شيعت دولة الكويت الشقيقة قبل أيام جثمان شاعرها الشهيد فائق عبدالجليل الذي اعتقل من قبل الجيش العراقي في أثناء غزوه الكويت، وقد ظل الشاعر الشهيد في عداد الأسرى المفقودين منذ أسره في الغزو إلى ما قبل الأيام الماضية التي أمكن فيها التعرف إلى رفاته مع مجموعة من رفاقه الذين كانوا قد أسروا معه.
وأشار موقع “أبيات” نقلاً عن ابن الشاعر إلى انه تعرف على والده من خلال حشوة أسنانه وثوبه الذي كان يلبسه في ساعة أسره، مما يعني أنه تمت تصفيته مع رفاقه فور نقلهم إلى العراق.
يذكر أن الشاعر فائق عبدالجليل يعد من أهم كتاب القصيدة العامية والغنائية في الكويت، خاصة قصائد التفعيلة، ويعد فقدانه خسارة كبيرة ليس للكويت فقط، بل للوطن العربي.
رحم الله فائق عبدالجليل، الشاعر الشهيد، الذي كتب أروع وأجمل القصائد، والتي نذكر منها قصيدته آخر زيارة:
حسيت في آخر زيارة
شي بعيونك مختلف
شي بحديثك مختلف
حتى سكوتك مختلف
كنت بشكوك
وشفت الحقيقة في عيونك تعترف
موقف غريب
موقف أبد ما ينوصف
وين الكلام؟
وين الحرارة في السلام؟
كبير الفرق.. ما بين أول لقا وآخر زيارة
م ادري ش أقول
يا حب خانتني العباره
والحر.. تكفيه الإشاره
كل شي حبيتنه في بيتك نساني
الهدوء.. الليل.. الصمت.. الأغاني
حتى لون الورد.. والوجد ومكاني
داهتمني الغربه
ليتني ما جيت
ليتني رديت
حزني غرّب ضحكتي
لساني ضيّع كلمتي
حسيت باليأس ومشيت
كنت بشكوك
شفت الحقيقه في عيونك تعترف
الخليج
2006-07-03
*******
لم يخطر في بال أسرة الشاعر الكويتي الراحل فائق عبد الجليل، أن يوجد أحد يحاول التقليل من مكانة والدهم الوطنية ودوره في وقت احتلال نظام صدام حسين للكويت عام 1991.
أشهر شعراء الكويت التفت حوله الإشاعات منذ الإعلان في الكويت بشكل رسمي عن مقتله، وتمت مراسم دفنه بشكل رسمي، بحضور رئيس الوزراء بالإنابة الشيخ جابر المبارك وزير الدفاع والداخلية وبعض كبار القادة العسكريين، بعد معاناة طويلة لعائلة الراحل، استمرت منذ أكثر من 14 عاما، لم يعرف خلالها مصيره. فارس فائق عبد الجليل، النجل الأكبر، والذي خلف والده في كتابة الشعر، وله عدة قصائد قدمها لنخبة من نجوم الفن في الخليج، يؤكد أن هناك من حاول الإساءة لوالده منذ أسابيع، لذلك فضل الاتجاه لـ«الشرق الأوسط» لتوضيح هذه الالتباسات.
وقال «هناك كثير من اللغط كان يدور حول والدي بعد إعلان استشهاده، وتداعت للأسف كثير من المغالطات على ألسن وكالات الأنباء العربية وبعض الصحف الخليجية، إضافة إلى زج أسماء كويتية معروفة لم يكن لها وجود مع والدي أثناء فترة الاحتلال العراقي للكويت، لا من قريب أو بعيد، وأحسب أن هذه الأخبار الملفقة كانت نتيجة لعدة أسباب، أهمها باعتقادي أنه لم يكن بوسعي الرد على أجهزة الإعلام وقنواته المختلفة في تلك اللحظة، وأنا هنا من خلال «الشرق الأوسط» أوضح للجميع حقيقة نهاية هذه القصة الرمادية التي استمرت معنا أكثر من خمسة عشر عاما بشكل مختصر. ويشدد فارس في القول على أن والده عثر عليه في مقبرة جماعية تم اكتشافها في الثامن عشر من يوليو (تموز) 2004، بناء على معلومة استخباراتية وردت لفريق البحث والتحري عن الأسرى والمفقودين الكويتيين في العراق، عن وجود مقبرة تضم 33 رفاتا تعود لأسرى كويتيين تم إعدامهم رميا بالرصاص ودفنهم بشكل جماعي، والمقبرة تقع على أطراف مدينة كربلاء، ويطلق على الموقع اسم بحيرة الرزازة، وهو عبارة عن صحراء قاحلة لا يوجد بها أي شيء، وتم التأكد من تحليل الحمض النووي DNA في العاشر من يونيو (حزيران) 2006، وتم الإعلان رسميا عن استشهاده في الكويت في الثامن عشر من الشهر الماضي، وقد أثبتت نتائج التحليل تطابقه مع الحمض النووي لجدته لوالده وأختيه الكبرى والصغرى بنسبة 100 في المائة.
