ظلال للهواء
أنطلوجيا الشعر البحريني المعاصر
المعد: الشاعر أحمد العجمي
أنجزت الطبعة الأولى من الكتاب من قبل جمعية البيت للثقافة والفنون في الجزائر 2007م. وهذه نسخة مضاف إليها ومعدل عليها.
ديباجة
تلعب الأنطولوجيا في الشعر دوراً فاعلاً بفتح نوافذ المعرفة والإطلاع على إنتاج وثقافة وذائقة الآخر والمختلف والمتعدد، حيث أنها تحاول وبحيادية أن ترسم البانوراما الكلية للمشهد الجمعي من خلال مشاهد فردية متجاورة أفقياً، ومتباينه عموديا، تحمل كل واحدة منها سماتها وخواصها التي تترك للمتلقي حرية الذهاب العمقي لاكتشافها وكشفها في ذات اللحظة.
ومن المهم أن نتيقظ إلى أن الأنطولوجيا، وهي تقدم خارطتها المحايدة نسبيا، فإنها بالتأكيد تتبنى لحظتها، ولا يمكن لها أن تتجاوز إلى المستقبل إلا من من خلال ما يترشح من مؤشرات، وما يومض بما تقدمه من نصوص قد لا يربطها ببعضها من وشائج إلا حضورها الأنطلوجي، أي أنها قد تفشل في وهب الصورة الحقيقية للتجربة الشعرية التي تقدمها، وذلك لأسباب متعددة لعل منها ما يتصل بأن النصوص المختارة لم تنجح في التعبير عن مسارات ونمو تجربة منتجها، أو أن هذه التجربة ربما تكون مرشحة للتطور أو الإنحراف بمسافات عما سجلته المدونة الأنطولوجيا في لحظتها؛ ومن هنا فإن الإحتراس أو الإحتراز فعل ضروري للنفاذ إلى مناخات وطقوس هذه التجارب، ومناغاتها، نظراً لما تمثله هذه المصفوفات الشعرية من ظلال متباينة ومتفاوتة في الجمالية، بل في الشعرية ذاتها وتوغلاتها الإبداعية!
ولعل هذه الاحترازات والمحاذير تبقى مهمة عند تصفح أنطولوجيا الشعر البحريني، ليتسنى للمتلقى وبهدوء أن يكتشف محاور التقاربات وحزم الاختلافات داخل المشهد الشعري الكلي، أو ضمن التجربة الفردية في حركة انزياحاتها إذا حدثت!
هذه التجارب التي تنتسب إلى البحرين في شعريتها الجغرافية، هي أيضا تنتسب إلى دوائر جغرافية وتاريخية أوسع لعبت التغذية الثقافية والجمالية التي غرفت منها وتحصلت عليها أدواراً مهمة في منحها صبغات أكثر تباينا وانحرافاً، وهذا ما قد يوضح مقدار التفاوت الشاسع في المنحنى البياني لنضج بعض التجارب أكثر من الأخرى، وربما لوقوف بعض النصوص أيضاً على مسافة بعيدة من الشعرية.
وعليه من الضرورة الإنتباه إلى أن حراك الشعرية البحرينية لا يمكن إختزاله في تجربة أو شكل أو زمن محدد، فهي تمتد في جذور التاريخ الحضاري والثقافي في دلمون وربما قبلها، لتتواصل بمنعرجات وأخاديد متنوعة، تبرق تارة وتخبو أخرى ترسمها حركة الشعر العربي منذ لمعان المعلقات إلى لحظة التمرد الحداثي. فأرخبيل البحرين نظراً لوقوعه في أقصى الشرق العربي على حواف الحضارة الفارسية ومن ثم الهندية ولطبيعته الجغرافية في تواصله وانقطاعه في ذات اللحظة عن الجغرافيا والتاريخ العربي، ربما جعل من التجربة الإبداعية في البحرين وعلى امتداد نهر التاريخ تجربة تذهب إلى التواصل القوي مع الحركة الإبداعية العربية لتمثل نقطة توترها في أقصى طرف القوس في علاقة تآثرية مع حركة الحضارات المجاورة؛ هذا التآثر الذي يمنحها صبغات ومهمات إيجابية من أهمها سرعة ومرونة الاستجابة للتحولات الجديدة التي تلامسها، والإنفتاح على التعايش وإعتماد التعددية التي تنحاز إلى الخلاسية، عبر الاصطفاء؛ وبالطبع هذا الطقس هو ما تتمايز به الأطراف عن المركز، من حيث أنها تصبح المجسات الأولى للاتصال والتفاعل مع الآخر المختلف، ولهذا فإنها لا تكتفي بأن تكون مستقبلة أو قنطرة للاتصال بالآخر، وإنما تسارع دوماً إلى ممارسة التأثير الحيوي وربما تصبح من أهم منابعه؛ ولذلك علينا الالتفات على أن الحركة الشعرية في البحرين عندما تلقت التغيرات في الحركة الشعرية العربية تجاوبت معها بروح منفتحة، وبادرت مبكراً على أن تكون نقطة إشعاع فيها، وربما هذا ما يوضحه الدور والأثر الذي تركته مجلة (كلمات) التي أصدرتها أسرة الأدباء والكتاب في بداية الثمانينيات من القرن العشرين، والتي اشتغلت على الدفع بالحركة الأدبية والشعرية خاصة إلى آفاق إبداعية أكثر توغلاً في مناخات الحرية والفنية.
وقد اعتمدت هذه الأنطولوجيا في منهجيتها على عدة نقاط ودوائر، تمثلت في:
- رصد التجربة الشعرية الحديثة التي أنطلقت في نهاية الستينيات من القرن العشرين، والتي أختارت تجربة قصيدة التفعيلة، وما بعدها، ولم تلفت إلى المنجز في القصيدة العمودية.
- رصد وإدراج كل التجارب التي أصدرت ديواناً شعرياً واحداً على الأقل، وأهملت التجارب التي لم تتورط حتى هذه اللحظة في طباعة ديوانها الأول.
- اختيار الشاعر ذاته لنصوصه التي يراها تمثل تجربته، باستثناء حالات نادرة جداً قام فيها معد المادة باختيار النصوص.
- لم تذهب الأنطولوجيا إلى تقييم وإصطفاء التجارب التي ترى فيها النضوج، وإبعاد التجارب الأولية، وإنما أرادت أن تعطي صورة أفقية عن المشهد الشعري فتركت للمتلقى حرية الكشف.
- تم تسلسل الشعراء تسلسلاً ألفاً بائياً.
تبقى الإشارة إلى أن هذه الأنطولوجيا عملت على تغطية جميع التجارب المختلفة حتى لحظتها، ولكن وللأسف سيكتشف المتلقي غياب بعض الأسماء، وهذا ليس إهمالاً أو تجاوزاً أو نسياناً، وإنما راجع إما إلى الإعتذار، أو عدم استجابة للدعوات المتكررة التي قدمت للمشاركة. كما أن هذا المنجز قابل للإضافة والتعديل بما يستجد متى ما توجب ذلك.
أحمد العجمي
إبراهيم بوهندي
- من مواليد البحرين – المحرق- عام 1948.
- ماجستير إدارة أعمال، جامعة شفيلد هالم بريطانيا.
- رئيس أسرة الأدباء والكتاب البحرينية.
- حائز على وسام الكفاءة من الدرجة الأولى موجب الأمر الملكي رقم 32 في أكتوبر 2002.
صدر له:
- إذا ما طاعك الزمان - مسرحية شعرية بالعامية البحرينية.
- سرور- مسرحية شعرية بالعامية البحرينية.
- هل يجف القلب - مسرحية شعرية بالعربية الفصحى.
- أحلام نجمة الغبشة - مجموعة شعرية بالعامية صدرت في عام 1974.
- أشهد أني أحب - مجموعة شعرية بالفصحى صدرت في عام 1987.
- الوطيسة - نص شعري بالفصحى صدر في عام 1994.
- غزل الطريدة - مجموعة شعرية بالفصحى صدرت في عام 1994.
- قيام السيد الذبيح - مجموعة شعرية بالفصحى صدرت في مارس 2006.
أبعد ظلّكَ عن شمسي
للشوق في لغة المحبةِ
كلُّ أسرار التجلّي
فأغمد سيوفكf
وأبتعد
ها قد فتحتُ على الهوى
بابي
وهيّأني الحبيبُ
لكي أصلّي.
من كان في محرابهِ
عشقُ الأحبّةِ
يصطفيه الحبُّ
يبعثُه
ليرسل حبرهُ
في ما يصوغُ
وما يجلّي.
ها إنني أسعى
إلى حلمٍ
يُفيض على الحنانِ
يُعيضُ من دفء القلوبِ
عن المكانِ
هنا أحاورُ بالورودِ أحبّتي
متهجّداً
أتلو كتاب محبّتي
وهناكَ آلافٌ من العشّاقِ
يتلون المحبَّةَ
في كتاب العشقِ
مثلي.
فأطلق سراح الشوقِ
في أوتارنا
صوب الفضاءِ
فما لنا
إلاّ التعانق بالغناءِ
وما لمن
يخشى محاورة الحروفِ
سوى الكتابةِ في الهواءِ
متى تهبُّ الريحُ
يمضي ما كتبتَ
يحوم حول الأرضِ
صوتُ الحبِّ
يمطرها
رياحيني وفلّي.
ها أنا الآن أصلي
في غرام الحب
في بعضي وكلّي
للذي لم تعطني
للضوءِ
فأبعد
لا تقف بيني وبين الشمسِ
أرجو نورَها
ليسير فوق الدربِ ظلّي.
حسيس ليلة النجوى
تواجدَ حين رآهُ
بنار النجوم تغطّى
وعطر ماءَ الندى
تفيض العيونُ
إذا ما الغياب تمطّى
ويبزغ فيها إذا ما بدا
يبددُ شيئاً...
فشيئاً
ستار الظلامِ
ويستر في ناظريه المدى
تدنّى جليّا
وألقى على صدرهِ ما خفاهُ
تيقّنَ أن المساء اصطفاهُ...
صفياً
فأسبل دمعاً وأرخى يدا
تنجّى
تميدُ بهِ أرضهُ
يتهجّى...
كلاماً
يكون غراماً
حراماً
فيصعد حتى الثريا
ويرتدّ حتى الثرى
تميدُ بهِ أرضهُ
يتمادى
لعلَّ ارتعادَ الفريصة
كان عناداً
يرى في دموع الخشوع...
مداداً
تهادى إلى صدرهِ
فامتراهُ
يجادلُ في سرِّهِ ما سرى
تقلّب وجهُ المريدِ
بوجه المساءِ
دعاني إليك اشتياقُ الدماءِ
لنبضِ الهواءِ
فيا من له في غياب الحضورِ
تخطُّ القوافي
بما في الصدورِ
فتحت بصدري كتاب الوصالِ
فلا سمعت ما قرأتُ المدائن
أو حفظتْ ما كتبتُ القرى
دعتني إليها
فخضت البحارَ...
بشدو الصواري
وطفت القفارَ...
بحدو الصحاري
أخطُّ وألقي إليك العُرى
دعتني إليها...
استجبتُ
فهمّ بنا قمرٌ
يتغطّى بثلجِ دِمانا
أتى في الزمان
القريب البعيدِ...
أتى من تولّى
وثم أتى من أتانا
يقلّب فوق الوجوهِ سنين العنا
إذا ما رآنا بلغنا الجني
وأثمرَ فوق المكان هوانا
دعانا
إلى غيمةٍ في المطرْ
وأولم للطير
إن أكلتْ
قيل خيراً
وإن جفلت
قيل شرْ
تقرّبَ
لا تستجيبُ
تقربتُ
يرحل عن مقلتيها الكرى
توحّدَ
حتى أحس التوقّدَ
كنت وحيداً
أشطُّ
أخطُّ
وأمحو
فيعشب في راحتيّ الثرى
ترددتُ حتى أتيت السؤال
فكنت غريباً
أثيرُ سؤالاً
وكان مريباً...
يبيح دمائي
فإما ضريحاً مع الأولياءِ
وإما ذبيحاً بأمر السماءِ
دمي
لست أدري
لأي اتجاهٍ دمي قد جرى
فهل فيما أراك تراني ؟
وهل فيما تراني أرى ؟
وهل ما تثير الهمومُ...
يسفّ عليها
فثمّ تزول ؟
وهل كل من لا يمدّ الحياة...
له في الحياة حياةٌ تطولُ ؟
وهل كل عشق لنا
مثله في الزمان جرى ؟
أجبتُ
فكنت طريداً
أطارد ما خبأوا في السنين ِ
وكنت سعيداً
أقاوم فيّ بقايا الحنينِ
وكنت مريداً
لصوت ٍ أماط اللثام
فأفصح عمّا أراهُ
وللمستحيل انبرى
تجلّى
وللنور صلّى
أصابت رؤاهُ
فما صلبوهُ
وما قتلوهُ
ولكنّ من باع في حبهِ واشترى
صار حبر المكانِ
وبدر الزمانِ
وصدر الورى.
غشية الماء
هذا سبيلُ العاشقين
إلى الحبيبِ
أشارَ
فانكشف الطريقُ
وراحَ يجمعُ
ما تناثرَ في السماءِ
من الشروق إلى المغيبِ
لغشيةٍ
يجلو بها في دربهِ.
يمشي على غيمٍ
ويغطس في الرياحِ
إذا سنا في البرقِ
يسألُ أو يجيبُ
يحارُ فيهِ الشكُّ
يُخطىء ما يصيبُ
تصيدهُ الكلماتُ
يطلقها
فتختله السجونُ
تهابهُ الظلماتُ
يخرجُ فاضحاً سرَّ المحبّةِ
لا يغيبُ
هواهُ ينطقُ
والرؤى تسري بهِ.
نارٌ تطاردهُ
تراودهُ
على أن يختبي
لكنّهُ يمضي
تقلّبهُ السنونُ
يكون فيها المجتبى حيناً
وحيناً يجتبي
حبراً تسيلُ به الظنونُ
فتارةً
يبدو على صفةِ الجنونِ
وتارةً
يبدو نبيّاً...
كلّما ذاقتهُ سكّينُ المنونِ
يحلُّ في قلم الزمانِ
على السكونِ
بوجدهِ
علَماً يكونُ
فأينما نفدَ الكلامُ
ترى بما كتب العيونُ
تبوحُ في لغةِ البحورِ
بما بهِ.
نفثَ السريرةَ في الصدورِ
تراقصتْ فيها الحروفُ
تطوفُ
ما بين التوقدِ بالحقيقةِ
والتوحّد بالتمائمِ والنذورِ
جليّةً
مشت السريرةُ في الحروفِ
تعطّلتْ لغةُ الكلامِ
يضمّها ويجرّها
ويقول فيها من يقولُ
بسرّها يدري
ولكنَّ المحبّةَ
أودعتها روحَها
لغة المريدِ
تكلّمت في قلبهِ.
أصغيتُ في نبض البحورِ
سمعتها
تفشي بما كتم المحبُّ
وما رأى في حبّهِ.
قفّيتُ بالأشواقِ
آثار الهيامِ
رأيتهُ
يستقبلُ الماءَ
يصلّي في القعودِ
وفي القيامِ
رأيتهُ يصغي
فيهمي ساجداً
لمّا تيقّنَ ما أصابت روحهُ
في قربهِ.
أدركتهُ
يصغي لتسبيح العروق ِ
كأنها توحي لهُ
أن المحبّةَ
باركت ماءَ المريدِ بشربهِ.
قلّبتُ ما بين السطورِ
قرأتُهُ
ينهالُ في ومض البروقِ
مسبّحاً للرعدِ
في مطرٍ يصبُّ
يلوذُ من خطرٍ
يعوذُ بمن يحبُّ
يقولُ
إن الماء حيٌّ
لا يزولُ
وإنهُ صبٌّ
إذا لمس الجمادَ
يذيقهُ طعم الحياةِ بصبّهِ.
قلّبت ما بين السطورِ
قرأته
يسعى
لما كشفت له خلواتهُ
يرقى
يغيبُ عن الحضورِ
يعودُ قدّيساً
تُقدّم كلَّ ما يرجو
من الماء الفصولُ
يذرّه للطيرِ
يسكرهُ القبولُ
يقولُ
تعرف ما أفاضَ
تسير له السيولُ
يقولُ
يطوي شرقَهُ في غربهِ.
قلّبتُ ما بين السطورِ
قرأتُهُ
لمّا تهجّدَ
فاحتوى كلماتِه سرُّ الحياةِ
محدّثاً
إما بما قالت له الطيرُ
وإما بالذي يجري
من السُقيا
بنعمة ربهِ.
قلّبت ما بين السطورِ
إذا بها
تفضي بأن الماءَ
مخفوراً بما تخشى القلوبُ
من العقابِ
يصبّ في وجلٍ
إلى أجلٍ مسمّى في الكتابِ
يجيءُ في وحي المريدِ
إذا أتى من غيبهِ.
قفّيتُ بالآمالِ
خطواً في الرمالِ
قرأتُه
يدعو
فتحمله السحابةُ
حيثما شاءت لهُ
عينُ الخيالِ
فتارةً
في هالةٍ بين السحابِ
وتارةً
في الطيرِ
أجمل ما يكونُ
وحولهُ تبدوا النجومُ إذا اختفى
وإذا بدا تجري بهِ.
قلّبت ما بين السطورِ
قرأتُه
يمشي على موج البحارِ
وخلفهُ سمكٌ ينطُّ...
ويستقر مباركاً في جيبهِ.
قفّيتُ بالعشُاقِ
آثار المحبّةِ
كان لي قلبٌ
يطهّرهُ من الريب الخيالُ
إذا تمادى في السؤالِ بريبهِ
فجعلتُهُ قلماً
تلاحقهُ السيوفُ
يخطُّ ما يمحو
عيوب زمانهِ في عيبهِ
إن المحبّ إذا يموتُ
بحبّه يبقى
ويفنى من يعيش بذنبهِ.
قرأتُ ما قال النذير
تملّكني ما يشبه الإدراك في الغشية ...بين حضور أو غياب...
وقفت عنده يشدّني فيه الترنّحُ... لا يأحذني منّي ولا يعيدني
إليّ...
يستنشقُ الجهةَ التي...
هبّت على أوراقِهِ
فيخاصم الطيرَ التي...
عادت لهُ
لتريحَ من سيفِ المنونِ ...
الشوقَ في أشواقِهِ
عودٌ
يقلّبه المكانْ
تهُزّهُ ريحٌ
تسوقُ صفيرَها
فتطيرُ
ترصدها الكمائنُ
والمدافنُ
والهوانْ.
جهةٌ بها شرَكٌ
وأخرى
فتّحت فى الغصنِ
منها
زهرتانْ
عصفورةٌ
يَهوي بها سفرٌ بعيدٌ
تشتهي في خوفها
عطرَ الأمانْ
لا تستقرُّ
تُحيلُها الأولى
إلى الأخرى
تطيرُ
فتذويانْ
قيثارةٌ
تستمطر العشاقَ
في أوتارها
لحبيبةٍ
يغفو على شبّاكها...
قمرُ الزمانْ
تستنشقان الريحَ
في وعد الصفيرِ
فترجفانْ
عصفورةٌ
تحتار ما بين الزهورِِ
ونغمةٌ
أوتارُها تجفلُ ...
من ريش الطيورِ
وما خفى
قال الصفيرُ:
وربما
في كل واردةٍ
وشاردةٍ
فلا وردٌ يفيقُ على الخدودِ
ولا إلى...
وعد الهوى...
وصلُ الأحبّة بالورودِ
ولا يكون الطيرُ في شعرٍ
تغازلهُ الحسان
قال الصفيرُ:
فلا تحطُّ.
ولا تطيرُ
قرأتُ ما قال النذيرُ
إذا بها...
تبدو على سحب الغبارِ
إلهة الموت التي...
جلست على صدر الجنوبِ
وكلّما...
دخلت على جهةٍ
تولّي رأسَها شطرَ الشمالِ
يحفّها لهبٌ
ويتبعها دخانْ
يقال ُ
في أحضانها...
نامت رؤوسٌ
لم تكن يوماً
تطالُ
يحفّها لهبٌ
ويتبعها دخان
فبأيّ آلهة الدمارِ ...
الأمرُ كانَ
بأي آلهة الدمارِ...
الأمر كان؟.
***
إبراهيم شعبان
- من مواليد البحرين – سار - 1963.
- بكالوريوس لغة عربية، دبلوم مشارك في الحقوق.
صدر له:
- قدري - 1992م- بيروت - دار الصداقة.
- المرأة ترفض الصلح - 1993م - البحرين - مطبعة الهاشمي.
- على حواء الفاتحة - 1949م - البحرين - التقدم للعلاقات العامة.
- مع الحب وطن - 1994م - البحرين – التقدم للعلاقات العامة.
- ليس للقلب حبيب واحد - 1997م - بيروت – المؤسسة الجامعية للدراسات.
- سبق الحب العذل- 1998م - بيروت - دار الفكر العربي.
- هزي اليك بقلبي - 2000م - بيروت - دار الحرف العربي.
- فجر الكلام - 2001م - بيروت - دار الحرف العربي .
- زبد العدمية - 2003م - بيروت - دار الكنوز الأدبية.
- عربائيل - 2006م - بيروت - دار الحرف العربي.
- محفوفاً بالمشاعر – 2008م – فراديس – البحرين.
زهر القيامة
من شَطيرةِ روحه
تغمسُ قبائلُ الشرقِ
ومن فرطِ حبه
تتفجرُ أياماً حبلى
بالشِعرِ
والماءِ السومري
إنه رفيقُ الزهرِ
وزهرُ القيامة.
الدعاء
توقفوا عن الدعاء
الأرضُ لا تميزُ بيننا
منذُ القِدم
الخائفون يؤولون وجعَ التغيرِ
لا أهلُ (عادٍ) يعرفون عزرائيلهم
ولا (ثمودُ) استنطقت شراً
توقفوا عن رحلةِ شراً
توقفوا عن رحلةِ النجوى.
قِبلة الأيام
أنا يا قِبلة الأيامِ رحّالٌ
أسابقُ نبضَ أشواقي
وأنتِ الماء والنيران
أنتِ الروح للنجوى
أشمُ حديث كفيّك
وأبحرُ في حقولِ الشَّعْر
لا أدري الذي حولي
كأن الليلَ غطى الصبحَ
كأن الصبحَ أخفى الليلَ
وفي عينيكِ إرادتي
عشيقاً منجمُ الألوان
هنا الأزرقُ يغريني
هناك الأبيضُ الأخادُ يبهرني
هنالك طائرُ اللقلاق
يغويني على الإغواء
بين الحينِ والحينِ
وحيداً أستقبلُ الحلمَ
أٌداعبُ شلةً من تبرِ
أنادي في جلالِ الصمتِ
يا الله
يا الله
أنا في برزخِ التفسير
أُسائِل عن مدى عيني
أُسائل عن يدي أين ؟
أراني في انعدام الحسِ
يا الله
يا الله
أعنّي في خطى حواء
وفي موتي الجميل الآن
في إحساسي الأشرس
أعنّي إنها المرأةُ
أعنّي إنها المرأةُ
ومن في حضرةِ النهدين لا يخرس
سيأخدني أنا قلبي
إلى صفصافةِ العِرفان
إلى أقصى حدودِ الوهم
سيأخدني أنا عقلى
إلى كل بحارِ الفكرِ
إلى اللاوقت
أحيا في صدى ذاتي
أنا من قاب قوسين
أنا المتشابه المُحكم
ومن يعلم
أنا أزعم.
يا أخت هابيل
ما زلتُ أتلو سورةَ العصيانِ
أعبرُ ساحةًَ الآتي
وأبدأ من ختامي
ما زلت محتضناً حَنايا
كل من جاءوا
ومن باتوا أمامي
لم أحتسي يوماً كرى الأوهام
من بعد التحاقي جوقةَ الكهّان
مَن يوحي كتابَ الأرضِ للملكوت
يغلقُ بالعقول اليوم أبواب السماء
يؤنسنُ العلمَ المجددَ للأنامِ
لا تحتجب عني أيا قلبي
هنا الأرحامُ لا تحنو
وأهلُ الغيبِ قد ناموا جميعاً
فوق أمواجِ الظلامِ
يا أخت هابيل انثري
كلَ الشرائع تحتنا
لم ينتصر أحدٌ من الموحى
ولم يدخل هنا عقلٌ
بظرفٍ للزمانِ والمكانِ
من عهد " سومر " هاهنا " أنكي "
تبيعُ الماء للناسوت
يقبعُ هيكلٌ من رملِ
في رحمِ الدخانِ
لن أرتجي اليوم الوصايا
لن أعيشَ بدون رؤيا
لن أعيش بغير عنوانٍ
ولن أنساق في نهج الهوانِ
يا أمةَ الصحراء قومي
من ضريح الصمت
بعضُ العيشِ أسوأ من فطامِ
مرت هنا كل الجيوش وما وعى
شعبُ الحسامِ
وأنا أنا أبكي حماسةَ اهليَ الثكلى
واشكو من قضائي
يا ربةَ الأحرار ما عاد
النخيلُ هنا عصىّ القول
وقوم اللاقضية في انسجامِ
يا أخت هابيل اشهدي
قد خاب في المشكور رجائي
كلماتي الجرحى تئنُ من البكاءِ
لا وهج قدّامي
ولا سيفٌ يكر على حسامي
آه من الشعب الذي ما زال
يخشى الليل يستجدي من الريح الأمانَ
يبايعُ التوراةَ في موتِ السلامِ
مليون عامٍ قد مضي عنا
وأحفادُ " الغنوصي القديم " إلى انقسامِ
كم مرةٍ نبقى ضحايا الحدس
نؤمن بالخطيئةِ والحرامِ ؟
لا تكفوا بي يا شعوبَ قصائدي
بين المقابرِ والمقابرِ وا أنا
ما عاد يسعدني مقامي
إني رهنتُ فراشي المبثوث للآتي
وكوّمتُ الخيامَ على الخيامِ
هم يكرهون النهرَ أن يجري
وصوتَ الطفل
والابحارَ في دِين الغرامِ
يا أخت هابيل اكتبي
فأنا الموصى اليه بلا كلامِ
ساموت بعد الموت
فالموتى هم الموتى
واني والممات على خصامِ
ساموتُ لكني
سابدأُ من ختمامي.
***
أحمد رضي
- من مواليد البحرين – المعامير-، عام 1981.
- بكالوريس تربية، تخصص علم نفس، جامعة الكويت.
- يعمل في التدريس.
صدر له:
- طعم شفاهكِ – 2006م – دار فراديس – البحرين.
- تراتيل الخلاص – 2008م – فراديس – البحرين.
- نابذاً إليادة الشطرنج – 2010م – فراديس – البحرين.
في باريس غريبين
باريس
والشوارعُ متحفٌ وأغاني
والأزقةُ مسرحٌ للعاشقين
للقُبلاتِ الخاطفة
للقبلاتِ اللاهثة
باريس
والمطرُ الخفيفُ رشةٌ
من العطورِ والندى
تزينُ الساحاتِ بالآليءِ
والمطرُ الخفيفُ فرصةٌ
لكي نبكي معاً
بلا حياءٍ أو خجلْ.
ويهطلُ المطر
وأنتِ في ذراعي
هيلينُ في البهاءِ
وتحفةٌ
هاربةٌ من شرقنا
ككلِ آثارِ العرب
أحكي لكم عن امرأة
كانت تحبُ الشعر والسنابل
كانت تحبُ الياسمين والمسارح
هاربةٌ من سجننا الكبيرِ
ومن ركامٍ
كان ذاتَ يومٍ
يدعى الوطن!.
قبلَ الرحيلِ
لم تُكملِ الخمرةَ في كؤوسها
ولم تقل وداعاً
لأخضرِ السنابل..
لدفتر الأشعارِ في سريرها.
والآن في المنفى
هنا
تقلمُ الأحزانَ والألمْ
وتخبزُ الحبَّ مع الأملْ
رأيتها بصمتِ راهبة
تحيكُ للضمير
سجادةً الصلاةِْ
سيدة الحماقةِ الجميلة
أرجوكِ صافحي الورقْ
تّساقطُ الشاماتُ من يديكِ
وتمطرينَ أحرفاً
وتزرعين في البياضِِ
شجراً مباركاً
ثمارهُ لهب.
سيدةَ الرياحِ والمطر
فلتمنحيني الوقتَ
والنبيذ والهدوء
كيما أستدعي جسدي
فهوَ الآن
حسبَ التوقيتِ العربي
يخضعُ للساعاتِ الرملية.
فلتمنحيني الوقتَ
والأغاني والمقاهي
كيما أقرأ في شفتيكِ .
سِفْرََ التغييِر وأعجنَ نهديكِ
بمهارةِ فنانٍ تشكيلي ؟.
ليلٌ باريسي
ينسابُ
خفيفَ الروحِ كالظلِ
فترتدي المدينةُ الأساور
وتحضنُ الحاناتُ عاشقيها
وأنتِ يا نبيذيَّ المقدسْ
يا عشقيَّ الأخيرَ
يا قيامتي
قبلَ الخروجِ للسهرْ
أراكِ في غرفتنا الصغيرة
العشبَ ترتدينَ
تنتعلينَ النغمةَ الشرقيةَ الحزينةْ
تمشطينَ العسلَ الذي
يداعبُ الشاماتِ في حليبِ ساعديكِ
أراكِ
يا حبيبتي
ويا ديانتي
ويا قضيتي
في معبدِ التبرجِ
تدمدمينَ أُغنية ْ
وفي دمي
ينتفضُ البوردو ويشتعل
ورأسيَّ
فوهةُ الشمْبانيِّة.
في شقةٍ منسيةٍ
كنا وحيدينِ معاً
مثل الجنودِ في الخنادقِ
نقتسمُ السجائرَ
وحولنا الأثوابُ
كالجثث.
أقايضُ كلَّ تاريخي
وأعرضُ التراثَ في المزادِ
وأجعلُ النخل
راقصةً وضيعةً
من أجل قبلةٍ واحدةٍ
تحطُ كالفراشِ في شفاهي
وسطَ الزحامِ عندَ نهرِ السينِ
أمامَ
كل تماثيلِ الجسور العارية
ودهشةِ القوارب الرصينة
وفرحةِ القيثارِ في الشوارع
وكاميراتِ السائحين
قبليني يا حبيبتي هُنا
لا أحدٌ
في هذهِ المدينة
يموتُ هماً حينَ تلتقي
برعشةٍ.
شفاهُنا.
العطشُ الصحراويُ بقلبي
صيّرني أحدبَ نوتردامْ
لو أن الشاعرَ آرتور رامبو
كان يعيشُ
حيثُ أعيشُ
كم فصلاً في الجحيمِ سيكتبُ.
لو أن الشاعرَ بودلير
جربَ شُربَ الملحِ قليلاً
كم زهرةً للشرِ في بلادنا سيزرعُ.
الشمسُ
تعصرُ نفسها
ولونُها الزيتيُ في المدى
يلطخُ الكنائسَ
بالبرتقال
ويصبغُ الجدرانَ بالذهبْ .
الغيمُ في السماء
مثلُ خرافٍ تشربُ الزرقةَ في نهم
أراكِ تسرحين في البعيد
حيثُ الغيومُ ترسمُ المجهولَ
والخفيَّ في نفوسنا المعذبة
سنفترق
تلكَ هي الحقيقةُ الملتهبة ْ
نمضي غريبينِ
كما التقينا :
رسامٌ جوالٌ تعرفهُ الأرصفةُ
ينساهُ السائحونَ العابرون ْ
وأنتِ يا حبيبتي
آلهةٌ
لا وطنٌ
يعبدها
حتى تعطيهِ جناحيها
وتهيلَ عليهِ البركات
نمضي غريبينِ
كما التقينا.
لعنة الرائي
(1)
يا أيها الرائي
ياهارباً من النبوةِ يا جبانْ
خذ الكتابَ واقرأ سورة الإنسانْ
واحضن صليبَ الشِعر
واختر مصرعكْ
مطعوناً بالمجدِ ..
ما أروعكْ
غنِّ بكل ما أؤتيتَ من محبةٍ :
ياربُ اهبط كنجمةٍ
ترقصُ في لساني
ضائعةٌ روحي في السديمِ
كقطةٍ ..
تموءُ في شوارعٍ حزينة
خذ بيدي ..
عن ضجةِ المدينة
وامحُ غبار الخوفِ منكَ
.................... كي أراك ْ
يابحرُ ضمني
ولتنهمر دموعي
بصمتٍ في يديكْ
يابحرُ يارحبُ
خذ روحي في الأبد
خذني إليكْ
(2)
ينتفضُ الرائي :
مهلاً يامريدُ
مجدَ أخيلٍ لا أريدُ
مضغتُ عشبة الخلودِ
.................... ثم بصقتها
هربتُ من جهنمَ التي
................. كتبتها
سيأتي بعديَ المريدونْ
أشباهُ أنبياءٍ
ويرفعونَ جثتي / فزاعةً
ليطردوا الطيورَ عن حدائق الحبور
أرمي بما أخطُ في الهواء
هراء
هراء
وتسخرُ الرياحُ : لا أحدٌ يصغي لما تقول
تجاوزَ الخوفُ القلوبَ .. للعقول
تقهقهُ الرمالُ :
محموماً تمشي
وفوقَ حلمكَ الغرابُ
ولاصليبٌ.. يسندُ ساعديكْ
أسلافكَ انتهوا
ووحدهنَّ الآلهاتُ في السماءِ
يشربنَ نخبَ الحبرِ في كأس الدموع
كالظل تمشي كالسراب
أمكَ لاتُدركُ من تكون
ووحدهُ تبغُ البياضِ
يلثمُ ما .. تحرقهُ الضلوع!
(3)
لا الأرضُ ناغتكَ
ولا النجومُ انتظرتكَ
وهذا الهواءُ ..
لايروي رئتيكْ
ماذا .. تبقى لديك ؟
هو الحب يضيء
وأسألُ ما الحبُ ماشكلهُ
بأي سماءٍ يطيرُ
وكيفَ بضربةِ حُلمٍ
يدوزنُ طعمَ النبيذِ
ويعزفُ سُكراً خفيفاً
ويُهدي .. عيونَ حبيباتنا نجمتينِ
وغمازتينِ .. لضحكاتهنَّ
هو الحبُ حينَ يضيءُ
يطرزُ أنفاسهنَّ ببوحِ البحارِ
وأجسادهنَّ بعطرِ المطر
تقولُ فتاةٌ
وعمرُ نُهيدها
عامٌ ونصفُ
..بأن الهوى
ليسَ إلا اشتهاءُ
يدي للحديثِ الإباحيِّ عندَ
الشتاءِ , ودفءُ يدين تسيلُ
بكفي وتصهر ثلجَ الحياءِ بعيني
فأغفو ..
وتسألُ ما الحبُ ماشكلهُ
بأي سماءٍ يطيرُ
وكيفَ يُقلمُ شكلَ الغروبِ ؟!
رآني صديقٌ بمقهىً
أقطرُ ماءَ الأغاني
ومن فنجاني
أعبُّ القصائدَ قالَ :
وما الحبُ إلا إلهٌ
خلقناهُ نحنُ
ونحنُ سقيناهُ دمعَ الجروحِ
ذبحنا القلوبَ بمعبدهِ.. قرابينَ
نرجو رضاهُ
لعلهُ يحنو
ويسألُ ما الحبُ ماشكلهُ
بأي سماءٍ يطيرُ
وكيفَ إذا جاءَ
يشعلُ في صدرنا
فوانيسَ من رغبةٍ
وشموعَ بكاء!
وسيدةٌ في الثلاثينَ
تجمدتِ القبلاتُ على شفتيها
تقولُ : وإني أرى في مناميَّ
ظلاً وسيماً .. وفي يدهِ
قمرانِ وسبعُ سنابل
وحيناً أراهُ
ببحرٍ أليفٍ
يجدفُ نحوَ البعيدِ البعيدِ
ويغطسُ ..
في رحمِ شمسٍ تذوبُ!
وترنو الجميلةُ
نحو السماءِ وتشدو :
وأينَ هو الحبُ ماشكلهُ
بأي الموانيءِ يرسو
وكيفَ يعيدُ الحياةَ
لنبضِ الحياةِ
بكهفِ تجلًّى
غشانيَّ نورٌ وقالَ :
وما الحبُ إلا لهاثُ
غريبينِ يلتصقانٍ
ولايفقهانِ من الحبِ شيئاً
ولايسألانِ :
وما الحبُ ماشكلهُ
بأي سماءٍ يطيرُ!
***
أحمد الستراوي
- من مواليد البحرين- المنامة - عام 1972م.
- حاصل على الثانوية العامة – كيمياء وأحياء ، عام 1989م، ويعمل بالتجارة العامة. عضو أسرة الأدباء والكتاب البحرينية، عضو الملتقى الثقافي الأهلي.
صدر له:
- قميصٌ منذورٌ بالوقت، شعر، دار أخبار الخليج للصحافة والنشر، المنامة، 2007.
- خديجة، شعر، فراديس للنشر والتوزيع، المنامة، 2008.
له عدّة مخطوطات شعرية:
- لستُ نبياً.
- أنثى وصلاة.
- ظل فوق الظل الغافي.
- الملك المنسي - مسرحية شعرية مستوحاة من الرواية the forgotten king للروائي Jonathan dunn.
- سيرة جسد – سيرة.
جميلون
لشارعنا أجملُ الشعراءِ
بخيلونَ حدَّ الفجيعة بالنصِّ
يمتلكونَ مجرتهم ومقابرنا
يموتونَ حين تكون الحراسةُ أكبرُ من غيهم
قلتُ لهم:
هل تكون البلاغةُ
نصفُ ثيابٍ تعالج أزرارها
أو تكون المجراتُ أخرى تتيهُ
فقاموا من السُّكر جيشاً تكحَّلَ بالقتلِ
فضَّ المجازَ بشرقيةٍ
وانكسارين
قاموا من الظلِّ
مدُّوا لتابوتنا نصفَ أحرفهم
ومشوا لشوارعَ أخرى.
صباحات
في الصباحِ
أحدّقُ في شكل هذا القميصِ المطرّز بالنكهاتِ
ينامُ بداخله البحرُ
يومأ للسمكاتِ الجميلات في ثاني اثنينِ أزرارهِ
والبلاغةُ مؤمنةٌ بتفاصيلهِ
كيف قام بليلةِ قدرِ اشتهاءاتهِ
والصلاةُ بدون ركوعٍ عليه؟!
كيف تثاءبَ
فاختلَّ فيه توازنُ بيتٍ من الشِّعرِ
تحرثه العينُ إن كشفت بعض ما أشعلَ الله فيهِ
كيف تحرّرَ من ضجةِ النورسينِ
وضاءَ على شكلِ سنورتينِ
يُطلُّ لسانهما من وراءِ حجاب
حين نام الجنودُ على الحربِ
فرَّا على ظهرهِ
والقطارُ الوحيدُ يقرفصُ جلسته
في انتظارٍ لراكبتينِ
ولم تكُ عادته الإنتظار
في الصباحِ
أفرُّ لعرافةٍ في الجوار
ملامحها شبهُ عاريةٍ من صباحٍ جميلٍ
تُرتِّبُ وضعَ أصابعها
لا أشكُّ اليمينَ
تخاطبني بيقينٍ
( أمامك يا ولدي
مثل عمركَ هذا الطريقُ على جانبيهِ المشاهدُ والزغرداتُ
وأنثى بجلبابها علموها تمدُّ السنابلً سبعاً عجافاً
وأخرى
إذا ما تيبَّسَ من طينها نصفهُ لا تقل كيف؟
امش... ستلقاك أخرى بنصفِ رغيف )
في الصباحِ
كما هي عادةُ كل المقاهي
يضاجعُها اليائسونَ
أمرُّ عليهم وألقي التحيةَ
والنادلانِ يدورانِ مثلَ طواحين أي صباح
في الصباحِ
وعادتنا نتباهى إذا ما اكتشفنا فضائحنا
نعودُ إلى الحيِّ
نطوي انكساراتنا في الحقيبةِ
نُوهِمُ أنفسنا
أن أيَّ ابتسامةِ أنثى تُطلُّ علينا تباركنا
في الصباحِ يُطلُّ الصباحُ كما هو أيُّ صباح.
قميصٌ منذورٌ بالوقت
تيبَّسُ مني الشفاهُ
وحولي تشفُّ موسيقى
من الخجلِ الحطَّ في سترتي
أو تثاقلتُ باليأسِ
قنديلُ أمي يهيأُ بعضَ يمامٍ
تدهنُ قلبي
وتسحبُ أذيالها
تتحنى بصوتي
فأعرفُ كم رحلةٍ في الكتابةِ تلزمني
الجراحُ طبولٌ
قرأتُ عليها انعطافي
وصيّرتُ من بَلَحي في العراءِ
مماتٌ يليقُ بحناءِها
لستُ وحدي
فديوانُ شعري المصادرِ من أرجوانِ الترابِ
يشبُّ كعصفورةٍ لا ترتِّبُ ياقتها للخروجِ
يطلُّ عليها الصباحُ برقصتهِ
كأجراسِ ديرٍ لها من رمادِ البيوتِ أميراتهُ
كعروسٍ
نست أن تكون كربعِ البنادقِ مبتلةً بدمائي
نست قمحَ فستانها الليلكيِّ
فعضّت على وترَيْها
لستُ وحدي
أنا شبقٌ غزلته النبوءةُ
من زمنٍ تتشكلُ طينته بيدِ اللهِ
نصفُ الجدارِ تنامُ عليه سليلاتُ مائي
ونصفٌ أمالَ الجحيمَ لداليَةٍ
نسفَ الجنَّ عنها الغناءُ
_ لك الجسدُ المتسلقُ قامتهُ
_ والأباريقُ؟!...
تمتدُ فيها المنازلُ
لستُ وحدي
فكلُّ الحروفِ تسوّرت النبعَ
ألقت مفاتنها لأضاجعها
ليلةً
ليلتينِ
أقولُ السلامُ على الإعترافِ
فتحبلُ
تشهدُ أن الكتابةَ في الزمهريرِ تغادرها
تيبَّسُ مني الحقولُ
فتخرجُ قافلةٌ من ضحايا النبيذِ إلى غرفتي
متصوفةً
ضحايا تقصُّ حكاياتها
وضحايا تُراقصني
وضحايا أقدُّ فساتينها للمراثي
وضحيةُ عمري نستني
أُجالسها
ثمَّ وجهٌ من الصمتِ يغرقُ فيها
- تعالي ادخليني لأخسرَ أكثر
انتخبتُ هنا صورتينِ من الاشتعالِ
وعبّأتُ أشرعتي
ومناديلنا للذهابِ
تعالي
وكوني على جسدي وردةً
تتفردُ بي
لا أُنادمها ضجةَ السِّرِ
فمنذُ كتابينِ
أو شهقتينِ مساءيتينِ
خلعتُ الجنونَ على العالمينَ
تشظّيتُ بالسِّربِ أكثر
تصايحتُ
غادرني القرويُّ إلى حقلهِ
خالياً من سريرِ النساءِ يُسلي الجنودَ بِهُدنتهِ
خدعتُ الكلامَ
رمى من فحولتهِ
لغةً تتحزمُ بالصمتِ أكثرَ
قامتهُ؟!
من بدايةِ صيفِ المنافي
إلى طلقةٍ تفاجأُ بي
تستقرُ بصدري وترقصُ
يا الله... الرصاصةُ ترقصُ في وطني
خدعتُ الرياحَ
وكنتُ أسيرُ بعكسِ أنوثتها
ومقاسِ غرائزها
كنتُ فيما مضى
أحملُ التوتَ والزنجبيلَ إلى الرّيحِ
أنثرهُ مثلَ أيِّ قصيدةِ عشقٍ لأنثى
أُصادفها في الطريقِ
خدعتُ الشوارعَ
كنتُ أمشي وظلي يشابهني
وأنا اليومَ ظلي مصابٌ بقشعرةٍ
لا تهيأُ غدرانها لانحنائي
لستُ وحدي
فحين يصادفني العسكريُّ
أقايضهُ سيّداً جبليّاً
بحبةِ رملٍ ورائحةٍ من وطن
وأنثى ميلشيا
تقسِّمُ خطوتها للطفولةِ حيناً
وحيناً لجنيةِ الثوبِ شجَّرَها العضُّ
قلتُ لكم لستُ وحدي
فما زالت الحربُ تشبهها الحربُ
والطينُ يشبهه الطينُ
والـ.. يشبهه الـ...
والذي لا أسميهِ يشبهُ هذا الذي لا أسميهِ أيضاً
فكيف اختمارُ المراثي
يولِّدُ تركتنا للبياضِ
ونزعمُ أن القطارَ
يسيرُ إلى نومهِ هادئاً
والطواحينُ ما هدأت.
عار من الخطايا ( لنوتة النار)
وارتعشت نوتةُ النارِ في صدرهِ
كان منشتلاً في يديها
رمى مرمراً من قوافلهِ
وتحنى بلثغتها
اكتشفتهُ القصيدةُ بعد ارتفاعينِ عنهُ
بقى شارداً
كيف يطفو عليها
وكيف يصارحُ جنّتها
:إنه النارُ ما عرفت غير خاصرةِ الليلِ (فقهاً)
وكيف تصدّأَ والحلمُ يغسلهُ بالجنونِ
يفرُ للذَّتها...
تتغشاهُ
( يبنَ سواكَ
تركتَ صلاةَ المجازِ على جسدي
وانتبهتَ لنصِّكَ تذوي )
يقولُ ( أنا )
تتعارضُ في صدرهِ نخلتانِ
لأيِّ صغارِ البلاغةِ يوقظُ فتنتهُ
تقولُ ( كأنَّكَ )
وانداحَ كأسٌ يمرغُ نشوتهُ عند أبناءِها
يفضُّ من الحزنِ أختامهُ
ويقومُ يخثرهُ معبدُ اللهِ
تخرجُ منه الرؤى ويطهرهُ الخمرُ
تأخذهُ سِنةٌ في المسمى
لكَ اللهُ
أخضرُ مثلُ الرّياحِِ تمرُّ على وطني
يتبذّلُ طعمُ الجريءِ
ويُشرعُ شاهدهُ لصغيرينِ
بينهما برزخٌ لا يؤدي لغيرِ الذي لا يُقالُ
ستفهمهُ الطيّباتُ إذا ما انتهينَ لقافيةٍ عند سدرتهِ.
***
أحمد الشملان
- من مواليد البحرين – أم الحصم - عام 1942.
- محامي،. حاصل على ماجستير في القانون الدولي من جامعة الصداقة بموسكو. عضو في أسرة أدباء وكتاب البحرين.
صدر له:
- زنابق العشق - شعر، البحرين، 1987.
- الأخضر الباقي - شعر، البحرين، 1989.
- رائحة في الذاكرة - شعر، دار الكنوز الأدبية - بيروت، عام 1998.
- ملفات الجزيرة العاشقة - شعر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت 2005.
- ملكة باربار - مسرحية شعرية، البحرين، 1994.
- المحو والكتابة - مقالات ودراسات نقدية، دار الكنوز الأدبية - بيروت، 1999.
- أجراس الأمل في جزئين - مقالات عموده الصحفي بنفس العنوان.
- نقد ومسرح – مقالات في المسرح، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت، 2005.
ولــدي
ألم أوردتي جناحين
وعيناي الرفيف
فترف بي حوائط الغربة
منديل غريق
من يسميني
ويعصب الناي العليل
أواه لو أنشد أزمتي
وأسرج البرق طريق
وأمد من هجير النفي أوتاري
مراثي للحبيب
يا سلال "الجلوة" الحيرى
على قرانا الثكلات
هل سلوتِ الخطوَ
أم تعشبت فيك الثمار؟
فلماذا تنزعين عن كفيك هناء المواسم
وتوشمين بالحداد أحداق المآذن ؟
فتحت لها القرى ذراعيها
وضمتها تميمة
ورمت عن صدرها
حزن أغانيها القديمة
وعبارات السواد
طرّزتها
رطبا..
توتا
ترانيم سواقي
و وشاحاً قزحياً
ينثني في التفاتات صبايا
نقش الحناء في راحاتها
الحلم هدايا
عيدنا اليوم الزيارة
مثلما نمشي وقاراً
في رحاب الأولياء
مثلما نخشع في الحضرة
همسا
لنُسر الأمنيات
ها هنا في حضرة الأم
نُسارر النجوى
صدّيقةٌ هي
كسرِ الأولياء.
***
هي ذي تسمي السر
برعم الحياة
فتنهش منها العقم
تمسح الأسماء
تويجاً و رغيف
فتعيد للرحم سديم الخلق
تسمي الياسمين طفلة
تهوى العناق
هي ذي تعطي كليماتٍ
لبحار طريد
فيلمُّ حوله سواعد البحر
ستار
هي ذي تمضيء في
زنزانتي نشيد
فيصير السجن
شهوات النجوم
هي ذي هي
لم ينطفأ وميضها المنثور في الأرجاء
في قلبي يمور
يتوهج
يتوهج
يتوهج
علمتني
علمتني كيف أجتاز المقابر ؟
كيف أجتاز المخافر ؟
كيف لا أعتاد صمت الخوف
في ليل المهاجر ؟
هي ذي أمي
و تغسل الأرزَ
كما تغسل
قلوب الأصدقاء
تسرد الليل صلاة أن يسد الله
عن عيون الجند
روحات رفاقي
ترتق جوربي
وتحت عنقها تخبئني
ها أنا منشورك السري أمي
طفت من بحر إلى بحر طلاسم
من ذا يفك الختم عني
ويغرسني مواسم
من ذا يلم أمطاري
ربيعاً في العواصم
من ذا يسميني
ويلثمُ دمعتي
على خد البراعم.
***
أضم أوردتي جناحين
وأحزاني قوافل
ساومها على الحدود
حراس العوائل
فبكت على صدري
شظاياها الطريدة
كنت أعرف
أن اسمك الممنوع في الاوطان
موعوداً على بوابة الحلم
أشيل زوادة جرحي
أطرق
الأبواب في المدن التي تقول:
لي نعم
ولا تعرف لا
وتجمل العبارة
على قلانس الصبايا في سمرقند لمحتك
ابتسامة خجولة
وأقبلت طشقند تسألني الزيارة
قلت:
يا أختاه ما زلنا
نهش عن جوانحنا الخسارة
علً ركب الأم يأتينا
بأسرار البشارة
وتلفتُ حولي كسير
أخذت الصوت بين كفي
تنكبت مزاميري.
***
إلى أين الرحيل ؟
إلى أين الرحيل يا من
توصد الأبواب في وجهي
وتسألني الرحيل!
تائها في لجج الصمت
مأسوراً وحيد
آه
يا أمي التي أمدتني الحياة
علمتني كيف تهمس الأطيار ؟
كيف أصغي للسنا ؟
كيف يمتد العطاء ؟
يلد الناس
ويجتاز الفناء
كيف أرثيك وأنت في
جلال الصمت دمعة الرثاء
كيف أرثيك وقلبي المقتول
أولى بالرثاء ؟.
***
أنا الراثي المرثي
وقلبي يكتوي بي
أمي التي حامت لها الطيور
وتفتديني
ولدي !
يا ولدي
علمتك الصمت
على الشدائد
ومسحت صدرك بالآيات
بسملت وكبرت بأذنيك
فلا تخذلني عند مضيفي
أمي:
ولكن الطيور تدعوك
الطيور الخضر لأياك ترفُ
اليوم يا أمي ستجتليك
أمي
فلتأخذيني
ولدي
يا ولدي
أما زلت صغير
كلما دعاني الناس
تعلقت بأذيالي.
خذيني !
أمي
حبيبتي
أهذه رحلتك للراحلين
أم جلوة عرسك ؟
أراك باسمة
والدموع حبيستي
يا ليت بالدموع تسمحين
مسحت جبينها
ابتسمت
وأغمضت
عيونها للحظة تسرح شعرها
أسرعت
بالمرآة ذهول
فأومأت لي منهكة:
"لا يا ولد"
الطيور الخضر مرآتي
والمرآة وجهي
للطيور الخضر
تنظرني وتمسح ريشها
تهاديني المسير
في حضرة من أهوى
حبيبة أعود
عذراً..
تزف إلى الحبيب
خضبوني يا بنات بالعطر
الذي ادخرت لليوم
وزغردن
ولا توقظن أبنائي
فأبنائي نيام.
وحدي الآن سأفتح الأبواب
وقتما أشاء.
طائر أخضر آتيك بني !
طائري الأخضر طار
طائري الأخضر دار
طائري الأخضر حطَ في الشباك ليلاَ
فانجلى الليل نهار
حطَ في كفيَ غصناً
طلعت منه الثمار
طائري الأخضر مال
فوق أمهاد الصغار
فتحوا أعينهم
قاموا كبار
طائري الأخضر بان
بين أقواس النجوم
قلت لو تغفو على كفي
فطار
طائري الأخضر
طار
طائري الأخضر
طار.
وجه للحلم
ها فتح البحر شرايين الذبائح
ونيران القرابين تنوح مطفأة المباخر
مَن أيقظ الشفاه عن الشفاه
ووزًع الموج شظايا تحتضر
من همى كشلوٍ مستباح
رافلا في وهج الدهشة بالقوس
وبالناى ومزمور التجلى:
سأسوق أورادى في المجرّة فانهضي
من نومك الطرىِِ ،تلفعى جفّنى مرقدك الأثير
لعل قلبك يستريح
أو لعل قلبي يستفيق
لا توقظى الشفاه عن الشفاه
ودعى ردائى في الضفاف ليحتويك.
***
وترٌ يطير من صدرى لأقواس المغيب
فأزرع رحلتى مطراً على الصيف الغريب
من همى للتوِّ شلواً في الصباح
للعناقيد هديل الدم
وللجذر صهيل الدمع
والنهر
كان النهر مشغولاً بفوديه
ومسدلا ولهَ الغياب عن النخيل
وردة تبكى
وصاريةَ تسيل.
أتلك أسئلتى ؟
أم تلك ألسنة الحريق ؟
وما برحت أخطٌ آخرة الطريق
وكأننى أخطو ببادئة الطريق
تلعثمت الحروف وكررتنى
فلمى القطرَ عن رئتى
دعينى أغمد الجرح ليطفو
ولك الذبيحةَ والمباخر
لك السرادق والاكاليل
وإنشاد الشعائر
واتركينى
أخط على الضفاف وميض وقتى
وأطفئ بالحريق شواظُ وجدى.
***
وها فتح البحر شرايين الذبائح
ونيران القرابين تنوس مطفأة المباخر
مدى يديك وامسحي على قلبي الحناجر
قولى بأنك تغفري هذي البشائر
لا الشمس تقبل أن ترد مواكبي
ولا النجمُ يكابر
ولا بحور قصائدى ستنحني بين المقابر
مدي يديك تخاصر قافيتي الأثيرة.
***
ها فتح البحر الشرايين
وأنت أدرى أين تنبلج المرافئ ؟
تحاصرك الصبايا تزف موجتك الأسيرة
ولا شواطئ فى الأعشاب تحيك لك الحصيرة
فلنحتس قدح الرحيل
إلى مرافئنا الأخيرة
مجدافك الباقى تلاشى
والشراع نأى صفيره
فتسللي أصابع الحلم إلى الموج مجاديفا
توحدي ليلكة للعاشق المجدول
حول نافذة الحبيبة
تطل من الرقص الأخير
حبيبتي
لتدعوني إلى الرقص فأنسى
تبكي وردة في الكأس
من يشم عبير بسمتي الحسيرة
يختصر التوجس خطوة
يدنو إلى الكأس
لتدنو
خاتمة الظهيرة
مدّت جدائلها فغيبتني
ومشت رموشها فما رأتني
ربما ترسو فأنسج ساعدي
وأدس طائري المغرور في جنة خوفي
فمن يزيح الطحلب الفضي عن هدأة أمسي
كانت الأطيار حبلى بالتمائم
والرمال
تنوس من ثقب وتهذي
"وطني الذي يبكي على وطني
متى الأحبة غابوا عن الوطن
ريشي يبلله شوك من الوهن ؟
هل أنت غارسه
أم مغزل الوطن ؟"
وكدت أنسى
كاد البحر يطويني ويسلى
لو بقية الرمل تناءت جدولا
لأيقنتُ البداية
قلت أنسى:
فلا لحم الولائم من نصيبي
ولا كوخ الزمان يفي حبيبي
وطني الذى أبحث فيه عن وطن
يرث المراثي
ويرميني
حواراً للزمن
أتمتم يا وطن !
