع وإعداد، بالاشتراك مع آخرين، 1998.
jumak2002@yahoo.com
فراغ في الخارطة
فراغ على الخارطة
الخيارُ في الشارعِ مُهْلِكٌ * الفتى لم يعد يسوعاً * على درّاجةِ المشهد ينتقل في الشرود الأخير * يسمعُ غير ما أعتاد أن ينصت إليه جوار الحياة يوماً بيوم * النايُ مزعجٌ يجرحُ خوف المشهد من الناظرين * وربما لم يعد لعشر رصاصاتٍ زائدةٍ أي معنىً * أيها الجيشُ: لماذا أنت جادٌّ فيما نمزحُ فيه ؟ * ضحكَ الجنديُّ: خطابُك لأيَّ لونٍ غير البياضِ *
يا بُنيَّ: عليكَ أن تحدّدَ لونَ الجيشِ كي تخاطبَ نَفَقاً لا يؤدي إلى المعنى * المعنى أخيراً تجرّدَ من قُدرَتِهِ * صاحبُ المقالةِ لا يهتمُّ إلا بحجم الخطِّ في الجريدة * والجيشُ يهتم بأشياءَ أكبر من حجم الخط ومن طريقة سقوط المتظاهرين * المشهدُ يتحوّلُ سريعاً من أبٍ يبحث عن إبنته التي شذّت واخْتَلَطَتْ بالشبَّان الشبقين على رغم أنهم يقاتلون إلى ابنةٍ تبحث عن أبٍ سقطت ملامحه على الإسفلتِ دون داعٍ * تعلنُ الفضائيةُ عن مكيِّف الهواءِ الجديد * يتركُ الفتى موقعه ليشتريه * كان شعورُ أمِّه بالحرارة يُقْلِقُهُ * لكنه سقط في الطريق إلى المكيّفِ * ولحسنِ الحظِّ لم يَمُتْ تماماً *
الهمُّ لم يكن همّاً متأقلماً مع الفتى القادر على اللعب مع الروح التي تنفصل عنه وتعود إليه كقطةٍ صغيرة * لم يدخل فلسفةً عاليةً ليعرّف حالته كما تقتضيها الإذاعةُ * قام المذيع بالإجابةِ * قد قدّم الفتى ما عليه وكذلك المذيعُ *
ينسى الفتى حديقتَهُ عند أوّل إغفاءةٍ دَوْزَنها المرورُ المستمرُّ للسائل الطبيِّ في أوردةٍ لم تُخلق لذلك * الممرضاتُ يحرسن نومه لكثرة المارين على ذاكرتهن * لم يعبر من له هذا الجمالُ عند النومِ * يغنين وينصرفن عند انتهاء الورديّةِ * ولا يتذكرنه إلا عند الوردية التالية * في نومه صحراءٌ ضيقةٌ وطويلة * وطائرا لَقْلَقٍ لا يعرفُ من حشرهما في المنام المشغول بدقةٍ عالية * تتحوّل الصحراءُ إلى خارطة * المدرّسُ يشير إلى اللون الوحيد ويهزّ شاربيه وعصاه * هناك فراغٌ بين صحراءٍ وأخرى * يغزلُ المدرّس جملته من لغةٍ قديمة * هذا هو النيلُ الذي يخجلُ كلما مرّ على جنازةٍ * والنيل كما تعرفون أطولُ الأنهار * إذا استثنينا أنهارَ الجنّةِ في مرورها الطويل تحت يد الله العبقرية * إنما الصحراءُ تشخرُ في نومها * ونومها النهرُ إذا لم تعرفوا * الفتى في ورقةٍ على سطرٍ يدورُ * ثمة فراغٌ في الخارطة * ثمة عيدٌ على الفراغ يسقطُ دائماً والشجرةُ لا تعي ما تحتها * القطبُ في نهاية الخارطة غابةٌ بيضاء * لو أن القطب يضاجع الصحراء *
مرورٌ عارضٌ لغيمةٍ على خيمةٍ استبدلت جداراً * والفتى نسخةٌ غير مطابقةٍ للباقين في خيامٍ قديمة * الحوارُ طويلٌ ولا طائل من ورائه * علّمتْهُ التجربةُ أن التجربةَ لا تعلّم إلا نفسها * يغربلُ أصحابه ليسقطوا جميعاً من أكبر الفتحات * يغيّر غرباله كل سنةٍ وما زالوا يسقطون * يتكلمُ الملل من أحشائه ولا يملك استطاعةً واحدةً ليغير وضع جسمه فوق هذا البياض المناسبِ للّغة * اللغةُ تراوغُ * يسبُّها عائداً إلى حنينه المرتب * البلادُ بلادي حين أقولُ الشعَر أو أحلمه * ضحك من الفكرةِ فابتسمت ممرضةٌ لا تحسُّ مثلما اللواتي أنتهت ورديتهن *
ثلاث بائعات وردٍ يجلسن على فكرته التي تتنفس من وريده * الروح مثل قطةٍ صغيرةٍ ما زالتْ * أطباءٌ يمرّون * ممرضون * زائرون * مرضى * عاملو نظافة * ممثلو أحزاب * ورود * طالباتُ مدارس * مطربون * صحفيون * متبرعون بالدم * عسكريون * قادة * ومهنٌ كثيرةٌ تَعضُّه من سريره وتجثو لحظةً أمامه وتمرُّ * الصحراء تبدو مجسّمةً على الخارطة * في الخارطة فراغٌ * على الخارطة فراغٌ والنيل ليس هنا أيها المدرّسُ * أعطني أوراقي كي أريها لوالديْ * أنتَ طالبٌ كثيرٌ على مدرِّسٍ حزين * لم أقصد الإهانةَ لكني خربشتُ على الخارطة لذلك أختفى النيلُ * المدرّسُ يستقيل ويطلّقُ غايته وينتحر * النور يأتي من سرابٍ في آخر الممر * نورٌ لا يضيء * الفتى يلمسُ الناي في حجرةٍ كلها من الخشب * النباتُ في الحجرةِ يفتحُ النافذةَ ببصيرةٍ متّقدة * يثمرُ قلباً ويكسرُ الرمز الذي في القلب * السريرُ يفتحُ عينهُ وينزُّ مفصلاً مفصلاً * الفتى يُعَنْوِنُ الرسائل الأخيرة ويرتب فراشه ويلقي التحية على السرير * يغطّيها مثل نائمٍ ويخرج متكئاً على أسنانه وحافياً والممرُّ باردٌ وطويل * طائرتان تغازلان القمر المقضوم على البحر * البحر يلعنُ والقمر سعيدٌ بالمغازلة * يسقطُ ولدٌ من الطائرةِ له جديلتان وفي يده خارطة معمارّيةٌ تنطبق على أكثر من روحٍ وأقلّ من مدينة * يرمي سِنّهُ في البحر ويحاولُ الإيقاع بالفتى بحيلةٍ مكشوفة * المساءُ والقمر يخرجان من الخارطة * دفاترُ كثيرةٌ على الشاطئ ووجهٌ مطبوعٌ على سيلوفانٍ يطلُّ من تحت إبط الجسر الوحيد في المدينة * للمدينةٍ علاقةٌ بنفسها تحفرُ كتاباً لم يضجر من الكتابة إلى الآن * الموجةُ تمضغ رملاً شهياً * عكّازٌ يمرُّ على الموجِ وحيداً * السماء تصبح أرقاماً كثيرة تسقط في اللُّجِّ * ينسحبُ الفتى وينسحبُ الموجُ في جولةِ سلامٍ قصيرةٍ * المدرسةُ لم تزل مكانها * لماذا المدرسةُ في الليلِ لا تُضجِرُ ؟ الخيلُ تمرُّ متعبةً أمام الكمائن النائمة * انفجارٌ هائلٌ مثل يوم قيامةٍ في جسدٍ طائرٍ * يفلتُ الكلام من فم الراوي وتحتجُّ الخارطة * فراغٌ في الخارطة * فراغٌ على الخارطة * خارطةٌ على الفراغ * خارطةٌ في الفراغ * النسوةُ يمشين جوار المأتم الصخري * لا يفهمن الخارطة * يُعَزّلُ مجموعةٌ من الجنود أغراضهم من عين المغيب * والفتى يلعب بروحه التي تشبهُ قطّةً صغيرة * تغادره * تعودُ إليه * تغادره * تعودُ إليه * تغادره * تعودُ إليه * تنفتحُ العتمةُ عن نجمٍ شيطانيٍّ يمشطُ شعاعه في مرآةٍ وهميةٍ * كل مرآةٍ وهمٌ في الليلِ * الليلُ ورديّةٌ والنهارُ كذلك * تلعبُ القطّةُ على الحظِّ * والناي في حجرةٍ من خشب ينمو ليصبح شجرةَ موسيقى * مظاهرةٌ في الشارع لا تناغم بينها * بلادٌ حزينةٌ تطلُّ من وراء الرايات الملونة وتختفي في مُنْتَجٍ لم تدوَّن عليه الصلاحية أو الدولةُ المنتجة * يبطئُ الجمهور مشيته * ينحدر في مَيْلٍ ممتدٍ في الشارعِ * الصخب عالٍ * وبعد ثوانٍ صوتٌ فقط * ولا أحد في المشهد * ولا مشهد لأحَدْ * الشجرُ يلفتُ نظر القذائف الآتية من خطط كثيرة * يتظاهرُ النائمون بالموت من أجل سطرٍ في جريدة * وتأتي الأموالُ على غفلةٍ لتدخلَ المعدَّلَ المعدَّلَ وتصبحَ شكلاً في برنامج الإحصاءْ * تنقسم المدينةُ في ذروة المساء إلى بحرٍ وإطلاق عنانٍ للرصاص * الحدودُ تتشكّلُ مثل ماءٍ منسابٍ على صوّان * الفتى لم يعد جزءاً من المشهد * المذيعُ يلتقي بنفسه * الممرضاتُ يرصدن آخر الوردّية * لم يمرّْ بعدُ فتىً له ذلك الجمالُ عند النوم * وما زال منامه متروكاً على الوسادة مثلما تركنه * وما زال فراغٌ في الخارطة وما زال فراغٌ على الخارطة *.
