نفضُ الغبار عن الإبداع
الإماراتي

ظبية خميس
(الإمارات)

ظبية خميس".. في الثمانينيات أسماء أعطت وبدأت مع مرور الوقت تدخل ولأسباب عديدة، بدأت تدخل في دوامة الصمت، بالرغم من كونها لم تستطع إكمال مشروعها الإبداعي، فحتى يومنا هذا لا تزال أعمالهم التي نعرفها جميعا مفاتيح لمشاريع كبيرة بدأ يطالها الغبار" .

من "المبدعون الجدد"
البيان الثقافي عدد (73).

"حيث بدأت في أواخر الثمانينيات حالة ركود ثقافي تجلى في ابتعاد تلك الكتابات عن الملاحق والصفحات الثقافية في الصحف والمجلات...

هنالك شبان جدد تاهوا في دهاليز الجفاء، فقد كانت هناك حلقة مفقودة بينهم وبين الجيل الذي سبقهم...

ترى بماذا يفكر اتحاد الكتاب والأدباء حيال هؤلاء!!".

من "أفق آخر"
البيان الثقافي عدد (73).

الكتابة، الأدب، الإبداع كينونة لا تتجزأ. تتعدى واقع تحبير الصفحات البيضاء إلى تحبير الحياة الفعلية للكائن المبدع في تفاصيل حياته، أيامه، وسنينه بكاملها وعليه فإن هذا الكائن الذي لا يتجزأ إما أن ينمو بكامله شجرة حتى في صحراء قاحلة تكون وارفة وظلا للسائلين، أو تتشظى في حريق من نوع آخر يحمّل نوعان من الوجود النزيف الدائم والكتابة أو البتر والموت.. الروحي وربما الجسدي.

وفي واقع جديد على أرض الإمارات كيف يمكن النظر إلى الأدب والإبداع بكائناته في اللحظة الراهنة وخصوصا في ظل تطورات في الشعارات الثقافية، والمؤسسات، والمهرجانات والحضور الإعلامي. وهل يمكن ابتسار لحظة ـ الحاضر عن الماضي ـ القريب دون فقد الحلقة الوسيطة التي تفسر وضع الأديب أو الأديبة المعاصر في دولة ومجتمع الإمارات العربية المتحدة.

لا أظن ذلك، وعليه فإن الأسئلة، والتحليلات، بل وبعض الإدانات حول وضع الأدباء والكتاب الجدد في الإمارات من خلال عدد البيان الثقافي رقم (73) ـ هي أسئلة ربما كانت مؤجلة غير أن استفحال الوضع العام وضبابيته فيما يتعلق بالإبداع الأدبي في الإمارات قد جلب ذلك السؤال التائه ـ زمنيا إلى اللحظة الراهنة. غير ان الإجابة، والتحليل لا يكتملان دون الرجوع ولو بصورة غير تفصيلية إلى طرح أسئلة تم السكوت عنها طويلا، ومناقشة أوضاع ربما مازال البعض ينظر إليها على أنها محرجة، أو تمثل "تابو" وجزءا من محرمات مناقشة السلطة الثقافية والإعلامية في المكان.

ـ وبما أنني أحد الشهود ـ المشاركين في هذه الحركة سواء في الإصدارات الأدبية، الكتابة الصحفية، تأسيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات فإن مداخلتي الصحفية هذه قد تطرح ضوءا ما على تلك الفترة التأسيسية، ربما الفاصلة فيما بعد ما بين واقع الألفية الجديدة، وذلك الذي حدث منذ ربع قرن من الزمان قد مضى.. والذي عادة ما تتم العودة إليه على انه مرحلة بداية الثمانينيات واشراقة وحيوية الحرقة الإبداعية على أرض الإمارات.

