مجلة أوانبالتزامن مع حلول الذكرى السنوية الأولى لغياب إدوارد سعيد اختارت مجلة "أوان" الصادرة عن كلية الآداب بجامعة البحرين، والمتخصصة في عروض ومراجعات الكتب، أن تكرس محور العدد السادس منها، والذي نزل إلى الأسواق مؤخراً، لاستعادة إدوارد سعيد ومساهماته الفكرية. وفي هذا الإطار كتب محمد شاهين، الباحث والمترجم الأردني مقالاً بعنوان "موال جديد في مراجعة إدوارد سعيد"، وفيه يسلط الأضواء على طائفة من المراجعات التي تناولت أعماله مقسما إياها إلى مراجعات تعترف بدور الراحل وفكره، ومراجعات أخرى متحاملة وعديمة الموضوعية. ويركز شاهين مقالته على المراجعة التي أنجزها يوهان هاري لكتاب سعيد الأخير "فرويد وغير الأوربيين" وهي منشورة في الملحق الأدبي لصحيفة التايمز خلال تموز الماضي. والمقالة تجادل ضد ما يذهب إليه هاري بالموافقة مع توم سيجيف صاحب كتاب "الفيس في القدس" من أن سعيد يكتب عن الصهيونية من منظور متطرف ومتخلف عن الركب ولا يكاد يصمد أمام طروحات "ما بعد الصهيونية" التي يعكف عليها المؤرخون الجدد من أقران سيجيف في إسرائيل. وبقلم تزفيتان تودوروف يترجم محمد المزديوي مقالة ضمن الملف بعنوان "بورتريه منحاز" يتحدث خلالها تودوروف عن علاقته بإدوارد سعيد وأوجه التشابه بينهما في حياة الهجرة والمنافي والزمالة الأكاديمية في جامعة كولومبيا. وهو يستعرض الأسباب التي دعت كل منهما إلى التحول عن البنيوية تحولاً آتى ثماره في صدور كتاب "الاستشراق" لإدوارد سعيد وكتابي " غزو أمريكا" و "نحن والآخرين" لتودوروف. ولا يغفل الكاتب أمر الاختلافات بين مساره ومسار سعيد أيضا وأهمها أن هجرة تودوروف إلى فرنسا جاءت من أوروبا الشرقية الخاضعة للاتحاد السوفياتي بينما هجرة سعيد كانت من أفريقيا الواقعة تحت الوصاية البريطانية، وهو اختلاف طرح بآثاره على رؤية الرجلين لصراع "الشرق - الغرب"، وحساسية كل منهما تجاه استهداف الأمبريالية في حالة سعيد والتوتاليتارية في حالة تودوروف. وترجمت لمى المحادين مقالاً في أدب السيرة الذاتية كتبه إدوارد سعيد قبل أن يكتب سيرته الصادرة في كتاب بعنوان "خارج المكان". ويتحدث سعيد في هذا المقال عن طفولته وعلاقته الحميمة بأمه، والأسباب التي دعته إلى الإقبال على كتابات جوزيف كونراد والشغف بالكتابة عنه. ويتناول المقال أيضا فترة التكوين العلمي لإدوارد في كلية فكتوريا خلال الخمسينات من القرن الماضي وصولا إلى التحاقه بسلك التدريس في جامعة كولومبيا خريف العام 1963. وكعادته المحببة يتحدث إدوارد سعيد عن الكيفية التي