أتمتم يا وطن !
كيف تبذرني أناشيداً
وتقطفني كفن !
***
ما الذي فرق عن نافذة العشق
حبيباً عن حبيب ؟
ما الذي أيقظ في الحلم
شفاهاٌ عن شفاه ؟
من همى شلوا
وكان أنفاس الصباح
معلناً بسمته
يجوس فى أقاليم البكاء
أهذه قافلتي
أم غيمة السبايا في النهار ؟
سقط
الغبار
على
الغبار
وسال لحمي المستباح
أوجه طفلي مس خاصرتي أم رايةُ تهتز في الحطام ؟
سقط
الغبار
على
الغبار
أرأسي المقذوف هذا
أم ثلج الرثاء ؟
سقط
الغبار
على
الغبار
وما ارتوى مطر السؤال ؟.
***
وتر يطير من صدري
فأهرب فيه
شدني سهما
وشدَ الأرض قوسا
تحتبيه
من أنا سوى حرف
تغنته قصيدة ؟
استحال العمر فى كفيه
فتحاً للقصائد
وشريدا في الطرائد
كلما ضمد جرحا
نزف الجرح قصيدة
رسم الحرف حريقه
ما الذى ينزف منا
والمدى يطوي نشيجه ؟
كيف لم تخرج منا
والرؤى تجثو علينا ؟
قاب قوس تتدلى
والصدى يبعد عنا
قاب دمع تتجلى
والشذى يهرب منا
أبعدت كي تقرب أكثر
أشهقت كي تهطل
فى الأحداق سربا
ما الذى تبغيه منا ؟
وطن الحلم المكبل
رفعت أستارها نجمتنا
تعدو إليك
أوصدت أبوابها نساؤنا
ترنو إليك
شهقت أطفالنا
تشدو إليك
وإليك نختال
شظايا ذكريات
تتزاحم فى يديك
"أفلت الموت أجمل ما عنيت!"
لهفي عليك
تمر ومضة
لتشغل الدهر عليك.
***
أبعد من سراب التيه صوتي
أقرب من وريد الهمس وجهي
لأظل أشرح للشرائع
والفصول
بكاء طفلي.
الرغبة الباقية
للبحر صارية تحفّ بها النوارس
قنديلها زمردة الهواجس
فلا ترق طراوة المحار بالكلام الهمس صارية ستحبو
ولن تحفّ بها الهواجس
لأبادلك الصقيع بالقواقع
والنرجس بالتوجس
فأختصري مسافة الأفول بالوشم
لتبتكر المياه صهيلها
وتبتكري الإجابة.
***
بعد قليل ستفتح صدرك أمسية
لها قامة الأجنحة
وعتمة خوفك من كلمة هاربة.
***
إذن لن يستعيد عشب التشهي خمول الإثارة
ليفضح قاموس صمتك باقي الرغائب.
***
وتبقي قبلة ليعرف هذا الوطن
أنك الانتماء.
***
أحمد العباسي
- مواليد : البحرين ، المنامة ، 1954.
- يعمل في المجال المصرفي، والمقاولات.
- صدر له " أريد امرأة ً " شعر -دار فراديس للنشر - البحرين 2007م.
- تحت الطبع " فوضى الحب " .
أريد امرأة
أريد امرأة تخاطب وجداني
تدخل أفكاري
تقتلعُ الأحزان
وفلسفة الماضي
تشعلُ نارا ً بكياني
تمسح آثار الحرب الهمجية
تَنْفُضُ عني
أغبِرة َ الماضي
ثم تجدِّدني
ترسُمني بالألوان
ترفضُ كلَّ سموم الرجعية
وثقافاتِ المجتمع المبتورة
تحلـِّق في جو ٍأرقى
تتسامى عن سطحية أهل الأرض
أريد امرأة مبدعة ً خلاقة
ذاتَ كيان ٍ حُر
تتحدث بالشِعر .. والفن
وبأنغام الرومانسية
تتباهى بثمار الأفكار
لا بقشور الأوراق الهَشـَة
امرأة ً ذات قوام ٍ مثل السَرْو
تحمل روحا ًحلوة
وصفاءً وبهاءً.
متجدِّدَة ُالأفكار
مبدعة ً
صائبة ُالنظرة
تحملُ همي
وتكون رفيقـةَ َدربي .
أريد رجلا ً
ماذا تريد امرأة من رجل !
أريد رجلا ًيفهمني
يَهْتـمُّ بعلم ِالمرأة ْ
لا يَحبسُها كالسجَّان
فلقد وُلِدَتْ حُرَّة ْ
ولها دورٌ وكيانْ
وليس للرجل عليها سلطان .
أريد رجلا ً يعرف قدرَ المرأة
يلغي أعرافَ الماضي
يعرف أن المرأة ليست ممتلكاتٍ شخصية
أريد رجلا ً يتأمل في خلقي
يقرأ أفكاري ..
يفهمُ أسراري ..
يحملني في آفاق أبعد
يخطفني .. ويُحَلِّقُ بي نحو سماءٍ أرحَبْ
يَمْسَحُ شَعري وجبيني
يُمسك رأسي بين يديه
يتأمل في بحر عيوني
يَعْجَبُ بي .. يَعشَقني
ويُتمْتِمُ حين يُحَدثني
يجعلني أقرأ ما بين سطور التمتمةِ
كتابا ًفي الحب
يدللني .. يحملني فوق ذراعيه
فأنا امرأة ٌ حُـلوة
يرعاني ..
يقرأ صَمتي ..
يتولى أمري
يُشعـرني أني امرأة ... نجمة .
إلى حبيبتي
دعينا كلينا نصب جنونا ً
ككأس من الخمر في شفتينا
ونبدأ بالعزف على وترينا
نؤلف أغنية ٌ عن قصَّـتينا
ونجمع كل جنون الزمان علينا
ثم نحَلــِّـق نحو الفضاء ..
ومِلء السعادة في مقلتينا
نطير كما الطير ..
فما أرحبَ الدنيا لدينا
سنجعل منها تمطر وردا ً
وتزرع عشقا على ساعدينا
فنحن لدينا ..
مفاتيح تلك المساحات بين يدينا
وبالحب نبني قصورا ً
وأقماراً تضيء علينا
وبستاناً من العشق في كبدينا.
***
لا شيء مثل الحب ينعش روحينا
أحبكِ حتى الثمالة
فاصبري حتى مُلتقي شفتينا
ضعي كل آثارنا
خلفَ أقدامنا
أبشري بالزمان
كم سيأتي من الخير علينا
وسوف نرش العطرَ
وننثر الياسمينَ حوالينا
ونستعيد ما فاتنا من الزمان ..
حتى نعيش مرتينا .
أنتِ يا سيِّدتي
أنتِ يا سيدتي نقطة ُضَعْفي
أنتِ في كلِّ طُقوسي حاضِرَة ْ
وعلاماتُ الهَوى ..
فوقَ وَجْهي ظاهِرة ْ
فأنا أحْبَبْتُكِ .. قبلَ أن أولَدَ أصلا ً ..
مِن عُصُور ٍ غابرة ْ
أنتِ .. امرأة ٌ دائمة ُ الضَّرْبِ ..
على أوتار ِ قلبي ..
أنتِ لَستِ عابرة ْ
وجميلاتُكِ بالروح ِ .. صبايا عاشقة ْ
في الليالي الماطرة ْ .
ترقصُ الدقاتُ في قلبي ..
على أنغامِكِ الحَبْلىَ ..
بعُيون ٍ ساحرة ْ
وبِثغْر ٍ يَلثمُ العِشقَ ..
يُلَبِّي .. احتياجاتي التي ..
في شُجوني دائِرة ْ.
***
أحمد العجمي
- من مواليد البحرين، عام 1958م.
صدر له:
- إنما هي جلوة ورؤى - عن المطبعة الشرقية، البحرين،1987.
- نسل المصابيح - عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الأردن، 1990.
- المناسك القرمزية - عن المطبعة الشرقية، البحرين، 1993.
- زهرة الروع – عن دار الكنوز الأدبية، بيروت، 1995.
- العاشق – عن دار الكنوز الأدبية، بيروت، 1997.
- ربما أنا – عن دار الكنوز الأدبية، بيروت، 1999.
- مساء في يدي - عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2003.
- كاكاو- فراديس للنشر والتوزيع، البحرين، 2005.
- أرى الموسيقى – وزارة الإعلام بمملكة البحرين، 2007م.
- تفاحة أو قلب – دار الانتشار العربي، بيروت، 2008.
- عند حافة الفم – فراديس للنشر والتوزيع، البحرين،2009م.
- كأنه الحب- البحرين، 2009م.
- مزامير العدم- مؤسسة الدوسري للثقافة والإبداع، البحرين 2010م.
- بإنتظار الأكسجين - كتاب في الثقافة الديمقراطية، عن أخبار الخليج البحرين، 2007.
أوركسترا
يمكن
أن أصغي للصمت العميق
وهو يواصل جريانه
وفي هذه اللحظة من تكسر الضوء
على جسدي
تهتز حناجر الأشجار
ربما هو فاجنر
مختلطاً في عبوره
مع نشيد البحر !
سـن
أنظر نحو الأفق
أراقب العصافير بلا ملل
أرسل بريداً إلكترونياً
إلى النهار
وسأفعل أكثر من هذا التخريب
لأفتح باب سجني !
رؤية ضوئية
عبر ثقوب الأزمنة
ومن زجاج المجرات اللولبية
حيث أبني بيتي
يتجمع ظلكم
في محارتي المفتوحة
لأرى الرماد المتصاعد من رؤوسكم
جذور التماثيل العملاقة للطواغيت
وهي تتشابك
وتمتص الضوء
من أصابع الأطفال
قمركم الوحيد يهتز في يدي
ورائحة حروبكم
تمزق ثوب الفضاء
ها هو نهر قاتم يحفر غرفكم
وأسرتكم
لا شيء لدي لأقدمه
لماذا فشلتم في تبادل القبل مع نسائكم
أمام الشموع
وفوق أوراق الأشجار
تركتم الأفاعي
تحرس العصافير ليلاً
لا نبوءة عندي عن حجارتكم
ولا عن زفير نيرانكم
ولكنّي،
سأبقى هناك
أحتفي بالأخطاء !
أحد صباحات باريس
والهواء البارد
يسرّح أهداب باريس
أكون قد وضعت قدمي
على ضفاف الضوء ،
وحيداً ،
أوقظ بلاط الطريق إلى الشانزلزيه
وأثير فضول النوافذ التي
تود الاحتفاظ بقليل من أسرارها
لست متأكداً ،
فربما يرمق حذائي
رجل نصف عار في الطابق الثالث
أو أثير استغراب كائنات اللوفر
ها أنا أقترب أكثر
من رائحة الحي الذي
تنبع منه السماوات
لعلى ألتقط قصيدة أضاعها بودلير
أو أعثر على خطأ لسارتر
كما أنني بنفس المودة
أصغي
إلى بقايا الأحاديث التي
تركها المراهقون ليلة أمس
والآن ، لم أعد أمتلك دليلاً
على وجودي مع سيزان
فها هو الصمت يتناقص!
***
أحمد مدن
- من مواليد البحرين – النويدرات ، عام 1955.
- حاصل على بكالوريوس الهندسة المدنية من جامعة الملك سعود (الرياض سابقا)، 1980. عمل مهندساً، وهو الآن متقاعد.
- عضو أسرة الأدباء والكتاب، وتولى منصب أمين سرّها لثلاث دورات إنتخابية في الثمانينات.
صدر له:
- صباح الكتابة – 1982م – المطبعة الشرقية – البحرين.
- عشب لدم الورقة – 1992م- المطبعة الشرقية - البحرين.
- سماء ثالثة – عام 2000م – دار الكنوز الأدبية - بيروت.
رجــل
رجلٌ
بمعيته وجه العالم
وخرائطَ صمتٍ
دوّنَ فيها
أحذيةً
لجنودٍ ذهبوا
وجنودٍ
ينتعلونَ المتَ بمحض إرادتهمْ
وقضى عهداً
لقبائل من مطرٍ
تدمنُ عادتها
في زخاتِ القتلِ المتعمدْ
لمّ الرجلُ الجسد القاعدَ في حضرتهِ
ومضى
منقولاً
لِلْــ...............
حـيّ
حيٌّ
يتشرَّبُ وجهي
فأَسقيهِ الطفولةَ
نتقاطعُ
وهذا المساءُ
وهذا الشفقْ.
الصورةُ ناصعةٌ
الجهةُ الغربيةُ
كامتداد الروحِ
لا غربَ لها
أو لا عمْرَ لها
حدَّ صهيل الصغارِ
أو كملاعب الماءِ
خاويةٌ إلا من قلبي
أو كمساحات النخيلِ
مثقلةٌ بالبقايا
أما الشرقُ
فتشرقُ الرطوبةُ
في الجدرانِ التي غادرها الطلاءُ أو لم تعرفهُ
وتتصاعدُ البيوتُ المتقاعدة ُ
والصبايا اللاتي لا يدركن غربةَ الحضورِ
يتقاطرّنَ
كأنهنَّ مطرُ التجوِّلِ
أو وابلُ العناقْ.
وفي الشمالِ
كيفَ غادرَ البحرُ ؟
وكيفَ لمَّتِ البيوتُ أساساتها
وكيفَ أشتعلَ الردمُ ؟.
وبعيداً
بعيداً
أَقْفَلَتِ النوارسُ
أما الجنوبُ
فالبويتاتُ
واحدا بعد آخرَ
تلفضُ أنفاسها
منْ حرائقَ ودخانٍ وناسٍ
فتزدحمُ الطرقاتُ
وَتَغْتَدي بطالةً
وفقراً
وأحلاما تموتْ.
غرفة أمي
في ظلال الوحشةِ
استفردتْ روحي الغرفةَ
قبعتُ أقصى اليسارِ
شغلتُ ناحيةَ النافذةِ
مضى عامٌ
دون أن أقصيها
ودونَ أن تدنو
ودونَ أنْ يبللنني مطرٌ
طرفُ الخزانة يحدقُ
مقبضُ الباب لم أهجسهُ
أو يهجس الحركة.
الحنين الذي في ظلال البابِ
يلبسني
أذرعُ فيه الدخولَ
وحافة الذكرى
خطويَ المبتّلُ
يدّقُ البساطَ
أجولُ الطرفَ
أقلّب الزوايا
وللمشهدِ دبيبٌ
وللرؤى رعشةٌ
ولي كلماتي
ولروح أمي
ثواب الحضور.
كتــابة
في بُقْعَةِِ الروحِ ،
شاغََلَتْني
مُنْذُ زَمَنٍ
لَمْ أَتَدارَكها !!
كيفَ تَناءَتْ خُطَواتي ..؟
و كيفَ أفْرَدَ البُعْدُ جناحيهِ ؟!
و كيفَ غادَرَتْني ؟ !
مُنْذُ زَمَنٍ
كنتِ مُهَذَّبَةً في أَطْرافِ القلبِ
لمْ تُشْعِلي قنديلَ الرأسِ ،
أو تَهْجُسي حَرائقَ الصباحاتِ ،
أو تَسْتَفِزّي أصابِعي !!
مَنْ لَمَّ فضاءات التَوجّسِ
وأيقَظَ الوَهْدَةَ!!
مَنْ ضَمَّ أشياءَهُ في مُتَّسَعي ؟
كدَّسَ أرْصفةَ الليلِ ،
و أبخرَةَ النوافَذِ ،
و ما تَأْلَفُهُ الغُرَفُ
حيْنَئِذٍ
في طَرَفِ النظرةِ
كنتُ أشْتَهيكِ !!
أقْرَبُكِ أحياناً
دُوْنَ أن أرْتَديكِ
ودُوْنَ أنْ تُبَلِّلُني خُطاكِ
وها أنتِ
وها أنا
بالشقاوةِ مُكْتَظّانِ ،
وبالحرْفِ ،
واللَّعِبِ.
***
أمين صالح
- من مواليد البحرين - المنامة، عام 1950.
- تخرج من الثانوية العامة، متفرغ. عضو أسرة الأدباء والكتاب. كتب قصة وسيناريو أول فيلم روائي في البحرين: الحاجز، وله العديد من الأعمال التلفزيونية في مجال الدراما والمنوعات.
من بين أهم ما صدر له:
- مدائح – شعر،1997.
- موت طفيف – شعر، 2001.
- الجواشن - نص طويل مشترك مع الشاعر قاسم حداد، 1989.
- هنا الوردة، هنا نرقص- قصص، 1973.
- أغنية ألف صاد الأولى – قصص، 1982.
- الطرائد – رواية، 2006.
- ترنيمة للحجرة الكونية – رواية، 1994.
- رهائن الغيب – رواية، الطبعة الثانية، 2005.
- السينما التدميرية، أموس فوجل – ترجمة امين صالح 1995.
- الوجه والقناع في التمثيل السينمائي - إعداد وترجمة أمين صالح، 2002.
- النحت في الزمن، لأندريه تاركوفسكي – ترجمة أمين صالح، 2006
- مجنون ليلى – مسرحية، 2006.
- الأعمال الأدبية – 13 باباً مفتوحاً على مدى مسيج بالغيم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروتم 2010.
مدائـح*
رفقاً أيها العشب
بالسائرة خفافاً بين فخاخ الغواية وفخاخ المساء
بلا قنديل ولا نفير
تمتحن يقظة الطريق بطيش العسل الهاطل من أصابعها
وبالفراغ ترفع الفراغ
وتبسط الجهات كالأوشحة
لتضيئ المسكن المزروع في الحدقة
حيث أهيئ الخلوة لاندلاع أشد من الهذيان
رفقاً أيها العشب بالقدمين المغسولتين بماء الورد
كن رحيماً بخطى من أحب
أيها العشب.
***
تتقوّس المدينة إجلالاً
حين تعبرين الساحة العامة
مثل غزالة من ضوء
لتنعمي على كل عاشق
حفنة من الأمل
حفنة من المعجزة.
***
في الخلوة الحلوة
الجمل من كل الخلولات
حيث تتعرى سرائرنا
ويُفشي السرُّ سرَّه
أمجّد غيقاع الجسد
الطالع من فم المساء
مثل زهرة مضيئة
تأسر قلب السماء
وتضرم الغيوم في النجمة البعيدة.
***
وإذ ترخين الأجفان،
يتخبط العالم في الظلمة . . ويضل طريقه.
***
خذ مني كل شيء لكن دع لي جنوني
هذا الجنون الذي لم يهبه أحد لي
إنما غرسته فيّ أجمل الكائنات
منذ التقيت بها في أمسية شردت من زمانها
لتسكن اللحظة التي لا تشيخ.
***
ثانية أراكِ
ثانية أتنفس
لم تعد هناك عتمة
هناك أنتِ
حياة بأكملها تتفتح أمام عيني مثل وردة
وعيناي مترعتان بالدهشة.
***
وطني هناك
في الحدقة الأكثر حناناً من سرير .
***
الحواس
حواسك الرهيفة مثل جذور الصباح
جسور تتدلى منها فوانيس
جسور يمتشقها جسد
يمحو التأويل ويبلبل التأمل
حواسك شرك.
***
تضحكين
هل هو رنين غيبٍ يرتقي سلّم المساء،
أم أنه رفيف فراشة
تخلع أزياءها لتعانق وردة الفكاهة؟
ضحك يرفع مطرقة المرح
فيخلع العالم شيخوخته
ويسترد أمسَه الطفلَ .
***
اصبري
لا تذهبي سريعاً
خارج الباب تنتظر
جيوش الوحشة والوجع
كي تعود وتحتل عينيّ.
***
أنا وعزلتي
وثالثنا أنتِ
أنا والعالم
وبيننا أنتش
جسر من ضوء.
وأنتِ
تمتزجين بكل شيئ
يا أهوائي.
• مقاطع من ديوان مدائح.
موت طفيف*
شرّع الباب، شرّع النوافذ، شرّع قلبه
لزوار قالوا أنهم سيأتون
وها قد انتصف الليل وهو ينتظر
قائلاً لنفسه: ربما حال دون مجيئهم ظرف طارئ.
هكذا يفعل، هكذا يقول . .
منذ أن غابوا ولم يعودوا .
***
من بعيد يراقب المرأة الواقفة خلف النافذة
ماسورة بوجهها الملائكي الذي لا يشوّه الحزن نقاوته
مأخوذاً بدموعها المهرولة بخفة في الفضاء، مثل رذاذ كوني.
من بعيد يراقب الحضور اللامرئي
لأمرأة تبكي خلف النافذة.
***
الفتيات يرقصن حول النبع
الشبان يتسلقون في صخب قوس قزح
المسنون، بعد نزهة قصيرة، يستريحون على العشب
لم يكن ذلك إلا حلماً
رآه شخصٌ يحتضر في الزقاق
مطعونا في خاصرته
والذي يبتسم في امتنان لشبح متجهم يدنو منه على مهل
ويدثره بمعطفه.
***
من الشبابيك المفتوحة على الساحة
ساعة تتناثر حوافر السهر على حواف المساء
ساعة يشفّ المدى الفضي عن بلابل ذابلة
يمكن رؤية المحكومين بالموت
وظهورهم محنية في خشوع
يلثمون بوقار أصابع جلاديهم
لكن ليس التماساً للصفح.
***
السفر نافذة مفتوحة على المتاهة
والذين سافروا، ضاعوا
وإذ يعبرون دهاليز المدن مع حقائبهم الشاحبة
تتقمص أرواحهم أشكال رياح
تهرّب الحنين إلى البيوت المتروكة.
***
في غرفته الصغيرة
الواقعة وسط الحلبة المحتدمة بعنف الدول
في قلب المحنة
يشعل سيجارته، يطل من النافذة ويهمس:
طاب مساؤك أيتها الحرب.
***
بخطى محتضرة
يبتعد الجندي الشاب
عن المعركة المتخمة بالجثث،
والموت الجالس على تلةٍ
يدفن وجهه بين ركبتيه . . في خجل.
***
ثمة سرير يطفو على المياه
محفوف بالزرقة
ينام عليه عاشق وعاشقة،
السرير ذاته يرسو في حلم السجين النائم.
• مقاطع من ديوان مدائح.
أنيسة فخرو
- الدكتورة أنيسة أحمد فخرو
- العنوان: ص.ب 22412 – المحرق – البحرين
- البريد الإلكتروني: aanneessa@yahoo.com
- دكتوراه في علوم التربية، علم النفس النمائي، جامعة محمد الخامس، بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف عام 2003.
الإصدارات:
- واقع الطفولة، دراسة حول رياض الأطفال في البحرين(كتاب)، 1987.
- 2-مظاهر العملية الإبداعية في تجربة الكتابة الأدبية بالبحرين (كتاب)، 1994.
- الثقافة والتعليم، التفوق والإبداع (كتاب)، 1997.
- اختلاج الروح ما بين السر والبوح (كتاب- نصوص أدبية)، 2001.
- الشباب: المستقبل والأمل (دراسة في الاتجاهات النفسية الاجتماعية للشباب نحو ذواتهم ونحو الآخرين)، (كتاب)، 2005.
- قضايا تربوية- التربية والإبداع، سلسلة ضوء(1) ضوء النفس(كتاب)، 2005.
- قضايا ثقافية-الثقافة والإبداع، سلسلة ضوء(2) ضوء الروح(كتاب)، 2006.
- قضايا اجتماعية، سلسلة ضوء(3)، ضوء القلب (كتاب)، 2006.
- رسائل حب مبتورة، نصوص أدبية مترجمة إلى اللغة الانجليزية، (كتاب)، 2006.
- قصص وحكايا من التراث الشعبي (أدب)، الجزء الأول (كتاب)، 2006.
- قصص وحكايا من التراث الشعبي (أدب)، الجزء الثاني (كتاب)، 2006.
- العشب والرياح العاتية، قضايا سياسية، سلسلة ضوء(4)، ضوء العقل، 2008.
- قصص وحكايا من التراث الشعبي (أدب) ،الجزء الثالث (كتاب)، 2009.
- قصص وحكايا من التراث الشعبي (أدب) ،الجزء الرابع (كتاب)، 2010.
- تجليات، نصوص أدبية مترجمة إلى اللغة الانجليزية، (كتاب)، 2010.
- عمل أدبي روائي(تحت الطبع)، 2011.
ميم الأم
أمي
لصوتك هزة الرياح
لعينيك طلة الصباح
ليديك رفرفة القمر
لخطوتك رذرذة المطر
ذهب العقل بعيدا
يحلم باللاحدود
وهذا الرحيل هو الأزلي
ولن نفترق
موسيقى تنساب إلى القلب
أسمع صوتك
لؤلؤة تبحر في الريح
أرى عينيك
ورداً فلاً ياسميناً
أشم رائحتك
روحك تحرس جسدي وقلبي
ألمس أطراف أصابعك
فأرى العالم يتقد حبا وعشقا وشعرا
وجمالا وحنانا باذخا غادقا
يرتحل عبر السموات السبع
حتى يصل الله
سلاما سلاما.
من ديوان (اختلاج الروح ما بين السر والبوح)
إليه
قُلْ هو الشوْقُ
الذي يكْشِفُ خَيْطَ الفجرْ
عنْ أرَقِ الوجْدِ الراقصِ في وَلَهٍ
يا رُوحَ الأشياءِ.
حبيبي لا يَحْلُو النومُ إلاّ معكْ
لا تحلو اليقظةُ إلاّ على طلّةِ ثَغْرك
لا يحلو السهادُ إلاّ لكْ
لا يحلو السهرُ إلاّ بكْ
لا يحلو الليلُ إلاّ بضوْءِ نجومِكْ
لا يحلو النهارُ إلاّ وتُشْرقُه شَمْسُك
لا تحلو القراءةُ إلاّ معكْ
لا تحلو الموسيقى إلاّ بنغماتِ صوتكْ
لا يحلو الشِعْرُ إلاّ لكْ
لا تحلو الحياةُ إلاّ بِكْ
فِيكَ تَمْتَزِجُ الأشْياءُ
فِيكَ يَمْتزجُ الليلُ بالنهارِ
العالَمُ كلُّه يرَى تَعَاقُبَهُما
أما أَنا فكلَّ ما أَراهُ
تَعَاقُبَ وَجْهُكَ ووَجْهُكَ.
بدونك تهاليلُ الفرح تصبح صمّاءَ
بدونكَ لا يصبحُ للمعانِي معنىً
ولَكَ سَطْوَةٌ على القلبِ
هذا الذي لا يُذْعِنُ لِمشِيئَةِ الحاضرِ
لا يَعْترفُ بالمسافةِ،
ولا يَمْتَثِلُ للزمنِ،
المَأْسُورُ بِكَ وَحْدَكَ وباسْمِك يَهْتِفُ
معَ كلِّ ارْتعاشَةِ رمْشٍ يَهْفُو إلى صوتِكَ
ويَذْرَعُ أَرْوِقَةَ الأُفْقِ باحِثاً عنْ وجْهك.
مِنْ هنا،
أَراكَ تَنْحَني على الوَرَقِ
مثْلما يَنْحني عَابِدٌ لا يَرَى في الكوْنِ
غيرَ وَجْهِ المعْبودِ
ويَنْسِجُ من الكلماتِ بَوْحَاً أَشْبَهُ بالصلاةِ
هَا هِيَ حَدائِقُ روحِي مَفْتوحةٌ لَكَ
كي يَعْدُوَ الفَرَحُ فيها معَكَ
حبيبي..الحُبُّ قاهِرٌ
يُوْشِكُ أَنْ يَفْتِكَ بِي وبِكَ
وبِسِرِّنا الأَثيرْ.
لا يَخْرجُ الحَرْفُ من مَكْمَنِهِ إلاّ مِنْ أَجْلِكَ
معَكَ أَسْرارُ الحرْفِ تتفكّكُ طلاسِمُها
ومعَكَ جمالُ الكوْنِ يزدانُ أكثرَ
وأحبُكْ.
