علي سفر
(سوريا)

سنية صالحلا تشكل ظاهرة سنية صالح في مسار الشعر السوري في القرن العشرين حالة متفردة وخاصة فحسب بل إنها وبكثير من الحيثيات التي تجعلنا نستخدم صيغة الجزم ربما تكون هي الحالة الأكثر نضجاً والأشد تجوهراً حول البنية المجازية التي تم تكريسها لتصبح معياراً للحداثة الشعرية العربية التي بدأت ملامحها منذ منتصف القرن الماضي وصولاً إلى نهايته..

فطوال مئة من السنين لا يعثر قارئ الشعر على صوتٍ شعري أنثوي سوري يستطيع أن يفصّل في شعريته بين الخطاب واللغة التي تصنعها وبين الخطاب و اللغة الذكورية المهيمنة ..

ولعل أغلب التجارب التي سادت إنما كانت تدفع باللغة المستخدمة نحو إيجاد المقارب بين الخاص (الأنثوي) وبين العام (خطاب الجماعة) الذي تهيمن عليه موضوعات يلمح القارئ في تضاعيفها انتماءً ربما نستطيع العثور فيه على شيء مما يمكن لنا تسميته بالسائد تبعاً للاتجاه العام المكرس كتابةً في اتجاهات واضحة ومسماة.

سنية صالح حالة وظاهرة تفردت عن هذا السياق رغم انتماءها إليه من حيث مشاركتها ومنذ بداية الستينات في صناعة الظاهرة فقد بدأت كتابة الشعر في الخلف مما صنعته ظاهرة الشعراء التموزيين وعلى مسافة متباعدة منهم خرجت بلغتها نحو الضفة الأكثر التصاقاً بتجريد الصوت الشعري من معطيات يفرضها الانتماء إلى الجماعة الشعرية فهي ابنة الظاهرة ولكنها تختار الافتراق عن العلاقة الأبوية للشعر فتبحث وعبر ملامح لغتها عن حواف خاصة تجعل من الكلام شبه أداة حادة تغامر من خلالها الذات القارئة لتختبر ردهات تلقيها.. وهكذا فإن النظر في مجموعاتها الشعرية الأربع "الزمان الضيق" بيروت 1964 و "حبر الإعدام" بيروت 1970 و"قصائد" بيروت 1980 و"ذكر الورد" لندن 1988 لا بد سيقود هذه الذات القارئة إلى الوقوف أمام ثنائية إلى حد ما على المستوى الدلالي الأول المتاح خلال فعل القراءة وهذه الثنائية الملتبسة قليلاً والتي تأخذ تعبيرها من خلال مفردتين هما "الجسد" و "الإرهاب" تتحول وفي حال التعمق الذي تقدمه القراءة الثانية للمجموعات إلى تقابل لا ضدي على مستوى القول والمعنى.. إنها تتشكل بقساوة الفعل المتضمن فيها لتكون أولى حواف العمق المطلوب في قراءة الشعر، وليمسي كل ما خلفها حافة ثانية ذات أشكال مثلها كأي خطاب أخر تطرحه كلمات مكرسة في خطابات الحداثة الشعرية العربية كالحب والوطن والروح والطفولة.. الخ..!.. كيف يمكن لنا إقامة الرابط بين طرفي الثنائية السالفة ثم إعادة تملك العمق دون الفصل بين حوافه؟.

إن شعرية سنية صالح تجافي مبدأ التفكيك وتبسيط القضية على أنها مجرد علاقة تحتاج لقراءة. وربما لو أنها كانت تقرأ هذا القول الآن لأجابت بكلام يندد بإرهاب القول ذاته ويدعو بعد ذلك لترك الكلمات حرة في أن تظل مشروعاً قائماً بصورة يريدها الشاعر..!

لعلها واحدة من النذورات القاسية جداً على الصورة الفنية عموماً والشعرية خصوصاً أن تبقى عالقة منذ ولادتها بانتظار موتها، إذ هي تحقق شبه مجرد عن كل المحسوسات لحالة الجماع بين الحياة وبين الموت في طقس احتراف الفعل الحياتي؟؟! ثمة حالة من اللاتحديد ترافق حديثنا الدائم عن جنس هاتين الكلمتين (الحياة، الموت) وليس ثمة ما يفيد الذكورة ههنا بل ابتعاد أيضاً عن محض الأنوثة.. إذن هل ثمة أفق لتجريد الصورة أكثر فأكثر باتجاه حالة من انتفاء الجنس معيارياً؟ ربما يقدم لنا إسقاط أداة التعريف ـ وهي الإطار الذكوري الأعم للكلمة في اللغة العربية ـ الكلمة في عريها الخارجية ولكننا لن نستعيد بالتأكيد رحم الأمومة وعصرها المتقصي في غيهب التاريخ، ولكن ما جدوى الحديث عن تفريق جنسي أمام الصورة الشعرية طالما لسنا بصدد معالجة قضايا الاختلاف بين شعرية أنثوية وشعرية ذكورية؟! أن تغييب الجنس كتحديد يجعل الصورة تستعيد خصوبتها في تفاعلها الأزلي ضمن بنيتها أولاً وفي ما يفيض عن ارتوائها ويسيل باتجاه القارئ ثانياً! والحديث عن هذا في الإطار الشعري الذي قدمته سنية صالح ليس معزولاً بالتأكيد عن ظرفها الخارجي الذي عاشته والذي أثر في بنية صورتها الشعرية وجعلها أكثر من مجرد صورة تستند عليها القصيدة لتولد الدهشة. تحاول سنية صالح منح علمها على صورتها الشعرية شرعية ما ضمن البحث عن علاقة سرية وعلنية في آن معاً بين الشاعر والقارئ فتقول: "كلاهما يضيء الآخر، كالصور الشعرية التي تضيء بعضها البعض، تدعم بعضها البعض أو تأخذ من بعضها البعض". غير أن العلاقة هذه تظل منتهكة من قبل العنصر الحياتي الذي يحبط حاجة التواصل والرغبة ليحولها وعبر سياق "إرهابي" إلى مباعدة وغريزة..! لا يمكن الاستناد على هذا الشكل الثنائي أو التقابلي في بنية الصورة ولكن سياق الفعل الذي يفترضه نهج توالد الصور في يوميات الشاعرة وقصائدها يدفع بالملكات التي تتحسس هذه العلاقة لأن تتبنى الموقف الذي يفضي إليه خطاب القصيدة ذاتها، تقول:

"افتح نوافذي للحب، فيدخلها حشد من العشاق والراغبين في الجسد حاملين معهم الغضب والعبودية، وتطأ نعالهم العمر وهم في توغلهم العنيد صوب القلب الغائب، وكأسلاك الشائكة يشقون طريقهم في الشرايين وكأنها إنفاق بنيت لعبور الأعداء والجواسيس جموع لا هم لها إلا أن تقذف منصة الأحلام بنار الجحيم، المنصة التي يعتليها الوطن والأطفال". (ديوان قصائد، الخطيرة) ما الذي تعنيه الشاعرة بالإرهاب والي تضع بالمقابل معه "منصة الأحلام"؟ لا يمكن للمقاربة بين ما هو إرهاب وبين ما هو ليس إرهاباً أن تعزز لدينا حضور الصورة دون وضعها في سياق النص ذاته، فالإرهاب يدخل الأعماق كما تقول الراحلة.

"يقرر حركة الحياة، فأرضا شروطه" مسلطاً رقابته، قاذفاً خلايا العمر بالمعونات الفاسدة" بينما لا يستطيع القلب فعل أي شيء.. تقول:

"يأخذ القلب ما يلقى له
من الخبز والطحين
والعدل، دون أن يجرؤ على المناقشة، فاله قباء كثر، والثعالب شرسة.
الدم يتشرد أمام عتبات الإعانات،
ملطخاً بالذل، وأحلام واهية تطارد أثر الأمل"!

يتحدث رولان بارث عن القلب في "خطاب العاشق فيقول عنه أنه "كلمة تناسب كل أنواع الحركات والرغبات. ولكن ما هو ثابت هو أن القلب يتكون من أعطية، أو هبة، سواء كانت مقبولة أم مرفوضة".
وسنية صالح لا تمنهج عمل القلب مقموعاً وبلا قدرة على المناقشة، تنال مساحة ابتعادها به عن موقعية التضاد في سبيل واحد هو إبراز الأثر الآخر في الصورة ووفقاً لاحتلال الإرهاب الموقع المركزي في الصورة المقصودة، مما يجعلنا في موقع إقرار أن المرجعية التي تبنى عليها الصورة ليست بذاتية قدر كونها ذات منحى إنساني، فالقلب "هو الشيء الذي أظن أنني أهبه، وفي كل مرة ترد لي هذه الهبة".. فهل استطاعت سنية صالح استرداد قلبها بعد صورتها الشعرية..؟ أن اختلاط أوراق الراحلة وعلى مستوى المجموعات الثلاث الأولى يبعثر القلب فيغدو تهشماً ولا سلطة ينوء تحتها الكلام فتقول: "نادني أيها المجهول بكل أصواتك الذهبية
امنحني ذراعك المنقذة.
فقلبي بحر صغير هانم بحبك" (حرب الذاكرة)
وتردف في إعلان حقيقي لهزيمة مشروع القلب في قصيدة تالية قائلة:
كيف أسير في الأزمان الغربية وقد أدمنت روحي على طعم الظلام
أي موج سيهدر وأنا أخبرك عن الجلادين والأفاعي والمرائين واللصوص والجمال الهائجة والكلاب المسعورة والخونة، ولأنهم جميعهم الطرف الرابح خسرت، أنا الخاسرة الأبدية". (خريف الحرية، مستقبل من الرمال).

سنية صالح في قولها السابق لا تستتر بمحض الشعر، أنها تفصل له مقصلته حين لا يغدو مؤثراً إلا عبر صداميته مع مشروع الآخر الظلامي في ثنائية الجسد والإرهاب تاركة للقارئ مجسات خفية تبشر بانتصار محتمل للمشروع الذي تتبناه بوصفها صاحبة القول، وإذ تلجأ في مكان آخر إلى التصريح خارج إطار الشعر عما هو قائم في مصهر الحالة واللحظة الشعرية، فإن تبين هذا القائم سيصب في الإطار الذي ينقل إلى بنية الصورة ذاتها، تقول:
"جسد الشاعر هو حلقة الوصل بين حلمه والعالم، أو بين الحلم واللاحلم، هو معبر الرؤية إذ كيف تمر التجارب المعيشية إلى اللاوعي دون أن يكون الجسد قد امتص قدراً كبيراً من الواقع، من جذبه أو صدماته، من تبادل السيطرة أو تبادل الهزيمة؟ عملية التداخل أو التفاعل هذه هي الزمن الضروري للتحول إلى شعر، تخترق هذه التجارب وعي الشاعر في عبورها التراجيدي المروع من المناخ المباشر إلى مناخ الحلم مخضعة الجسد لتقلبات هو جاء بين مهاوي الأرض وحمى المرتفعات". إن الجسد الذي كنا نراه مرغوباً ومشتهى لا يدخل في الصورة بصفاته السالفة أنه يعاني من انقسام خليوي (من الخلية) ويحوله إلى جسدين، جسد قاتل يطفئ العالم في المخيلة وآخر "مقتول" تتصاعد منه الانتهاءات، والحاصل من هذه المقاربة هو انتقال التضاد من مستوى فوقي هو مستوى المشروع إلى مستوى تحتي هو مستوى الذات، فإذا كانت سنية صالح لم تملك سوى أن تخاطب الآخر في المستوى الأول بقولها: "لكن أيها العشاق الفاتكون، إنها المنصة الوحيدة الباقية للحب والوطن والأطفال". فإنها حقاً كانت خاسرة وحيدة في الجزء الثاني من المعادلة فبعد أن نتلمس المعاناة لديها ومقاربتها لخطابها الذاتي مع خطاب معاناة المرأة الاجتماعي، نجدها تتجاوز هذا الأخير مفسحة المجال عبر المقطع السابق لاستدراك عودة يقوم بها الآخرون كي يتطهروا من أدانهم الإرهابية الكامنة في اللاوعي، أو في المغيب من العقل والتي تساوي بين الحياة والموت، وهي بذلك إنما تفعل ما تبقى على الخيط الوحيد الواصل بينها وبين العالم المعاش، هذا الخيط الحنيني الذي يتماهى كفعل مستقل ويقترب من الفعل الأساسي في بنية الصورة التي تعيد إنتاج الرغبة بالحياة.

* * *

منذ رسم الذات كورقة الخريف التي سقطت من شجرة الطفولة والبداهة في أوان لا نعرفه وحتى البلوغ الحتمي للحتف في "ذكر الورد" ثمة خط واضح في عمق الثنائية الشعرية لدى سنية صالح، خط يجافي التحديد ويبلغ في أقصى حالاته تجريد الموت لعله يكون حياة ثانية.
إنها وفي ديوانها هذا الذي صدر بعد وفاتها عام 1985 تؤكد على الخيار الأولي الذي كان يمكن للغة الشعرية أن تكونه منذ البداية أي البحث عن زمن الطفولة المفقود والذي ربما تكون يوتوبيا عالمية متكررة كواحد من البنى الدلالية الكبرى في الشعر العالمي.. ومنذ الإهداء تؤكد على الرغبة في قياد اللغة إلى ما هو غير أني ومصنوع وفقاً للمعادلة المتاحة في ظل صراع الذات مع الآخر فهي تهدي الديوان إلى "البيوت الحميمية التي طرد الإنسان منها، وتلك التي ابتلعته وأهلكته، وإلى الأبواب الموصدة التي تساقط أمامها وهو مايزال ينتظر"

الشاعرة تنهج في آلامها وصوب المرآة التي تخاطب فيها الصورة المرتسمة وهي صورة الطفلة وهنا سنعثر في هذا الديوان على خطابات مؤلمة تقدمها الشاعرة إلى طفلتيها سلافة وشام وحضور هذه الطفولة في مسارب قصائد طافحة بالآلام يقود الذات القارئة نحو التعثر بالبحث الشعري الخاص بالطفولة وهي الحالة التي قرآها غاستون باشلار في شعرية أحلام اليقظة ولعلها ليست صدفة أن تتمثل الشاعرة ما تقع به الشعرية الحقيقية لدى أي شاعر ولا سيما في الثيمات المتكررة لدى أغلب الشعراء وهم يتمثلون نهايات حيواتهم شعراً إنها تستضيء بذاكرة الغابة وهواجس الطفلة التي نامت وسط أصوات الوحوش المختلطة بترقرق الماء/ النهر/ الينبوع/ والتحلل إلى عناصر أولى.. يقول باشلار:
"في تأملاتنا نحو الطفولة، في القصائد التي نود جمعنا كتابتها لكي نحيي تأملاتنا الأولى، لكي نستعيد معالم السعادة، تظهر الطفولة، في أسلوب سيكولوجيا الأعماق نفسه، وكأنها أنموذج مثالي حقيقي، أنموذج السعادة البسيطة الحقيقي. بلا ريب إنها صورة فينا، مركز صور تجذبُ الصور الحسنة وتنفر أو تبعد التجارب التعيسة.. ولكن هذه الصورة في مبدئها، ليست تماماً صورتنا إن لها جذوراً أعمق من ذكرياتنا. ومشهد طفولتنا على طفولة الإنسان، على طفولة الكائن الذي لامَسَهُ مجد الحياة، (شعرية أحلام اليقظة ص 108-109).