تشكل بها التزامه السياسي، والعلائق المركبة التي أحسن نسجها بين انتمائه الفلسطيني وعالمه الأكاديمي على صعوبة الأمر في ذلك. وتترجم سلام المحادين مقالة لإدوارد سعيد كان قد جرى نشرها في العام 1970م ضمن أعمال ندوة حول المجابهة العربية الإسرائيلية 1967، قام بتحريرها إبراهيم أبولغد وصدرت عن مطبعة جامعة نورث وسترن. وفيها يرى سعيد أن اعتبار الفرد العربي ضحية للإمبريالية ينطبق على الماضي والحاضر وعلى حالة الحرب والسلم والجهود الدبلوماسية وأخيراً على الوعي الأمريكي. ولكن هناك مؤشرات على أن العربي ومعظم شعوب العالم الثالث يدركون أن هذا هو صلب المشكلة. لذلك فإن العربي، كما يذهب سعيد، يطالب الغرب وإسرائيل الآن باسترداد موقعه في التاريخ وعلى أرض الواقع. وبعنوان "استشراق إدوارد سعيد: محاولة نحو إعادة استبصار الفكر" يكتب الباحث العماني مقالة مطولة حول إساءة فهم سعيد الدائمة، والتي تبدو متعمدة في أحيان كثيرة، من مختلف الأطراف. وهي إساءة تبدو منسحبة على الطريقة التي يقرأ بها كتاب الاستشراق أيضا. والجديد الذي يحاوله حبيب هو إعادة قراءة "الاستشراق" من منطلق تلمس الجذور البصرية لاشتغالات إدوارد سعيد الفكرية، وهو الذي أغرم بالسينما وترعرع في بيئة لها ثقافتها البصرية المميزة (والده أول من أدخل كاميرا 8ملم إلى مصر). والكاتب يستثمر في مقالته هذه اتصاله بمجال النقد السينمائي ليجادل عن أن "البصري" وليس "الأدبي" هو الذي أسس، واستمر في شحن، طاقة سعيد النقدية حول الأسئلة الخاصة بسياسات "التمثيل" و"الآخر" و "الغيرية". ويتضمن الملف ترجمة لحوار بعنوان "عن العالم والنص والناقد: حوار مع إدوارد سعيد"، كان سعيد قد أجراه مع غاري هينتري وآن ما كلينتوك ونشر في مجلة كريتيكال تيكست التي تصدر في نيويورك كما نشر الحوار في كتاب "السلطة والسياسية والثقافة" الذي حرره غوري فيسواناثان والصادر عن دار فينتيج في شهر سبتمبر 2002. ويشير فخري صالح مترجم الحوار إلى أن الحوار يعرب عن المصادر النظرية التي أثرت في عمل سعيد ونقده لهذه المصادر كما يشدد على أفكاره التي بحثها في كتابه حول "العالم والنص والناقد" وخصوصا مفهومه للعلمانية دنيوية كما يعرض الحوار لكتابيه الآخرين "الثقافة والامبريالية" و"صور المثقف".
ويقدم علاء أبوزينة مراجعة لكتاب "إدوارد سعيد: مقالات وحوارات" الذي قدم له وقام بتحريره محمد شاهين، وهو صادر عن دار الآداب ببيروت 2004م، ويحتوي على مجموعة مختلفة من مقالات إدوارد سعيد المترجمة إلى العربية فضلا عن حوارين مطولين معه.
ومن مواد العدد الجديد من مجلة أوان ترجمة لفصل من كتاب ريموند ويليامز "الثورة الطويلة" وهو بعنوان "تحليل الثقافة" وقد قامت بترجمته خالدة حامد من العراق. وفي المقال يبين ويليامز التعريفات المختلفة للتحليل الثقافي والمزايا التي تتمتع بها كل مقاربة من هذه المقاربات، وهو يميز بين ثلاث مستويات للثقافة: ثقافة معيشة، ثقافة مدونة، وثقافة التراث الانتقالي، ملاحظا أن سيرورة الثقافة الحقيقية إنما تتبلور من خلال العلاقات التي تتواشج بين هذه المستويات. وفي باب "الحوار" يتضمن العدد حواراً مطولاً مع الناقد الأمريكي، مصري الأصل، إيهاب حسن، وهو بعنوان "منطق ما بعد الحداثة هو التعارض لكن مع التعايش" وقد أجرى الحوار: فرانك ل. سيوفي وقام بترجمته إلى العربية الروائي والمترجم محمد هاشم عبدالسلام من جمهورية مصر العربية. في هذا الحوار يتطرق حسن إلى أثر أعماله المتعددة في نظرية الأدب خصوصا لجهة بلورة مصطلح "ما بعد الحداثة"، كما يتناول قضايا عدة متصلة بـ "المقال الصحفي النقدي" وآفاق العلوم الإنسانية في الأكاديميا الغربية، وحدود تقبل الأخيرة للثقافة العامة الشعبية والعلاقة بين علم الجمال والروحانية في الحياة الأمريكية. ويكتب، محمد البنكي، رئيس تحرير المجلة، مساهمة حول اشتغالات المغربي عبدالسلام بنعبدالعالي بعنوان "التفكيك بوصفه مجاوزة"، وفيها يتناول الكاتب جهود بنعبدالعالي عبر كتبه المتعددة مستشرفا حدود تداخل المرجعيات التفكيكية مع المقاربات التي يجترحها المؤلف على مستوى الترجمة (في بعديها النظري والتطبيقي)، وعلى مستوى النظر إلى إشكالية المؤلف في الكتابة ويقدم عبدالملك مرتاض دراسة مطولة، ضمن العدد، بعنوان "قصيدة النثر: إشكالية الماهية والبحث عن التجنيس"، وهي مقالة تطرح الأسئلة: هل لقصيدة النثر مشروعية أدبية تصنفها ضمن الأجناس الأدبية؟ وهل العدد الضخم الذي صدر من مشروعاتها في المشرق والمغرب يشفع لها في أن تتبوأ المكانة المكينة من بين الأجناس؟ وما السّرّ الكامن وراء تسمية هذا الشكل من الكتابة تحت مصطلح "قصيدة النثر"؟ وما الحكمة من وراء الجمع بين جنسيين أدبيين في واحدٍ جديد لم يقم على ساقيه؟ وما موقف النقد العربي المعاصر من هذا الشكل من الكتابة الجديدة؟ وهل من الجائز أن نقسو على هذا الشكل الأدبي فنرفضه رفضا؟ وبأي حق؟.
وضمن العدد أيضا، يترجم الكاتب العراقي حسن ناظم فصلاً من كتاب هانز جورج غادامير (طرق هيدجر) والفصل بعنوان "الكينونة، الروح، الله"، وفيه يتساءل الفيلسوف الألماني عن رفيقه وأستاذه هيدجر: لماذا أصبح مفكراً وليس لاهوتيا مسيحياً، رغم أن التعالي القديم هو الذي تكلم عبر هيدجر وليس العالم الحديث كما يرى غادامير. ومن خلال استبار متعمق وألمعي ينصت غادامير لهواجس مارتن هيدجر وصبوته لمجاوزة الميتافيزيقيا عبر فكرة الـ "دزاين" والحلم باختراق اللغة الخاصة مع التفكير في هولدرلين ونسيان الكينونة. وعن "ذاكرة النسخ والإخراج ورسم المنمنمات" يغوص الناقد والفنان التشكيلي أسعد عرابي في تراث صناعة الكتاب العربي الإسلامي متبينا الوشائج العميقة بين ازدهار صناعة هذا الكتاب تاريخيا وفنون وصناعات توضيب صفحاته وملازمه وتجليده وتذهيبه وتجويد خطوطه، وهو يستعرض سياق تطور هذه العناية بالكتاب جنبا إلى جنب مع سلالة التقاليد الفنية من العصر العباسي في محترفات سمرقند مروراً بالمرحلة الأندلسية والفاطمية ووصولا إلى تأثيرات المحترفات الشيرازية والأصفهانية ومدرسة هيرات وتبريز في العهود الأليخانية والتيمورية والصفوية التي استلهمت حضارات ساسان والتراكم المزدكي الزرادشتي المانوي.
"مخاضات الفكر العربي في القرن العشرين" هو عنوان المساهمة التي شارك بها الكاتب السوري تركي علي الربيعو ضمن العدد وهي تتناول كتاب المفكر محمد جابر الأنصاري الذي يحمل نفس العنوان، وهو الكتاب الفائز بجائزة أفضل كتاب لعام 2003 في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الماضية. ويلاحظ الكاتب أن كتاب الأنصاري ينوس بين أمرين: مساءلة الهزيمة ومثلث التخلف العربي الذي يقف حائلا دون نهضة الأمة. وإذا كان الأنصاري يتبنى فكرة الإصلاح كأرضية للقاء "ولي الأمر" بـ "المواطن" فإن الربيعو يتساءل: أين المفر مادام دعاة الإصلاح في الوطن العربي يعانون من أزمة ثقة مستدامة في الحكام وأصحاب القرار؟ ويناقش الدكتور عبدالله الحيدري من تونس (جامعة البحرين) أفكار المفكر والناقد إبراهيم عبدالله غلوم في كتابه الموسوم بـ "الثقافة وإنتاج الديممجلة أوانقراطية" والحائز، أيضا، على جائزة الكتاب الأفضل في معرض القاهرة الدولي للكتاب. ويحتوي الكتاب على مجموعة من الدراسات السوسيولوجية التفسيرية التي اعتنت بالبحث في موضوع الثقافة العربية وما يحيطها من تعقيد واضطراب، والمراجع يطرح السؤال، بعد جولة فياضة في الكتاب، هل يمكن تصحيح علاقتنا بالثقافة دون البحث في المجال الوسائطي الذي بواسطته تتحول الأفكار إلى قوة فاعلة في العالم؟
ويساهم الكاتب المغربي خالد أمين بدراسة، ضمن العدد، حول "غواية الهجنة في المتخيل المسرحي المغربي"، وهو ينطلق من استراتيجية النقد المزدوج التي طرحها عبدالكبير الخطيبي من أجل النظر في هجنة المسرح في المغرب ووصلها بإشكالية التأصيل واستلهام التراث مجادلاً ومنتقداً المشاريع الفرجوية التي تروم تقديس الماضي واستعادة التراث لسقوطها في الماهوية الخالصة، والمشاريع المسرحية ذات المنحى التغريبي لاستكانتها في أحضان التمركز حول الغرب سواء بسواء.
ومن المساهمات الأخرى التي احتواها العدد السادس من مجلة أوان: مقالة بعنوان "الهوية والغيرية والمكان" وهو عرض لكتاب الباحث التركي إرفن جميل شك "الاستشراق جنسيا" ، شركة قدمس للنشر -بيروت2003، "الجسد والصورة والمقدس في الإسلام" وهو قراءة بقلم لحسن موهو لكتاب الباحث المغربي فريد الزاهي الذي حمل نفس العنوان وصدر عن دار افريقيا الشرق بالمغرب 2004. "هيفاء بيطار تنتصر للحب والعطاء في روايتها الجديدة" وهي قراءة ينجزها عادل الفريحات من سوريا لرواية "امرأة من هذا العصر"، دار الساقي 2004. "عولمة أزمة الهويات الثقافية في الوطن العربي" وهي قراءة بقلم الباحث فيصل الغريبة، من الأردن (جامعة البحرين) في كتاب الباحث التونسي محمود الذوادي "التخلف الآخر"، الأطلسية للنشر-تونس2002. "تحولات الدال والمدلول في السرد العربي الجديد" وهي قراءة في كتاب الكتابة والتحول" للناقد المغربي حسن المودن بقلم عبدالحق مفيراني من المغرب أيضا. "العولمة والصحة النفسية" قراءة تقدمها الكاتبة السورية هيفاء بيطار لكتاب الباحث اللبناني مصطفى حجازي "العولمة والصحة النفسية"، بيروت 2003. "سيرة حياتي: التكوين والشخصية والرأي" قراءة بقلم صدوق نورالدين في كتاب "سيرة حياتي للمفكر المصري الراحل عبدالرحمن بدوي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2000، كما يتضمن العدد عروضاً عديدة لمجموعة أخرى منتقاة من الكتب العربية والأجنبية في باب سطور المخصص للعروض المختصرة غير الموقعة.