- (مقطع من ديوان رسائل حب مبتورة)
حاء الحزن
مثقل ينوء هذا القلب بأحزان كل السنين
عظم الخطب فانحنى الموج في تلاوين الحنين
أيها الإنسان قل لي:
أ أنت نقطة ماء أم أنت بحر عظيم؟
أ أنت ظل الأضاحي أم أنت عين اليقين؟
أ أنت فرحة قلب أم أنت عقل سقيم؟
أ أنت زهر الأقاحي أم أنت طير حزين؟
أ أنت ذرة ملح أم أنت سر دفين؟
أ أنت سيف وتاج أم أنت عبد سكين؟
أ أنت طين ذميم أم أنت روح تهيم؟
أيها الشارد اسأل:
أهو الحب أو هو الجرح المكين؟
يا ترى من عذب الحلم
حتى غدا همسا في الضلوع أنين
نرجس الصبح صار شوكا
وتلاشى الحب ولون الياسمين.
من ديوان (اختلاج الروح ما بين السر والبوح)
تجليات
اليد:
ماذا نسميها؟
آلهة العطاء
رسولة الإله
سيدة العمل؟
أم لعنة السماء
مقلة الهناء
مغلولة الأمل؟
الرأس:
راية الكبرياء
أشم عال
أم منكّس ضال؟
العين:
زمردة الصباح في خضرة النهار
فيروزة العصر في زرقة البحر
ياقوتة المساء في حلكة الليل
وما بين البصر والبصيرة
قبح وجمال
خير وكمال
حق ومنال
أم ظلم ونضال
شر وضلال؟
الأذن:
السرّ بين ضلوعها
وهي التي تعيش دوماً
مختبئة بين الخصلات
في ظلام الشَعر..
الأنف:
ما بين رائحة الزهرة
ورائحة الموت
مكان
يمتد إلى السماء
أو ينحني إلى الأرض
وما بين امتداد العلو وانحناء الدنو
زمان..
الجبين:
شاهد على الانتصار
أم مؤرخ للذل والعار?
الفم:
وردة النعم
أم
جالب للهمّ والغمّ ؟
العنق:
سارية الكبرياء
وأيقونة المقصلة.
العقل:
منارة الكون
بوصلة العالم
كعبة الحكيم
عمامة العالِم.
القلب:
نور الإيمان الساطع الباهر
تسامق إشراق الضوء في ليل حالك
لا يضاهي سطوع الشمس إلا هو
عز جلاله.
***
إيمان أسيري
- من مواليد المنامة، عام 1952.
- خريجة المعهد العالي للمعلمات، 1969م، قسم الرياضيات. تعمل في مجال التدريس بوزارة التربية والتعليم.
- عضو الملتقى الثقافي الأهلي.
صدر لها:
- هذي أنا القبّرة، شعر، دار الفارابين بيروت، 1982.
- خمس دقات لقلبي – شعر، دار الكنوز الأدبية للطباعة والنشر، بيروت 1994.
- حديث الأواني للقبّرة - شعر، المؤسسة العربية للطباعة والنشر، بيروت، 2001.
- للقبّرة أسرار صغيرة – شعر، المؤسسة العربية للطباعة والنشر ، بيروت 2004.
- كتاب الأنثى – شعر، مؤسسة أخبار الخليج للصحافة والنشر،2006.
- اشتهاءات – النايا للدراسات والنشر، شعر، دمشق، 2008م.
- الزعفران ( حكاية الحب والخلود) – النايا للدراسات والنشر، شعر، دمشق، 2010م.
أبجدية
في السديم غابت النظرة
يوم كنت أول العارفين بالجمال المختبئة
يوم تاهت النظرة مني في البحث عن الحاضر الراسخ في وثباته أمامي
متواليات الوبر، سحبت السنام لأعتليها، أول العارفين بالشعاب أومئ للناقة فتقتدي براكبها، أكتوي بهجير الصحراء، يشدّني اللبد فلا أقوى على انتزاع نفسي، تصليني الحرائق التي حاصرتني منذ أول الهجير ورمتني على مهل إلى أول المستغيثين، لتكمل النميمة التي بدأها أصحابي حول ناموس الشعر عندي
غلبني النوم إلى حد أن الطحالب تكالبت في نموها، وغطتني بطلسم أخضر، ورشتني بعذب مائها
فصحوت في أول الألف عام لأجدني أقطع فصول المعرفة من فيافيها وأستمع إلى همس الماء حين يوشك أن يصبح هديرا، وأنظر إلى نمنماته الموشاة بلون الفضة حيث وشت بالحاضرين الغائبين، وفتحت أواصر الأمنيات في عهد من اكتوى بالجمر
القمقم.. القفص.. القفل
انصهار حديده هتك المستور في طريقه، جرف الخبيث المتعالي وتعشق في الطيب فصلد حديده ذهبا أصيلا يحذو بالناقة، عن العتمة والأحبة والأطفال في حضن أول العارفين
السحر ابتلاني بأسارير الريحان في الطلة
وسهد الجفن عند المحترس
مع الإبل همجت
أعطيتها كروتها عند الغبش
ألجمت النوق وأخذتها إلى هجير المستراح حيث أغتسلت من الوفاء أرتديت الغسق وصحبت الصحف لهذا الفؤاد الذي هام بزخرف الكلام مثل اشتهاء المارق ومثل الإبل حين موهها الليل، اختبأت في ظلها وزجرت ناقتي كي تحملني من العدم
هامة الناقة تحجب لسعة الكلمات
حين يبرق حدها ويغوص في اللحم طابعا وجعا، يشتد لهيبه كلما سارت بي الإبل
هكذا أليق بيّ إذا ذكرت عند الأصحاب
قالوا:
هاجت بها النوق، وما أدخرت إلا لظى الحرف
بشاشة الورد
وخمس دقات تعينها على المسير
في الحدس أمضيت أواري
خيبتي من أحبتي
من شوقي للمحة طيبة تفشي، للمسة تأخذني في حنّوها، لحادي العيس يعج بهجة
ويدخل بي في فجر الصحراء حيث حجر الرمل يهيئ لزواره صحافا خالية للكتابة، وحيث الأثل من النخل يهيئ الظل للطالعين بحثا عن ألق اليوم
دارت بي النوق من يوم (عنترة) إلى أول الألفية، بحوافرها أتباعد غبار الرمل، وتسمح للؤلؤة الحجر بالبقاء في مكامنها، علمتني النوق:
كيف أبترد إذا اشتد الأوار
كيف أطأ الرمل في المنحدر
كيف أخفي الترنح من الشوق
كيف أتوسد الأرض عند الوحدة
كيف أحوم حول شذرات اللغة
كيف أشف من الجدار هالة المبتغى
كيف أتسربل بالجليل من المودة
كيف أبتكر فاكهة الصبر
كيف أبتهج لصوت الحادي إذا دنى
كيف أثور إذا ألبست عظيم الأمر
كيف أواري الخيبة في الرمل
كيف أستقيم والهودج يثقلني
كيف أستظل بالهدوء في داخلي
كيف أتجوهر عن المكائد
كيف أغدو كالهرم في اعتلالي كيف أهزّ الرأس في الحوالك كيف أرغو إذا دنى اللجام.
علمتني النوق: كيف الثمين من الوصال باق.
القهوة التركية
أبنوس القهوة التركية تتهجى رغاوى
تتصاعد
تسيل بركانا
غابات تضوح
وتنزل ندى عالقا بنخيل (الزنج) *
إلى السطح، تصاعد بخار العشب الطري ليتعانق والبركان المتفجر
في الركوة
تتشبع غابات أمريكا اللاتينية بالنسغ المالح للعشب العاري
إلا من الماء
الا من أرق الغياب الذي توسعت
هالاته حول عيني مدارات قاحلة، راسخة يبوستها فى الدوام الرسمي لليل مضن يمنّ عليّ ببعض النوم
تومئ القهوة إلى أمي الساهرة عبر القرون الممتدة في صلاتها عني، في دهشتي لدعواتها الحميدة
الحابسة لسهامي من الانطلاق.
أحج إليها كل خميس
مثل زهرة الخزامى محملة بعناقيدي
لتطوف بعد سبع
تطوقني وإياها في حرم العائلة
طوفان المحبة غلالة طافحة بالقلق الساكن إلى رحم الأم، إلى نمط العناق الداعر بين رغاوى القهوة المستكينة
في الركوة
كل خميس أحج إليها
إلي
إلى شهوة الجذور الشاردة
إلى روابي الجبال حيث أمي رعت أغنامها
زمان من عبير القهوة امتطاني، رتّلني على مسمع الحشر، دوّرني على جذع النخلة، في حقب الرضى
جالست أمي لتحكي عن عروش لها لم تكن فيها الملكة!
هاهي الرغاوي تغلو في علوها، لأستحم بها، وأتبارك بسواعد بشر مهدوا للحظتي
بشر كالفسيفساء
تلاحموا
وضعوني في مجلس أمي كي أرتشف القهوة !
* من قرى البحرين.
العش
(كنتُ في أول الزهد.. وكنتَ في قمة التوهج)
كنتُ في أول الزهد.. وكنتَ في قمة التوهج
إنه حقٌ
شهيةُ الاحتراق ِبالنار
النارُُ المستلذةُ بين الاثنين
الحريصين ِعلى ولوجها وجهاً لوجه
المتيّمين
أشعلا ناراً يؤججانَها كلما تلامسا
وكلما تباعدا توهجت
برغم ِالعمرِ تتوسدُ ذراعَه، يأخذُها، تلتحف ُنارَه، يأخذ جمرَها
حميمين ِفي الغياب
معا يهدر العشقُ في زمن قصي
وفي مكان قصي
كانا
توأمين يبحثان ِعنهما
تلاقيا
كانا
يعرفان
ِفلم يقولا
كانا
خجلين ِ
فلم يسألا
كانا
لبعضهما
تماهَيا
كنت َلا تراهما إلا ذهولَ طيفٍ
خرائط َ فردوس ٍيتركانها كلما مرا
كانا
يبتعدان
ليلتقيا
ويلتقيان
ليبتعدا
نارٌ بلون ِالفرح
عذبة ٌكما الطفولة
شهية ٌكما الحب
كانا
يدخلانِها ليلعبا
إنه خيرٌ
الحبُ للعشق
إنه خيرٌ
الحبُ للمعشوق
إنه خيرٌ
الحبُ للعاشق.
(أحييتِني روحاً وجسدا)
أحييتَني روحاً وجسدا
إنه عدل
شهيّة ٌمتخمةٌ بجوعِها، ما ملكتْ إلا أن تغتوي بعذوبة ِالروحين ِ
وبالواحدِ الجسد
كانَ السريرُ يهيؤ نفسَه ليحتوي، يستبدلُ سكونَه، يزرع ُنرجسَا في الحدود، ما أن يشهقُ الجسدانِ في حقل القطن حتى ينهمرُ ذاكَ النرجسُ بشعلةٍ ليدخلا في جنون ِ اللمس، واشتياق ِ التلاشي واستكانةِ الطفلين ِفي اللهو
لا حدودَ للتواري
لا سدودَ للمجرى
الماءُ في اندفاع ِالمحمومِ للغرق يتفننُ في شقِ القنوات ِوالجسدُ يتهادى في لظى التوقِ، غُرّينِ، جريئين ِفي عذوبةِ الالتحام، مدهشّين ِفي الإكتشاف، لا يكتفيان ِبالمحسوس، يعاودان ِاللعب َفي صمت، ويبدآن ِمن عري السرير وكشف ِالأغطية، ليقعا في حضن المرج، والمرجُ يسرِقُ عبَقَ الجسدينِ فيجنُ في حبوره، يتسع ُ في احتضانِهما، يلملمُ الندى ويحرسُ نداءَ الساقي للساقي، والروحينِ متلاشيتينِ في الهوى، تاركتيين ِ للجسد الذهابَ إلى الصواعق، والشفاهُ تستزيدُ في تلذذها، ببراءةٍ تلتقي، تعرفُ صقيع َالغياب، لذا تذوبُ النفسُ في النفس ِفي تلامسِها، هو العشقُ يحتويهِما، يسترقُ السمعَ، هديرُ الحنّوِ يرجِعه فتيا، يشتعلُ
كانتا روحين تبحثان ِعنِ الواحدِ الجسدِ.
(ودمي ومائي اشتاقا إليكِ)
ودمي ومائي اشتاقا إليكَ
وهو جميل
شهية ُالعاشقينِ لهفةٌ، ظلٌ لا يمشي إلا بظِله، ارتباكٌ فاضح ٌفي حضرةِ المعشوقِ، بينهما صمتٌ، ضجيجٌ، ليلٌ موصولٌ باللمسِ، وليل ٌمضاءٌ بالماء
الماءُ ينحدرُ رقيقا من بحرهما
البحرُ يمسكُ الطفلين ِفي اللهو
ينظران ِالماءَ، يتراشقان ِبه
لا يعرفان ِإلى أين يمضي البحرُ
البحرُ يفيضُ
وهما يغرقان ِ
البحرُ يحترقُ
يلتذان ِ
يدخلان ِالصاعقةَ
لهفة ُالعاشقين ِلا تنتهي
يبدعان ِفي اختراق ِبعضِهما
لا يهمدان
جميلين ِفي فنائِهما
حييّنِ في حبهما.
(وليلي والنهار وما ضاع من العمر وما تبقى يشتاق)
وليلي والنهار وما ضاع من العمر وما تبقى يشتاق
يمسكُ ماءَها فيشتعلُ دمُه
تمسكُ دمَهُ فيشتعل ُماؤُها
هو الحب.
***
بروين حبيب
- شاعرة بحرينية، مواليد المنامة، عام 1969.
- دكتوراة في الأدب العربي.
- تعمل في مجال الإعلام المرئي.
صدر لها:
- تقنيات التعبير في شعر نزار قباني، النمؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1999م.
- رجولتك الخائفة طفولتي الورقية، شعر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2001م.
- أعطيت المرآة ظهري، شعر، دار الكوكب، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2009م.
- دانتلا أقل من الصحراء، نصوص، دار كنعان للدراسات والنشر، دمشق،2010م.
رفيف
1
رجولتك تخاف طفولتي الو رقية
تشهق حيرة الصحراء
فسلاماً، يا أبجدية النحر..أيا رجلاً،
تعالَ
بقليل من النبيذ
خذ قلبي، وانسج كنزة له
خذ وجهي، وارسم في ليله
واهجع فيّ، حتى يستحيل التماع جسدنا
برهة تنهمر.
2
الليلة يغزو لونك رفيف القصيدة
هذا الوقت وقتك، كيف أرعد دونك؟
سرنا يذهب في عتمته،
فكيف يعذرني السهل
أن ارحل ومعي بقيا التوجس،
الريبة القاسية،
ومعي أنت.
3
العناق خديعة،
يا حبيبي،
لا تقرع صولجان دمي،
لا تمسك بنوافذ الأحجية،
لا تقترب من سرير الوليد الذي سقط
مشفوعاً بظل بين الغواية و الموت.
4
حبيبي
كنت تتسلق صيف الفتنة في يومياتي
و الرسامون يحفرونك نحيباً في حبري،
واشتهاء يفضي إلى النأي.
ياللحظة الراهبة!
حيث لا زمن يجنح ولا شمعة رقيقة تحكي.
كؤوس الغربة تترعني غرقاً.
يا صباح الخير،
حدثني عن غريب فرشاته غبار في إناء ذاكرتي.
يأخذني عالياً
مُطْلَقاً،
حُبّكَ
كانَ
يأخذني
كلَّ مساء
من ركْوةِ القهوةِ، وأشياءَ كثيرة،
عالياً،
إلى عُزلةِ الكهنةِ ومغاور الحُور
كنتُ أحملُ جَهْمَ النِّساءِ وتوجّس الليل الوئيد.
قلتَ لي: انْهمري
وسقطنُ في غيمٍ يكادُ
لكأنّ قلبيَ كان يحتاطُ ارتباكاتِ النّهارِ
وفوضى المَعراج.
أسرعتُ الّلحاقَ بجُلجلةِ السّراةِ
ونسيتُ غَضَبي
ما بين المهْدِ الأحدبِ، والنّزقِ المُتْرعِ بغيثِ الجسد،
آويتك إلى شفتيَّ.
الغريبة
اترك مرفقي
اتركني
امرّ الى فؤادي.. وحدي هنا في شمس أيامي
وفي ظل البنفسج
ضوع أمسية قديمة.
"لا وجه لي لا اسم
لا وطنا يلم تراب أغنيتي
اتركني هنا في غربتي الأولى
وفي شمس كلامي
لي من شذا اللغة الغريبة
عندما يهوي المساء
على فؤادي
ياء بكت راء
وواو أورقت ياء على الألواح والشمس خمرة فكرة في كأس نون.
***
جاسم الحاجي
- شاعر، من مواليد المنامة، عام
صدر له:
- غبار الظل، شعر، الأوائل للنشر والتوزيع والخدمات الطباعية، دمشق، 2002م.
- باب الصمت، شعر، الانتشار العربي، بيروت، 2007م.
قبر الوقت
عاد الاختلاف إلى جسدي
عدت ثانية إلى الجدار،
وقفت أتأمل ثقوب الطوب،
وطني يسكن في الطريق
بين الاسمنت وقشعريرة الاسفلت،
قطاً لايعرف حلمَ النزول،
كوكبة في جسدي تحملني حيث القطيع،
كنت معهم
كاهلٌ يفعل رؤى الرجال،
إلى عالم الأعداء
أنتشي
أرجع ثانية إلى المذبح،
طفولي أنا،
كسرت القنديل على جهاز السفينة،
اتجهت في عنقود الرفات..
أعدك أن لا أمزق النشيد..
ذاهب،
وطني ينفذ المقصلة..
لماذا كلما رأينا في العودة عذراً
ذهبنا إلى السوق،
مع الأغنام
مع الخشب
قبل النار..
وكنا لا نقبع في قبر الوقت..؟!
يقولون لنا لا تذهبوا إلى القمر
قالوا لنا لا تصنعوا البأس في رجالكم،
تهامسنا،
وأقسمنا أن لا رجعة للسور والكهرباء،كنا نفرق حلوقنا في مرآة الأيام
ثمة،
ثمة وطن في رشفة خمر..
أنتَ
ترمي بيدك المقطوعة في حلقات الغشاوة،
ترفل بمخمل الحتف،
أنتَ
وليد يسارع صوب الشعاب،
حتفٌ يُنشِدُ .
روح
دماؤكم
شظايا الرموش
جسد الشوق
.. للسماء بلادكم
تحيا على لظى الخلايا،
جرحك
بلسمك
القرح الذي لم يندمل
عابس في لهج الأوداج
هاتف يأتيك
تقف على الأسوار
يأخذك الشغف
تهيم،
وتهيم
وطنك يلبسك الغربة.
الأهلة الشاحبة
أهلة شاحبة تشحذ من دارك القانتة
تصهل عبر الحواجز مع الريح الخائر
تميل نحو البوصلة الملقاة على طلاسم الخارطة
حيث الضباب يقع ويحتكم القطّاع،
وريثما يفترش الأزيز على سطح المرساة
يصطلح الطاعنون مع المكبلين
أسفل الأسقف الحمراء
يترقبون دنو المشيعين المختالين
ومتى ما نبغوا في رص المشاهد وتقليب الصفحات
يجدون السُّكنى على أرضهم وهماً كبيراً!
***
جعفر الجمري
- من مواليد البحرين - المنامة، عام 1961.
- خريج كلية "دورسيت" - اقتصاد تحليلي - المملكة المتحدة.
- عضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات.
- عضو اتحاد الكتاب والأدباء العرب.
- يعمل في الصحافة
صدر له :
- جغرافية الفردوس - شعر.
- شئ من السهو في رئتي - شعر.
جهةٌ بين نارٍ وماءِ
جهةٌ للسؤال عن القلب في شُغْله
جهةٌ لانتحال الصفاتِ
جهةٌ للمِران على لعبةٍ في الشتاتِ
جهةٌ للنوايا
جهةٌ للصعود إلى فكرة في الشظايا
جهةٌ تُرْبكُ الحضنَ والأسئلهْ
جهةٌ تنتحي صوب أيامنا المُهْمَلَهْ
جهةٌ ليس فيها انتماءٌ لوقتِ
جهةٌ للكلام الذي لم يحنْ بعدُ مستقبَلَهْ
جهةٌ للغريب الذي مات مستعجلاً
جهةٌ للذي كُنْتُهُ في منامي
جهةٌ لاشتعال الرؤى في مهبّ الظلامِ
جهةٌ لـ "طرْفةَ "* مستوحشاً من أناهْ
جهة لإرتحال المتنبي
الذي مات منتحرا بالكلامِ
جهةٌ لما أذِنَ الله من غصّةٍ
جهة للندى
في إغتراب المحبينْ.
جهة للصدى
جهة خانني كل أبنائها المبعدينْ
جهةٌ لإنكسار الحنينْ
جهةٌ إذ تنزّ دماً لإنكسارِ
جهةٌ كلُّ أسمائها في اختصار:
قمّةٌ في الحصارِ!!!
جهةٌ في شموخ الهوادج
بعد الصريح من الدمِّ والمذبحهْ
جهةٌ ليس يبقى من الحيّز الحرّ فيها
سوى الأضرحه
جهةٌ لإنتمائي
جهةٌ بين نارٍ وماءِ.
* الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد الوائلي.
مصب الفراشات
مبثوث في مراثي الغبار... نادمت الوهم فصرت من أحباره... خلعت على المناجم مستقبل الردم... وفي فرائها الترابي قلت: سيهرول المعدن فأمكثي عند المصب... العربات قادمة بفاكهة المباهاة تجرّها الخيول المستحمّة بالنفيس، فأمكثي عند المصب.
الذهب فضيحة التراب، ذليل به، مُذل بعده، غلام به، عاهل بعده، فأمكثي عند المصب. مبثوث في مراثي الذهب، كلما هادنته عادلني بفِتَنِه... ألهذا يتسابق الأباطرة لبلوغ هذا المجون ؟، الذهب مجون الفاقة... ألهذا تتسابق الخليقة لهذا الحشر الناصع ؟، الذهب بوق الغفلة... ألهذا تتسل الموسيقى كي تتفقد أعضاءها بمراياه ؟، الذهب مرايا تفضح الأسود البهيم... فأمكثي عند المصب. مَن ذا الذي يعجّل بالفئ كي نمضي محمّلين بعيّنات الضحايا ؟، فأمكثي عند مصب المذبحة... سيخرج القتلة من رمادهم مرصودين بذهب الأشلاء. فأمكثي عند مصب الأشلاء... ستخرج الفراشات رافعة بيارقها مرفرفة بأجنحتها المائية لفتور هذا الحمأ... فأمكثي عند مصب الفراشات... مصب الحمأ. مبثوث في الفراشات... أجدل صخبها اللوني، فتهيل عليّ مساحيق الزبرجد... أمكث في الزبرجد... أهتف به أقبلْ يا سادن أحلامنا الآثمة. مبثوث في مراثي الآثام. من يسنّ نواميس الغفلة كي أكون جديرا بسلالم هذا الوعيد ؟ أمكث في الوعيد لقصاص واحد... أقيم في صدوع الجهر... مبثوث في الجهر... أمكث في النهوض كمن لهاه هول القيامة الصارخ... مبثوث في الصارخ... ملامسة لشغف البعيد... أمكث في زفرات الأقاصي وحنين الدنو المفتوح على القلب... مبثوث في القلب... جمهرة من شهيق وبهاء زفرة تقض المضجع... مبثوث في المضجع المهيأ لي... للنداوة الفاترة... أمكث في اللهاث الغيبي... صلح لي... وهدنة لعضلة القلب.
طال صمتكِ، وطالت معها الدروب المؤدية إليكِ... لو أعلم أن مزاجي سيصبح عاصفا بعد أن عيّرتكِ به، لما خطر على بالي أن أستفز صباحاتكِ الشبيهة بالحليب ولقنعت بأمزجتكِ المتعددة. أنتِ أيتها الدعلى المضيء والغامر والرحب... الدالّة على الحقول والصباحات والأناشيد وفاتحة العسل.
أبتغي عندكِ معراجا، فإسرائي رهين به... أبتغي عندكِ يقينا فشكوكي نخرت العظم... أبتغي عندكِ مستقرا فقد أنهكني السفر، وروّادتي محض غبار وهواجس.
تبرأ من الرمز، لتصاب بالصفة، خطواتك آهلّة على الأرض تدلّ عليك، قلبك قطب العلم، ودمك ماء يتطلع كثيرون إلى إهداره، تنتصر على جسدك بحثا عن خلاص الروح، لك في الكلام صورة الماثل من المستقبل، ومن الصمت ما يوازن علائقه.
حبرك، رحبك إلى الساطع من الأشياء والمخلوقات، بحرك، مداد لوصول مؤجل، وحربك استعادة لطمأنينة العالم، تبدو خليقة في فرد، يحبطك المعدن، فيما أنت المدلّ على بأسه، منذور لعواصف الشكوك، ولكنك سرعان ما تروّضها كما تروّض شغفك الجانح.
جواشن
يا ليتني لم أتعظ
عقدان لم آلف سواك
أكنتُ أهذي ؟
ربما!
أو ربما قد كنت لا أجد الذي يصلُ
في هَدْأَةٍ وَجِلُ
سأعيد ترتيب البداية
أنتهي
وأكون حرّا في الجهات
ليَ الزمان ونعمة الظل الشحيح
ليَ الرفاق العابرون كأنهم شبح
ليَ الأجل الذي لا ينتهي فيما أحب
وأدّعي صفة المقيم إذا مضيتُ
لكأنَّ لا يكفي بأنْ تحيا بمعجزتين
ما لم تتقِ شر السؤال
عن الذي لا تستطيع
وأنت ميْتُ
سأعيد ترتيب النهاية
لا طريق تدلّني
سأمرُّ من لا شيء
من ؟
لا أدّعي صفةً إلى صِفَتِهْ
كمشيمة هي رحمةٌ
والموتُ أكثر رحمةً
ماذا أريد من النهاية
غير أول طعنة
والليل في دِعَتِهْ
يا قلب
يا قلب أنتبه
ستصير فولاذا وأعباء
إذا لم تنتبه لصباحك العبثي
ليل مرَّ نحو الضوء منك
وكن سلاما ما أستطعت
تحيل هذا النوم تاريخا
وتبدأ في إنهمارك سيدا
يا قلب
هل يكفي بأن تمضي
لكي يتمرّس الحس الغبي
وتدرك الأنثى إنتظارك
حيث لا أحدُ ؟
يا ليتني لم أتعظ
وتركت فولاذي وليلي تائهين
بدأت من حيث السدى
والتيه لي بَلدُ
جهة تحيل سواي
نحو جهاتها والناس
يا قلب
أنتبه لتكون أجدر بالتفاتة غائب
يا قلب
صحت أأنت أنت ؟
إذا لما الطعْن المقيم
كأنه صفة لأهلي ؟
لا تكن ليلا ثقيل القلب
كن أهلا لما لم أستطعه
وكن ذهابا
أو فكن نصّا ركيك الظل
أو كن لي إيابا
وكن حطاما ًما أستطعت
تحيل هذا الكنز أنفالاً مؤجلة
ولن " تسْطِيع َصبرا "
فالجدار أقيم كي لا يبدأ النهب انتباهته
فكن حراً إذا ما اسْطَعْتَ...
كن لي سيداً لأراك
كن روحاً لها أمٌّ تفرّع
إخوةً لا يشبهون سواهُمُ
كن لي أباً لأراك
في ليل كريه الصوت
كن ما أستطيع وما استطعتُ
يا ليتني لغة أعلّمها الكلام
وأنت صمتُ
لا شئ يشبهني إذا ما شئت
كل الناس أسماءٌ
لما الفوضى لها وجهان ؟
وجهٌ حاضر
ويغيب آخر كي نراه ؟
ألست وحدك تشبه الزَبَدَ المعلّق
في بطالة ساحل لا ينتهي ؟
كن من تكون
فلن تكون أنا
الذي لا شئ يشبهني
وها أنت الذي ستمرّ
من دون السلام عليهِمُ
الآن انتبهت بأنهم موتى مع الأحياء
ينتبهون ما شاؤوا
يغشّون الحليب
ويقرأون بما تيسر سورة " الأعراف "
ينتظرون فيلم الساعة العشرين
لكن الحياة تمرّ
من دون السلام عليهِمُ
يتساءلون:
أكنت بعض هبائهم ؟
لا.. لستُ
لكنّي اكتشفت هباءهم
جهة تؤدي بي
إلى الرحب المقيم
إلى إستدارته
إلى اللاشيء
لا أجد الهباء نهاية
يتساءلون:
أكنت تدرك لعبة اللاشيء ؟
كنت
وها أنا جهة إلى الشيء الخصوصي أنتميتُ
توهما جزت الذي يتساءلون بشأنه عبثا
ولكني انتبهتُ.
