(صخر.. أيها الماء : في وداع صخر فرزات)

زليخة ابو ريشة
(الأردن)

كأننا في الحياة شواخص والموت هو الفهلوي الوحيغالي صخر فرزات أينما كان ف
من سيبكّل للشمس قميصها
قبل ان تصعد الي بيتها في وسط السماء؟
ومن سيضبطُ ساعة الصباح
لتصيح الديكة؟
ومن سيهتف الله معك
قبل أن عدنان (1) يصفق خلفه الباب؟
من سيعيّر ساعة بيغ بن
ومواعيد قطارات الأنفاق؟
من سيطلق نظرية اللذة (2) بين الحين والحين
وهو يطلق ضحكته الرجراجة ساخرا من
الأشياء؟؟

صخر.. أيها الماء (3)
صاح أدونيس
وبينما نتبعه نحو نبعك اللطيف والمضحك
تكون أمم من الأصدقاء علي بيتك تتلي:
أمير الأصدقاء عبد اللطيف (4) مع رفيقته جوسلين
التي اختصرت له النساء.

جميل حتمل ـ الله يرحمه ـ طلال حيدر، إنعام كجه جي، فراس السواح، نجوي بركات، جوزيفين لاما، هدي بركات، يوسف عبدلكي، بشار زرقان، عالية ممدوح، حميدة نعنع، باتريك لاما، أدونيس، علي الجندي، سعدي يوسف، مرام المصري، أمجد ناصر... وارتالا أرتالا سيسع البيت الصغير
قلبك.
.....
.....
ما أقول في فعلتك؟
أفكرت لحظة كم انت مهم في حياتنا؟
كم كنت أدخر صحبتك لأيام اوغل في الشيخوخة
وترقق العظام؟

من هاتف لندن ناديت عليك وضحكنا طويلا،
كخلطاء اصفياء، ومخبولات ذاكرة.. تناجينا
كنهرين طويلا لم يلتقيا...
عدنان وعائشة والاولاد ورحلة مصر، ورواية عائشة عند البرغوثي في دمشق، وزيارتي القادمة لباريس... الآن مضحك هذا الامر كنكتة رديئة سيئة الحبكة.. كما لو تحول الأمر الي فيلم كابوسي لا علاقة له بشرف الحياة.. كما لو ان الزمن بسفالته لا يميز... اهذا وقت ان يمازحنا؟ أهذا وقت ان يختبر مخيلتنا الضعيفة التي لا تتجرأ ان تتصور الموت.. موتك!

كم من فكرة محونا حتي لا ترتطم بانسحاب الأصدقاء!
وكم لخصنا الأنواء بكلمة من حرفين لا !

لا.. ليس صحيحا أنك تجرب خداعنا بالقليل من الوانك المصلوبة علي قماش اللوحة..
فعشتار (5) كما هي ما تزال في روعة النشور..
كما لو كانت كنيسة نوتردام
كما لو كانت الشمس تنهض من عز نومها وسط حاشية من صراخ الالوان..
اذا كان لك فم فلالوانك ألف.. يا إله السموات من أين هذه الاوركسترا؟

يا صخر.. ألم يكن الحرير ألطف صفاتك؟
فيم جعلته كفنك؟ ابيض كخاطرة مؤنسة في رمادي اغلس... ليت ان الربيع تأخر قليلا، فإثر قصور من الثلج قد نستطيع تخيل المركبة التي تجرها غزلان السماء.. قد نحتمل قرص الصقيع الذي انتشر في ارواحنا، من هذا النبأ!

