زياد خداش
(فلسطين)

zeyad

ماتت الشاعرة الأفغانية نادية انجومان قبل موت المخرج العربي مصطفى العقاد بثلاثة أيام، ما الذي يجمع بين نادية ومصطفى؟ لماذا اشعر أنهما صديقان ؟ رغم مكر الجغرافيا وعنجهية الحدود المادية ها هما يسيران الآن على درج من ضباب شديد البياض، متجهين نحو قصر الصمت الأبدي، بعد قليل سيقول مصطفى لنادية كلماته الأخيرة قبل ان يغيّبهما سكون فاتن:

أنا أحب شعر المرأة الأفغانية

بالذات لأنه لا يخون فقط عقل العالم، انه يخذل توقعات الذهن المحلي المستبدة والمترهلة والمعطوبة، بعد قليل سترد نادية على مصطفى: أنا ايضا أحب فنك السينمائي، لأنه يوصل حضارتنا الى العالم، ويقرب العالم إلينا،ويقطع الطريق أمام المشوهين والمرضى .
ماتت نادية بلكمات مميتة سددها لها زوجها لسبب لا نعلمه، مات العقاد بشظايا انفجار في بهو فندق أثناء مصافحته لابنته ريما، الظلاميون في كل مكان لا يحبون السينما والشعر، ويبدو ان معهم حقا في ذلك، إذ كيف يمكن ان يحب المريض الشمس والمطر والموسيقى؟ الذهن المريض يعشق العتمة لأنها تعطيه المبرر الاقوى للوهم، ولأنها تخفي اللوحات الجميلة للطبيعة، من غيوم مشاكسة وطيبة قريبة من شباك غرفته في الصباح المطير، هو يحب الغرف المقفلة بإحكام لأنها تبعد عنه صوت العصافير والأطفال في حارته التي يرفض ناسها وحجرها وطيورها، كليهما أي السينما والشعر فنان خطيران يسلمان الى الحقيقة، حقيقة أجسادنا وذهننا، الظلاميون لا يحبون الحقيقة، لأنهم مفطورون على مخيلات محدودة الدلالات، مجرمة فقيرة الهواء، خالية من جماليات القلب البشري، هل شاهد قتلة مصطفى العقاد فيلم الرسالة أو فيلم عمر المختار حين كانوا صغارا في المدارس ؟؟ هل ارتعشت أضلاعهم وقلوبهم أمام بطولة الرسول الكريم وهو يتعرض للمضايقات والموت والخيانات والملاحقات ؟؟ هل بكوا حين اعتقل المستعمرون المجاهد عمر المختار في أحراش وجبال ليبيا العربية ؟ هل خفقت أرواحهم حزنا وقهرا وحبا، حين أعدموه أمام آلاف الناس المتأثرين ؟؟ يغيب الآن مصطفى في بياض الصمت، كذلك نادية تدخل كينونة السكون، لم يمت العقاد على يد المستعمرين والصهاينة كما يجب ان يموت، فهؤلاء هم أكثر الناس تضررا من ذهنه ورؤيته وإخلاصه، بل مات ويا للمفارقات على يد ذهن متخلف، طالما حذر منه العقاد بشكل ضمني من خلال مواقفه وتصريحاته حول ضرورة ان نوصل رسالتنا الحضارية للعالم، وان نقدم للبشرية إسلامنا في حقيقته الجوهرية بعيدا عن التشنجات و الأوهام و المزايدات والشعارات والبلاغة الجوفاء، وكأني باعداء الجمال ينتقمون بقتل العقاد من رسالة العقاد ومفاهيمه وتقدميته، فحامل رسالة العرب الحضارية عبر اخطر الفنون وهو السينما يموت على يد أعداء الحضارة عبر اجبن وارخص وأنذل الرسائل، يا نادية انجومان يا أجمل الشاعرات، واشف الكائنات، في أكثر بلاد العالم فظاظة وعتمة، لم يقتلك زوجك فهو مجرد صورة أو رمز أو أداة، بل قتلك تاريخ بلادك الموغل بالدموية والقبائلية والخوف والمرض والوهم، لم يقتلك زوجك يا نادية، فهو ميت قبلك، هو محض شبح يتجول في البيوت على هيئة رجال صفر الهيئة يبحثون عن الضوء ليعتقلوه وعن الطير ليخنقوه وعن الله ليستجوبوه، وعن الشعر ليعدموه مصطفى، نادية: سامحاني لأني لم استطع ان افعل شيئا لكما، فانا مجرد كائن حزين لا يتقن سوى الكلمات، أنتما كائنان من غيوم، وشتان ما بين الكلمات والغيوم فالغيوم طريق الله الى الناس،أما الكلمات فهي طريق الناس الوهمية الى الله.
سامحاني سامحاني.