عبدالله السفر
(السعودية)

عبدالله السفر عندما طُلب من ابن رئيس سابق أن يتحاور مع حركة شعبية كانت حاضنتها مدوّنة إلكترونية، لم يشأ للطلب أن يمر مرور الكرام. من فوق منصّته، التي ذابت الآن واحترقت، علّقَ باستخفاف واستدعى الحضور للضحك والقهقهة بصوت مجلجل. وقتَها كان يظن، ومعه حضوره الحزبي وآلته الإعلامية، أنّ العالم الافتراضي مجرد "كلام في النت" لا يقاس بالواقع الذي يتحكّم بمفاصل حركته السياسيّة والاقتصاديّة. كيف يتساوى من يتصدّر للمشهد الرسمي ويسيّره بطريقته الخاصة ويؤثّر فيه إلى مدى أبعد ؛ ابتداءً من الرأس إلى عموم القاعدة.. كيف يتساوى وعناصر القوّة تملأ قبضته خفضاً ورفعاً بمن لا يملك إلا روحه الحرّة وأصابعه التي تدقّ على "الكيبورد"؟..

نستعيد شريط تلك الحادثة الموثّقة بقهقهتها اليوتيوبيّة، ومعها السيل الجارف الذي تدافع إلى حياتنا العربيّة من المحيط إلى الخليج. حالة السكون والاستكانة.. حالة التقبّل والامتثال.. حالة الإعراض واللامبالاة قبالة الشأن العام؛ أصابها جميعا مسّ السّحر والتحوّل عبر فضاء العالم الافتراضي الذي أُعيد فيه الصوغ والتشكيل لتلك الحالات في فعل تراكمي كان يسري من تحت الجسر ولا أحد من "الناس اللي فوق" كان يشعر به أو في الأقل لا يأبه له ما دام الأمر لا يتعدى "فضفضة نت".. فعل تراكمي كان ينضج على مهل ويختمر في بطء بانتظار اندلاع الشرارة من جسد محمد البوعزيزي، لتمتد الحرائق في الخارطة من أعلاها إلى أدناها معلنةً نشيد الحريّة والانعتاق.

إنّ قراءة الزلزال الحادث وتوابعه التي لا تفتأ شبكات التواصل الاجتماعية عن تزويدنا بمناطق اشتعالها على مدى أكثر من شهرين؛ تجعلنا نرفع الغطاء عن الرواسم "الكليشيهات" التي حُفظت عن الشباب العربي؛ شباب الوفرة والمتعة.. أو شباب الظل والحرمان، حيث جرى تأطيره في مقولات سلبية تأخذ عليه اللااكتراث بقضايا مجتمعاتهم إلى درجة الاغتراب عن هذه المجتمعات. كما تمّ تصنيفه نهائيا في قائمة التقبّل والرضا عن وضعه دون مبادرة للرفض أو التغيير. هي وصفة أو وصمة طبعت على جبين الشباب العربي باعتباره من الزوائد التي لا فائدة تُرجى منها. وربما في هذه المقولات السلبيّة راحة لمن يروّجها تخلّصه من عبء العمل والبحث عن مخارج تدمج هؤلاء الشباب في الكيان المجتمعي والسياسي؛ ليمارس عضويّته في هذا الكيان بشكل كامل غير منقوص ولا مهمّش.

.. لكن بالدم وبالحركة الحيّة، انهمر الشباب يتقدّمون المشهد، ويصنعون المفاجأة التي هي أكثر من حلم، وأكثر من عمرٍ دحره الشيب "من أجل هذه اللحظة التاريخية".

* * *

لقد ولى زمن السكوت: لن تبقى سورية مملكة الصمت

رياض الترك

لن تبقى سورية مملكة الصمت في سورية اليوم طيف اسمه الحرية يهيمن على كل أرجاء الوطن، ورياح التغيير التي هبت في الاشهر الثلاثة الأخيرة على كل العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، لا يمكن لها في النهاية إلا أن تطرق باب السجن السوري الكبير. فنحن لا نعيش في جزيرة معزولة، والتاريخ لن يتوقف عند أعتاب دولتنا العتيدة.

لقد سقط حاجز الخوف، الذي جثم على كاهل الشعوب العربية لعقود طويلة، وانطوى معه نصف قرن طويل ومديد من الانقلابات العسكرية وتسلط الجيش على السياسة، ومصادرة الحريات العامة، وممارسة الوصاية على الناس، تارة باسم التقدم والاشتراكية، وتارة باسم الدين، وتارة أخرى باسم الاستقرار ومحاربة التطرف الإسلامي.

التغيير آت لا محالة، وسورية لم ولن تكون أبداً الاستثناء. أما التخويف من الفوضى والحرب الأهلية، والتخويف من وصول الإسلاميين إلى الحكم، والتخويف من أن شعبنا غير مؤهل بعد لممارسة تجربته الديمقراطية، فهذه كلها ادعاءات لن تجدي نفعاً عندما تدق ساعة الحقيقة ويستعيد الناس زمام المبادرة. إن الشعب السوري بلغ سن الرشد، وعلى سلطته أن تعي ذلك قبل فوات الأوان. فالمطلوب اليوم ليس خطوات تجميلية على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، بقدر ما أن المطلوب خطوات جدية وواضحة المعالم لنقل سورية بشكل سلمي من الاستبداد إلى الديمقراطية.

خطوات قلناها وكررناها مراراً، مثل الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإلغاء حالة الطوارئ، وشرعنة التعددية الحزبية، وترسيخ مبدأ فصل السلطات، واستقلالية القضاء، وطي صفحة الحزب القائد، وتحقيق المساواة بين المواطنين، من دون أي إقصاء أو تمييز. فبمثل هذه الخطوات، لا بالمزيد من القمع وكم الأفواه ومسرحيات التأييد الجوفاء، يمكن للسلطة السورية، إن هي أرادت ووعت، أن تستبق التغيير وتتحضر له.