ماذا تخبر يا صخر؟
اعن بعيد ومتناه في الصغر؟ ولكنه ثابت ومثابر ومخاتل وفعال؟؟
وما هو بالضبط؟ احلامك في حقوق الانسان ام في حقوق الالوان (6)؟ ذاك الاختراع الساخر الذي يشبه جريك في العوز بنشوة الشبعان الريان!
ما اوجع ان تشبه كلاما لك انتهي! وتنبيها ضروريا وضعت بعده نقطة.. ودسَّك رأسك في ترتيب حتي الآلام.. كل شيء حولك مهندم. فالضيق يتسع من شدة نظامك.. من شدة نقمتك علي التعثر والخربطة. تود لو ان تسيج جميع الحروف، وتعبّد كل درب. لو انك تضع شواخص في كل حلم حتي لا يضيع احد.. لو انك تدفن جميع السجون في الماضي، وتحتفل مع البشرية بكرنفال الالوان والحريات.. لو ان الحب هو الذي لا يذهب.. لو ان الضغينة لا تروض الارواح وتسحقها.. لو ان الظلم والتآخي لا يتجاوران..

كيف فعلتها يا صخر؟؟
كيف صمت قلبك عن دق باب الاخبار كل صباح كما يطرق باب الحياة؟
كيف تمددت في الصمت كما لو انك ستفيق وتخبرنا عن نزهة الاحد علي السين؟؟
لقاء الفلان بالفلانة عند السارة برنار (7) او علي الشانزليزيه علي قهوة تشارلز ديغول ايتوال.. او لتحملنا ومتاعنا من محطة النورد.. او من مطار اورلي الي بيتك في 12 ايتيان ماري قرب ساحة العظيمة اديث بياف وتمثالها البرونزي القبيح...
ـ حتي هنا يعملون اخطاء ويضعون اشياء قبيحة...
ثم تدلني علي المخرج الذي اتخذه عند وصولي محطة شكليه الضخمة حتي لا تضيعي تحت الارض ... كل شيء يكون منسقا للأصدقاء: تتفق ودوائر الارصاد الجوية علي يوم غير ماطر، تعد خرائط الانفاق ووجه باريس، تعد بطاقات المترو ذهابا وايابا، تعد لنا كافيه لطيفة بعد ان تحولت المقاهي في باريس الي مقاه وشيء آخر يشبه المطعم. كان في باريس وحدها 1500 كافيه الآن لا يوجد سوي ستمئة المدنية الامريكية ايضا هاجمت فرنسا التي يحاول الفرنسيون مقاومتها.. لا يمكن فتح محل هامبرغر مكان محل لبيع الكريب.
تضيق ذرعا بالانبطاح العربي.. بالصيغ الركيكة للحياة في بلادك القديمة.. بحذاء الحزب والمكتب الثاني (8) وبسطار الجيش.

لم تكن منفيا في باريس، مع انك كنت منفيا.. روح تلعب بالنار ووقودها للانطلاق جاهز... خضرة لا تري نهايتها العين تمتد في قلبك.. وغضبك ونرفزتك من هذا او تلك.. من ساءلك عن شيء ولم تكن متحضرا لموضوعات الحياة كموسوعي؟ ذكريات وفراس السواح في الجيش، وفي حزب القوميين العرب.. ذكرياتك في كلية الفنون الجميلة في دمشق واساتذتك.. ذكرياتك وعبد القادر ارناؤوط شقيق عائشة.. الضحك.. يا الهي الضحك الذي ينبع من الخواصر وانت تقلد عبد القادر علي ظهر صديقه العراقي السكران يحمله بعد اصرار ملحمي الي منزله في الطابق الرابع.. الضحك كنشيد طويل للحياة.

