(في محاضرة له بعنوان " إشكاليات الترجمة الأدبية وغياب مراجعة)

عزيزة علي
(الأردن)

أورتقال المترجم الألماني د. جونتر أورت الحاصل على الدكتوراه في "القصة القصيرة اليمنية" في الندوة التي أقيمت  في "دارة الفنون"- مؤسسة خالد شومان- أول من أمس حول "إشكاليات الترجمة الأدبية وغياب مراجعة النصوص" لفت نظري مقالة للناقد العربي "جمال شحيد" تحدث فيه عن ترجمت الكتب العربية إلى اللغة الفرنسية قائلا فيها:"أما المترجمون الذين انكبوا على ترجمة أدبنا فيتمتعون عامة بجدية وتمكن من باع الترجمة. ولكنني ألاحظ أن بعض الفرنسيين منهم يتعاملون مع النص الأصلي بفوقية تجعلهم يجيزون لأنفسهم تشذيب النص و"تمتينه" فيعيدون كتابة النص ويجردونه من بعض التفاصيل ويقدمون ويؤخرون حتى "يستقيم" النص. فكأن الكاتب العربي ما زال في نظرهم طفلا يحبو ولم يشتد عوده...". عندما قرأت هذا النص شعرت أن هذا القول يخصني، وإن لم أكن مترجما فرنسيا. فالناقد يمس مشكلة ترجمانية في جوهرها، وإن كان بشكل مغاير لما يراه الناقد.
وأضاف د. أورت أنه وأثناء ترجمته  للعديد من القصص والروايات والقصائد وغيرها من النصوص الأدبية العربية إلى الألمانية "وجدت نفسي أقوم إلى جانب الترجمة بالتنقيح والتعديل والتكييف للجمل الأصلية في كثير من الأحيان كيلا تبدو ضعيفة أو غريبة في الصيغة المترجمة".
ورأى د. جونتر أن ذلك طبيعي بخصوص بعض المجازات والتشبيهات الأدبية التي تنبثق من خصوصيات بيئة ولغة معينة، ويجب تعديلها في الترجمة حتى لا تفهم خطأ. مثال كلمة "القمر" كرمز للجمال في العربية "كانت جميلة كالقمر"، هذه العبارة يمكن ترجمتها بالطبع، ولكن يجب الانتباه إلى أن القمر، وإن كان يعتبر جميلا باعتباره ظاهرة طبيعة في الغرب أيضا، إلا أن استخدامه لوصف جمال امرأة يبدو غريبا ومحيرا للقارئ غير العربي.
وأضاف د. جونتر وربما كانت المشكلة أكبر بما يخص "المطر"، فهو يرمز في إطار اللغة العربية إلى الخلاص والخصوبة والنعمة وما هناك من معان إيجابية، أما في الغرب (أي في الشمال جغرافيا) فالمطر يعتبر شيئا مزعجا أو كئيبا باعتباره حدثا شبه يومي يجعل الناس يتشوقون لدفء الشمس، لا أكثر. وبالتالي فإن إحدى أهم القصائد العربية الحديثة هي "أنشودة المطر" لبدر شاكر السياب، تظل غامضة وغير مفهوم في عيون القراء غير العرب، ومهما بذل المترجم من جهود بديعة في نقل هذه الأنشودة إلى لغة أجنبية. فالحل بالتأكيد ليس أن ترجمتها بـ"أنشودة الشمس" مثلا.
وأعطى د. أورت مثالا على صعوبة الترجمة من اللغة العربية إلى الألمانية أعمال "عبد الرحمن منيف" "بادية الظلمات" (الجزء الخامس من (مدن الملح):"لقد نشرت إحدى المجلات الألمانية منذ عام مقتطفات مترجمة لرواية "مدن الملح" لعبد الرحمن منيف، وأثناء قراءتي لتلك الترجمة الألمانية انتبهت إلى تناقضات سردية وبعض العبارات الغامضة أو الباهتة وبعض التكرار فيها، فأحببت أن أعرف أين العلة ؟هل يعود إلى ضعف في الترجمة أم في الأصل؟ وبعد الرجوع إلى النص العربي أتضح لي أن العلة في الأصل، وبدرجة أقل من الترجمة. فالمشهد الروائي هو وصف لإعدام سبعة رجال في ساحة مدينة "موران".
وأورد د. جونتر بعض المقاطع من الرواية تشير فيها الكلمات والجمل إلى إشكاليات ترجمانية مثل:"لا يتذكر أغلب الذين صلوا أي شيء – ولا يتذكرون أكثر من ذلك" فهناك شيء من التناقض بين الجملتين، فالأولى مطلقة في معناها، أما الثانية فيه نسبية، حيث يفصل الراوي ما يتذكره الأشخاص، بعد أن قال في البداية إنهم لا يتذكرون شيئا".
وأيضا "يرن ويتوهج فترة طويلة من الزمن"، وكان من الأفضل بالنسبة للترجمة على الأقل أن يكمل الراوي الجملة ويقول في سبيل الإيضاح مثلا "يرن ويتوهج فترة طويلة من الزمن في الذاكرة".
كذلك جملة "تراجعت الموجة الأولى. لم تتراجع" فنجد هنا استدراكا للوصف يبدو مربكا لأنه كان يمكن للراوي أن يكتفي بالعبارة البديلة "ثقلت خطى المتقدمين" التي أوردها بعد ذلك، ولا حاجة هنا لكلمة "تراجعت: ثم نقضها بـ"لم تتراجع". وجملة "التفتت عيون الذين خرجوا قبل غيرهم بتساؤل أقرب إلى الذعر، وكانت تقول أشياء كثيرة" فلا يمكن للعين أن تلتفت، ولا بد بالتالي من تعديل الفعل في الترجمة، حتى تظل الجملة مفهومة. أما أن "تقول" (العيون) أشياء كثيرة"، فهذه عبارة غامضة بعض الشيء، وكان يفترض بالمؤلف أن يلمح إلى ماهية المشاعر التي تعبر عنها العيون، مثل الحيرة أو الرعب أو الصدمة.
وأضاف د. أورت "أن ما أثرناه يدل على إهمال المراجعة للنص قبل النشر من قبل الكاتب أو دار النشر. ومن المؤسف أن يظل مثل هذا المشهد الحاسم والمؤثر في الرواية غير مفهوم وغير مقنع منطقيا وأدبيا في بعض جوانبه، بينما كان يمكن له أن يكون من أقوى مشاهد الرواية، لو أن أحدا تكلف أو كُلف بمراجعة العمل وتخليصه من بعض الأخطاء التي طرأت سهوا".
وختم د. جونتر :"مثل هذه الزلات لا تقلل فقط من القيمة الأدبية، بل هي تشكل تحديا للمترجم الذي يجد نفسه في وضع لا يحسد عليه: فهل يجوز أن يحذف عبارة زائدة أو غير متناسبة مع السياق، وبأي حق يضيف معلومة لا بد منها بالنسبة للقارئ الأجنبي، وإلى أي درجة يسمح له أن يغير كلمة أو جملة لتفادي الالتباس، أو كيف يبرر تنويع عبارة متكررة؟ هل عليه أن يلتزم ويلتصق بالأصل غير مبال بأناقة الأسلوب؟ في الحالة الأولى قد يتعرض المترجم لتهمة "التشذيب"، وفي الحالة الثانية فعلى المترجم أن يتحمل نقد القراء أو عدم اهتمامهم بالكتاب المترجم أصلا بسبب المشاكل التي تنتج عن كون النص الأصلي لم يخضع لعملية تدقيق".

الغد
13/6/2006