لقد غيّر الخوف من وجهته، وانتقل من طرف الشعب إلى طرف السلطة. أما من يحذّر من القلاقل والفوضى، ويهوّل بتفكك الدولة وتفسخ النسيج الوطني، ويجهد للمحافظة على هذا الاستقرار الاستبدادي الكاذب بأي ثمن، فإننا نذكّره بأن الشعب السوري منذ بداية تاريخه الحديث، استطاع أن يتجاوز، بوحدة أبنائه ونضالهم المشترك، الانقسامات المذهبية والدويلات المصطنعة التي فرضها عليه المستعمر الفرنسي، وتمكن في النهاية من أن ينال استقلاله الكامل بضريبة الدم التي دفعها من خيرة أبنائه، لا بل أن هذا الشعب تمكن بوعيه وحكمته أن يبعد مخاطر الحرب الأهلية التي كاد يجره إليها عنف السلطة وتهور بعض الجماعات الإسلامية المسلحة.

لقد قالوا بالاشتراكية فجلبوا الجوع والفقر. ووعدونا بتحرير فلسطين، فأتوا بالذل والهوان. وتغنوا بالحرية والعدالة، فشيدوا السجون والمعتقلات. واليوم، إذا كان تفشي الظلم والعوز والفساد ووطأة الاستبداد لا تستثني أحداً من أبناء الشعب السوري، على تعدد مشاربهم وانتماءاتهم، فإن هذا الشعب قادر وعازم على استعادة حريته المسلوبة، وصون وحدته الوطنية، وحماية كيان دولته السورية.

إن الملايين التي تواجه اليوم بصمتها عسف الاستبداد وجبروته، في دمشق وحلب، في اللاذقية وطرطوس، في حمص وحماه، في القامشلي ودير الزور، في حوران وجبل العرب، لن تلبث أن تخرج عن صمتها وتواجه هذا الاستبداد بوقفاتها الاحتجاجية وتحركاتها السلمية، مستندة إلى تضامن أبناء المجتمع السوري وتكاتف الجيش مع الشعب. ومخطئ من يراهن على أن الناس ستنزلق إلى العنف، أو أن الجيش سيوجه فوهات بنادقه إلى صدر الشعب السوري. لقد ولى زمن "معادلة مدينة حماه"، فلا الشعب ولا الجيش سيسمحان لأحد أن يسجنهما فيها من جديد. وليع كل من يحاول أن يصطاد في الماء العكر، أن الجيش من الشعب والشعب من الجيش، فداخل كل دبابة هناك حفيد من أحفاد يوسف العظمة، وعلى زناد كل بندقية يقبض ابن من أبناء وحدات الإنزال على مرصد جبل الشيخ.

لست أنا، اليوم، في موقع من يقترح الحلول ويضع السيناريوهات المستقبلية. فالتغيير آت بعزيمة الشباب وهمتهم، ليس فقط لأنهم يشكلون أغلبية المجتمع السوري، ولكن لأنهم أثبتوا أنهم أكثر وعياً لمتطلبات العصر من أحزاب المعارضة ورجال السياسة، الذين لا يزال الكثيرون منهم مكبلين بخطابهم التقليدي وممارساتهم البالية، يكاد الرقيب الأمني لا يغادر أدمغتهم أبداً. كل ما اعرفه اليوم أن سورية لن تبقى مملكة الصمت، ولن يبقى الخوف مطبقا على الصدور، ولن يبقى الوطن سجنا كبيراً.

نعم "الشعب السوري ما بينذل"، كما هتف متظاهرون في قلب دمشق قبل أيام، وهو يريد الحياة الكريمة، ومن إرادته سينبثق فجر الحرية وستولد سورية الجديدة.

نعم "سورية الله حاميها" لأنها باقية بشعبها وجيشها ودولتها. أما الاستبداد فإلى زوال، قصر الزمن أو طال، وإن غداً لناظره قريب.

" سياسي سوري وعضو قيادة
حزب الشعب الديمقراطي وإعلان دمشق

2011-03-11

* * *

الأيقونه

 عبديغوث
(عُمان)

عبديغوثمحمد البوعزيزي .. الأيقونة

تحولت صورة "البطل" في الثقافة الإنسانية من "نصف إله ونصف بشر" إلى "إنسان خارق" وأصبغت عليه مسحة "الملاك" و"الشهيد" مرورا بـ"النبي" و"المخلص" و"المستنير" و"القديس" و"الثائر الشعبي" و" الرجل الوطني" إلى أن وصلت اليوم في زمن "التحولات الكبرى" و "السماوات المفتوحة" و "فضاء الانترنت" إلى "إنسان الشارع".

هذا الإنسان ليس بالضرورة أن يكون "خارقا" أو أن يقوم بعمل "ضخم وهائل" أو بـ"تحول جذري" في مسيرة شعب ما، إذ يبدو أن كل هذه الأمور ملتبسة وغامضة ولم تعد المسألة بحاجة إلى كل هذا "الكلام الكبير" بل إلى "قربان بشري" - رغم أن البشرية نفسها تحولت منذ وعيها المبكر من "قربان البشر" إلى "قربان الحيوان"- قربان يتقرب به إنسان محبط إلى "الجموع" هذه المرة لا إلى "إله" أو "صنم" أو إلى "طقس قبلي"، إنسان ضاقت به سبل الحياة فرأى أن الموت حرقا هو "الخبز والكرامة" معا، هذا البطل هو محمد البوعزيزي .. بطل الزمن العربي الجديد وأيقونته.

لم يدر في خلد البوعزيزي - طيب الله ثراه- باحتجاجه الشخصي على وضعه الشخصي بأنه سيصبح "بطلا" غير شخصي لتونس، كانت لحظة تنفيس عارمة عن ألمه الشخصي، لم يكن كـ"الثوار الكبار" معنيا بـ"الأكثرية" ولا بـ"الأقلية" ولا بـ"القطيع" ولا بـ"العمال" ولا بـ "الديمقراطية الغربية" طبعا التي أكل عليها الغرب وشرب ويسوّقها إلى الشرق سلعة بائرة وما إلى ذلك من "شعارات" بهت أكثرها عبر الزمن لأنها - ربما- كانت في عمقها أكثر ترفا ونزقا وتنظيرا مما يحتمله الناس وأكثر مما يحتمله محمد البوعزيزي نفسه.

