مصعب الرمادي
- من مواليد القضارف، عام 1971.
- من مؤسسي جماعة: أصوات الثقافية، بالقضارف.
صدر له:
- النزول من شجرة العائلة، شعر.
الَّرمَــــــــــــادِيّ
أوُ ســــقوط النـــظام!
خطران يهددان العالم:
النظام والفوضى
انتونان ارتو
1
كرةٌ مضيئةٌ
تدورُ حول كرةٍ مطفئةْ!.
…
في سديم هيوليِّ في طريقِِ المجراتِ أو غبارِ المداراتِ
قبل أن تفقسَ آلهةِ الليلِ بيضَها الملكيَّ فوقَ قشِ الكواكبِ
في زمانٍ قلَ أن يُدركهُ الوصفُ، أو تمسكهُ لغةٌ راعفةٌ أو سياجْ
عن قوةٍ قادرةٍ تتربصُ بمشيئةِ الكونِ؛ وتنفجرُ كالرعدِ على سماءِ أسراره
في أقانيمِ الضوءِ، وأقنانهِ السيدةْ
في غبشِ الرؤيا ووضُوحِه ـ مُنْتَصَفِ نهرِ الخرافةِ ـ الحقيقةْ
في هيولِ البلاغةِ؛ ونثرِ فخارِها الذهبيِّ
على خزفِ "الكلماتِ" ـ مستودعِ الثورِ
في أرخبيلِ السماواتِ، وخطايا الأرضيينِ
كان يُقِّلبُ كتابَ الحياةِ، وينهبُ أسرارِها
يتمردُ على ربقةِ القيدِ، وسلالةِ الطينِ
يرىَ ما لا يُرى، ويقطفُ في آخرِ الليلِ
تفاحةَ الجاذبيةْ!.
…
كمركبةٍ فضائيةٍ يعبرُ أُفقهُ الرماديَّ
يدورُ كقمرٍ اصطناعيٍّ وفي فلكِ الأمسِ والغدِ
يمخرُعتمةَ الغيبِ البعيد ويكشفُ مجاهيلهَ
ويؤسسَ ـ على غيرهِ ـ مملكةَ الصحوِ والحقِِ
وله "الأرضُ" شاردةً في خِياراتِها الأخيرة / الأولى
يضع "النورُ"، على كفهِ ويهيلُ الترابَ عليه.
...
عن طوالعِ أيامهِ السبعةِ، وأبراجِها المعلقةِ
يُلقي نَردَ
"الحظِ على رحىَّ الحلوِ والمرِ
ويبحثُ عن مفاتيحَ أقمارهِ الشاردةْ
وينهبُ ـ من مغارة الشعر ـ لؤلؤ الحكمةِ وكنوز النبوءة
يُنهي ـ في مركزِ الكونِ ـ معاركَ فادحةٍ ـ لم تنه بعدُ
ويهبطُ من السماء السابعة مضرجاً بمسكِ "المحاربِ"
وشهوةِ الكاشفِ"
إلى شفرةِ اليابسةْ !.
…
ساطعٌ مثلَ قنديلٍ مباركٍ، يشعُ على ملكوتٍ لا نهائيِّ
يتعرفُ عليه مثخناً بجراحٍ نبيلةٍ، لا تسكُنَها العادةُ" أو يُبْرئُها النسيان
باخعٌ صوتَه على صدأٍ دائبٍ لا يدومْ، وله شهوةَ الرفضِ ـ القبول
لزرائبِ البشرِ العائدينَ من أرقِ الإنتظارِ وعَرْقِ المعيشةْ
ومن هلاكٍ لا يُفْنىَ أو يُستحدثُ
يطرحُ روثَ الحاجةِ في حظائرِ الميتينَ
يهدمُ حوائطَ العالمِ القديم وأقفاصهْ
يحفرُ "للحقيقةِ" سجناً فسيح
تُعذبهُ غربةِ"الآخـرِ" الذي فيهِ
فيفتحُ شُباكَه على مسرحِ إنسان حرٍ
يغترفُ جُنحةُ خطيئته الأولى
ويموت على صليب الخلود / الحياة !.
…
كرةٌ مضيئةٌ تدوُرُ حوْلَ كرةٍ مطفئةً
عند أبوابِ مدينتهِ يتفقدُُ"الرمـاديُّ" رعاياه
يصطادُ الفضاءَ الرحيبَ يتنطسُ أسرارهَ
ويشتغلُ وحيداً بتأمل الكون
ومواجهةِ الطبيعةِ" و"الَله" و"الكائناتْ".
2
"من عرقِ يديِّه يأكلُ الخبزَ"
ويمشي خفيفاً في الأسواقْ
يديرُ بوصلة الوقتِ، بإتجاهِ سيادةِ المعنىَّ وسيرتُه
ويريدُ أن ينجلي الليلَ ليشغلَ حيِّزَ الفراغِ بمرائي السماء والأرض
يشرخُ ـ بالثأرِـ صمغَ "المكانْ" قاتلاً أو قتيلْ !
صعدَ للربِ دُخَانَ قربانهِ لكنهُ أعزلٌ الآنَ
يتوهمُ الغربةَ
ويتوهجُ في اللين والشدِّةَ إنسانا يتوكأُ عصاةَ خطيئتهِ
تطاردهُ الطبيعةُ وتلاحقه اللعناتْ
كان لا يفصلُ خطوتُه عن هواجسهِ الشاسعةْ
خلفهَ حبقٌٌ، من الأمنياتِ الحبيسةِ في غسقِِ الروحِ
خلفهُ غربةٌ وقطيعٌ من الصبواتِ الشهيدةْ
يظلمهُ مَنْ لا يدخُلَ جنتهُ
مَنْ لا يقرأَ أنتهُ
مَنْ لا يقطفَ في الحُلمِ
كوابيسهُ النائمةْ.
...
ربما، وهو يهبطُ من أبراجِ تفكيرهَ
كان قمينا به أن يبحث عن صوتهِ من بينِ أصداءٍ كثيرةٍ
أن يشحذُ مديتهُ ـ في مواجهةِ العصرِ ويُشهرهَا في فراغِه
أن يعبرُ أطلالَ "الآوائلِ"
ليستطيعَ ما يأتيه الآخر، من ثمار "الأخيرِ"
ربما ليكتشفُ جزيرةَ "النصِ" طافيةً على قدميهَا.
كان لزاما عليه:
أن يحنُ إلى غرقِ الماءِ في الماءِ، يهجرُ أشواقهُ، ولا يتقدمْ
مقدما كان يحسنُ "الكرَ" و"الفرَ" ويتدحرجُ عليه ككرةِ الثلجِ
"كلمَا أستدارتْ على نفسها: أستطالت"
"هنــاكَ حيث يذهبُ إلى سيرةِ الليلِ وحيداً فتحضرُ أعراسَ تمردَّه أمامهُ
إذ يجهلُ ما يستطيعَه الموتُ ـ "العشاءِ الأخيرِ".
...
ربمَا، ولكي تسلمَ جرةَ آلامه كان عليه:
أن يستطلعُ عجائبَ العالمِ وأسراره، أن يؤسسُ من غرائبِها علاقاتَه
أن يتخبطُ ـ كإنسانٍ عاديٍّ بين قطبِ "الضلالِ"، وقطبِ "اليقينْ"
شاخصاً بقلبِه صوبَ رجلٍ أخضرُ الظلِ يمتصُ منه عُرْيَه
يُعطيه من ذاته أكثر من ذاتِه ويُسَميِّه بإسمِ آلهةِ المحبةِ :
ظلا، وضوءٍ شارد،ٍ وإطارْ !.
هكذا كان في آخر الزمان غريبا يحجلُ بالسرِ العظيمْ
ويوقظَ في بؤرةِ الكونِ نارَ براكينِه الهامدةْ
يستشرفُ القديمْ
ويحفلُ بالمعطياتِ الجديدةِ .
3
خارجٌ من شرائعَ ما يُحدِثُ يُهَشِّمُ "الرمـادي" سقفَه
ليقيسَ في مجاهلِ التيِّه سماءَ أغلاله.
كم هي "الوحدةُ" مغريةٌ بالتأملِ
يمحُو ما بهِ، ليكتب أغنيةَ المرحلةْ :
)من حالقٍ من سماءٍ قصيةٍ
ينهضُ كوكبٌ في سديمِ الدجىَ
"إنسانٌ كاملٌ " يقهرُ أوجاعهْ
يشتريِّ جنَة فاضلةٍ في ممالكِ "القـلبِ"
يبذر"الخيرَ" و"الحبَ" في الناسِ
يفتحُ له الفجرِ أبوابَ السكينة
ويرتعُ في ملكوتِ الرضَا واليقين
"إنسانٌ كاملٌ" يعرفُ أوجعَه
يحيا نقياً
وحراً من كل قيدٍ
يشعلُ في كل ناحيةٍ أسئلةً
حواس تحبلُ بالمعجزاتِ
وتسطعُ بالأمنياتِ الكبيرةْ)
…
خارجٌ من وحلِ ما يحدثُ
بات يُلقي وصاياه الأخيرةَ في الناس
ويمشىِّ في جنازته مخفورا بالعيونِ الصديقةِ.
4
وكمَا يبسطُ الفجرُ الآه في فضةِ النهرِ
ينفذ" للطفلِ" الذي كأنهُ ذات يوم؛ يتسقطُ أخبارَه
فتنهشهُ رعشةٌ ملساء
يلونُ منها بالوناتٍ وأخيلةَ ومرايلَ زرقاءْ.
نبياً يدخلُ علي أطيافِ المحبةِ، ويخرج على الناس إنسانا لا يمل
"أيتها الذكرياتُ أطرحي ثماركِ الناضجةِ عليه
أنثريهِ قربَ مقاصفَ أقرانه دمعة تطمحُ أن تستحيلَ إلى وردةٍ في كتابْ
أطرحيهِ ثماراً ليعودَ كما كان طفلا مبللاً بالبراءةِ والطهرِ يعجنُ طينِ مواعيدهِ
ويشكلَّها كالرغيفْ".
...
شاخصاً قلبه صوب ماضٍ ـ حاضرٍ
يُودعُ فيه خبيئةَ إصغائهِ
ملياً يطيلُ الوقوفَ عليه ملتهباً بالحواسِ الدقيقةِ
ملتهياً بالدقائقِ تسرعُ فيه وتبطئُّ
متهماً بالخروجِ عليه
وا لـ جـ نـ ونْ !.
5
قطعةً… قطعةً
يخلعُ "الرمـادي" سراويل شهواتِه
يتقدمُ "العقلَ" ملكوتَ صبواتَه
فيحيكَ المقالبَ "لنساءِ صغيراتْ"
فاجأهنَّ الغرامَ قربَ حُمرةِ القطنِ
فذُبنَ وطارت عصافيرهنَ من الوجد
فأجهضنَ أحلامهنَ النبيلةَ
ولاقينهُ واجفاتِ تحت "عمودِ نورْ"!.
...
عندَ شرخِ الشبابِ كان يرىَ زُرقةَ البحرِ
ويسمعُ همسَ السماءِ يدركُ فتنةَ "الجسدِ" وإغوائه
لكنه كن يأوي لوجودِ عامرٍ بالنوايا البريئةِ والقصدِ
يحنُ إلى أنوثةِ "القلبِ"
ويذهب ُإلى ألفةٍ فاخرة
تُذهبُ عنه بياتَ الشتاءَ
يتعظُ بالغيرِ من شرِ نفسِه
ولا يقربَ فاكهةَ الآخرين.
…
ملاكٌ يمرُ
يحملٌ حرمانهٌ فضيلةَ الزهدِ إذ يتحوقلُ
في أوجِ "الرغبةِ"
بتمتمةِ الأولياءِ والصالحينِ
في إرتجاجِ الردفِ ،وإستدارة الصدرِ
يتشاغلُ بالفرار الفذ إلى كوكبِ امرأةٍ
تؤنسُ مباهجِ "الطلحِ" مفاتن حنائها
عنقاء تتمددُ على عمرهِ كله
امرأةٌ خضراءَ تصلحُ للسريرِ والمؤانسةْ.
...
ملاكٌ يمرُ
كان يسرحُ مغامرةَ "العادةِ"
ويصومُ ـ عامداً ـ عن الفعلِ
لاهثاً خلفَ وعولِ أحلامهَا
يدينُ لها بفضل كبيرٍ
ويسهرُ ـ حتى انبلاجِ الصباحِ
في وهجِ "الروحِ" وجمرُ "العاطفةِ".
6
لقاراتهِ الخمسْ
يدخرُ للعالمِ:
كنوزَ الهوى والمودةْ
لأصفياءَ رافقوه
عندَ منعطفِ الزوابع والأعاصيرْ
ثمَّ لم يعودَ كذلك
مهاجرٌ فيهمْ أو إليهم
يقشر"الوحدةَ" كالبرتقالةِ
ويرى فيما يرىَ النائمِ:
(البطاريقَ ـ الموجَ المتلاطمِ ـ ونجمةَ البحرِ)
يرى ما لا يراه الجميع.
7
من عُريِّ هذا العصرِ
ومن غيه الفاحشِ
من عواءٍ صارخٍ في ألوهيةِ "المادةِ" وقُدسيةِ "الروحِ"
من حوارٍ نيئ
غيرَ قابلٍ للتداولِ أو صالحٍ للنشرِ
يوغل في إكتشاف ضلالِ المذاهبِ وغلوائِهَا
في إصطراع الحضاراتِ بأضدادهَا
يغسلُ عقلُه عن كل شيٍء
ويدخلُ ناصعاً كما الثلجِ في معيِّة الله.
...
في الأرضِ كان
أو في السماءِ
يجرُ السؤالُ عليه وبال السؤالْ:
(فلماذا لكي يحددَ موقفهُ من "العـالمِ" علية دائماً
أن ُيُنهى تحركَه للأمامِ ويتلفتَ ـ كاللصِ ـ في كل الجهاتْ
لماذا كي يرى كل وجوه الحقيقة كان عليه أن يتكرَّعَ من مرهِا
أن يمزقَّ أغلالهَا، أن يعكفَ على الرصدِّ البصير، ويمعنَ في شهوةِ المغامرةْ).
...
وحيداً كان يُجادلُ الريحِ، يفلسفُ الدنيا على كيفه
يُغوضُّ بنيانهَا، ليعيدَ تخليقهَا من جديدْ
وله من الوقتِ متسعٌ ليشغلَ دقائقَ لحظاتِها بالتأملِ
يهفوْ ـ لكي يتداركَ أخطاءهَ، يدخلُ للحقِ من بابِه
يعدُ عصفورةَ البرقِ المضاءةِ يترقب" ساعةَ الصفرِ"
ويثبتُ في ساحةِ المعركةِ.
...
"لليسارِ" مزقَ حُجبَ الغيبَ ـ الأصيل
إلا أنه لم يكنهِ، نزقاً وضلالاً
و"لليمينِ" أخذَ الأجرَ
ونفذَ إلى ينابيع أقدارهِ القاهرة
(يسارٌ يمينٌ… يمينٌ يسارْ
طاشتْ كلَّ سهامِ الخليفةِ عنه
وجرَّتْ عليه فرائسُ الخلائقِ وبالَ المآلِ).
…
وحدهُ كان ـ "العقلِ المدبرِ"
يحطمَّ زيفَ الوجودِ وأقفاص
يقيسُ الحياةِ بآماله
ويؤنسُ بطيبةِ "القلبِ" صروفَ الحياةِ الضنينة.
…
من زيفِ هذا العصرِ ومن غيِّه
يسحقُ زيغِِ "المقـدسِ"
يُعطي عُريَّ "القناعاتِ"
بلباسَ الرضَا القبول
ينامُ ملءَّ أجفانهِ حين يصحو
ويصحو ليملأَ غفلةَ الكونِ بالإنتباهْ !.
...
والرمــاديُّ
عدو التشابهِّ والمواريثِ الثقيلةِ
والويلُ الذي أضرمَ نارهُ
في هشيمِ الخرافةِ، وتركةِ الكوابيسِ
أنا / هو:………………………….
يقدحُ مرأبَ "الروحِ"
في جحيمِ المسافةِ ـ جمرَ المُعاش.
والرمــاديُّ
إحتفالٌ أخيرٌ لتحالفِ (الضوء) و(الظلِ)
(عصرٌ تولدهُ التضحياتُ الجسيمة وعصرٌ تتقدمهُ المعجزاتْ) .
…
هو/ أنا
مصعبَ الرمــاديَّ
رجلٌ يمددُ "اسـمه" في شروعِ الكتابةِ
يُروضُ خيولَ المطلقِ اللامتناهيِّ
يؤرخُ للكونِ قصتهُ الأزليةْ
يمدُ الدلاءَ الطويلةَ صَوْبَ "بئرِ المكانْ" ـ الزمان.
ثمَّ لا يلتقي بأحدْ.
9
ملطخٌ بأوهامِه الجميلةِ، يُرتبُ "العالمَ" تحتَ أصابعِه
خفيفاً بلا جُنحةٍ أو غُرورٍ، يدنسُ براءةَ "الورقـةِ "بالحبرِ
ويختالُ مثقلا "بالرؤيةِ" البكرِ، والأخيلةِ المُلهمه
يفضُ العلاقاتَ التي تربطُ الشيءَ بالشيءِّ
يدخلُ متاهةَ الكتابةِ حراً
وينعيَ "شجرةَ البلاغةِ "
التي أثمرتْ في مطرِ الغربةِ عكسَ ما يشتهي
بالحرصِ والألفةِ ـ ذاتها يخوضُ مغامرةَ الوعيِّ الصديقِِ
يؤلفُ بين السؤالِ وأضدادهِ
نازفاً فضاءَ أفكارهِ :
بإسمِ غدٍ ـ حاضرٍ قدْ يكنُه، وبإثمِ سؤالٍ حارقٍ لم يُجِبْهُ
يبشرُ دائماً بإنمحاقِ فجرِ "الثبـاتِ"، ويُعلنُ:
عن صعودِ عصرِ التحولِ
وسـقوطِ النظامِ.
…
وليسَ له أن يُبدد تاريخُه كُله
في مساجلةِ وجود فراغٍ مثل هذا
لذلك فهو يرقىَّ إلى مرتبةِ المجدِ
"فرد" واحد مختبيءٌّ في" الجماعة"
يوقنُ بحقيقةِ الفنِ وانتصارهِ في النهايةِ
ويوغلُ في"جمالِ الصناعةِ" ـ كمـالَ الكلامْ
الرؤيَا:
مِفْتَاحَه إلى دالةِ "الرمـزِ"
والقوافيِّ:
نزيفهَ الذي يَذُوبُ كالشمعةِ في حنانِ الظلامْ
والمعانيِّ:
أقاصيِّ السماواتِ البعيدةِ مشردةً في براري الكتابةِ
وملقاةً وحدها في الطريقِ.
…
بعدَ قليلٍ
سيسطوُ عليه
علية قابعٌ في أولِ السطرِ
يُهزرُ بما ليسَ يُدركُ
ويفيضُ بما لا يُقالْ
لأعدائهِ أن يَمْتَحِنُوا رهافةَ أعماقهِ
وللأصدقاءِ أن يُهتكوا خبيئةَ أسرارهِم النائمة.
10
ملكٌ للفضاءِ الفسيحِ يتجولُ في وضحِ الليلِ
حمامةٌ محترقةُ الريشِ تعلو على سيرةِ الجُرحِ ـ الصديقِ
وبرتقالةَ الأزمنةِ المستعادةِ وتفاحةُ الروحْ !.
متحداً بالشعر والغناءِ الرهيفِ
وباخعٌ نفسَه على المحوِ والنسيانِ !.
لملاكٍ جميلٍ يحط على كَتِفْيِّه
(وهو
لا كما الفراشات الملونة تحليقه
ولكن كما القُبرَاتِ يفلتُ من قيودِ الخرائطِ والأمكنةْ).
…
بمثقالَ ذرةٍ من "الشـرِ"
بالوجودِ الأصيلِ الذي يفتكُ بالرثاثةِ والزيفِ
يستدرج الغوايةَ إليهِ
ويشرح
فوائدَ الفتنةِ
والفرحُ المستباحْ.
…
هكذا كان ملكٌ كما شاءَ له الليل ـ أن يصطفيهِ
في إتخاذ التحررِ رمزاً
يريدُ للأرضِ أن تحدُ من دورانِها
وللنهرِ أن يُغَيِّرَ مجراهُ
يناطح "الصخرَ"
ويُفَتِّتُ بنيته.
...
الرمـاديُّ سجينُ زمانٍ آخرٍ غيرَ هذا
يكتبُ أشعارهُ في كرةٍ مضيئةٍ
تدورُ حولهَا كرةٌ مطفئةْ
معلقٌ بينَ أبراجِ السماواتِ
وأقطارَ الأرضِ
يحملُ أقداره بينَ يديِّه
ويُودعُ كل أسراره في جيناتِ اللغة.
مزامِيـــــــرُ ليلى
القلب مصحف البصر
مثل عربي
كسلىَّ
تنهضُ" ليلى" من نومِها
تفصلُ الحلمَ عنها
لتدخلَ واقعَ يومٍ جديدْ.
...
إن طقساً رقيقاً سيندلعُ الآن
عالماً من فتنةٍ ورواءٍ
سيدخل بابَ المضافة تواً
سيخلعُ قبقابهَا عند ركنِ الرواق
ثم يعبرُ إلى حالِه سالماً.
...
من عينِة الثالثةْ
كان يفتحُ ـ للعـالمِ ثُقباً صغيراً
يرصدُ فيه سيدةَ القلبِ
وهي:
ترفعُ عنها الغطاءَ
تتمرغُ في صوتِها العذبِ
تدنوُ من سرهِا السهلِ
تدسُ يديهَا تحتَ حريرِ الوسادةِ
وتذهبُ مشبوقةً لحفيف النعاس
)كانت "الغيمةُ" موشكةً أن تحطَ عليها
ولكنها أومأتْ بغتةً لغزالِ هواها فأستدّلت عليهْ ).
...
يصهلُ الوقتُ من ساعةِ الرملِ
تستبدُ به رغبةٌ في أن يغِّيبَ أحلامُه
عند غابـةَ إصغِاءه ويغيبَ طويلا هُناك
(كم ستسكُن بيت الكلام جمالاً
وكم ستبطشُ بمفردها وقنينة العطر
فترفو بي عجائبها المستحيلةْ)
عند هذا الحُضور المؤنثِ
ينثالُ حُلو الكلامِ عليه
الوردُ يذهبُ ـ وراءَ خُصاصِ النوافذِ لنعاسٍ خفيفٍ
والطلُ يُلقي مباهِجُه في الأقاحِ ويفعلُ في نفسهِ الأفاعيلْ.
…
صار له الأنَ أن يرّفعَ عقيرته بالغناءِ
أن يأخذَ الشوق تحت إبطيه ويمضي
ما يزال الهوى بخيرٍ والشذى ملء أوداجِه ـ يتنهدْ
والصباحُ ـ إن لم ُتخنه البصيرةُ ـ راح يوقعُ إمضاءه
خلف السدوفِ السميكةِ
والكلامُ يضيقُ عن البوحِ إن هي قالتْ
ورويداَ رويداً يحط الستار، اذ يُغطي المكان حنين الكمان
حين تترك أسرارها للنهار وتنهضْ.
…
تتخيلُ:
(أن الهواءَ محفةَ شوكٍ
وقد أوقدَّ الشمعُ فيه الأصابع
وأن السماءَ ستدخلُ تواً خباءَ يديها
وتقضمُ تفاحةَ هدأتها كيف شاءت)
لذلك باتَ يخبئُ أعصابه في ثنايا الدقائق
يُقسمُ أوطاره في المدى بالتساوي
مغبةَ أن تخطفَ نحلةَ ذهبيةً رحيق بساتينها
أو يقتفي إثرها عاشقٌ تورَّطَ في الشوقِ
فشفََّ زُجاجُ الرهافةِ فيه وطارْ.
كتوماً كان يحملُ عبئاً ثقيلاً على صدره
يبصرُ كل المرائي وقد أقبلتْ تستغيثُ به
من شِدة الهولِ
فهّيا أعِينِيهِ على أن يثُوبَ إلى رُشدِه
أعيدِي له عقله ليشرحَ
كيف أحتشتدى قبالة أحلامه المستحيلة فرأى:
(أحدى عشر كوكباً تدور عليه
كيف قضى ألفُ ليلةٍ من الحنينِ البدائي
والثواني ينُقرن على ليله
وينزفنَ جمالاً من الساعة الحائطية).
…
دائما تكونُ الظلالُ مشردةً في المعانيِّ
هاربةً من يديه حتى حقول الحنان
وتكونُ الخضرةُ حافلةً بالرموزِ الغنيةِ
حينا تلمسها زخةُ الماءِ فيشهقُ ملمسُها الناعمِ
ويفتكُُ النورُ بما قد تبقى
إنه يَحلمُ"بالقيامةِ" خارجة الآن من حمِامها
صاهلةً بأقاصي الهوى والحنين
عند ذلك الحد يجوزُ له
أن يموتَ ويحيا ألف مره
وهي مشغولةً بالجسد المثقلِ بالثمار الغريبة
في مهرجانِ القصائدِ والعصافيرْ.
...
آه يا سيدتي لستُ أولَ من قادَ صوتكِ إلى نشوة النبعِ
إن يدا دافئةً سوفَ تهمسُ بالنزواتِ العجولةِ يوماً
سوف تقطفُ وردة حمراء من حديقة أحلامك
سوف تقرأ ذاكرةً وعيوناً وتنهبُ كل هذي الكنوز.
...
هاهي الآن تفرُ من كل ذلك
تتهادى على البهو هادئةً
تمنح أحلامها لبليل المشاعرِ والأُمنيات
وبنفس الجراح التي أورثتها القناديل
تدخل مرآتها تتناسل صوراً مكسورة الظل
تسوي شعرها في دلالٍ فيسبح العاشق بقدرة الله.
...
من عينهِ الثالثة
كان يُنشئُ علاقاتٍ لا أصل لها
بالشوارعِ والأرصفة
إذ تتركُ الوقتَ منه يمضيِّ وتستفيق شيئاً فشيئا
لتضع الأسرةَ في "جلسةِ الشايِّ "
تأخذُ حِصَّتهَا من الألفةِ، والإكتمالِ الجميلِ
أو تتذكرْ:
)كيفَ تستقبلُ معه موعدها في المساءِ
كيفَ تتركُ ساعده يستديرُ عليها قليلاً
كيف تنمحُ الأكاذيبَ معنا جديداً
يشبهُ لحناً قريباً حينَ تسألها أمُها:
إلى أينْ ؟
فتُبهتُ بالردِ لغو النساءِ وانسَ الصديقةْ
ثَّم تبدو مراهقةً قدرَ ما تستطيعْ
لكي لا يصادرها الحزنَ
أو تتصيدَ سهامُ الوشاةِ غزالَ هواها .
...
هي الآن تنصبُ خُططاً مُحكمةً لوقائعِ اليومِ
لما سوفَ تصطادهُ من حنينِ وذكرىَّ
سوف تثرثرُ مع الصديقات
في أحاديث تافهةٍ وحميمة
عن شئون الودادِ الصغيرة
سوف تصفه بما ليس فيه
وسوف تملأ هذا الفراغ جمالاً
كم ستصنع له أخيلةً وتخفي عنه العيوب
وكم سيبدو ذلك مبهجاً ومثيراً
للتنصلِ من كل شيء
لإعدادِ قهوةِ التيهِ
وتبادلِ الزياراتِ
عندها ستجرب للمرة الألف
كيف تضلل وجهته
بالنار التي ستلهبُ أطرافها كالحريق
وتوجه خطواته المتاهةُ كما البوصلة.
وسوف تضحك في سرها
للنظام الذي يتلف الكون
للخواء الذي يرشده عكس ما يشتهي
للذي لا يثورُ إلا لماماً ويهمدْ
للذي قد تراه فتند عنه يداً مبسوطةٌ
على الناس
وتستره قبضةٌ مطبقة.
...
إنها الآن تُحكم إغلاق حقيبتها
مثل ما تُحكم إخفاء حقيقتها
مثل ما يتعرفُ صمت الغريب عليها
إن سراً دفيناً سيزللُ فرائصها ذات يوماً
سيتركونها قاب قوسين من الحلم
فيصحو مصادراً أمام الجميع
تطارده غَيْرَةُ العاذل
وتمضُغهُ الأعيّنُ الناهشة.
...
تحت هذه الظروف الغريبة
يشتعل الحزن مثل القذيفة
ينشأُ الحبُ خائفاً وطريداً
يتكسرُ على كوكبِ الرضَا والقناعةِ
ويسقطُ مقتولاً بقيودِ التقاليد
محاطاً بالمخاوفِ والظنونْ
ومتعقباً أزلياً من رجال القبيلة.
...
هنا ستذكرُ قطيعَ الذكور
الذين لاحقوها في الممرِ الطويلِ
الذين طَوقُّوا عمرهَا بالرماد
وقالوا قولة الرفض والبعد
هم الآن يقفونَ مثل التماثيلِ على خدرها
يتلون أسمائهم على دمعة الذكرى ويختلفون :
على أي تعقبها أولاً
أي أراها لذعة الأنثى كما ولدتها أمها
وستذكر من الكلمات الكذوبة كل التي تثرثر في كل شيء
ولا تقول شيئاً
وستذكرُ الحماقات والطيش والوهم
النهار الذي أبقى على مغامرته والليلْ
خلع عنها الكلامُ المكدسِ في الهمس
وقذفها ـ بعد لأيٍ ـ كقشرة موزٍ عارية.
...
أن شيئاً من الزهو سينصبُ خيمتهُ عليها
سيلقى متاعبه عندها ويمضي غريباً
صوبَ معاقلَ أسرارها النائمةْ
هُنـا:
ستتركُ له شرفةَ القلبِ مفتوحةً
ليجربَ لعُبةَ الحبِ والموتِ
لتنهمر الشائعات عليها تماماً
وسيدرك كم دمعةً سيذرفها
من حرقة القرب والنأي
وكم أغنية ستغتاله في الصميم
إن هي جاءت تلملم أطرافها
وقد تتجددُ فيه المواجدُ
وتدخله إلى بهاء اللحظة المترفةْ.
ولسوف تبدي حنينا عاصفاً
لتسلق أسوار عزلته
للتحرر من شكها
لليقين الذي يغلق عنها المسالك
بسلطانها علي الطيرِ والريحِ والأجنحةْ
للتوهجِ "كالنارِ" و "التجددِ كالماء"
حين تدني ساعديهَا لفضاءٍ رحيبٍ
لتركضَ في المطرِ مغرورةٍ حافيةْ:
)أن الحياةَ سلسةٌ من التحررِ
من سطوةِ الآخرين
إن الحياة قصيرة).
…
هو الآن يخلعُ القلبَ ممّا لا يُريدْ
يدسُ العصافيرَ في حدائقِ الوردِ
لئلا يقولون عنه بخيلٌ
وقد يتسامى كثيرا فوقَ جراحاتهِ
خشيةَ أنْ تراقُبه نجمةٌ عالقةٌ
في سماءِ الحبيبةِ
أو تضلل أوهامهُ فتنةُ الجاذبية.
...
في الصباح تتركُ البيتَ
وتخرجْ
توقظ "ليلى" عصوراً من الفتنةِ والأسر
وعند نصفَ المسافة
يلتقيها
واقفةً علي شرفةِ القلبِ والعمرِ
تتنّكبُ دروب الحياة العصية
تضيءُّ الضلوعَ فيه
تبحثُ عنه قريبا ـ غريباً
ويبحثُ عنها معتمةً ومضيئةْ.
***
إيمان أحمد
- من مواليد العام 1968.
- حاصلة على بكالريوس الطب والجراحة، كلية الطب من جامعة الخرطوم، 1994.
- دبلوم عالي في الهجرة القسرية ودراسات اللاجئين من الجامعة الأمريكية بالقاهرة 2002.
- عملت بالطب وفي مجال حقوق الإنسان واللاجئين والمهاجرين والناجين من التعذيب.
- تعمل منذ العام 2005 مع مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين.
لم تطبع ديوانا حتى الآن.
فوضى
بالكونِ فوضى ما
يحاول ترتيب المقاعد والأسئلةِ
يمسك بيمناه فرشاةً قديمةً
فيتذكر:
عليه أن (ينثُرها) ليتشتت الضوء منها
ويبلل سروال الكون
بلََلُ العيونِ ماعادَ يكفي.
حبيبةٌ
أو
مِقْصَلَةْ
لعينيها يغني، ولطفل شقيقته يقرفص القرش مع الآخرلإحتمالات الحليب!
تسونامي
هذا الطفلُ لي!
وهذهِ المرأةُ لن تَنَلْ حفنةُ دقيقٍ ما لم أُفرِغَ ورع فقدي وقلبي بجوفها
.....
طوابير النمل ترزم الأرض بدبيبها، عائدةً بغذاءِ العالمِ
متي تمَ أخذَهُ من هذهِ الأرضِ ؟
وفي أي صورةٍ ؟
وهل كان لا بد أن تغضبَ الأرضُ حتى يعود ؟
هلْ كانَ
لا بُدَ أنْ
تغضبَ الأرضُ
حتى يعودْ ؟
هَلْ كانَ
لا بُدَ
أنْ تغضبَ
الأرضُ
حتى يعودْ ؟.
مو- جا - ما - لا - ت
هكذا وَقَّعَتْها الفتاةْ
"رُبما تعني
Flattery"
خَرَجَتْ من قلوبِ البناتْ
البناتُ تَدَثَّرْنَ بالحُلُمِ/ السنبلاتْ
البناتُ تيبسنَ في عنقِ الشهوةِ العادِيةْ
وعناق القصيدةِ والأسئلةْ
البناتْ
"مو- جا- ما - لا- ت".
من بناتٍ يفتشن عن روحِ مريمَ في ثدي أحلامِهِنَّ
وفي شهوةِ الماءِ
أنفاسُ حوت القبيلةِ / تعتصرُ الماءَ في قلبِ حوريةِ البحرِ/ تُرْجِعُها الثكناتْ.
هكذا
وترمم صلصالها أغنيات.
......
المزاميرُ مبتلةٌ لا تضاهي سما الأغنيات
أغنيات النسيمِ المُشَرَّخِ بالـ"طرحةِ" الباهظة
قهوة الـ"كوفي شوب" الـ Trendy
"قلق الأمهات"
صحبة الـ"بوي فريند" الذي لن يطال صدى الأغنيات
"مو- جا- ما- لا- ت".
عندما سألتها الصديقةْ، أجابت فتاةُ الحياةْ:
"مو- جا- ما- لا- ت"
أورَثَتْهُنَّ إياها تلك المدائنُ تطّاحن الغبنَ / تَمْزَعُ أعصابها / وتُوَشِّمُ أجسادها ذِكْرَياتْ
المدائنُ تشربُ من دَمِها أصفرا سائلاً / لزِجا يتخثرُ قبلَ انثيال المشاعرِ/ يعجنُ تلك الرفاةْ
بلباسِ المساءِ تغني / وبالليل تَقْتُلُ عُشَّاقَها ومغنيها وظِباها / وترتد للـ"مُحْرَماتْ".
محصناتْ
خائفاتْ
"خائناتْ"
كائناتْ........
........
القبيلة تكسب سطوتها بالْـ..... - مو- جا- ما-لا- ت
ثم:
"أمي تُقِرُ بأنَ عَلَيَّ اتباعَ السياقِ / وأن أفعل الْـ.... مو- جا- ما- لا- ت".
.............
لـ"إسلامنا"، ولأنا "عرب" / رددتها الفتاة
أخنوعٌ ؟ لقاربِ نوحِ الجميلْ، أم لقافلةِ الـ(ممكنِ) ـ الـ(مستحيلِ) ببيرقِ (زوجِ الحمامِ) الآتي به نوحٌ من الضفةِ الثانيةْ
أغنياتْ.
للحياةِ هنا (ريذمها*)
ولنا أغنياتْ...........
هكذا قالتِ الفتياتْ
رددتها صويحبتي
في محاولةٍ للتفكرِ فيمَ الحياةْ.
مو
جا
ما
لا
ت
مو
جا
ما
لا
ت
مو
جا
ما
لا
ت
.
.
.
* إيقاعها.
شكرا للصديقة الجميلة نادين، فحفرياتها ألهمتني هذا النص!
نادين أردنية أمريكية، باحثة ومتخصصة في الأنثروبولوجي.
ما بين شمسي وشمسك
نجمتانِ وبحر
ما بين عشقي
وعشقك
لونان
أولهما
الأبيض
والأسود معاً
وثانيهما
برائحتي
ورائحتك
وملح البحر
والأسماك
والأعشاب.
.. .. ..
ما بين قصتي
وقصتك نشيدا عمرين
هما لحني
ونغمك
قفر البراري
وأخضر العشبِ
رعشةُ الماء
وثقلُ الكائنات العتيقة
ضحكة أمك
وحِصنُ غربتك
أسئلتي
التي لا أحمل لها إجابات.
.. .. ..
ما بين نَصْلي وجُبن* قلبك
عشقٌ مفقود
لحنٌ مولود
وكهرومغناطيسيا.
.. .. ..
ما بين ضفتي كتابي
وردتان
الأولي بلون الحُرقةِ
والثانيةُ برائحةِ الشفق.
.. .. ..
ما بين عِشقي
وعِتقي كلمتان
هما
أنت
وثانيةٌ
أنت.
* Cheese
لا خوف عليك الآن
أفرغ الزيت
عبئ مشاعرك بتلك الزجاجة
تأكد بأنها معتمة.
أتبع الأرمادِلو* في الفضاء
أغرق في الدوران
أبتلع غثيانك.
لا تخاطب أمك
ألعن حبيبتك مرتين
وأغمد المرآة في قبرها .
مكان العينين أحشه بالطين أيضا
ولا تلمس مؤخرتك.
هل قصصت الشجرة التي نبتت
بأذنيك ؟
أجتثثت العشب الذي بقلبك ؟ .
فلتواصل المسير إذن
إنما الطريق دائرية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• Armadillos…. Do they fly ?
***
مصطفى عبد الله عثمان
- من ولد مدينة الفاشر بإقليم دارفور، عام 1976.
- تخرج من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا تخصص هندسة ميكانيكية.
صدر له:
ما يخص الألوهة أو سيمياء الميلاد
إلى روح
ي / د/ ب
وهي لم تكن جبلاً
لتأوي روحاً شاردة من زنزانة الجسد.
جميعاً
كانوا هناك
ووجهك المطلي بالردى والعاصفة
عيناك تفرسان المكان
عن أعلى شرفة للموت.
هم يعرفون:
أنّ نشيدك
نشيدك
وصوتك
صوتك
وموسمك
فصل للشجر
وفصل لإمرأة عائبة.
هم يعرفون:
أن مدينة صهّدت أبوابها للخيل
تخرج عارية كالجرح
تلف الشتاء منديلاً
وتغني على وتر وحيد.
فلا ترح قامك المصلوب في الشجر
فالوقت
ألف عام
والمكان
لين كالبدء
نيّّء النشيد.
لا ترح
فالأغنية القديمة نفسها
الآن تعتمر قبعة نحاسية
وتلوذ بالضريح
أو تستريح ؟.
وهم يعرفون أنك رهق بالنبوءات
وأن هذا الصيف سيف مسيح
وأن العام
عام الكائنات الرمادية
ولا
إلا دمك الصريح
أو تستريح ..؟.
قنديلان حافريك
والرمل زيت
كنّا نلوذ بالأرض التي
هربت خيلنا عن الله إلى الحبيب
كنّا نلوذ بالحبيبة التي
هرّبت أرواحنا عن الأمّ
إلى قمر قريب كنّا نلوذ بالأمّ
كي نغيب في البرتقال
فيفجؤها الحليب.
كنّا نلوذ بالله عن أقماره
عن وجهك المذبوح مرفرفاً كالميلاد
عن اسمه المكتوب بالنارعلى صدرك
عن حلمك المطعون بآلاف الخناجر
وصوتك المصهول في خبب الجياد.
والآن:
ما عادوا يحاذرون في عينيك الحادتين
كالإحتضار
الناعستين كالموت
ما عادوا يخشون إفتتانك بالرحيل
في لعنة الدم القديمة
ولا تعود.
ما عادوا يشرفون فوق النحاس بأغانيهم
ليمنحوك هزيمة
أو يجملوك للصعود.
فلا ترح قامك المصلوب
كما العاصفة:
ففي القلب ألف حلم يرتجف
وبالكف طالع:
عين محفورة في الرمل
ووجهك قوس
ودمك نشيد ......
...... وحمامة خائفة.
هم يعرفون أن أرضاً لم يطأها
ما قرأوا من أنبياء
الآن حبلى بآلاف الثارات.
فعرفني إن كنت إلها
كي أعود لمملكة الله
أحترق
ليمنحني وحيا جديدا
وجسدا رماد /
ليفتحني في التواريخ طوطما
وفي النواميس ما نحفظ من أسمائنا * لنحب التي
تضمنا في يمين الله عشاقا وتلهو في الفجر بدمائنا *
لنعرف طريقا إليه.. قد تعذبنا في الثارات
وأحتبلنا
نساءنا*
فعرفني إن كنت إلها
بالأمس أضعت نايا جميلا
والآن:
أضيّع امرأة
ونبوة /
فهل مرّ قربك وجهي
لتعرفني إذا أضعتك ؟
وهل كان لي اسما
وعنوانا
لتدلني إليك إذا لقيتك ؟
وهل لتلملم وجهك الموزّع في القزح
فينمحي العهد المقدس في الطوفان الجديد
لتزف إلى الفصول موتك.
إذاً:
الأنبياء مثلنا يولدون تحت الشجر
مثلنا
يموتون تحت الشجر
مثلنا يدفنون في الأرض التي نواعد
فيأخذنا التيه إلى ظلنا المنفي في الصلصال.
فالآن نحن دمى:
فهل أنت إله لتجعل المنفى
يمر بالأرض التي واعدنا
لنموت مرة أخيرة
فننتصر.
ما أقسى أن تواعد حبيبة
حليبها نار
ونهدها حجر.
هل أنت إله /
فهم يعرفون جرحك القديم في
الصلاة
أما زلت تصلي
والسهم مكانه الذي يعرفون
من ألف عام /
إذاً:
دعني أغسلك من هذا النشيد
لم أجد ناياً جميلاً لأزفك إليك
فأعذرني /
لم أجد امرأةً واحدة
لأجعلها كفناً عليك
فأعذرني /
لم أجد حتى كلمة تافهة في نبواتي
لقداسك هذا المساء
... ...
... ...
لم أجد أرضاً لتصعد إليه /
فلا تعذرني :
إني أحتاج منفى يمرّ بالأرض التي نواعد
لنموت مرّة أخيرة
فننتصر
أحتاج شاهدة لقبرك
وشجرة لميلادك الجديد
وحبيبة حليبها نار
ونهدها حجر.
فهم يعرفون نشيدك
إذا جاء في النشيد
يعرفون صوتك
إذا خانت الطبول مطر الصعيد
أمد الكف
عين محفورة في الرمل
وجهك قوس
دمك نشيد
وحمامة خائفة.
فلا ترح
الآن أنت
وجهك
المطليّ
بالردى
والعاصفة.
تلاوين التلاوين
تلاوين النذر
قارعة ببابك
أصابعك على الرتاج
قارعة ببابك
حجيرة لإكتمالك النهائي في الفجيعة
حجيرة لإكتمالها الإبتدائي فيك.
لن نهجر نشيدنا في الزعفران
لندرك القزح
لن نتهجى الفجيعة لنقسم اللون:
نار للجحيم
وبرتقالة لصدرها
وفجيعة لذاكرة التي نحب.