***
خالد درويش
- من مواليد حلب، عام 1956.
- أنهى دراسته الثانوية بحلب، ثم أنتسب لكلية الحقوق بجامعة دمشق.
- أسس مع كتاب وشعراء سوريين في دمشق: جماعة الكراس.
- حصل على ماجستير في الإعلام من جامعة صوفيا.
- عمل مندوباً لأسبوعية: فلسطين الثورة المجلة المركزية لـ (م. ت. ف) في بلغاريا، واليونان، وتركيا.
صدر له:
- الجبل، شعر، 1979.
- الوقائع، شعر، 1980.
- أسباب ، شعر، 1981.
- 88، شعر، 1997.
- تفاح المجانين: راوية يحيى يخلف، ترجمة إلى اللغة البلغارية، عن دار بانوراما 1985.
- جواز سفر: شعر لمحمود درويش، ترجمة إلى اللغة البلغارية، عن وزارة الثقافة البلغارية، 1987.
- المكان آب، الزمان بيروت، شعر لمحمود درويش، ترجمة إلى اللغة البلغارية، عن دار ليتسيه، 1998.
- جذور العالم، شعر يانيس ريتسوس، ترجمة من البلغارية إلى العربية.
- الحاجز، شعر، بافل فيجينوف، ترجمة من البلغارية إلى العربية.
- قصائد القمر، شعر، يوبو ميركيفتش، ترجمة من البلغارية إلى العربية.
15 قصيـدة
I
حين تعانقني
أشمّ في عبيرك
رائحة سفري
إلى مساء
ستلتهمه الحرائق.
II
الأنهار تمضي إلى البحر
ونهر حبي
إلى الرمال.
III
في الليلة الماطرة
كنتِ معي
باردة وغامضة
كالنار في أعالي الجبال
عند أول الصحراء
كنا معاً
وكنت بيضاء وشجية
كمدينة على شاطئ المتوسط
وحين هبّت العاصفة
كنت صامتة ومثيرة
كالدروب التي تعبر البساتين إلى الدير.
IV
عند الجسر
هدأت العاصفة
وأخذ القلب يعوي.
V
سبحانك
رأيتك
وكنت في الرابعة
رأيتك
ترنو إليّ من بين الأغصان
سبحانك
لم أعُد أراك.
VI
على شاطئ اللاذقية
أشتقت لحيفا
وفي القدس
أفتقدتُ دمشق.
VII
الساعة الأخيرة
من اليوم الأخير
مساء بارد
وكلام كثير على ضفّة الصمت
أقتربي مني قليلاً
سأعترف:
بدّدت النرجس كله
من أجلك
الساعة الأخيرة
من اليوم الأخير
مساء حامض
وصمت كثير.
VIII
تدخلين المدينة
بدموعك البيضاء
وأزهارك الضاحكة
غضبهم ينكسر
ونيرانهم تنطفئ
حين تدخلين المدينة
بحكمتك العارية
وحنين لا يذوي
وتنتصرين.
IX
حين تنتهي البيوت
تطلّ أسوار الدير
وحين ينتهي الكلام
تطلّ الرؤى.
X
لم يترك موكب الأمير
الذي مرّ من هنا
قبل الظهر بقليل
غير الظلال
وثلاث وردات ذابلة على الإسفلت.
XI
صغيراً
أرفع يدي لأقطف الوردة
وكبيراً أنحني لأريجها.
صغيراً
أضيع في المدينة
وكبيراً تضيع المدينة فيّ.
صغيراً
أفتح عينيّ على الحياة
وكبيراً
على الموت.
XII
بالأمس كانوا هناك
على مشارف أورشليم
رأيتهم
كانوا بين الحشد، وظلال الزيتون
بين الإبتهالات، وإستغاثات الخطى ـ خطانا
من الصخرة إلى سماء أُخرى
بالأمس كانوا هناك
وكانوا يهتفون
قال الأول:
إلى أورشليم
قال الثاني:
إلى أورشليم
قال الثالث:
إلى أورشليم
في المساء
لم يكن هناك
غير الصمت
ورائحة الدم
وأورشليم.
XIV
على الرابية
التي جفّت أعشابها
في ضوء القمر
اللاّهي بين سحابتين
أسمع أغانيك
وهي تنبعث من التراب.
XV
شربت النبيذ
ليقود خطواتي
إلى بابكِ.
***
خالـد عبـد اللـه
- من مواليد غزة.
- عمل مراسلاً لصحيفة: الحياة الجديدة.
- حصلت مجموعته (FM) على جائزة مؤسسة القطّان.
صدر له:
صهيـل
عدّ شياهك. تفقّد هلاهيلك. مدّ اللون كالخطوة حتّى نبحر.
هنا شوارع تنزل بك دون درج. خيول على رقبة جبل
تنسدل كصهيل وتترك نحاس سرجها:
هل الشهب التي في ماء البحر الكحليّ فضّة على مخمل ؟
نجومٌ ؟
أرواحٌ لصيّادين قدامى
ذهبت في البحر ؟
عندما كان خربوشة تلاوين زرقاء لطفلة ابتدائيّة أحتفظ خشبُ
المدرسة بطعم شفتيها في علكة لصقتها أسفل المقعد.
علِّق شِبَاكك المترابطة في حليب قلبك. كأنّك حاجٌّ مدَّ السَّبّابة
فطريّاً كلّما وحَّد الله.
معجـزة
وكان حلقي الناشف وحيداً. وفتحت كتاب الربّ
ولم تعلق شعرة روحك في رغيفي.
والمعجزة أنّ هناك حابلاً على يمين الطريق. ولا يوجد نابل اليسار.
ونسيت شمساً فوق مدرسة ابتدائية علّمتني أن أكتب.
كان وجهك كناظرتها نادمة على إلغاء رحلة.
عندما سرقت ملامحك ألوان قوس قزح
لترسمي شجرةً وبيتاً وضفيرةً
وعندما ألقيت القلم
بعيداً
بعيداً
عند ماكينة الخياطة البيتيّة جدّاً
أحببتك
وكان موتسارت يقصفني من المطبخ
فوق مدرسة ابتدائيّة علّمتني أن أكتب
ومنذها وأنا أشطب.
الأباتشي
مرَّت الأباتشي فوق البحر
بعد أن قصفت الناس بالغاز عند "نتساريم" *
وكانت قدماي تزيحان الرمل إلى الأمام
عندما تمشيان وتسيل المسافات من تحتهما
فتصير جبالاً شاهقة على الشاطئ
وكانت الشمس حمراء كحرب شطرنجيّة صامتة
بدت الطائرة في الأفق كذبابة على أنفاس مخاضات غزّة.
قلت:
كشّ.
لم يطِرْ شيء.
وقال المذيع في نشرة المساء:
إِنّها تستطيع أن تحجب نجمةً كان يُركّبها جدّي كلمبة
وكنت أمسك له السلِّم !.
الحمـامـة
الحمامة تدرج للحصى الأبيض
مموّهة بصرياً معتقدة أنّه فتات خبز
رأيتها من قعر كأس الشاي الذي أرتشفه كتتابع خطوات الحمامة
وقال الناس من الراديو القديم:
السكر في الآخر
السكر في الآخر.
وعندما أصطك منقارها بالحصى
كنت أكتشفت أنّهم حرّكوا
الكأس جيّداً !
يهدأ الريش يستقرّ
ويصير بياضاً دون مساحات
الجُمَل في داخلي قصيرة
إِنّي أعود إلى الداخل
إنّي أنام على الكرة الأرضيّة
أنا النوم ذاته
واليقظة تنتظر على باب الحلم
لأصيرها.
تبـديـل
نمت كميت في كفّ الجنازة
وعندما أستيقظت
وجدت يديّ على قلبي قفّازين من عجين
وتذكّرت أنّ أيدينا في الدنيا كانتا باردتين
كمسكتين تسبحان في الهواء
وغصنان ليسا مهمّين لأنبياء يمارسون النجارة
ونمت في الكفّ التي نسيت أن تفتح في الصباح
وكنت قد نسيت أنّني سأصحو.
امــرأة
امرأة
يا له من خصر كالمرّيخ
حلمت أن تضبطني متلبّساً بالميل
فملت وسط تصفيق الغواية وتقلّبها على بطنها كيعسوب من النشوة !
تنزل المنحدر كمن يمشي به قلبي على ضفّة بحر
تسلم جسدها للهواء بتأرجح أنثويّ
وحبر يظلّل شعرها ببوهيميّة مفرطة
تاركاً خلفها فراغاً يشكو بياض ورق الكارتون
تنفرج أطراف معطفها كأمّك تفتح ساعدين
وكفّين كمن خسر الدنيا
وعندما مرّت بي
طلّت يدها البيضاء في جيبي
لأصافحها عندما لا تعجبني الدنيا
وأمنحها تأملاً لظهري الجميل وثمّة صفاء في السريرة
رغم القهوة المنسكبة على شرشف الطاولة دون إِزعاج جميل ومؤنّب
امرأة
يا له من خصر.
ألــوان
علبة الألوان تحترق في السماء الكحليّة
تمخرها كحمامة تحفظ الفضاء الأزرق
ثلج يفيض عن القلب كرغوة بيرة باردة
ويختبئ الأحمر
سيِّداً في ياقة الفضّة
ويرمق ذهب الغسق الدمويّ كأنّه ـ رامبو أمام تلك الصخرة ـ
ولكن عندما ولجت امرأة إلى كنزة زيتيّة
صارت الدنيا نهاية أيلول
وثمّة مطر تشرينيّ
وشجر زيتون في كلّ مكان
وهتفت:
أيّكم أيّها الألوان قلبي ؟.
النـعنـاع
أسيرُ في كلامِ أمّي حافياً
الساحة المغبرّة
كراسي الحاكورة
منديل الراقص
الريح
عيونٌ من نوافذ تطلّ
قمرٌ عُلِّق بين سعفتين
وقمرٌ ثانٍ في النافذة
للراقص قلب الطير يرفّ ولا يتّسع له الصدر
إبريق يرشرش ماء ليمنع الغبار
فوهةُ الناس مبلّلةٌ بلعاب النافخ كلعاب الأطفال على عنق بالون
هذه المقطوعة ستحفظها عفاريت قلبك كلون مريلتها الأولى
ولكن إذا جُنّ الأكورديون
قالت نسوةٌ يؤمنَّ بالبخت:
هذا الولد منحوس.
وأعددن له قلادة بخيطان من أكياس طحين
الإعاشة
وعظم حيوانات بائدة
وصدف
وأنياب صفراء.
أعود في كلام أمّي حافياً
"قمرٌ ثان في النافذة"
"ليكن لقلبك زوايا لتخبّئ فيها نعناعك يا حبيبي".
حــيّ
أأخذتني القصيدة منكِ ؟
أنتشيني منها
هذه المزق التي في يديك الآن
هي ما لا يحقّ للشاعر
عندما أغنّي صوتي يخاف من تهوّري
تُقيل الشمس في فنجانك عند الظهيرة
والميناء مائدة
والملح هواء
وحبيبات أرز يتيمة في الملاّحة
يا نتفي توقّفي عن الإرتعاش
كي أرى بنفسك إلى أين يأخذنا القرصان ؟
ـ قرصان.. قرصان إلى أين تأ.. ؟
ـ أخرس.. ش ش لا يعنيك.
هل رأيت يا ابنة الكلب ؟
هذه المزق تجاوزات لا تحقّ للشاعر.
(............)
الماسورة الممتشقة من الأرض إلى ذلك الريش الغيميّ في قطن السماء
كساق أبي قردان بالنسبة لنملة زاحمته بضعف
في تهتّك طين متعاطف
هي هوائيّ التلفاز كلّما حطّت العصافير كالحروب أوزارها عليه
خلخلت بغنائها سماءً متهدّجة وتساقط ذلك الريش الغيميّ مطراً
وومضت روحها وهي تتنفّس بتركيز كبقرة وحشية، وعيناها ريشتا "مقدح" تثقبان الظلام برقاً برّياً قرصن على محطّة
كانت تفسح المجال لها على استيحاء
وهي تعدّ ذلك لتخرج كالميت الذي خرج من المقبرة
ورقص فرحاً بالحياة
كانت تمخر الكواكب
والمجرّات
والأقمار الصناعيّة
وهواء جلدي
وشعر روحي
لتهمس:
أين رأيتك قبل ذلك ؟.
***
داليا طه
- من مواليد عام 1986.
- طالبة في جامعة بيرزيت.
- عملت في هيئة تحرير: يراعات، لمدة أربع سنوات.
صدر لها:
- عرافو السواد، رواية، مركز أوغاريت للنشر، 2007.
دمٌ فضي
في الحديقةِ حديقتانِ
ومقعدٌ لظِّل الخرُّوبِ
أُنثى تحرثُ الخشبَ الرقيقَ بهودجها
ومسافة تُفصلُ بينَ البحرِ والرملِ.
زوجةُ الراعي
تغدقُ على قدميها الغيومَ
وتبني سلالةَ الدمعِ على خدِّها من النزب.
صحراءٌ
صحراءْ
قليلٌ من غناء بدويٍّ على سطحِ كفيِّ وينشطرُ المطر
أنثى تباركُ الموتى وتملأ بحتَّها بالنبيذ
وبلور رمادي
وأندفعت الخيلُ
خيلٌ كثيرٌ من لحمي
مرَّ بالقرى العتيقةِ على امتدادِ الشمسِ والشجرِ الكثيفِ
وارتاحَ في سفرِ البلاغة بعدَ أن ساقَ النجومَ
إلى دمي فارتوى العندليبُ
وأرتوت ساحاتُ هذا المساء الكئيبِ
وأصنعُ ظلِّي من جرحِ الرخامِ
أنزفُ صحاري لم أقمْ فيها ولم أقمْ خارجها
مطرٌ
مطر
سحابةٌ سوداءُ تنشقت رمادَ إخوتنا
وتبخَّرتْ على سطحِ الكواكبِ في مدينتنا
كلَّ شيء أُعدَّ من قبل
جفَّ القطنُ من ابيضاضه
ومن الدماءْ
وتسمَّرت قامةُ الأشجارِ في الوقتِ
وهبَّت سماءٌ أثقلُ من جذورها
تتخفّى بإبط السنديانِ
مغارةٌ في سفحِ نبرتها يلتفُّ على أفرعها
سربٌ من الضوءْ
لا نهايات تفتِّشُ عن نفسها في الأباريقِ العتيقةِ
وتشتكي الطربَ الذي يمسُّها
كلَّما
خدشت
عصفورةٌ
دمَها.
غروبٌ في أفقِ السؤال
هذا
الضوءُ
أصفرُ
حينَ
تلسعهُ
يداكْ.
قالوا
وتدثَّروا بزوجاتهم
قذفوا البارحةَ من كأسهم وشرعوا
غيمهم في التلِّ المريضِ
لي قلقُ البحرِ مذ ولدتني أُمِّي
فسحةٌ في نهارٍ يتداعى على شبهاتِ اسمي
نجمةٌ خلفها الهواءُ أريكةٍ يصطافُ
دمي فيها.
يمرُّ الهواءُ بأسمائنا يلطِّفها
ويهزأ بالبرتقالِ في أزقتها.