البوعزيزي كان معنيا بكرامته الفردية لا بكرامة الجموع ومن عُني بكرامته الشخصية هو في الحقيقة معني بكرامة الجميع على النقيض تماما - ويا للمفارقة – من "النخب" سواء أكانت سياسية أو ثقافية أو اجتماعية التي تطرح همها الأول "كرامة الشعب والأمة" في الوقت الذي انتهى المطاف بأغلبها إلى الشخصي البحت!؟

إن ما فعله محمد باحتجاجه الشخصي البحت على وضعه المُزري لم يؤذ به أحدا سوى جسده المنهك من جر عربة خضار ليل نهار، في الوقت الذي آذت فيه "ثورات" عديدة من لا ناقة له فيها ولا جمل وغالبا ما كانت الشعوب - ويا للمفارقة مرة أخرى - هي من تدفع الثمن حين تنقلب هذه "الثورات" على ذاتها وتختلط الحسابات، أما البوعزيزي فلم تكن لديه حسابات إلا حسابات ميزانه الذي يزن به الخضار للناس.

حقا إن البشرية بحاجة ماسة دائما إلى "منقذ" ولكن المنقذ هذه المرة ليس بالضرورة "زعيما روحيا" أو "شخصية كارزمية" أو من صفوف" النُخب"، المنقذ هذة المرة من الشارع، الشارع الذي يمشي فيه الجميع، الشارع وحده من الآن فصاعدا من سيصنع المرحلة القادمة لهذا الوطن، الشارع الذي أضاف إلى بيانات الساسة غربا وشرقا مفردة جديدة تدعى "شعب" فطالبوا فجأة بـ"إحترام إرادة الشعب" وأجبرهم على إعادة ترتيب أوراقهم التي ذرتها رياح "الجماهير الغاضبة"، نعم الشارع لكن هذه المرة أيضا ليس من "المحيط إلى الخليج" بل من محمد البوعزيزي إلى محمد الدرة ومن محمد الدرة إلى محمد البوعزيزي رحمها الله.

الشارع بطل هذا الزمن!

* * *

نحو جبهةٍ مدنيّةٍ عربية

أدونيس
(سوريا/ باريس)

أدونيس- 1 -

بعد سقوط زين العابدين بن علي وحسني مبارك، بفعل المبادرات الشعبية المفاجئة والمتنوّرة في تونس ومصر، وفي ضوء ما يحدث في ليبيا واليمن والبحرين، يتحتّم على «الجسم» الثقافي العربي أن يعيد النظر في نفسه، رؤيةً وخططاً، وممارسةً.
خصوصاً أن ما حدث لم يكن مرتبطاً على نحوٍ وثيقٍ بهذا «الجسم». بل يبدو كأنه حدث في غفلةٍ منه. إنه «جسمٌ» بطيء الحركة، مُثقلٌ بأعبائه الوظيفية، متصالحٌ إجمالاً. توفيقي وتلفيقي، إجمالاً. سواءٌ في هذا كلّه، أتقرَّب الى السلطة ووالاها، أم ابتعدَ عنها وعاداها. مع اختلافٍ في الأسباب هنا وهناك.
هكذا يتحرّك، إذا تحرّك، بطرقٍ متقطّعة وارتجاليّةٍ، غالباً. مقتصراً على ما يرتبط بالسياسة السياسية، غالباً. دون اهتمامٍ بالأسس العميقة الكامنة وراءها، أو الكامنة وراء المشكلات العربيّة الكبرى في مختلف الميادين.

- 2 -

المدار الأول لإعادة النظر في هذا «الجسم» هو موقفه من «واقع» الحريات، اليوم، في البلدان العربية، وداخل الثقافة التي ينتمي اليها، وينطق بلغتها. وكانت الحرّية الصرخة الجامعة العالية في ما حدث حتى الآن، بين جميع الذين نزلوا الى الساحات والشوارع وهتفوا وغنّوا. الحريّة السياسية، بخاصة. وهذه بالغةُ الضرورة والأهميّة. غير أنها تبقى جزئية، وشبه شكلية، وشبه معطّلة، إذا لم تقترن عضويّاً بالحريات المدنية كلها، دون استثناء.
الإنسان حرية، أولاً، وقبل كل شيء.
قبل المجتمع، وقبل الوطن. قبل السياسة، وقبل النظام. قبل المعتقدات كلها، والأيديولوجيات كلها، أرضية وسماوية. بل إن هذه كلها تفقد معناها الإنسانيّ وتصبح لغواً إذا فُرِضت من خارج. إذا لم تنبثق من الأعماق وتنمو في أحضان الحريّة.

- 3 -

تأسيساً على هذا المبدأ، لا تعود المسألة في المجتمعات العربية ثقافياً وسياسياً، كامنةً في وجود المعارضة. تكون، على العكس، كامنة في غيابها أو تغييبها. لا تكتمل حريّة «الموالاة» في المجتمع إلا بحريات «المعارضة». فحرية الذات لا تستمد قوتها وجدارتها إلا من حرية الآخر المختلف. إن لم تعترف به وبحقوقه وحرياته، فأنت لا تعترف بذاتك، ولا تكون حقوقك وحرياتك إلا اغتصاباً. لا تكتمل حريتي، اجتماعيّاً وثقافيّاً، إلا بحريّة من يختلفُ معي.
المعارضة هي التي تُعطي للنّظام جدارته السياسية، وتضفي عليه مشروعيّته الاجتماعية. القضاء عليها ليس، في العمق، إلا قضاءً على هذه المشروعيّة، وهذه الجدارة.
واحديّةُ الرأي في المجتمع ليست مجرد استعبادٍ سياسي، وإنما هي كذلك استعبادٌ ثقافي واقتصاديّ واجتماعيّ. انها استعبادٌ للإنسان. إنها شكلٌ آخر لنظام الرّق.
المعارضة في المجتمع هي جانبه الذي يسأل من أجل مزيدٍ من البحث عن الأجوبة، وينقد من أجل مزيدٍ من التكامل والصحة، ويتحدّى من أجل مزيدٍ من التقدّم. إنها البعد الذي يدفع السياسة، دائماً، لكي تكون أكثر فاعليةً، وأعمق إنسانيّةً، وأكثر كمالاً في رؤيتها، ومخططاتها، وممارساتها.
دون ذلك، يتحوّل المجتمع سياسيّاً وثقافيّاً الى مجموعة من السجون، ويتحول، إدارةً وتنظيماً، الى زرائبَ وقطعان.