تلاوين الغدر
وشم
"ربابة"
وبلاد
كلما طرز الدم عباءة
أنتشر الأحمر مثل طحلب على الحوافر المتعبة
فهل سنصير ضدين
لنخرج الحنين من جوقة النشاز
لنغني الأغنيات التي تخون ليلكه
كنا نجمعها لمهرجان النذور ...؟.
تلاوين الغواية
أحمر
صوتك
لتعوي في العراء البعيد
لتغوي صبية
لم تفتح صدرها
لنارنجة الإشتهاء
أحمر
وقتك المبعثر لرقص الآلهة /
وحلمك
أن تصعد هذا المساء
أحمر
هذه الأرض التي تنام عليك
كامرأة بلا خاصرة
أحمر
أحمر
بلا لون.
تلاوين الترنيم
ونغني أسطورة المزمور القديم
الله لم يخبئنا في الأسود
ليفتحنا النزيف
لم يخبئنا في الأبيض
لنرتق الأسماء
على الشاهدة
ونسمي:
موتنا رحيل
ودمنا
مائدة.
تلاوين الحجاب
وجهك جدار
عيناك
وقت للفراغ
مهشم مثل خوذة /
صامد مثل الحب
لن نصلي في مأتم الألوهة لنستعيد صفاتنا
أمنحيني وقتا
قليلا كي أموت
لأدرك رسولية لن تأتي
قبل أن نغلق نافذة السنين القديمة
أمنحيني وقتا
وأنتظري اللغة:
"سيأتيك منه الحرف، وكل ما فيه، وسيأتيك
من اسمي وأسمائي، وفي اسمي وأسمائي
سرِّي، وسر إبدائي، وفي سري: مخاطبتي لك، وإيمائي".
إذاً
أنتظريني قليلا
لنلون القوس بالغدر
والتقاسيم
بأسئلة طفلة ضاجعت براءاتها هذه الظهيرة.
تلاوين الجنون
الضوء: شرك
فأنتق نهارك بلا دليل
بلا امرأة
تحملك في صوتها
وتهشك عن القلب
بلا نافذة
تهربك صوب قارعة
النهارات
تسأل عن بلاد
لن تكونك
إنتق نهارك بلا دليل
بلا وقت
لا يبعثرك
مثلك.
عبد الرحيم حسن حمد النيل
- من مواليد أبوحراز شرق، عام 1987.
- تخرج من جامعة السودان كلية الهندسة ـ قسم الكهرباء.
- مدقق لغوي بصحيفة: المستديرة.
- محرر بالقسم الثقافي صحيفة: الأيام.
إيفا
قلت:
كلهم أفلتوا من الصرير، كانت ترتع في المنزل الخاطف بين فرجة الباب وبين مساء يقلم في الروح تمتمة طازجة / كانت ترتع صباحات من التصويب الملح / كلهم أفلتوا من غابة الإمتحان برسوب بليغ / كلهم / وجهها / إيفا وهي تقرقص علكة النسيان بين بحيرتين / كلهم أفلتوا من شفتيها /
وحدي إلى............................................ الضلالة الخالصة ؟
أنطقها الوحيدة
قلت والقبر ينشئ من نكتها لغة قديمة:
تعالوا يا المسافرين في شوارع نسياناتها، هذبوا أمسكم بغدنا المالح، طفقوا شهواتي لئلا تفيض، حدقوا، كأنكم ستفهمون رعب الشهقة التي داهمتني في هزيع الذهاب الصغير
كأنكم تعرفون قبل البداية... رعبكم، قلت، والقبر ينسج صكا كاملا من البداءة والوقت:
ها عافية المسألة تهرق أقمارنا الوفيرة ؟
ها دمي
يخلق طفلا سمحا على فلوات غيابك الباذخة.
لكنها ستتعرى على التيه كله، كلما ذهبت إلى الجسد، ساهرت السهوب.. ومضت إلى غموض الريح / لكنها ستومض ذاهبة إلى الإشارة، ستجهر مثل محنة داعرة / لكنها /
فلا تسعني دسائس النبل على نعشي الموشى بإنتظاراتها البهيجة /
لا تسعني جرأة.. أتقدم كلي إلى ألم التناهي.. لا يسعني فرااااااااااااغ.
لكنها الآفلة على أرجوحة المعنى، إذ يهدهد حرفا من العزلة / خائفا من هدوء المكابدة
آن تتسامر تخوم مغسولة بالملل مع ساحات الكآبة / لكنها...... ستنتحب.
وحيدٌ على أرصفة الطلسم
وقــــــد يعترف
1
الخرائط
هتاف الجهات المـُمـِض
صورتها الكشوف التي تموت نزوعا ًعلى أحوال الطول
والعرض
وهي ذات الخصومة بين الضوء والأسود
الهزيل
على إيقاعات الرفيف والمفاجآت النائمة
أكتب شهوتي في العراء المكلّل بالنسيان
شاهقةً في أنين الوحشة ووهدةَ المكابدة
وغائرةً في الأصابع الدقيقة للإنفعال
أكتُبُني على الريح وغيم المساورة والسطوات
فينمو
مطلقٌ في فلوات الشاهق.
2
أيها المحتضر خارج أشياءك
القليلة
يا كناريُّ التصاوير الجديدة
كيف
تموت ؟.<
3
يكتبني كالمعصية
أعتلي حبره
فيلوي على ورقه ويرسمني
يفهم كآبته
أكتبه.
4
يا مراياي
المنكسرة على إحداثيات الروح
من سيفكُ طلاسم صمتك
هذا العناد المقيت
على زواياك الميتة قبل ضوء ؟
ولماذا تكاثرينني في البعيد الملتصق بحواف
البدايات الهنا ؟
قلتُ ـ حين مسّتني أصابعك في نسيجي ـ
أصابعك المستحيلة ذات الأظافر المثابرة ـ صرتُ أهطل
نزعتُ وجهي من شجرٍ هناك وصرتُ أهطل
كادت شفتيك الموبوءة بنهر الشهوة
وعافية الإمتلاء
والورد ـ كادت تنزعني عني.
صرتُ أهطل يا مراياي
ضبطّتُني أسرب المطر الراكض في الأزقة المهدرة
للداخل
والدم
يشهد.
5
وجهي شريداً يقول ضياعي الطويل
عيناي تجيدان المساء عالقتين في طريق خرائبي
لا مناص:
مراوغةٌ سمحةٌ لأجل هذا
ومدىً رهيفٌ على قماشة السماء
فأَنسَ وجهاً طفلاً ـ أيها الضوء
وتناثر
أنتَ الصاعد على سمواتي
تبقَ نسيجاً
تَصاعَدْ على المهشّم
المرايا
على ما كنته من الموت
على الموت
ولتكن رفيقاً طيباً
إذ تجيء قسوةً من المستحيلات
وأرتفع معي إلى أُمومتي
حيث الأناشيد صاغرةً توغر صدر الغناء
تتماثل للسماء.
لا مناص أيها الضوء:
شروخُ صمتٍ، وكل سنواتٍ كالقفل
أستردوا
نوباتكم مورقةً تعدو من الفناء الأسيف
ولا تنتظروا
مجرات الرؤية تقذفكم على أبد الفلوات البعيدة.
[يا الذين يطربكم اللجوء لدمي ـ من شقائي تعبرون ـ تمرون بقلبي قبو النسيان ـ تمرون من عذوبة جرحي وتنتصرون لإبتسامكم
هكذا توجعون أمسي
هكذا لن ينقذ الموت طفل الخلود]
(الراكضون يرسمون بعصيّ العجلة أيامهم يرمون بها
من أوراق الخشونة والفقد والجلافة
يكتبون النافذة آسفين كثيراً، مسرورين قليلا
لما جرى أمس ـ حين صدقت الأبواب نشيجهم الزائف
لا تحزنوا عليهم...لا تحزنوا على أحد).
6
مطرٌ يطيل المساءَ
نجومٌ زرقاءُ تقود الروح
نائمةٌ إلى النهر
(كنتُ رسماً بهياً يتُها القصيّة
وطـَنـُكِ المكسور يستعيد نبوءاتي كي يرى الرجلَ
الذي يتقمصني، والزوارق هذه التي بين أغنياتك تتسلى بالدندنات
حيث الشهقةُ تفهم الأزل
القابع على جسر المصادفة).
مطرٌ يطيل المساء
شاطئٌ صخريٌ
قلبٌ صخريٌ
أعطني أيها الضوء ما خسرته لأجلي
أعطني ما ستخسره على المرايا ـ الغافلات عن تاريخنا معا
هاته ـ الخراب ـ كاملاً، أسماؤك منعمةً
كالإنثناءات... يا ضوءَ، طفلي... وأركض... كُن
صعودك بالضجيج الذي نظن، تُزيّن العتمات بي
وتمازج أجيالي في البعيد
هاتَهُ ـ البصر قاتماً ـ ما يعرف على استحياء الدم
ما يُعرف كما البنات يختبرن صبر البحيرة والمياه بأجسادهن.
7
جثث الأشياء تطفح في سطح الورقة
كلمات أسيرةٌ
يا ضوء
سنرجع
إنها بداءات تتخلق فيها الأقواس الكاملة
سنرجع:
هذا البهاءُ يفهم بعض مترادفاتُكَ
(لا مصابيح:
ركضٌ للتحايل على الحياة... يرتضي الراكضون
من الأمس المثلج كما مظنة ـ مهزوماً كجنينٍ لم يكتمل
يعني لا يرونه في حالاتي
يرتضي الراكضون هذا الصباح الذي يُقعى كبديهة على ذاكرة
الشيوخ
لا مصابيحَ:
دعوها
الأشياءُ أبوابٌ لا تفضي لكم... همهمات البلاط وصرير
الوقت السميك ـ كقلبها).
8
في المرسن الرابض تحت صوت النداء
يُقعى وطن الخراب رمادياً
ويركض.
9
الأوراقُ ـ بمساديرٍ ما وأحلام مؤبدة ـ شوهت بياضها المؤكد
حركت هذا الهواء الطفيف بين الحبر والشرخ حركت هذا الدم
مشعلةً
حرائقاً وحيدة على أمسيات الأمثلة
قَرّبت بهوامشها أطراف الكتمان
والتمتمات الطازجة على إشتهاءات الروح
وأمام أبواب الأناشيد والمفردات
أرتضت موقف السابلة أمام عصافير الآخر المنحدر من صيف
الإحتجاج
الأوراقُ ـ ذات بقعة حبرٍ هائلة ـ
أرتضت خذا النزوح السريع نحو طقس الثرثرة
بالعرق المعَتّق على أطراف المدينة وعقل المسافر الوحيد ـ بأسماء
كتلك التي ينطقها أطفالُ الكتابة لحظة الصمت الأول في درس الحياة المُمِل ـ
الأوراقُ ـ على أصابعي نفعل المزيد من السرنمات
نفعل كل الذي يخشاه الحرّاس.
10
يا فاكهةً لم تعثر عليّ قط
أيتها اللحن المرتبك قليلا / كثيراً على حافتي
يا وجهك الصباحي ـ الدائم الشغب
عمدي لي قصائدي السريعة، اقرأي عني نشيد الوقت
عسانا نفهم مَن هناك، لنعرف شيئا عن مصيبة العناد الماثل
فأفتح بالعالم ـ بريئاً ـ نهر الغناء المُعلق على أطراف الزمن الآسن ـ
اقرأي كل هذا الجسد.
11
لن يكون علي أن أعثر على الجهات لأسقي حديقة
الذكريات المهملة
إذن لن يكون عليكِ أن تجدي
حذائي لتفهمي ذكريات الطريق
لن يكون طريقاً
قبل أن تجف وعورة القبلة التي وجهها صمتك لي
على مقربة من صباح
اليوم
على مقربةٍ من كل صراخ الكائنات التي تطلع من زهو
الغيبوبة والخدر والمخاتل
لن يكون عليّ ـ إذن ـ أن أجفف هذا الَبللْ الحرام
الذي يتراقص بين ثياب الروح وعنفوان الخسيس الذي أربك اللهاث
لن يكون عليها النُعاس الحزين.
12
الشهقةُ ـ من صباح الأوراق المراوغ ـ
ذات النحيب السريّ الغارق في دهاليز عتمتها
الشهقةُ ـ بالأنين الزائف ـ لا زالت تنادي في ليل الصوت الآهل
بالمعرفة والمجيء المُلتبس ـ تصغي لزعانف
الوقت وهي تراقص أمواج السنوات الفائضة
قابعةً على زوايا الشريان ـ تقذف أوراقنا في عناء البوابات نحو
زفير المعنى ـ الشهقةُ ـ نعاسُها هذيانات الجسد المُعلّق انتظاراً ـ
تنتظر سلالاتها المهرقة في فضاء المفاجأة والإحتباس
وجهها الواهن بالكتب نزوعاً لصراخٍ قد ينفجر:
الشهقةُ
غواية الأنثى ـ منتصف بدء الحديث
والمبالغات
شحوبي اليكل دائما في النزيف.
13
أبد ٌقليلٌ كالرهان يفتح القلب بأوراقه
أيها الضوءُ، قَدِّم له عتمَاتها، عتمة شفتيها كالرحيل
قَدِّم له المزيد من ثيابك الصغيرة، قدمني له كمشروب عاجل، كتعب
كسير ومستوطن
أيها الضوء يا الذي نأتيك ـ قَدِّم لنا تلك المخالب العاطلة عن الأزل
أشياء صقيلة وطائشة، نرتِّب لك الوجه متمثلاً
لشجرة آيلاً لغربتي الوحيدة
قيد أملٍ ستشقى به ـ أعني سأشقى به.
14
قتيلٌ هذا النشيد
والحياة قليلة يا ضوء
الأوراقُ كما تركها السابلة على دمي، تتناسل في كالظنون
مقيدةً بسلاسل طلاسمي العتيقة ـ فأنفتح عليّ ككتاب الفقد
حيث يتولى أموري شتاؤك القاسي ـ شتاؤك بأغنياته القارصة
(كالراقص البارع على خيطه
تفركُ ورقة العالم بضجر
ثم تقذف الخلود نحو هذا الجنون).
15
هناك
ستغفل عن ما ترتِّبه اللعنات
ستغفل
حتى لا تريق صوتك ـ قبل الهناك ـ
هنا
ورقٌ مخاتلٌ وغريب
يغنّي وجهك.
16
النهرُ:
أن الروح تغافل الضوء ـ عادةً
كالنصل
كأن هاوية على قلبك
هكذا لا ضفة
ولم يمر غناء عبر هذا الثقب
النهر:
أبصرني أنزع جسداً
وأحط على مملكة البدء
غامضا
كاللاشيء.
17
مكسورٌ على هذيانه
تتقمصه الصور الكبرى
يتسلل في الصمت الواهن
يتسلل في العدم
يومض في كفيه العالم
يبرق في الفضاء القديم
...............................
الصور الأولى ـ الكبرى
تنهش رسم الذهن
ترسم وجه الإتجاه.
18
لماذا عليه أن يمضي
بعيداً........
أو........ يختنق؟.
19
(يا شهواتي
أيتها الغصون النحيلة كوجه أبي
يا شهوتي).
20
تعالَ يا ليل
تعالي أيتُها المصيبة
نثار من نهر يروض الألوانَ على البياض
والغافلُ الرشيق
مجنح الحواف
يرسم فكرة النجم وأسماءه
هل تراني أبصر التمائم على حال ما يكتبه الموج ؟
نثار ٌمن نهر هذا
اكتمال البداية لمساء الشتاء البهية
فتعال
يا ليل
تعالى أيها الإله اللعين
حسبهم الراكضون تكتفي بأشكالهم الدروب.
21
مشتعلا.
يترقرق مني النهر ذاته
أبصرني:
أغلِّف الشط بأحزاني
أُرتب الخلود والحياة في قبرٍ صغير
أبصرني:
أعلِّق الريح على هدوءٍ هائل
وأزجُُّ بالذاكرة في المنعطف الوحيد.
22
في البعيد:
لون الحمامة
لو طيَّرتها فصول المحاولة
لشرخ فضاء النسيان
في البعيد:
ما أنتظرته طويلاً
ولم............. أجيء!.
23
(........... وظلت عالقة في مشجب الذاكرة والغناء ـ
في دروب الذهن والشرايين ـ
فجأةً:
تشعر بها... لآخر مرة
فجأة:
في فلوات الكائن... الماء.
24
(........... أفعلنَّ يا أوهامي شجر المسادير الرطب، كي نفعل السماء
مستكينةً على غيِّها ـ
غيَّ النسيان، كي ينثر المساء بشهوته هدير الألم ويرتِّب غيم
المسألة
يا للمسألة
يا لمسألة الغيم وأحواله المتقلبة
هيا يا أوهامي إلى البياض نوفِّر عنه هذا السهر الجبان
هكذا مغلولا ًكأنما أستوفى شروط النسيان فتاهَ في العدم.
تعاليَنَّ
إليَّ في الحصاد المقيم وأهتفن معي:
غلِّف وجهك أيها الأبد بصباحٍ من الأطفال فها هي رسومك في يدي
توقد أورقها .... رياح
وها هما حاجباك على تلٍّ من الإهمال الذي لا يرتبه شريد
ولا يؤنثه شفق
أبدٌ كشرنقة المكيدة
وللقصيدة أسماؤك يا ضوء
للصدى صوتك يؤلف الأحلام كاللهب
في دمك أتبع المخاطبة التي يترنّّم على إثرها المقتفي
يقتفي
أمومته الضائعة عليك
إنه قدر النزوع الذي علَّمه معنى الرياح
إنه قدر المساء يتلفت من وجهها .... الأرض).
سنرجع:
أبداً يتعالى القادر
والغربةُ، طائرة تعلّم الفضاء ملابساته.
سنرجع:
موجٌ كما في غدير الفلوات
والكلماتُ مسمومة تلوث الأخيّلة.
سنرجع:
هذا طلسم الأمس ولونه على حطام الطريق الضيِّق... طريق
الحيوات.
أكلما أرتهنتُ إليكَ، يا ضوء...... أكتشفتك شاسعا، تترنح فيك
الجهات لاهثةً
تترنح فيك المشيئات ؟.
تجيء
يا ضوء إذ يضيع الحطام.
25
(للصدى خطواتٌ
للطريق مزاج الكمين
سأعدُّ الغناء طازجا
سأعد شِباك الحنين).
يا للمساء الذي يهدهد للحديقة ما تتعلَّم الحديقة في أنحائه
يا لك مساءاً يشتبه الغريق في أمره
يا لكَ،... صافني... أُحدثك على نهاية المساء القادر... أنت المساءُ
المُراق... تُنسَّج على قبضته أزمنة الصمت... ينضج في عزلته
صباح المغاليق
أيها السادرُ
يا شتاء "الزرزور" على أنحاء الروح
أيها الختام الذي يغلَّف بالعدم كي يعترف
لأنك
وحيدٌ على أرصفة الطلسم.
ضوء
لم تُريني تلك المرايا
إلا ظنوناً
لم تُريني إلا ابتعاداً عن الدم
لم تُريني إلا وجوماً
في نسيجي إلى جهة
فما الذي كان ضوءاً
. . . . . . . . . سواي ؟.
***
خالد حسن عثمان
- من مواليد.........
- يعمل في .......
- تخرج من...
صدر له:
- التماثيل، شعر، دار عزة الخرطوم، 2005.
- غرقى في المياه الجميلة، شعر، مبادرة برانا الخرطوم، 2007.
الجَّنَاح البَاقِي
كَوَتْهُم الحياةُ
بلفظِ جمرةِ الحياةِ الفاتنةْ.
عذّبَتْهُم
ملابسُ نومِها الخفيفةْ.
لوَّعَتْهُم
التي اْبْتسمَتْ فَغَوَتْ
وبَكَتْ
فَضَاعُوا.
هكذا تعرفهم:
كلامُهم حلوى
يُريدُها الصَّمتُ لأطفَالهِ
كلُّ مَنْ لم ترهُ أبداًً مِنْهُم
مَن تذكُرهُ عبثاً
منهم
مَن لَمْ يجرحْ قلبَك
لَم يَعِدْكَ بشيءْ
منهم
من لو صادفوا إخوتهم في المصيبة
لا يقولون
لا يُهْرِقُون لُعابَ الفضول إلى أحدٍ
ولا ترمش العيونْ.
من يَلْزَمُهُم
للحُبِّ جَهلٌ وغَطْرسةٌ
وللمَحَبةِ مَعْرِفةٌ وإملاقٌ
وللضغينةِ صبرٌ
وكِتْمانٌ
وصَعلكةٌ
ونسيانْ.
مَنْ يُغمِضُونَ العيون
كأنَّهُم يَعزِفُون الكَمَان
يَفتَحون العيون
كأنَّهُم الكَمَان
مِنْهُم.
الوحشيُّون
إلى حدِّ ينصبون أمام الزهرة العمياء مرآة ً
فترَى
زهرةً عمياء
مِنْهُم.
النقَّـادُ القَرَوِيُّون
للنَّبَاتِ الْمُعاصرْ
يقتلون ما لا يقولونه
يبنون المعابد
لا يدخلونها أبداً
مِنْهُم.
قُيُوْد
ذَهَبَ الحَائِطُ الأول
في الحَائِطِ الْمُطلَقْ
واسْتَغْرَقْ.
قَالَ:
قُيُودُ العِظَامِ في اللَّحْمِ والدَّمِ
والعَظمِ والدَّمعِ والعَرَقْ.
قيودُ الحقيقةِ بينَ الوَرَقْ.
قُيُودُ البِحَارِ طَافيةٌ
كالمياهِ فَوْقَ الغَرَقْ.
قيودُ الدُّيوكِ صَمتٌ
وبَيضَةُ الفَجْرِ تَنْضَجُ
تَحت دجاجِ الأَرَقْ.
قُيودُ الجَّبَانِ
يا عَيْنَ شَمْسِ القِيَامَةِ
هَاتِ الهُدُوءَ وهَاكِ القَلَقْ.
قيودُ البصيرةِ
خِفَّةُ ماءٍ نَبيلٍ إلى جَمْرةٍ تستغيثُ بهِ
من جمالٍ عليها اْحترقْ.
قيودُ الوُصُولِ
غِوَايةُ شَكلِ الشُّموعِ
تَبَرُّجُها على شمعدانةِ المفترَقْ.
قُيُودُ القَصَائدِ خَالِقُهَا
إشْتَهَى فأنْتَهَى
وسَهَا فَوَهَى
ولها
فَخَلَقْ.
قُيُودُ الطَّلاسمِ
قَارِعَةٌ هَرَبَتْ من قُصُورِ أبيْهَا
إلى كَائنٍ غَامِضٍ شَاقَهَا اْستدْرجَها للمَضَارِبِ
أوْحَشَهَا.
وقيودُ الجواري سَنْدِرِيْللا مُعَاصِرَةٌ
في فِرَاشِ الخليفة تَنْسى قصيدةً
لأبِي نُوَاس؛ خُصْلةً، شَرَفاً
وحَلَقْ.
قُيودُ الجَّنينِ
صَفَاءٌ يُعَكِّر طِيْنَ العَلَقْ.
قُيودُ الجُّذورِ
في ظلامِ صالةِ الأرضِ
شَكُّها في وُجودِ الصَّفَقْ.
قيودُ الجنازةِ
والقبرُ نَردٌ تَحت كَفٍّ بَدِيْنةْ
أن تَسِيْرَ كَهَوْدَجِ عَيْبٍ
يَدُسُّونَهُ بالعَبَقْ
وإنقلابِ الطَّبَقْ.
قيودُ الأيادي مطهَّمةٌ بالأيادي.
قُيودُ القُيودِ مُبْهَمَةٌٌ
كَخُيولٍ جَفَـتْهَا السُّروجُ.
قُيودُ العيونِ اتِّساعُ القيودِ
تَعَثُّـرُها في الرحابةِ
لونُ خيولِ العناصرِ تَسْبحُ
فَوْقَ مَكَانٍ
سَبَقْ.
مُرَافَعَةُ البَهْلَوَان
مَا تَرَاهُ أنتَ مُلْـكاً
أنا عَرشاً مُزيَّفاً.
ألاّ تَعرِفَ وصْفاً لِمثلي
ذلك شأنُكَ أنتَ
ومُلكٌ آخرْ.
القَاربُ الصبيُّ
يَمْشي على النَّهر بعُكَّازين
القاربُ المتصوف يمشي على الماء
والعُمقُ أن تغرقْ
سَطحيَّتي أن أُمَكِّن الزورقَ من سيرهِ
والغريقَ يَنجُو
وهكذا.
نَارِي
أعِرتُها للنِّيوْن والكِريستَالْ
صِرتُ مَجْمرةً فَارغةْ
صِرتُ على حالِ الرَّمزِ
أو على سبيل الخيالْ
صرت تحت رحمة اللهِ
والبهجةِ
والأطفالْ.
صرت في عداد الجمالْ.
قُلْ لي بربِّكَ أيُّها الفيلسوف:
أنا على حدِّ شَوقٍ ولهفةٍ
كيف يمكنني أن أقول كلمةً واضحةْ
في الليلة التي لا تشبه البارحةْ
في اْحتيالِ التماثيلِ بالصمتِ والإمتثالْ
أنتَ تَعرِف العُريَ تحت ذلك الإحتشامْ
تَعرفُ أن الوراءَ ليس إلى الخلفِ
بَلْ مَا وراءَ الأمامْ
تَعرفُ السَّريرَ الذي تَهزُّهُ الرِّيحُ للغصنِ
حتى يَنامْ
الثَّمرَ الذي يَقفزُ من طابقِ الأخضر
عندما يُشعِلُ النُّضجُ نَارَهُ
إنني ما تُسمِّيهِ أنتَ قفزةً فجاةً
في الظلام. ْ
ربَّمَا يا سَيِّدَتي
لا شيء يُذكر الآن
لا شيء على القصد يَعْنِي
وأنا أَعذُرُ أمثَالكِ
أعرِفُهُم جيِّداً
لكن
ربَّما أيضاً
تَمُرُّ علينا لَحظةْ
لَحظَةْ
تَخْطِفُ الرِّيحُ فيها ثيابَ الكثيرين منا
لَنْ تَمْلُكِي الوقت
إنما سَتَرَيْنَ تَحت ذلك البرقِ اْلأرضَ واضحةً
سَتَرَيْنَ ما يَكفي.
الْمُهِمْ:
عندما تَتَوَارَى الحيوانات
السَّلاحفُ تدخل في درْعِها
القَنافذ ُ تبدو مثل كُرات الصوف
وسَادَاتُكِ يَجْرُون بالسراويل
أنا سأكون الوحيد
تحت ذلك البرقِ
يَقول:
آه ياسيدتي
كَم أنتِ جميلةْ.
***
إبراهيم جعفر
- من مواليد مدينة كوستي، عام 1958.
- درس الفلسفة بجامعة الخرطوم وجامعة ويلز، والترجمة بجامعة الخرطوم.
- يعمل بالتدريس والترجمة ومحرر أخبار وتقارير صحفية.
صدر له:
- خصوبة القداسة، شعر، منتدى الزول لدراسات أهل السودان، لندن، 2004.
- كمانات الأغاني، شعر بالعامية سودانية.
- أشباح الرؤيا الشعورية، شعر.
- كيف أنام وفي دمي هذي العقارب، قصص.
عيون
أنا أخافُ العيُونْ.. أنا أخافُ العيُونَ الضَّاحِكَةَ كَرَقْرَاقِ ضوءٍ يتسلّلُ من نافذةٍ ناحلةٍ في ليالي السّهادِ المُغْوِيَةِ بالإحتراقِ الفاتِكِ الفاني للعاشقِ الوحيد.. تلك الليالي المليئةُ بالأرَقِ البُنِّيِّ اللَّونِ كَجرْوِ ـ طِفْل تتقافزُ قِطَطُ خَوَاطِرِهِ خَطِرَةً، خَطِرَةً، وبعيدةً، بعيدةً عن خَوَاطِرِِ أُمِّهِ المُطْمَئِنَّةِ به !.
أنا أخافُ العيُونْ.
أرضُ النّفسِ
الهاويَة
سُرَادِقاً، سُرّادِقَاً من الحُزْنِ أنتمي إلى هذا العالم وتنخسِفُ بي ألويةُ أعمدتي إلى باطنِ الأرضِ الغريبة، أرض النَّفْس ـ الهاوية، أيتها النفس الهاويةُ أنتَظِريني عندَ المُنعَطفِ الآتي لأيُّوب المُسْتَكْمِلَ صَبْرَهُ ـ أيّوبُ النافذُ في فراغِ عيونِ الفضاءِ الإلهيِّ الذي كان هناكَ ثمَّ نَسِيَتْهُ الملائكُ الحائكَةٌ الأبديةَ، نولاً فنولاً، حتى في انتثار ضجرِ الزمان الجديد، الآلةِ والإلهِ الجديد.
هلا أُناديكَ يا شفا الإندغام في الإنطفاء، يا سرى عجين كميت القماح في مُقبلِ الروح هواءً من السُّمْرَةِ، شميماً من السُّمْرَةِ، عبيرَ صلصالِ الكتابِ القديمِ والنَّفْخِ ـ النَّفَسِ، حياةَ "أَلَسْتُ"
هلا أناديك ؟.
التراب
أستيقظَ التُّرابُ في الصّباحِ
ذرَّةٌ توضَّأت بالشّمسِ لم تُطقْ
ضياءها الذي
أستحمّ بالنّهارِ
أستجم عند لحظةِ الشِّهودِ
في سريرةِ الأُلوهةِ ـ الوجودِ
بداخلي أستكانت
أمتلأتُ حتى الحلقِ بالتُّرابِ
أستطال
وأمتلأتُ من قدميَّ حتى الرَّأسِ بالتُّرابْ
صرتُ في حقيقتي ترابْ
صارت إستكانةُ التُّرابِ
في مُبتدى
ومُنتهى .
***
لنا مهدي عبد الله
- من مواليد الخرطوم، عام 1969 .
- حاصلة على بكالوريوس التاريخ من جامعة عين شمس، مصر.
- دبلوم في الصحافة من لندن.
- ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والعنف ضد المرأة وحماية البيئة.
- تعمل صحفية.
صدر لها:
- حكايات المرأة التي ثنت الريح، شعر.
- لا، مقالات رافضة.
أمنية
منّني
وأحمل الأحزان عنّي
وأنثر الألحان فناً وجمالاً وتمنّي
كل هذا الحب منساباً بدنّي
أن أكُنك وأن تكُنّي
بسماتٍ ووفاقا
ولقاءً واشتياقا
وانبثاقا
لمعانٍ لم يجسدها المُغنّي
حين يمسي القلب تبرا
وتفيض العين سحرا
ويكون العشق بحرا
ويفوح الكون عطرا
لن أدعك
ولن تدعني
فأنا قد كنت أحيا
بإنتظار الفجر كي يُشرق وحيا
فأتيت اليوم يا من أنا منك
وأنت منّي
منّني.
دارفور
دارفور في الأوطان رمضاء بجوف قصيدها لهب ونار
الدمعة الحرَى على خد الرمال تنوح "مزقني المنون وسامني العسف الأوار"
هذا البيان وريد قلب راح في إغفاءة التاريخ دثره الودار
وتلبدت سحب الخلاص وناوشت ـ ملتاعة ـ وجع القفار
يا أيها السالك درب الصبر مكلوماً ملوكيَ الوقار
يمشي على درب النزيف
جريحة قدميه وضاء الجبين تلألؤاً وحبيبة "دار ودار"
بوابة الغرب التليد حضارة ومراتع الأبطال صنَاع الفخار
ماذا دهى العملاء حين تلطخت ـ وزراً ـ أياديهم وكللها الدمار.
***
دارفور في الأوطان رمضاء بجوف قصيدها لهب ونار
حبات دم طاهر روت الدروب فمزقت زيف الستار
إن لم نمد يد الأمان يذمَنا التاريخ تذكاراً وتبياناً وعار
سمر الجبين شجاعةً
بيض الضمير نصاعةً
عطر القلوب وداعةً
لا يهتز جأشهم يخوضون الغمار.
***
دارفور في الأوطان رمضاء بجوف قصيدها لهب ونار
تحنو علينا
تنعطف
حباً إلينا
هل رأيتم قلب أم قد تصلَد أو تجمّد ثم جار؟.
***
ناجي البدوي
- من مواليد العام 1975.
- تخرج من جامعة أم درمان الأهلية، بكالوريوس محاسبة.
صدر له:
- عضلة الأمل، شعر.
- هزيع المفازات، شعر.
- مأكولات اللَّون، شعر.
- عن عرائش المُتفكك، قصص.
هـــالات
أنبُتُ هنا
في غُربة الصخرة
التي أستريحُها منذُ ملاواة حنيني
إذ كُلما حلّقت داخلي بوّابةٌ
جرحتُ غيبوبتها بالنسيان.
ينبُتُ جناحٌ صغيرٌ
في طرف العافية الأثيرة
وحلمة مسرّتها، ذات دُمُوعي
وليلي والهالة التي أُبقيها عاريةً
في دمي.
لا اللّونُ
لا الحنانُ المهزومُ
لا الترويضةُ التي تنقُشها النّفسُ
في هذيانها أثناء البصيرة
ترفعُ
سرّ الكائن
عن نُواح ورقتي.
ينبُتُ الوجدُ
بوجهه المعروف
من تحت عٍرقٍ يستره الألمُ بداخلي
ها أقولُني
في الفم النّاعم ـ فم الألفة التي تسرحُ ضفائر على كتف عماي.
النّهايةُ تبيضُ
ألمها في طريقي وتطير
فيرتديني الشّوقُ الأسيانُ
كلما سقطت بداخله
مُعجزةٌ تعرّقتها "كوش"
أمام قوس البنات المُتحلّقات
حول ظنّي.
ها قد تركتُ
هالته تُقرّصُ هالتي
بخيال رقتها
الشوقُ المُوحشُ
يُدمعُ النّهاية التي تبيضُ
ألمها في طريقي
ويفر.
منذُ عنديّتي
أقولُني ماسكاً الوجد
من خاصرته التي طيورها تنقُدُ حسرتي
ها الوجدُ
يلثُمُ الخدّ الذي غافلته في سرّي
ويُربّتُ على
الشجر.
قمرٌ ينامُ
على حجري
ويذرُفُني
في نفسه
أنامُ والقمر
الذي يهذي أثناء حجري
فوق سريرة
النّبات
ها يقُولُني
الطيرُ لريشاته
التي غافلت عُري الغُروب
في دمي.
كُنتُ أقفُ
بقدميّ الورقيتين
أمام خيال العطف العجُوز
مازحاً
أُردّدُ
ما أرانيه المجهولُ
من منالات
أُردّدُ هديل نفسي
داخل رائحة العُيون
التي نقشها الفقدُ
على أغلفتي
الصغيرة.
أقفُ
أثناء نفس السطر
والشجرة التي تدمعُها صبوةُ بوّابة
جرحتُ خيالها بالنّدم
ها يقُولُني قمرٌ
سينامُ على حجر سهرته
فيما
أُناولُني
ألأرقام
التي
سقطت
أسفل
القلب.
رأيتُ الوصال بعينه
يرقُدُني جُلّ الحديقة الأسيانة قُرب ضُلوعي ـ ضُلوع
الطيش الذي يقتسمُ السطر
والحمام المفضُوح
أمام نفس السطر
رأيته فيما أرتنيه الشجرة ُ
الواسعة
أسفل
الظّفر من ليونةٍ يُراقصها
حنيني.
الثيابُ
تظفُرُ كما العين
بالعيدان الرّقيقة للجسد
الثيابُ تقتسمُ المُشاهدة المدلُوقة بيني وبين عُري الجمال
لمّا تنزلقُني ليونتها ـ ها الألفة التي أرقّقُ غيابي لأجلها
ها هو الأمل ُ
يُنيرُ هالتي بالضلالات.
الجبالُ المرخيّاتُ
وهذيانُ حقائبها السّهران
تنزلقُ في دمعي
تسيرُني أشواقٌ وغيبوبتها المُعلّقة حول عُنق المجد المُتهدّم
يسيرُني الأثرُ في دمعه
الجبالُ المرخيّاتُ
وعُواءُ
غُربتها
تملأُ
ثيابي
بالعرفان.
في عنديّتي
أسمعُ
صُراخ
السُّطُور.
حبيبيَ الأثر / غيبوبتي الأحذية
منذُ الوجهة
النِّسيانُ
الوسوسةُ
رفقةَ الضَّلال العارف
يدخلون اليد
فأصير البضعة الشاردة
في الأثر ذي عوائه الذي يتبضَّع كسل القمصان التي نسيها الوقتُ على حيرتي
ونزل عارياً في النَّوم.
قاصداً الأُكال الماهر
وبصيرته في السقوف المعجونة كلها
سقفٌ يأكل/ سقفٌ يتعبَّد/
سقفٌ طائرٌ/ سقفٌ سقف.
قاصداً اللَّون
في أُكال الضَّلال العارف
أتبضَّعُ اليد الموضوعة في الأثناء
غيبوبة اليد الأولى وملامسة المجعُولات النَّائمة قرب خيال اليد
فيصيرُ أولٌ الأثر
نٌواح أحذيةٍ قذفتها مسافةٌ، ستلُّمُ أصابعي حول أٌكال الحلمة
والسقف/ الشهوة المنشُودة
تصيرُ المسافةُ غيبوبة إذن: وسوسة "جَلاْكِينْ"
في ذاكرة حبيبٍ حبيس.
البضعةُ
الضَّلالُ
النِّسيانُ
يغرفون اليد من دمعة الأثر العارف
يقفُ نهارٌ بحاله تحت لسان المعنى
حقلٌ يُصفِّرُ
أثناء الخُضرة المُنزلقة من خيالي على رُكبة الوقت
خيرٌ يركُضُ
غُزاةٌ وجيوش.
"عَرامِيصٌ" الوجدان
تأكلُ ما تركتُه من جسدي قُبالتها / النُّور
أنقُشُ في القُبالة الذَُعر الذي ذُّعر
"العَرامِيصُ" التي وجدها النِّسيانُ
عارية في دمي الأول / دمي المكوِّع على وسادة الأيَّام خارجي
فأنتحبتُ حين لم يكن فمي فمي
ولم يكن مجعُوليَ الغُفران.
يقفُ شئٌ
يُعينُ العذوبة على مقدارها الشارد
أثناء خضرتي.
المكانُ:
بضعةُ حيواتٍ صغيرةٍ
على خاطرة اللَّون ـ قُلْ سافنَّاي
فأقضمُ الصَّرير كله، منذ الشيء نازفاً الوجهة التي تذهبُ في الجسد.
خيرٌُ سُودانيٌّ
يرفعُ سقالته فوق أرض السَّافنَّا المنسية
فيًرى في أحذية الهُناك / المظلووووم
يُرى رافعاً سقالته على أرض جنَّتي.
كمْ يُؤلمُني المقدار
كمْ بُغيةٌ في الشُّرود.
يَعبُرُ الساحة بابٌ أخضر
بابٌ ضريرٌ يعبُرُ الساحةَ إلى منزلةٍ في يدي
فاُحَضِّرُ اللَّمَّة لمعشر الورق
أُخَضِّرُ الصباحَ
بالقُبل والعلوم.
البُلوغاتُ ثفلٌ
هنا تمُورُ السُّرعانات
قُدَّام جنَّة الجسد.
البلوغاتُ ثفلٌ
هناك لن ينجو نسيانٌ
لن تعوي جهة.
البلوغاتُ ثفلٌ
ها أحضِّرُ المأدبة للخير المرتاح.
أُريني الحلمةَ
في خيال اليد التي دخلتها صحبة أُكال الهذيان
ولم أجد الأثر
أُريني الجهة الخجولة وحجاب الخضرة
المدسوسة
في الجسد.
البُلُوغاتُ ثفلٌ
والأحذيةُ
صرااااااااخ.
***
نجاة عثمان
- من مواليد مدينة ودمدني.
- تخرجت من كلية الفنون الجميلة والتشكيلية بمعهد الكليات التكنولوجية ـ جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا حالياً ـ، 1987.
- عضو إتحاد الكتاب السودانيين.
صدر لها:
- الزنبقة الأسطورية، شعر.
- الزمن الفلاني، شعر.
ما أنت غياب
ثمة برقٌ وسحائب
وشراع لاح بأفق وظلال
يهتز الشجر
يثور الموج
ويهدأ
تنسدل ضفائر عشب
عبثاً أحلمُ
وجهكَ في وجهي
نتصارح أو قل نشتجر
وما في القلب يقال
يجتاحك شجن
يتصاخب حزنك
لا تبقى منشرقاً بالدمع
كما شلال
تتناثر كل حروف اللغة
بدرب اللقيا
أتجمَّع
شفتين تقولان تعال
الليلة يسهر كل الأحباب
هل نوصد دونهم الباب
الشوق إليك تصاريح
ضجَّ تناغم
ها هو ذا يتسلَّق سوراً
كاللبلاب
ما أنت غياب
الليلة يصخب كل الأحباب
أتجمَّع شفتين تقولان تعال
تنسدل ضفائر عشب
وعصافير تغني وظلال
الفرح الليلة يضحك
يرقص يتواري
يندغم عذاب
ينشد جمع الصبية موال
ثمة برقٌ وسحائب
وشراع لاح بأفق وظلال
يهتز الشجر يثور الموج
ويهدأ
تنسدل ضفائر عشب
وعصافير تغني
ورمال.
حلمت بحلم جديد
حلمتُ بأني نجيمة
بضوء كلون البنفسج
بكفي أحفر غيمة
تناثر منها رذاذ المطر
على وجه تلك البنية
البنية كانت حزينة
فأفرحها بلّور المطر
وراحت تغني لحن الخريف
حلمت بأن الشوارع كانت رصيفة
كعقد بجيد فتاةٍ
فرُحتُ أجوب الشوارع
تُفتحُ بعض النوافذ
خلف النوافذ
أعين ترنو إليّ
ثم تُواربُ تلك النوافذ
عندها كنت صحوت
حلمت بعرسي
على وجهي الخمري
أسدلتُ طرحةً من قماش شفيف
بيضاء
كنت حافية
شُدّت يدي بقيد حريري
صرخت
لكن بلا صوت
بح الذي لا صوت
صارعت قيدي
وفوجئت بالصحو
لم يكن القيد شاداً يدي هناك
كانت هناك بعض الورود
بعدة ألوان
واحدة حمراء
ونمت جلوساً
حلمت بنسوة
ينادين أطفالهن
أباريق فضية
وأكواب ينصع منها الحلي
الحليب المشاكس
للرغوة الطازجة
وللأمنيات
علت وجه كل النساء ابتساماتهن
تصورت أني سمعت غناءً خفيفاً
بلحن شجي جميل
أفقت وعدت إلى النوم
ما قبل نومي بحضن النعاس
حلمت بحلم جديد
لوحة تتراءى لعيني
بحجم السماء
يتوسطها وجه ذا الرجل
كنت أرى خلفه كان يشف
كيف أرى خلفه
رجل من زجاج ؟؟
منظر للمدينة
حافلات تمر
وقوس قزح
شجر يهتز ثم شروق
لشمسٍ كبيرة
نهار
لم أستطع الآن نوماً
حلمت بيقظة
أمامك بلورة من مطر
تُناثر بعض الزهور
بألوان شتّى
وأكواب مملوءة بشراب جميل
وتفاحة بعض خبز وملح
كراسي وثيرة
ترن على البعد ضحكات
كل الذي أحب
أحس حوافر خيل الذين مضوا
في الطريق البعيد
توقع لحن الإياب
أنام فأحلم أني نجيمة
بكفِّي أحمل غيمة
تناثر منها رذاذ المطر
على وجه تلك البنية
البنية كانت حزينة
فأفرحها بلُّور المطر.
تعال
كالخيل جامحاً تعال
كطفلةٍ تلح في السؤال
كوردةٍ تضجٌّ بالرحيق والندى
كرجع صيحةٍ من الصدى.