***
حسين السماهيجي
- من مواليد البحرين – سماهيج - عام 1986م.
- حاصل على ماجستير في الأدب العربي – جامعة البحرين – يحضر للدكتوراة. يعمل في وزارة التربية والتعليم.
صدر له:
- ما لم يقله أبو طاهر القرمطي - شعر، دار الكنوز الأدبية، بيروت 1996.
- الغربان - شعر، دار الكنوز الأدبية، بيروت 1999.
- امرأة أخرى – شعر، دار الكنوز الأدبية، بيروت 1999.
- نزوات شرقية - شعر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ضمن مشروع النشر المشترك بين وزارة الإعلام البحرينية والمؤسسة العربية للدراسات والنشر 2002.
- عبد الله الغذامي والممارسة النقدية والثقافية، إصدار مشترك، وزارة الإعلام البحرينية والمؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2003م.
- يترك لهم أثراً، شعر، مسكيلياني للنشر والتوزيع، تونس، 2008م.
جنّتان
نصوصٌ تباغتني بالنهايةِ في معجمٍ ناقصٍ
فتسيلُ مع الدّم فوق رصيفِ المعاني
تُطِلُّ عَلَيَّ
فأخرج من حوضِها
للطريقِ بدايتُهُ
والسماءُ تُعَلِّقُني.
معطفيأ زرقٌ
والدلالاتُ زرقاءُ
زرقاءُ
زرقاءْ
نصوصٌ معلّقةٌ
دَخَلَتْ في السؤال
دَخَلْتُ إليها
وجرّدتُها من يقين النهايةِ
معطفُها داكنٌ
والمكانُ تمدّد.
في جيبِهِ الأرجوانيِّ
يمكث طفلٌ له جَنَّتَانِ
لغةٌ جنّةٌ..
جسدٌ
جنّةٌ..
أيُّ سِرَّيْهِ يمضي به للنهايةِ
في زمنٍ من دخانِ.
توشك أن تدخل بي زمن الآلهة
النهارُ عدمٌ أغادره
وأتشيّأُ في كلمة سقطت
من ساق العرش.
تنبضُ في دمي
وتوشك أن تدخل بي زمنَ الآلهة.
مريضٌ بك
فلا أغادرك
ولا تتركني.
أضعُ الخِرْقَةَ على الشمس
لأستر بها سوأةَ العالَم.
الصّحو، حيث ينقطع الحبل السري
بين النبي والإله
الحلم، مساقط النجوم في مهابط النَّصّ.
لا تتركني
في هذا النهار المليء بالنياشين
والأوسمة
وقبّعات المحاربين
وأحذية القتلى.
أنا والنبي توأمان
يضيء بالنَّصِّ
وأضيئه.
أدّخرك في جيبي
لنصٍّ سماؤه فؤادي
وأرضُهُ العالَم
أيها الشعراء.. الشعراء
نظّفوا مساكنكم من أعقاب سجائر الآخرين.
صعودًا صعودًا، جسدٌ يتنزّل منه الوحي
هبوطًا هبوطًا، قصيدةٌ ترتعش لها أعضائي
وأنا أنسخها من فم الإله
لم أكتبها، قطّ، إلا وسقطتُ مغشيًّا عَلَيّ.
رؤيــا
ما بينَ صَحْوِي والمَنَام
أسيلُ في النَّصِّ المواربِ
بين نثرٍ أنتشي برؤاهُ
في سِرْبِ اليمام
وبين شعرٍ يستعيدُ من السماء كتابَهُ
في لحظة التكوين.
تأخذني
إلى عينين زاويتين
أستبقُ الطريقَ
أنا أواللغةُ الكثيبُ
حضرتُ في لغتي، ولكني نسيتُ الرّملَ
في الجهةِ القصيّةِ من وريقاتي
رششتُ الماءَ في الجَنَبَاتِ
آنَسَنِيْ دمٌ ما زال في حَلْقِي
فرحتُ أرتّبُ الأشياءَ بالوحيِ المُؤَثَّثِ بِيْ
بآياتِ المَجَازِ إِلَيَّ
آلهةٌ تُهَنْدِسُ ما اخترعناه
لنبقى نحن في آياتِنَا أنصافَ آلهةٍ
تُبَارِكُنا تعاويذُ النّساءِ
وتصطفينا أمّهاتٌ باذخاتٌ
لم تزل لغتي نقيضي الهَشَّ
تسلبني مواريثَ السَّماءِ
وَتُنْزِلُ السُّمَّارَ منزلَ لابثين
يُصَبِّغُوْنَ وجوهَهُمْ برمادِ موتانا
ويزدردون في عبثٍ لفائفَ تَبْغِهِمْ
يأتون قبل النَّصِّ في أكفانِهِمْ
يأتون بعد النَّصِّ كالموتى الذين تَسَلَّلُوْا
من بَرْزَخِ الكُتُبِ المُقَدَّسَةِ.
استهلُّوا الليلَ
بِالفوضَى، وحَاصَرَهُمْ سَدِيْمٌ من بقايا الخَلْقِ
ما انصرفوا إلى الآباءْ
ولم يحكوا عن الأبناءْ
تَنْكَسِرُ الحكايةُ في مَعَاطِفِهِمْ
ويختبئُ الرُّوَاةُ وراءَ لَحْنٍ يَسْتَبِدُّ بنا
نُوَقِّتُ في الحكايةِ يَوْمَنَا
بنوافذٍ طَلَعَتْ عليها الشَّمْسُ
قُمْتُ أُفَتِّشُ الضَّوْءَ الشَّحِيْحَ
عن انكسارٍ لَمْ يَحِنْ لي
لم أَجِدْ في الضَّوْءِ إِلاَّيَ.
أستهلَّ
بِيَ الإلهُ كتابةً أخرى
نَقَشْتُ على الجدارِ أيائلاً
تهفو إلى مَاءٍ
نَفَخْتُ الرُّوْحَ في الأجسادِ
غَنَّيْتُ المَوَاوِيْلَ الجديدةَ
رَاقَصَتْنِيْ من نساءِ الحَيِّ أَجْمَلُهُنَّ
رَاوَدْتُ القصيدةَ عن دَمٍ ينتابُنِيْ
أَبْكِيْ لِعَيْنَيَّ اللَّتَيْنِ ابيضَّتَا
يا أيها المنذورُ للرؤيا انكسَرْتَ
ولم تَجِدْ في البئرِ مَنْ تحكي لَهُ إِلاَّيَ
لم أذهب إليكَ
ولم أجئْ عَنْكَ.
التفتُّ إِلَيَّ
في جغرافيا النَّصِّ المُخَاتِلِ
بين حِبْرٍ أو كلامِ
فَوَجَدْتُنِيْ في التِّيْهِ
لكنّي طَعِمْتُ المَنَّ وَالسَّلْوَى
وَظَلَّلَنِيْ أبي لَمَّا أَفَقْتُ
من القصيدةِ بِالغَمَامِ.
معنى يشيح عنه البياض
(1)
لكلِّ أبلهٍ مستوحدٍ غزالةٌ
ينكأ اللّيلَ بقرنيها
ينكش الجدارَ بأظافرَ من خزفٍ أحمر
أظافرُ
سليمة
سلسة
مقوّسة
معقوفة
منحنيةٌ كَفَلَكٍ طَوَّبَهُ رهبانٌ معزولون
يكتفون بملح قليل
وورق مبلّل بعيون تبصر بالبياض.
(2)
غَادَرَ الدَّيْر
وأقام في الكتاب.
(3)
لا أثق بهذا الضوء
أمّا الهواء الذي يحيط بي
فأسير الأمكنة الضيقة.
(4)
أهبُّ هبوبَ الرياح
على النخل ذاتِ الأكمام
وألبث كظلٍّ
ينبتُ به الموتى.
(5)
أنفخ في البياض
وأقوم عن جسد أسرجه برغباتي.
(6)
كنتُ قبل النص
أَصِلُكِ ببقايا ظلّي
وأمنحُكِ مغرب الماء
كنتِ بعد النص
أفيق على فمك
في الشفيف من نهديك
أنا هو،
رتّليني آناء الليل
وما تَيَسَّرْتُ لك من أطراف النهار.
(7)
أنزع عنك
أخيط الظِّلَّ. ألتبس بماء يتدفق إلى البحر
أنزع عنك
أستفيض على جوانحك المنسدلة على أناملي
أنا الظل والشمس
النَّصُّ واللسان
البرق والخوف
الرمل والعطش
أنا المرآة...
أتفصّد فيك
كسرب يتخلّق في الجو
أو معنى يشيح عنه البياض.
***
حسين فخر
- من مواليد البحرين – الديه - عام 1977.
- متخرج من قسم الدراسات التجارية بدولة الكويت تخصص محاسبة بنكية ، التحق بالجامعة اللبنانية قسم الإنثروبولوجيا.
- يعمل بمجال التصميم والدعاية والإعلان
- أطلق موقعه الإلكتروني: الوتر السادس، عام 2006.
www.watar.net
صدر له:
- الساعة الواحدة إلا وطناً - شعر، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2003.
- الصلبان.. ذاكرة المعنى.. كنايات الجسد – شعر، عام 2007.
- الياسمينة، شعر، فراديس للنشر والتوزيع، المامة،2008م.
الصلبان
"هذا كتابُ الرمحِ
قد وردَ المدينةَ
والمدينةُ
لا ملامحُها كما كانتْ
ولا النخلاتُ يشبهُ بعضَهُنَّ البعض".
قالَ
وهوَ يشُكُّ أطرافَ البلادِ
وما تناثرَ من عذوقِ النخلِ
في خيطِ السبيلْ
من أينَ نقرؤها ؟!
وأردفَ دمعةً
ورأيتُهُ حبراً فحبراً
يختفي في المستحيلْ
وقرأتُ خطوتَهُ الأخيرةَ في الرمالِ
تقولُ:
"حينَ يجاهرُ الفتيانُ بالنخلِ القتيلْ
سيَهُبُّ أخضرُ
يخرجُ الرهبانُ من زمنِ الصليبِ
ويدخلونَ بهمْ ".
رأيتُ ما بينَ العبارةِ والعبارةِ
جملةً مكرورةً
(كانوا ثلاثةَ مؤمنينْ)
لمْ أدرِ
ما التأويلُ ؟
واستشعرتُ خاصرتي
كأنَّ بها من الكلماتِ رمحاً
جاسَ من بين الكتابةِ والنخيلْ.
إخوة الزجاج
أو لَمْ أقلْ من قبلُ فلنرجعْ
فإنَّ الحِبرَ أوّلُهُ
فقلتم:
لا
قطعنا نصفَهُ
والوقتُ ذو حَديّنِ – ذو حِبرينِ-
قلتُ لكم:
أبي في وصفِهِ لم يذكرْ الإسفلتَ
حينَ سألتُهُ عن جانبيهِ
أجابني:
سترى أغانٍ يدخلونَ زجاجَ نظاراتِكمْ
وترى على يدِكَ اليمينِ
حمامةً مكسورةً
فإذا تأمّلتم بجانبِها
ستطلعُ قُبّةُ بيضاءُ
ثُمَّ تلتحمُ الحمامةُ
قلتُ.. قاطعني:
ستسألُ هل تطيرُ ؟
نعمْ تطيرُ
وبعدها تتحولونَ إلى نخيلْ.
ها نحنُ أربعةٌ
وخامسُنا
يُشاطرُهُ الزُجاجُ حديثَهُ
لمّا رأى تلكَ الصبايا
يوقدونَ النارَ
ثم يُمَرّرونَ صُدورَهُنَّ على الفتيلْ
- ماذا نقولُ إذا سُئلنا عنهُ ؟
- لا أدري، تزوّجَ ؟
- لا
- تزجّجَّ ؟
- لا
سنقولُ أغوتْهُ الكنايةُ
أو تكسّرَّ تحتَ حافرِها
وخبّأهُ الصهيلْ.
قال يُحاوره
على بُعْدِ جاريتينِ من الماء
داهمَهُ الحِبرُ
ها ظلُّهُ
يتجزّأُ في الماءِ
(إنَّ البحارَ شواغرُها الأبجديّةْ)
أخرَجَ دفتَرَهُ
كيف تكتبُ من غيرِ نصلِكَ ؟
من غير أحمرِ حبرِ محابرِكَ الحجريّةْ ؟
كيفَ لم تستطعْ
فهمَ يوميّتي الشفويّةْ ؟
وكانتْ تُشيرُ إلى رأسِهِ البندقيةُ
قلتُ:
تَوَخَّ
تكوّنْ
تأمكنْ
تبركنْ
وكنْ
عكسَ ما تتوقعُهُ البندقيّةْ.
استدرتُ
فدارتْ بنا الأرضُ
دارَ بنا الحِبرُ
طاشَ الشراعُ
التفتُّ
تلفّتُّ
لم أرَ غيرَ أوراقِ دفترِهِ
وبقايا أصابعِهِ الأجنبيّةْ
تقدّمتُ
أحسستُ حينَ تحسّستُ
" ها جسدٌ شَفَّ "
كفّنَكَ البحرُ ؟
كفنني
ثمَّ عادَ بباقي مفاتِنِهِ الغجريّةْ.
الهارب من الهروب
لبطل أحببته . . .
منذ ألقى على الماء ناراً . . .
وطعنته المزمنةْ
تستبدُّ بأعضائه كلها .
من زبرجد أحلامه . .
كن تمشين في ظله شجراً
وكوكبةً . .
من أغانٍ تغنيه . .
يمشي . .
ويترك خلف رؤاه الأساطير . .
واقفة الأمكنةْ
والنشيد النشيج النشيد . .
بقامته . .
حين متنا . .
بمقلته الموتة الخائنةْ
لم يعدْ . .
غير ذاكرة ساكنةْ .
هارباً . .
من هروب مناطقه . .
خبأته البيادر . .
طارده . .
( ميكرفون ) الإذاعة . .
والصحف الآسنةْ
تسدد رأسه الأسئلةْ!
عن الجبهات التي جندته . .
لتعلن عن سبقها الصحفي . .
تقامر بالجثة المثخنةْ
وفارس غزة . .
في دمه المتمرد . .
يغرق . .
يغرق . .
تغرق غزة . .
في دمه المتمرد . .
خاشعة ، آمنةْ .
قال لي:
- قبل أن يتهدم . .
- تحت عيون البنادق –
إن القرابين بعض السماء
فقلت إليه :
وما غرًّ قومك أن لا يكونوا بقيته؟!!
قال لي:
إن من تستكين العواصم في يده . .
كيف شاءْ
أيطمع في أن يكون ( القيةْ)؟!
يا فتى . . قلتُ
وارتد صوتي إلىّ . .
بخمسين موجعةٍ . .
أخرجتها البنادق
ناشرة حزنها . .
للقرابين والشهداءْ
يا فتى . .
يتربصك النطع
أنى ذهبت
فثمة جرح
تضمده الأنبياء
يافتى . . العربي الذي . .
للشعوب اصطفاك بلاداً
وسواك عاصمة الكبرياءْ
هو الآن . .
يطلب رأسك!!
فاطلق جناحيك للريح . .
يرتعد الجو . .
يأتيك من كل جرح . .
هزيم الغناء
لتنجُ . .
بما تستطيع من الكرم واللوز . .
واملأ جيوبك . .
بما تيسّر من رمل غزة . .
خلّ الذين استبيحت رجولتهم . .
والذين تآخوا مع الجند . .
واقتسموا الخبز . .
خلّ الذين يخافون أن يعبروا . .
جسداً ميتاً
يعيشون في ذلهمْ . .
( موتة ) الجبناء
يا فتى . .
إن معراجك الدم يا صاحبي
فتوقّدْ . .
جبال دماءْ
فأنت الوحيد الذي
لا إلى هؤلاء ولا
إلى هؤلاء .
***
حصة البوعينين
- من مواليد البحرين - مدينة المحرق.
- بكالوريوس لغة العربية جامعة القاهرة. عملت في التدريس بوزارة التربية والتعليم وهي الآن متقاعدة
- عضو مؤسس في الملتقى الثقافي الأهلي.
- عضو بأسرة الأدباء والكتاب البحرينية.
عضو مؤسس بجمعية الشعر الشعبي البحرينية.
صدر لها:
- صهيل المسافة - شعر شعبي، عن الملتقى الثقافي الأهلي، البحرين، 2000.
- للوقت .. للمكان - شعر فصيح، عن دار فراديس للطباعة والنشر.
شجيرةُ ملحي
كان حُزني عليَّ
على الأمنياتِ على دفتريْ
رقرقي
قطرةً
قطرةً
محجريْ
ستمرُ حمامةُ أمسي على موضعي
مبردي شرهٌ
وسيبْردُ ملحَ التكتلِ
بحرٌ يحزُّ جحيما على مِبضعٍ بَأْضلعي
أنةٌ
أنّتان
وصخبُ الجروحِ
يهشمُ خبزَ الغراب عليّ
على موجعيْ
فاستقري هنا قبله واسجعيْ
لضجيج مساء البلاد الغريبةِ صخبُ الحشود
بحانة كهلٍ و زوجٍ تديرُ الصحونَ
تزجُ القنانيَ قرعا مثيرًا بسقفِ الرفوفِ
تبيعُ القديدَ عشاءَ الثريْ
وتقري الضيوفَ الُقثاءَ زهيدا عطاءَ السخيْ !!
ولستُ أجد نشوة أمطرتها دفوفٌ
تفيضُ الغناءَ على مدمعي
لهدايا البلاد السعيدة إكليلُ شيخٍ عجوز
صديقُ الرفيقِ
ضحكتُ لزادي الفقيرِ
شجيرةُ ملحٍ لمنجم عشق سحيقٍ بعيدْ
عبرتُ البلادَ
تسّوقتُ فيها
اشتريت لعيني السهادَ
رأيتُ الرفيقَ يخونُ الطريقَ صباحَ الجياعِ على مطلعي
رجعتُ بملحي انكفأتُ عليه
أواربُ بابَ الترابِ
ولكن نفثَ الغياب يعيدُ الفصولَ
سوادا
سوادا
على مهجعي
لهدايا البلاد شجيرةُ ملحٍ
كزادِ الحياةِ على مكتبي
ولصدقي!
وفائي لليلٍ يخبئُ فروَ الثعالبِ منه
ويبدي فراءَ البراءةِ في مخدعي
شجيرةَ ملحي!
فلا تعبثي بالرياح
وهزي لشعري الحنينَ المباح
ولا تضعفي
وأشربي ماءَ حزني
أليس الملوحةُ من دم هذا الوريد لديكِ ؟
ألا فانهلي وأهجعي.
وشوم البنفسج
1
موعد التوت يأتي
صيفُنا في يديه
أدَلّتْ عليه وشوم البنفسج فوق السياج
وكدمة عصفورةٍ هبطتْ من على اللوز
وللوز ماشطة لا تبارحُ فضَّ جدائلهِ
وتدلُ عليه جرارُ النوافذ فاغرةً زهرها بالرحيقِ
وبصمة رجِل الحمامِ وأن ينضجَ النبْقُ
وأن تكنسَ الطيرُ أعشاشها في النخيل
نهارٌ يمددُ أوصاله لا عليه
فللمتعبين مقيلُ
وليلٌ يُدَوْزِنُ مشْيته
فيعدُ عجين خمائره زعفرانَ وحناءَه ياسمين
أبرَّ الغبارُ يمينَ السحابة هذا المصيف
فجاءَ إليها الهديرُ مخاضَ الجنون!
كأني رأيتُ السحابة بنتَ التحسّر
أختَ الربابةِ
جرحَ الجفونِ
وفوضى العويلِ
أُدَلُ على الصيف من صهَبٍ في المغيبِ
ومن صَخَبِ الراجفات بماءٍ بخيل
أُدَلُ على الصيف منّي
ومن خلجاتٍ تضيءُ القصيدةَ عني
كأني تعادُ عليّ الرؤى إذ يُعادُ اليقينُ
فأبحثُ عن شرفةٍ أوقدتْ ولعي في اللغات
التي ستسمي الكلامَ الجميلَ اشتغالَ البيان على ما يقالْ
سيقولُ المصيفُ عليَّ.
2
نامتْ على خصر التلهيْ ساعة، ثم استفاقتْ تنثني بتدللِ
وتساءلتْ هل لي على سطرِ القصيدةِ موعدٌ ومواسمٌ
في سفح صيف الله إنْ جاء الغدُ ؟
فاستبشرَ الجوريُ في خيلائه
واخضلّ وردُ العصر يشهقُ بالشذى
كوني كما يرضى عليكِ نهاره
صيفا حنونَ الطيفِ عطرُه في المدى
هذا مقالُ الصيفِ عنها إنها عَدّتْ خطاه بالترقبِ والهوى
قد راح يُدلي عذقَ نخلةِ صيفهِ
قولا ينوءُ بما تجلى واستوى
يختالُ فيها إنْ تدلتْ قطفةٌ
شفّتْ نواها من تباريح الجوى
هلَّ المصيفُ وهذه أنواؤه
يبدى مخاضا لا يضيرُ به النوى
أمّا التي خطتْ على ومضاتهِ زهرَ البيان عموده والمحتوى
فهي الجمانُ على زَبدْ أصدافه
عشبُ السواري إنْ ترعرعَ وأرتوى
تفاحة للمستميتِ ثوابها
وهي الحنانُ أمومة اللا منتهى.
إلى المرأة في يومها
لمْ يمتْ من قال لا ؟
هي تنتظرْ
فأعدّتْ الأوراقَ تجتذب المحابرْ
لا وقتَ كي تضعَ القناعْ
ليسيلَ ماءُ الليلِ تفتحه المحاجرْ.
هي ترتقبْ
فتوجستْ خطوا
كأن الأمس جاءَ وخُفه من حافرينِ
تجرعا سمَّ الوهاد على المعابرْ.
هي تنفعلْ
لمَ لا تكلني للحقول وللشذا ؟
فأنا عروس النور
أختُ الطير
إن سبّح في الأرض دعاني
لأرى كل غصون الله للطير منابر
وأنا بوتقةُ التأويل والتحويل
حضنُ الماء والبذر
وَصايا الأنبياء
أشعارُ ليلي ما إذا مرّت على الأوتار تشدوها الحناجرْ.
هي تنتحبْ
ها أنا عطرُ لياليكَ
وطارت بي طقوسُ البدو من لعُبْي
أراجيحي
تحولتُ إلى أنثى على نهر يديكَ
صار لي اسمٌ على اسمي
وأشبالٌ تقاسمتُ وإياكَ هواها
فأنى ستكابر ؟
هي ترتعشْ
مالتْ على أذنِ الغياب تسرّه
فأسرّها: هذا البريقُ أساورٌ
أن قدْ لبسِتهِ فاحذري
أو فأكسريه
يعطيكِ من زهو التجملِ ومضةً
ويروغ منكِ إذا غدا متسّيدا
لا تأمني
يختارُ برقكِ بكرَه
يُرديهِ إنْ أمنَ الطريقْ
لا تهدأي
قولي رأيتُ اللهَ إلا جهرةً
رفع العبيدَ على العنيدِ
فلم يمتْ من قال لا ألفا فحسب
لكنه أضحى مع القتلى شهيدْ.
كي لا تعود
في فضوليةٍ دخـَلتْ هذه الزهرة...
متطفلة لم أقدّمْ لها دعوةً للحضور
إلى حفل شاي الظهيرة أو للمساء
وتقبع خلف الزجاج وبل خلف ظهري
متربصة بالزهور، وقد تتربص بيْ
فهي تأكلْ وتشربْ ...
تعتمُ الليل حولي وتتركني في القلق
حدثتني صديقتي...
وهي مغرمة بالحياة كمثلي
فقالت : تخبئ بذرتها في الذي تجلبون
غذاء الفسيل ومن ماعزٍ أو حصانٍ
فقلت: ولا عدلَ !
تحتل بيتي
ومن ثمَ تخترق السورَ...
وتطل بكل الغصون اختيالا
ولو كنت أعرف صورتها لتركتُ لها ضفة الباب مفتوحة
ثم أغلقته بالحديد
لأنـْفِيَها لا تشبُّ هنا
و برغمٍ عن البيت عني أنا
فلسوف أقوم بخلع الجذور وكل الغرور
فقولي لها تنتصرْ أو تفرّ لكي تنتحرْ
زهرة من فصيلة كل الفضول وليس لها من نماء الفصول
طفيلية ، متحاذقة، غامقة...
وهي تعتمُ حولي الليالي وتتركني في القلقْ
زهرة متسرّعة في اختيار العطبْ
فاذهبي وخذي منجل القصف ...
اقلعي عنفوان التطفل كي لا تعود إليه أبد.
***
حمده خميس
- من مواليد 1946
- تعمل كصحفية حرة.
- عضو مؤسس في أسرة كتاب وأدباء البحرين.
- عضو إتحاد كتاب وأدباء الإمارات.
- عضو الإتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.
صدر لها:
- اعتذار للطفولة - شعر، دار الغد البحرين 1978
- الترانيم - شعر، دار الفارابي بيروت والمكتبة الوطنية بالبحرين 1985
- مسارات - شعر، دار الحوار اللاذقية واتحاد أدباء الامارات 1993
- أضداد - شعر، الإتحاد العام للأدباء والكتاب العرب عمّان 1994
- عزلة الرمان - شعر، دار الكنوز بيروت 1999
- مس من الماء - شعر، إتحاد كتاب وأدباء الامارات 2000.
- تراب الروح - شعر، دار حوران دمشق.
- غبطة الهوى.. عناقيد الفتنة - مجموعتان شعريتان في ديوان، وزارة الإعلام البحرين والمؤسسة العربية للدراسات والنشر2004
- في بهو النساء - شعر، عن أسرة أدباء وكتاب البحرين 2005
- تراب الروح، شعر، دار حوران للطباعة والنشر، دمشق، 2006م.
- إس إم إس، شعر، هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، أبو ظبي، 2010م.
بروج
ما الشعر؟
قيل أنَّةُ الأرواح
وقيل الكُنهُ والسرُ !.
***
ما اللذة ؟
قيل هي الخبلُ
وقيل شهقة الموت
حين إقتراب الأجلْ.
***
ما التجاسد ؟
قيل التبوتق في اللهيب
وقيل انصهار اللظى
في فتنة الحبيب !.
***
ما الشهوة ؟
قيل فرس طليقْ
كلُ السروجِ تقطعتْ
والبراري
كلما اتسعت تضيق!.
***
ما الذات ؟
قيل نورسة
تعبر هذه الدنيا
بلا ظلٍ ولا شجرِ
تحوّم في فضاء الحر
لا مرسى لإبحارٍ
ولا شطآن تنتظرُ.
***
ما النفس ؟
قيل كتاب غامض الخط
في عمقه الموت والميلاد
والسر والحبر
وفي متنه يحوي
أسرار من جاءوا ومن ذهبوا
كأنها إذ تشبه الليل في عتمها
والصبح في إشراقة الصبح
دورة الأفلاك في أسرها
وفي تعاقبها
فصلٌ
ومن بعده فصل.
عصيان
أسميتني حمدة
لأحمد من شئتي
ومن شاءوا
لكنني خرجت يا أمي
من ثوبك الآسر
فلم أحمد
ولم أخضع لسلطان
ولم أركع
ولم استجدي الغفران
بقيت نافرة أبدا
ثيابي الريح
وفرسي العصيان !
ألم
مريضة
في موقد الحمى
يؤلمني ثوبي على جسدي
يؤلمني الهواء
عابرا شغفي
يؤلمني النبض
حين يصطخب
يؤلمني إصبعي
حين ينقشني
يؤلمني توقي
... ... ...
يؤلمني الحنين.
***
جسدي متعب
ويداي نثيث الرماد
لا أنت تدرك ما بي
ولا أنا
لكنما
أو ربما
سوى السراب
هناك خلف النافذة
وفي المدى القريب
زيتونة حنت على غصنها
أسيانة مثلي
أم أسلمت أمرها لنسمة الخريف ؟
حينا تؤرجحها
وحين تعبر
تأنسها الطيور
وترتخي هادئة
تنوس بالحفيف.
