عباس بيضون

عبد اللطيف خطابلأني لم اعرف عبد اللطيف خطاب واعرفه مع ذلك، لأنه ليس لي ذكريات معه ولي بالرغم من ذلك أضغاث ذكريات، لأني اعرف عبد اللطيف ولا اعرفه كشاعر، فقد قرأت ديوانه الوحيد وفوّت ثلاثة، علمت اليوم انها لم تنشر ولم يؤذن لها بالنشر، ولست ادري لماذا وفيم وكيف يتسنى لقصيدة ان تذنب هذا الذنب وتعاقب هذا العقاب.

لأني اعرف عبد اللطيف خطاب بتلك القرابة التي تجمع بين شاعرين ولأني اعرفه ولا اعرفه، وقرأته ولم أقرأه، ورأيته ولم أره، فإن موته المبكر هو بالنسبة لي طيفي ومجرد كما لو كان قصيدة، كما لو كانت هذه قصيدة عبد اللطيف نفسه: <موت الشاعر> التي علمت اليوم انها من أوائل قصائده.
إذا كان البعض يرى في ذلك نذيرا مبكرا فإنني لا أعجب من ذلك، في ظني ان جميع الشعراء بدأوا، على نحو ما، من قصيدة كهذه.
في ظني ان جميع الشعراء يدفعون موتهم إلى الوراء، فيغدو بالنسبة لهم جنازة ضوئية وقوس قزح كونياً. يستحيل الموت بداية لمن لم يعرف له بداية، وأصلا لمن ليس له أصل في الأرض، ومهداً لمن لا يُذكر له مهد.
نعم، قرأت عبد اللطيف خطاب في ديوانه الوحيد وقلت فيه مقالة لا اذكر ما هي وان كنت احسب انها لم تكن حفية. ولست ادري ما السبب فقد مضى في الزمن، ولست متأكدا من ان أسبابي لا تزال نفسها، واني لو نظرت مجددا في الكتاب فسيكون له فيّ صداه الاول. انها لحظة وتلك أخرى، وليس ضروريا ان تلتقي اللحظتان.
لكني يوم زرت حلب أول مرة في لقاء مع أصدقاء من شعرائها، كان عبد اللطيف بين الجمع الصغير الذي حضر. لم يبد في وجهه ما ذكرني بمقالتي الأنفة، رغم انها أثارت في حينه بعض الجدل والمشاحنة وتلقت ردا من هنا وهناك. كان وجهه خلوا من المسألة كلها، كذلك كان صوته وكلامه. لقد نسيها، وليس كثيرين من ينسون مسائل كهذه، ويلقونها خلف ظهورهم ولا تترك في نفوسهم عضاضة او حزازة. تكلم عبد اللطيف في ما اذكر عن هم أظنه الجمع بين المتنبي والشعر الحديث. كان يتكلم، في ما اذكر، بحرص، فهو صاحب هموم والشعر هم حقيقي له، وقد أعجبني حرصه ولهجته، أما الهم نفسه فلم يكن واضحا لي.

من وقت إلى وقت، كان يأتيني نبأ عن عبد اللطيف خطاب، نبأ من بعيد. مجرد تأكيد أنه لا يزال يتنفس، ثم أعلم انه توفي اثر عملية فاشلة. ليس لدي ما أتذكره حقا، حتى الوجه كانت ملامحه غائبة ولم أتميزها في الصورة. انه اسم يطير من هذا العالم، نيزك يسقط في مكان مجهول، كذلك هو موت الشاعر.

*****

شاعر كان موته أسهل من حياته

مروان علي

غيب الموت صباح الجمعة الفائت الشاعر السوري عبد اللطيف خطاب بعد صراع مرير مع قلبه المريض واثر عمل جراحي فاشل في دمشق
ويعد عبد اللطيف خطاب من ابرز شعراء قصيدة الثمانينيات وتميز بفرادته عن أقرانه من خلال معجمه اللغوي الخاص وتجربته الحياتية المدهشة التي انعكست أيضا في نصوصه الشعرية المفعمة بالحياة والدهشة والغرابة والحنين
للشاعر عمل شعري مطبوع <زول أمير شرقي> السلسلة الشعرية الثانية /دار الريس لندن وثلاث مجموعات تنتظر الطبع <الغرنوق الدنف> و<سفر الرمل> و<ترجمان النوم> وقد منعت الرقابة السورية طباعة أعماله الثلاثة الأخيرة إذ أوصت القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم بمنع طباعة أعماله وتوزيعها داخل سورية.
بعد دراسته الثانوية في مدارس الرقة انتقل الشاعر عبد اللطيف خطاب إلى حلب لدراسة الاقتصاد في جامعتها حيث أصبح جزءا طوال سنوات الدراسة من المشهد الثقافي هناك سواء من خلال مشاركاته في ملتقى حلب الجامعي او من خلال الندوات والحوارات بالإضافة إلى جلساته في مقهى القصر وكان حجة في المسائل اللغوية والتراثية لأقرانه من الشعراء الشباب وقارئا نهما.
ويعتبر عبد اللطيف خطاب وجه الرقة الأدبي بعد رحيل الدكتور عبد السلام العجيلي من خلال نشاطاته المتنوعة في جمعية العاديات التي شارك في تأسيسها واستلم رئاستها سنة .2003
الشاعر متزوج وله ابنة وحيدة <لين> وسيوارى جثمانه الثرى في قريته تل السمن في نفس اليوم الذي صادف ولادته.
مقطع من قصيدة <تاريخ الجمجمة>
<لم نرتو، ولم نشفِ الغليل ولم نقل:
سلاماً على الذي ماتْ، والذي سيموتْ، ما عاد أحبابنا مثلما كانوا، ولا رجَّعَ الزمانُ صدى آهاتنا الحرّى على قومٍ قضوا نَحْبَهُمْ بين الجماجم، ولم نخن مواثيقنا مثل بني إسرائيل من أهلِ الكتاب، وما قدسنا الأصاغرَ وفتات الجماهير، وما عرَّجنا وبصقنا على وجوههم جزاء دفننا المتخلفِ، وما استَنْبَتْنَا المدائح النبويةَ لشخصه المبجلِ، وما اعتلينا عروش الأنثى كالزناةِ الجُلافِ، غير أننا تباركنا بالذي: بالذي حام علينا كالرحى، بالذي يخطف كالنسر بما نقتات، بالذي وجّهَ قتلاه على ذبح الفرائسْ، والذي اقتات فُتَاتَ الخبزِ والقلب الرديءْ، بالذي نافحَ عن حكم العشائرْ يوم ما كنا فرادى وقبائِلْ، كانت الأشياءُ تقعي بارتخاءْ، والقرى كانت تزدهرُ بدولِ البدو والبابونج، وتعانق الأفاعي المزدانة بالبرجوازيينَ والسمَّ، وتحيي الرجال الصائحين كصيحتي:

لا تبتئسْ، فأنا صديق القادمين من الخراب>. (الرقة حزيران 1994)

محمد فؤاد:

اخترت اللحظ ة الخطأ

كان سهلاً موتك، لا كما حياتك. اخترت اللحظة الخطأ، كان عليك أن تنتظر، لك مع هذه الحياة عشرون عاماً آخر، أخطأت بحق لين، بحق زوجتك، أخطأت بحقي، بحق من ينتظرونك كل عام في المقهى، كنت تطيل الغياب في السنوات الأخيرة وها أنت قررت أن تقطع الزيارة نهائياً، فعلتها يابن خطاب، الذي على الفرات، فعلتها يا صاحبي، وها أنت تعلن أن ملتقى شعراء جامعة حلب صار إلى زواله البيولوجي ، كما زال شعرياً.
سلاماً لروحك
سلاماً علينا

عارف حمزة:

كن بخير

كانت
أرواحنا
يا عبد اللطيف
مثل سبائك
تُثقلُ
أقدام الغرقى ..
كن بخير
هناك
في المكان الذي قد تجد وقتا فيه
كي تزورنا
أو تتصل بنا ... على الأقل ..
كن بخير .. يا قلبي .
الحسكة ، التي ما عادت على الخابور

حازم العظمة:

بدون عرية مدفع

لا أعرفه، ولكني ذهلت، في قصائده، من النبرة المريرة، من الحزن الذي يتقطر وئيداً، كأنه لن ينتهي ..

سأستعير لموكبه، وهو يذهب، أبياتاً لسعدي يوسف، فالشعراء، وهم يمضون، يمضون بدون عربة مدفع.. بدون الطلقات الواحدة والعشربن بدون العلم يلف المرارة.. والحزن.
يرحلُ الشعراء
واحداً، بعد آخرَ، في آخر الليل
لم يحملوا معهم غيرَ زادِ القفير
وتذكرةٍ لم تؤرخْ ...
أقول لهم لا تحثوا الخُطى
انتظروا ساعةً حسبُ، يا إخوتي ...
نحن في آخر الليلِ،
لكنهم يرحلون ...
يرحلُ الشعراء
واحداً، بعدَ آخر، في آخِر الغصن ...
لا !
كيف تمضون عني؟
ألم نجتمع، مَرةٍ، حول مائدة النُسغ ؟
كنا نقولُ: لنا رعشةُ الماء
كنا نقولُ: العروقُ لنا، والخريفُ الذهبُ
ونقولُ: لنا أولُ الغصن،
لكنكم ترحلون
.............
.............

صباح الخير أيها الفتى ....

خلف علي:

الخلف <موت الشاعر>
حقاً هل علي أن اكتب شيئاً عنك أنت الذي كتبت <موت الشاعر> باكراً باكراً.
وكنت أحتفظ بها كل هذا الزمان ولم أجدها اليوم لتكون هديتنا لك..
أنت الذي: داهمتك الكتابة كحمل وديع، واصطفتك كربٍ شرس
أنت الذي:
وأنا ابن خطابٍ صحابيٌ جليل
أرتوي مثل المنايا كأس ربي
يصب في أقداحه ماًء فراتاً سلسبيل ...
حزانى يا ابن ماجد
كأنّا ما فتحنا الروح
كنت كل هذا الزمان أيها الغرنوق الدنف تحارب الحياة بقلبك
وكنا نتوقع أن تموت بداء القلب بين لحظة وأخرى أما أن يقتلك خطأ
فوالله حزانى

محمد مظلوم:

الزاهد

الموت؟
يا له من خل وفي وصديق دبق يداهم الشعراء في عزلاتهم!

كان عبد اللطيف مثال للشاعر الزاهد، والطهراني وغير اللاهث خلف شيء، ها هو الموت يأتيه لاهثاً وباكراً
لقمان ديركي:
<موت الشاعر> أيضا
أيها الشاعر
ما زلت أتذكر قصيدتك الرائعة (موت الشاعر) التي كتبتها في بداية الثمانينات
لا يوجد لدي ما أقوله فأنا مرتبك ولكنني أتذكر لقاءنا الأخير في مدينتك الرقة
وأتذكر كم فرحت بابنتك لين
يا عزيزتي لين سنلتقي بالتأكيد

علي سفر:

لأني فقدت صورتك

صديقي عبد
منذ اليوم لم أعد بحاجة لأن أرسل لك التحيات مع المصورين الذاهبين إلى الرقة ..
ولأني فقدت صورتك التي أعطيتني إياها ذات ليلة.. فقد انتابني إحساس بأني أشارك في غيابك ..
وبين الأمل في أن تصل التحيات التي أرسلتها لك ذات يوم ولعدة مرات وبين ان أجد الصورة الضائعة ..ما لذي ينفعني هنا ..؟
هل سأعيد قراءة قصائدك في زول أمير شرقي لأتبجح أمام الجميع بأننا كنا أصدقاء بلا عرق وجن ونبيذ وبلا نساء.. وأصدقاء يدعون الأصدقاء إلى الاحتفال فلا يأتي احد.الفرات.نك رحلت ولأنك سوف تبقى في تلك الرابية التي على الفرات ..
سأظل أبحث عن معنى غيابك..ريثما أجد صورتنا معاً على ذات الطريق ..
محبتي وأشواقي:
مباشرة لك وبلا مصورين يذهبون للرقة ليعودوا بصور الصحراء وهي تدشن حياتنا ...

إبراهيم العلوش:

موهبة تبددت

رحم الله عبد اللطيف خطاب الشاعر المشاكس الذي أثقله شغبه فنأى عنه. موهبة نادرة تبددت بالهباء والرقابة المتشددة والتي منعت ديوانه الثاني ومات شاعرا بالانكسار، لقد قضى بخطأ طبي أودى بحياته بنفس الطريقة التي أودت به الرقابة كشاعر
ولا حياة لمن يسأل لماذا لماذا!!!
فرزند عمر:
روحك العالية
أتذكرك كأنك اليوم روحك العالية لن تغيب