تعال
كما المدافع الصواقع
كومضة البروق
أم الشموس إذ تعود
في الشروق
كإنطلاقة النبال.
يا سيدي تعال
بأي صورة
كالبحر مالحاً
كالنهر عذباً
كالغناء إذ يشدّه النشيد
عالياً
مرفرفاً مثل النسور
في المدى
عُد أبيضاً كما الحمام
منشنجاً كما الغمام
ومثلما يجيئنا المخاض لحظة الولادة
أقوى من الإرادة
عد سيدي متمرداً
مندفعاً
كالأزرق الصخاب
لحظة المآب
عُد سيدي من الغياب
يا أيها الملئ بالشجن.
تعال
ممنشقاً سيوفك النصل
أقوى من المحال
طل
وحل
فلْتَجُل
من هامة الرَّجاف طُل
من صفحة النيل الجميل حل
إصدح غناءك الجميل أو فلتبتهل
في عباءة الأبيض
أو في حلة الأخضر عند الضفتين
يانعاً فلتنسدل.
يا سيدي تعال لا ترتمي كظل
سفينة تمخر في العباب
تغيب في الغيوم والضباب
يحفها الموج العتي
راشقاً رغوته كما السحاب
والغيم وردي وحلمنا بنفسجي
يا أيها الندى عد
عد وألتئم
دع هذه الجراح تستجم
ولتنسجم.
تعال
مبللاً من المطر
يا قوسنا القزحي إذ توشج الندى كشال.
تعال
تعال
تعال
تعال
يا وطن
تعال.
***
هاشم ميرغني
- من مواليد أم درمان، عام 1968.
- حاصل على الدكتوراه في النقد من جامعة الخرطوم.
- أستاذ بكلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان.
لم يصدر ديوانا لحد الآن.
العاشق يصنع آخر الليل عرسًا بهيجًا
كانت المصابيح
في الهزيع الأخير من الليل
مطفأةً
والمغني بلا مطٍر بلل الروح
يمضي
مبللة عقيرته
بالشموع النحيلةِ
والرمل
والفاتحينَ
هذا انحسارُ الفصولِِِِِِِِ الأزاهير
عن ساحل الروح
ـ فاجئهُ عيرُ هجرتها صوب سِرب القطا ـ
أستضاء المغني:
الحبيبةٌ غائبةٌ كالكتابةِ
والأماني
لو تفاجئه الآن طالعةً
من مسام الشوارعِ
أو تهدهده كي ينام
إنه يمددُ الآن
جسرَ الغناءِ حتى أقاصي
الخليقةِ
شيئاً
فشيئاً
تستفيقُ الشوارع ُ خالعةً
ثوب أوزارها والقتامة
البنات تقاطرنَ
بسعف النخيل / الصنادل /
والقرمصيصْ /
أصطنعنَ بتلك الشوارع ِ
آخر الليل
عُرساً بهيجاٍ
ثم أشعلن هذا الفضاءَ إلى
سُرةِ الشمسِ ِ
بالندى والرحابة
بغتةً
تستفيقُ الشوارع ُ مقفرةً
كالرصاصة
والمغني بلا مطرٍ بلل الروحَ
يمضي.
بقيامة النشيد طائشا كنمر
شهابا رصدا يمرق الأخضر بن يوسف بين أوراقه / طليقا من قيد أسمائه للبياض المحبب
للروح
هكذا شرع الأخضر إذن:
اللحظة الأقل ترقعا لفتوحات
الكتابة / وهلة عماء الحبر
وأطباق العي يشرع / تندب حروفه مثقابا يفري
خشب الورقة
وبالدم الزكي يبني ست فراشات وقمرين.
هكذا إذن
ينفض الحبر عن وجهه
ويرفع كائناته حتى ذؤابات المعنى الذي لن ينبجس نبعه أبدا دون جراحات ورماح.
من ينغل الآن
جرحه لقيامات النعت ؟
ومن يضفر لهذي الفلاة نهاراته لتنهشها الجارحات ؟
سيمر الآن بقمرين
ونبع
صبايا
وبازلت
صوى لحين وصوله لعتمات الضوء / ومن نقطة
حبر واحدة
سيشكل مخلوقاته كما يهوى:
ثغر الصبية التي سيجت شرايينه بالرياح، البنات
اللواتي يوسدنه
النطع ثم ينكرنه أمام الخليفة، نسوة يوسف
في طقسهن العائلي البهيج، وما يفتح الليل
من أبواب وحشته الأزلية ـ من راجمات
يمحو الأخضر بن يوسف ما كتب موقنا أن نبع
المعنى
لن ينبجس أبدا من متاهة الجنرال، من بين يديه
وحتى لا يبهت
الناقد الفوضوي بالتباسات
التأويل لا يعوزه الإيقاع / البحر
ولا النص / المدى.
يتوهط
الأخضر بن يوسف حينها قصبة
الوقت
ليكتب كما لن يكتب أحد:
(للقلب آيته المضيئة)
لإنفلات الروح أن يلج التحدد
في حليب للقصيدة
للقصيدة
أن تسائلني قليلا
عن لغز فوضى الدال والمدلول
في لغة نسميها بهارا للشجر
للريح ذاكرة المطر
للون
أن يرقى انحناءك
مارقا
من قمقم الباه الفصيحة
جذع صوتك
راسما بالضوء
بنتا تستحيل على يديك حمامتين
وتنطفيء
لي
دفقة الطمي الحبيسة
في نحاس النهر
نسغ بداوة النخل التخلق
في مشيمتها
ولي
شهقة الطير الذبيحة
قبل رفرفة الولادة
وحشة اليرقات
بسملة النشيد المر
صوان المقدس
ساحة أولى لهجرته / الغناء
تنفلت قصيدته، الأخضر بن يوسف
وينفلق كنواة.
كيف يلملم الأخضر ما أنتثر من آنية الكتابة ؟
ها هو
الأخضر مرة أخرى أمام
الأبيض / المستفز/ العصي يستنزل
رحماته لإنفلات المجرات من ساحل
السبي/ لبهاء سنبلاته الألف /لتنور صلصاله مارقا بين طين وماء
له جحفل المارقين / استغاثات الطرائد/ جمهرة الطالعين من الصحو /
سلالات الرافضة والزنج / وما تحلب من ماعز في الأراضين.
به ما يفتح الله للناس من رحمة، مهماز سمواته
وردة كالدهان
بسملة الوقت والطافشين، حنطة جماع مبعثرة
في الأعاصير.
لا يأبه لقساوة الفلز، ولا لتحولات الكيمياء
ومثل منجنيز
هش لا يتأين نصه بالحرارة، ولا يتبلر إلى ذهب
دوائره لا تكتمل وفوضاه إلى سكون.
هو الكائن المرتجى
في الصلاة
الغنوصية
اتسخت أسماؤه الآن
بالمتنزل بين سرابيل قطرانه
نسل طواويسه الخضر
نوق عصافير.
اتسعت
أراضينه
من مديد خطواته
عيسه ناشز فوق سقف الصروح
ممردة من قوارير
ومحاريب
وأباريق من فضة
رغو انفتاق العناصر من دهمة الطمي
تخمرها في مهب
الحواس!
من ذا الذي يستغيث بأوزاره ثم يصهل
في الريح .
من يلج اللغة المنسية
في شرايين أمة الأرض
متحدرا لخمائر المعنى المستكن
بالبياض المستفز/ العصي
منذورا لخلايا الدم والشهادة ؟
من يحرث سكة الرمز ـ دمه.
لينبلج ـ برقها
اليضيء جذع النخيل الأخير
للدم
لإحتفالات الريح
بدورتها الأم / بياضه ؟
من يفتح للصافنات الجياد
قصب مزاميرها / البوص
ومن يرفع الطرس
للملكوت المهيب
ليتلو
لهذي السماء التي اتسعت
ـ حين فاجأها ـ
بخلايا النعاس
مواثيقه الغائبة.
..........
..........
أنغلقت دهاليزه الآن، الأخضر بن يوسف
وأنتهى إلى عزلة.
يا سعدي يوسف
بشباكك المذهبات كريح
بجمهرة كواكبك النيرات
بقيامة النشيد طائشا كنمر
كيف أغويتني
لمزاريب نصك
الملتبس؟.
فتوحات دمه على أطلس الحبر
بياض
بأربعين حبراً
وأربعين بياضاً
يجاهد أن يجلس
نثّ الغيابات
أنس الحبيبة
وما أسّاقط ليلاً من عسل الحنين
وفي النهاية
لا سوى ملح اليأس
يرشح من مسام الورق.
بنت
نازلةً من بهارات غبطتها البراح
إلى دوائر صبابته
يسيجها بشرنقةٍ
من حروفٍ
آجرٍ
وزجاج ندى.
البنت التي يحب
تقول هكذا حين تلج بهو طقسه:
حجرتان وصالة
وأربع نوافذ مغلقةٌ
كالحنين
ضفيرتان
أنثويتان
تخضّه باستقاءِ الوداد الدفيء
وتبسم
لتضئ أقبية الروح بالزبد
بينما
مشغولٌ
بمسارات متاهةِ الجسد قبل قيامته الأخيرة
وما تبضُّه النهارات
من بهار النعمةِ
أيتها تسربها كالقطاة ؟
سأفتح باباً من الصمت
والريح
ثم أغلقه كالقصيدة
............................؟
أرسم داليتين وغصناً
وأقترح الريح ساريةً للخرافة
والرمل قاطرة للخلية
والوقت مسرجة لا تضئ
............................؟
بلى
أؤاخي على جثة الجب
عشرين قافلة أن تمر
وأسرج هذي المفازات
في زرقة الروح
فإن شرد البرق ريح ؟
............................؟
حزيناً
بلى
سلاماً
سلامْ.
الفوضوي
هذا الفوضوي
واغلاً في هذيان الصحو
وبخار اللغات
بحدائق غلب
وخمر فاكهة
يسوي تمائيل أنثاه
غرابيب كونه
مما استسال من ريق القواميس
من جذاذات اللغة المستكنة
بحرائق النقطة والحرف
ينهض في السكاكين
له:/ قافلة الأسماء الحَسَنةِ
وثنيات النعت
به:/ ما يزاوج الظل والنور
بآنية الحقل
وسيرورة الماء في أول الكائنات الأليفة
سمتُه:/ سيرة النخل للصائدين
وقيامته:/ حرائق آب
ليس له أن ينفض حبر الفراشات
عن وجهه
تنهشه لذعةٌ لبراري الغناء
الشسيعة
يستصحبُ النفري وديك الجن
والطواسين
ويعمُهُ في العتمةِ
يوغلُ
كيف له
أن
يسمّي الأشياء
بأسمائها:
الدم:
محض الفجيعة
الطير:
قنبلة الريح
الصوت:
شرخ فخار الهواء
تاج الطغاة:
قناطر السوس
والأدخنة:
أنتِ أول المصابين بي.
يؤول إلى صمته
متشحاً بالمساءة
له أن يرصد الآن: /
فتوحات دمه على أطلس الحبر
نقر عصاه على الغائبين
غيابته / لا عمى ورده
صفاقته لا سيره أزرقاً في البياضْ.
كيف له
أن يسمي
دون أن تنفجر القبة الأرجوانية
بالمادحين؟.
نسوة الممرالفسيح
في ممر الهواء الفسيح
كن يجلسن
يدرْن صبّارةً مرّةً
عن وطنٍ
وحيدْ
ويرتِّقْنَ هشاشة ذكرياتهنَ بالنحيب
يحتسين
ما تحلب من أثداء بهجةٍ
غابرة
ثم
كما فجأة،
يفتحن حقائب الذكرى ـ معلقةً فوق أكتافهن ـ
ويرحن في نشيجٍ / حليب
الهواء
الذي لوَن وجناتهن بالبريق
بدا ساهماً ينتظر بغتة هطولِ
الكلام
هُنّ الآن:
يستحضرن جلبة الضوء في الأقاصي
قاطرات القطا وهي تعبر مستطيلات الفراغ
عشبة الذكرى الينسجنها على لا نولهنّ
ودون أن ينتبهن لمحاريث العاطفة
تسوخُ أقدامهن مرة أخرى
بطمي الوحشةِ.
النسوة
اللواتي يحملن بحليبهن يبقِّع ملاءات
الحبيب
لن يجدي سوى
شركِ العربةِ / الفخِّ
سوى ما يفح الدخان من القبرات
سواي !
شص
بشصِّ تحاريقه
كونه طافشاً هكذا:
شَرِقاً
بمقامات
عليائه
يشتهي
أن يطيّر أقماره
في سماء حريفة
يقبض ما أفلت الميتون
يشتهي ما يرثه
وينشج .
حمى
تشرّختَ
يا مثخناً
بالعذابات
قِفْ.
***
أسامة علي محمد
- من مواليد العام 1969.
- تخرج من كلية الآداب بجامعة عين شمس 1992.
- يعمل في المجال الصحفي.
صدر له:
- صحراء الورقة، شعر، مطابع جامعة الخرطوم، 2000.
- إجتراح الكتابة، شعر، 2005.
اجتراح الكتابة
نحوي يطير الطيرُ
أغمضُ
لا يبالي الجفنُ منغلقٌ على الرفض أم الأحلام ؟
يدخلني
يخيط الحلم من أطرافه حولي
يشاغبني قليلاً يستحمُّ في مقلتَي.
وفي صباح الحلم أنسى أن أمي سوف تسألني عن الريش الذي نسيتْهُ أحلامي على الأهداب
أمي وحده الطيرُ أستباح الحلمَ
وأفترشَ الرموشْ
وقرأتِ لي:
إن المدينة تستحمُّ بذنبها، والقرية السمراء تقترفُ الصغائر وحدها دون الكبائر، تستعيرُ النيلَ مطفأةً، وتغسلُ ذنبَها في اليوم مرّات، وأن نساء قريتنا ـ برغم سهولة الإبحار في اليوم المسطح ـ يغتسلنَ من ليالي الإنتظار ظهيرةً في النيل يدنينَ البراءة لا يسئْنَ الظنَّ بالأشجار، لا عيناً تلصُّ، غسلتُ ذنبي ما أجترحتُ سوى الكتابة في الرمالْ.
وكتبتِ لي:
إني برغم صعوبة الإبحار في طقس الهواجس أصطفيكَ ورغ آلاف النواقيس التي علّقْتَها في القلب أسئلةً ترنُّ إذا شهقتُ محبةً، كيف أحتملتَ الوحشةَ الزرقاءَ وحدك تحت أشجارِ القصائدِ، تجمعُ الأفكار ؟
كيف دخلْتَنِي في الحلم أغنيةً بلون الأمنياتِ ؟
بمن ملأتَ سلالَكَ المتأنقاتِ ؟
وما العصافيرُ التي علّقْتَها فوقَ الدفاتر ؟
من عشَقْتَ سواي ؟
ما الذنبُ الذي أقترفَتْه أمي كي تعيدَ صياغةَ الأهداب تجمعُ ريشَكَ المنسي بين مدامعي ؟
بلّلتَني بالحزن
والشجن المعتّقِ
والظنونْ.
لوحة
تقولُ:
أحبّ أن ألقاكَ قبل اللونِ
تكذِبُني
أصدّقها
كلون ضائعٍ في ضجة الألوانِ
تنثرني خطوطاً
شاكلَ اللونُ ضياعَ الفهمِ
أقصى اللوحةِ الإيغالُ في التفصيلِ
غاصت أعينٌ
وأرتدتِ الأبصار خاسئةً.
كما (أهواكَ) لم تؤمنْ
أشدُّ الناس كفراً من هدى التوصيلَ
كلّ الفهم أن ألقاكِ
مشتملاً
حكاياتي
ومنفعلاً
بأنّاتي
ومشتعلاً
كما ذاتي
وكل الشعرِ أن أهدي رعاة اللونِ
جوفَ اللوحةِ
الأمواجَ والإبحارَ
في معنى أحدده بلا أطرٍ.
أحبك حين تكبني ولم تؤمن
أعيدُ الرسمَ
أحشدُ كلّ ما أبقيتُ لليوم الذي يسري
لعل الفهم يشتعلُ.
أحبُّكَ ـ قالت الأعرابُ آمنّا ـ
وأخشى عاذلاً في داخلي حتى ....
وأخشى ثُقَبَ خيمتنا
وكل َّ ثقوب أمتنا.
نعم أرعاكِ في ذاتي
ولكني ...
وأرحلُ مثل أعرابٍ
تنقَّل بينهم
خوفُ وآمنّا.
***
يصوغُ اللوحةَ الرّملُ
تغوصُ حوافرٌ
يَصْفرُّ
فَهْمُ اللوحة المسجون في حبرٍ
بلا لونٍ
نعم قد قالت الأعراب آمنّا
ولم تؤمنْ.
حكاية
ويُحكى حين يُحكى :
أن قريتنا ـ قبيل تنبِّهِ الأزمان للتدوين ـ كانت تستفيق على صراخ أمهاتها السمراء حين تساقُ قرباناً
تنام القرية السمراء حلماً مفزعاً
يُحكى
رأى السلطانُ أن الطلح (*) يذبلُ
قيل:
خوفاً
قيل:
خشية نارِهِ
أحترق المفسرُ
أجْمَعَ السلطانُ، أن الأمر لا يحتاج تبياناً
دماء جميلةٍ تكفي لجعل الطلح ريّانا.
متى في كل عامٍ ؟
كل يومٍ
كل ماذا ؟
أم ترى أضغاثُ
سلطنةٍ
رأى فيما يرى الصاحي
وأصدر في غياب النوم فرماناً.
تعتَّقَ بالدماء الطلحُ
ناحَتْ
نسوةٌ
فاحَتْ
زهورُ الطلحِ عطراً غامضاً
باحَتْ
شفاهُ القرية السمراء للنيل
ليهمس بذرها طلحاً على الشطآن صار الطلحُ ـ فيما قيل ـ بعدُ على بلاد النيل سلطاناً.
***
رأى السلطان أن شجيرة الحناء.
* الطلح: نوع من الشجر يستعمل لتزيين العروس في السودان.
***
نجلاء عثمان التوم
- من مواليد الخرطوم، عام 1975.
- تخرجت في كلية الآداب، جامعة أمدرمان الأهلية، قسم اللغة الإنجليزية.
- حصلت على دبلوم عال في الترجمة العامة من جامعة جوبا، 2003.
- تعمل بمنظمة أطباء بلا حدود البلجيكية بالخرطوم.
- عضو بمجموعة تجريب الموسيقية.
صدر لها:
- منزلة الرمق، شعر، سلسة برانا، منشورات كاف نون القاهرة، 2007.
مَريَم
تَذَكَّرْتُ وأَنَا أَعْثُرُ عَلَى هَدِيَّةِ الْمَوْتِ
أَنَّكَ هَدِيَّتِي
تَذَكَّرْتُ يَدَيْك:
مَقَالِيدَ الرِّضَا في أَصَابِعِ القسوة
رِضَا طُيُورِي كثيفةً باهتةً مُحْتَشِمَة
وتَجْلسُ في قطار.
كنتُ أُوْجَدُ فِيهنَّ
وإلى الأَبَد
حُلُماً يَتَخَلَّقُ من حُلُم
حتَّى بَارَكَتْنِي ضُلُوعُك.
والآن يا حبيبِي يا هَدِيَّةً من الرَّبّ
أنْقَضَت الأعياد؛
أنْقَضَى النُّبْلُ
وأنْقَضَت الجسارة
وفى يَدِي مَفَاتِيحُ نَسِيَتْهَا الأبواب
أفْتَحُ بها الضَّجَر
وحُرَّاسُكَ على طُولِ القَلْعَةِ بِيَافِطَاتٍ قَمَرِيَّةٍ
تَخْفُتُ وتُضِيء.
ها أنتَ حبيبِي على العَرْش
وصَوْتُكَ في الْحَدِيقَةِ يَكْفُر
تَوَقَّفِي لِمَرَّةٍ عن اللّحَاقِ بِي
لَمْ أَكُن في الْحُلُمِ الذي بُشِّرْتِ بِه
أُنْظُرِي لِوَجْهِك
هَلْ تُشْبِهِينَ الآنَ أَيَّةَ نَبِيَّة
وهل أُشْبِهُ مُعْجِزَةً تَتَكَدَّر؟
جَارَاتُكِ يَتَأَوَّهْنَ بلا سَبَب
لَسْتُ بِشَارَتَهِنّ
ولَمْ أَكُن أَبَدَاً اْبْنَاً لَكْ
يا مَرْيَم
أنا هُنَا
في الْحُلُمِ الذي أَرْعَبَكِ مُنْذُ ثانية
و حَبَسْتِنِي في مكحلةِ النحاس
أنا تِلْكَ الزَّهُرَةُ الزَّانِيَة.
أُلْقُطِي تَمْرَكِ يَا مَرْيَم
وبِقَدَمِكِ اليُمْنَى السَّافِرَةِ
مُرِّي مِنْ فَوْقِهِ بَعْدَ أن تَذْبَحِيه.
مُرِّي يا مَرْيَم
على رَعِيَّتِكِ في الوَادِي
أُعْبُري النَّهْرَ إلى الغَابَةِ وأقْطَعِي مَتَاَهَةَ الشَّمْسِ إلَى مِرْآتَيْن
وما أنْ تَظْفَرِي بِطُغْيَانِكِ
طَالِعِيهِمَا
حَيْثُ تَقْنَطُ القِيَامَةُ من الْمَوْتَى
ويَنْفَدُ الْخُلُود.
مَرْيَم
مَرْيَم
مَرْيَم
تَحْتَ بَوَّابَةِ الْهَجْرِ
حيثُ لا يُنَادَى عَلَى أَحْدٍ
حَيْثُ تُحْرَقُ الأَسْمَاءُ في كُهُوفٍ مَرَقَّمَةٍ
ويُنْقَعُ الجسَدُ في الأُمُومَة
أسْوَدَ أَصَمَّ وبلا ذاكرة:
أُنَادِيك.
أحْصِدِينِي من الْخَنْدَقِ يا أُمِّي
أحْصِدِي جَسَدَكِ الطِّفْلَ
من زَهْرَةِ الصَّليب
ضَمِّدِيهِ بالأحْرَاشِ
لُفِّيهِ في الأوْبِئَة.
أحْصِدِينِي من النسيان
أنَا غُرُورُكِ الْمَفْتُونُ على القَارِعَةِ يَتُوب
ضِفْدَعٌ مُلُوكِيٌّ مُبْهِجٌ
مَطْمُورٌ في شَهْقَةِ الصَّبِيَّةِ ومَنْسِيٌّ على الدَّوَام
وهَا أَنْتِ ذِي أَمَامِي
ولا أَمْلُكُ أَحْمِيكِ مِنِّي.
ها أنتِ
مَوْجُوعَةً حَافِيَةً مَعْطُوبَةً
تَنْعَقِدِينَ مع الرِّيَاحِ ويَنْطَرِحُ عَلَيْكِ كَوْكَب.
أَوَلاَ يَنْتَهِي غِنَاؤُكِ يا أُخْت ؟.
مَرْيَم
إسْمَعِينِي
كُفِّي عن الصَّلاَةِ
قَليلاً
واْفْرِدِي كَفَّيْكِ لِقَلْبِي يَحُطُّ.
ضَيِّعِي الْحَدِيقَةَ
أَحْرِقِي القَصْرَ
وَبَِّخِي جَدِيلةَ الرُّخَام
وتَسَلَّقِي العتمة.
مَرْيَم
مَرْيَم
قَلْبِي وقَلْبُكِ شَمْسٌ وقَمَر
وأَنْتِ الآنَ تَغْرُبِينَ
آهِ
لَوْ يَعِنُّ لَكِ الْهَرَب
آهِ
قَبْلَ تَصْعُدُ أَبْرَاجِي
وتَبْدَأُ أَنْجُمِي في الفَوَرَان
لَكِنَّكِ أمَامِي
ولا أمْلُكُ أحْمِيك
أنا ضِفْدَعُكِ الْحَبيبُ
مُسْتَبِدَّاً
وأنَا الرُّكَامُ على البَيِّنَة والبَيِّنَةُ على جُحُودٍ
وأسْتَسْقِيك
يا نَبِيَّة:
أمْطِرِي من كُلِّ جِهَةٍ لأحْيَا وأُسَمِّيهَا
مِن كُلِّ طَعْنَةٍ
أَسْلَمُ وأفْتَدِي أَرْوَاحِي بِخُسُوفَاتِ.
مَرْيَم
قَلْبِي في قَلْبِكِ قَمَرٌ في قَمَر
وها أَنْتِ تُمْطِرينَ
ها أَنْجُمِي تَرْعَشُ
ها نُحُولُكِ يَخْتَالُ وسَوَادُكِ يُفْصِح:
كُلُّ قَطْرَةٍ مِنْكِ عَلَيّ
حَيَاتِي عليك.
أحْصِدِينِي من الْمَوْتِ
مَرْيَمُ
وغِيْبِي
جُمْهُورُ دَمِكِ يُذَكِّرُنِي بِمَا لا يُنْسَى
يا أُمِّي.
أُنْثَى العَقْرَبِ
َعْلَى إِطارِ لَوْحَة "عناد الذاكراة"*
من أَقْصَى الْمَدِينَةِ
تَسْعَيَانِ
الْخَبِيئَةُ ثُمَّ الجريح
في التَّرْجَمَةِ الرَّدِيئَةِ تَظْهَرُ اليَافِطَةُ مَائِعَةً
وإلَى اليَسَار
يَظْهَرُ الْهَدْبُ صَريِحاً خَالٍ من الطُمُوح
الكُونْتُور أَثْداءٌ هِلاَليَّة تَمْرَح
وأنَا أَتَحَرَّقُ لِلْحُبِّ تَحْتَ الزَّعنفة .
آهِ لَوْ تُدْرِكْنَنِي
تَمَوُّجَاتِ الرَّمْلِ الضَّجِرَةِ تَحْتَ جُيُوشِ العتمة
أيَّتُها البِذْرَةُ الكَيِّسَةُ فَاغِمَةُ الْحِرْمَان
أَنْتُمَا قلبي.
آهِ لَوْ تَرَيَانَنِي
أَتَعَرَّقُ من الرَّغْبَةِ خَلْفَ أَكَمَاتٍ خَجولَةٍ لا تُخْفِي تَوَهَانِي
مِنْ أجْلِ حبيبِي
أَقْبَعُ في الإطار
وقلبي يَتْبَعُ السَّاعَةَ في بَهَاءِ الأَزَل.
عَمْيَاءَ قَبْلَ تَسيلُ عينايَ على اللَّوْحَة
مَحْجُوبَةٌ عن اليأس
أخْبَرَنِي كُلُّ عَابِرٍ عن العَالَمِ كَمَا لا يُرَى مِن هذا العُلُوّ
لَم يَكُن ثَمَّةَ ما يَنْقُصُنِي
حتَّى سَأَلَنِي شَخْصٌ مُتَأَرِّقٌ:
ومَنْ تَكُونين ؟
رَشَحَ وُجُومِي مِثْلَ لَعْنَةٍ تَلْعَقُ القُمْقُمَ
تَحَرَّكَت الْمَوْجَةُ تَحْتَ آلَةِ الصَّمْتِ
وفَجْأَةً بَدَأَ الوَقْتُ يَنْفَد
رَأَيْتُ دَمِي يَثِبُ إلَى الفِرْشَاةِ والدَّلاَفِينُ تغوصُ في الكاميرا.
سَاعَةُ الصِّفْر
أُوَدِّعُ الْمُسْتَطيلات
أُوَدِّعُ الرُّكُونَ من وَرَاءِ حِجَاب
أَغْرِسُ فَسِيلَةَ الإيمانِ والكُفْرِ لِيَرْعَاهَا أحفادٌ لَيْسُو مِنْ دَمِي
وأَتَدَحْرَجُ
أنَا الطَّائِرُ
الطَّائِرُ
أنَا الوُجُومُ على السَّفْحِ أَنَا الْحَشْرَجَةُ الصَّفْرَاءُ لِمَسْمُومِي الكَوْكَبِ وأُسَمِّي الأَصْفَرَ البَطِيءَ الْمُنْتَقِمَ خَازِنَ التُّرُهَاتِ دفتر دارْ مَخْصِيْ. الإعْصَارُ عَلِيلٌ ولا شَفَقَة َولا رَيْبْ. أَطِيرُ أَتَدَحْرَج. أُحَاذِي اْنْتِظَارِي مَجْدُوعَ الأَنْفِ في صَالَةِ المركزِ الصّحي. أُحَاذِي ذَيْلِي بِلاَ شَوْكَتِي وقَلْبِي بِلاَ دَلِيلِي والغضروفُ يَضْحَك. أُحَاذِي العَابِرَ أَنْظُرُ في عَيْنِهِ فَأَجِدُ حبيبِي. أَنْظُرُ في عَيْنِي فَأَجْدُ حبيبِي وتَنْظُرُ في عَيْنِي فَتَجِدُ حبيبِي وقَبْلُ تَصُرُخُ مَـنِ الأَعْمَى. أَصْرُخُ مَنِ البَصِير؟.
يا قُمْقُم الرَّغْبَةَ:
أنتَ لا شَيء بَعْدِي وأنا لا شَيءَ بَعْدِي.
يا قَتْل:
أَنتَ مُحَرِّرِي وأنتَ أُمِّي.
يا قَلْب:
كُنتُ لَكَ الزَّنْزَانَةَ وأنتَ لِي الأسْر
يا إلهي رَأَيتُ الذَّاكِرَة َ
وهِيَ تُؤكَلُ
سِلفَادُور دَالِي:
لَقَد كَلَّفَنِي هَذا الشَّرَفُ حَيَاتِي .
*The Persistence of Memory
لوحة لسلفادور دالي.
خَلاَ أنَّنِي لا أَرَى
إلى محمد الصادق الحاج
ومحمد المزروعي
والأبوابُ بيني وبينك
والأبوابُ لك إليّ
أنت لي والأبوابُ لي / النفري.
النار/ النسيان
قالَ لي:
غابـتُـكِ النسيان
منذُها
أحتطِبُ
في كُلِّ ساعةٍ صَديق
أتعـلـَّمُ المَغِفرة.
ما تظن
قلتُ:
الظّمَأ .
قالَ:
ظلُّ الأسرارِ تَتَعرَّى
ظِلُّك تشهقين.
قلتُ:
إنّما
هدوءُ نوايانا يشذِّبها الموت
جنونُ حرائقنا تعتمرها الإشارةُ
أي :
أن تومئَ بما هو أهلٌ للصراخ
أن تحتمي بيديك
حين تغدو عامراً بالثقوب
أن تلمَس برئتيكَ
ما تظنُّكَ خبَّأته في اللغة.
ومحترقاً
عند أخطائِهِ
تدمعُ لتَرَاه
كونـُكْ مَحضَ عُواء
كونـُه محضَ عزوف
جالس ٍ للمياه.
أنا / النسيان
أجلسُ إليهِ
المعتم
أطالعُ يديه وأرى
أنا شَظَايا
شفراتٌ ومُدَى
مغاراتٌ وحواشٍ
تنطفئ.
أيتها الخرائب
لكنْ
أيـُّها المَـلـِكْ
جائساً في الخيانة
أيـتـُّها الخرائـبْ
جائسة ً في الخنجر.
الزّهو
حين نُجَـنّ بالمتاهةِ
تتخصَّبُ أصابـعُـنا
بالصُّدف
يعثرُ علينا النسيـانُ
جدارين من البخار والزهـو
مَشُـوقـَيـْن
وأشدَّ عرياً من جبلٍ لا يفهم أعضاءَه
حينها
تنطوي عليَّ كخديعة
أنغمرُ فيكَ كالحقد.
المحنة
أتَفَلَّقُ
عند مِفرَقهِ
إلى مائَةَ صرخة
أمشي على هشيمي
أعُـضُّ عليه
أحاذيه.
وهـل من إسمٍ
لما يمكن أن يكونَهُ عطفي علينا
أيها الخسران ؟
يـظُنُّكَ فِراري عَودَتِي
يـظنـُّكَ هلاكي عبـور
لظهيرةٍ يشيخُ عندَهَا الجسر
لمحنةٍ أنـفرطُ فيها
رُخَامَاً غَائِماً
يجرحهُ الصولجانْ.
أيُّـتها المتاهة
أجعليني أكثر
من مَـوْجـِدة
تمجِّدُ جُرحَها وتجـوع.
الوجه
حافيةً
أطأُ النَّقشَ المُتجـذِّر
يقرأُهُ باطِنُ خوفي
عراءً بعراء.
في مَرِّةٍ صَبَأَتْ عني الحواس
صرتُ أدعو المحبَّةَ
أرمي بأقمارها عَسَلاً.
كان يُلَبِّينِي
الزغبُ عند إبهام الصَدَفة
كان العلمُ الوطنيّ
الدبابيس
الجرائر
السدول
الأمهات
كلّ شيءٍ خَلا وجهي.
قلب يمامة
قال:
في النهر
كان وجـهُكْ
عصفورةً تتبـلل
وكنتُ ارتعاشَك
أنا صوتُ جناحيك
لمعانُ الخوف بقلبك الفائر
أنتِ عرائي
مغفرةُ البراكين
شبقُ الأرحام
ذهولُ القسوة
أسارُير الهواء
قَرَأك قلبُ يمامةٍ
في بُكاءِ حَبّار
نحولاً
وفطرةً دامعةً
للحنانِ المريض.
وورائي
خلا أنني لا أرى
إذ تُبْحِرُ نبوءَتي
عمياء
لقيعان الزَّهْو
وورائي
على سرير السّهولة
تنهض الأشياءُ
عاديةً وفاحشةَ المكر.
خَلا أنني أتباعَدُ
لأنظر
كم تبقَّى في حصّالة الله ؟
رواق محترقٌ في المَجَرّة
تلاميذ
دلافين سماويّة
قطرة عَسَل
على عشبةٍ سوداء
تلمعان في صمتْ
هو قلبي يحوي سمكاته
القليلات ويئنْ.
النسيان / النسيان
قلتُ:
أُحبك
كمن يغرسُ
في الموتِ
شيئاً مُهمّاً
وينسى.
***
أمير شمعون
- من مواليد العام 1976.
- كاتب مسرحي.
- يقيم بمدينة ملبورن بأستراليا.
صدر له:
- التي بعد البرجل، شعر، دار عزة للنشر الخرطوم، 2002.
- ميــاهٌ ويَــدٌ كاملة، شعر.
- الذعر في قبضة التصور، شعر.
تجريد التجريد
السَّمــــــار الأوّل
أيُّها العُري المحمولُ فوق الآلات للمجازرالمنقوعةِ في الحرير
أيُّها العُريُ المجلودُ بشخيرِ المؤرخين في باحةِ المُراهقة
أيُها العُريُ وأنت تعظُ الملحدين:
المجاز نكران التّجريد
والأفقُ
الأفقُ هذا دجّالٌ مغبونٌ من كُفْرِ الْهَول
والكيانُ ـ هذا البَغْل ـ يتَسَوَّلُ ملائكتي قشورَ الخيال
حتّى الخيال سَرَقته الأراملُ، لبّسْنَه الفساتين
ودَهْنَّهُ بلعابِ الأولياء فساقَهنُّ عارياتٍ لزرائبي
والحبُّ ـ يا لِلْحمارـ مُرْخياً كرشه يتسّول في دكاكينِ اللحم حريمَ الرُّسُل
وشِعْرَ المحايات.
والموت ـ يا للكذبة ـ جمالٌ يتلوّى مصروعاً فوق كفِّ الوحدة وسط تهليلِ الرّسامين
وجمالٌ في الحانات يتلوّى ساخراً من الموت وهو يأكلُ أصابعه نَدَماً بعد الجّماع
والحرامُ عيونٌ مُخيّطةٌ في المعاجم
المعاجم الغريقة في طمث اللامعنى
القيامةُ ـ يا للموسيقى ـ أمومةٌ فارّةٌ من سيطانِ المعنى
وأنا يا مُلحدين مُذ تقاسمتُ والزّمان ألمَ التّجريد وفررتُ بإتجاه الحنان وباعني النّورُ
في أسواق الكِتمان، ومذ سلبتني الأبديّةُ أسبابي، ومذ السّمار يا مُلحدين وأنا أُهشُّ
بناتي العمياوات، الأيام وهنّ يتزاحمْنَ فوق ضروعي المليئة بالموتى، أنا تجريدُكم
المُحْتَضر فوق عناقريب اللامعنى.
والغيبوبةُ تهتفُ في الظلمات:
أنا السّلالةُ المصلوبةُ فوق ظِلِّ اللهاة
اللهاةُ الميتة في أولِ كلمة، في أول أخرسٍ بكى فوق المذْبح
أنا السّلالةُ المصلوبةُ فوق مَنْطِقِ الذَّبيح المُسْتَغْرقِ في ندمِ السُّلالة.
والظُلمات المَحْشُوَّةُ بالأيادي الطائرةُ تحملُ أبواباً وتعرقُ العيون وتصرخُ:
أيُّها الدُّثار ما ضربُ الرِّيش على جلاّبِ النَّار ؟
وما الحَطَب المزكوم تحت كفِّ اللّحنِ إنْ لم يكن التّوبة ؟
إنْ لم يكن اللّيلُ المُتَبَرِّجُ تحت فستانه ؟
إنْ لم يكن اللّيل المدفونُ في الخيل ؟
إنْ لم يكن اللّيل المُترنِّح من ألمِ الحسنات ؟.
قال:
طَيّبْتُكَ
قلت:
طّيّبْتِني
قلنا:
فُتاتُنا آلهة، والشجرُ كعادتِه؛ كعادتِنا فَرْطُ حرام
قال:
يا غريمُ عِرْقِي يا أخفُّ يباسٍ زَوَّرَهُ الثّديُ
نوتكَ الحشائشُ، الحشايشُ، الغربانُ، القعورُ، نَوَتك العذريّةُ
نوتكَ أثقالي، نَوَتكَ هُجرانتُكَ
وتلاعبنا بالعذريّة في صيف الأبديّة البارد ؟
ونوينا الخّفةَ في أثقلِ ملكوت، نَوَتْنا البساتينُ المصلوبةُ فوق أسوار اللامرئيّ
وسُرِقْنا يا غريمي، هكذا سُرقنا
قلتُ:
بَسّطْني بك، واْنحَرِفْ
قال:
أعوذُ بغريمي عنّي
عكْسُِكِ يا ريحُ
عَكْسُكَ يا تزاني، رَوَّحْنني ونُحْنَ............. جِهاتُ سِفاح
قلت:
كسطرٍ صغيرٍ ميت في قعر زيرٍ يقسو حبيبي
كعنايةٍ يمْضُغُ قشرَ الهلال
كخارجٍ كظفرِ الطِّين من جَبْرِ الغيرة
كممسوسِ عتمةٍ يأسرهُ أبدٌ في التّصوير
وكيُشْرِقُ سيخفُّ، سيُطْعنُ، سيُحْلبُ، سيُزوّرو في قُللِ الله.
التَّحاشي
(أ)
يغلقُ رُكْبتيه عليكَ غالباً كيأسِ عِجْلْ
فوق هواي الرّمالُ سَبَحت
فوق هواهُ الحميرُ محض هواه
الموسيقى الكبيرة: العتْمة
الموسيقيُّ الأكبر: الضّرير
الموسيقى: إبنُ الحرام.
التَّحاشي
(ب)
جَلَّدوا النّسيمَ بفيزياء الأجْهَض
صنعوا بلهاتِ المُجْهَضِ جُعْراناً فضيّاً
يأخذُ هو في الحريمِ
حبيبي
يأخُذْنَ هُنّ في البلغم
التَجويدُ يسكرُ في حوضِ الأرملة
الشيخوخةُ تَحْمَلُ من ولدِ التّخاطر
رسمُ العقابَ فوق صفنِ العدد
مهبلٌ
وقعر
جوعٌ
وفرس.......
....... التّجويد.
التَّحاشي
(ج)
شجرٌ مُغْرمٌ بالنّحو
شجرٌ مخصيٌّ في حليبٍ محقونٍ في صُلْبِ الذّبال
شجرٌ يجلسُ كهلالٍ فوق لسانِ لن أغْفِر
الألمُ الرّيّاد؛ تجريدُ جبريل
الخُفافُ أدلّةُ المُطْلقِ
تراخي العبدَ وريالةُ النافذة
مسماران في اللغة
اللغةُ التي حالما سَتَهْوِي فوق منامِها اليابسِ ستفقسُ الأبوّةُ آدَمَيْن
جُثّةُ الأصبع المشير للأقدار السّاجدة تحت التنانير
مقبرةُ الكمان الهائجِ في البرزخ
الساعاتُ المُشَيِّعة
القمحُ الصعلوك
الخليقةُ الهربُ
العرقي الحفّار
القِبْلةُ القاتلةُ
القِبْلةُ والطِّين يزنيانِ وتحت عَتَبِ التّجريدِ يطرشُ المسافر
القِبْلةٌ العجل
العجلُ الشّاعر
التّجريد النَّواح
النَّباتُ المُعَزِّي
الجّمادُ الجُّثة
الألوهة الهائمةُ في سًمِّ التحاشي.
التَّحاشي
(د)
قالَ المسكينُ للمسكينة:
اللّحمُ لينجو
الفستانُ لِيسْتَعْصي
الطّلاقُ لِيَشيب
العذرُ ليُخْصى
النّهدُ ليرعف
البارحة لِتُسْحق
المسكينُ لِيتَهَنْدس
النُّورُ ليصْبَأ.
قالت المسكينةُ للمسكين:
لبسني الشّكُ وأسهَبَ في الوطأة، فأحْتَلَمَهُ الغنّايون، أحتلموني
وقذفوا، قذفوا تجريداً أبيضَ، قذفوا فساتينَهم، قذفوا بيوضَهم
قذفوا ما غَنّوا حتّى حَبُلتُ بعَرَقِهم، توّحمتُ على:
اللّحمُ لِيُطَبِّل
الفستانُ لِيلْعب
الطّلاقُ لِيُرْسَم
العذرُ ليَكْفر
النّهدُ ليطير
البارحةُ لِتُعْبَد
المسكينة لِتَتَهنْدس
العتمة لِتُحَجّ.
التَّحاشي
(هـ)
العُبّارُ المُنَقّبين فوق جسور الآخرة، نحيلين يلوكون في المساويك
ويبصقون الخيالَ معذّباً ومُلاكاً، يهرفون شجراً صغيراً يُساقُ بالحبال
نحو العذاب لأنّه كذَّبَ الحيوانَ وصدّق الصُّدْفةَ
صايحَ التّجريديون العبّارَ من فوق الجّنّة:
ـ يا عُبَّارُ ستقعونَ في اللّجةِ، سَتُحْبَسُون في أصابع التّجْريدِ
وتَدْخلون نهر الله مُشْرِكين بالخُضار، وسَتُرتِّلون وحيدين
في تُرَعِ اللحم لأن الغموض تَهتَّكَ تحت قدميه قبرٌ قديمٌ
فَنَسِيَ الكتابة، سَتُنَشِّفون الوهم مُعَلِّقينه كالشرموط فوق
حِبال الكِتْمان، والكِتمان سينسى كيف تسلّل منه حَمَلُ المُذْنبِ
فصرخ:
غَمِّسْ نعليك في النَّسيم ربِّي لِتُلَحِّن الرجالَ.
ـ يا عُبَّارُ لأنّه وصلٌ في جِرارٍ من لَحْمٍ مغشوش
لأنّه لسان مطعون في طيره
لأنّه حكيٌ يَسنَّن في كهوفٍ ما وُلَدت بعد
لأنهم نفدوا قبل تُسامِحَهُم الحقيقةُ الراقصةُ في زبدِ الموتى
لأنّ الموتى وسط دِلالات الوهم دلّلوا بالأجراس على وَهْمِهُم
يحرسهم الملائكةُ الشامتين في تجريد العذاب
لأنّهنّ قُلْنَ بالرجل: الرّجالُ تذابحو فوق أصْلابِنا، فَغَدَرنا
بالسرِّ وسَرقنا الأرحام من كُشْكِ التّجريد
لأنّه الغموضُ يا عُبّارُ ها المكانُ يكذب.