كأنني والكون مفردة
بسيطة كأنني
لغتي الحياة
وخفق روحي نبض هذا الكون
عبر قلبي تمر الكائنات
مترفة بغبطة وجودها
هانئة في رأفتي وظلي
تنساب متئدة
بين ابتهاجي وخصب التراب
تتلو نظام الكون في مسراها
وأقرأ في طبائعها شريعة الحياة !.
***
أفتح نوافذ الروح لألق وجودها
أنمنم رحاب البيت بأعشاشها
ونهنهة الندى
وأبتني للحدائق الحُبَ
كأنني أهندس الخلق
ورائقة الوئام!
***
عبر جسدي تمر الفصول
مترعة بأسرارها
نقش عليه في تعاقبها
يمر الزمان
نعد أيامنا بترف الثواني
ونحصيها بوطأة السنين!.
***
مدارجنا الفصول
وأجسادنا عناصرها
خفية تعبر
دون خديعة
دون اجتياز
ونحن إلا تجلي الفصول
في تعاقبها
تعود إلى مبتدءٍ
ونحن إلى منتهى..........!
***
عبر قلبي وجسدي
تمر الحياة
بصخبها وسكونها
بإيقاعها ونزواتها
كأنني مفرد وإختزال الوجود
كأنني بعض فيض الكون
وخفق روحي فضاءه
ودورة العمر
دائرة الزمان!.
***
خارج الوقت
خارج المالوف والعادي
خارج التسليم واليقبن
خارج الساكن والمستتب
خارج الطاعة والتطويع
أشق دربي
وابتكر اللذائذ
يا لبذخ العصيان
وترف التمرد!
لا طوق يشد إساره
لا أفق يضيق بمدى أفقي
لغتي مائية
وإشاراتي ضياء !.
***
الندى الشحيح يوقظني
كما يستيقظ البرعم من لمس الندى
المطر الشفيف يبهجني
كما تنتشي الجذور بعد حرائق الظمأ
الريح في اشتدادها وتري
وفي خفوتها همسي وإيقاعي
كأنني والكون مفردة
وبعض نبضي
غموض السر في نبضه
أعلو فيذهلني السقوط
ويشدني توق خفي
إلى العلى !.
***
أنا والكائنات
وضوح المرئي في ظواهرنا
وفي غموض أسرارنا نمضي
ونضيء بالكشف البهي دروبنا
وحين نعتمُ
يحكمنا الظلام
... ... ...
وعجزنا!.
***
عبر قلبي وجسدي
عبر نزقي وطيشي
عبر تأملي ورؤاي
عبر حكمتي وحماقاتي
عبر صمتي وصخبي
عبر ضحكي ودمعتي
عبر حزني وغبطتي
عبر يأسي وأملي
عبر طموحي وقناعتي
عبر حريتي وقيدي
تتجلى العصور
وتكتنزُ
أنا الكائن البشري
إشارات البشائر في يدي
إن مسني الحب
وإن مسني الحقد
يستبدُ العدم !.
هائمة كأنني
أمس هممتُ بكْ
همتُ
أكادُ اسمعُ نأمةَ الكونِ
ورفيفَ اجنحةِ الفراشاتِ
وخفقَ ظلك اذا عبرت
اسيرة ٌ
كأنني اقصى الكواكب في مدارك
أرخ قيودي واستكن الى هواي
عصفي محيطات إذا ارتجّتْ
واذا تفتح الحقلُ
شذاي!
***
الشوك من سرة الورد
والظل كنه الضوء
وانت توقي للظلال وللضياء
عطشي اليك
ويقين روحي في يديك
الملم ما تناثر من ضيائك
إذا ابتعدتَ
وإذا اقتربت
اظل اخفق حتى يصير الغيم اجنحتي
شبهي رذاذ الضوء أو الندى
أطوي عليك مباهجي
واستحيل الى هوى
يؤرجحه هواي!
***
أمس مررتَ
كنتُ أفلي اليأسَ
وارتقُ اثوابَ القلقْ
أوشكتُ أن ألجَ الحطامَ
وأكرُّ مسبحةَ الهزائم ِ
حتى مررت كنيزكٍ
فانفطرت غيومي
أيقظتَ مباهجَ الفل
في جسدي
استللتَ الشوقَ من غمدهِ
رججتَ النهرَ في وريدي
كم اشتهيتُ ان أمسّكَ
وظننتُ اني اشتهي الياسمين
أكنتُ في غفلة الموهومِ
أم كانت تخادعني يداي!
***
كلما خاتلني الوقت
ارتقيتُ.
كلما اوغلتُ في شكي
أَضأتُ
كلما ايقنت اني لن اصل
محوتُ تمائمكَ بزعفراني
كأنني رداء الضوء
أسيرُ..
ما بي ليس تدركه
أُعتم إذا غضضتَ
وإذا ابصرتني شففتُ.
وإن حدثتني
لمحتُ النورَ
في مسرى خطاي!
***
أمرُّ من وقت الى وقت
وانقش في المدى أثري
لونتُ هذا الطين
وطيفك منبعي
لم احتف الا بوهجك
لم استجر بالريح
آخيت ظلك
حين طوحني الهجير
لم اتكأ الا عليّ
أيقنت اني في مسار العمر
وحدي
ووحدي
ليس يؤنسني سواي !
***
زهراء المتغوي
- زهراء المتغوي، من مواليد البحرين عام 1974 م، في قرية الدراز .
- بكلوريوس من جامعة البحرين قسم رياضيات .
- شاركت في الأمسيات الأدبية في البحرين والكويت
- والقطيف وصحار.
صدر لها:
- بأي ذنب قتلت، شعر، فراديس للنشر والتوزيع، المنامة، 2008
سيمياءُ الحلمِ !
أتيتُكَ
بالأصفادِ
فاخترمَ القصدُ.
وحبلُ وجيبي في غرامك ينشدُّ.
وقد خانني وجهي وبيتي و قريتي
و عن سُدّة الآمالِ
طوّحني سدُّ.
كمختبطٍ
لمّا تخالِطْهُ جُـنّةً
على جُرفِ هذا الليلِ
بعثره السُّهدُ.
ألستُ
إذا أبرمتُ مليونَ موثقٍ
يلولبني حبلٌ
ويغلبني عقدُ ؟
فيا سيّـدَ الرؤيا
أتيتُ ولهفتي
كما الهيمِ
لو يستكّ في سمعِها الرعد.
ويا أيها الموعودُ
غيثا وغيمةً
متى عنْ سؤالاتِ النوى يهطلُ الردّ؟
أتيتُ
شتاءاتُ الهمومِ قرينتي
ومدفأتي الصفراءُ
يقضمُها البردُ.
وأرفو
بأسمالِ الغيابِ قطيفةً
نما في خباها التّيمُ
واستحكمَ الصردُ.
وفي مقلتي
منفى
وعيناك موطنٌ
وللضدّ حكمٌ لو يُساوره الضدٌّ.
فلا أنا موصولٌ
ولا أنا واصلٌ
بغير يدٍ
من شمسِ روحِك تمتدًّ.
وما جئتُ وحدي
بل كتيبة لوعةٍ
وحشداً من العشاقِ
أغرقه الوجد.
وكلُّ عصافيرِ الغناءِ
بزورقي
وتتبعني الأسماكُ والعشبُ والوردُ.
تبخّرت الأحلامُ
بعضٌ معطّل
وبعضٌ
بلا قصدٍ يشطُّ بها القصدُ.
وجئتُ
كما العذراءِ
بارحَ وشمُها
وفارسُها الموعودُ
أخطأه العدّ.
وفي الروح شريانٌ
يلمّ نجيعَه
وقد بُتِرتْ
منه العزيمةُ والجَلْدُ.
وأسألُني
لمّا سرى العمرُ هادرا
وهيمنةُ الإفلاسِ
ليس لها حدُّ
متى حبرةُ البشرى
تعانق باصري
ويستلبُ الألبابَ من نورِها وقـدُ؟
متى نظرةٌ تحيي المواتَ
بتربتي
وعودُ نمائي
في وصالك يشتدُّ؟
فقد طحن
الجوعُ اللعوبُ مسالكي
وعاق طريقي
عن تجلّدِه أودُ
تداركْ
أخاديدَ الجفاف بمهجتـي
ففي خاطري جدبٌ
ومن يدِك الرِّفدُ
و لازال
قلبي طفلةً بدويّةً
وفرعونُ هذا العصرِ
شيمتُه الوأدُ.
البكاء بين يديّ حجر !
ستبكي هُناك!
تُخاصرُ عند ضريحي الفراغَ
وتجثو على تربتي رُكبتاك
ويختلسُ الدمعُ قلبَك - هذا الذي لم يزره البكاءُ - ويحتدّ شعراً
ويبكي طويييلا هناك.
بقبري غدا
حين يدرجُ نهرُ العناقِ لعينيك
تنسى المواعيدُ أنفاسَها
كالحجارةِ
حين تهامسُ نخبَ السواقي
وتسجدُ مفتونةً بالأراك.
ستأتي
سترسمُ بالطينِ إسورةً للحنين
وقد تسألُ الضوءَ عني
وكيفَ الشحاريرُ يخرسُها اللارجوع
وكيف اشتياقُ الأحبّةِ حين يفتّ الجلامدَ تبكي
وكيف القصائدُ حين يكوّرها الحزنُ تبكي
وحيث يبلِّلني منك دمعٌ غزير ٌ
وما بلَّل الروحَ يوما لقاك؟؟
ستمشي خجولا
خُطاكَ تسائلُ عني خُطاك
وتحملُ تلك الورودَ
لماذا ستهدي إليّ البنفسجَ والأقحوان
ولا يغرق الروحَ إلا شذاك!
ستبكي كثيرا
وحين أراكَ بقربي
وما بيننا الموتُ
تبحثُ عن كلماتٍ قصارٍ
تضجُّ بهمسٍ يشقُّ احتمالاتِه من صَداك.
تساور خيلَك
تذكرُ كيفَ التقينا
وكيفَ نذرتُ إليك وجودي القصيرَ
و عشقي الوحيد
وما فزتُ حتَّى بأدنى هواك!
تصيرُ مقدّسةً كلُّ هذي التفاصيلُ :
"خطِّي وفوضى جنوني
وتلكَ الرسائلُ حين تهبُّ غوايةُ شوقي إليك
وحتَّى ظنوني ودربُ ضياعي بدُنيا جفاك"
ستبكي طويلا ستبكي
وتوقنُ أنّ التي جرّحتها
أناملُ طغيانِك المستبدِّ
وصبّار بعدك
صارت - أخيراً - بقايا إلهٍ و ذكرى ملاكْ.
شعراء تتبعهم الملائكة
أيا ضوعةَ الطيب
هل مرَّ في مسمع الشعر
قومٌ كما الغيم
ألقوا العصيّ
وطافوا على كاهلِ الأمنيات ؟
وفضُّوا ختام القريحة
يا ويحهم
قطرةً قطرةً
ثم مرُّوا على الماء
واكتحلوا بالصلاة..
وطافوا بواديك
يا أيها الأبيضُ المتوشِّح بالحبِّ
يستشعرون الجمالَ بعينيك من شغفِ الأمسيات...
وكنتَ هناك تسوّي لهم موعدَ الاتِّكاء
تموسقُهم نغماً فاتنا ضاعَ كلُّ الوجودِ بدُنياه لكنَّه مثقلُ الأغنياتْ..
وكنتُ و قلبي و حبري
أعيذُك من غَلَسِ الترّهات..
ومن حاجةٍ في نفوسِ الشياطين
تسرقُ خبزَ التعدُّدِ بالوسوسات..
أعيذكَ من نظرة الحاسدين
ومن جدث الطائفية والمذهبية
من شفةٍ تنفثُ السمَّ بالتمتمات..
أعيذُك بالفرحةِ المشتهاة
بمولدِ فجرٍ ضحوكٍ
يقاسمه النبضُ نبضَ الحياة.
يسافر فيه العتيقُ الأصيلُ
و يمرحُ فيه الجديدُ الغنيُّ
وما مال حيث تميلُ الضبابُ
ولكنه سائرٌ في ثبات !
لماذا البكاء؟
لماذا البُكاءْ ؟
و في البيلسانِ خريطةُ شوقٍ
تسافرُ للأنصعِ المستهامِ
وشهلاءُ ضوءٍ تقودُ عصافيرَها للسماءْ ..
يهادنُها الجمرُ يختزلُ الظلَّ فيها
ويبكي الأديمُ على أن تحثَّ شراراتِه
يتوترُ صبرُ الزمانِ
ويسحقُ أبخرةَ الصمتِ صوتُ الدماءْ ..
على ذروة في مواقدِ شعرٍ
تقودُ القوافي إليهِا
بمنذورةٍ من بيانْ
وكلُّ القصائد خرساء بكماء وهي اللسان .
فخذ خطوة وانتبذ جهة اللامكانْ .
شهيداً إذا ما ترقرق من وجعٍ للقصيدةِ
فعلُ الجنون على شهقة الحزن
والتّيهُ لا يتعدّى
ولكنَّ مفعولَه غيمةٌ من ضياءْ.
بحالةِ عشقٍ
يواربُ فيها الصباحين
صبحَ الشهادة حين تفضُّ ملامحها للإباء
وصبحاً تخلّق من كبرياءْ.
شهيدٌ على برزخٍ من جُمانٍ يسوّي لمنسأةِ المجدِ شارةَ عزٍّ
ويصبغ بالعندمِ المشرئب خدودَ الزّمانِ
و يخرجُ كفَّيه بيضاءَ للناظرين
ويهتف :"هيهات هيهات
لا يخفض العزُّ أجنحةً للحمائم لو ضاع منها الهديل
ولو نال منها جنون الأخاديد
لا تنتهي نحو سوقِ النخاسة حيثُ السلام الذليل.
وذاكرة الصخر تقصص رؤيا الجراح وتفضي إلى أنّ ذِكْرَ الشهيدِ على السرمديّة فوق المدارات كالبوصلة
وإن دبّ فيها النّواح لتلطمَ أفياؤها معولة.
فدوما لها نهضة تتفتّق منها الجهاتُ و يكتبها الممكن المستحيل.
ومنها الأساطير لا تتهيَّأ للقحط ، ظاهرة الضوء أشمل من منطق كالسراب ، وأغزر من شوكة في الهباء .
فدعني بنصف المسافة ، مابين غمزة وصلٍ ، وبعثرةٍ ترسم اللانهاية ، دعني بلثغة نبضي أشكّل حزنا جميلا يكون بمقياس عشقي ويلهمني معطيات الكلام.
وينشرُني كالمواويل تأتأة تتنفس من رئة العزِّ
دفء الكنايات ،
زهرَ البيان و مسك الختامْ.
ويأخذ من ألقِ المجدِ ما يتشهَّب
يصعد مثل الفسائل حين يجرّدها النخل من جاذبيتها في الهواء.
رويدك !
أنشودةٌ لا تجوبُ قلاعَ الشهيدِ
تظلُّ على قارعاتِ الفراغِ كأرصفةٍ للعراءْ .
فكيف أكوثرُ تفعيلة الجرحِ
والشعرأعمى؟
وللشعر تهويمة من ضياعْ
لماذا الشهيدُ ؟
لماذا السماءْ ؟
لماذا المجرّاتُ عند النوايا
تصبُّ حكاياتها كاللُّجين
وترفع سقفَ الوجودِ امتدادا ليتّسع الكون
لم يبقَ متّسعٌ للعلوِّ
فينجذب الشكّ نحو اليقين
قليلا قليلا
فيجهش منا بكاءُ البكاءْ.
ويغتسلُ الحرفُ
والأبجديّة تمرقُ من بين بُعدَيه بعض سؤال:
أليْسَ الشهادةُ بحراً تخضّل بالنار
يقضي بأن يتنفسَ منها النّماءُ ويغفو على شاطئيها البقاءْ؟
وقد لوّح الملحُ للجزر السابحات
لترفدَ عاصمةَ الفخر بالفاتحينْ؟
أليْسَ الشهادةُ مثل الولادةِ عند التوحّد بالنور والانبلاج ؟
وأي ارتطامٍ يشدُّ الصواعق للارتجاج ؟
وهل أنّ صوتَ الشهيد يضمّخ مقصلة الظلمِ بالعطر والأقحوان
وينبتُ من شتلة الزعفران.
ويرسم فينا بقاء البقاءْ؟
***
زينب المسجن
- زينب المسجن من مواليد البحرين، عام 1988
- شاعرة و مصورة.
- متخرجه من جامعة البحرين.
- شاركت في عدد من الامسيات.
صدر لها:
- هياكل المطر، شعر، فراديس للنشر والتوزيع، المنامة، 2006
أهاجم نفسي كأفعى
ألَقي ألقُ الطين..هذا الصباح
يدربني الثلج بين مراياه
يثقبني فرحٌ غائمٌ لا يُطل على النخل
موتٌ لذيذٌ يحاصرني كالفراشة
لم أفكر طويلاً بما ينبغي أن تكون عليه المتاهات
حالفني فرحٌ كالغيوم الصغيرة-حين تخبأ أطفالها-
و دخلت..
أشرقتُ.. أشرقت..
عانقني الضوء..
لم ارتعد كالأساطير..
أرقني الماء
أرقني الماء
أحلام أمي تؤرقني
يا لضوئي
تلقيت أولهم ميتاً
مرض الوقت حاصرني
و انهمكت كما الماء في شم رائحة الطين
أخفقت.. أخفقت
أيقنتُ أن شحوبي النقي - كعصفورة الماء- أنقذني
لا تؤدي متاهات قلبي إلى البئر
قلت و أسرعت في قطع أوردة الماء:
"فلأستريح قليلاً
كموتي و أيامه
انحني للخديعة
أتقمص قلبي بعيداً
و أمضي
و أوُرق كالرمل
أبكي كما اللبؤات الحزينات
اخدعُني
بالتلون
أهاجمُ نفسي كأفعى
و اهزمُني
و أموت.."
عالجنا الفقد
لم يترك العار لي فسحة لأخبأ وجهي
ملامح قلبي الجديدة
صورتنا نرتدي فرحاً في الممر الفضولي
حيث بقينا... و لم يطلق الخوف أقدامنا للمتاهات
لوثني خوفك الأبدي من الماء
هاجمتُ نفسي كذئب وحيدٍ تخالجه بهجة الليل
"لم يدخلوني على الله
لم يدخلوني على الله"
أحلامنا الفوضوية أزعجت الصبح
أصابعنا حول أشياءنا تتناثر
براعم زهرتنا تنحني للغريبيّن حين نغني
ترددتَ في رسم صوت طفولتنا
لم يدفئني طينك البشري
وصرنا كأيامنا نرتدي فرحاً في الممر الفضولي..
حيث بقينا
كمرآتنا......... جاهليّن بما يخفي الضوء..
عبث
بالصمت يستدرج الذكريات
و يبعث في مدن الوقت
ليلاً دماء المسافة
بنهر يلوذ بصوتي
بذاكرتي _ تغسل الجمر
موتاً
و تنمو
و تمسح عن أمسها عرق لن يجف-
على ضفة النخل
تغرسها الصلوات
فتغفو على الرمل
كالسحب المهملة
عابثتني طقوس الملامح- هاربة من يديك-
كصحراء أمي
كالغريب الذي شرب البئرَ
أغرق بستاننا بالحكايات
وأهال التراب على صفحة الشمس
- كنا نعد نجوم الصباح -
فلا صفحة الشمس كفت عن الاختباء
ولا كف ليل الغريب عن الأسئلة.
***
سعيد العويناتي
- من مواليد البحرين- البلاد القديم، عام 1951
- توفي في عام 1974
- تخرج من جامعة بغداد، كلية الآداب، قسم الصحافة 1976
- عضو أسرة الأدباء والكتاب.
صدر له:
- إليك أيها الوطن.. إليك أيتها الحبيبة - شعر- دار الغد - البحرين - 1976م.
اللقاء الأول
في الشارع الأرضي صافحني المطر
وأهتزت النسمات
والضحكة
وبائعة البخور
وتلة النسوة
يغازلن الليالي السود
لكن، يمتطين الخوف والرهبة
وثالثة
تأتي، تبع الحزن تمضغه
تقول:
تعال
خذ من قلبها البسمة
ورعشتنا
وذاك الشارع الممنوع كالحربة
وسيدة البلاد تهز لنا ردفين ثقيلين
وسائسة الخيول تبيع زبدتها
وهذا القلب والضربات كم مرة
نسيناه
وقلنا:
يا زمان الخوف . . والحب المجوسي
ويا لعنة أبي الممنوع من أحزانه الأولى
وأتعاب السنين السود
والضحكة والرهبة.
أغنية إلى الكوكب المتواري
هل تذكرُ تلك الريح البرية
يا من كنتَ معي فوق رمال البحر
وفي الطرقات تغني
والأطفال عصافير تسرحُ فيما بين العامينْ
وترسم لوحاتٍ للنخل المتمدد من آلاف السنوات
بهذي الجزر المملوءة بالأصداف
وبالماء الأزرق..؟
***
هل تذكر أغنية ريفيه
كنا قد غنيناها يوم تعارفنا
والأحباب على الشرفاتِ
وأسماك البحر على مقربةٍ من شاطئنا الحاملِ في
داخله أثمار الدنيا، يحتفلون بعرس الأرضِ
وأفراح الإنسان المغتسل بماءٍ يتدفق من هذي
القيعان المغروسة فينا مذ جئنا للعالم؟
يا أغنية غنيناها
يا فارسنا المتألق خلف الجدران الرطبةِ
والحجرات الملعونه
***
ياكوكبنا المتواري ما بين غيوم ما عادت تأتي بالمطرِ
الأبيضْ
هل تذكر ما بين قيودك وجهي
والأطفال وماء البحر..
وكل شوارعنا
والنسماتِ
وضحكات النسوه
هل تذكر ما كنا نتسامر فيه
والضحكاتِ
وأسماء الأصحابِ
ولحنًا كنا نحفظه
في ساعات الشده..؟
يا نهرًا مملوءًا بالموسيقى
إني أتذكر كل ملامح وجهكَ
والشعر الفاحم
والبسمة في شفتيكَ
وأحداقًا كانت لغة تتحدث فيها
حين يدق لك القلبُ.. فتأتي سمراؤكَ
تلثمها، يسّاقطُ حزنك مغموسًا
كالملح بهذي الأرض السبخه
***
يا لغةً كنا نعرفها
حين نراك ... وفي عينيك ملامحنا
وزوايا الحارات المظلمة
وكل صبايا القرويات
يزغردن بعينيك
وكن يطفْنَ غيومًا بيضاءْ
يسّاقط منهن غزيرًا ذاك المطرُ المتثاقل بالأثمار
***
يا لحنًا قرويًا جاء من الأعماق إلى الأعماق
هاك زهور بلادي ألثمها
وأغرسها لك في القلب أنيسًا علَّ ذئاب الصحراء
تموت من الغيظ...
وتنتحرُ الآن .. وفي أعينها أشواك حدائقنا المزروعة
من آلاف الأعوام إلى آلاف الأعوام
***
هاك سماء بلادي
خذها لك
يامن كنت على مقربة منا
في ذاك الصيف القائظ
والفتياتُ يطفن بباب البحرينِ
يرددن هتافًا يحمل إسمك
والأصحاب
وأحزان الوطن
ويحلمن بيوم يأتي فيه المطرُ غزيرًا مراتٍ أُخرى
كي تخضوضر فيه مآقينا الأسيانة..
والأجساد التعبى..
يا من كنت تواسينا أحزان الأمسِ
وأحزان اليوم
وأتعاب السنوات السوداءْ
إني أتذكر في عينيك (حزاوي) القرويينَ
وأحزان البحارة حين يدقون ليصطادوا
اللؤلؤ من أعماق بحار الفوضى
إني أتذكر في شفتيك كلامًا حلوًا
يتناثرُ في الطرقات
وفي الحارات
وفي أرض الريف
وفوق الأسطح
يا من كنت هلالاً في داخله قلبٌ يتنامى حتى يشمل
هذي الأرض العطشى، والبحر... وأعشاب قرانا
المسكونةِ بالحركه
إني أتذكرُ في داخلك القلب الهادر كالبحرِ
وأغصانًا تتكاثر كالنسوة في أيام الأعراسِ
وفي ساعات غناها الأطفال.. كموج كانوا...
والأعلام ترفرفُ... والزينات.. ودقاتُ القلبِ
وهذا الوطنُ الأخضر يزدانُ بأفراح العالم في
أيام العرس الأولى
***
يا من كنت معي في الأسواق تطوفُ
وأحلامك ملء البحر
وفي عينيك قوارب صيادي الأمس.. وعمالُ اليوم
وأشعار المستقبل.. يا غصنًا مزروعًا في راحات
المكدودين.. المنهوبين.. الملتحفين براياتِ
الوطن الأكبر، إليك سلامي مشفوعًا بملايين القبلاتِ
وأزهارًا من قلبي لك في هذا الوطن
القابع في داخلك المتعب..
يا فارسنا بالأمسْ
ويا فارسنا اليومْ
ويا وردًا نحفظه للمستقبل
خذنا في ساعات الحزن الأبدية أطفالاً تتراشق
بالقبلات الخضراءْ.
التفتيش
في تمام العاشرة
فتشوا بعض أزاهير الحديقة
وجدوا الماء يغني
والعصافير على غصن الشجر
ضحكت زهرتنا الحمراء
كان القمر الوحشي
يستأنس في الليل الصلاة
وأبي في وسط الحوش
يدير الأغنيات
وأخي الأصغر يتلو بعض آيات من الذكر الحكيم
وصغار الدار في الأرصفة الدنيا يغنون
الحياة
وأنا متكئ أقرأ " تولستوي " أحلى الذكريات
***
في تمام العاشرة
ذخل الجند الحديقة ..
فتشوا عن بقعة الضوء
ولكن الحقيقة
وقفت متحدة
وقفت كل أزاهير الحديقة
وقف الماء ..ونور القمر الطالع وحشيا
وقالوا :
...
....
وقف الجندي وفي الحال
وأقعى مثل من يسرق ضحكات الطفولة
سارح البال وغاصت في دماه
رهبة الخوف المميت
وبكى الجندي في الحال
ولكن الذي جاء من الأسفل للأعلى
على هيئة فرمان دعاه :
لامتهان السرقة، وامتهان العمل الوحشي
فاستل من الغمد حرابه
" سقط العدل على الأرض "
وراحت يد هذا العابث الواقف
تستكشف ما في الزهرات
" سقط العدل على الأرض "
افتحوا الأبواب
قالت ثلة الجند التي أوقفت الأصغر
عن ترتيل آيات الذكر الحكيم
"إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة"
"سقط العدل على الأرض "
أغلقوا المذياع
كان اللحن قدسيا
وكانت كلمات الأغني تنشد القدس
وتستذكر أيام فلسطين الأليفة
أوقفوا المذياع في الحال وصاحوا :
أين عبد الله ؟؟
أين الفارس الخارج عن مملكة الرب
المصونة ؟
وبكى الأب
بكى
ورفوف المكتبة ..
بعثروها
" سقط العدل على الأرض "
استفاقت طفلة الدار
واعتراها الخوف
كان القمر الطالع يستفسر عن ذاك الملثم
وجدوا سيف علي
وجدوا فوق الجدار
صورة الآتي من الشمس يغني
وبكى الظل الجداري
وراحت حكمة العدل أساس الملك
تساقط حينا بعدحين
وهوت فوق التراب
بعض أطراف المدينة
" سقط العدل على الأرض "
" سقط العدل على الأرض "
استفاق الفارس الخارج عن مملكة الرب
المصونة
أنا عبد الله ماذا تبتغون ؟؟
***
في تمام السابعة
كان عبد الله في الزنزانة الأولى
وكان القيد في رسغيه
والرأس تسافر
حلما يمتد فوق الأحمر حينا
وأفاق
كانت الأرض تدور
وعبيد الله في الزنزانة الأولى
يغني حلو " تولستوي "
أفراح صبايا القرويات
ويستذكر أشعار "مايكوفسكي "
وأسماء المغنين
وأحزان الوطن
" سقط العدل على الأرض "
"سقط العدل على الأرض " .
***
سلمان الحايكي
- ولد عام 1952 في المنامة.
- خريج معهد المعلمين عام 1971
- عضو في أسرة الأدباء والكتاب البحرينية منذ بداية السبعينيات.
صدر له:
- الجوارح، 1991
- الرباب هي البتول، 1992 .