- 4 -

تبعاً لذلك، لا بُد من أن ينتقل «الجسم» الثقافي العربيّ من طورِ «المواكبة» و «الاتفاق» الى طور «المواجهة» و «الاختراق».
لم يعد النقد كافياً. لم يعد التهليلُ للبسالات النضالية كافياً. لم تعد التوصيفات والتحليلات هي أيضاً كافية.
لا بُد من المواجهة التي لا تكون أقل من الهجوم: لا على الظواهر، وحدها. لا على المؤسسات وحدها. وإنما كذلك على ما يكمن وراءها، تراثياً وتاريخياً، وعلى ما يؤدّي اليها ويعمل على استمرارها.
البادرة الأولى في هذه المواجهة هي الانخراطُ العمليّ في جبهةٍ مدنيةٍ عربية، للخروج من عالم التقاليد الماضوية كلها، وبناء عالم المستقبل، عالم الإنسان الحُرّ، وعالم الحياة الإنسانية المدنية.
ليس لهذه البقعة العربية من العالم أي مستقبلٍ إنساني جديرٍ بها، وبفراداتها إلا بقيام المشترك المدنيّ بين أبنائها - حرياتٍ، وحقوقاً، فيما يتخطّى الأيديولوجيات والمذهبيات، وبخاصةٍ الدينية.
التديّن حرية فردية، لها حق الاحترام والاعتراف. والمجتمع بنيةٌ مدنيّةٌ لا مذهبية. المجتمع للجميع. التديّن للفرد وحده.

- 5 -

الخطوة الأولى في هذه البادرة الأولى هي أن يبدأ هذا «الجسم»، الآن، لا غداً، في جميع البلدان العربية، رفضه العمليّ للرقابة في جميع أشكالها ومستوياتها.
مهينٌ أن يقبل كاتبٌ بتقديم كتابه الى لجنةٍ تراقبه، قبل نشره. مهينٌ للكتابة وللإنسان وللمجتمع. الرقابة، أيّاً كانت مسوغاتها، احتقارٌ للعقل والفكر، وامتهانٌ للإبداع. إنها سوس ينخر المجتمع في مستوياته كلها، ومؤسساته جميعاً، وفي مقدّمها النظام نفسه.
أزيلوا الرقابة، إن كنتم تريدون، حقاً، «أَمْنَ» المجتمع والحياة.
ما دامت الرقابة قائمة، فأمنُ المجتمع في خطر دائم.
ولا يكتمل رفض الرقابة على الفكر، إلا برفض الرقابة على الحياة. والنّواة الأولى، هنا، هي «حرية البيت»، «حرية العائلة»، حريّة الصداقة بين الرجل والمرأة: وليكن الاقترانُ بينهما مدنياً لمن يشاءُ، ودينياً لمن يشاء.

-6-

علينا ان نتذكّر في هذا كله ان هيمنة «المقدّس»، بتنويعاته الغيبية والأرضية، على فكر العرب وحياتهم، أدت الى نشوء حالات وأوضاع تكاد أن تكون «خُرافيّة». تكاد أن تفرّغ الحياة من حيويتها، والفكرَ من مغامراته واستقصاءاته.
ضَيّقَ «المقدّس» حدودَ العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وبين الإنسان وجسده، وضيّق حدود اللغة. وما أبعدنا، اليوم، بسبب من ذلك، عن الغَوْصِ في غياهب المادة والوجود، وغياهب «الروح» و «الجسم»، وغياهب اللغة نفسها. حتى كأن حياتنا وثقافتنا لم تعودا إلا مجرد «ألفاظٍ» و «أوثان». وما أفقرنا، علماً ومعرفةً.

* *

أزهارٌ لتحية
الساحات والشوارع العربية

-1-

من يحاول أن يَسْتَعبد البشر، كمثل من يحاول أن يضرب عُنقَ الماء، أو كمثل مّن يقيّد الريح.

-2-

لا أشرب إلا الماءَ
الذي يسْتجيبُ لعطشي الذي لا يرْتوي.

-3-

نعم، يمكن «ترويض» الإنسان،
لكن كما تُروّضُ النارُ بالقناديل:
يُعطى لمساره شكلٌ آخر،
وتملأُ حياته بلهبٍ آخر.

-4-

أن تفكر هو أن تبتكر الطوفان والهجوم. أن تقيمَ الأعراسَ والأعياد فيما تمارس زلزلةَ الراهن.
أن تفكّر هو أن يخرجَ فكرك، هو أيضاً، من الورق الى الشارع.
الفكر فضاءٌ يجدّد الفضاء.

-5-

لا علاقةَ للحرب التي يخوضها الشعر بالحرب التي تخوضها السياسة:
السياسة هي ان ترى إلى أبعدَ مما يرى العدو،
الشعر هو أن تخترق العداوات كلّها، وأن تعلوَ عليها.

-6-

لا معنى لعملٍ تحدّه اليد.
لا معنى لمعنى تحدّه الكلمة.
المعنى تجاوزٌ وانفتاحٌ. ولا ينْحصر ولا ينْحد.

-7-

أَكْمِل عملَ التاريخ:
اتركْ على عتبة بيتهِ آثار خطواتك.

-8-

ما ذلك التاريخ الذي لا يعزف على أرغن الحياة
إلا بأصابع الموت؟

-9-

للضوء أجسامٌ لا يعرفها الضوء.

-10-

أفرادٌ – فرادات:
من الغيوم يصنعون قُمصانهم،
في كؤوسهم يسكبون الأيام.

-11-

كيف تُمزّق نبوّات الدجّالين – سياسيين ومنظّرين،
كيف يُصنع العالمُ بيد الحرية،
كيف تكتب القصيدة بلا كلمات،
كيف تُحرثُ الأرض بالحب، وتُحرسُ بالعدالة والكرامة:
ذلك ما نتعلّمه، الآن،
في شوارع المدن العربية وساحاتها.