ـ يا عُبَّارُ، غنّوا فوق التّجلى، أسْألوا بيّاعات المُطْلق:
هل الطّيران المُغْمى عليه تحت مؤخِّرات النُّقُلْتِيّة؟
هل الماء المصكوك في الشهوة؟
هل المقابر المسحوبة بالكتابة ؟
هل الأثقال وهي تُسَكْلبُ في جبّانات اليقين الجاهل؟
هل العمقُ البائر في كنتين الأقدار؟
هل النَّرِكات المُحَوَّشَةُ بلعاب المُسْتَغفرين؟
هل الهاربون إلى العورات الهاربة من التَّجريد؟
هل الملائكةُ وهو يكتبون بالفحم فوق الأرحام: أرِحْنا يا مُطْلقُ؟
هل القمصان المُجَرَّحة؟
هل النيران ذات الأرداف الكبيرة؟
هل المُوَسِّعين في حارات التَّجلّي؟
هل الغرباء؟
هل الدّباس؟
هل الذّنوب الخَجِلَة من الدّروشة؟
هل الحَطَبُ وهو يتسوّلُ المعرفة لُقَمَ الخلود؟
هل الخلود الغرقان في الشجر؟
هل الأرض، هل الأفيال، هل الحصان، هل؟
هل المُهَجّرين بالكتابة إلى تاراتِ المكتوب؟
هل الأرانب، هل العانات، هل جهنم؟
هل السّلالة المُهَوهوة، هل السُّلالة؟
هل السُّلالة المسكينة؟
هل السُّلالة المغسولة ببول الإنجليز؟
هل السُّلالة، هل السُّلالة، هل السُّلالة؟
صايحَ العُبّارُ التجريديين من فوقٍ مائهٍ:
التَّحاشي
التَّحاشي
التَّحاشي:
يا ربُّ تَجْريدُكَ.
التَّحاشي
(و)
غالباً كبصيرةِ مَحْلَج
غالباً كعلاقةٍ بين العوير والمغرب
غالباً سبلوقات النَّدم: الطّيران، المشي، الحبو، الزّحف
كهلعٍ ليِّنٍ فوق لسانِ تمثال
كعلاقةٍ ضيّقةٍ بين الحرجل واليُتْم
كعلاقةٍ أضْيَق بين الموت والرُّوح
كذَهَبٍ يعتذرُ عن نوح
كجالوصٍ أمعنَ في أسرارِ الدّراويش
كعلاقةٍ بين القَوّادِ والشِّعْر
كعلاقةٍ بين الشِّعْرِ والمسكين
التَّحاشي المُسْرِف في الحيوان
غالباً التَّحاشي كدُمّلٍ في إبطِ راقصة
التحاشي الشّاعر.
ذات ليلة في السَّمارِ الأول:
فوق تلّةٍ بيضاء جلس الجّدُّ الأول وأخذ التجريدُ يَحْلُمُهُ
تعرّى الجدُّ وأخذ يستمني ويبكي والذهبُ؛ أولُ الخلائق
يراقبُ من فتقٍ صغيرٍ في ثدي التّجريدِ، كانت المشيئات
المُتَململة في أكياس الموت تُدَنْدِنُ:
الكيانُ أبانا لتزرع
بركاتك في وديان الوهم
حفرَ الجدُّ ودفن منيّه في التّلة، ودفن لحيته، وأخرجَ كلمتين
من خُرْجِ الأسطورةِ وزرعهما فوق كفِّه الأيسر، أخرج البكاءَ من
حَلْمتِهِ اليسرى وتَكَحّلَ به ثم بَكى، أنحدرَ من عينه اليمنى ترتيلٌ
رمليٌّ جاف ومن اليسرى سالَ خيطُ سُلالةٍ يهرف حصىً أسودَ
فوق كفِّه
هكذا أبْتَلَّت الكلمتين وأشْتَعلتا وطارَ منهما لهباً
صافياً تصوَّفَ حتى صارَ ناراً خضراء حتى صاحت النّار:
النَّجْدة، القبر
النَّجْدة، القبر
النَّجْدة، القبر
كان كفّه الأيسر ما زال مُبَلّلاً بالمنيّ، مدَّ كفّه آمراً النَّارَ:
إلْحَسي ويلي يا نار هاكِ
بكت النّارُ وهي تلحس وبكى الجدُّ وبكت التّلةُ وصار بياض
التَّلةِ والذّهب وحدهما يَكْتُمان سرَّ السُّلالةِ
رمى الجّدّ نَفْسَه من فوق التّلة وشربه الهواءُ اليائس
وكان السَّمار لم يُخْلق بعد.
حضرت الجّدّةُ تحبو مُتَشَمِّمةً أثرَ الجدّ حتى التّلة
ألصَقَت أنفها في أرضِ التَلة فصرخت:
واااارجلي
حَفَرَتْ بلسانها حتّى وجدت المنيّ يلمع كخاتمٍ فضيٍّ تحت
شمس الغموضِ الذي لم يُخْلق بعد، جلست الجّدّةُ عارية فوق
المنيّ وباضت بينما الأقدار المُيَبَّسةُ فوق بروش العتمة تصرخُ:
الكتابةُ يا أمّنا علِّمينا عماكِ فُنُبْصِرُ عمانا
الكتابةُ يا أمّنا علِّمينا عمانا فَنعْمى لِنخْلُد
كانت نُطَفُ الرّيح والشمس والأرض والكلمة والأسرار تُرَتِّل قائلةً:
سَيَحزنون، سيحزنون.
أستغرقَ الأمر مائة عامٍ حتى تخرجُ البيضة والجّدّة جالسة، طال شَعْرُها
حتّى خُلِقَ منه الشِّعْر وحزنت حتّى خَلَقَت السّمارَ من حُزْنِها، تساقط جلدها
فسرقه الذّهبُ ورسمَ به الشهوة، كانت الجّدّة تهشُّ الزمنَ الجائع المُتَلصِّص
منتظراً بيضتها حتّى نام تحت قدميها فأخذته وعجنته بلعابها وخلقت منه
الألم الذي تلوّى بين يديها كثعبانٍ وغرسَ أسنانه في حلْمتها فصرخت حتى
خرجت البيضة، شهقت التّلةُ وبالَ الذّهبُ، وبكت الجّدة، وخطفَ الهواءُ
التّجريدَ المتأملَ في صمتٍ حسابيٍّ كاذب، وهربَ به ناحية الأبديّة التي
ما زالت نَطْفة في أرحام الكتابة النُطْفة.
وهكذا بعد مائة عام نزلت البيضة، نصفها الأسفل أسود ونصفها الأعلى كلون
العمى، صَرَخت الجّدةُ وذابت في الشِّعرِ المخلوقِ لتوِّه من شّعْرِها
شَربَ المنيُّ البيضةَ وصرخت التّلّةُ من حرٍّ لَمَعَ فوقها وصار يَضْرِبُها
بجنازيرٍ عملاقةٍ، عمَّ الصراخ
فجأة
أظْلَمَ العالم
هدأ كل شيء.
أبْجَديَّة
1
تَضْحَكِينَ
ومِنْ تحت إِبطيْكِ تطيرُ ساقاي فَتَقُولين لي:
(تُشْبِهُ السَّعادة وأنت بلا ساقين!)
وَرَقُكِ اليابسُ خَرَّفَ حول عيني
لكنَّني أنتظركِ هنا رقيباً على حُجُراتٍ قُطْنيَّة
لن أبْرَحَ مكاني
ولْتَمُتْ يا نموذجُ من السّطورِ
ولْتُخَيِّطْ يا دَمُ فُخَّارَ مُرِيديكَ
ولْتُلَبِّسْهُ المَوْتَ
ولْيَأْكُلِ النَّهارُ نَفْسَهُ المُحَنَّطَة
ولْتَغْرِسِ النَّارُ عُوْدَ الكيانِ في فرْجِها اللّعبة
فلن أبْرَح
لن أبْرَحَ هذه الكلمة.
2
فَوْقَ أكتافِ النار، حيث تَرَكَ النموذج أَسنانهُ وتمادى في الألم
لَيْسَ غَيْرُ الألم
ليس غَيْرُ الألم.
من عَيْنٍ مَنْسِيَّةٍ بين قُشُورِ الجَّوْهرِ تخرُجُ جنازةُ اليَدِ مَاسِكَةً وَقْتاً
حافياً ونِعالَ نموذج، مَاسكةً أثَراً واجماً وأبْجَدِيَّةً غَدَرَتْ بها الأْرض.
ومن شبيهٍ يُطِلُّ كُلّما أَخْفَتِ الكائنات نَقْرَها اليائسَ عن بذرةِ البَدَن
يُمْعنُ البحرُ في القرابَة.
أيُّها الرَّبُّ، فوق كَفِّي، غَنَّت التَّمرةُ ورَقَصَ الحسابُ شَاوياً عُرْيَهُ في عَمَى
التّصورِ وتَفشَّى الحديدُ في القرابةِ المجهولةِ بَيْنَنَا، والأصابعُ المغمومةُ من
زجاجِ المحاولة زَرَعتُهَا يا ربُّ في تَرْبَاسِ النَّظرَة.
إذا النَّظرةُ شجرةٌ كافرة
إذا الرَّغبةُ فَلاّحةٌ عجوز
إذا التَّلفُ باهتٌ من الرَّحمة
إذا الحساءُ أرضُ المعنى
وإذا بالألم جَمَلٌ يبكي.
أسرارك القصيرةُ يا فجرُ، شَطْرُ الفرارِ الأمينِ على وصايا اليَدِ لأُختِها
الشجرة، الحمامُ الدَّاعرُ وهو يُخيِّرُ النواحي الأَسيرةَ جُثَثَ الهديل، الأحلامُ
الثَّقيلةُ كالوحدة، الوحدةُ الغريبةُ كيدٍ كاملة، اليدُ المَكْسُوَّة بظنونِ الفطْرة
وإذا بالفطْرةِ جندبٌ أخرس.
حَجَرٌ يعلِّمني الطَّيران
كوخٌ يعلِّمني الطائر
وليس غير الألم
ليس غير الألم.
3
أسْرارُك السَّارحةُ بالماءِ الهاربِ من المعاجمِ، حيث الطفولةُ تقرِّعُ
الخليقةَ قائلةً:
(كيف تُيَبِّسينَ الوَهْمَ هكذا... أمامَ لا أحد!)
جروحٌ محاربةٌ تمرَّرُ ضحكاتِها القماشيَّةَ من تحت النومِ
ونزواتٌ وحيدةٌ في الفناءِ المتخيَّلِ يَأْتَمِنُها الملكوتُ على قَتْلاهُ الخياليِّينَ في المَهَارج.
لكنَّهم الأسلافُ في البرازخ المحاربةِ يدوسونَ أيَّامهم بذُعرٍ فَتَمُوءُ
النُّطَفُ في الخُصَى المُحْتَملة
خُصى التَّماثيل
خُصى اللَّيل
خُصى المعنى
خُصى الهياكل
خُصى الفضّة
خُصى الكتابة
خُصى البئر
خُصى الألم.
لكنَّهم الأسلافُ، يقولون للوهمِ الغليظ:
(بَوَّبْنا ضفائرهنّ في صُوَرِنا
سَلَخْنَا البئرَ من سعادتهم
ما ترَكْنا شجرةً في الخَطَأِ إلاّ وخُنَّا النُّورَ تحتها فكيفَ أَسرَ الأْولادَ لعابُكَ الحجريُّ يا وهمْ ؟
وكيف ليس غَيرُ الألم؟).
4
الصّراخُ المبطوحُ في النّهد
إصغاءٌ غزيرٌ يذبَحُ نَفْسَهُ تحت لمسةٍ قديمة
بَددٌ تمثالٌ ساهرٌ على تماثيلِ الكلمة
وعُشَّاقٌ ينوحون داخل مَمَرَّاتٍ لا مرئيَّةٍ حيث يُصْنَعُ البَحْرُ والنَّارُ
والأبديَّةُ فوق جُثَّةِ المعرفة:
- يُؤْلِمُنا المَيِّتون وهُم يلعبون بالضَّحكِ المُغَفَّلِ
عند سفحِ الوهم
يؤلمنا الصَّواب
تؤلمنا عنْزَةٌ نائِمة.
بِعينينِ مهجورتينِ ـ هُما ما تبقَّى للحيوانِ من إرْثِ الوقت ـ سَيَعْرِفُني هذا القدح
سَيَسْأَلُني:
(أيُّنا بَدَّدَ بَرِّيَّتَهُ المفكوكةَ على الجَّوهرِ اللّعوب ؟
وأيُّنا بَكَّى رِدْفَ أخيه عند سفْحِ الصِّفات؟).
كُنَّا مُتَّسِخَيْن من الأجوبة، نحكي، للفراغِ المفتونِ بطيوفنا الرَّمليَّةِ
عن جهاتٍ هناك تحت التصوُّرِ تَرُشُّها الأبديَّةُ بالأجنحةِ والبذُورِ المعذَّبة
وحُرَّاسُها السَّاهمون يَلُوكُون حِيَلَهَا قائلين للذُّعرِ:
اْنْظُر
هنا في لبنِ الملكوتِ بَذَّرَ المجهولُ سروجَ السَّديم تاركاً تَرْزِيَّةَ الألمِ وحدهم مُنْكَبِّين
على الأنوثةِ يُحَفِّظونها النَّهدَ والألمَ والنَّبات وصُدَفَ الخلودِ... تَرَكَهُم لِرَكاكةِ الشَّيْء.
الحُرَّاسُ سَيُطْفِئُونَ سِرَاجَ المعنى ببصاقهم الكافر
سيحشونَ فَمَ التَّصَوُّرِ بِلِباسَاتِ الَّلاشيء
وسسَيَخْلُدُون للألمِ هامسين لبعضهم:
(غداً نَذْبَحُ الحيوان
غداً نُعذِّبُ الخلود).
5
في خاصرةِ الرّملِ
غَرَسَتِ الموسيقى خِنْجَرَها وفَتَنَتْني
الخُلُودُ رَمْلٌ يتألَّمُ في جُرُوحِ الرِّيح
خاسراً فتوحي كبدويٍّ يُجَرِّحُهُ معنى الطِّين، وصَوابٌ أسود يُلْصِقُ
أُذُنيْهِ الكبيرتينِ في الصَّوتِ الغامضِ ذي اللُّكْنةِ الحجريَّةِ ـ البُرْهة الخطرة
لا يُفاجئْني بَيَاضُكَ يا غيبُ وهو يقفُ بسروالِهِ القصيرِ عند مطْلَعِ الأبَد ماضغاً الدّهور
البَريَّةُ ألَمُهُ
لا يُفاجئْهُ الشيءُ
ينـزفُ أولادَه.
6
أَلَّمني العالَمُ المُلْتَصِقُ بين أصابعِ قَدَمَيْكَ أيُّها الّلامرئيّ
أرْقصُ وحدي هنا في خلاءٍ وَهْم
أرْقصُ على عزْفِ موسيقيٍّ يَعَزِفُ على بُعْدِ ألْفِ خريف
أقِفُ على عَزْفِهِ ذي الكَتِفَيْنِ القويَّتَيْنِ والنَّفَسِ الأُنثَوِيِّ لأُسَدِّدَ دَيْنَ رَقْصِكِ يا يَدُ
أيُُّها الَّلامرْئيُّ
الشِّعرُ المُلْتصقُ بملابسِكَ كالقرادِ وَشَى بي
الأوهامُ السَّائلةُ من رموشك عَصَّرتِ النَّظْرَة
الخارجون من هلالِكَ الثعلبِ يحيضون كلامي
الحضيضُ الأزرقُ، رسولُكَ لأنحائي.
أُرقِّصُ وحدتي:
كُلّ هذا الجَّمالُ ليس غيرُ الألم
أرقصُ بعينٍ واحدة
وبعينٍ أفْجُرُ إذ يتجلّى الغيْب.
سَحنٌ ثَكَّالٌ
قطيعُ صُدَف
ليلٌ عوير
وقلب كقُمامةِ أرقام.
أَعْقِدُ حبلاً بَيْنَ وَهْمينِ سائلَيْنِ وأُعلَّقُ عليه رقصاتي الميِّتةَ ليَقْرأَها
من مّرّوا من هنا قبل أَلفِ خريفٍ فيَبْتَسِمون كخشبٍ قائلين:
(ألمٌ مُهَرجِلْ!!).
يااااه
يا للألم!.
7
عاشقٌ أسرَّ للأرق:
الوردةُ عقرب
الوردةُ ألمٌ ومجازفات).
في سالب الأرض
الشَّرُّ الضريرُ حكمٌ على قلبين مُتَصَارعَيْن
قلْبَان جَرَّدَهُما النُّباحُ من مجَازَاتهِ وألْقَى بالأفقِ ـ حِجَّتِهِما ـ إلى الأرضِ لتذبحَ أنفاسَه.
النُّباحُ زَرْع
النُّباحُ حديدُ المَجاز
نباحُ النَّبات في وادِ الأبْجَديّة.
أَجَلْ
1
الجَّمادُ إسْكافيُّ الجَّوْهر
ـ ما الجَّوْهَرُ كي أعَلِّمَهُ حِيَلَ الخَيْر؟
ـ ألَمٌ يتسوَّلُ عندَ عَتَبِ المجازفة.
خَيَّرَني الجمادُ
قائلاً:
ـ كَشَّةُ الرِّيحِ أمْ طَيْرِي ؟.
ـ خَبٌّ يُدَرِّبُ النِّكاحَ على لُعبةِ الوَهْم.
ـ ألَمٌ مُفْتٍ.
ـ خَفَاءٌ فَرَّان.
ـ نَأيٌ حَرْبَة.
ـ الخَيْرُ الوَغْد.
2
يَدُكَ اليابسةُ لها نَفْسُ النَّظْرَةِ التي للوَرَقَةِ البيضاء
يَدُك يا عُشْبُ
يَدُكَ زمنٌ يُلَقِّطُ ضَجَّةَ اللَّونِ من السّقوف
السقوفُ المُغَطَّاةُ بالكلمات
كلماتٌ يابسةٌ لكنّها كانَتْ أشكال
أشكالٌ مَحْبَرَة
يَدُكَ يا عشبُ سِباق.
3
بالسُّدُمِ المُصَلِّيةِ في قاعِ الحُبّ
بالخَدَمِ المتحوِّلين إلى صليلٍ غزال
بِيَدَيْنِ في الجَّريمةِ تهرفان عذاباً وأصنام
بالهباءِ المنثور أمام بُرُوفاتِ الأجل.
بالنِّهايةِ الشريرةِ وهي تُوْصي أصنامَهَا الخفيفة قائلةً:
ـ كُلِي خَلاءَهم لِيَجِدَهم التيهُ السَّوَّاحُ مُلَطَّخين كالنبات بجرائري.
هذا اللاَّشَيْءُ ساكِتٌ على أمْرٍ ما.
هذا اللاَّشَيْءُ خَوَّاف.
4
قَدَمٌ في الذَّهب
يَدٌ في الموسيقى
عَيْنٌ في الجُّنْحَة
أُذُنٌ في الجِّناح
عجيزةٌ في الألم
خُصْيَةٌ في المعجزة
وما من نُدْبَةٍ إلاّ وخُدَّامُهَا تكَأْكَأُ أقْدَارُهُم في المجاز.
5
إلى : ب
فَوْقَ جَمْرِيَ ضَعْ حِجْرَكَ
كابِدْني قليلاً حبيبي
كَابِدْني
وصَدَّقَنِي بَوَّابُ المَطَرِ
حتى أنَّهُ رَكَلَني بحاجِبِه الأيْسَرِ قائلاً بلا صوتٍ
أنَّهُ وحيد
وأنَّهُ يَعْبُدُ عَرَقَهُ
وأنَّهُ أشْهَى خاسِرٍ
وأنَّنِي مُكَابَدَتُهُ الأخيرة
وبَكَى.
يااااااااه
لَمْ تَكُنِ الشِّفَاهُ وهي تُعَتِّلُ الكلمات في لَوَاري الكُفْر
لَمْ يَكُنِ الألم
لَمْ يكنِ العالَم
لَمْ يكنِ الهواءُ بِفَمِهِ الأجردِ ولعابِه الأجرد
لَمْ تكن المصادفات
لَمْ تكن الأرضُ
لَمْ يكن الحِبْرُ المُخْتَلِجُ
لَمْ يكن الحِبْرُ الخبيثُ، وهو يُخْرِج المصادفةَ الصلصالةَ وعيوناً بلا وجوهٍ
وسباقاتٍ محشوَّةٍ بالبداوةِ ودُفُوفاً مُخَرّمة
لَمْ تكن الطفولةُ وهي تمسحُ الإشراقاتِ من خَدِّ الحدوسِ بقمصانِ اللَّبن:
كُلَّهُم
لم يكونوا
غَيْرَ صَفِيرٍ مجهولٍ وَقَعَ من بين شفتين مجهولتين، عَبَدَ البَهَاءَ العَبْدَ
مَصَرَ الرَّنينَ الكَلْبَ في فَمِ الجَّهَالةِ وذابَ في عواءٍ أخْضَر
في نُوَاحٍ قديم.
في القلبِ مُدُنٌ قديمةٌ تُدَلِّكُ أقْدامَهَا، وتُـيَّاهٌ صِغَارٌ يَتَعَثَّرونَ
بين أصابعها الصَّدِئةِ سَيَقْطَعُونَ في نَفْسِهِم، وقِطَطٌ ضريرةٌ
تدلقُ الخُلُودَ من نوافذ لا وجودَ لها
ضجيجٌ مُهدَّمٌ، كَتاَتِيبٌ مُهَدَّمةٌ
كتاتيبٌ تحتلمُ، ضجيجٌ يحتلم.
مَرْفوعاً على حَرْبَةِ النعاسِ الكافرة، أخْرِقُ عَمَى الجّبالِ الزنجيَّةِ
شارباً سِيقانَ لغاتِها، مُمَشِّطاً عُوَاءَ أقمارِها، أُخاوِنُها يا كواكب.
الجِّبالُ الزنجيَّةُ
لم تَقُلْ لي:
البهاءُ سَوَّس!.
لَمْ أقُلْ لَهَا:
نَظْرَةٌ قتيلة.
لَمْ تَقُلْ لي:
فَرَشْتُ لكَ الفَناءَ شِفاهاً حديديَّةً وأُبُوَّات.
قُلْتُ لها:
مُرَاكَضَة!!.
قالَتْ لي:
كابِدْنِي.
لم أقُلْ لها:
قَتَلَ لأنَّه حزين.
قالت لي:
قُتِلَ لأنَّهُ حزين.
قلتُ لها:
العَذَابُ مسكين.
كَتَبَتْ لي:
فَتَاةٌ تَقَيَّأت أُمَّهَا في الشَّارع.
كَتَبَتْ لي:
غِوَايَة، غِوَاية، غِوَايَة.
لم أقُلْ لها:
رأسٌ مقطوعةٌ لِسَانُها مُخَيَّطٌ في طَرَفِ الحِبْر!.
شَجَرٌ يَضحكُ لأنَّ الهواءَ يبكي.
شَجَرٌ يبكي لأنَّ الهواءَ يبكي.
عصافيرُ لا وجود لها تُسمِّم العِبادةَ المسجونةَ في ساقِ النّورِ القصيرةِ
كَسَاقِ فأر.
النّورُ الذي لن يكترثَ:
للبَحْرِ المركولِ من الفطرة
لخشبِ الله الهارب من الَّلاشَيْءِ النَّجَّار.
قبل أن يَغْفوَ داخل القطرة اللاَّعبة سيهمسُ في سِرِّهِ وهو يراقبُ
المُطْلَقَ يَطْوِي سجاجيدَ الفراغِ ويَحْمِلَها فوق رأْسِهِ مُتَّجِهاً صوب
المُكابَدات:
ـ مُطْلَقٌ فلاّح
ـ مُطْلَقٌ فلاّحة.
سيقانٌ مُقَطَّعَةٌ تَسْقُطُ من حَشْرجاتٍ طائرة
ودماءٌ كثيرةٌ تَصْرخُ في البريَّة:
ـ أتَعْرِفْنَا يا ربّ؟.
أصْفَارٌ كثيرةٌ لأَحْكِيها. أشياءٌ تَخرجُ من أشياء. سكاكينٌ حنونةٌ
واقفةٌ بالأباريقِ تسقي الجرْحى، ونسوةٌ خالداتٌ يُقَطِّعْنَ ذُكُورَ
القَتْلى ويذهبن خلف الأصفارِ العالية ليرسمنَ بها الساعة.
***
نصار الحاج
من مواليد قرية مبروكة- جزيرة أم جر بالنيل الأبيض، عام 1964.
تخرج من كلية الدراسات التجارية بمعهد الكليات التكنولوجية ـ جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا حالياً ـ.
صدر له :
يسقطون وراء الغبار، شعر، في سلسلة مهاجرون، دار نشر (كاف نون) القاهرة عام 2003.
ثمة أرصفة فارغة، شعر.
بيت المُشَاغَبَات، شعر.
الوقتُ الذي يُشْبِهُك
عَبَرْنَا جسرَ الغيابِ
في اللحظةِ الأخيرةِ من صريرِ الورقةِ.
كَانَتْ المحابرُ
في ذلكَ الوقتِ من منتصفِ النَّهارِ
تهذِّبُ الحبرَ والطاولةَ والمفرداتِ
بشاهقِ الكلامِ اللّطيفِ.
الكونُ على شُرفةِ الوقتِ
يلوِّنُ الشِّفاهَ بذاكرةِ الشَّجرِ
الشجرُ ملاءةُ الظِّلِ
وطاردُ الظّهيرةِ من شوارعِ النّهارِ.
في هذا الوقتِ الرّهيفِ من صهيلِ الأغنياتِ، ثَمَّةَ شئٍ يَحْدُثُ دونَ رغبةٍ
يا سيِّدتي. الرُّعاةُ في حقلِ العملِ يزرعونَ وقتَكِ بإرهاقاتٍ كثيرةٍ. الغرباءُ على النّافذةِ يزيحونَ الستائرَ ويتسللونَ إلى أنفاقِ المكانِ. الليلُ يهربُ من خيمتِهِ. السائقُ يَطْرُقُ البابَ بعنفٍ. كلُّهم يذبحونَ ضحكةَ الطفولةِ وهي تنمو بعنايةٍ في هذا الوقت من أولِ الفجرِ.
الضَّحكةُ التي تّسْردُ الحكاياتِ الغائبةَ
الضَّحكةُ التي تفضحُ الشروخَ الصغيرةَ في الصّدرِ. الضَّحكةُ التي تنيرُ الوجهَ الذي عبثت به الأشواكُ الشريرةُ في الصِّبا
الضحكةُ التي تَفِضُّ عراكَ الأصدقاءِ والصديقاتِ، الضحكةُ التي تبلِّلُ رسائلَ الوقتِ البعيدِ والرّكضِ في الشوارعِ والأزقةِ والبيوتِ.
تخرجُ الضّحكةُ من بوابةِ الأسرارِ
من فراغاتِ الأصابعِ
مثلَ نسمةٍ تمسحُ الوجهَ في أوَّلِ الصَّباح.
لكنَّه صوتُكِ
أقربُ من شهقةٍ في الصّباحِ. يكشفُ الرؤيا. يفتحُ الكونَ بطائراتِ الطفولةِ.
يفتحُ شرياناً كالرّصيفِ
لنعبرَ الطريقَ نحوَ السّماءِ الشاهقةِ في سدرةِ الرُّوحِ. الليلُ يُشْبِهُ تماماً ليلَ الذاكرةِ القريبِ
يلامسُ رملَ الخريفِ على بواباتِ البيوتِ الريفيةِ
مُبلّلاً بالطّينِ الذي يَخْضَرُّ على أناملِنا، نصنعُ كائناتِ الأبنوسِ كالآلهة المجبولةِ بالحبِّ توزِّع الإشاراتِ.
كان الوقتُ منتصفَ العتمةِ. يُمْسِكُ بؤرةَ الضّوءِ مثلَ قنديلٍ عتيقٍ. السّحابُ الملئُ بالماءِ يتحفزُ. الأرضُ تَتَفَتَّحُ بالخصوبةِ. الشجرُ. الطيرُ. البناتُ. الأولادُ. النباتاتُ البهائمُ الأليفةُ. تنتظرُ شرفةَ اللّيلِ الأنيقِ.
السّماءُ فتحتْ شرفةً وغابتْ
ما زالَ الغيمُ طريّاً والوقتُ ليس مُنَاسِباً لتأهيلِ المياه
بعدَ ساعاتٍ قليلةٍ ظلَّ الرّعدُ يصرخُ
والسّحابُ ينظرُ بنافذةِ البّرق.
أيُّ الجهاتِ كانتْ تَفْرُِشُ الأرضَ بالرغباتِ ؟
هي الأرضُ ذاتُهَا
الأرضُ التي شَطَرَتْهَا الخُصُوبَةُ جاهزةً لرحيلِ اليباب.
في الرُّبِعِ الأخيرِ من الليلِ
كأنّما نبوَّةٌ حَرَّكَتْ أنامِلَهَا بالبُخار
رأيتُ السّماءَ تُعبِّد الكونَ بالمطرِ الغزيرِ.
هو الوقتُ
كان يعيشُ في بيتِ الذّاكِرةِ. ينجو من خرائبِ النسيانِ. الوقتُ الذي ينالُ المسراتِ. يحفرُ التفاصيلَ، كتابةَ الحائطِ من أجلِ الحبيباتِ، الشِّراكَ الصغيرةِ في الخلاءِ، وصايا الكلامِ الأخيرِ من دفاترِ العشقِ الخجولِ.
هي السيرةُ الغائبةُ من حياةِ الوقتِ الذي يُشْبِهُكِ. الوقتُ الذي يُشْبِهُ أوراقَ الرسائلِ. الوقتُ الذي يُشْبِهُ أنهارَ الكونِ وقتَ الخريفِ. الوقتُ الذي يُشْبِهُ وردةً يانعةً. الوقتُ الذي فتحَ الينابيعَ في أّولِ الصَّباحِ. الوقتُ مثلَ صغارٍٍ يضحكونَ تحتَ الملاءةِ. يتسابقونَ في رصدِ النجومِ ومغازلةِ القمرِ.
الصغارُ
فاتحةُ الكونِ على سريرِ المشاغباتِ
سُرّاقُ الوقتِ من ضَجَرِ العالم.
في العراءِ المجاورِ للمدرسةِ
كُنْتُ أُنادِيها
ننزعُ الحشائشَ الصغيرةَ. نتركُ فراغاً يشبهُ الحروفَ
حفرنا أسماءَنا على الأرضِ.
كانت تجيدُ الغناءَ
تؤدي الأناشيدَ بألحانِ المغنينَ.
وأنا أُجيدُ الكتابةَ على السُّبورةِ الفارغةِ.
الليلُ أوغلَ في الجنونِ
أمطرتْ السّماءُ من مقلتينَا
وصمَتنا في المساءِ الأخضرِ
الآنَ
أنظرُ كمنْ يرى غاباتِ الصّمتِ تفتحُ القواميسَ
الكلامُ يسيلُ من شرفةِ الرّيح. اللُّغةُ مثلُ طفلةٍ تحفرُ الطِّينَ. الطِّينُ مشيئةُ البنتِ على رصيفِ الحنين. الحنينُ تربةُ الولدِ على أريكةِ الطِّينِ.
ثَمَّةَ حكاياتٍ عابرةٍ
الكهفُ الذَّي يفتحُ بوابَتَهُ. المكانُ الذي يأوي الذِّكرياتِ. المشاويرُ التي أزْهَرَتْ بين الضّريحِ والبيتِ.
الضريحُ الذي أزهرتْ به أشجارُ السّدرِ المثمرةِ.
الضريحُ خازنُ الأسرارِ والنذورِ الباذخةِ.
الضريحُ هو الحديقةُ الوحيدةُ في بلدتِنا.
أيُّها القلبُ الواقفُ على سبّابةِ الحنينِ
أطرق البابَ
أطرق النّافذةَ
الصبايا العابراتُ لا يكترثنَ
الصبيّةُ التي تخصُّكَ تَسْمَعُكَ
تُزيحُ الستارةَ البيضاءَ عن بوابةِ الغرفةِ
تُناديكَ
راعشاً بالطفولةِ، أدخل
الوقت الذي يشبهُ اللهاث الرائقَ يعرفُكَ
كَنْ هنالِكَ
قريباً من دمِ البنتِ التي رصفتْ طريقَ السّماءِ
فالغيابُ بركةٌ لعينةٌ
فراغٌ معبّدٌ بالعاصفةِ
شركٌ فاجِرٌ يَمْسَحُ الرّقةَ من زُجَاجِ الكائناتِ
بينما العودةُ
وجهٌ أليفٌ من سيرةِ العُشَّاقِ
من صرخةِ الأرضِ أمامَ الماءِ
ولِهاثِ الطين نحو شَهوةٍ فارعةٍ في الطفولةِ.
السَّاعةُ تقتربُ من ولادةٍ كونيةٍ.
المخاضُ ليس وجعاً يحرقُ الجسد / الجسدُ حياةُ الكائنِ. المخاضُ لحظةُ ترقّبٍ لرؤيا الغائب.
الغائبةُ في الذاكرةِ. تُوْلَدُ بأشواقٍ تَحْضُنُ اللغةَ. تَقِفُُ بالعطشِ الهائِلِ على بوابةِ الصُّبحِ.
تولدُ في الساعةِ الثانيةِ بعدَ منتصفِ اللَّيلِ.
تَخْرُجُ الغائبةُ من بوابةٍ زُجَاجِيَّةٍ
أوّلَ ما قاله الهواءُ ـ رائحةَ العطرِ الطازجِ وصهيلَ أقدامِها الشبيهِ بموسيقى المغنياتِ في سفرِ الأساطيرِ.
الأوراقُ طافحةٌ من كمائِنِ الحقيبةِ.
الأسطواناتُ عَطْشَى لرشقِ الغناءِ.
هي المرأةُ التي تشبهُ الكونَ.
صانعةُ الوقتَ في الفردوسِ الأكيدْ.
رأيتُها
رأيتُ القلبَ يهتزُّ كرعدٍ يهيئُ المطرَ
رأيتُ الأرضَ زاهيةً تقبِّلُ الصّباحَ على قارعةِ البّهوِ
رأيتُ النّساءَ العابراتِ
يَفْتَحْنَ الطّريقَ
رأيتُها
من خيطٍ ناهزٍ في النّورِ
من لَذَّةٍ ناضجةٍ في الحبرِ
تشيعُ الضّوءَ كسراجِ آمنةِ الجميلِ
امرأةٌ مغسولةٌ في سهولِ الإستوائيةِ
بفاكهةٍ ما زالت تُعَانِقُ الأشجارَ
مثلَ غزالةٍ ماهرةٍ في الركضِ تَطْرُقُ الأرضَ بأصواتِ الحنين ولهفةِ الحقولِ لمياهٍ رائقةٍ تُبَلِّلُ التربةَ
تفتحُ نواةَ الحياةِ بينَ أقواسِ العاشقينَ
أشرعتْ حضورَ هيئتِها كقمرٍ وحيدٍ
وغابتْ كلُّ الوجوهِ الواقفةِ على رصيفِ الممرِّ العريضِ.
رأيتُها
رأيتُها
رأيتُها
حاضنةُ الأساطيرِ والأغنياتِ والأناشيدِ والكلامِ الأخيرِ في كمائنِ الجسدْ.
الولدُ الذي كنتُ أنا
يرتدي الجينزَ الأزرقَ والفانلةَ البيضاءَ
بيدهِ قصةُ موتٍ معلنٍ لماركيز كأفيونٍ لهدمِ الوقتِ وهو يتمطّى في الطريقِ إلى المدينةِ .
لكنَّ الولدَ الذي هنا ليس سنتياغو نصّار. سنتياغو نصّار قُتِلَ.
نصّار الذي هنا يفتَحُ بابَ الحياةِ بوعدٍ رافقَ الروحِ منذ ملاذاتِ الطفولةِ.
رصفتهُ أوراقُ الرسائلِ بأنهارِ الفتوحاتِ والكلام.
آخر اللَّيلِ
ينتظرُ على بوابةٍ واسعةٍ.
الوجوهُ مسرعة تمرُ
الوقتُ ثقيلٌ جداً يسيرُ.
القراءةُ الوفيرةُ لم تكنْ سِوى ذريعةٍ بائسةٍ لتفتيتِ الزمنِ.
أخيراً
الكونُ المرصودُ في أزلِ الحكاياتِ يخرجُ
بثيابٍ عَرَّفَتْنِي بها زَهرةُ الشَّمسِ
رأيتُها بلونِ أميرةٍ من ينابيعِ الأبنوسِ
تطرقُ الأرضَ كفرسٍ في شَارِعِ النِّيلِ
الكّرزُ لونُ الغطاءِ
الصّحراءُ بعذريتها تلفُّ خريطةَ الكونِ
الحذاءُ يُشبهُ الكّرزَ تماماً
خلفَ نظارةٍ شفافةٍ تبرقُ عينانِ مشعّتانِ.
امرأةٌ من آلهةِ الإغريقِ
خرجتْ من بينِ حَنَايا المدينةِ اللامعةِ الخُطى
كنزيفِ الملكاتِ الشّاهقاتِ
تُلقى بنفسِها في رائحةِ العطرِ وأحضانِ العاشق
صرخَ الدّمُ
هي الزهرةُ
التي طويتُ الأرضَ
في اللِّهاثِ عن شرْفتِها
عانقتُها مثلَ رسولٍ أيقظتهُ الآلهةُ.
كانتْ تحدِّقُ في الذاكرةِ.
لا أصدقُ !.
قالتها بإبتسامةٍ شرختْ ترابَ الغيابِ.
في المصعدِ الخالي تماماً.
قبّلتُها كطفلٍ يقتلهُ الحنينُ.
الممرُ الطويلُ كان بهيجاً ذاك الصباح.
الكونُ
فتحَ أسرارَهُ بشهواتِ الغيومِ
وبلَّلَ الأرضَ.
الرّحلةُ نحوَ المجاهيلِ
صارتْ دهشةَ الينابيع
الإلفةُ التي رأيتُها تسيلُ من قلبِ الكاهنة
رعتْها الطفولةُ في الأكواخِ
وبَنَتْهَا المعاولُ في سِرْدَابِ الرُّوح
المكانُ بهيجاً
وراقصاً
كعروسٍ عجنتْها الصّديقاتُ في بيتِ الجيرانِ
وَقَفْنَا على السِّياجِ
الكائناتُ مثلَ أمواجٍ تسيرُ
السَّلالمُ
كأسرابِ نملٍ تلمُّ قوتَ المساءِ
مَشَيْنَا
كعصافيرٍ بين عُشِّ الخريفِ
تَذَوَّقْنَا العَصيرَ دافئاً من شفاهٍ بلَّلَتْها السّماواتِ.
امرأةٌ تشبهُ البحرَ
على أريكةِ البيتِ
أشهدُ الساعةَ البيضاءَ تمشي بطيئاً
تُضئُ المسافةَ
في المجرّةِ الأبعدِ من خاتمةِ اللَّيلِ
تزيحُ العتمةَ من جهاتِ البيتِ الأليفِ
تهيئ الليلةَ الأخيرةَ من نهايةِ العامِ
لصيحاتِ المُغنينَ.
تفاصيلٌ كثيرةٌ تعيشُ في هذا المكانِ
سريرٌ فارغٌ
رسوماتٌ على الحائطِ
كتبٌ
وأوراقٌ مبعثرةٌ
تملأُ الفراغَ في البيتِ الذي صارَ مأوى الأصدقاءِ.
نافذتانِ ترقُبانِ الشارعَ القريبَ
جسدٌ يطفحُ بالغيومِ والأسرارِ
شَعْرٌ طويلٌ يسيلُ على نهدينِ بارزينِ
امراةٌ تُشبهُ البحرَ
تفتحُ الليلَ نحو غابةِ الجنونِ والرَّغباتِ
تعبرُ الأزقةَ
بهلعِ الخوفِ من أصدقاءِ العائلةِ والأقرباءِ
تدخلُ البيتَ
تسحبُ السريرَ إلى غرفةِ الزوّارِ
ترمي على الطاولةِ
نظارةً سوداءَ تتبعها كحارسٍ أمينٍ
وتغمضُ عينيها بسَكِينَةِ المسافرِ التي تفرُّ من رائحةِ الهواءِ.
أصدقاءُ اللّعنةِ
يجرُّونَ أذيالَ السّهرةِ ونبيذَ الفاكهةِ المُرِّ
يطرقونَ البابَ والنوافذَ بالزجاجاتِ الفارغةِ
يصرخون كأطفالِ المدارسِ والمراهقينَ
يدخلون البيتَ بصخبٍ وعويلٍ.
عازِفٌ ثملٌ
يضربُ الطّبلَ بأغنياتِ البناتِ
أيقظَ الجيرانَ
والصعاليكَ وحُرّاسَ العماراتِ.
نافذةٌ مطلةٌ على الشَّارعِ العريضِ
تفتشُ الطريقَ والممراتِ
ليذهبَ الليلُ إلى حتفهِ الأكيدِ.
تهربُ الصديقةُ
من زاويةٍ في البيتِ
إلى شارعٍ يوزِّعُ الأمنياتِ
مثلَ أوراقِ اليانصيبِ.
بإهمالٍ باذخٍ وجنون
بدّدَ الليلُ
شهوةَ البنتِ والأصدقاءِ في الرقصِ على مزاميرِ النهاياتِ.
الوردة
وردةٌٌ
في براري الجسد
تشتهى أسرارها التي خبَّأتها طويلاً
ترى الخرائطَ التي لم يسكنها أحد
قد صارت مأهولةً بحفرياتِ الولد المجنون.
صديقةٌ
هيَّأت وردتَها
لتخرجَ عن صورتها في الحقل
لتصبحَ نجمةً ساحرةً
ثقباً في خبايا الكون
ثقباً يضئ الدروبَ لعابر الليل
لراهبٍ يقترحُ الوردةَ بيتاً لشهوةِ اللغةِ الأخيرة.
الوردةُ
حديقة الجَّسدِ الكائنِ في أرضِ العذراء
شبيهة البحيرة في الفيضان
تختبئُ تحتَ أردافِ الجبلِ
وسيقانِ العشبِ النافرِ من جسدِ العاشقةِ السَّكْرَى
تعوي في الصباحِ الباكرِ
تُغلق البابَ
والنافذة
والإضاءةَ
تجعل النسيم يمر عبر ثقوبِ الغطاء الخفيف
كمفتاحٍ دَسَّ حشرجته في بيتهِ المقدس
صارخاً
كرعدٍ فضَّ بكارةَ اللّيل.
الوردةُ
التي تنامُ في خباءِ الأشجار
أيقظتْ عنبَ البناتْ
راودتني عن حكاياتِ المطرِ الليلي
عن دمٍ
في تجاويفِ الوردةِ يصقلُ ورقَ النهدين.
الوردةُ
نجمةٌ ساطعةٌ
يقطرُ الندى من جيوب روحها
في الخباء
تمنحُ المرآةَ سرَّ النشوةِ المُقَدَّسة
وهي في إنتظارعاشقٍ
هناكَ في رصيفِ وعدِهَا
يُخَبِّئ المياهَ كلَّهَا
لوردةٍ تنامِ في سهولِ الآنسة.
الوردة
التي لم يقطفها أحد
تشتهى
رعشة الصباح
كلّما أقتربَ المطرُ من أسوارِها
كلّمَا لامستها يدٌ
وغابت في زحامِ الشهوات.