- مطر على وجه الحبيبة (أشعار بالعامية)، 1992
- شهقة الكوكب الأخيرة، 1998
الحصـار
كان طفلاً..
ردَّهُ موج البساتين إلى قافلة بعيده..
جاءه في الليل طلقٌ..
كان طفلاً..
كان في داخله العاشق عشق
كان في معصمه الأيمن بحر
وصلاة وقصيدة,
كبر الورد على أنفاسه
ورضاب القبلة الزرقاء ختْمٌ
مزّق النهر وماجْ
لم يعد يمتلك الآن سريراً أو مرايا من زجاج.
كان طفلاً
كان وجهاً يقرأ السورة في السر
ويمضي خلف دخان كثيف
كان يقتات البراري
يحتسي الليل مع الوجه الرهيف
كان في داخله بحر ونار..
وشظايا من رغيف..
كان طفلاً..
كان طفلاً..
حينما تبرق في الظهر النجوم
ينطفي مثل سراج لا ينام
يشتعلْ في الماء كالعشق الحرام
ثم يمضي هائماً خلف الغيوم
ذات يوم..
قرأ السورة في المقهى.. وسار
كان يوماً شق من أعماقهِ سيل الغبار..
كان ليلاً حينما اشتد الحصار.
............
سألتْ عنه الرياحين ومال الورد صوب الماء يبكي..
قالت الوردة شعراً..
رددت في البحر دانه
(كيف يمضي قبل أن يكمل في العشق أوانه؟)
سألت عنه البراري..
قالت النجمة شعراً..
رددت في الطين أشلاء البراعم..
(كيف يأتي والمدى يدرك أسرار زمانه؟..)
كان طفلاً..
كان ليلاً حينما اشتد الحصار..
الجوارح
كنت وحيداً...
جاء من القلب رسول
عصفور يتوضأ في ليل مسكون
كنت وحيدا
(لم أذكر كم كانوا..)
كان الماء طرياً وبلادي تهجع في قلبي
تندب حظ عذاباتي
وفؤادي يركض صوب الشمس
وترتد معي روحي
ويحاصرني دربي..
( من أنتم..؟)
لم أذكر كم كانوا..
إن الدرب يطاردني
إني أركضُ خلف الدرب ولا يتبعني..
لا أذكر كيف غزوت الأرض بصلباني
كانت أمواج الدهشة وجهاً.. مزق أحزاني
كنت وحيداً
كم هتف القلب ولا أدري كم كانوا..
إن الغسق البارد يجثو
(هل جاءوا..؟)
ذاك البحر على الشاطيء مخمور
والأسماك تطارد أحفاد الصيادين
كنت وحيداً.. وإذا بمدينة عشقي تتبرأ مني
(تنهال عليك رؤوس الأشجار
وتنقضّ عليك عصافير الزينة.. والجدران
إن قميص الغسق محاط برحيق الوقت
وأنت وحيد
في عينيك تنام الصلوات
وينساب عليك رضاب النار..)
(من أنتم..؟)
ذاك الليل يشق صراط الورد
ويخترق الجدران
ماذا يبقى الآن؟
جاء من القلب رسول
عصفور يتوضأ في ليل مسكون
ينتعل الأمواج بقلب النخل وماء الزيتون
يتزاوج ورد النرجس في كفيه
وفي عينيه شعاع مدفون
يحمل بين جوارحه
طلقات المطر المسجون..
ماذا يحمل غيم العشق...
ماذا يحمل هذا الغيم؟
أجنحة الماء مغطاة بصهيل النرجس والأعناق
والليل يعاشر ثدي الصبح
وخبز الغلوات مراق..
ماذا يحمل غيم العشق؟
والقلب وحيد
والليل يحاصره..
وخيول البحر تدندن.. تنطفيء الأمواج
ويعلو صدر الماء..
تلك عصافير النار مطأطأة..
وبلادي تهجع في قلبي..
وينام على ثدييها قمر الصحراء..
امرأة تتوارى في العروق
إنها...
موجة عطر تتوارى في العروق
كرحيق من زلال...
يسكب الوجد..
يسكن القلب..
ينثر الورد ويغدو في ترانيم الشروق،
تأتني من دون أن أدري..
تسرق الأضواء والحناء من حدائقي..
تركض عارية القدمين في قلبي..
وتومض كالسنا المجهول في نهر البروق،
سألتها من أنت..:
قالت غيمة:
" يأكلني البرد .. وتحييني الحروق"
قلت: إني متعب..
البحر أثقلني..،
والليل أطفأ رقة الزهر المشوق،
هيا اتبعيني.ز
أنني وجل،
أبحث عن صوتك يأتي هامساً..
يندس في القلب،
ويجتاح البروق،
إنها ...
موجة عطر تتوارى في العروق.
***
سوسن دهنيم
- من مواليد البحرين- المنامة، عام 1980.
- خريجة جامعة البحرين قسم المحاسبة.
- تعمل رئيسة القسم الثقافي بجريدة الوطن.
صدر لها:
- غائب ولكن - ديوان شعر مشترك مع الشاعرة منى الصفار، أصدرته وهي في المرحلة الثانوية - المؤسسة العربية للنشر- البحرين- 199
- قبلة في مهب النسيان - شعر، عن دار كنعان للنشر والتوزيع سوريا 2001
- وكان عرشه على الماء، شعر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،2007م.
أول الدمع
هجرته لما ألتقيا
فاض دمعُه في الغيوم
أرخ الجمرَ شهقةً واستراح من الخلقِ لما تَعِب
مرغ الأرضَ بالشوق
أسرج الماءَ رحمةً
فجر البحر
نحت المحجرَ واديا
سال فيه شلالٌ من دموع الإله.
هل كانت تعي أنثاه
أن دمعةً من إله القلوب انحدرت كوكبا من غياب
خلقت كلّ هذي المياهِ
إذ تتناسلُ حرقةً وأنينا
آه
لو كانت
لرحلت من قديم
تاركة لآدم متعةَ الغرق!
ماء التطهير
رحلت وكانت فيما مضى تقول:
زبد البحرِ جسمي الذي بعثرته زرقة يديك
وجهي الذي طارده تبغك حين ينام بأشرعة ميناء يحرث الفرح
تعال تطهر بي وأرم سلاسلَ جحيمِك خلف الموج
فجر زمزمَ شفتيَّ والعق عذوبَته
فبينهما ينبوعٌ بنت العصافيرُ قربه أعشاشَها واستعارت منه الحياة
بينهما واحةٌ أسدلت مشيمتها للشباك
وجنةٌ مفتونة بك
ولدْت في الماء
أجاءني المخاضُ في حضنِه
لم أهزز جذعَ النخلة
أنجبت سيد الأشواق.
تعال
تطهر بي
تَبْرَئ من شؤمك.
تُجْرِي الأنهارَ السبعة
عذبةً تطوق البلادَ بالمحبة.
تعال
فالغرق ماعاد لي
والنور مازال لك.
ماء الاحتواء
رحلت وكانت فيما مضى تقول:
تعب مائي لكثرةِ الهروبِ
اشتعلت الدروبُ
وأنبياءُ الفجيعةِ يتقاسمون العصمةَ
يغترفون أشلاءَهم أضحيةً مصطفاة
يعترفون بليلةِ ظفرٍ تناقلوا عند بابها فتيات
يتربصون بظهورِهن
تحاك عند أقدامِهن مراثي الطهرِ
ويلبسُ الأنبياءُ ثوبَ الغرباء
يتعرون من الحكمة
وتلك الفتياتُ يقتحمن أسوار الربِّ
تخذلهن أجسادُهن
يعبرن النارَ بأرجلٍ مشقوقةٍ
وشعور محترقة
ومن أختلى بأخراهن أغرقت نبوّته فتنة فينوس
يزجونك في أورادِهم
تأخذك عفةُ الماء
تبهرك الفتياتُ بزينتِهن
تتجلى عند أنفاسِك أقمصةٌ اعتلتها الأغبرةُ
ومراودةُ الموج
يغريك احمرارٌ شبَّ في محاجرهِن
وذنبٌ لم تقترفه تفاحةٌ هزمتها رغبةُ السقوط
لأي السواقي خانك الماءُ
أشعل بذاكرتِك الجفاف
وحلمك بالفتياتِ يرهق أهدابَك
يقودك إلى التهلكة ؟
سيرة العرش
1
قالت:
هذه لغتي، ولكم أعنونُ المساءاتِ بماءٍ يرتشف
ما علق في الرحمِ من شجن.
لكم الصفحُ والوعد
نارٌ تنهش العين والقلم
وروحٌ وريحان
ولي غصة الشك.
2
أحببنا الليلَ فيه نتوهج كلما لمعت نجمةٌ تشي برجفةِ العشق
تعجن خلايانا بماءِ اللقاء
لعل آخرَ الحكايةِ
مسٌ من مجون.
3
هي الريحُ، تذرو خطانا كلما حان لقاء
هي الروحُ تلملم الخطى
لتعدو مع الغارقين
4
ما لنا كلما أغرقتنا السنين بأيامِها
تناوبنا على موائدِ الألمِ
ومضينا في الشيخوخة
مدهوسين بثقلِ الخطايا ؟!
5
بلادي أُثخنت بالنجومِ
أوهاها الضياءُ
لبستها موجةُ الزهوِ
ما عاد لنا ليلٌ
ولا نهار.
6
كلما حان موعدُ غربة
اجترّت أحبارُنا المنافي
هو الوطنُ لا مكان له بيننا
وآخرُ ما ترتكبه الأقلام!
7
هل لنا من صلحٍ
بين المنفى والوطن ؟!
8
لم يحظَ قابيلُ بلحظةِ حب
اقترف العتمةَ
واقترفته شعلةُ القصاص
فأحرق الجنة.
9
وشى الوجدُ بالمشرعين أجسادهم للفضاء
سأل الله وردةَ اللقيا
وللمدى أثث القلبَ وحلم بصيفٍ
يولج النبضَ في محرابٍ كالذي لمريم
ليلد نبياً توشك السحبُ أن تشركَ بأمطاره.
10
لتلك المرأة مرايا كالتي لبلقيس
كلما اشتعلت حذراً
أشعلها سليمان عطراً.
11
فلتُفَض ذاكرةُ الأفقِ
ولتزدهِ براعمُ الأجساد
فللخطيئةِ أسبقيةُ الخلود
12
نهضت المسافةُ عاريةً من جنونِها
خطفت البوحَ..
واستمتعت بأميالِها كلما داعبتها الشهوةُ..
أتعي المسافةُ أن للشوقِ صواريَ لا تهدأ
كما للموجِ عيونٌ
تستغيث من العمى.
13
للريحِ شبقُ البوحِ
حين تينع الأسرار
وللرجال شبقُ الدمعِ
حين تحتار السرائر..
14
فلتشتعلُ السماءُ
وتشحذ الورودُ احمرارَها
ففي النارِ رائحةُ الفردوس.
15
بكت:
هذه وجهتي،
وأسرابي لكم تندلقُ
كنا ثلاثةً لا نملك إلا وطناً
يسكن شجرَ اللوزِ
وظلاً يمنحُنا الخُطوات
كمن يحشر الوردَ في قميصٍ مطرزٍ بالعناق
نسألكم وقتاً وورقاً يكسر الصمتَ
يعيدُ الظل
ولا شيء يخربش في الدمِ
إلا بضعُ ذاكرة.
***
عبد الجبار علي
- عبدالجبار مواليد البحرين 1972
- خريج قسم اللغة العربية بجامعة البحرين
- له العديد من المشاركات المحلية في السرد والشعر .
صدر له:
- طقوس أثنية، شعر، مؤسسة الدوسري للثقافة والإبداع، المنامة، 2010
احتضار القصيدة
عامانِ غابا ..
وأنا هنا .. مازلتُ أحتضن الجراح..
مازلتُ أكوي ما تبقى من غرام ..
مازلتُ أحتطبُ الثواني ..
مازلتُ نصفاً لا أنا رجل ولا جسدٌ سوى شيءٍ سيُلقى عن قريب ..
من حيثُ تُختتمُ المسافةُ
بين ميلادي وموتي... بين عقلي والجنون
وجهي.. يداي .. أصابعي .. رجلاي ..
كرهت إقامتها على جسدي..
وكأنها ودتْ بأن زرعت بريشةِ ملهمٍ في لوحةٍ لا روحَ فيها ..
إلا بما قد ضمّ من عبثٍ إطار ..
عامان غابا..
وهناكَ انتِ .. حبٌّ توسد شاطئي ..
كمحارةِ هربتْ لتبحث عن قرار ..
كوريقةٍ كرهتْ معاقرة الشتاء ..
ما كنتِ حلماً كي أقول لك: الوداع ...
ما كنتِ لي ذكرى فأنسجُ من بقاياها لإبحاري شراع ..
ما كنتِ ليلاً شهرزاديا يموت مع الصباح ..
لا ترجعي .. أحببتُ ذيّاك الرحيل ..
أدمنتُ ما تركَ الفراقُ من العذاب ..
لا ترجعي ! فأنا سجنتكِ في البياض ..
لا ترجعي.. ولتسكني مدن الدخان ..
ودعي لحبر قصائدي بقيا اخضرار ..
بقيا احتضار ..
ودعي رصاصتكِ الأخيرةَ .. أمهليني ..
أتلو على جسد القصيدة فاتحة الكتاب ..
أسابق وقتي
أسابق وقتي ... وملّتْ مرايايَ يأسَ احتضاني ..
ألوذُ ببعضي وأجمعُ من كلِّ ذكرى شتاتي ..
واحبسُ حلماً رأيتكِ فيه ..
وامتاحُ من وجنتيكِ اشتعالي ..
خذيني إليكِ .. دعيني أهاجرُ في مقلتيكِ ..
دعيني ارفرفُ مثل الفراش .. وأنثرُ حُزني على راحتيكِ..
أسابقُ وقتي .. أداهنُ فيكِ ارتعاشَ الثواني .. و خفقَ المحابرِ عندَ احتضاري ..
سطوري إذا أنعستها الحروفُ أبوحُ إليها بسرِّ اشتياقي ..
فتهتز شوقا لأني عليها .. بكل اللغات سأكتبُ أني أعيشُ إليكِ..
فأنتِ جنونٌ به يستفيق .. جنوني ،
إذا اعشوشبَ الحبُّ عند احتراقي ..
وأنتِ ارتعاشُ السنابلِ إذ تستفيق .. وترقصُ جذلى ..
على همسِ ريحٍ تؤوب .. فتزهرُ فُلاًّ على وجنتيكِ..
أسابقُ وقتي .. أعانق طيفا ينادمُ ذاتي ..
وأمسى انتظارى يعدُّ انتظاري ..
وشابتْ زُجاجاتُ عطري ،
ونامت على رفّ حزني دواتي ..
وحامتْ ظلالك فوق المرايا ..
وأمست تناديكِ كلُّ الهدايا..
فعودي لأني مللتُ الحياة ..
وقد مل منفاي طولَ اغترابي ..
أسابق وقتي .. إذا جَنَّ ليلي وعادى سهادي رقادي ..
وحنّتْ إليكْ حمائمُ روحي .. أعيدُ صداكِ ..
صدى ضحكةٍ تعبُرُ الأمسيات ..
وحلمٍ سيرسو على مقلتينا.. يغنيكِ دوما ..
أيا شهرزادي ..
رجلٌ بلا ظل
وأذكرُ أنني في كل عامٍ أجمعُ اللحظات أنثرها ..
لها.. في لحظة غنيتها شعرا ..
أجوعُ فتنهش الذكرى خيالاتي ..
وأعبرُ الف جسرٍ دونما رجلِ ..
أنا أدري .. بأن الشعرَ يأخذ من ربيع العمرِ أغنيتي .. ويسرق من جنائن فرحتي أغلى وُريداتي ..
أنا أدري .. بأني في استواء الظل أكبرُ دونما ظلِ ...
أنا أدري .. بأنّ الحبّ منفى كلَّ كلماتي ..
وانّ القلبَ موطنها ..
وبين الموطن المنفى .. أصفدُ في يبابِ الروحِ - من ألمي - شراعاتي ..
وتهمسُ بي .. تلاطفني .. بلا خجلٍ .. تداعبني .. إذا ولهتْ إلى شعري وُريقاتي ..
وتغريني .. تهادنُ روحي التعبى ..
وتكتبُ عيد ميلادي .. تعنونني .. وتختمُ حفلة بدأت بعكسِ ختامها موتا ..
شموعٌ تعبرُ الأيامَ منها مايضيءُ سرابَ ميلادِ يموت بغيرما قتلِ..
ومنها ما يسافر دونَ ترحالِ.. فتُطفأُ في نشيدةِ طفلةٍ رقصتْ على أوتارِ أغنيةٍ..
لتعلن موت شمعاتي ..
فأنسى أنني أنسى .. وما جفّت سوى من أدمعي كاسات أناتي ..
وأسمعُ داخلي للنارِ هسهسةً .. فكلُّ جوانحي قتلى ..
أظلّ أداهنُ الذكرى .. لتنسى أنني يوما .. عبرتُ بها .. إلى موتي ..
لتنسى أنني رجلٌ أحالفُ جرحيَ البالي .. وأنحتُ ظليَ الليلي .. على وجناتِ مرآتي ..
لتنسى أنني في كلَّ أمسيةٍ .. أجدد موعدا للحلم أودعُهُ وساداتي ..
فأعبرُ للمدى أطوي .. جراح العمر ..
أشطرني .. أسافرُ بي .. إلى كل المرافئ باحثاً عني ..
فلا ألقى سواي مسافرا يشتاقهُ المنفى ..
وبقيا من جراحٍ أدمنت موتي.. وأدمن قيحُها آهٍ .. جراحاتي.
***
عبدالحميد القائد
- من مواليد البحرين- الحورة، عام1948م
- خريج الثانوية العامة
- يعمل في المجال المصرفي.
- عضو أسرة أدباء وكتاب بحرين، وشغل العديد من المناصب في مجلس إدارتها.
صدر له:
- عاشق في زمن العطش - شعر، صادر عن أسرة الأدباء والكتاب، ودار الغد - 1975م
- صخب الهمس - شعر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت- 2003م، ويشتمل أيضاً على ترجمة للقصائد باللغة الإنجليزية من ترجمة الشاعر نفسه، وقد حصل به على الجائزة الأولى ضمن جائزة الكتاب المتميز من وزارة الإعلام بمملكة البحرين لعام 2003
- غربة البنفسج، شعر، فراديس للنشر والتوزيع، المنامة، 2010م.
- نوران - رواية للكاتب فريد رمضان، ترجمها إلى اللغة الانجليزية وذلك ضمن عمل فني (جرافيك) مشترك مع الفنان جمال عبدالرحيم.
- اللؤلؤة وأحلام المحار، انطولوجيا الشعر البحريني المعاصر، مترجمة للغة الإنجليزية، مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة، 2007م.
الأسئلة
اعْتَنِقُ الأسئلةْ
وعَلامَاتِ الاسِتفْهامْ
فالأجوبَةُ سَاذِجةٌ
لا تُشفي غَليلَ التائهِ مثلي
والجنونُ السَرمَديُّ
القابعُ في الدمْ
بِِئرٌ آسِنٌ
تِيهٌ في صَحْرَاءٍ أكثرَ عُرياً
يَستميتُ ليُغطيَ آثامَهُ
مَوتٌ يَوميٌ على الأرصِِفَةْ
غَبيةٌ هي الأجوبةْ
الأجوبة:
لا تَصدُّ نَزواتِ العَاشِقْ
الأسئلة:
بِدايةُ اخِترَاقِِ بُكارةِ العَالمْ
وجُنونٌ أحلى.
التمثال
ما زِلتَ واقِفاً في مَيادِينَ عَدِيْدَةٍ
ورُبَمَا حتى إشِعَارٍ آخرْ
تَتَأملُ المَارِينَ مِن عليائِكَ
ولا تَتَحركْ
سألَ طفلٌ أُمَهُ:
مَن هذا الواقِفُ في وِحدتِهِ
ولا يَضْحَكْ ؟
قالتْ:
كاَن مَشْغُولاً بِتغْيير تَضَارِيسِ العَالمِ
وفي غَفلتهِ نَسِيَ بسمَتَهُ
وتحجّرْ.
الغريب
تُلَملِمُ المَطَاراتُ حَقائِبَها
وتُغَادِرْ
ولا يَغَادِرُ الغَرِيْبُ نَفْسَهُ
يَعْتَكِفُ في دَاخِلِهِ
وَحِيِْداً
يَلومُ نَفْسَهُ على خَطَايَا
تَنْهَشُ سُكُونَه.
توازن
لا تَقِفْ عَلَى كَفّيْ
أو تَتْرُكَ نَهْرَكَ
يَتَدَفَّقُ فِي بَحْرِي
فَيَخْتَلُ تَوَازُنُ العَالَمِ
فِي كَأسِي
وتَتَسَاقَطُ نُجُومِي
وَتُقْتلِعُ عَيْنَاكْ.
***
علام القائد
- من مواليد المنامة، عام 1948
- توفي عام 1997
- عضو أسرة أدباء وكتاب البحرين.
صدر له:
- مجلة كتابي، عدد (1)، دار الطفل 1980.
- مجلة كتابي، عدد (2) ، دار الطفل1981
- مجلة كتابي، عدد (3) ، دار الطفل 1981
- سكاي العطش - شعر بالعامية الخليجية، طبع بمطبعة العهد 1986
- شمس العطش - شعر، طبع بمطبعة العهد 1982
- رقصة المطر - شعر بالفصحى للأطفال، دار الطفل 198 6
- لعبة الصبة - قصة للأطفال، عن المركز الشعبي لدول الخليج العربية 1992
- صديق الشمس - قصة للأطفال، عن دار الطفل للنشر والتوزيع، تاريخ غير معروف.
- الديك المغرور - قصة للأطفال، ترجمة علام عبدالله عن دار الطفل، تاريخ غير معروف.
سماح السمّاح
تجيئين دنيا جميلة
وترحلين كتلة من الأحزان
لا شيء يشبهك
غير بكاء الولادة
غربة اللحد والتكوين
لا شيء يفهمك
غير خفايا الشروق
وأنتِ تطلّعين
ولست إطلالة في مشيئة الرؤية والرؤى
وتينك العينان في قلبي
بحر وسماء
وتضحكين
فالطفولة ضحكة تبيض لغة
تحملها السماء
ويحكيها مداد البحر في شغفي
ينقصها شراع
كل الحروف غريقة
تجمهرت حولي
تبعثرت في جمل العذاب
وأنا البحر
أخرجني العشق يابساً
أستنجد اللاشيء
تعال
تعال
تبللت
تبعثرت
ورأيت كل شيء
وجميل الشيء رواح.
بدر التعب
عطش أسمي
ووقتي من ألم
وأنت سيدي عرّاف
أكل الدهر عليك
وأنكفأ الماء
وغطى لغتك
فدع الأمر شريداً لعذابي
وأخلع الوقت بريئا فليس في الأمر عجل
تكون ما تكون
تكون ما تكون
عطش أنت
وحجم من زغب
فهل لديك نسمة بيضاء من عمر التعب ؟
هل ؟.
الضجيج مسمعي
أنا لا أضويك يا ليل
ألا تسمع ؟
ولكني بصيص
تفلت الراحة مني
أطلق اللون الذي يكتبني
يقرأني
يزعج ذاتي
قد يصيب
فرحتي أني بصيص
وبها لا أستكين
صرختي في مسمعي
خطواتي في الطريق
فجأة أسرع خلف قلمي
أكتب سيّال دمي
لكنني لا أستبين
كيف أنساك ؟
أجبني
بك يا ليل أنا لا أستعين
هكذا تيأس مني راحتي
وأبدأ المحاولة.
الجبهة البيضاء
رأسي المكتظ بالآلام يسهر
مضجع الأتعاب يغفو تحت جلدي
يزرع الانياب في وجه عبوس
يعكس الاحلام في مرآة حزني
قابعا كالثورة الموقوفة الابحار
في فك المدار
يا خليج
يا خليج
ها هنا اشتاقت لرعشات المحار:
إنتفاضات العذاب
ها هنا الأوقات أحكام.. تلظت
فجرتها النار برقا في انقسامات البذار
يا خليج
يا خليج
حين فاض الشوق من عينى أشواطا
نكأت الجرح
ظل الجرح طفلا
يحتسي حمى الرفاق
يا خليج
يا خليج
ضاجع الأرض سريعا
إنها ثكلى الطفولات
أما حان المخاض؟
يا خليج
يا خليج
إنزف النطفة فيضا
نحن ما زلنا نلبى الجنس في الأرحام
يا أنت
أما حان المخاض؟!
إن للجنس سؤال
كان للجنس سؤال
كانت الجبهة تهذى
إنها تهذى وتهذى
بين أشداق التآكل
واندفاعات الشعار
كان هذا الخبز معشوقا
على عرس السواعد
صار من يحميه سندانا
تلوى الطرق فيه..
كان للطرق سؤال:
كيف لا تنمو الحياة؟
***
علوي الهاشمي
- من مواليد المنامة، عام 1946
- دكتوراه دولة من كلية الآداب بالجامعة التونسية عام 1986
- عمل أستاذاً مساعدا للشعر العربي الحديث، وموسيقى الشعر في كلية الآداب بجامعة البحرين.
- من الأعضاء المؤسسين لأسرة أدباء وكتاب البحرين وترأس مجلس إدارتها لعدد من الدورات منذ تأسيسها عام 1969
- عمل رئيساً لتحرير مجلة (ثقافات) التي تصدر عن جامعة البحرين.
صدر له:
شعر:
- من أين يجئ الحزن - شعر- بيروت- 1971
- العصافير وظل الشجرة - شعر- بيروت- 1978
- محطات للتعب - شعر - القاهرة -1988
كتب نقدية:
- ما قالته النخلة للبحر - نقد- بغداد- 1981
- شعراء البحرين المعاصرون- البحرين- 1988
- قراءة نقدية في قصيدة حياة ( تقاسيم ضاحي بن وليد الجديدة، للشاعر البحريني علي الشرقاوي) - بغداد- 1989
- السكون المتحرك، تجربة الشعر المعاصر في الخليج البحرين نموذجاً دراسة في ثلاثة أجزاء عن بنية الإيقاع وبنية اللغة وبنية المضمون، عناتحاد كتاب الإمارات، الإمارات 1992
- ظاهرة التعالق النصي في الشعر السعودي الحديث - دراسة، عن النادي الأدبي بالرياض 1998
- التفكير الحضاري في البحرين في ضوء إشكالية العلاقة بين الواقع والمثال - دراسة، عنالمؤسسة العربية للدراسات والنشر- ببيروت 2006
على طرف سبابتي تتحرك الأرض
أواجهكم:
النخيل عراةٌ
حبة القمح تدفن أشواقها في التراب
الفراشات مصلوبةُ الأجنحة
العيونُ الرصاصيةُ أنتحلتْ موسمَ الخصبِ
فأنتشرت كالثمار
الجداول والطير مذعورةٌ
والبلاد محاصرةٌ
والرجالْ
وتطول مواجهتي لكم، الآن هل تستطيع العيون
الرصاصيّةُ المستديرةُ أن تستعيدَ تواريخَ أحداقيَ
المسمَلةْ ؟
أواجهكم:
إن سبابتي المستفزَّة مغروزةٌ كالمسلّةِ في لحمِ أوجهكم
(هل لكم غير هذي الوجوه ؟ إذن أبدلوها
وهاتوا الوجوه الجديدة، هاتوا القديمة
واستبدلوا الحجم والشكل واللون.. أو غيّروا
القاعدة).
ليس عندي أنا غيرُ سبابةٍ واحدة.
أواجهكم:
إن سبابتي الآن ممدودةٌ
ودمي لم يزل راعفاً فوق خوص النخيل التي
انتفضتْ آخرَ الليل تحت يد الريح
ثم هوتْ
خوصةً أثر أخرى
ونامت على رئة الأرضِ
تُصغي لأنفاسها: علهّا اليوم أو ذاتَ يومٍ تبشرُ
بالعاصفة
إن سبابتي الآن ممدودةٌ
هل هي الجسر يمتد من رئتي حاملاً خلجاتِ دمي
عرباتٍ تجرجرها حصنُ الريحِ والنارِ، تسحبها
والأعنّةُ مرخيّةٌ
وصهيلُ دمي لاهثٌ
لاهثٌ.
أنا والوجوه الموشّاةُ بالعشقِ منزرعون
على صهوات الجنونِ، ومليونُ سبابةٍ في دماءِ
الفوارس تختلج الآن
ترسم جسراً كبيراً إلى ضفّةِ الموتِ والمرأةِ
المستهامةِ بالوصلِ
ترسم جسراً إلى اللحظةِ الواعده ؟
أيها اللاهثون معي
أيها العاشقون معي
إن سبابتي المستَفَزَّةَ ممدودةٌ
ها هي الآنَ.
(هل تنظرون إلى المرأة الواقفة؟)
انظروا
ليس عندي سوى طرف سبابة واحدة
إن وجهي يفاجئني:
كيف حاصرني الحرسُ المستغيثُ ؟
فحاصرتُهم
حين راحت كعوبُ البنادق تنبش جيبَ قميصي
وتكشفُ عن حزن جدّي الذي ظل كالوشم مؤتلقاً
عند خاصرتي.
(أذكُر ليلةَ أسبلتَ جفونكَ يا جدي
أنك قبّلتَ يدي
ونظرتَ إلى وجهي
فشعرتُ بخاصرتي لحظتَها توجعنيِ
لكني... أعتدتُ الوجع الصاعدَ من كفّيكَ
إلى قلبي كالنهرْ
وعرفت بأن الحزنَ النازفَ من عينيكْ
قدري الأكبرْ
وبأنك يا جدي لم تورثني
إلا هذا الوشمَ الأخضرْ).
حاصروني وأردوا جوادي قتيلاً
ترجلتُ فابتلعتني كعوب البنادق،
حاصرتُهم
حاصرتْهم عيوني، أداروا كعوبَ البنادق نحو صدورهم
الواجفة
أطلقوا النار فارتجفت سَعَفاتُ النخيلِ، تساقطَ منها على
الأرض خوصٌ جديدٌ، أدرت عيوني إلى حيثُ
تنتصب المرأةُ المستهامةُ بالوصل:
سيدتي أين يختبئ الحرس المستغيث إذا حاصرتْهم عيونُ النخيل التي قطّعوها، وظل يلاحقهم طرفُ سبابتي، فتحركت الأرضُ... دارت على نفسها دورةً
ثم...؟
الخروج من دائرة الإغماء
ذاكرتي مثقلةٌ بهموم الأمسْ
كان الوقتُ مساءً
والمقهى، كالعادة، مزدحم بذوي الأحداقِ الحجريةِ
والعاهاتِ المزمنةِ، وأرتالِ اللوطيين الغرباءَ، وبعض
القرويين المربّدةِ أوجههم من لفح الشمسْ
والنادل في صخب المقهى يغدو ويروح
كرقاص الساعة
والعشاق القدماء أماكنهم خاليةً في الركنِ.
(لماذا يهرم وجه العصر
ولا يهرم وجه العشاق؟)
كانت عينا أحد كلاب الصيد تجوسان مقاعدهم
بضعةُ عمالٍ ينتثرون
هنا
و
هناكَ
وحافلةٌ تذرع صمتَ الشارع
والنادل في صخَب المقهى يغدو ويروح
كرقّاص الساعة
أسند منصور إلى ظَهر المقعد كتفيه
أتكأ على مرفقه الأيسر، واستسلم للحلم قليلاً:
كان الفصل خريفاً
والريحُ الغربيةُ لم تتركْ في الشجرِ والواقفِ
إلا بضعَ وريقاتٍ
تترنّحُ.
(هل كان الفصل خريفاً، حقاً ؟
هل كان الوقت مساء ؟
لا يفصلني حزنُ اليوم عن الغدْ
لن يبعدني الكائنُ عما سيكونُ
ولا القربُ المستيقظُ من حولي
عن زمني المستلقي فوق سرير البعدْ).
يرفّ على طرف الأهداب الممدودة خيطٌ أخضر
يمتد زمنٌ آخرُ ينبت تحت القشرةُ
والجسد الشجري يعيد بناء خلاياه
الشمس تضيءُ
الغيم يجيءُ
الأرض تفيءُ.
(هل الأشجار تموت؟
هل كان الفصل خريفاً حقاً؟
هل كان الوقت مساء؟).
صخبُ المقهى
الأحداق الحجريةُ
أرتالُ اللوطيين
العمالُ المفصولون
الأشجارُ
العشاقُ الجدُدُ
القدماء
القرويّون
الحافلةُ
الشارعُ
منصورُ يغالبه الإعياءْ
يفتح عينيه على صوتِ النادلِ:
هل تشرب شيئا ً؟
.........
وتجوب الحافلةُ الشارعَ
باهتةٌ كل المرئيات أمام عيوني
باهتةٌ قامات الناس.
(أصابع كفي المرخيّةُ أوراقٌ ذابلةٌ
تتراقص كالأشباح
تطول أصابع كفي المرخية...).
ينهض من جوفي نهرٌ لهبيٌّ محمومٌ يصعد حتى قمةِ رأسي
يستيقظ طيرٌ في لونِ اليأسْ
ينقر صدغي
يبصق في جمجمتي
يتركني فوق المقعد منفوخَ الجثةِ والرأسْ
مثقلةٌ ذاكرتي بهموم الأمسْ
وتعود الحافلةُ تجوب الشارعَ
والنادلُ رقاصُ الساعة
يغدو ويروح
ومنصورُ يراوح بين الحلم وبين الإغماءْ
والمقهى منتفخُ البطن
كلابُ الصيد
اللوطيون
الغرباءْ
والعشاقُ تناءوا في ذاكرةِ الليلِ
ومنصور وحيداً
كان يقاتلُ
يفتح في القلب سماءْ
ينتشل النجم الآفل في قاع الكأسْ
منصور سجيناً كان
ونافذةٌ في أعلى الرأسْ
يفتحها للعشاق القدماءْ
منصور كئيباً كان
سجيناً كان
وحيداً كان
ولكنَّ الأصداءْ
تفتح في القلب سماءْ
هل كان الفصل خريفاً... حقاً ؟
هل كان الوقت مساء ؟
ذاكرتي مثقلةٌ هموم الأمسْ:
ناصيةُ الشارعِ مطفأةٌ
والدمع رمادٌ محترقٌ بين سراديب النفسْ
طابورُ الناظرُ يريدّ كليلا
والأعينُ جَمرٌ منطفئٌ ورمادٌ في موقدةِ الرأسْ
حزني ممتدٌ كالطابورِ
وذاكرتي مقفلةٌ كالحدوةِ بالخزنِ
ومثقلةٌ مهمومِ البارحةِ الأولى
لكنَّ دمي في ناصيةِ الشارعِ
انبجس الماء
وفارقني الإغماء
تذكرتُ جميعَ الأسماء
وحاورتُ جميعَ الأسماء:
أهلاً... من جاء بك الآن إلي
وأنت أسير قيودك، أنت أسير سجونك ؟
أنت أسير الوطن الجاثم في أقبية السلطان
من جاء بك الآن ؟
تجاسرتُ
ألغيتُ كل مواعيد قتلي
وجئتُ
من جاء معك ؟
طابور يمتد طويلا
كل العشاق معي هل تذكرهم ؟
هل تذكر..؟.
(ذاكرتي كانت مطفأةً
أشعلتُ دمي في ناصية الشارع
لطّختُ يدي بالموج الأزرقِ
فانفتح القلب خليجاً
رفّت أشرعةٌ ونوارسُ بيضاءْ
توصل ما بين الأرض وبين الماءِ
تذكرتُ جميع الأسماءِ
وحاورتُ جميعَ الأسماءِ
وفارقني الإغماءْ).
أهلاً بالصوفيّ العاشقْ
كيف حملت الوطن المعشوق معك ؟
قد كان المنفى بيتي
والسجن خيوط قميصي
أعرف أنك مشتعلٌ بالوطن المعشوقْ
من يطفىء فيك دمك ؟
عادت ناصية الشارع تنضح بالأنجم والموج
وبالغيم الأزرقْ
عادت ذاكرتي تطفح بالعشاقْ.
صعب أن أرى
ها هنا
لا ينبت الليلة إلا شجر الزقّوم
بين العين والعين
وصعب أن أرى وجه المرايا
والدمُ الحالم يستوقفني الليلة
لا أسجد للطين ولا للورد
بل أفتح صدري للسكاكين التي تضحك لي
أشفارُها:
هيّا أدخلي كالبرقِ
أو فأنسربى بين شراييني
سأطوى جسدي الليلة في ركنٍ
وأرمي جثث الأحلام للتنَّينِ
هل أصحو غدا للريح حين تدق باب
القلب ؟
هل أصحوغدا للطير وهو يصبُّ
في روحي شواظ الحبِ ؟
هل أصحو غدا ؟
لا ينبت الليلة إلا شجر الزقّوم
هل أصحو غدا ؟
صعب أرى وجه المرايا
والدم الحالم يستوقفنى الليلة
في معطفه الكاكيّ
هل أصحو؟
(هو الصبح
جلست على أريكته
وأرهفت دمي..)
ساكن في صحوة الطين
وليلي كفن يضحك لي
كانت يدي تنمو
وأعضائي تموء
ودمي يشطرني نصفين:
لو تسجد للطين
دمي يشطرني نصفين:
لو تضحك للطين
دمى ليس قُرىً
يلغو على معصمها الأطفالُ
والبحرُ
دمي أيقونة جمَّدها الخوف على تاج
من الإسمنت
صعبٌ أن أرى
صعبٌ
دمي فوق المرايا.
***
علي الجلاوي
- من مواليد المنامة، عام 1975 خريج الثانوية العامة.
- إداري بمركز الجلاوي للدراسات والنشر.
صدر له:
- وجهان لامرأة واحدة ، شعر، دار الكنوز الأدبية، بيروت، 1999
- العصيان رسالة المنذر، شعر، دار المدى، دمشق، 2000.
- المدينة الأخيرة ، شعر، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر2001 .
- دلمونيات ( الجزء الأول)، شعر، دار عالية،الكويت- 2002
- دلمونيات ( الجزء الثاني)، شعر، دار كنعان، سوريا 2003 .
- تشتعل كرزة نهد ، شعر، دار الانتشار، بيروت، 2008
- الله بعد العاشرة، رواية، دار رياض الريس، 2011
شهادة البنفسج على نفسه
أقلعتُ عن حزني
ولا أدري لماذا كلمّا أقلعتُ
صرتُ معرَّضاً للحزنِ أكثر ؟.
صرتُ أجلسُ في المدى
وأعدُّ غيمَ الحقلِ
أو أمضي فأصطادُ البحيرةَ
ثم أطلقها.
فيا اللهُ كمْ صارتْ قناديلي ؟
دنا مني وأطلقَ من يدي جسدي
وقال:
بُنَي
فانفجرتْ بهِ سِنةٌ ونامْ.
الياسمينةُ فوقَ سورِ البيتِ
تعبرُ نحو جارتنا
تجسُّ حنينها
وتحطُّ فوقَ عريشةِ الأجساد.ِ
جارتنا
- أطلُّ إليكِ مثلَّ الياسمينةِ -
تغسلُ العشّاقَ
تنشرهمْ على كتفِ الكلامِ.
وتنحني
يرتاحُ صدرُ الثوبِ
يا اللهُ كم جننتني ؟ !
التفّاح مكتنزٌ
فما ذنبي أنا التفّاحُ مكتنزٌ
وعادَ الباعةُ المتجولونَ من الرواتبِ
عادَ حقلٌ ضائعٌ للبيتِ.
جارتنا
ترتبُّ نهدها
وتعيدُ وضعَ النهرِ في قمصانها.
أقلعتُ
قال طبيبيَ اللغوي
أنتَ معرَّضٌ للشعرِ وللمعنى
ستدخلكَ القصيدةُ.
...
ـ طافتْ امرأةٌ مهيأةٌ ـ
فقلتُ لصاحبي:
دخلتْ تغيِّرُ في القصيدةِ ثوبها
فخجلتُ عن نفسي.
وجارتنا
تحطُّ بشعرها قمراً
وتمضي وحدها في البئرِ
ترفعُ نجمةً سقطتْ عن الليلِ / انتبهتُ
رأيتُ تفّاحاً تساقطَ.
كنتُ أكبرُ في ثيابي دونَ قصدٍ واضحٍ
كبروا
وكان السورُ يكبرُ بينهمْ.
نضجتْ على إسمي بعض أسماءٍ
وكنتُ إذا دخلتُ على القصيدةِ يدخلُ الفقراءُ
تدخلُ جارةُ التفّاحِ
تسألُ جارةٌ عن جارها:
يمضي من الإيمانِ للمقهى
ومن صفةٍ إلى صفةٍ
ويسهو حين يرجعُ أنَّهمْ قتلوهُ
يسهو / أن يواصلَ دورهُ.
تستيقظُ الفتياتُ من أحلامهنَ
وتُسقطُ الصغرى على حجرِ البلاغةِ
عشقها السري
ينكسرُ الكلامُ
وتسقطُ اللغةُ الجريحةُ في إناء الماءِ.
أخرى تستعدُّ على بديهتها
وتدخلُ دورةً في الحبِّ.
يسهو وحدهُ
ينسلُّ خيطُ حديثهِ في الدربِ
تعلقُ غيمةٌ.
يضيءُ جيبَ قميصهِ ثقبُ الرصاصةِ
ينتحي في الشكِ
هل كنتُ البديلَ ؟
فأينَ خبَّأتِ الرصاصةُ موتها !.
يسهو القتيلُ كقاتلٍ
ويواصلانِ الموتَ
قال القاتلُ ـ للضحية ـ:
انهضْ
كي نسيرْ.
أقلعتُ عن موتي
ولا أدري لماذا كلما أقلعتُ
صرتَ تموتُ عنِّي
جارتي شهدتْ
فكيفَ قتلتَ غيري كي تواصل موتهُ عنَّا ؟
تقولُ أمامَ محكمةِ الطوارئ
جارةٌ:
كانوا إذا قُتِلوا لأولِ مرةٍ
يتبادلونَ خريطةَ الطيرانِ
كان الطابقُ الأرضي ..
تسهو
ثم تدخلُ صمتها.
رسالة لامرأة تحت الصدر
هي امرأةٌ تتواضعُ لبهاءِ غيابهِ
في المتراكمِ منهُ تتّسعُ
وترشفُ أعضاءهُ المرتعشة.
تمسكُ فناجينه على مرمى جسدها
فتولمُ لهُ الخادرَ
الفاترَ الرجراجَ
فينزفُ.. وتتنامى.
يتجاسر
يتوحّشُ
يُنبتها.. فتحبلُ
يستشري.. فتذعنُ ولا تأخذه الردة.
هي النبية التمشي في مواجعه مشي "الضلّيل" في دوارق الثغرِ
حقل الرّمانِ
بحيرة اللهِ
نهرِ المعصيةِ.
هي النبيةُ.. ونخرجُ.
قالت :
انهض عليَّ".. أدلق وحدتك فيَّ.. سأنهض منك بكل سلالتي.
دقت مساميرها بمعطفي
انتبهتْ لمراهقتي جيداً فنضجتُ
وبكيتُ
ارتبكتُ بين تفاح الشمال
ورمان "الكورد".
لا تضعي أصابعكِ في نوافذي
لا تغلقي فوق لساني القيامة
إني تحسستُ هذا الرب.. فخرجَ.
أيُ أميرةٍ كرديةٍ ترثُ مباخرَ الفتنةِ عن أنوثةٍ فتبصرُ ما لا نلمسُ فتوقظُ اللهَ
تتماسكُ
تنتبهُ
تتفقدُ
تتأوهُ
تتلامسُ
تنتصبُ
تتداخلُ
تستشري
فتخدرُ
وتفترُ
تتلملمُ
تنبعثُ
تستكملُ
تتفاقم
تستعرُ
تزدحمُ
تتجاوزُ
تتجاسدُ
تتكسرُ.. وتمضي.
فأيُ أميرةٍ هذهِ الترثنا... وتخرجُ.
نضوج مبكر للخوخ
لم أنتقِ جسدي
ولم أعطِ لهُ إسمي
لمْ أكنْ هذا أنا
أنا من سقطتُ عن الكلامِ
على يدي زمني
ولم ترفعْ عن الدمِ ثوبها.
أمي
تخبئُ في ثيابي حزنها
وتديرُ ظهرَ النهرِ عن بستانِ أغنيتي
تحطّ حمامتانِ على ضفيرتها
وتسحبُ ثوبها من تحتِ قافيتي
تقلِّمُ دهشتي
تمشي
فتمشي خلفها الغيماتُ
تحنو تنحني
وتلمُ عن أطرافِ موقدها خيوطَ قصيدتي
أمي تعلّقُ دفتري في صمتها
وتعيدُ ربطّ الدربِ في قدمي
تقولُ:
ـ يجيءُ كل بنفسجِ الجيرانِ ـ
يا ولدي انتبهْ
في جيبكَ اليسرى بلابل تمرنا
فإذا ارتبكتْ فقلْ:
أعوذُ بنخلةٍ ترتاحُ في لغتي.
***
لم أنتقِ زمني
ولم أشرح بقيّةَ درسنا للحقلِ
كان مدرباً
يمضي إلى أحلامنا
قلمي انكسرْ
أمي ستعرفُ أن فوق يدي
وأن قصيدةً تنمو على جسدي
ستعرفُ أن عصفوراً بصوتي قد تغيّبَ عن بلاغتهِ
وفي وجهي قناديلٌ من العنّابِ أزهرْ
أن طفلةَ جارةٍ دخلتْ إلى حلمي
ولم يسع الندى
أن يعطني وقتاً أرتبُّ في ارتباكي لذتي
وأردَّ بعضَ قصيدتي عن صدرها
قلبي
إذا نشرت غسيلَ قميصها.. بالنهدِ
ضاع الدرسُ
والصفُّ الصباحيُ الملبدِ بالنعاسِ
وصارَ زرُ قميصهٍ أخضرْ
تقولُ:
ـ يجلسُ موج هذا البحرِ عند كلامها ـ
ولدي انتبهْ
في جيبكَ اليمنى سينفضُ عن جناحيهِ الندى
عصفور بللهُ غدي
فإذا خجلتَ فقلْ:
أعوذُ بطفلةٍ تندسُّ في شفتي.
رسائل إلى القتلى القادمين
(1)
لم يتركوا غير البنفسجِ
فوق سور البيتِ
يمضي واثقاً لبريدهمْ
ويجسُّ نبض رسالتي
كم سكّراً هبطتْ.
لم يتركوا في البيت غير البيتِ
كانت تُسقط الكلمات في المعنى
وتصعد في القصيدةِ
تفتح الشبّاك للأشجارِ
تغضب جارتي
/ أشجارها نقصتْ.
الخيلُ تصعد طابقينِ من الغناءِ
ويقلعُ البستانُ عن غدهِ
وكانت وحدها تصطادُ غيمتها
وتطلقُ خلفها كرزَ الكنايةِ
كلما اجتهدت.. ستخطئ
أجملُ الأخطاء ألا تدركَ الرجلَ الذي فيها
وتنسى دورها جداً
لم يتركوا في البيت غير وداعهمْ
وتخففوا منّا
كأنْ ضاقت على الإيقاع أردافُ العبارةْ.
كسيدتينِ فارعتينِ
تمرضُ بالنضوجِ
وتأخذُ الحمى إلى لغتي.
(2)
لم يتركوا أسماءهم
كانوا على عجلٍ
يحطُّون الطريق أمام خطوتهم
وينبجسون في قمصانهم
ببساطة:
كانوا على عجلٍ
وكنت أقول فليتأخروا
شيئا قليلا
يبعدوا هذي البحيرة عن مدينتنا
فقد كانت مبللةً تعودُ
تأخروا / كانت صغيرتهم تقولُ
إذا صدفتم في الطريق إلى جنازتكم فتىً
في صوتهِ سقطَ الغناءُ
وفي يديه سروة الجيران قد كبرتْ بلاغتها
فقولوا عندها
إن حاصروك ولم تجد إلاك في موتٍ سريعٍ
يا أخي فاذهب إلى الموتى
ولكن مت بطيئاً
(3)
غيرتك الحربُ
كنت تجيء في قمصانك البيضاء
تنزل سلّم الإيقاع في مهلٍ / أنيقاً
يا أخي هل غيرتك الحربُ ؟
صرت تجيء في قمصانك البيضاء
لكن تهبط الإيقاع في عجل / أنيقاً _مثل عادته_
وصرت مجنّحاً
مربوطة قدماك في نجمٍ
وتنسى فوق رفِّ الخاصرةْ.
تبغاً قديماً، آلةَ العودِ، البنفسجَ،
وابنةَ الجيرانِ
مكتبةً تنامُ على غبار الوقتِ
لستَ ككلِّ أبناءِ المدينةِ
جاهزاً للحربِ والطيرانِ
لستَ ككلِّ..
آهٍ حينَ تصبحُ كالنشيدِ المدرسي الحربُ
يذهبُ أيُّ طفلٍ للغناءِ على طريقتهِ
ولا يؤذي
لماذا نصبح القتلى ؟
لماذا نحنُ ؟
يا رباهُ كيفَ سمحتَ للأطفالِ ترسلُ كلَّ هذا الموت ؟
شكراً
قد أصابتنا رسائلكمْ
ونغفرُ مثلَّ عادتنا.. (على عجلٍ)،
ومثل الطيبينَ سندعي.. أنا فقدنا الذاكرةْ.
***
علي الستراوي
- من مواليد البحرين، البلاد القديم، 1958م.
- خريج الثانوية العامة، يشتغلبالصحافة.
- عضو أسرة الأدباء والكتاب وأمين سر سابق لها.
- عضو جمعية الصحفيين.
- عضو الملتقى الأهلي الثقافي.
- عضو مؤسس لمسرح الريف الثقافي.
صدر له:
- المرافيء المتعبة - شعر، دار الكنوز الأدبية بيروت، 1995
- فضاء - شعر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت، 2001
- على راحة قلبي، شعر، الانتشار العربي، بيروت، 2008م.
صباح العصافير
(1)
أنتِ لغة ظلي
وأول صباح العصافير
حينما ينام الناس تلدين العافية.
(2)
كنتُ أسوي طينة قلبي
وحينما أفيق من نومي
أتحسس ظلي
أرى ما لا يراه الآخرون
بين حلمي وتفاحة حواء.
(3)
لم تكن موسيقاي
تلك التي خاصمتني
ولم أكن أعرف
أن حدود النزق
هاوية القصيدة
(4)
أعلم أن كل شيء مني يدركها
ولا أعلم أن كل شيء منها يدركني تركتُ هواي على ساقية الروح
وتهتُ في النزق العفيف.
(5)
أحسبها بالدقائق شمس صباح البهجة كلام الحديث
وأعجزُ أن أفتحَ صمته.
(6)
شيءٌ من عسجد الروح
يسألُ النبض عنك
وقبل أن تغيب شمس اليوم
أثيرك بحديث مساء القلب وبحكايةِ الوهج الحنون.
(7)
فاتحة الكتاب أنتِ
سحابة من ندى
ودلال فضة الضوء في الشوق.
(8)
لنا الليل .
حكاية النار
آه
ما اقسى
وألذ حبك
وما أطيب شذاه .
(9)
قلبك دالية من جمال الفردوس
يخطو مثقلاً بالحنين
له الحب
والشوق المجازف.
رباه أستعيد بك من لوعة في الضلوع
1
هي العصافير
في لثغها سرُّ تلك الشجرة
كلما أنحدرنا من غيمة في التعب
جلسنا معاً
نقلمُ وجع الروح من صحوة في الحزن
ونداري خجلنا عن صبحنا المتعب بالأسئلة
عن سرِّ " خاتون " وهي تحدثُ صغارها
تسامرُ سحرها يتنسكٍ وصلاة
(رباه) أستغفرك من لوعة في الضلوع
وتحت وسادة القلب أدفن زعفران "المحو"
وأتأملُ وجهك المضيء بالبرق
استعيدُ ذاكرتي وأقرأ
البحرُ عنفوان النخل
والنخلُ عنفوان الريح
أعرفك
وأستعيدُ مرابع حروفك من جدار البحر
أستعيدك تاريخاً وماء
وسلماً من سلالم الجسد في اللغة
كلما قشَّر جلدتنا البوح
كلما رقت أناملنا في الجرح
أنت
سيدٌ في احتضان المدن.
2
ما كنتُ
سوى ذلك الخيط الشفيف من الحكايات
اتعلمُ أن أشاغل الأبرة بالبرق
وأحتمي بين أنفاسك شعراً
لأن الحديث أول بيوت اللغة
فلنعيد بهجتنا من وطنٍ
علمنا الرقص
علمنا الرفض
فكنا على شرفة تستعيد الفرح.
آهٍ لدارٍ لم يغادرها الزائروُن
كنتُ أسائِلُ الفضةَ
أنتقيْ وَجَعَها من كتابٍ كبيرْ
كان لأبيْ سرُ العارفينَ بِهْ
وكان لِنَخْلَتِنَا الواقِفَةُ في حوشِِ بَيْتِنَا الْقَديِمْ
حكايةُ الجُموعْ
في أولِ النهارِ يغزِلْنَ دردشَاتِهنَّ بفضولِ الرِّجَالْ
كانتْ زينبُ تمسحُ قلبَهَا برمانةِ أولِ الصبَاحْ
وخولةُ تجرُّ صغارَهَا بدموعٍ غَسلَتْ باحَةُ الدارْ
وكنَّا نحنُ الصغارْ
نشاغِبُ الفضاءَ بولَعِ الرَكْضِ واللَّعِبْ
كنَّا عَلي حصيرةِ الجوعِ نسرِقُ زادَناْ
وننتظرُ الهِبَاتْ !
ما لخولةَ منْ همٍ تعرفُهُ جدّتِيْ
وما لزينبَ منْ قصص ٍتحيكها ألسُنُ النِسِاءْ
البيتُ في تعويذَتِهِ قَطَعَ أولَّ الفَرَحْ
واستَعَادَ صِبَانَا بجُوعٍ جَديدْ
أوّاهْ أيتُّها القريَةُ السادرة في نَبْضِهَاْ
نَشْتاقُ
والماءُ يكرَهُ أنْ يغسِلَ خَطِيْئتَنِاَْ
ويعطيْ ما لِجَدِّيْ.. لِجديْ
وما لأبي.. للآخرين
كتابٌ يشغلُنَا الحبَّ فيهْ
لكننا نعجزُ أنْ نغادِرَ عتَبَةَ البَيْتِ
نستأنسُ الظَمأْ
ويضِّنُ الشَتاءْ
محتبساً بالمطَرْ
آهٍ لدارٍ لم يغادرْهَا الزائِروُنْ !.
لَنْ أقولَ مَاْ قَالْتْهُ القَبِيْلَةُ
- 1 -
للفضَّةِ المغسولَةِ بالشَّوْقِ جِهَةٌ أخريْ
وَلِيْ في الذَهَبِ المشغولِ بالرَّكضِ حكايةٌ
إِنحَدِِرْ أيها النجمُ مِنْ عَلْيَاكَ ..
فماعَاْدَتْ لَنَا أجوِبةٌ
سَقَطَ البوحُ في الصَّمْتِ .. فَمَاعُدْنَا كَمَا كُنَّاْ
- 2 -
ينشغلُ الوقتُ بالوقْتِ
والشوقُ بالشوقِ
وَيَنَامُ القطا علي سُلَّمِ النَبْضِ
لا الحروبُ توقظُ الخوف َ
ولازهرةُ المدنِ في المدى سافرةٌ
- 3 -
لن أقولَ: ما قالتهُ القبيلةُ
وَلَنْ أنطويَ في الولَهِ الخوفَ
سأنتظرُ النجمَ
وسأسافرُ في عينيكِ رسالةً
لأني أحبُّكِ
وليسَ لِيْ في سواكِ نبضٌ !
- 4 -
يُخيفنيْ الصمتُ
والبحرُ ليْ حكايةٌ
فلتترُكي ضَفَائرَ شَعْرَكِ
ولتعودي قبل أن يعودَ الطيرُ
المسألةُ أكبرُ منَ الحُلْمْ
- 5 -
أدريْ ..
سِرِّيَةُ البوحِ خيانةٌ
والحُلْمُ جرمٌ
- 6 -
يَشغلُني الشوقُ
لكننيْ لن أغادَرْ.
يتبع