ومالَ إليهم يبوحُ بالسوسنِ المعوجِّ ليحتسي ألقَ الطيور
قالوا:
من يغفرُ للعتمة مولدنا ؟
قالوا:
من يمنحُ للعتمةِ مولدنا ؟
قالوا:
من يجدُ الموجودُ في العدم
من يجدُ العدمَ في الموجودِ
من يجدُ وجوده في العدمِ الموجودِ
من يجدُ العدمَ وجوده
من يجدُ المعدومَ
من يعدمُ وجودَ الموجودِ
من يعدمُ العدمَ الموجودَ
من يعدمُ العدمَ المعدومَ
من يجدُ الوجودَ الموجودَ
يجد الموتُ وجوده.
قالوا:
فإنِّي
قالوا
قالوا
قالوا.
ضحكوا
ومضغوا إناثهم في الأحلامِ
قطفوا النارَ من أجسامهم.
"لا أفكار سوى في الأشياء ".
نام الكلُّ
وبرحوا ابتساماتهم
تركوا الليل في ظلالهم يدلفُ ساحةً للغناءِ
تركوا مجدهم
ص
م
ت
صراخٌ يدلقُ خلاياه في الأشياءِ
شمسٌ تتصدَّعُ في الكلماتِ
أُنثى تفيضُ موجاً يستندُ على قامة العالي
فتطفو الورودُ
وتتعرَّى من الهواءِ والنظرات
تبقى عاريةً
يتنهَّد الكلُّ
يخرجُ من دخوله ليرى فرعاً من الضوءِ يتدلَّى
من الصراطِ المستقيمِ
ينهشُ العتمةَ
وخدرَ الوقتِ
شكَ أضلاعه في النسيجِ الخاليِ من اسمه
وردَّد مع الصدى
وعده
وعده
وعده.
مطر في أيار
تعلَّقتْ صورُ القتيلِ بقاتله
كأسي أمتلأت
وترقرقَ النحاسُ في جوانبها يحبلُ بشتاءٍ
لم تغادره إنانا
"أطفأت قمراً"
وعليَّ أن أخلو إلى وترٍ في حضنِ الحجارةِ
لأفهم التكوينَ في سفرِ النهايةِ
وعليَّ أن أدهشَ للغريبِ الذي ساقَ سرباً من الفراشاتَ
وزوجتينِ تتفحصانِ سيرَ الضوءِ في الكفوفِ
نحوَ لغةٍ فضفاضةِ المعنى
نامَ الغريبُ على "وسادة أحلامنا"
سرقَ وردةً من لحافِ الجدَّةِ
وتدثَّر بالهواءِ الذي يمرُّ على وقتهِ بارداً لزجاً
ما لنا يا غريبُ
ما لنا من أنينِ العصافيرِ في التلَّ العتيقِ
وتقافزت شعيراتُ الترابِ على قميصه.
أترك خلفي الحطامَ
وأمشي
وأترك دمعَ الحبيبة يسقي العجينَ في كفِّها
أترك لوعةَ أُمِّي عند حافة النافذة تهطلُ على كتفي
مطراً ذابلا ً
أترك أسماء إخوتي في أزقَّةِ الفخَّارِ السحيقةِ
أترك يوماً مشمساً لكم
وآخذ الشمسَ لي وحدي.
***
دنيا الأمل إسماعيل
- من مواليد غزة، عام 1971.
- طالبة في جامعة القدس المفتوحة السنة الرابعة قسم تنمية مجتمعية.
- حصلت على دبلوم مهني في التدريب الصحافي، ودبلوم دراسات حرة صحافة وإعلام.
- عملت مراسلة ومحررة صحافية للعديد من الصحف والمجلات في الوطن والخارج. عضو الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين.
- عضو اتحاد الكتاب المصريين.
- عضو نقابة الصحافيين الفلسطينيين.
- عضو الإتحاد العام للمرأة الفلسطينية.
- عضو رابطة الصحافيين العرب.
- عضو مجلس إدارة جمعية: بادر، ومسؤولة قسم العلاقات العامة والإعلام فيه. مؤسسة وعضو مركز: البيادر، للثقافة والفنون.
- تعمل مدربة في قضايا المرأة والإعلام.
صدر لها:
- رأيت في غزة، شعر، 1995.
- كل على حدة، شعر، 1996.
- رنين العزلة، شعر، 1999.
donia_elamal2002@yahoo.com
ليـس نهائيـاً
إذ ترفع عينيك إليّ
تختفي الغصّات في الروح
فأموت أكثر
وتذوي الوردات البهية كانت
فأدرك أنّ ما بيننا محض تورط.
2
طالت بيننا غفوة الكلام
اللهفة القديمة تحولت وجعاً سرياً
هزّة الروح إذ نلتقي
كنا
تخبر عن فجيعتنا
هل أستراب العمر في محبتنا
فأضنانا بها ؟.
3
ذاهلاً مني تمرر أيامك بيننا
تقفز عن فرحٍ
لوجعٍ
لآخر
لترتمي في حفر التلهي
فأنّمي صمتاً علمتني إياه
وأمضي نحو وحدة
هي لي المرفأ.
4
موحشٌ هذا الشتاء
بادياً
طائشاً في عصيانه
إذ يسترد برودته من أعصابنا، فيأخذنا الحنين لصباحٍ بحريّ
يسكن ذاكرة الحكاية
نستدرج منها ما يعين قلبينا على المحبة.
5
تمضي
خائفاً من خلاصة الحكاية
مدارياً هزيمتك
ودهشة لا تحمد
أية امرأة أحببت
فانتهت بكما إلى رتابة
لا أمل في انقضائها
فتدركان معاً ـ على مهلٍ يستفز ـ
أنّ الطريق ليست دائماً جميلة.
ترثي ما لم تكنه
في ركن الحكاية الأخير
امرأة تشبه وحدتي
تعانق العتمة
تختزل العمر في دمعتين
وشهقة.
2
ينشطر قلبي
نصفين
حين تخفق مرة بعد مرة
في تلمس ملامحي
فأظل أعرف
أنّ الغرف المغلقة
تزداد إحكاماً بمرور الصمت
فأستسلم.
3
لم يتبق بيننا سوى
قلق النهارات اليومية
ومقاطع من ذاكرة تتجدد
مع فنجان قهوة فقد حراراته
وصوت فيروز تغني:
(الله معك يا هوانا)
وكلانا يداري انكماشه.
4
ما الذي تخفيه عني
لتنمو البرودة في أركان المنزل هكذا ؟
ماذا فعلت عيناك في غيابهما ؟
ليكبر السؤال على شفتي:
من هذا الرجل الذي أحبه ؟.
قصــائد قصيــرة
تعـرف
عيناه ضللهما الدلال
فأنبرى قلبه يعزف موسيقاه الأجدّ
شاغلته باهتمام ماكر
علمته كيف ـ على مهلٍ ـ يقوّض بيته
وهي
إذ تفرط في كيدها
تجنح لأوهام عشقٍ ـ قبلاً ـ لم تنله
فتشتد ولعاً برجلٍ بها يتقنع.
هـروب
تشدّ عينيك مني
تنزع عن جسدي لمسات لياليك
تغلق الشوارع التي مشيناها
تحبس الرسائل القليلة المقتضبة
وتهرب كل صباح إلى ما ليس يشبهني
وتقول لي:
إني الحبيبة.
احتيـاج
أعزلاً من محبتي
تواجه الشتاء
تنكّب على أشيائنا القديمة
لعل رائحة منسية تدفئ أصابع قدميك.
سعـادة
من ليله القديم
سرقتُ سرحانه
أشعلتُ في قلبه غوايات الصباح
كيف يشذّب أوجاعه
وردة
وردة
يستردّ هيئة الطفولة
لعبة
لعبة
يسحب نهاراته من نوافل
يصرخ ملء لهفة:
لي
هذا العالم.
ليس يكفي
ليس يصحو صباحٌ مرّ
دون عناية منا
قهوته وأغنياته
وصمت ليس كذلك
نمّقوا دورهم على عجل
أشعلوا الروح في خطفةٍ
ثم استكانوا
ليس يصحو
قلبٌ أغوته عينان
جريئتان بما يكفي للموت.
ليست هي
والصباح إذ عاد
يطوّق ما تبقى لك من لهفة في الروح
غيمة في العين
لم تزل
ترنو لبهائها
تصفقين الباب خلف عمرك
تنهضين من تكاسل الوحدة
لعل شهقة في الإطار ترتد إليك
دونما نزفٍ
أو تستفيق وسادتك من سرحانها
فتدهشين من صوتك
صورتك
أصابع يديك
مشيتك في ممر المنزل
تصرخين :
هذه ليست أنا.
بعيـداً
طالت قامة الصمت بيننا
فإلى أين ستنتهي الطريق ؟
نقصـان
لماذا كلما أوغلتُ في أيامي معك
أزداد غربةً ووحدة
رغم ما بيننا من محبة ؟.
خـوف
أتحاشى النظر إلى وجهي في مرآة الغرفة
كي لا أرى ما طبعتَ عليه من آلام.
طريقان
لي من الروح ما يزيدني ألماً
ولك من الضجيج ما يجعلك غريباً.
رجـاء
اترك لي بعض روحي
لتعرف كم مرة
قتلتني
وكم مرة
أشعلت في قلبي الغناء ؟.
اكتشاف
غربلتُ دمي من سطوتك
فأدركت قيمة الهواء النقي.
عولمـة
نزعوا الشمس عن جبينه
والدهشة من عينيه
والرعشة من دمه
أعطوه ما لا يشبهه.
حنظلـة
لا مبالياً بضجيج العالم
مفتوناً بلحظة هناك لم تزل
عاقداً يديكَ على بكاءٍ لم تكمله
مستتراً خلف تخيلاتنا
لتكون أقرب أكثر
وجهكَ وجعنا
وجعنا وجهكَ
لا ترتبْ ملامحه
لا تدرْ زمنه
فقط كنْه
كما كان
كما سيكون
كما جرحٍ لا يغيب
كي لا تموت فينا
أو نموت فيك
كي
نكون.
***
رانـيـة أرشـيـد
- من مواليد مدينة الناصرة، عام 1976.
- أنهت المرحلة الثانوية في مدرسة تيراسانطة الثانوية ـ الناصرة.
- صحافية في جريدة: كل العرب.
صدر لها:
rania_irshed@yahoo.com
رقص على صوت عـار
صوتهَا:
كأنّني غُبَارٌ عَلى مَعَانيَّ
كَأنّني إنغِلاقُ صَدرٍ حَتى فُسحَة الفراغِ
عُزلَتِي
التي لا تَقبَل القسمَة عَلينَا
تَجعَلُني أُجيدُ الرّقصَ عَلى هوامِشِ تأتَأةِ الكَلامِ
أَو أكثَر.
تُؤجِّلني الخُطى بِحروفِهَا المُدمَّاة
فنَصمِتُ مَن كَثرَةِ الكَلام،
وَلا نُدرِكَ لأن لِلبَحرِ لَونَاً لا نَعرِفُهُ.
صَوته:
نِداءٌ مِن جَوفِ الكلماتِ
جَسَدٌ تَنسابُ فِيهِ شَهوَةُ الصَّوت
هُوَ أنتِ
غَريبَةٌ عِندَمَا تَأخُذُكِ مِني لُغَتي
فَأَرتَكِبُ أَفحَشَ الأمنيَات
أَتَساءَلُ أحيَاناً:
ـ كيفَ التّخلصُ مِن غُربَةِ الرُّوح ؟.
صُورَة:
سَريرٌ مُراهِقٌ
وامرَأَةٌ بِجَناحٍ كَهلٍ تَتكئُ عَلى شُرفَةِ شاطئٍ
تَعُدُّ للوَراءِ الجُروح
تُقدّمُ لَها بَقَايا إعتِذارٍ مِنهَا
قَبلَ إنعِطافِ عُمرِها عِندَ الأُفُق.
صَوت آخر:
هُوَ؛
إنعِدامُ خُطى فِي طريقٍ تَتَقفّر
هِيَ؛
إنسكابُ صِبَا جَاف عَلى قَارعَةِ أرَقٍ
هُما؛
إنقِسَامُ جَسدٍ فِي ظِلِ فَراغٍ.
تَكادُ تَكونُ
ثَمَرةً مُدلاةً تُرتَعِشُ مِن قِطافٍ مُحرّمٍ
أو رَحيقٍ يَتَوارى فِي سَديمهِ.
صدى صَوته:
صَدى رَطبٌ يَتَسَلّلُ مِن خُطى مُراوغَة
كُلّمَا أكتمَلَت فِينا رَقصَةُ فَراشةٍ
يَتخَثّرُ الضَّوءُ
فَنُسرِعُ لِنُلَملم مَا بَينَنا
مِن عَبَثِ زَبَد إرتِطامِنَا.
أَعرفُنِي أُغمِضُ قَلبِي نِصفَ إغماضِةٍ
لِيَرى مَا بِدَاخِلِه مِن أَخاديدِ شَوقٍ
هَكذا
يَبدأُ الفَجرُ بِنَزعِ مَخالِبِ لَيلِهِ
مِن رَمَاد عُشبِ الجسَدِ.
صدى صَوتهَا:
إنّها الخَطيئةُ؛
لا تَسأل عَن هَندَسَةٍ لِشكلِها
أو بَياضِها المَاكر الذي يَجرَحُ خَدَّ الطُّفولة
إنّها مبضعٌ يَحتالُ على غفلَتي كَي تَتَسرّبُ إليَّ مِن حِبرٍ كَسولٍ.
تِلكَ هِيَ؛
تَدخُلُ إليَّ مِن جِهَتي الخَامسة
المتآكلَة مِن صَلصَالِ فَقدِهَا
كَي تَبيحَ سِترَ عُريي.
هفوات شمعيـة
مُلقىً على وَجهِ المساءِ
هناك
حيثُ للبَردِ رَقصَةُ إرتطامِ النفسِ
بجدارِها المُتساقطِ
هُو ذا صَمتُ التّيهِ يَتبَعُني
فَلا أبحثُ عَن وَجهِهِ أو قَدَميهِ
بَل
أُبصرُني أهبِطُ تَحتَ جسَدي الفَارِغ المُنفَصل
عَن لَذةٍ كانَت أشد مِنَ السّقُوط
مٌستنجدةً بِغٌبارِ نَشيدٍ لِسرابِ
لُغتِهِ الرملية.
قُل:
هذه المرآةُ مرآتي يُشاطر زُجاجها
جُروحَ أوراقي
صُوَرُ هَوَس ٍيَتَطايَر في صَمتِ جِهاتٍ مُراهقةٍ لِجَسدها
المُشرَعَةِ نَوافذهِ
لِغَفلَةِ أنوارِهِ الغياب
ثَمة مَن يأتي بِنَشيدٍ جَاف
يَغسِلُ الوَجهَ بِغبطةٍ مُشتهاة
تَجُرّها خطوات هَرِمة في دَهاليزِ عَتمَةِ الجَسَد.
تُكرّرُهُ الأزمِنَة
كأنّه الذنبُ سَقَط سَهواً
بَينَ إنشقاقاتِ نَفسٍ يُجرجرهَا
مَدى قَلبٍ مُصابٍ بفطامِ النبض.
مُلقىً على عَكسِ يومِهِ
يُجرّب السّيرَ لِيحجبَهُ صَدى صُراخِهِ المُستَتِر
كأنهُ يرفَع بِغَفلتِها خَلفَ بَقاياهُ التتوارَى وَرَاء
فُصولِهِ شبه العَارِية
يَشتهي مأدبَةَ فَراغٍ تُلعِقُهُ العَسَلَ رَحيقاً.
كَما لَم يَفعَل الشّمع
يلَملمُ بَريقَ دَمعِه المُحَنّط
عَلى وَرَقةِ خطيئتِهِ الصامِتة.
"مجبولةٌ بِرماديّةِ الآراء"، يََقولها بأذنيها
وهِي تتساءل:
ـ كيفَ يَتكَسّر الدّمع كالشّمع ؟
(حينَ يَكون الصمت أقرب إلينا مِنا
يَنسجُ هفواتِنا بآثار دَمعٍ
يَتكدّس قَطراتٍ مِن غَفلاتٍ شَمعية
عِندها
يتكسرُ عَلى مقربَةٍ مِنَ الهَاويَة
ظِلالُ بَكارتِنا الأولى).
صدى مسودة ضوئـه
سَفَرٌ أنزَلَقَ عَن يَميني
هَل تَاه عن دائرَةِ الخَريفِ حُضورُهُ
أم نَفَضَ الفَجر عَن أحلامِهِ الصّغار ؟.
صِفرٌ هِيَ دائِرةٌ
مَا مِن أحَدٍ بِداخِلِها
والكُل مَدفونٌ بِتوهَانِها
عَلى حَوافِّ مُحيطِها بِدايةُ اللاّبداية.
حَتى
أني أكَادُ أُوقِظهَا مِن دَورانِهَا
لأتساءَل:
مَن منّا صَاعد نَحوَ الهَاويَة
سَوادُكَ الأبيَض
أم
صَفائيَ الرّمادي ؟.
سَوداءٌ هِيَ غَفلتُكَ
أسوَدٌ هُوَ صَفاؤكَ.
2
أبحَثُ عَن هُروب مِن انتبَاهِها الأعمى
كُلّما استَدارَت بِي أَهواؤهَا
تَطلُعُ الشّمسُ
تَسقُطُ على الدُّروبِ
ق
طَ
رَ
ا
تٍ
وتَجيءُ متَوهِجاً بآخِرِ علّةٍ وَعَينٍ
يَسيلُ مِنهَا بياضٌ مِن نُورِ ظِلالِكَ.
(نَتَسَاقَطُ كَأسمَاءٍ تتآكَلُ مَلامِحُهَا).
3
(كِلانَا غَريبٌ؛
أشباحٌ على فِراشٍ بَعيدٍ
واضطرابٌ قريبٌ يَلهَثُ
لِلوُصولِ إلى الصّفرِ
حَيثُ المَسافة
خَيطٌ رفيعٌ بَينَ السابِقِ والآتي).
مَا مِن مسافَةٍ بَينَ جَسَدينَا
كِلانَا يرتَجِفُ مِن اضطِرابِ شَمسٍ ستشرِقُ لِلغَدِ
وَبِداخِلنا بَردٌ كَهلٌ
يَتركُ نَدى الألوان يُضيءُ سُكونَنَا
ونَعودُ إلى البدايَة
حَيثُ اللاّبِداية
مِن نُقطَةٍ عَاريَةٍ
إلا مِن أعقابِ هذيانِ البِدايَات.
4
مَا زِلتَ تَرانِي بِحَريقِ عَينيكَ الأزرَق
حَيثُ اللّحظةُ في أوجِهَا
تَرصُدُ مَشاهِد نِدائِكَ العَاري
نَسمَعُ الصَرخَةَ
بَقايا دُخانٍ يَتَكدّسُ
تَحتَ تَمَزّقِ قميصكَ المُهتَرئ
عِندَهَا نَصِل إلى لَحظةِ السَّعادة فِي الغنَاء
حَيثُ تُقدّمُ لَحناً لِنَارٍ تَجلّدَت.
عَلى مَقرُبَةٍ مِن خَيالٍ خَلفَ نَافذة
يَضَعُ مسوّدة ضَوئِهِ بِجِوارِغِيابٍ يَفيضُ بِظلالِهِ
لِلِقاءٍ هُوَ صَدى خَطَوات مِن شَهيقِ الزَّفرات.
***
رجاء غانم
- من مواليد دمشق، عام 1974.
- أنهت دراستها الجامعية في جامعة دمشق، علم إجتماع وفلسفة.
لم يصدر لها أي كتاب لحد الآن.
نخب ذلك اليوم
أرجوحة ضالة
ظلت تناديني
عندما
لملمت المتبقي مني
على كفيك
وارتحلت.
ـــــــــــ
بوصلة الروح
اللحن الخرافي
يدق في رأسي
رأسي أنا فقط
أرغمت نفسي على رفض خرافة
رباعية الاتجاهات
وبدأت أبحث عن اتجاه
سقط سهوا
من أفق العين
وظل يعربد في ثنايا الروح
يمنحها دفة.
ـــــــــــ
صغيرة كنت
وصغيرة سأظل
والسؤال هو السؤال:
أين تذهب اليراعة
حين تنتفض فراشة ؟.
ـــــــــــ
سحر الأماكن يخبو
سحر الأسرار يخبو
النداء في العيون المارة على عجل يخبو
تعودي في كل ليلة:
إلى بحرك
إلى حجارتك
تتعلمين اللغة التي لا تخبو.
ـــــــــــ
مقهى حزين
أنامل فضية
صوت البيانو
وشعر حريري أسود
لم أدر كيف سكرت
طارت حمامة من أذني
أناملك رائعة
عزفك فريد
لكن نحيب الأسود فوق كتفيك
كان أبلغ من كل الأصوات
لوحتان من المخمل
وجوه وقورة تدعي الانسجام
نداء أبكم:
ما أجملك !.
وطن… للأخدود
أنامل
ملهاة تتمدد بصمت
فوق جفاف صوتي
والعودة ظلت كما دوما
قارباً يتأرجح
بين وريد
ووريدي.
ـــــــــــ
إلى وجه عشقناه
من الأرض الطيبة
لو أنك لم تلبس
رائحة الحنطة ؟
لو أنك لم تسافر بي
عند حقل عباد الشمس ؟
لو أنك لم تختزل
عوالمه من الأزرق
في خطوة الزنبق ؟
لو أن هذا الوطن
الشائخ القسمات
لم يجد بك ؟
ماذا لو أنك لم تجد بالوطن ؟
ـــــــــــ
ليال صوفية
أراني في مرآة الفضاء
المقابل
لليل
همهمة حميمة تشق السماء
ـ أخلعي الثوب وتعالي
الجسد الكستنائي
يتمايل
يشتد
ومن نغمة سحرية
يتمترس هناك تماماً
عند زاوية ما
شجرة صبار
تحنو على نفسها.
ـــــــــــ
دمشق
وقد كانت ـ غرفتك السرية ـ
ما زالت هنا
وتتركني للصهيل الأبكم
مدينة تفتت كبدها
تأكل أحجارها
هيفاء تتمتع بشم رائحة الشواء تحت الأثواب
وتتمايل بياسمينها ودمغة
الشقاء على ركبتيها
ـ أكنت هناك يوما ؟
ـ و ما زلت هناك !
ختام
جذوة الألم بينكما
رائحة المقعد
تآمر الدالية عند الباب
وطفولة تطفوعلى وجهك
عند أسوار عكا
من قال:
إن أجمل الأيام لم تأت بعد
هل نحن دائما بحاجة لشهادة الوفاة
حتى نعلن الميلاد ؟
ختام:
عبثا نحاول قطف النجوم
أعيننا تشي بفضائح الكون.
بوح
للعندليب في الطرف الآخر طقوس مجوسية
والمنهمر من عينيك عميق كالسؤال
من منحك وهج الخفي ؟
ومن قطف النوارس التي غردت بين أصابعك ؟.
………
لأن الباب موصد !.
2
إرتشاف الأمسيات الغجرية
حنو الأمسيات
قدمان مفضوحتان
هربتا للسطح
وهناك كان إمتشاق من نوع مختلف.
………
لأن الجسد أقوى اللغات
وكانت قهوة.
3
عصفور النافذة أرعن
وزهو الندى يفترش المسامات
في جلبة المستنقع كان صوت
وحيد يخترق الجدران.
………
لأن اليسار تركت خصلة من شعرها
وكانت قرطاج.
4
الدروب تبكي بوجع في المساء
ولعله ذلك الوجع المخبأ في ثنايا
شعرك المجنون.
………
لأن الله تفقد الكائنات يوما
وكانت فيروز.
5
في ملحمة قديمة:
كانت أصابعها نهر عبق للكون
وكانت عيناه ميناء للكون المتعب
أتفق الآلهة جميعاً
على تحطيم كل المرايا.
………
لأن الكون محايد
سقطت أجمل الأشياء سهوا.
6
غيمة من الفضة
وخلخال من الأقحوان
رب الممالك المسروقة كلها
ورب هذا النزق
ـ أتعبدين الصخور حقا ؟
وحدها عرفت أنه في زمان بعيد
كانت ربة لآلهة الصخور.
………
لأن الفضاء يضيق عن المسافة
علقت اقدامي خلف الباب.
مائي
نقطة… نقطة… نقطة
أنهمر فوق المراثي
التي نظمت يوما فيكَ
وفيَّ
نقطة… توقف
يعرفك قرميد رام الله
لهفة العتبات
ضفاف الشوارع
المراوغة
ولن يعلم أحد عن هجرتنا
وعن عودتنا
هنا ..!
هنا كسلك حديدي أصم
في مدينة للجنون
وينهمر
أنهمر
نقطة... نقطة... نقطة
خريفنا يتدلل
لكنني أنهمر:
الدورة ستكتمل
بعد كل الشموع
كل الهم والإنكسار
وتلك الحقائب التي حزمناها معا
خبأنا فيها أصابعنا
التي أفتضحت
أنهمر… نقطة… توقف
الأشجار هنا لا تناكح الهواء
والليلك… عذري القسمات
ودمشق التي علمتنا أن نغوص
في رحم جنونها
ما عادت لنا
تركت شرارة
وأهدتنا أغنية المستحيل اللذيذ
حسرة
على مكان نخبو فيه
لا لذة لعناق فيه.
نقطة... نقطة.. نقطة
أخرج مني
لأراقب
خطوات ترجل هذا الخريف
أخرج الآن حتى أعود إلى ديانتي
الغجرية في العبث بالأماكن
وأعشاب الأرض.
نقطة… نقطة… نقطة
لا توقف
لا إنحسار لهذيان الأنامل
إنهماري فوق الأماكن
التي تلوح الآن من بعيد
الدورة ستكتمل
وتعود تعويذة آمن بها
ملحدان من هذا الكون
عن هذا الكون
أقسم بتعويذتنا
لو خرجت سأفقأ مسامي بهدوء
أخلع الرداء السحري
وأرتمي في أحضان مكان يجهلني
لا ينبش روحي
وأقبل بخرافة:
جرب أن تحيا أينما وجدت.
نقطة... نقطة... نقطة
عزيزي:
أجمل الأبواب تلك التي لا تفتح
تظل مغلفة بغموضها وسحرها.. وقهرنا.
في لوح قديم:
مر حصان.. وكان الخريف.. آلمه.. طعنه بكى من ألم لم يعرف سبباً له.. لكنه اعتصر نفسه لخلق زهرتين تبثان لوناً وفرحاً
أختفى
نقطة .. نقطة .. نقطة.
***
زكريا محمد
- من مواليد قرية الزاوية نابلس، عام 1951.
- درس الأدب العربي في جامعة بغداد بالعراق.
- بعد أن أتم دراسته، عمل صحافياً حراً في بيروت وعمان ودمشق، حيث رأس تحرير العديد من المجلات السياسية والثقافية والأدبية.
- عضو في مجلس إدارة: مركز خليل السكاكيني، في رام الله.
- يعمل مديراً في وزارة الثقافة الفلسطينية.
- بالإضافة إلى ذلك يعمل كاتباً صحافياً، ومحرراً، ومدرباً على الكتابة الإبداعية.
صدر له:
- قصائد أخيرة، شعر، 1981.
- أشغال يدوية، شعر، 1990.
- الجواد يجتاز أسكدار، شعر، 1997.
- العين المعتمة، رواية، 1997.
- عصا الراعي، رواية، 2003.
- ديك المنارة، رواية، 2003.
- نمّوله، قصص للأطفال، 2000.
zak_cyclamen@yahoo.com
قصائـد
الوردة
أريد هذه الوردة
أريد أن أكسرها بين يدي مثل مزهرية
أريد أن أذبحها مثل ديك حبشي
أريد أن أختنها بالحجر
أريد هذه الوردة
أريد أن أمرّ بها كالحصبة على الجسد والروح
أريد أن أضعها عيناً مكان عيني العوراء
أريد أن أمحو بها لوح السماء
وطباشير النجوم
أريد أن أرمي بها في الغيمة كي تنفجر.
الحرب
أبعد الجديّ عن المعزاةِ
أبعده بعيداً
وأربط الضرع لكي لا يرتوي
خله يثغو
لكي تسمعه الأحجار
كي يسمعه الله
وخلِ ضرعها يقطر للذؤبانِ والهرّ
لكي تشتعل الحرب
وتعلو النار
بين الضرع والفم
بين الطفل والأم
وبين الله والإنسان.
اللجام
حدق فتى في حصاني الأسود
وفي شمس بيضاء على جبهتهْ
أما الحصان الذي كان يعلك
فلم يحدق في شيءْ
وقف
مثل تمثال
على قوائم ثلاث
وبالكادْ
لمس الرابعة الأرض
كان العشب أخضر
والشمس بيضاء تحت غرة الحصان
ولم يكن اللجام في فمه
غير أنه كان يعلك ويعلك
ويسيل الدم على مشفريه
قال الفتى خائفاً:
ما الذي يعلكه الحصان الأسود ؟
ما الذي يعلكه الحصان ؟
الحصان كان يعلك لجام الذكرى
لجام الذكرى فولاذ لا يصدأ
يعلك ويعلك حتى الموت.
الكوز
أكسر بعصاك
يا حبيبي
هذا الكوز الفخاريّ الهش:
قلبي
أرق ماءه فوق التراب
أو أحمله بيدك
يدِ الفلاح الخشنةِ
وأرفعه عالياً فوق رأسك
كي يتقطّر ماؤه، من بعدي، في فمك
لكن حذار
أن تلمس بشفتيك فخاره الأحمر
فالموت
يا حبيبي
النائم يتبع أجراسها
والكباش
تقود النائم والقطيع
وتسحب بقرونها ظلام الليل
على المرج الذي لا ينتهي.
الثورة والوردة
للوردة ثور أسود
يطلع في الليل
عند الأسيجة
ويضرب بقرنينِ من فضة معتمة
للوردة ثور أسود
الدم المهدور على قرنيه
دم العابرينَ
الذين بلا درعٍ أو زردْ
للوردة ثور أسود
يطلع في الليل
ويكمن ظلاً عند ساقها في النهار
فكن حذراً إن قطفت الوردة
كن حذراً
وخذ بيدك الخنجر
كي تنحر ثور الرعب
الذي يرقد مجترا تحتها.
طبيعة حية
الغزالة في الرابية
شجر الحور يلقي عليها الظلال
ويترك ما يتطاول من عنقها للضياء
مشهد رائع !
غير أن المصور، إذ ركز المنصب الخشبي
على السفح
فكر
فيما يرى
قال:
دعني أفكر
إن الغزالة في الرابية
وإن الرياحْ
تنبض في شجر الحور دفّاقة
والضياءْ.
أسماء
اسمي يابس وثقيل
ولذا أفتته كخبز يابس في طريقي
وليت لي كالأسد مئة إسم
وعلى كل إسم فروة
ولكل إسم قبيلة تسمي به أبناءها
ولا تدري قبيلة بإسم الأخرى.
الحصان
الحصان يركض بلا فارس
الشمس تلمع على عنقه وكفله
الحصان يركض على أرض العشب والحجرْ
الطيور التي شاهدته
أغمضت عيونها
الرجال الذين رأوه من على التل
جمدهم الخوف كالبرق
كلهم رأى الهاوية
إلا الحصان الذي كان يجري إليها
هوى الحصان الرائع في الهاوية
قبل أن يصرخ طير
وقبل أن يفك البرق قيوده
هوى الحصان
لكن ظلّه
صار غيمة سوداء
فوق الوديان.
***
زهير أبو شايب
- من مواليد قرية دير الغصون طولكرم، عام 1958.
- حصل على درجة البكالوريوس في اللغة العربيّة وآدابها من جامعة اليرموك.
- عمل مدرّساً وصحافياً في اليمن، ومصمّماً في دور النشر الأردنيّة والعربيّة.
- عمل مديراً للتحرير في مجلّة رابطة الكتّاب الأردنيّين: أوراق.
- مشرف عام على مجلة: الشعراء، التي تصدر عن بيت الشعر، فلسطين.
صدر له:
- جغرافيا الريح والأسئلة، شعر، 1986.
- دفتر الأحوال والمقامات، شعر، 1987.
- سيرة العشب، شعر، 1997.
- بياض أعمى، مسرحية، 1992.
abushayeb@hotmail.com
جهة خامسة
خلفَ هذا الصقيع
فُرصةٌ من دمٍ دافئٍ كالصلاةِ
ونجمٌ رضيع
طائرُ الضّوْءِ مختبئٌ خلفَ رائحةِ الجُرحِ
لا ريشُه يابسٌ في مضيقِِ الفضاءِ
ولا الريحُ في دمِه يابسة
كامنٌ في حواشي الفصولِ
يرتّبُ جثّتَه الفارسة
كامنٌ خلفَ هذا الصقيع
يحشدُ الضوْءَ
والزقزقاتِ الأميرةَ
والعطرَ والأجنحة
ليعودَ الربيع
للشرايين
للخضرةِ العابسة
جهةً خامسة.
موقف البحر
أجتاحُ في إنقضاضي
أسطورةَ الأبيضِ والبياضِ
وعندَما تكتملُ السكينة
وتصبحُ الموجةُ نقشاً عارياً
في جسدِ السفينة
أجمعُ نبضي كلَّه
في طلقةِ المخاضِ
وأبدأُ انتفاضي.
شهيد
وجَدوه أخضرَ كالضياءِ
وعندما رفعوا يدَه
وجدوا السنابلَ أفئدة
ويُقالُ:
زقزقت السنابلُ تحتَ كمِّه
ويُقالُ:
أحضَرَت الطيورُ دماءَه لبناتِ عمِّه
ويُقالُ:
سوفَ يعودُ في شجَرِ البراكينِ الخفيِّ
وسوفَ يملأُ صدرَ أمِّه
لكنّهم وجدوه أخضرَ كالضياءِ
وكفّنوه بزرِّ وردة
فرشوا لبسمتِه السماءَ
وكانت الشمسُ المِخدّة.
