عبد الستار البدراني

الحداثـة .. انكسار اليقين / انبثاق الاحتمالمن (يشرعن) سؤال القفز فوق دالة الانضواء تحت غواية التسميات ؟!.
لاشك في أن تجربة الإبداع –اليوم – لم تعد مفهوماً خطياً يتنفس يقينيات منجزة تسهم حتماً في إيجاد عالم يتكرر لا على سبيل المغايرة، بل لخلق اختلاف علائقي /تواصـلي بيــن لحظة الإبداع من جهة والمبدع من جهة أخرى،وذاك ينبثق من استشعارات تجربة ناضجة تحاول أن
تتخطى ما هو معلن وملزم.؟

ولكي نتخطى إشكالية الوقوع في غواية التقنين ألمفاهيمي وفتنة اليقينية المعرفية علينا أن نشير ببساطة شديدة إلى أن مصطلح (لحداثة) يثير لبساً مفاهيمياً حاداً، وذلك لتعدد مدارسـه كما يذهب (كيرمود) في كتابه(مدارس الحداثة) وهذا ما يذهب إليه أغلب الدارسين عرباً وأوربيين
فكيف إذا أردنا أن ندخل في مسار عقلنة الحداثة وقوننتها مـن خـلال المعطـيات المؤسسة لحراكيتها وحركتها في آن مـعاً .؟؛ لذلك ستسعى هذه المقاربة إلـى تأطير فاعليتها باستخدام وسيلة إجرائية تختزل تعددية المفاهيم ؛ وذلك باعتبار الحداثة مشروع كتابة لاتقبل الاحتواء أو المطابقة، وإنما هي المحو الدائم لثوابت الديمومة، وهي قلق التغاير الأبدي الذي يرفض أن
تكون المخيلة( رهينة المحبسين ) التراث والجماعة ؟، وهـذا ما يجعلها بناءً مفارقاً يشـغّل خطابه في أفق التجاوز والهدم ليبني عالماً قادماً؛ لا ليـعزز عالماً قائماً، قدرها (الحداثة ) أن تكـون جملة مغادرة ؟ تنعتق من حبائل سـحرها لتدخل في مكائد الاختـلاف الذي لا يقبل الترويض، ومن هنا تدرك أن الإبداع / الكشف هما الميدان لا الذي يشكل بانعتاق دائم حداثة مخيلة لاتقبل سلطة التأسيس ..؟؛ لأن الحداثة –في الشعر- أو في غيره ليست مجرد مغايرة في بعض العناصر الشكلية، أو المضمونية،بل هي مغايرة شاملة تتجاوز (بعضية) العناصر إلى (كلية) العلاقات التي تحتويها، فتصبح ((إحداثا)) شامـلاً ينطوي بالضرورة على –رؤيا عالم- جذرية يصوغها المشروع المحدث عـلى رأي جابر عصـفور، وإذن فحداثة الشعر تحول مطلق يتمرّد على التاريخانية منغمساً في روح العصر، بوعـي يلح عـلى الضـدّية المناوئة للزمان والزماني، ؟ فيزعج بذلك جاهزية التوقع وأفق الانتظار، حين يعمل الإبداع الشعري الحداثي على التحاور مـع الحياة واختراق ذاكرتها ليرى ما يحدث فـيها مـن ثبات وتحول، ويعمل على كشفه بوسائل خلاّقة قادرة على شحن المتقبل بفاعلية الإدهاش والتأمل،
غير أن هذه الوسائل تتطلب وعياً إبداعيا لا يقف عند حدود الملامح القبلية للتشكيل بل يتجاوز هذه الحدود إلى إبداعية جديدة تقدم معماراً يختلف في نبضه ونسيجه عن البنيات السابقة .

يعمـل المبدع –إذن- على اقتناص ما في المخيلة من طاقات تشكيلية ويدفعها إلـى التجسد والتكاثر مستندة إلى نمو أنشطتها الداخلية بوساطة تفاعل دوالها مـع البنى الأساسية كأحداث
لها قدرة التأثير من خلال منحنيات الأفكار التي تطرحها، ولا بدّ للفنان المبدع من أن يعمل بجهد متواصل ليحقق خروجه علـى المألوف، ويصـطاد الشـكل المناسب إبداعيا والملائم لقناعاته تجاه فعل العصر ودورة الحياة .
والمبدع –عادة- يبحث عن المشروع الذي يقحمه في بنائية تخرجه من قطب التشخيص الذاتي إلى آخر يتفوق ؛ إلى تفجير دينامية شكلية تشكيلية وينمو في فضاء صراع تموجي (لاخطي)
يشكّله التناظر والتضاد مبتعداً عن سكونية التوافق والمصالحة مع مزاجية العصر ؛ لذلك كان على (نص الحداثة) أن يسلك في خطابه سلوكاً مغادراً يجلّي أرضية تغادر الحلول الجزئية، ويسعى إلى الحل الكلي الذي يكشف عن المغيوب المتوتر في وحداته المتنوعة ؛ لذلك يعمد (الباث) إلـى التخريب المستمر لهيكلته العتيقة قاصداً بلوغ معالم شكلية تنأى عن الحضور لتتلامس جدليّاً مع غيابٍ يؤسَّس..؟!!!