(واي،آي دونت نو)

عبدالرحمن عفيف

عبدالرحمن عفيفربّما فاكهة ساقطة على الطّريق، الدرب الذي عليه الغبارُ. والغبارُ في عامودا تحت الشّجرة التي لا أعرف اسمها. في عامودا أشجار توتٍ كثيرة، التوت الأبيض والتوت الأحمر والتّوت الأسود. باحة جارنا الشاعر في حركاته وتعليقاته" مصطفى الغزلاني". ربّما الباحة قبل أن يتزوّج وبعدها بالأطفال. هناك توتٌ كثيرٌ وقطط كثيرة يحبّها الجار ويدلّلها. ربّما ثمرةُ فاكهة التّوت هي التي على الطّريق، في الغبارِ والصّيف. وذات مرّة أمينة مرّت بالقربِ من الثّمرة الحمراء. وكانت أمينة حمراء. وشفاهها حمراء ورآها خليل عبدالقادر في هرفورد. ربّما رأيتها حين تجوّلتُ في أزقّة هرفورد والآن يجدها وأجدها أنا أيضا في ملامح جمانة حدّاد.

وفي الحسكة، في رأس العين. أختي صفيّة وأختي وداد. شجرة فوق سكة الحديد وعلى الجانبين الكثير من الحصى الأسود لتمتين السكّة وأختي وداد تعيش هناك في ذلك الوادي. يمرّ القطارُ في الأسفل. لا يمرّ أيّ قطار. فقط كان مشروع قطار وككل المشاريع الفاشلة في الحسكة، لن يمرّأيّ قطار بالقرب من منزل أختي وداد. إنّها شجرة خرنوب، إنّها شجرة زبيب، إنّها شجرةُ بأغصان متفرّعة جدّا وطائرٌ بعيدٌ يأتي إليها. هناك سور في الحسكة قرب مركز المدينة في الخريف تتساقط الأوراق الصّفراء على مديرية التربية وعلى طاقية شرطي حزب البعث العربي الاشتراكي الفاشل. الشرطي فاشل أيضا مثل القطار وجائع مثل كلب جميل ويفكّر. لايفكّر الشرطي في حذائه ولا في ورقة الخريف التي تسقط بالقرب من سور دائرة الهجرة والجوازات. إنّه يمرُّ.

قبل ذلك يضع أبي الشيخ عفيف نظّارته ويريد أن يعرف من هي أمينة. أعني لا زالت أمينة تمرّ في شارعنا في عامودا وتسأل عنّي فيقول والدي إنّه في الجيش العربي السوري. يخدم هناك ويرسل لنا رسائل يتكلّم فيها عن دمشق، عن الجامع الأمويّ وعن قبر صلاح الدين الأيوبي وعن النّوفرة، عن السيّاح الفرنسيين. ويحاول أن يتعلّم الفرنسية كي يترجم فرانسوا فيللون عن الفرنسية مباشرة بدل الألمانية. تتعجب أمينة جدا وهي لا تعرف أنّي نسيتها مطلقا وأنّ الشخص الذي يحبّها بدلا عني الآن هو الشاعر ابراهيم فرمان حسّو في القامشلي. ابراهيم حسّو وضع أسس حديقة جديدة في مدينة القامشلي وكل العمّال فيها هم شعراء. أحد الشعراء ينظف الورود الآخر يسقي الأشجار وآخر يكتب وينظر وآخرون لا يفعلون شيئا سوى الانتظار إلى أن تظهر أمينة برفقة فتيات أخريات وحينها يتلفنون لإبراهيم حسّو- حان لقلبك أن يقع مغشيّا عليه قرب الحديقة. يعرفون- قلب ابراهيم فرمان حسّو – لا يغشى عليه بالقرب من الفرن مثلا أو في البيت مثلا. تلزمه حديقة. أمينة ليست ولادة بنت المستكفي والقامشلي ليست الأندلس وأنتم أيّها الشعراء، أنتم كورد أوّلا وعليكم الاقتداء بجكر خوين وكتابة الشعر الكلاسيكي. يسمع ابراهيم حسو أن جكر خوين جاء إلى القامشلي منذ يومين فيذهب للقائه...

ربّما عبدالمقصد الحسيني يكون في سوق عامودا، على الكرسي الخلفي للبسكليت مدفأة يأخذها للتصليح ويلتقي ابراهيم حسّو في عامودا.
- هل رأيت جكرخوين
- البارحة جاء وقضى يوما عندي ثم عاد ثانية إلى السويد
يتأسف ابراهيم حسّو...

الكلّ ميّت في المقبرة. شواهد القبورِ تشبه العباءات السود والشيطان نفسه يتسلق شجرة الزيزفون ويصفّر لأجل قلوب الشّعراء: استفيقي يا قلوب شعراء عامودا، سأصنع لكم كوردستان – يقول الشيطان للشعراء الكورد الذين يكتبون بالعربيّة وللذين يكتبون بالعربيّة – أنتم تعرفون، سآخذكم معي إلى سرّ قوّة اللغة العربية. تنشأ لغتان، واحدة عربية مختلطة بكورديّة عاميّة وأخرى عربية تشبه الكورديّة ويتحدّث بها سكّان الأزقّة. يحتار الشعرءا أيّ اللغة أنسب لكتابة الشعر ووصف الثّمرة الساقطة على الطريق ويحتار أبي بأيّ لغة يجيب سؤال أمينة عنّي
- أتلفن له، أنا سأجيب يا أبي، السؤال يخصّني وأمينة تخصّني وليس لابراهيم فرمان حسّو أيّ شأن بها. ابراهيم حسّو لا يعرف إلا الحدائق والحمّالين ويراسل سليم بركات بتواصل منقطع النظير. فيكتب له سليم بركات – آكل يوميا جزءا من كبد كوردستان لأستطيع العيش في جليد وبرد السويد الهائل. وماذا تأكل أنت أيّها الشاعر في قامشلو كي تستطيع الكتابة؟
آكل الذكريات وأحيانا بندورة وقطعة خيار وبعض الأفكار. هذا هو طعام عماد الحسن المفضّل. يردّ سليم بركات تلفونيّا ويذهب إلى خلوته.

يبقى خليل عبدالقادر وحيدا في الحسكة. وينظر إلى الطريق. سأرسم هذه الرّيشة من ذلك الطّائر الذي اصطاده سليم بركات بخياله. يحمل الريشة ويضعها في الزيت الأحمر ويرسم. فيتشكل ناقوس بدل الريشة والطائر وينادي إلى صلاة الفجر في ظهيرة حارقة في الحسكة. يتعجّب خليل عبدالقادر ويقول سأرسم ثانية قطيعا من الغنم في براري الجزيرة. لكنّه يرسم بدل ذلك جسرا في هيرفورد. يرسم أشجارا متبرعمة في ألمانيا وهو لم يزل بعد في الحسكة. محمد عفيف – ماذا أصابني، يتلفن هكذا. – لا أعرف. يرد محمد عفيف، فقط، التين دواء الشعراء
- آي دونت نو...!