-12-

كونوا حكماء عارفين:
ليس هناك حكّامٌ، ومحكومون،
هناك أحرارٌ، وطغاة.
تحدّثوا، إذاً، مع الحياة
كما لو أن كلاً منكم يتحدث مع المرأة الأولى
التي عاش معها حبّه الأول.

-13-

يكتب، بوصفه فرداً،
فلماذا لا يقرأ إلا بوصفه جمْعاً؟

* *

المطر المدني
أمس، الأحد، 27 شباط 2011، سرتُ في التظاهرة التي دعا إليها شابات وشبان لبنانيون، للعمل على الخلاص من النظام الطائفي في لبنان، وإقامة النظام المدني. وهتفت معهم: «الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي».
كان مفرحاً ومطمئناً وباعثاً على الأمل، أن ترى حشداً بالمئات من الشابات والشبان من مختلف الانتماءات الدينية والفكرية والاجتماعية يسيرون في موكبٍ واحد لغاية واحدة: تأسيس لبنان المدني.
تلك هي التظاهرة التي يستحقها لبنان.
وتلك هي التظاهرة التي يجدر بجميع اللبنانيين أن يسيروا فيها.
كان المطر غزيراً ومتواصلاً كأن الطبيعة كانت تسيرُ، هي أيضاً، مع المتظاهرين. تقدم لهم ما تستطيع: المطر الغامر الذي يجرف الوحول والقمامات، وينظّف الشوارع. الأكثر مدعاةً للثقة والغبطة ان هذه التظاهرة ليست إلا بداية. وسوف تتبعها، كل أحدٍ، تظاهرات أخرى، توكيداً لإرادة العمل على نقل لبنان الى ساحة البلدان العالية، ساحة المدنية. نأمل ان يشترك الكتّاب والمفكّرون والمنظّرون بحرص أكبر، وعدد أكبر.
أهلاً بالمطر المدني

الحياة
الخميس, 03 مارس 2011

* * *

أَنَا ٱلْمُوَقِّع أَدْنَاه مَرْسِيل خَلِيفَة،

تَحِيَّةٌ طَيِّبَةٌ وَبَعْدُ،

حَمَلْتُ مَعِي أَلَمِي وَٱلْتِزَامِي بِقَضَايَا ٱلأُمَّةِ، وَقَدَّمْتُ مُسَاهَمَتِي فِي ٱلتَّعْبِيرِ عَنِ ٱلأَلَمِ فِي صِنَاعَةِ مُسْتَقْبَلٍ إِنْسَانِيٍّ مُخْتَلِفٍ يَلِيقُ بِنَا وَيُتَرْجِمُ طُمُوحَاتِنَا.
أَشْعُرُ ٱلآنَ، وَأَنَا أُتَابِعُ شَأنَ ٱلْمُوَاطِنِينَ ٱلْعَرَبِ وَكَافَّةَ وَقَائِعِ هٰذِهِ ٱلثَّوْرَاتِ ٱلشَّعْبِيَّةِ ٱلْعَارِمَةِ، أَشْعُرُ بِٱلْمَسْؤُولِيَّةِ تُطَوِّقُنِي لِكَيْ أَبُوحَ بِشُعُورِ ٱلْغَضَبِ تِجَاهَ حَمَّامَاتِ ٱلدَّمِ ٱلَّتِي تُغْرِقُ بِهَا أَجْهِزَةُ ٱلْقَمْعِ ٱلْعَرَبِيَّةُ مُدُنَنَا وَقُرَانَا وَشَوَارِعَنَا، رَدًّا وَحْشِيًّا عَلَى مَطَالِبِ جَمَاهِيرِ شَبَابِنَا وَكُهُولِنَا وَنِسَائِنَا ٱلْعَادِلَةِ وَٱلْمَشْرُوعَةِ فِي ٱلْحُرِّيَّةِ وَٱلدِّيمُقْرَاطِيَّةِ وَٱلْغَدِ ٱلأَفْضَلِ.
أَشْعُرُ بِأَنَّ كُلَّ رَصَاصَةٍ تُطْلَقُ عَلَى شَابٍّ مُتَظَاهِرٍ، إِنَّمَا تُطْلَقُ عَلَى صَدْرِي، وَكُلّ هرَاوَةٍ تُهَشِّمُ عِظَامَ طِفْلٍ تَنْهَالُ عَلَى جِسْمِي.

أَشْعُرُ بِٱلْغَضَبِ وَٱلاِحْتِجَاجِ ٱلصَّاخِبِ وَٱلثَّوْرَةِ ٱلدَّاخِلِيَّةِ تَنْفَجِرُ فِي رَأسِي وَفِي وجْدَانِي وَلِسَانِي، وَأَنَا أَرْغَبُ فِي أَنْ أَقْذُفَهَا بِوُجُوهِ ٱلْقَتَلَةِ وَٱلسَّفَّاحِينَ، كَأَيِّ طِفْلٍ وَشَابٍّ وَكَهْلٍ، هُنَاكَ فِي وَسطِ ٱلْجُمُوعِ، يُنَاضِلُ بِإِبَاءٍ وَشُمُوخٍ فِي صِنَاعَةِ مُسْتَقْبَلِ ٱلْوَطَنِ وَٱلأُمَّةِ.