إسم التراب
ما إسمُه ؟
ما إسمُ هذا الترابِ الّذي هرَّ
من جسدي المتساقط ؟
ما إسمُه حين هرَّ
وحين تكوّمَ تحتَ ثيابي
ولبّنتُه حائطاً إثرَ حائط ؟
لي سماءٌ أغيّمُها
أدّعيها كما شئتُ
أشهقُ ملءَ الينابيعِ في ليلِها
ثمّ ألقَفُها حين تهفِتُ بالأنبياءِ
ضيوفاً عليَّ
وأسألُهم:
الّذي حبسَ الروحَ في حجَرٍ
والّذي فيّضَ الأنبياءَ على عتَباتِ البيوتِ
كليمُ الترابِ
المُغيرُ على كلِّ شيْءٍ لينهبَه
والمحدّقُ في ظلِّه كغريبِ
ما اسمُه ؟
وطني أم بدايةُ منفايَ
معجزتي أم صليبي ؟
ما اسمُه ؟.
أرضٌ خفيفة
لا أريدُ الكلام:
لا أريدُ بديلاً عن الشفتَيْن
خفّت الأرضُ حين سرَقنا ينابيعَها كلَّها
وجرى ماؤُها في العِظام.
لا أريدُ الكلام:
لا أريدُ التشرّدَ عنكِ عليكِ السلام
حسبيَ الصمتُ
يَجمعُ روحي ويملأُها بالصهيل
حسبيَ الصمتُ ما بيننا بغِلالتِه الشفقيّةِ
وهيَ تشقُّ الظلام
لا أريدُ الكلام
لا أريدُ الكلام.
للنعاسِ الكلامُ
وليسَ لرفعِ السماءِ عن الأرضِ
حين تميل.
صلاةُ استسقاء
قِفي يا روابي
قِفي كي تمرَّ السحابةُ
من بينِ أضلاعِنا خِلسةً
ويرى الغيثُ صورتَه في الترابِ
قِفي كي نطيّرَ أرواحَنا بهدوءٍ قليلٍ
ونركضَ في إثرِها
إلى سِدرةِ المنتهى.
على حزنِها أنتظرَتْنا البيوتُ
هناكَ على طرَفِ الأرضِ
كالأمّهاتِ
وكنّا نطيّرُ أرواحَنا غَربَ كلِّ غرابِ
ونركضُ في إثرِها
إلى سِدرةِ المنتهى
وكنّا سنبكي
ولكنّنا... نسينا.
الأحوالُ والمقامات
لا
أريدُ
سوى
كلِّ
شيْءٍ.
فقط
أسيرُ
ظلّي رصَدٌ وخطوتي حجابُ.
أسيرُ
أمّتي الحصى
ووالدي الخرابُ
أنا حُطامُ غيمةٍ غيَّمها الترابُ
أجبتُ لأنّي بلا أسئلة
لأنّ فمي ناقصٌ
ولأنّي أحاولُ أن أُكملَه
الطريقُ لمن لا يريدُ الوصول
فاطوِ روحَكَ طيَّ السِجِلِّ
وقفْ تحتَ ظلِّكَ
حتّى يطوووووووووول.
يا لَناري الضعيفةِ في الحبِّ
خُنتُ النساءَ جميعاً
مع امرأةٍ واحدة
سرقتُ كلَّ شيْء:
ملامحي
وإسمي
وأحلامي
وظلّي
وكلامي
من رجُلٍ آخَرَ في المرآةِ دائماً أمامي
سرقتُ شِعري كلَّه
من شاعرٍ يسرِقُ كلَّ لحظةٍ
ملامحي
وإسمي
وأحلامي
وظلّي
وكلامي
من شاعرٍ لا يجدُ اللذّةَ إلاّ في الحرامِ.
***
زياد أحمد أبو خولة
- من مواليد القنيطرة، عام 1962.
- فنان تشكيلي.
- عضو الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين.
- عمل سكرتيراً للتحرير، ومسؤولاً للقسم الثقافي في مجلة: الحرية.
- كما عمل في مجال التأهيل المجتمعي (C.B.R) للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
- يعمل حالياً في مجلة: الرؤية، الصادرة بدمشق.
حاز على:
- جائزة الشهيد ماجد أبو شرار الأولى للإبداع في الفن التشكيلي، 2000.
- جائزة الأمام الخميني للإبداع في الفن التشكيلي،2001.
صدر له:
- حوارات مع امرأة من تين، شعر، 1995.
- لا فرق كلها مقبرة، شعر، 1998.
أنتِ
يدخل الرمحُ
في جرحيَّ مرتينِ
فأنطلقْ أيها الموتُ
وأنتهِ لأبدأ
سئمتُ وعيدكَ
في كلَّ طلعةِ شمسِ
أموت لأني أحبُكِ
ماذا فعلتُ يا حبيبتي
سوى إني أحبُكِ
أكثرَ من "أي" وقتِ مضى
أزاوجُ بيني وبينكِ
على فراش القصيدة
وكلما اقتربتُ
أنجَبتِ توائمَ المفرداتَ
الشمسُ
دفءْ يولدُ كلَّ نهارِ
والقمرُ وردةُ الضوءِ
تنفتحُ في فصل الليلِ
والليلُ عنكبوتُ
يصطادَ حشراتِ الضجيجِ
والصبحُ
ديكّ ينادي على النائمين
أنهضوا من موتكمْ للحياةِ
وأنتِ
أدخلي في دمي
كي أستطيع النهوض
أزاوجُ بيني وبينكِ
أنجبي البحر
أعدِّي لي الماء واليابسة
كي أستطيع السفر
أعدي لي الماء
لأغتسل من ذنوبي القديمةِ
في إبتعادي عنكِ
زمناً طويلاً
أنجبي الصيفَ
أعدِّي لي الشوارعَ
حقولَ الأماني
طيورَ النسيم
وقمحَ العناق
لأخرجَ مِنْ سُباتي
مِنْ جاهليةٍ
حاصرتني طويلاً
فوقَ صليبِ المطرْ
أنجبي الصيفَ
أعدِّي للعشاقِ
زوايا صغيرة
ليحصدوا بعضَ
ما يزرعونَ من الحبْ
أعدِّي لهم ما استطعتِ
من الوقتِ والظلمة
كي لا يعودوا
إلى أحلامهمْ خائبين
يتحمّسونْ ضِفافَ
الشفاهِ بأصابعَ مرتجفة
أنجبي الغيمْ
وأصنعي لي شتاءَ حميماً
وبرداً يُعلبني في الدفء
كفِّني الأرضَ بالثلجِ
هذا الضريحُ باردٌ وجميلٌ
يمنحني ـ كلما ذهبتْ
إلى الموت ـ بعض الحياة
أزاوجُ بيني وبينك
أنجبي النار
وأوقدي لي حريقاً
لأرمي يباس السنين
وأنهضْ أخضر مَنْ جديدْ
أحبكِ
فأرسمي لي سجناً
هُنا في راحتيك
وأجلدي الوقت
الذي فرَّ منا
وسرق أمسيات الفرحْ
وأختفى في الفراغْ
أزاوجُ بيني وبينك
أنجبي ما أستطعت من المفردات
ولادتي أنت
وأنا أندلسي يحب التكاثر
واللهو مع الأغنياتْ
أحبك
لا تتركي الأرض
تفصل بيننا
ولا الأصدقاءْ
ولا تدعي الوقت
يسرق منا اللقاءْ
أنجبي الحبَّ
سمِّيه ما شئت
أنتِ
أنا
لا تهدري الوقت
ولا تُفلتي لجامَ الحديث
عن الأمس
مضى
ما مضى
وغابتْ صورته عنا خلف الغبار
متى سيعود أخي يا أبي ؟
فأصمت
يقولون:
كيف تُغرِّبُ ولداً صغيراً
عن أمه ليلة كاملةْ
وتتركُ بحراً ينامُ
بلا ساحِلهْ ؟
متى يعودُ أخي يا أبي ؟
ليأخذ حصته من كعكِ
هذا المساءْ
ويطردْ من حولنا
برد الشتاءْ
أقولْ:
مات الولدْ
وكنا معاً
أنا وهو ولا... لا أحدْ
مات الولدْ
ماتَ الولدْ.
يتبع