علي سعدون
(العراق)

(فيصل سمرة-السعودية)لتكن القصيدة فكرة.. مانشيتا فلسفيا يخدش المعرفة المسبقة بالأشياء ويصب علي رأسها مستقبلا هائلا من الإشارات.. وإذا كانت القصيدة كذلك فبماذا نسمي سيل الصور والتداعيات والتشكل في نص حية ودرج/ شمس انفلونزية فاقعة للشاعر خزعل الماجدي..، بتعبير أكثر دقة إذا كانت هذه القصيدة (فكرة) كيف يكون بمقدورها تقبل هذا الكم الهائل من التقنيات الأخرى سالفة الذكر. إلا يستدعي ذلك جهدا ملحوظا للقراءة كأجراء فاعل مواز لإجراء الكتابة ولو بنسب متباينة..، ومادمنا سمينا شمس خزعل الانفلونزية الفاقعة شعر فكرة تختلف عن أفكاره السابقة (اناهيت العالم) و(خزائيل) أو (عزلة في الكرستال) الخ .. وهي بمجملها قصائد أفكار لم يستخدم فيها تقنيات اخرى خارج نطاق التفكر علما ان قصائد التفكر لايمنع توفرها علي حركة المخيلة التي تصوغ العالم بشعر مختلف لكنه وبسبب حدة الفلسفة (الفكرة) يمنع تجوال الشعرية في فضاء التشكل والتجسد.. وقد يطول البحث في ماهية نص الفكرة المحض الذي نشير له ولا نخوض فيه..
علي أية حال أمامنا الآن نص مختلف للشاعر خزعل الماجدي.. نص ينتمي للوقائع.. يفكر بها ويسميها ويعمل علي تحريضنا علي القراءة بشكل مختلف..
فبدءا من عنوان النص يتضح ان الشاعر لايتحدث عن الشمس بالمرة ..، فالشمس المريضة هذه سواد فاقع يختزل متن النص برمته وما المتن عندئذ سوي هامش للتداعي عند الشاعر استطاع من خلاله ان يؤكد معني هذه المريضة التي تنتصر للخراب والظلام والرصاص دون ان تضيء أبدا ..، بالضبط كفنتازيا واقع مبني علي المفارقة حينا وعلي المتضادات حينا آخر.
أضف إلى ذلك استخدام العنوان بصيغة النكرة ( شمس انفلونزية فاقعة ) وليس بصيغة المعرفة وهو دليل علي الإحالة إلى التخصيص بمعني ان الشاعر لايتحدث عن الشمس/ القيمة الوضعية المعروفة بل عن الشمس المريضة التي لاتشبهها أية شمس..، انها شمس تنطفئ لتمهد سطوع وتوهج ثيمات المتن كقيم وجودية يفترضها ويؤكدها.
هنا صار بمقدورنا ان نؤول مفردة انفلونزية في العنوان علي انها التحول أو المرحلة الانتقالية التي استبدلت العنوان بالمتن ولذة التبادل هذه تمثل صلة الشاعر خزعل الماجدي المحشور والمتشظي في مكان متعدد الأبعاد والقيم التي تأخذ بيده إلى فناء الجمال الذي تؤكده الوقائع: (ليل مقطرة بالعويل والغيبوبة.. لماذا نحن هنا ؟) النص..
هذا إذا ما عددنا ان النص الشعري كيانا لغويا يتوفر علي قدر كبير من الإشارات والإحالات الزمانية والمكانية التي تجعله متعدد الأبعاد - مفتوح وغير نهائي - ..
لنعد الآن إلى الفكرة مجتمعة (فكرة النص) والتي تمثل دافع الكتابة الأول لدي الشاعر وهي سمة تكاد تكون تسجيلية كاقتراب أول من النص التسعيني الذي سنشير له لاحقا.
يبدأ النص بفعل الأمر (دعي) للمخاطب المؤنث الذي يتكرر 18 مرة ليؤكد بدءا الخطاب/ الرسالة / التي يريد لها ان تؤرخ وتسجل منعطفا مهما من منعطفات الروح في زمان ومكان النص .، هل يكفي هذا لنسميها خطابا موجها إلى الذات المؤنثة : البلاد مثلا.. وإذا كان الأمر كذلك فالفكرة هنا ستنقسم إلى قسمين : يسعي الأول إلى ترسيخ شكل وأسلوب الخطاب / الرسالة .. ويسعي الثاني إلى فضح المعني الذي يفصح عن جدوى وماهية ذلك الخطاب ويمثله الجزء الثاني من النص والذي يبدأ بالاستفهام متشظيا الى مجموعة استفهامات تأخذ زمام العبارات كلها دون ان يهتم الشاعر بإجابة ما عن الذي يحدث، انه يشير ويسمي ..، لذا صار بمقدورنا ان نؤول أيضا الفكرة علي انها تسجيل للذي يكون والذي سيكون ، انها كتابة تختزل الحاضر والمستقبل في آن ولاعلاقة لها بالماضي إلا إذا أردنا ان ندخل في خضم فلسفة انفلونزية فاقعة علي حد تعبير الشاعر ..، وإذا أردنا ان نقوم بمقاربة إحصائية علي ضوء ذلك سنكتشف ان الشاعر استخدم الفعل المضارع 29 مرة في النص وهو ما يشكل علامة فارقة ومهمة في سمة تسجيل الوقائع (الآن) وهي سمة تسعينية بارزة. يشير نص الشاعر خزعل الماجدي إلى أمر مهم للغاية مفاده: جعل الأسئلة مفتتحات للبوح دون ان يكون ذلك البوح بمثابة إجابة :


من صنع كل هذه التعاويذ والتمائم؟
من صنع كل هذه العصابات؟
من صنع كل هذه القدور؟
لماذا نحن هنا ؟

هذه الأسئلة الوجودية التي تندرج ضمن ثيمات نصه الذي نحن بصدده الآن تمثل إجراء شعريا مهما لانبثاق وتفجر دلالات وإشارات غير مستقرة وغير نهائية تفتح مقطعات النص إلى أفق كوني يأخذ بمجريات النص إلى تغطية الواقعة برمتها (تاريخها ووقائعها )
مجموعة رجال ضخمين يهرولون..
من هنا يباع العرق السفري،
والطائرات تقصف .. من هنا يباع اللبلبي وفي الفرع المجاور يباع اللبن.
هذه الضربة قرب برج الاتصالات.
خدر لذيذ بعد أول كاس.. رغم ان الدم يتساقط من السماء..
ان تشكل هذه الوقائع إنما يمزج حس الشامعا.لوقائع اليومية(المعنية بفناء الجمال) بالحس الميثولوجي/هذه الوقائع التي يحرص الشاعر علي تعريفها وتشكيلها إنما هي في نهاية المطاف تعديل في الشعرية العراقية المعاصرة..، اشتغال يسمو بالنص: الفكرة والوقائع معا.. وهو اشتغال يحسب للتسعينيين قبل الشاعر الكبير خزعل الماجدي الذي ينتمي إلى جيل قصيدة الفكرة/زاهر الجيزاني وكمال سبتي وعادل عبد الله وعبدالزهرة زكي ورعد عبد القادر وسلام كاظم وآخرين .. وهو جيل غاية في الأهمية .. اخذين بالحسبان متغيرات الكتابة لدي الشاعر وأقرانه من الجيل المذكور .. يقول بروست في كتابه الزمن المسترد : ان كل فنان أصيل يقدم لنا لمحات من العوالم اشد اختلافا بعضها عن بعض من تلك التي تجري إلى ما لا نهاية .بقي ان أقول ان شمس انفلونزية فاقعة للشاعر خزعل الماجدي نص للتفكر والوقائع .. ، نص مهم يحتاج إلى أكثر من تمرين للقراءة..