أَنَا مُتَضَامِنٌ مَعَ أُولٰئِكَ ٱلْمَلاَيِينِ ٱلَّذِينَ يَهْتِفُونَ وَيَصْرُخُونَ ٱحْتِجَاجًا عَلَى ٱلْقَمْعِ وَٱلْمَوْتِ. أَنَا مِنْهُمْ وَفِيهِمْ. لاَ أُبَارِحُهُمْ. دَمِي دَمُهُمْ، صَوْتِي صَوْتُهُمْ، مَصِيرِي مَصِيرُهُمْ.
غَنَّيْتُ لَهُمْ وَمَنَحُونِي ٱلشُّعُورَ بِأَنَّهُمْ أَهْلِي ٱلَّذِينَ يُقَوُّونَنَا عَلَى صُنْعِ ٱلْمُسْتَحِيلِ.
أَنَا مِنْهُمْ، وَفِي مُوَاجَهَةِ مَنْ يَسْفِكُ دَمَهُمْ. لاَ يُمْكِنُنِي أَنْ أَخُونَ قَضِيَّتَهُمْ، إِنَّ مَا يَجْرِي فِي لِيبيَا وَٱلْيَمَن وَٱلْبَحْرَيْن، وَٱلْبَقِيَّةُ تَأْتِي... إِنَّمَا هُوَ مَزِيجٌ مِنَ ٱلْمَلْحَمَةِ وَٱلتّرَاجِيديَا؛ الْمَلْحَمَةُ ٱلَّتِي ٱنْتَصَرَتْ فِي تُونس وَمِصْرَ، وَسَتَنْتَصِرُ فِي غَيْرِهَا مِنْ بِلاَدِ ٱلْعَرَبِ أَجْمَعِينَ؛ وَٱلتّرَاجِيديَا ٱلدَّمَوِيَّةُ ٱلَّتِي تُحَاوِلُ يَائِسَةً أَنْ تَعْتَقِلَ ٱلتَّارِيخَ.

لِهٰذَا ٱلسَّبَبِ، وَلأَنَّنِي لاَ يُمْكِنُ أَنْ أَكُونَ إِلاَّ مَعَ شَعْبِي فِي كُلِّ قُطْرٍ عَرَبِيٍّ، أَعْتَذِرُ عَنْ تَلْبِيَةِ دَعْوَةِ ٱلْمُشَارَكَةِ فِي مَهْرَجَانِ ٱلرَّبِيعِ بِٱلْبَحْرَيْن.
لاَ أَسْتَطِيعُ إِلاَّ أَنْ أَكُونَ فِي مُعَسْكَرِ ٱلْحُرِّيَّةِ وَٱلْمُطَالَبَةِ بِٱلدِّيمُقْرَاطِيَّةِ وَنَبْذِ ٱلْعُنْفِ.
لاَ أَقِفُ هٰذَا ٱلْمَوْقِفَ فَقَطْ لأَنِّي عَرَبِيٌّ وَمُلْتَزِمٌ بِقَضَايَا أُمَّتِي. كُنْتُ سَأَقِفُهُ لَوْ لَمْ أَكُنْ كَذٰلِكَ. إِنَّهُ، فِي ٱلْمَقَامِ ٱلأَوَّلِ، مَوْقِفٌ إِنْسَانِيٌّ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مَوْقِفًا سِيَاسِيًّا.

مَرْسِيل خَلِيفة

* * *

الجزء الثالث من رسائل الغضب والدمع ،،،

لميس ضيف
(البحرين)

الرسالة (13) نريد مترجماً ..

اغلب حواراتنا اليوم عقيمة لا يسمع المرء منها إلا رجع صوته؛ فبعضنا يتكلم صيني والآخر أرجنتيني ولا نرى إمكانيةً للتفاهم في غياب لغة مشتركة في البلاد ! بعضنا يؤمن بالديمقراطية وما تأتي به من حقوق : كحق الاعتصام وحق الإضراب وحق العصيان المدني، والبعض يدعي الإيمان بالديمقراطية – إنما- على طريقة القذافي لما قال مخاطباً الثوار " تظاهروا إن أردتم –ولكن- لا تخرجوا للشوارع" !!
مشكلتنا الأم اليوم إننا لسنا متفقين على الأساسيات ولا حتى على حق الاختلاف، فكلنا يعشق البلد -نعم- ولكن بطريقته: بعضنا يجسد الحب في الدفاع عن استقرار الأوضاع كما هي ويرى الحكمة في عدم استعجال التغيير، فيما يرى الآخر أن الحقوق تُنتزع ولا تُمنح وأن من يحب البلاد عليه أن يدفع بها لتكون دولة دستورية ديمقراطية.. ولهؤلاء جميعاً سنعيد مجددا علهم يقرؤوا بضمائرهم بعيداً عن التحامل والطائفية :
الجموع التي خرجت وعرضت نفسها للضرب والقتل لم تخرج للنزهة، ولا لأنها مشتاقة للهواء الطلق أو لرائحة مسيل الدموع، خرجت لأنها موجوعة.. لأنها تشعر بالظلم.. ليسوا إرهابيين ولا طائفيين لأنهم طالبوا بحقوقهم.. المطالبة بالعدالة وبسلطات أوسع للشعب ليست بطرا ولا كفرا ومن حق هؤلاء ان يُسمع ويُستجاب لهم ومن واجبنا جميعاً أن نساندهم بما فينا المترفين وغير المتضررين من التمييز أو غياب العدالة.. لا يجب أن تكون فقيرا لتقف مع الفقراء ولا عاطلا لتدعم العاطلين ولا مظلوما لتنصر المظاليم.. فقط عليك أن تكون إنساناً لتستشعر بآلام غيرك من البشر.. وكلنا يرى الناشطين في الغرب كيف يحتجون على انتهاك حقوق جماعات في أقاصي الأرض لا يجمعهم بهم لا دين ولا عرق ولا أقليم بل الإنسانية والإنسانية فقط..
إن كل ما نراه اليوم من احتقان سببه شعور كل طرف بأن الآخر ينتقص منه ويجحفه، المسألة ليست صراعاً بين السنة والشيعة كما يريده البعض أن يكون بل بين الشعب والسلطة.. بين فئات مؤمنة بأنها متضررة من غياب العدالة وفئات تخاف من أن تسلبها تلك العدالة امتيازاتها أو تغير حياتها للأسوأ.. والحق أن كلنا سيحصد غدا ثمار هذه المطالبات إن أينعت.. لذا ندعو الشعب بأكمله للمساندة ومن لم يساند فليكتفي بالمشاهدة عوضا عن حذف من يزرع بالحجر !

حرر في الـ8 من مساء 25 فبراير

الرسالة (14) لم يفتنا الأوان ..

أن من يصاب بأزمة قلبية بسبب تدخينه الشره، لا تكون السيجارة الأخيرة من قتله، بل آلاف السموم التي دخنها عبر السنوات متغافلاً / متجاهلا/ متعامياً عن أثرها المميت.. هذا هو ما حصل في البحرين بالضبط.. سنواتٌ وكل البحرينيين يعانون حتى كست وجوههم مسحة إنهاك وبؤس عجيبة، سنوات ونحن نتحدث عن الدفان الجائر التي وضع 10 آلاف أسرة تعتاش من الصيد في مأزق ورفعت سعر السمك لأعلاه في جزيرة مطوقة بالسواحل ! سنوات ونحن نشتكي أزمة الأراضيً بعد أن شُرع الباب لتملك الأجانب والشركات دون ضوابط ما رفع سعر المنازل من 40 ألفاً لـ180 ألف فصار البحريني عاجزاً عن جُحرً في وطنه.. سنوات والعاطلين يعتصمون ويشتكون والدولة تستورد الأجانب بالجملة وتتجاهلهم إلا من عطايا وتحركات بسيطة ! المؤسسات العسكرية تثق بالغريب وتستورد المرتزقة وتستكثر هذا الحق على أبن البلد ما يزيد من غيضه وألمه وانكساره..!! أزمة تمييز ومواطنون يعيشون في خرائب تبنى مقابلهم مدن أحلام تزيدهم حسرة وشبابٌ يذهبون للمجمعات ويرون كيف يصرف غيرهم المئات على كماليات وهم بالكاد يستطيعون دفع وجبه عشاء ! نساء يتوسلون بالصناديق الخيرية ليحصلوا على مكيف ويذلون أنفسهن للنواب لكي لا تقطع الكهرباء عن منازلهن.. أحاسيس ومشاعر متراكمة ومختلطة عاشتها كل فئات البحرين بشكل متفاوت ولدت من مستنقع المحسوبية وغياب العدالة ونشر ثقافة نحن ومن بعدنا الطوفان وهيمنة التدين الوهمي الذي مسح الطيبة والسماحة وزرع بدالها الحقد والطائفية..وتسالون كيف وصلنا لهذه الأزمة ؟
ببساطة كان قطارنا المنحرف سار بنا باتجاه الهاوية؛ ولم نكن واعيين بما يكفي للجمر الذي يحترق تحت الرماد.. ولكن الفرصة لم تفتنا بعد.. بإمكان ما نمر فيه من مخاضً عسير أن يكون فجراً جديداً إن وعينا واتحدنا وحكمنا العقل وتركنا عنا التشظي والفرقة سيما أننا كشعب نتفق في الهموم والمطالب بنسبة 90%..!
أن شعب البحرين الذي اتحد واتفق في الخمسينات والسبعينات ليس بعاجز اليوم، بعد 60 عاماً، أن يعيد الكرة وينهض نحو دولة دستورية متقدمة تمارس فيها المواطنة ويعطى كل ذي حق فيها حقه..
نعم؛ أنفجر الوضع واحتمال أن نصبح عراق أو لبنان أخرى -معاذ الله- قائم وقد نصبح رواد الخليج كما كنا!!

حرر في 28- فبراير الحزين

الرسالة (15): وبعدين يعني !!

هذه رسالة حملني إياها الكثير من المخلصين لمن بالدوار من معتصمين.. كثير من أبناء الطائفة السنية الكريمة ذهبوا للدوار إيماناً بشرعية مطالب الناس ودعماً لهم ثم عادوا بانطباع سيء وقرروا التوقف عن الذهاب وأطلق بعضهم على الدوار أسم " مأتم اللؤلؤ" بسبب الإيحاء العام للمكان !! وكثير من المثقفين وأرباب الفكر – من المذهبين- اهتزت صورة المحتجين في أعينهم بسبب بعض الشعارات المنفلتة وبعض العبارات والصور غير اللائقة التي يتبناها عدد هامشي ولكنها تؤثر على الصورة العامة للتجمع وللأسف.. يطغى حضورها أحياناً على عشرات الشعارات المتزنة العميقة التي ترفع..
يا جماعة.. نرجوكم، بل نتوسل إليكم: " احتشموا" في تقولاتكم، جردوا خطابكم من كل ما هو طفولي وغير مؤدب، لا تسيئوا لأحد وليكن خطابكم راقياً وحصيفاً ومتزناً، لا تسيئوا للرموز ولا تستخدموا تشبيهات غير لائقة فتجرحوا وتستفزوا مشاعر الغير من حيث لا تعلمون.. ما لا ترضونه على رموزكم والشخصيات الموقرة لديكم لا ترضوه على الشخصيات المحبوبة والمقدرة لدى أي مواطن..
أنتم أصحاب حقوق ومبادئ، وتريدون أن يلتف جميع الشعب على مطالبكم، لذا فمن واجبكم أن تتناصحوا وتجردوا الدوار من كل صورة أو عبارة تُغيض وتسيء أو تقلل من هيبة الحشد، وتذكروا أن سليمة ورقي الحركة تقتضي عدم الإساءة – حتى اللفظية – لأحد.. ومجدداً نؤكد: لا تحولوا الدوار لمأتم وابتعدوا عن ما يقود لهذا الانطباع " وملاحظة ختامية: قللوا من السمك والأكل أيضا يرحمكم الله، فهذا مكان اعتصام لا بوفية مفتوح !!
والله من وراء القصد

حرر في الساعة 9 من 28 فبراير

الرسالة (16) : " لكم مطالب ".. ونحن معكم نُطالب ..