وفي "ذكر الورد" قلما تمر أمامنا قصيدة تنجو من الرغبة في إعادة الحياة إلى جذورها الأولى ولعل هذا الحشد من استحضار الأزمنة الأولى لم يكن أمراً خارجاً عن وعي الحالة الشعرية لدى الشاعرة ذاتها فهي تصرح بهذه العلاقة في المقدمة التي ثبتها الناشر في مقدمة الديوان فتقول: "الشعر جوهرياً عملٌ لا تكشف للشاعر العالم وحسب بل تكشف له
نفسه، تجدّده. بها يحتمي من التكلس والجمود بالثقافة يستطيع أن يخترق السطوح المألوفة المنهكة، أن يرى بعيداًن أن يستعيد الكثير من طفولته، أن يجد الجسر بين طفولته وطفولة الخليقة" ص 13.
هذا التقاطع غير المقصود بين ما تصرح به الرحالة سنية وبين القاعدة التي يخرج بها باشلار يقدم لنا إنزياحاً يفيد بأصالة الجملة الشعرية التي تبدأ من محاولة استعادة الحلم الأبدي الذي يترسم في أعماق المخيلة الشعرية وقد بدأت بتنحية العارض اليومي والإمساك بما هو أساسي أو ما يجب تعزيزه ليكون الكلام أشد حدةً وتجريماً في الذات الشاعرة نفسها التي تقول أنه "في العمل الإبداعي يدفع الشاعر بشفرة ذاته داخل القشرة الثقافية الأخلاقية، وعبر النواة الحلمية، ليصل إلى مذاق الحياة الحقيقي. بذلك وحده يصير نسيج اللغة الشعرية نسيجاً مشعاً) ص 9.
غير أن ما يشع هنا هو أكثر من مجرد رغبة شعرية أو توصيف لجوهر العملية الإبداعية فسنية تجاوزت كلماتها الشعرية المنتقاة نحو آلام الموت الذي يجد تعبير في قصائد هي أكبر من بيان شعري فالآخر الذي يشكل ظلاً شبحياً في مواجهة الإشعاع الطفلي هو العالم وكوامنه هي:
الطوفان/ الزرنيخ/ السرطان/ تاريخ المذابح/ الطغاة الجلادين/ الخداع الكبير/ كلاب الطريق/ العاشق الوبال/ التنين..

أما الطفولة وهي هنا كل ماتحتمله نبضات القلب الشعري في المواجهة وهي أيضاً الذاكرة والحياة في مواجهة الموت وفيها تأتي جموع الفقراء والشعراء والعشاق الحقيقيين والأطفال الحالمين..
وفي هذه المواجهة تأخذ كلمات سنية صالح الشعرية طابع المنازعة بين الاثنين لتعود الثنائية الأولى ثائية لإرهاب والجسد في تشكل جديد فالأول يلبس شكل العالم بينما يصبح الجسد هو المعبر نحو أزمنة الطفولة واليوتوبيا المتحدة مع المستقبل الذي تراه الشاعرة في الطفولة التي تخاطبها.. وكذلك في استعادة الأمنيات التي حولتها الحياة إلى نقمات حاصرت الجسد والروح وما لبثت إلا ودمرتهما ولم تبق منهما سوى أشلاء كلمات:

"كيف نكتشف لعنة الحب دون عشاق
مهووسين؟
كيف نكتشف الرصامة ما لم تمزق حرير الهواء؟
وشوك الموت مالم ننجب ونقاتل؟
الذاكرة في العراء ورسائلها في الخزائن
خيوط المطر تحوك لباسها الخريفي
والمياه في نومها الدّهري على الشفاه
تدخل وتخرج
كالرّوح، دون أن تتجزأ.
ثمن العشاق الناجحون
يئسنا وكبرنا،
شطرنا الطّاغية
فصرنا الجسد و الظل
أما أنت,
فقد عسكرت طويلاً على الشواطئ,
و عسكر الموج والمستحمون ,
و عسكر أطفالي و أحفادي
و اخذوا يبتعدون
حتى شطرنا الأفق
و هوينا بين الفقريات و اللافقريات عشاقاً مهووسين "( ص 26-27 ). )

* هذه القراءة تنطوي على جزئين أولهما وهو يختص بدواوين الشاعرة الأولى وقد كتب في ذكراها العاشرة، والثاني وهو قراءة أولية في ديوانها "ذكر الورد" وقد كتب لاحقاً ولم ينشر وكلا الجزئين يشكل قراءة واحدة غير منفصلة.