أمهلني حتي التقط انفاسي، فاني لم استطع اليوم مغادرة الفراش كاحتجاج مرحلي علي اصطحابك بعيدا دون سؤال دون مشاورة.، هل الحياة هكذا مستقلة الرأي وعجيبة قليلا؟ ام انه الموت؟

لم أخبرك يوما كم انت عزيز، فثمة تفاهم ضمني علي الاشياء الرائعة.. علي التكوين المختلف والخاص الذي لك ولم يكن يخلو من فجاجة.. من ذلك التزاوج الطريف بين النق والنقد، والطرفة والتطرف، والألمعية الخلابة.. فنان بالفطرة والثقافة ولكنه كبطل شعبي ينفخ صدره، فينسي الفن.. امفترض ان اتلو فضائلك بينما الكمال كان في اتمام حتي النقائص؟
والا فمن يطلع بباله ان يضع في تواليت البيت لوحة الوان بينيتون وهي علي صورة اعضاء تناسلية مختلفة الالوان والاحجام والاشكال، ولوحة الخلق التي يعرضها متحف أورسي في صدر بيت الراحة...؟ وهناك تفصيلة لاستخدام المصعد الذي سميته مصعد العشاق لانه لا يتسع الا لاثنين، ويئن ويتنهد عند كل طابق..
وتفصيلة لاستخدام صنبور الماء، وتعليمات الطعام وترتيب الامتعة في الممر وخلف الكراسي.. من كثرة دخولك في التفصيلات سأراك حاضرا كما لو كنت مخترع المصعد والابواب والممرات والصنابير ووراء الكراسي.. ها انت محوتها جميعا من دفترك.. وادرت اليها ظهرك كهاجر؟ أهذا هو الحب؟!
لم تعبر يوما الا عن حب متجدد للحياة.. ابتداءا من عائشة التي لا تناقش عاطفتك نحوها، شقيقة الروح الآيلة دائما الي اعلي يصاحبها فرحك وافتخارك. لم تكن عائشة لك زوجة تنتظر منها دورا معينا سوي ان تكتب وان تنشر وان تشارك في حياة الشعر في العالم.. وان تجيب عن اسئلتك: هل اطفأت النور؟ هل اغلقت الغاز؟ هل طق المفتاح في الباب طقتين؟ هل اخذت المظلة؟ كرت المترو؟
ما اسوأ هذا الرحيل؟ شرس وقليل ادب.. كأن ليس لمشاعر البشر من أهمية.. كأننا في الحياة شواخص تدل علي الغباء والموت هو الفهلوي الوحيد..
اننا نحس يا موت، ونتوجع كما لو كنت حملت سلة عقارب وفرغتها في صدورنا. اننا ونحن نعاين سُمَّك الزاعف نتخدر ونكرج في احلام الذاكرة كما لو ان الحياة معشوشبة ما تزال، وعلي شاطيء نهرها ما برحنا نتمشي بمرح.
اتعرف يا موت حجم ما تأخذ؟ حجم ما تتجرأ علي اطفاء شعلته كما لو كنت ذلك الغول الضخم المرعب الذي في الاساطير والذي اسمه احيانا الموت..؟
اتعرف يا موت حجم خسارتك فينا؟ حجم تسلطك علي اشيائنا التي تعيرها فجأة انتباها، وفجأة تقرر التصرف.. خذنا علي قدر عقولنا. فنحن لا نستوعبك. لا نستوعب قدرتك تلك المطلقة التي تشبهك بالآلهة.. ولا نستوعب وجودك الابدي ايضا. وقلما نستطيع تفسير تصرفاتك.. فأين تقع صدفك؟ خطفك المرء في عز عنفوانه؟ إصماتك المرأة في عز هدرها؟ قتل الاجنة؟ قتل الاحبة؟ واختيار ضحاياك دون استشارة؟ فاتوقراطيتك شاسعة واسعة نفاذة. وتريد منا ان ننقهر ونصمت...
ايها الصخر.. ايها الماء..

شبهتك بالجنة، بشوكها وبصبارها وبحفيف نضر اشجارها، بهوائها وعاصف رياحها. شبهتك بالغناء مبحوحا ومصفي.. شبهتك بالخير طافحا وبالجمال كثيرا وبكلمة الحق التي كنت تحب.
شبهتك بعدنان بقلبه الطفل
شبهتك بعائشة بحكمتها وعفاف روحها..

ايها الصخر.. ايها الماء..
لقد كنت جميلا..