أعلن الشيخ عبد اللطيف المحمود عن اعتصام لتجمع الوحدة الوطنية اليوم تحت شعار " لنا مطالب ".. وقد قررت أن أشارك بل وأدعو له المخلصين لنحتشد كلنا ونقول : أننا مع كل بحريني في المطالبة بحقوقه، وندعم كل تيار وتوجه يحارب من أجل عزة وكرامة المواطنين، كل خير سيُطالب به هؤلاء سينعكس على البلاد كلها، وإن نال الخير شريحة أو طبقة أحوج من المواطنين فحباً وألف كرامة.. نحن أبناء البلد لا نكره الخير لبعضنا، ونبتهج لسعادة الآخر ونتألم لكل موجوع – هكذا كنا وهكذا سنظل رغم أنف المندسين- لا نسأل المحتاج والمظلوم وصاحب الحاجة عن أصله ومذهبه، ونبكي لمصاب بعضنا في الملمات.. مطالب البحرينين في الفاتح والدوار تتقاطع - ينخفض سقفها ويرتفع/ تحتّد نبرتها وتخبو- ولكننا نجتمع حول رغبة واحدة وأكيدة: نريد أن يكون وطننا الأفضل والأجمل ونريد للبيت الداخلي أن يترتب وتسود العدالة ويعيش المرء آمن على نفسه ومستقبل أبناءه وأحفاده من بعده..كنا يوماً رواد التعليم والثقافة والأدب والتجارة والعمران والنهضة والمدنية ونريد استعادة هذه المكانة ولربما كنا بحاجة لهذه الهزة لنفعل..
ونحن مع الشيخ المحمود وكل مخلص يريد العزة والرفعة لأبناء هذا الوطن ، كلٌ بطريقته وأسلوبه وتقنياته، وموعدنا الغد إن شاء الله ..

1- مارس- 2011

الحرية هناك

أحمد العجمي
(البحرين)

أيتها الغمامة، اهتزي، افتحي حوضك،
وحده، تدفق مياهك، بصفائه، يهدم الخوف،
يقشع الذل، يزيل التراب والملح،
عن صدورنا!

********

في لحظة غير متوقعة،
وحين تعتقد الكآبة أنها انتصرت،
يأتي المطر، بمفرده، ليغسل كل شيء،
يغسل السذاجة، عتبات الوهم، الرمال أيضاً،
يفعل ذلك بتواضع شديد، بقوة نبيلة!

********

كلمة مروعة هي الاستبداد،
تخرج أشواكها لتتمايل مع الكآبة،
لتجرح الضوء بالفساد، بحمى الجهل والفقر،
والأرجح أنها مصابة بداء الكلب!
إنها كلمة كريهة، يسهل كنسها
حين تُغسلُ الشوارع بالغناء!

********

القوة والحرية تنطلقان فجأة،
لتسيلا في الميادين العامة،
لم يعد الخوف بأشباحه السوداء
هو الذي يقرر متى تتفايض الصدور،
فالسماوات الحلزونية، وبقع الشمس،
تتحول إلى لمعان يطرد الطواغيت،
يحيلهم إلى لا شيء!

********

ليست البراكين وحدها تثور،
فصدورنا، أيضاً، مشحونة بالحمم،
ورغم السكون الخادع، إلا أنها، عند المفترق،
تطلق معجزتها، لتشطر المياه،
وتنظفها من ظلمة الطغيان!

********

من أي كهوف معتمة تهب هذه الريح الخرقاء،
الشريرة، ذات الوجه الناقص،
الكف الملطخة بالفيضانات، بالعار،
إنها مفترسة، طائفية، تتنفس العفونة،
بمخالبها الصلبة تمزق الضوء، صدرالبراءة،
وبقرونها العبثية تحفر أودية للطوفان؟!

********

حين تتفتح البراعم بلا خوف،
فيعني ذلك،
أن الأشجار فتحت آذانها للربيع،
وأن الظالم يحتضر كسمكة خارج الماء!

********

لا أريد أن أقول شيئاً آخر،
فالسماء حمراء لكثرة الدماء
التي أسيلت فجراً،
والسماء، أيضاً، سوداء نتيجة زفير الاستبداد!

********

نعم، من روح الألوان تتصاعد أضواء الحياة،
بل تكون الحرية بسمة خفيفة
تدور مع الرياح!

********

في أرخبيل الجوع والمرارة،
إن الحناجر التي تخلخل
جذوع الظلم،
تتصاعد إلى أعلى من الموت،
دون أن تستسلم!

***

دماء الفجر

في الفجر
حين تمادى السكون
ونامت نجوم كثيرة
هب الغبار المخيف، وهب الدخان الكثيف
هب الرصاص
فسالت دماء غزيرة!

في الفجر
والناس كانوا نياماً
وكان الهواء يلاعب آحلامهم
وأطفالهم جنبهم
هب الدخان المخيف،
وهب الرصاص على صدرهم
فسالت دماء غزيرة!

في الفجر
قبل الصلاة، وقبل انبلاج الصباح
كان الرصاص يمزق أشلاءهم
ويحرق أجسادهم
فسالت دماء غزيرة!

في الفجر
كان الهجوم المخيف
على الأمنيات، على الأغنيات
على كل طفل هنا في العراء
فسالت دماء غزيرة!

في الفجر
كان الرصاص يدمر وجه القمر
ويخترق الصمت قسراً
ويرعب صبر النساء
فسالت دماء كثيرة!

***

ارتعاشة الطاغية

الرجل الذي أسال الدم والفساد في الطرقات،
وأحرق الغيوم،
صار مشوشاً، مرتعباً
من حناجر الملايين،
فالهتافات الممتزجة بعبير الحرية
تمزق أذنيه، تحيل روحه إلى تراب،
ها هو، كسائر الطغاة،
يستغيث بالظلام، بالحجارة،
مامن شيء يمد يداً له، سوى العدم والخواء،
الرجل المسيج بالوحوش، والذباب، وبعد فوات الأوان،
يصر على إيقاف عجلة المجد،
إنه طوفان الضوء والغناء،
فالشباب يعيدون تعريف النهر،
والشيوخ من رجال ونساء يرممون هرم أحلامهم،
بكل وضوح، ليلاً ونهاراً،
الأشجار، العصافير، الشرفات، والقباب، والترانيم،
كلها تشير إلى تاريخه الذي يشبه الملاريا،
هذا الرجل منجم أعشاب سامة،
منظومة قتل متآزرة،
لكنه الآن، في لحظة الحقيقة،
كإناء فخاري مزوّر،
يسقط في نهاية المطاف،
ليغادر كرسيه المشيد من العظام والفوضى!


* * *




أقرأ أيضاً: