أحمد الواصل
(السعودية)

ahmad_alwasel@hotmail.com

أي ولع سنهدى منك، أيها الفارس الرخو..؟
سؤال أضمره حيث قرأت ما أدلى به خالد الشيخ في مقابلة أخيرة له عن أعمال شريطه القادم: "رحلة الغجر- لهم حصة في الولع"

ماذا لو سمح لي القارئ أن أوضح أمراً مهماً في شخصيته الفنية كونه ملحناً، مغنياً، مفكرا وذواقة شعر؟.
أقصد أن مرحلتيه الفنية وملامح تلحينه والملاحظات التي تلمس عمله، صوته والآخرين. إنها لعبة كتابة نقدية لها جذر تاريخي كما هي خلفية كل كتابة تريد الانتقاء فيما تختار ويؤثر في الزمن، وتتفاعل معه كما لو كان معادلاً موضوعياً بين الذات وما تتعامل به مع كامل حواسها!.
إذن، كيف نصنف مراحل خالد الشيخ الغناسيقية حيث تشابكها لأنه ملحن، وتفصيلها لأنه يغني أيضاً، لكن خالد أعلن عن نفسه محلناً قبل أن يغني(؟).
نعم، كيف بدأ ملحناً لا مغنيا؟، وكيف بدأ كل مرحلة بلحن لسواه ليجس النبض، لكن لا ينجح إلا بصوته حيث يكرسه ويتلافى نقص مقدرة عند سواه من مغنين مقتدرين بالآلة حيث لا تستوعب الفكر المواكب لهذا اللحن، وليس غناء اللحن ثم يمشي!.
هذه جدلية الشخصية التلحينية عند خالد حين يفصح عن أسلوبه التلحيني، حين تكون، ويشتغل عليها تشكيلاً، تفريغاً، تحسيناً واختباراً مرة بالإيقاع لوزن حركي وأخرى بدونه لموءزَنة فضاء الحس الخاص به...، والمرحلة التي تلي ما بعد كل ما طاف ليطرح اقتراحاً يحتوي اختباره الأسلوبي عبر تعديد شكل تقديم عمله واجتراح أطره وكسرها أو قوالبه وتفكيكها.. ماذا سيعمد إليه بعد المرحلة الثانية لا بد من مقالة تواكب أو تصاحب ذلك حينها إذا استوفت مرحلته الحالية شروطها الفنية والزمانية؟.

المرحلة الأولى:

كشف طريقة فكره التلحيني في تعامله مع النص.
ظهر بعمله الأول الذي قدمه مع صوت أحمد الجميري "شويخ من أرض مكناس-1983" الذي يوضح شخصية لحنية غير مألوفة تتعامل مع نص تراثي، لكن عرفه الناس أكثر حين قدم نفسه بشكل واضح بشريطه الأول "كلما كنت بقربي -1983". إنما خالد الشيخ ذهب ليعيد نفس أسلوبه التلحيني الذي لم يخف مع تعدد تعامله التلحيني واستنفار طرق التلحين لديه "ألا يا مدير الراح - 1985"، ذهب ليتعامل مع الصوت داخل الشريط وعلى المسرح.

قدم أعماله التسعة: من أولها حتى "غزالي -1992" الذي ختم به مرحلته الأولى، من أبرز سماتها:
- اختيار النصوص بميزة مختلفة لمواضيعها من الأزجال الأندلسية والموشحات، النصوص العامية المعاصرة بأشكالها الكتابية، والشعر الفصيح بأشكاله الكتابية.
طريقة التلحين التي اشتغلت على كثير من المقامات العربية والإيقاعات حتى عالميها كذلك القوالب الغنائية المتعددة: الطقطوقة، الأهزوجة بنوعها في الغناء الشعبي الموحد الإيقاع أو متعددة، والمناجاة بلونها الرومانسي وفن الصوت بمأسويته وجراحه، والقصيدة بنسف منجزها القديم وطرح اقتراح جدي يبنى على نصوص شعر التفعيلة التي يبرع بقراءتها وإعادة خلق شكلها تلحيناً.

- طريقة الأداء الفارقة. إنه صوت صغير وضئيل يذهب إلى ضرب طرق الأداء بعقلنة الحس وتكريسه معاصراً وتشويته إلى الزمان الآتي وقلب المألوف الأدائي لمقترح يعيد حساسية الروح أن تخرج من لطمها بفنون قيود وأغلال العرب والحليات الصوتية وورطها ما بين تثبيت شخصيتها كما لدى عبدالمجيد عبدالله، أو اقتراح طريقها عارف الزياني وإبراهيم حبيب..
قبل إقفال المرحلة هذه أشير، على أنه مقال احتفائي، بقضية السرقة اللحنية المطلقة على عواهنها عليه من قبل بعض حاسدي نجاحه منذ غنائه"نعم نعم"، وخروج "طائر الأشجان" بصوت عبدالمجيد عبدالله.. حسده من جلسوا أجمع العمر يغنون، ولم يحدثوا ما أحدث حيث لم يستوعب أن هذا الرجل يعيد تأريخ الأغنية في المنطقة، وحسبه أنه أخذ النصوص من كتب لا من قواليها الأولين، ولنا في اختبار مجال تعدد الألحان لنص واحد كنوع منافسة ضمنية توحي كل بحمولاتها الثقافية و طموحها التلحيني عندما لحن نصين بالتراسل مع فرقة أجراس: "تقصيت الخب، غناوي الشوق أو مع خالد الهبر في نص سميح القاسم" زنابق لمزهرية فيروز"

المرحلة الثانية:

تكريس نفس التلحين وبلورة شكل تقديمه..
تتكرر العملية يعلن خالد عن نفسه مدشناً بدء هذه المرحلة بعمل "دقايق -1995" بصوت عبدالله رشاد الذي ختم به عهده القديم بشريط كامل "هوى العيون-1993".
يحضر خالد بفكر تلحيني يتصاعد التهابه حتى ينفض تاريخ التراث المؤثث لروحه. "ملفى الأجاويد" التراث بكامل نزاعه في الروح والذاكرة ينفضه..
"وجوه 1997-" ضربة معلم كبيرة كأنما حيث التعويض والاختبار بعد أن امتحن نفسه في قوالب الغناء الخليجي المحلي في "ملفى الأجاويد" ليمتحن ويقترح أشكالاً لحنية مابين أن يستعير ويمزح ويحصل ويفعل بتكريس.. في "وجوه" تستدير لتخلع أقنعتها الهوائية وتستعير حيادها من الكلمات المائية.
"وجوه" كانت الفعل لإنتاج نص يحوي الصوت وجسده، الحس وأعضاءه..
لا يكفي التجول دون استئلاف ملامح هذه المرحلة وسماتها:
- السعي لنص يؤكد بياضه فصيحاً؛ ان كان بلغة اللسان العامية أو لغة الكتابة الفصحى.
- طريقة التلحين التي تتبلور و تشفي الأداء من أسقامه ومحاولاته السابقة.
حيث استنفر التراث واستظهره بصوته وأصوات الآخرين من جوف قرار الأرض حسام أحمد، ونساء البحر الناحبات مريم زيمان وسعاد الحايكي من شق صار نافذة إلى أغنية المقدمة التلفزيونية التي أرسى بها مجالاً للتعبير بفسحة الأمل ودرب الحلم.
يأتي الصوت الكبير بظلاله الباذخ فنياً ليشغل فساحة كبرى ومثلى في معطى خالد اللحني القادم، صوت البشر الجميل / الوله الخليجي هدى عبدالله..
حيث إن الصوت يطل ليكرس ويعطي من نفسه، ذهب خالد لبلورة شخصية صوت قبل أن يشيخ عبدالله الرويشد، لكن أما من مدرك حيث يهرب أو يصر على ما لا يناسبه؟.
بعدها يعاود امتطاء ركبه ليشق عباب سوق الكاسيت ويرجم عمله من براثن الممكن في حلمه واستظهاره: "مستحيل- 1998"، ويشيع الأمل باحثاً عن مكان صغير للحب مواجهاً يأس الدنيا بأمل المستقبل: "مكان آمن للحب -2000، وسيتلو: "رحلة الغجر - لهم حصة في الولع - 2003".

حصاد خالد الشيخ عبر مرحلتيه:

- تكريس حساسية الأداء الصوتي بشقيها في الشخصية الغنائية الخليجية التي تمظهرت مع أحمد الهرمي كملتصق قريب إلى خالد أو عبره إلى نوال وفضل شاكر: "أحاول"، أو إلى جهة عربية أكثر حين فاحت لدى يوري مرقدي في غناء الفصحى بالذات: "ماذا أقول لأذني؟".. كما كان في سابقه في تنقية الغناء الخليجي من شوائبه الغنائية الوافدة عبر عبدالمجيد عبدالله.

- اختيار القوالب الغنائية، وتورط بها صوت علي عبدالستار، لكن لم يدم طويلاً إذ سعى خالد بصوته كثيراً ذلك منها ببساطة احتراف تقديم الأغنية الرئيسة في الشريط ولكن تطويرها بما يجعلها مثقفة و حاضرة في قلب التطور الى ما حواليها من لحنها وشكل التوزيع فيها، ومنح القصيدة الشعرية سمات العمل الكبير وتعبيرها عبر موضوعه.

- بطولة اختيار لباس أغنية أو توزيعها الموسيقي الذي جنح إلى حبس أو تحديد عمل آلة العود التي كانت تتلاعب وتعبث بكل ما عمل لولا شعور داخلي يتقافز حتى وثب وظهر الآن ليعطي لكتيبة الآلات الموسيقية حدودها وآفاتها لتدور بما تستطيع وتخبر عن نفسها باللحن والموسيقى.

الآن، جديدة سيأتي، وإكمالاً لاحتفاء متكامل سوف أعرض مقولات شرحية استباقية لخالد عن أعماله القادمة في مجموعته "له حصة في الولع -2002"..

أخذ الاسم من كتاب نثري احتوى مقالات عن الشعر والشعراء لقاسم حداد (1).
يجمع خالد شعراء عتيدي العمل معه مثل: علي الشرقاي، محمود درويش واختار منهم جديداً، مثل: قاسم حداد، محمد السويدي، هتان ومحمد الزهراني.

"أخذت كل قصيدة أجواء موسيقية خاصة بها.. "هذا ما يقوله مجملاً عن الأعمال.
يتحدث عن أغنية "عذاري" إذ يقول: "تتجه إلى استعارة مجموعة من الخامات الصوتية الخليجية...، حيث يشير الاسم في ظاهره إلى عين الماء البحرينية القديمة التي جفت، وعذاري تعني الكثير إلى أهل البحرين وأهل الخليج.. إذ تناولتها موسيقيا بتوجه إلى التطعيم مع بعض الأجواء المحلية من حيث الإيقاع وطريقة أداء الجملة".

يعود الآن، للعمل وعلي الشرقاوي الذي شكل ثنائياً معه لكثير من الأغنيات التي دخلت بالفعل حيز الورشة الفنية الحيوية، وأنتجت:"الوردة ولهانة عليك، سافر، يا محمدي، ديسكو، كمنجة وضيعوك" يحضر معه عبر نص "المحبة طيور" التي ضمنها بعض الإيقاعات المستخدمة: "فكانت نوعاً من التوالف الجميل" ندرك أن مسيرة خالد لم تخل من العمل على نصوص محمود درويش من البدايات ب"عندما كنت صغيراً - 1984، أبيات غزل 19850، أغنية حب على الصليب- 1987"، ويعود للعمل معه بنص "لحن غجري".

إذ يخبر عنها: "فيها كثير من الشفافية والإنسانية العظيمة...، وأنا تناولتها تناولاً يخلط مابين اللون الأسود في مقاطع الكورال، وهو اللون الذي يشير إلى حجم مصيبة اللاجئين، واللون الرمادي في أدائي لتخفيف حجم المأساة وإعطاء أبعاد مختلفة ما بين دوري ودور الكورال في القصيدة.."

هذا ما كان لنص محمود درويش، ماذا قال عن نص "باب النجاة/لقاسم حداد؟:" فيها الكثير من العمق والغموض والتناول الموسيقي أكد على هذا الغموض والعمق..".
بعد أن قدم "قبل لا تروح "لهتان"، يعاود الكرة بنص حمل جانباً درامياً بعائلة لها ثلاثة أطفال:

"خيمتنا وفرحتنا وثلاثة أطفال
وكلك شوق يسهرني ليال طوال
صدى ماضي..
ألم حاضر..
صور فرحة..
نعلقها على الجدران.."

جديد خالد تقديمه لصوت شعري جديد - محمد الزهراني، كما أسلفت - كإضافة للغناء الخليجي!.
أمام هذه الكمية من النصوص، سبق أن كتبت عن مأزق تنويع الأشكال عبر القوالب الغنائية وما أعاد بالسلب على إيصال أو تقديم تجربته إلى المستمعين، مشكلة لذاكرة مجتمع عصره ومكانه، فأرمي الآن، تساؤلي:
- أ هو تحول إلى تكريس الفصحى حيث عمد إلى تقديم عملين لا واحد في المجموعة؟، وبناء عليه، هل يعطي الناس فرصة لكي يذكروا ماذا قدم من أعمال في إطار قالب تلحين نص الشعر الفصيح؟
الأمور الكثيرة رهن الخيال واستباق الدهشة.. إنما خالد يعاود طلاته مشحونة بالعمل والمكتشفات، وموكولة لنوايا الغيم الواعدة، فلنا حصة من الولع في رحلة الغجر القادمة..القادمة.. القادمة.

* التي ظهرت في مجموع هدى عبدالله، لحنها: محمد. باقر: "تقصيت الخبر-
1995/النظائر" أما خالد "الوردة ولهانة" حيث مزج نصي علي الشرقاوي وفتحية عجلان، مجموعة: "يا عبيد - 1984/النظائر".

** نص لعبد الله علي خليفة من مجموعة هدى عبدالله، لحنها: خليفة زيمان: "غناوي الشوق- 1990/النظائر" بينما لدى خالد "عطش النخيل-1990/روتانا".

*** لحنها خالد الهبر وغنتها معه: فدى أديب بمجموعة: "من زمان كتير - 1996/صوت بيروت" بينما غناها خالد الشيخ ورجاء بالمليح بمجموعة "العب.. العب!- 1989/روتانا".