أحمد مرسي

رحيل الشاعر توم جنتوفي الشاعر البريطاني الأصل توم جن Thom Gunn في سان فرانسسكو، مدينته بالتبنّي، عن عمر يبلغ 74 سنة.
وقد ولد في جريفند سنة 1929 ونشأ بصفة أساسية في هامستد. وفي مقال اوتوجرافي كتبه في 1977 "حياتي حتى الآن"، يتذكر الشاعر بحرارة نشأته في بيت يزخر بالكتب ولعبه مع الأصدقاء على المرج. وعلى أي حال، طُلّق الوالدان، بينما أقدمت أمه التي عاش معها والتي شجعت اهتمامه بالقراءة والكتابة على الانتحار عندما كان في سن 15 سنة. ومن المحتمل ان التأكيد، في قصائد معينة، على تعريف ـ الذات والاعتماد على الذات لا يعكس فقط التأثيرات الأدبية مثل الوجوديين الفرنسيين، بل أيضاً تأثره بالظروف الشخصية التي تطلبت منه الاستقلال والمرونة، بينما كان لا يزال يافعاً نسبياً.

وبعد سنتين من الخدمة الوطنية في الجيش، التحق جن بجامعة كيمبريدج في 1950، حيث حضر محاضرات لـ ف.ر. ليفيس الذي أثّر فيه بشغفه بالأدب، وإيمانه بقيمة التخيّل المتحقق، وإصراره على الأهمية التعبيرية لايقاع الشعر. واكتشف جن أيضاً الشاعر دون Donne وقرأ كل أعمال شكسبير، وساهم كلا الشاعرين في تشكيل أسلوبه المبكّر، والذي يتجسد في قصيدة "مروّض وصقر" و"رأس الشاطئ" والذي تميّز بسيطرة حاذقة على الادراك الميتافيزيقي، والاستعارة الممتدة أو التشبيه. وفي سنة 1954 سافر جن إلى كاليفورنيا حيث حصل على زمالة بجامعة ستانفورد ودرس لمدة سنة مع ايفون وينترز، الذي كتب عنه مذكرات مرهفة في "على تل يتجفّف" وبعد اقامة وتدريس لمدة قصيرة في تكساس، عاد جن إلى سان فرانسسكو، منطقة الخليج، حيث استقر في المدينة نفسها من 1961، وخلال المدة من 1958 ـ 1966، درّس بجامعة كاليفورنيا، ببيركلي، لكنه استقال من منصبه كبروفسور لكي يتفرغ للكتابة كليا. وكان يشغل من وقت إلى آخر وظائف أستاذ زائر من كليات مختلفة، وقد قام منذ السبعينات بالتدريس في بيركلي لمدة فصل دراسي واحد من السنة.
وعندما كان في كيمبريدج، كتب جن معظم القصائد التي نُشرت في مجموعته الأولى "قواعد القتال" (طبعات 1954 و1958 و1962). وبفضل تأثيرها القوي نتيجة تركيزها، ومزجها الفعال للوزن الشعري التقليدي واللغة المعاصرة، رسّخت هذه القصائد مكانته كأحد الأصوات الآسرة في جيله.
وبرغم ان النقاد ربطوا بينه وبين "الحركة"، لم تكن نزوعاته معادية للحداثة بحدة عداء شعراء هذه الحركة مثل "لاركين" و"إيميس" Amis. وفي الواقع، لم يمض وقت طويل، حتى شرع جن في تجريب تناغمات مختلفة، وهو التطور شُجع بسفره إلى الولايات المتحدة، وبقراءاته لويليامز كارلوس ويليامز والشعراء التجريبيين الأميركيين الآخرين. وتضم مجموعته الثانية "الإحساس بالحركة" (1957)، وبصفة خاصة المجموعة الثالثة "قباطنتي الحزينون (1961)، قصائد من أوزان مقطعية والتي تبين مثل "صوت الإنسان" و"وضع القوقعة في الاعتبار" الشاعر وهو يتحدث بطريقة أهدأ وأكثر تجريبية، وقد أشار الشاعر إلى ان المقطعيات أعطته شكلاً انتقالياً ليشق طريقه إلى الشعر الحر. وتحتوي مجموعته "لمسة" (1967) أولى قصائده المكتوبة بالشعر الحر.

الشعر الحر

وعلى عكس كثير من معاصريه، مع ذلك، الذين بدأوا بأشكال تقليدية وتحوّلوا إلى الشعر الحر وحده، واصل جن كتابة الشعر الموزون أيضاً. وكتابه "Moly" 1971 يضم قصائد لا تُنسى مثل "في المركز" و"ضياء الشمس" تستخدم أشكالاً صارمة لتقدم إشراقات تتعلق بتجارب مع عقاقير مهلوسة. وتسبر مجموعة "قلعة جاك سترو" (1976)، إلى حد ما، الجوانب الأكثر قتامة لهذه التجارب. والقصيدة التي تحمل اسم الكتاب، وهي جزء من مجموعة متلاحقة من القصائد التي تسبر الوعي بطريقة كابوسية وبمعزل عن سياقاته الاعتيادية، تشير إلى قصيدة مبكرة "كارهو البشر"، التي تظهر في "لمسة" وبطلها رجل نجا من حرب عالمية رهيبة ويعتقد انه الناجي الوحيد، أي آخر رجل على ظهر البسيطة. وتعكس مجموعة "انقضاءات البهجة" (1982) انشغالاً متنامياً بالصداقة وفضائلها الاجتماعية. وجَنْ من عشاق المثيل، ومن أواخر الثمانينات كتب عدداً من القصائد القوية عن وباء "الايدز" جمعها من "الرجل مع عرق الليل" (لندن 1992).

مباشرة

وقد تطور شعر جَنْ بصورة عامة نحو معالجة انسانية مباشرة لموضوعاته. ويمكن ان يُرى هذا النشوء في الجوانب المتغيرة لقيمتين مُلزمتين من عمله: تعاطفه مع المتمرد ـ اللامنتمي واهتمامه بطبيعة الشجاعة. وبينما يميل المتمردون ـ اللامنتمون في قصائده المبكرة الى أن يستعرضوا، كما يفعل راكبو الدراجات ـ البخارية في "متنقلاً" اكتفاء ـ ذاتياً رومانسياً، يبدو المتمردون ـ اللامنتمون في أعماله المتأخرة جرحى أو ضائعين، كما في "العصفور" أو "السائر البطيء".
واذا كانت لفتة الشجاعة المميزة من القصائد المبكرة مثل "ليريتشي" و"سانتا مريا ديل بوبولو" هي فتح الذراعين باتساع للفراغ الوجودي، فقد تمثلت الشجاعة في أعماله اللاحقة من الشعور بالراحة الذي يبثّه مريض يحتضر بمرض الايدز من صديق أشدّ مرضاً منه، قصيدة "ذكرى مشوشة".
وقد تعاون جَنْ أيضاً مع شقيقه المصوّر الفوتوغرافي اندريه جَنْ في "صور موجبة" (1966)، وهو كتاب يجمع بين الشعر والتصوير الفوتوغرافي.

ويشهد كتاب "مناسبات الشعر، مقالات في النقد والسيرة الذاتية (1982)، وطبعة ثانية موسعة1985 بمجال قراءاته الواسع وميوله الأدبية.
وتشمل أهم الكتابات عن توم جَنْ المقالات الأوتوبيوغرافية من "مناسبات الشعر". ويقدم كتاب "توم جَنْ" بيوغرافيا 1940 ـ 1978 (لندن 1979) لجاك س. هاجستروم وجورج بيكسبي، معلومات عن القصائد، وقائمة بالمقابلات التي أجريت مع الشاعر ومداخلات لمراجعاته لكتب لم تنشر في كتاب.
ويتضمن كتاب "ثلاثة شعراء معاصرين: توم جَنْ، وتيد هيوز ور.س. توماس"، أ. إي دايسون
(لندن 1990) مقالة جورج فريزر البديعة التي كتبها عن جن في 1961.
"شعر توم جَنْ" ومقالة ويلمر الموضحة "التحديد والتدفق: توم جَنْ من السبعينات. وقد افرد غريغوري وودز في كتابه "لحم واضح" (نيو هيفن، كنتيكت، 1987) فصلاً عن جَنْ كشاعر مثلي. وعلاوة على ذلك، خصّصت مجلة PN Reviw عدداً بأكمله (عدد رقم 1989.70) لكتابات عن الشاعر وعمله. كما نُشرت قصائده على نطاق واسع من الأنثولوجيات الشعرية.
وتحت عنوان "توم جَنْ، 74 سنة، الشاعر الذي تخلى عن التقاليد من اجل الثقافة المضادة" كتب وولفغانغ ساكسون في نص نشرته صحيفة نيويورك تايمز يقول.. بعد أن أعترف به كواحد من أكثر الشعراء الشباب وعداً في بريطانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية وقع طوم جن على صوته الخاص بعد ان هاجر الى كاليفورنيا في الخمسينات ووطّد مكانته في سان فرنسيسكو، وطنه بقية حياته. وهناك، زاوج بين "الفورم" التقليدي والتيمات غير الأرثوذكسية مثل المخدر LSD، والاستجداء والشذوذ الجَنْسي. وقد قام بتجريب الشعر الحرّ والوحدات المقطعية. وبخوض هذه التجارب تطور من التقليد البريطاني والوجودية الأوروبية الى تبنّي طرق ثورة كاليفورنيا المضادة الميسّرة.
وقد صُقل اثناء دراسته في كمبريدج من الخمسينات مع جيل من الكتاب والشعراء، من بينهم فيليب لاركيه الذين كوّنوا ما يسمى "الشركة" وقد احتفى بشعرهم لجفافه ورفضه المتشكك لما كانوا يعتبرونه تكلّف الفخامة المقفّاة.
وقد درس بعد ذلك في جامعة ستانفورد، كاليفورنيا، على يد العقلاني الشعري ايفور وينترز. وفي الوقت الذي صدرت فيه مجموعته الشهيرة "القبطانة الحزينون" في 1961، كان "جَنْ" قد استقرّ في أميركا.

وقد احتفى بشعره على جانبي المحيط الأطلسي. وقد حصل على زمالة غوغنهايم في 1971، واختُير كزميل مكارثر في 1993.
وتُعتبر مجموعته "الرجل مع عرق الليل" (فارار وستراوس وجيروكس، 1992) بمثابة رؤيته
اللا ـ سنتمنتالية المميزة لوباء الايدز في سان فرانسيسكو، وتحية صارخة للأصدقاء الذين فقدهم.
ويقول في مطلع القصيدة:

استيقظت شاعراً بالبرد، أنا الذي
ازدهرت من خلال أحلام بالسخونة
صحوت على فضالتها،
العرق، وملاءة ملتصقة.

كان جسدي درعه الخاص:

حيث انبجس، شفي.
نموت اذ كنت أسبر
الجسد الذي يمكنني ان اثق به
حتى بينما كنت اعشق
المخاطرة التي جعلت،
عالم عجائب قوياً من
كلّ تحدّ للجلد

وقد فاز عن هذه القصيدة بجائزة Forward لأفضل شعراء السنة وجائزة الشعر لينور مارشال.
كما حصل على جائزة لا مبدا الادبية لشعر الرجال المثليين لعام 1995 وجائزة ليلا والاس ـ ريدرز دايشت عن اعماله الكاملة (فارار، ستراوس وجيروكس، 1994) التي مثلت حصاد اربعين سنة من شعره. ولا تزال الاعمال الكاملة تعاد طباعتها بصورة مستمرة مثل مجموعة "الرجل مع عرق الليل"،
(أو اذا اردنا ان نترجم هذا الاسم ترجمة غير حرفية "الرجل الذي يتصفد عرقا من الليل").
وقد كتب الشاعر ريتشارد تيلينجاست، من مراجعة بمجلة "نيويورك تايمز بوك ريفيو" يقول.. "من بين اشياء أخرى، يمكن تناول هذا الكتاب الرائق المغري بالقراءة باعتباره الى حد ما تاريخا شخصيا للمشهد المثلي من سان فرانسيسكو منذ بداياته المبكرة الى الثقافة المضادة الى شارعها.. كاسترو ستريت وأخيرا الى عصر الايدز.
"وعلى نحو متميز، يعطي جن التجربة الديموقراطية الجلاء الكلاسيكي لأوزانه المصقولة برهافة وقوافيه القاطعة".

مروض وصقر
كنت اعتقد اني قوى الشكيمة
لكنني صرت رقيقا على يديك
لا استطيع ان اكون سريعا بما يكفي
لكي اطير من اجلك وأظهر
انني عندما اذهب اذهب
بأوامرك
حتى من الطيران أعلى
لم أعد حراً
اغلقت عيني بحبك
إنني اعمى حيال الطيور الأخرى
عادة كلماتك
لفعتني.
كما فيما مضى، ادور
وأحلق وأتلوى
لكنني أريد فقط الاحساس
من فكرتي المتسلطة
عن الصائد والمصيد
فوق رسغك
لكنك أنت، نصف المتمدن
تروّضني بهذه الطريقة
بجعلي لي عينان فقط
من أجلك اخشى ان افقدهما،
إنني افقد كيما احفظ، واختار
المروّض كفريسة.
فباطنتي الحزينون
واحداً بعد الآخر يظهرون من
الظلام: بضعة اصدقاء، و
بضعة بأسماء
تاريخية يبدأون في التألّق من وقت جدّ متأخر
لكن قبل يتلاشوا يقفون
مجسّمين بإتقان. كل
الماضي يطويهم مثل
عباءة الفوضى كانوا الرجال
الذين، كنت اعتقد، انهم عاشوا فقط لكي
يجددوا القوة المدمرة التي
انفقوها مع كل اضطراب ساخن
حقيقة، ليسوا في استراحة بعد،
لكنهم في الواقع الآن،
متفرقون، مذرّون من حالات الفشل،
ينسحبون الى مدار
ويدورون بطاقة
شديدة غير مبالين، مثل النجوم.

جريدة المستقبل - السبت 5 حزيران 2004 - العدد 1611

الشاعر على الإنترنت :

  • http://www.poets.org/poets/poets.cfm?45442B7C000C070409

مقابلات مع الشاعر

  • http://www.interviews-with-poets.com/thom-gunn/gunn-note.html
  • http://www.interviews-with-poets.com/thom-gunn/

مقدمة في دراسة شعره

  • http://www.eriding.net/amoore/poetry/gunn.htm#top
  • http://books.guardian.co.uk/obituaries/story/0,11617,1204523,00.html
  • http://www.danagioia.net/essays/egunn.htm
  • http://www.sonic.net/~goblin/8gunn.html
  • http://www.guardian.co.uk/obituaries/story/0,3604,1204724,00.html