ـ لقد كان هناك جيل فتي، مفعم بالحلم، الانتماء، حرقة الإبداع، وهم الوطن. هذا الجيل لم يقصر نفسه على محراب الإبداع، بل كان مشاركا وبفاعلية في تأسيس أطر للتحرك الإبداعي والإعلامي والثقافي بل والوطني في المجتمع. ومع ذلك الجيل تأسست معظم الجمعيات الأهلية في الإمارات والتي كان بعضها منبرا للثقافة مثل جمعية الاجتماعيين، واتحاد الكتاب والأدباء وكذلك النوادي الثقافية المختلفة آنذاك مثل النادي الثقافي والنادي الأهلي وغيرها من مؤسسات، ومنابر.

كما كان هناك كم مميز من الإبداع الأدبي تم نشره على حساب المبدعين المادي أو مع بعض دور النشر الخارجية في بيروت مثل: مجموعات شعرية لحبيب الصابغ، ظبية خميس، ميسون صقر، عارف الخاجة، أحمد راشد ثاني وغيرهم ومجموعات قصصية لسلمى مطر سيف، مريم جمعة، عبدالحميد أحمد، علي أبو الريش، محمد الحربي، وغيرهم.

هل كانت تلك مرحلة سهلة؟! كلا بالتأكيد فلم تكن الأحضان مفتوحة، ولم تكن وسائل النشر الإبداعي أو الرعاية للمواهب أو المساندة المادية والمعنوية متاحة. غير ان ذلك الجيل كان يتميز باحتضانه لبعضه البعض ومساندته المشتركة لمواهبه. كما ان وجود روح من الحرية والتمرد قد ساعدت على طرح التجربة بالإضافة إلى وجود بعض الأصوات الثقافية المتميزة في المنابر الإعلامية مثل محمد الماغوط في ملحق الخليج الثقافي، وحبيب الصابغ في صحيفة الفجر، بالإضافة إلى مجلة الأزمنة العربية ووجود بعض العناصر العربية المثقفة في كل من جريدة الوحدة وبعض المراكز الثقافية مثل جامعة الإمارات، والنادي الثقافي العربي، وغيرها.

إن طبيعة التحولات والمتغيرات في مجتمع الإمارات المعاصر هي طبيعة شديدة الحيوية إلى درجة قد تكون صادمة نتيجة لمؤثرات عوامل ما بعد المرحلة النفطية على المكان. وعليه فإنه في ظل ذلك كانت تلك التجارب تبدو مستفزة وربما مخيفة لجهات مختلفة في الدولة والمجتمع.

وإذا كانت الكثير من الأفكار والأطروحات والقضايا التي كنا نطرحها، قد أصبحت اليوم بديهية بل وتمثل شعارات وبرامج رسمية، أحيانا، إلا أنها آنذاك كانت تبدو غريبة لدرجة أثارت حس الريبة، والرغبة في القتل المعنوي، والحصار، والمصادرة، والمنع.. إذن، باختصار تم تقنين تلك التجربة بكافة الأشكال الممكنة تخوفا منها، أو ربما وهذا هو الأرجح من وجهة نظري عدم تفهم وإدراك تاريخي لفحواها وأهميتها.

ـ رافق ذلك الكبت لحرية الإبداع الأدبي ظواهر جديدة من تعزيز حضور نوع معين من الكتابة الأدبية، وتأطير أسماء تقليدية محددة، كما انه مع نشوء مؤسسات ثقافية ضخمة صار التوجه نحو التواصل الإعلامي مع أدباء وكتاب من العالم العربي ـ والعالم سواء عبر الترجمة، أو الإصدارات الأدبية وصولا إلى الجوائز المالية الضخمة التي كانت تذهب إلى أسماء عربية، البعض منها كان يعتبر متطرفا بمقاييس وطنه أو بلده غير انه كان مرحبا به ومكرما في الإمارات. ولا أعرف حتى اليوم إذا ما كانت جوائز العويس الأدبية قد ذهبت إلى أحد أدباء أو شعراء الإمارات من جيلي غير أنها بالتأكيد قد ذهبت إلى أسماء عربية من نفس الجيل، والبعض منهم لا تزيد موهبته وتراكم إبداعه عن شعراء وشاعرات من الدولة.

أضف إلى ذلك الحرمان من المنابر الإعلامية والصحفية، أحيانا، التي لا تتيح للآخر الرد وبالتالي نصب شرك وحصار إعلامي، ثقافي، واجتماعي أحيانا يتم تعزيزه بقرارات المصادرة والمنع المربكة والتي لا تطرح تأويلا أدبيا لحيثياتها بقدر ما كانت تطرح أحكاما بعضها شائن اجتماعيا، ودينيا، وسياسيا.

ـ يحدوني الأمل أن تكون تلك الصورة التي أطرحها رغم ظلاميتها، قد تصحح المفهوم بأن الجيل السابق قد كان يمشي على طريق من الورود مغاير لإشكاليات الجيل الحالي من المبدعين. ولربما تحمل تلك الصورة تفسيرا لما قد حدث لنا فيما بعد: البعض قرر الصمت إبداعيا وانتهاز اللحظة مهنيا وماديا فكان أن لمع بريقه في مجال ما آخر وانطفأ تماما بل وصل إلى حالة الموت الروحي، إبداعيا.

البعض قرر الحل الوسط، والكتابة التي تختار المهادنة أو طريق السلامة، فكان ان راكم أعمالا ذات طبيعة وسطية باهتة. البعض اختار الصمت لزمن طويل، وها هو يعود بشكل ما إلى ذاته الإبداعية بعد أن طرحت المتغيرات الجديدة مساحة ما من الظروف الممكنة للحياة والإبداع معا في الدولة.

ومن الملاحظ تلك الإصدارات الإبداعية والتي معظمها هو من خارج الدولة لعدد من المبدعين في الإمارات حيث أصدر حبيب الصابغ ثلاث مجموعات شعرية مع نهاية التسعينيات في الإمارات، وكذلك نجوم الغانم مجموعتين من بيروت، وميسون صقر عدد من المجموعات الشعرية من القاهرة وبيروت، ورواية لسلمى مطر سيف من القاهرة، وعودة الشاعر خالد بدر عبيد للكتابة والنشر على الأقل من خلال الصحافة الأدبية... وغيرهم من الأسماء.

ـ ولتسمحوا لي بطرح إضاءة خاصة بتجربتي الإبداعية، تصحيحا لما ورد في البيان الثقافي عدد (73) ذلك ان ظروفي تبدو غريبة وغرائبية بعض الشيء بالنسبة لتجربة المكان. مع إضاءة أخرى تتعلق بوضعي إذ أنني خرجت للدراسة في الخارج عام 1975 وعدت إلى الوطن عام 1980، وقد واجهت الكثير مما لا مجال لطرحه هنا على الأقل.

علي أبو الريشلقد نشرت خلال تراكم تلك الأعوام 15 مجموعة شعرية، ثلاث مجموعات قصصية، ثلاثة مؤلفات فكرية أدبية، وستة أعمال أدبية مترجمة أي حوالي 26 كتابا. ومازلت أفعل ذلك.

علما بأنه لم يتم نشر عمل أدبي واحد لي في الدولة باستثناء كتاب مترجم تم نشره دون أي مقابل مادي من اتحاد كتاب وأدباء الإمارات عام 1992.

ـ قد يكون وضعي استثنائيا لبقية الساحة المحلية، فأنا بالرغم من كل شيء مازلت أحاول أن أحقق نفسي إبداعيا ضمن ظروفي الشخصية والعامة غير أنني، بالتأكيد، كنت سأكون أكثر سعادة كإنسانة، مواطنة، وأديبة لو أنني وجدت الرعاية، والاحتضان المعنوي والمادي من خلال مؤسساتي الوطنية ومجتمعي الأصلي. وعليه فإنني لا أتمنى للجيل الجديد من المبدعين أن يخوضوا التجربة نفسها بكامل وعورتها، رغم يقيني بأن شعلة الإبداع مقدسة وقادرة على الاستمرار رغم كل الظروف.

ـ أخيرا أود أن أطرح بعض الرؤى والتصورات الممكنة في ظل ظروفنا الحالية، لعلها توفر بتطور مشروعها الحالي لدعم الثقافة والفكر والإبداع في الإمارات مناخات أفضل حالا لتفتح براعم واعدة، وقدرات إبداعية قائمة لا أشك في اصالتها وعنفوانها الإبداعي الذي يوازي غيره من أجيال في العالم العربي، والعالم أجمع لكي تستطيع أن تطرح الإضافة الحضارية والإبداعية على تاريخ المكان الذي سوف يكون أحد مقاييسه في المراجعة التاريخية المستقبلية هو إنجازه الفكري والإبداعي والكلمات تعيش أطول بكثير من العمارات والمراكز التجارية، والضجة الإعلامية حسبما يطرح التاريخ.

أحمد راشد ـ تفعيل دور اتحاد كتاب وأدباء الإمارات عبر نشر، وإعادة نشر الإبداع الإماراتي، وتقليص الحالة الوسطية الرديئة التي تكسوه عبر إصداراته، وملتقياته وخصوصا ان الكثرة ليست بالضرورة علامة للجودة. كما انه يتوجب عليه إشراك أدباء الإمارات ومبدعيها عموما في أنشطته الداخلية والخارجية وألا تكون تلك الأنشطة مقصورة على أسماء بعينها قد كف بعضها عن الإبداع أصلا، فيما البعض الآخر هو حالة برستيج أدبي أكثر منه إبداعي أصيل، باستثناء قلة منهم.

ـ دور المؤسسات الرسمية وعلى رأسها وزارة الإعلام بقيادتها الجديدة، الشابة، والمتطورة في أطروحتها، في مساندة ورعاية الحركة الإبداعية عموما في الإمارات سواء عبر النشر والتوزيع، أو عبر المنح والجوائز الأدبية، أو عبر خلق منح تفرغ أدبية للمبدعين والمؤلفين أسوة بعدد من الدول العربية الأخرى التي تمنح منح تفرغ لعدد من السنين للمبدعين لإنجاز مشاريعهم الكتابية.

وينطبق ذلك على إدارة الثقافة والإعلام في الشارقة والتي أقدر لها رعايتها للعمل الثقافي في الدولة على أكثر من صعيد، وكذلك إدارة الثقافة والإعلام في دبي وغيرها من بقية الإمارات.

ـ دور المؤسسات الثقافية كالمجمع الثقافي، ومؤسسة سلطان العويس في دعم المثقف والمبدع الإماراتي ومنحه الأولوية سواء في النشر أو المنح المالية الخاصة بالإبداع والمنجز التراكمي للأديب.

ـ فتح المؤسسات التعليمية والعلمية أبوابها للثقافة المحلية وتدريس الأدب الإماراتي الحديث فيها، وعمل الندوات والمحاضرات والملتقيات التي يستطيع أدباء الإمارات الالتقاء فيها والمحاورة مع الأجيال الجديدة من الشبان والشابات.

ـ التخلص من الإرث المغلق للانفتاح على كافة العالم، والانغلاق على البيت الداخلي في الصحافة والإعلام الإماراتي بحجة ان الثقافة والإبداع الإماراتي لم ينضجا بعد.

ـ منح الحرية للإبداع والكتابة في الإمارات ذلك ان الحرية هي خير مهذب، ومشذب لأية شوائب في الكتابة الإبداعية، وذلك ان هذا الانفتاح الضخم إعلاميا، اجتماعيا، واقتصاديا هو حاصل بالفعل على أرض الدولة ومنابرها ومؤسساتها فلماذا ذلك التحجيم والخوف والرهبة من الجانب الأدبي والإبداعي، وتقليصه أو تهميشه وتحجيمه. إن الدول تفخر بعدد مبدعيها وتميزهم وتساندهم لأنهم خير سفير لمدى إنجازها الحضاري ورقيها والإمارات تمتلك بين أبنائها وبناتها من قد يكون في يوم ما بحجم نجيب محفوظ، نزار قباني، محمود درويش، فدوى طوقان، أحلام مستغانمي، وغيرهم فلماذا لا نسعى لقيامهم وانبعاثهم في أرض مزروعة بالجمال والإبداع أصلا.

البيان الثقافي - الأحد
1 يوليو 2001 -العدد 77


إقرأ أيضاً: