عواد علي
(العراق/كندا)

قبل نحو سبع سنوات كان لقائي الأول بمسرح الصواري البحريني، في الدورة الثالثة لأيام عمّان المسرحية، حين جاء شباب الفرقة لعرض مسرحية (الظلمة). وقد شدتني الى هذا المسرح الطليعي عوامل عديدة منها: نهجه التجريبي المختبري، وطموحاته الكبيرة، وحرصه على المشاركة في اللقاءات المسرحية العربية، ونشاطاته التي لا تقتصر على إنتاج العروض المسرحية، بل تشمل فعاليات مختلفة في سياق الظاهرة المسرحية. وكان لقائي الثاني بالصواري في نفس السنة خلال الدورة الثامنة لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وقد كان وفده من أكبر الوفود المشاركة في المهرجان، فتعرفت على أغلب أعضائه، وفي مقدمتهم المخرج عبد الله السعداوي المهووس بالتجديد والتجريب، والمندفع دائماً الى تقديم قراءات مدهشة للنصوص المسرحية التي يختارها، والكاتب والمخرج يوسف الحمدان المهووس بخطاب الجسد، والرؤى والنظريات الحديثة في المسرح، إبراهيم خلفان، خليفة زيمان، حمزة محمد، خالد الرويعي، محمد سعيد، ياسر ناصر، ومصطفى رشيد. ومن محاسن الصدف أن مخرج عرض الصواري في تلك الدورة هو السعداوي نفسه، فأتيحت لي فرصة مشاهدة تجربته الإخراجية (القربان) التي أعدها عن (مأساة الحلاج) لصلاح عبد الصبور، في مبنى تراثي يدعى (قصر الغوري)، وكان قد عرضها قبل ذلك في قلعة عراد بالمحرق- البحرين، وهي تجربة بصرية طقسية مثيرة فيها من القسوة والجنون بما يوازي شطحات الحلاج توكيداً لغياب المعنى الحقيقي للإنسان!

تأسس مسرح الصواري عام 1991، وجاء في نظامه الأساسي أنه يعمل على تحقيق:
تطوير الحركة المسرحية في البحرين بحيث تواكب التجارب المتقدمة في المسرح، وتقديم التجارب الشبابية الجديدة وتشجيعها على تقبل الأفكار المسرحية المتقدمة، والاهتمام بخلق ذائقة مسرحية جديدة تبتعد عن المطالب الاستهلاكية السطحية، وتهدف إلى إشباع الجوانب الثقافية والروحية لدى الجمهور. وقد أنتج المسرح حتى الآن أكثر من عشرين عرضاً منها:( رجل وامرأة)، تأليف احمد جمعة، إخراج " إبراهيم خلفان، وهو أول عرض قدمه المسرح تناول فيه تأثيرات حرب الخليج على أسرة مكونة من زوج وزوجته، وهيمنة التأثيرات الخارجية على سلوكهما،(كاريكاتير) تأليف وإخراج يوسف الحمدان، وهو مستوحى من رسوم فنان الكاريكاتير البحريني خالد الهاشمي المطبوعة في كتابه (المزاح في حدود المتاح )، ويتناول الأوضاع السياسية العربية بشكل كاريكاتيري مستعيناً بتقنية المسرح الأسود، وقد شارك العرض في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي الرابع عام 92، (اسكوريال) أو (أجراس) تأليف ميشيل دي جيلدرود، إخراج عبد الله السعداوي ، وقدم العرض لمناسبة اليوم العالمي للمسرح في بيت قديم كقصر (اسكوريال) بأسبانيا حيث تدور الأحداث حول تبادل أدوار السلطة بين الملك والمهرج والراهب. وقد أفاد المخرج في صياغة العرض من تقنيات المسرح الشرقي، خاصةً في بناء الحركة، وشارك في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي الخامس عام 93، (اختطاف) تأليف أمين صالح، إخراج مصطفى رشيد، وهو يصور، على نحو كوميدي، حال نفر من الناس على متن طائرة مخطوفة، والاختلافات في طبائعهم السلوكية ومواقفهم الفكرية، (الكمامة) تأليف الفونسو ساستري، إخراج عبد الله السعداوي وقد قدم العرض في مقر المسرح، وهو عبارة عن بيت عادي، فأصبح فضاء العرض متطابقاً مع فضاء البيت، ويدور الحدث فيه حول طاغية حرب يدعى(ايزياس كرابو ) يعامل أسرته مثلما يعامل الآخرين في الحرب، وشارك العرض في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي السادس عام94، و فاز مخرجه بجائزة الإخراج، (الحساء الأخير) تأليف يوجين يونسكو، إعداد وإخراج يوسف الحمدان ، ويتناول العلاقات الإنسانية المتداعية بين زوجين، (الظلمة) تأليف ج .ل هالواي، إخراج محمد رضوان، قدم عام 95 في اليوم العالمي للمسرح ، ثم شارك في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي السابع في نفس العام، وهو يقوم على شخصيتين شاء حظهما أن يكونا في وردية واحدة بفنار وسط البحر، فكيف يستطيعان العيش وقد انقطع اتصالهما بالمركز الرئيسي؟ (مسافر ليل) تأليف صلاح عبدالصبور، إخراج إبراهيم خلفان، يجري الحدث الدرامي داخل عربة قطار ، وثمة قاطع تذاكر يؤدي عمله اليومي، فيواجه فوضى أحد المسافرين، أما القطار فإنه يرمز الى سيرورة الحياة ، (هوامش) تأليف وإخراج يوسف الحمدان، يجسد ظاهرة الخوف في أقصى حالاته، معتمداً الصمت والصوت والتعبير الجسدي، (الليلة العلمية) تأليف وليد إخلاصي، و إخراج إبراهيم خلفان، قدم لمناسبة اليوم العالمي للمسرح عام97 في صالة البحرين التابعة لجمعية الفن المعاصر، ثم أعيد عرضه في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي العاشر عام 98، و جرى ترشيحه لجائزتي أفضل ممثل وأفضل سينوغرافيا، (ظلالوه) تأليف وإخراج يوسف الحمدان، مأخوذ عن أسطورة شعبية تروي حكاية أكل الحوتة للقمر وهو في أثناء الخسوف، وقد استبدل المخرج، في مسرحته للأسطورة، علامة القمر بعلامة الحب مفترضاً أن الحب هو الذي يُقتل ويؤكل أمام الناس من دون أن يحركوا ساكنا، (الصحيفة) تأليف يوسف الحمدان، وإخراج محمد الصفار، قدمت لمناسبة الاحتفال بالشاعر طرفة بن العبد عام 98، (المساء) تأليف صموئيل بكيت، وإخراج: عبد الله السعداوي، و(ليل الكائن) تأليف وإخراج خالد الرويعي، وهما من أحدث تجارب مسرح الصواري.

وانطلاقا من ضرورة تشجيع المواهب الشابة في مسرح الصواري والمسرح البحريني بشكل عام ورفد الحركة المسرحية بجيل مسرحي جديد يثري المسرح بمعطياته المسرحية الجادة، فقد نظم المسرح ابتداءً من عام 1993مهرجاناً سنوياً للشباب الهواة، وقد بلغت دوراته حتى عام 2001 ثماني دورات شارك فيها أكثر من أربعين عرضاً منها:
(تلك الصغيرة التي تشبهك) إعداد وإخراج خالد الرويعي، (رجل وامرأة) تأليف وإخراج جمعان الرويعي، (الصراع) تأليف وإخراج علي رحمة (الستار) تأليف يوسف الحمدان، إخراج حسين الحليبي. (الطوفان) تأليف مصطفى محمود، إخراج محمد الحجيري،(الرهينة) تأليف يوسف الحمدان، إخراج إبراهيم المنسي،(نعيش لنأكل) تأليف نادر عبدا لعال، إخراج ممدوح عتيق،(حذاء سيندريلا) تأليف وإخراج فهد ربيعه، (رأيت) تأليف وإخراج سلمان العريبي، (صديقان ولكن..) تأليف وإخراج محمود الصفار، (الرجل الذي صار كلباً) تأليف اوزفالد دراجون، إخراج جماعي، وإشراف حسين الحليبي،(القرع) تأليف بيير فيراري، إخراج إسحاق البلوشي، (عندما الأصدقاء) إعداد محمد حداد، إخراج علي عيسى، (النقال) تأليف عبد الله السعداوي، إخراج ياسر القرمزي،(داء النسيان) تأليف ماكس رينيه، إخراج جاسم عبد علي،(أبو زهرة بفمه) تأليف لويجي برانديللو، إخراج إبراهيم المنسي، (الحارس) تأليف محيي الدين زنكنه ، إخراج حسين الحليبي، (الطابعان على الآلة) تأليف ميري شيزجال إعداد عبد الله السعداوي، إخراج ياسر القرمزي، (البرزخ) كولاج خالد الرويعي، إخراج إسحاق البلوشي، (نقاش) تأليف وإخراج نادر عبد العال، (حلم ليلة ممطرة) تأليف جمال الصقر، إخراج حسين الحليبي،(نادي الخجل) تأليف ماكس رينيه ، إخراج عيسى خلف، (الطائرة الورقية) تأليف محمود الصفار، إخراج إسحاق عبد الله، (العميان) تأليف موريس ميترلينك ، إخراج حسين الحليبي، و(ثلاث بنات حريم) تأليف فريق العمل ، إخراج خالد الرويعي. و أقام مسرح الصواري في كل دورة من دورات هذا المهرجان ندوة لتقويم العروض المشاركة ومناقشة التجربة المسرحية الشابة في البحرين أسهم فيها عدد من النقاد والمسرحيين والكتاب البحرينيين، إضافة الى تكريم الرواد في الحركة المسرحية. وقد أتيحت لي فرصة مشاهدة أحد هذه العروض وهو (أبو زهرة بفمه) في مهرجان المسرح الأردني السادس عام 1998، وكتبت عنه في حينه مقالة نقدية حللت فيها عناصره الفنية والدلالية، فتوصلت الى أن نص العرض ينفرد ببنية درامية تضعه في قلب دراما العبث أو اللا معقول حتى يخال لي أن المتلقي الذي يجهل مؤلفه بيرانديلّو يتوهم بأنه أحد نصوص بيكيت، أو يونسكو، أو إدوارد ألبي، أو آربال، وبخاصة نصوصهم التي تدور حول شخصيتين مشردتين أو هامشيتين التقيتا صدفةً في مكان ما. ومن ملامح العبث في النص طبيعة الحوار المفكك بين أبي زهرة (مثل دوره عبد الله الخاتم) وعابر السبيل (مثل دوره باسل آل عباس)، وغموض شخصيتيهما، وغرابة الموقف الذي وجدتا نفسيهما في أتونه، وافتقار الصراع بينهما الى دوافع واضحة، وغياب العقلانية عن أفعالهما، والإحساس باللا جدوى الذي يفضي بأحدهما الى الضياع والاغتراب، وغلبة الوهم على تصوراتها ورؤيتها للأشياء، فضلاً عن صعوبة الإمساك بحبكة مقننة وإطار حكائي للنص. ووجدت أن العرض يمكن أن يقرأ بوصفه حاملاً لإشكالية العلاقة الزوجية من منظور وجودي، وإدانةً غير صريحة للرجل الذي غالباً ما يعلّق إحباطاته وأزماته على شريكة حياته لكي يسوغ لنفسه اضطهادها وقمعها، بالرغم من كل ما تقدمه له من حب وتضحية. ولعل هذا المحمول الدلالي هو الذي يعطي النص قيمته الإنسانية، ويرتفع به من مستواه المحلي الى أفقه العالمي، ويقدم الإجابة عن جدوى اختيارا لمخرج له، ومقاربته في إطار التجربة المسرحية للمسرح البحريني. وقد حاول المخرج إبراهيم المنسي أن يكون أميناً للسياق المسرحي الذي ينهجه مسرح الصواري، فقدم قراءة واعية لنص ساكن يعتمد على الجدال والبوح والكشف التدريجي عن أعماق الشخصية، فملأه بمجموعة من الحركات الإيحائية، والتكوينات البصرية، والإيماءات المشحونة بدلالات معبرة عن أزمة الشخصية الرئيسة في المسرحية. وقد جرد الفضاء الذي اقترحه المؤلف من واقعيته، أو مستواه الأيقوني القائم على تجسيد تفاصيل بيئية كثيرة، مكتفياً باستخدام كرسيين ومنضدة صغيرة وستارة بيضاء وظفها كخيال ظل للإيحاء بسكة قطار من خلال توجيه حزمة ضوئية من الخلف على سلّم خشبي. ودعمت الإضاءة هذا الاقتصاد السيميائي للفضاء في تشكيل سينوغرافيا العرض، الذي يقوم أساساً على البحث عن المسكوت عنه في نص بيرلنديلّو.

ورغبةً من مسرح الصواري في تطوير اللغة البصرية للشباب الهواة، نظم مهرجانين لأفلام الفيديو القصيرة، الأول عام 1994، والثاني بالتعاون مع نادي البحرين للسينما عام1996. وقد قدم الشباب خلالهما مجموعة من الأفلام، ومنحت لجنة التحكيم جوائز لأفضل إخراج و سيناريو وتصوير وتمثيل و إضاءة و مونتاج. والى جانب الدراسات والمقالات التي دأب على نشرها بعض أعضاء المسرح في الدوريات الثقافية والصحف اليومية المحلية والعربية، فقد أصدر العديد من النشرات الخاصة في مهرجان الهواة، و كتاب (ليس هناك أسرار) للمخرج الإنجليزي بيتر بروك، وترجمة غريب عوض.

إيلاف- الثلاثاء 07 يناير 2003


أقرأ أيضاً: