المصطفي اجماهري
(المغرب)

(من أعمال قاسم الساعدي- العراق)صدرت مؤخرا من دار أبي رقراق للطباعة والنشر بالرباط دراسة أكاديمية للدكتور عبد الرحيم كنوان تحت عنوان: من جماليات إيقاع الشعر العربي.
الدراسة في 528 صفحة من القطع الكبير هي في الأصل أطروحة كان الباحث قد تقدم بها للحصول علي درجة الدكتوراه من كلية الآداب ظهر المهراز بفاس في شهر كانون الأول (ديسمبر) من سنة 2000 وحصل علي أثرها علي الشهادة المذكورة بميزة مشرف جدا.

تنظيم الدراسة ودوافعها

استهل الباحث دراسته بمقدمة مهد بها لموضوعه، ثم تطرق لتفصيلاته عبر أبواب وفصول ومباحث. وقد استند في التبويب الثلاثي الذي اتبعه الى ما أملته عليه استبانات إيقاعه في المتن الشعري المدروس. وتضمن كل واحد من الأبواب أربعة فصول متضمنة بدورها لمباحث تتوزعها فقرات أحيانا. وقد اقتضي نظر الباحث ان استهل الباب الأول بفصل خاص عن الأوزان المستعملة، عرض فيه لحركية الزمن التفعيلي الوزني من جهة ومن جهة أخرى للأزمنة المتوسطة والقصيرة، كما تطرق فيما بعد الى الزحاف بالتسكين والزحاف بالحذف.
وأجملت هذه الأطروحة بالخاتمة المحصلة من هذا الإنجاز، ويعد ذلك ذيلت بفهرسين تخللهما ملحق لتشكيلات شعرية بصرية: الفهرس الأول خاص بالمصادر والمراجع المطبوعة والمخطوطة والمرقونة والمترجمة ثم الأجنبية، والفهرس الثاني خاص بمحتويات الأطروحة.
والملاحظ ان جميع الفصول والمباحث قد استهلت بتمهيدات تعلل مسوغات عرضها وتمهد لطرح جديد حسب ما اقتضته مساءلة نظرية للمفاهيم النقدية من جهة، ومساءلة أخرى تطبيقية من خلال المتن الشعري الحمدوني من جهة ثانية.
وقد لاحظ الباحث بأن دراسة الإيقاع ـ تطبيقيا ـ في الشعر العربي تكاد تكون منعدمة، حيث أشار في هذا الصدد الى انه بعد التقصي لم يقف علي أية رسالة أو اطروة اختصت بالإيقاع في الشعر المغربي، باستثناء بعض جوانبه مبثوثة ضمن دراسات تكميلية ملحقة ببعض التحقيقات أو ضمن دراسات فنية عامة. وليس هذا تدليلا علي قصورها، وإنما لعدم تخصصها بهذا الموضوع الأمر الذي أدى بالباحث الى اختيار الإيقاع في شعر حمدون بلحاج السلمي كموضوع للأطروحة، وذلك لما لهذا الشاعر من مكانة شعرية تتجلي علي مستوي متنه الشعري الذي يقارب اثني عشر ألف بيت موزعة علي دواوينه الثلاثة: وهي النوافح الغالية و الديوان العام و عقود الفاتحة القــصيدة الديوان وعدد أبياتها أربعة آلاف بيت.
إما الدافع الثاني للاهتمام بهذا الموضوع فيتجلى في قلة الدراسات الإيقاعية في الشعر العربي عامة، وان كان كمها متحققا فإنما هي إما دراسات خاصة بالعروض وحده وإما دراسات لم تلامس جانب النغم إلا في ظاهرة دون استقراء المواقع المتناغمة أو دراسات صوتية غايتها إحصاء وتحديد مخارج الحروف أو تعرض لبعض أنماط البلاغة العربية في سياقها النصي.
وإذا كانت مساءلة المتن تحدد سياق الخطاب، فإنها بالنسبة للباحث اقتضت مسوغا عمليا مطابقا للتصور المفاهيمي الخاص، مما جعله لم يأخذ ببعض التنظيرات النقدية لكونها لا تتطابق مع معطيات المتن الشعري وبموجب هذا التوجه استلزم الحاصل الاجتهاد أحيانا في وضع مصطلحات تساوق المعطي النصي أو بعض الإضافات التقويمية للتبين، وذلك تفاديا للاجترار النمطي الذي لا يفضي الى نتائج علمية، ومن ثم يناقض الغاية المنشودة من هذا الطرح.

إضافات بحثية جديدة

في سياق هذا الكتاب وردت إضافات جديدة في مجال الإيقاع، اقر الباحث بتحصيلها نتيجة استقراء للمفاهيم النظرية من جهة، وللمعطيات النصية التطبيقية من جهة ثانية، وتتجلي هذه الإضافات فيما يلي:

ـ استخلاص تشكيلات وزنية جديدة انطلاقا من الزحافات: وقد أوضح الباحث بان الازوان العربية ليست قوالب جاهزة، وإنما هي أوزان تكتسب حركيتها من خلال محتواها النغمي الشعري وان الزحافات هي التي تقوم بدور فاعليتها وليست جوازات تتخلل بنيات التفاعيل حسب المفهوم القديم.

ــ التشاكل القاقوي: يتبين من خلال الاستقراء العملي ان تناوله كان جديدا لأنه اختص بدراسة القافية في تفاعلها النصي وتحديدا في جانبها الصوتي أفقيا وعموديا مطلقة ومقيدة.
ـ المخمسات الشعرية: تم ترشيحها تطبيقيا وأكد الباحث بأنها مبادرة للتجديد في الشعر العربي.
ـ الموشحات: اثر الباحث ان يتجاوز كل عارض نقدي أو مفاهيمي يعترضه فوجد أمامه قانون ابن سناء الملك قاصرا عن اشتمال جميع الموشحات، لذا ادخل عليه إضافة تعديلية جعلت منه قانون شاملا يضم جميع الموشحات المغربية والاندلسية والمشرقية، وهي إضافة يعتبرها الباحث غير مسبوقة.

ـ الإيقاع الحرفي: لم يكتف بالتنظير له بل درس فاعليته في النسق التركيبي للجمل الشعرية، وذلك بالوقوف عند المواقع المتناغمة وتحديد دور الأصوات اللغوية في تكرارها وفي احتكاكها وتجاوز بعضها ببعض.

ـ المد القصير (الحركات الأعرابية): قام الكاتب بدراسة المدات القصيرة وكذا تأثيرها علي الأصوات اللغوية، مبينا الفرق بين الفتحة والضمة والكسرة في الأفراد والتركيب والتناغم ومدي تأثير هاته المادات علي النسق التركيبي خاصة إذا حصل احتكاك تجاوري لم يراع فيه حسن التموقع.

ـ إيقاع الدهشة الغمية: مصطلح وضعه الباحث لاختصاص ثلاثة أصناف من الجناس:
الجناس المضارع واللاحق والمصحف وذلك بغية مواكبة حدوث الدهشة النغمية في المتن الشعري المدروس، وتحققه يتأتى بحرف واحد في الكلمة إما في بدايتها أو وسطها أو اخرها في سياق مقابلتها لنظيرتها في السياق التأليفي.

ـ الإيقاع الدلالي: مصطلح جديد خصصه لما يسمي في البلاغة العربية بالطباق، وهو استنتاج لا يخلو من جهد حيث تحري الباحث في مرجعيته الإضفاء العلمي فأوضح ان هذا الإيقاع في النقد هو استخلاص لاجتهاده وإما أدراج الطباق ضمن الإيقاع في النقد العربي الحديث فلا ينبني علي أسس علمية.

ـ إيقاع المطالع: اجتهد المؤلف في وضع مصطلح إيقاع المطالع المصمتة والتعريف بأنواعها إما المطالع المصرعة فقد حظيت بدراسات مستفيضة في النقد العربي.

ـ إيقاع الخواتم: خصه الكاتب بمصطلحين اعتبرهما من اجتهاده وهما: الخواتم البينة والخواتم المضمرة، مبينا من خلال ذلك نمط إيقاعها.

ـ الإيقاع البصري: وهو إيقاع يجمع بين التلقي السمعي والبصري، المجسد في التشكيلات الشعرية أو القصائد الكاليوغرافية وقد قام الباحث بوضع تعريف له مرتكزا في ذلك علي ثقافة الإذن والعين، مستندا الى بعض المعطيات الطبية بمعني تطويع ما هو طبي لخدمة ما هو أدبي من خلال اعتماده علي كتاب تشريح الدماغ وقد استطاع الباحث ان يجعل خطابه محافظا علي نمط النقد الأدبي.
ويمكن القول انه من خلال هذا المؤلف تمت مساءلة حركية الإيقاع في أهم جوانبها الاثارية بالاستقراء العلمي دون الادعاء باستيفاء الطرح لجميع الإيقاعات، وليس هذا ناتجا عن قصور معرفي، وإنما هو حسب الباحث، واجب الالتزام بالطرح المتغير والتصور الخاص المنشود، الذي كان مؤازرا بقواطع الأدلة النصية وما يستجلي من سياقها.

القدس العربي
2003/06/18