جمال الغيطاني
(مصر/فرانكفورت)

شهد معرض فرانكفورت الدولي الذي اختتمت أعماله يوم الأحد الماضي ندوة ساخنة عقدت في المركز الدولي، الطرفان الأساسيان فيها الأديب اللبناني رشيد الضعيف، والأديب الالماني يواخيم هلفا المعروف بمثليته الجنسية، شارك الاثنان في برنامج الديوان الشرقي الذي يقوم علي استضافة أديبين، احدهما عربي والآخر ألماني، يقضي كل منهما ستة أسابيع في بلد الآخر، ويكتب كل منهما نصا يروي تجربته، في حالة رشيد ويواخيم، اتصل مدير البرنامج توماس هرتمان برشيد الضعيف ونبهه إلي ان يواخيم مثلي (أي شاذ)، وربما كانت هذه النقطة التي بدأ منها رشيد الضعيف كتابة تجربته التي حددت في كتاب عنوانه 'عودة الالماني إلي رشده' والكتاب نص أدبي جميل وطريف، غير ان هذا النص تلقاه الكاتب الالماني بضيق، وعند ترجمته إلي الألمانية وصدوره عن دار زوركان فوجيء رشيد بأن يواخيم لم يكتب نصا ولكنه كتب تعليقات تخللت كتاب رشيد ما أثار ضيق رشيد ودفعه إلي إصدار بيان شرح فيه ملابسات الموضوع.
تلك هي المقدمات التي سبقت ظهور المشاركين في هذه الندوة، الكاتبين العربي والألماني، وتوماس هرتمان الصحفي والناشط السياسي منذ عام 1968، والدكتورة شيرين ابوالنجا الأديبة والأستاذة الجامعية المعروفة، وكاتب هذه السطور.
شيء مثير بالنسبة لنا، ان يقدم إنسان نفسه علي انه مثلي، ويتحدث علي انه مثلي، فالمثليون موجودون في مجتمعاتنا أيضا، ولكنهم يخفون أنفسهم، ويتظاهرون بعكس ما هم عليه أحيانا، لم يوجد في العالم العربي حتى الآن من يمتلك الشجاعة لكي يعلن أنه مثلي، لذلك كان مثيرا لي ان أشارك في هذه الندوة، بعد ان قرأت كتاب رشيد الضعيف، وتعليق بواخيم هلفا.

***

بدأ توماس هرتمان بتقديم المشاركين، وشرح ظروف مشاركة الكاتبين في برنامج الديوان الشرقي، ثم تحدث رشيد الضعيف الذي أكد أن الكتاب الصادر بالألمانية لايمثل حوارا، فقد كتب نصا متكاملا، علق عليه يواخيم مما أدي إلي تمزيق ما كتبه، كان الاتفاق ان يكتب كل منهما علي حدة، لقد قرأ يواخيم ما كتبته، ووافق علي نشره.
طلب مني توماس هرتمان الحديث، فقلت إنني قرأت نص رشيد الضعيف، وبداية فإن العنوان 'عودة الالماني إلي رشده' لايعني تقبل يواخيم كما هو عليه، بل كما يجب ان يكون من وجهة نظر رشيد، والعنوان منطلق من إقامة يواخيم لعلاقة مع صحفية ألمانية وإنجابه طفلا منها، الملاحظة الثانية تتعلق بقول رشيد ان الفراش هو المكان الفعلي الذي يجري عليه الصراع بين الشرق والغرب، وهذا غير حقيقي، فالصراع يجري علي الأرض، وهناك جيوش احتلال تسفك الدماء العربية، ونهب للثروات، وهناك تأجيج لحرب ثقافية بين الطرفين يهدد بعودة الانسانية إلي القرون الوسطي حيث الحروب الدينية، هناك المتطرفون في بلادنا الذين يعتبرون اليهود والنصارى كفارا، وهناك صمويل هنتنجتون والمحافظون الجدد، وأخيرا تهجم بابا روما علي الإسلام. من ناحية أخري لاحظت التعالي الذي اتسم به رد يواخيم هلفا، فهو يقيم ثقافة رشيد العربية، ويصف العربي بأنه الرجل الذي لايري في المرأة الغربية إلا هدفا سهلا، لقد خلا كتاب رشيد من التقييم، في الوقت الذي نجد تعليق يواخيم مليئا بالدروس والانطلاق من ان ثقافته تعد المرجعية الوحيدة التي يجب القياس عليها.
تحدث رشيد عن العنوان الذي أكد انه يحوي سخرية ضمنية من المفاهيم السائدة، وانه لم يكن ناقدا ليواخيم او عدائيا، بل ان كثيرين من القراء تعاطفوا معه، فقد قدم صورته كانسان، يمارس حريته ويحاول دفع حدودها، وانه لم يخبر عن أسراره، لكنه أجاب بعدائية، لقد حاول الحوار ولكن الالماني لم يفهم الرسائل، اكثر من ذلك حاول خنق نصه بتعليقاته.
تحدث يواخيم فقال: ان نص رشيد يوجد كاملا في الكتاب المطبوع، وانه لم يرد بشكل عدائي، لقد سمح لنفسه بالتعليق لأن الكتاب عن حياته، ولأن كثيرا من المفاهيم السيئة تسود حول المثليين، وضرب مثلا بسجن المثليين في مصر خلال ما عرف بفضيحة السفينة كوين بوت، وقال ان ألمانيا تجاوزت مثل هذا الوضع.
هنا عقبت علي يواخيم موضحا ان الشباب الذي قدم للمحاكمة في مصر لم يقدموا باعتبارهم شواذ، ولكنهم قدموا بتهمة ازدراء الأديان، غير ان الصحافة وسمتهم بالشذوذ لأسباب تتعلق بالإثارة الإعلامية، والذي لايعلمه الكثيرون انه لايوجد نص في القانون المصري يعاقب علي الشذوذ.

***

قالت الدكتورة شيرين أبوالنجا ان العنوان نفسه يثير الحساسية (تقصد عنوان رشيد) وأكدت انها تعتبر الكتاب رواية تتناص مع روايات أخري، منها (موسم الهجرة إلي الشمال) للطيب صالح، ان كلا من الكاتبين محمل برؤى مسبقة عن الآخر، يواخيم حصر نفسه في الدفاع، قدم نفسه في مساحة ضيقة، كان يمكن ان يبني نصه علي فكرة هذه الثنائية، غير ان نصه جاء مغلقا، يدخل من إطار إلي آخر داخله، قال وأكد علي معني: نحن متقدمون وانتم مراوغون، كما انه قصد إرهاب القارئ بسؤال محدد: هل أنت مع المثلية أم ضدها؟ انه يقصد القارئ الالماني أولا .ان ما يحيرني هو الرد علي نص رشيد في ثناياه وليس في نص منفصل، أيضا، لماذا قبل رشيد صدور الكتاب بهذا الوضع؟
علق يواخيم قائلا ان الكتاب صدر بالعربية، وحقق انتشارا واسعا، كان يجب ان يكتب كتابا بالعربية لكنه لم يستطع، ما يخص الحوار، فلاشك أن ثمة هوة قائمة، عندما نقرأ النص نجد فوارق فعلية، لم أقف عند المشروعات المتبادلة، كان عند رشيد النية الحسنة، إنني لا أنكر ذلك، لقد كانت هناك حدود واضحة وليست مجاملات، لقد كتبنا هذه النصوص للتنوير والتنوير يكون مؤلما أحيانا، أكد يواخيم أن نص رشيد موجود، انه لم يغيره، وهذا النص ليس رواية كما قالت الدكتورة شيرين أبوالنجا، انه عن حياته، كل الشخصيات التي ورد ذكرها حقيقية فكيف يمكن ان نعتبرها رواية، وقال ان كلا منهما كتب قبل التطورات السياسية التي جرت خلال الشهور الأخيرة والتي تخللتها محاضرة البابا.

***

وجهت سؤالي إلي توماس هرتمان: لماذا حرص علي إخبار رشيد بمثلية يواخيم، ألم يحدد ذلك مسارا خاصا للتجربة؟ خاصة لرشيد؟
قال توماس ان يواخيم هلفا لايخفي مثليته الجنسية، وخشيت من أي حساسيات، وحرصت علي ان يعرف رشيد، فربما كان ذلك أفضل له باعتباره عربيا، ان هذا الحوار ليس لاكتشاف العناصر المختلفة فقط، إنما لتحديد عمق الهوة والأجواء الموجودة بين الطرفين، إنني أشكر الكاتبين لجرأتهما.
عقب رشيد قائلا، انه لايدري ماذا يقصد توماس بالجرأة؟، لقد كتب بالاتفاق معه وعرض عليه ونشرت بإذن منه، ليس في الأمر جرأة، طرحت مواضيع حقيقية، ان ما قام به يواخيم أمر سهل، أخذ كتابي وعلق عليه، هذا يسير جدا، سهل ان يهتم، فكل عربي عنده لايحب الثقافة، معاد للسامية، ضد المرأة، كنت أتمني ان يكون الحوار صريحا خاصة من جانبه، فكل حوار صريح يجب ان يبدأ صعبا.
انتهت الندوة المثيرة والتي حضرها عدد كبير من الجمهور، وفي المساء أقامت دار النشر حفلا كبيرا لتوقيع الكتاب، حضره رشيد ويواخيم.

اخبار لاأدب
اكتوبر 2006