وعن الطريقة التي اتبعها نظام صدام حسين في إعدام والده يقول فارس «تم إعدام والدي رميا بالرصاص، وكانت عبارة عن رصاصة واحدة بالرأس، شاهدت مكانها في الجمجمة، وكان ذلك في مبنى الأدلة الجنائية في الكويت قبل الدفن، حيث استدللت على والدي مما تبقى من ملابسه، التي تحمل اسم الخياط الذي ما زلت اخبط عنده ملابسي، وطبعا ليس بالضرورة أنه تم تصفية مجموعة الأسرى التي كان من ضمنهم رفات والدي في تلك المقبرة في أوائل التسعينات مثل ما يشاع، بحكم أنهم بنفس الملابس التي تم اعتقالهم بها، لأن هذه الأمور لا تقاس بهذا الشكل».
وأضاف، أن إبلاغه بوفاة والده كانت عن طريق اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى والمفقودين قبل سفره بساعات معدودة إلى لوس انجليس، حيث يقيم هناك. ويحكي فارس عبد الجليل عن والده الذي اسر في الثالث عشر من يناير 1991، في منطقة السالمية، حيث يقول «كان والدي وأصدقاؤه يشكلون خلية مقاومة للمحتل مقرها منزلنا الحالي، من خلال كتابة والدي لعدة قصائد وطنية تم توزيعها على شكل منشور تم تداولها في الكويت آنداك وأغنيات وطنية قصيرة تم توزيعها عبر الكاسيت لكي تحفز المواطنين على المقاومة والصمود في ارض الوطن».
ويضيف «حاليا قمت بإهداء تلك الأشرطة والمنشورات لتلفزيون الكويت، وقدمت لهم فيلم فيديو نادر جدا لمجموعة والدي أثناء عملهم داخل الخلية، وسوف يعرضه التلفزيون من خلال فيلم وثائقي عن حياة والدي، وكان من بين مجموعة المقاومة الملحن عبد الله الراشد والشاعر يعقوب الرشيد، والكاتب سليمان الفهد، والأديب وليد المسلم وخالد الريس».
وكانت زوجة فائق عبد الجليل قد تلقت برقيات المواساة والتهنئة باستشهاد زوجها من عدد من الشخصيات الكويتية، وعلى رأسهم أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، وولي العهد الشيخ نواف الأحمد.
فائق عبد الجليل الذي رحل جسده عن دنيانا يبقى في ذاكرة محبيه، عبر أشعاره التي تغنى بها معظم فنانو الخليج، فهو من كتب «في الجو غيم» و«أبعاد» و«المعازيم» لفنان العرب محمد عبده، وقدم أغنية «أنت وين تعبت مني المطارات» و«عطشان» للفنان عبادي الجوهر، وغيرها الكثير من الأعمال.
ومعروف أن فائق بدأ حياته رساما، ثم اتجه للشعر، وكتب كلمات عدد كبير من المسرحيات، واهتم بمسرح الطفل بشكل خاص، وكتب أيضا شعرا للأطفال منذ السبعينات الميلادية، وقد ترجمت قصائده إلى العديد من اللغات، ومنها الفرنسية. وله من الأبناء فارس وغادة، ورجاء، وسارة، ونوف.
الشرق الأوسط
7 يوليو 2006