حسين مرهون
(البحرين)

مي غصوبفي مستشفى بلندن ماتت مي غصوب. ليس بسبب قذيفة. لقد كان الموت هادئاً ورحيماً مع الكاتبة اللبنانية التي اشتهرت في الأوساط الثقافية بحراثتها المستميتة ضمن الخط النسوي Femminsm الذي ميز النشاط الحثيث لنساء عربيات كثيرات في السنوات الأخيرة. تنقلت كثيراً ما بين بيروت وباريس ولندن. كتبت المسرحيات وأخرجتها. مارست فن النحت والجمالي بشتى أنواعه. أسهمت برفقة أصدقاء في تأسيس إحدى أهم دور النشر العربية (دار الساقي). وفجأة توقف كل شيء. توقف قلب مي غصوب. على رغم أنه ظل طيلة عمره عاشقاً. العشق يطيل العمر. لكنه لا يستطيع الوقوف أمام آلة القدر.

لم يشر إليها رفيق دربها حازم صاغية من قريب أو بعيد في كتابه الصادر حديثاً جداً ‘’ليست سيرة ذاتية’’. لم يقل عنها أي شيء، وعلى العكس من ذلك، قال أشياء كثيرة عن آخرين وأخريات. حوّم طويلاً حول رحلاته ما بين الدمغات القومية والماركسية والخمينية... وأخيراً الليبرالية. لكن عداها. أما هي، فخصّته دائماً بكثير من إشارات الوفاء. وليس صدفة أن جميع كتبه: من ‘’ثقافات الخمينية’’ إلى ‘’وداع العروبة’’ إلى ‘’البعث قياماً وحطاماً’’ إلى ‘’مأزق الفرد في الشرق الأوسط’’.. وحتى كتابه الأخير، (ليس صدفة) أنها صدرت جميعاً عن دارها. إنها المرأة. إنها المرأة.

ومثل كل الخيبات الوجودية التي مرّ بها جيلها، مرت مي باليسار البورجوازي الفرانكوفوني، لكنها انتهت أخيراً إلى الخيار الليبرالي. وهنا تلتقي محطتها مع المحطة التي بلغها زوجها حازم كواحد من منظري التيار الليبرالي العربي. لكن حذار هنا، إنها ليست ليبرالية جديدة. ذلك على رغم انحيازها على المستوى الثقافي ‘’إلى الزائل والعابر’’ على ما عبر بيار أبي صعب في مرثيته لها قبل أيام.

قصتها مع تأسيس ‘’دار الساقي’’ أثيرة جداً. فغداة اندلاع الحرب الأهلية هربت إلى باريس. ومن باريس خرجت في نزهة بسيطة إلى لندن. تحولت النزهة إلى ولع. ابتلعتها زوايا وحواري مدينة الضباب. كان خروجها من بيروت إلى فرنسا ‘’مؤقتاً إلى أن تهدأ الحرب’’، بحسب ما صرحت في أحد الحوارات معها. وكان خروجها من فرنسا إلى لندن ‘’أيضاً مؤقتاً وصدفوياً بامتياز’’. لكن في الخروجين هذين لم تعد مي. لم تعد إلى لبنان كما لم تعد إلى فرنسا ‘’.. إلا مؤقتاً’’. وعلى العكس من ذلك، كانت إقامتها الدائمة في لندن. وهنا هزّها ‘’ضآلة الحضور للثقافة العربية’’. قررت. صارت عندها دار للنشر. بعد 25 عاماً من هذه التجربة، صرّحت ‘’صارت لندن مثل بيروت’’ في إشارة إلى ازدياد الفضاءات التي صارت تولي أهمية إلى الثقافة العربية.

وعلى رغم أن زوجها قد عرف أم كلثوم مبكراً.. ومبكراً جداً. وهو قد كتب عنها ‘’الهوى دون أهله.. أم كلثوم سيرة ونصاً’’، إلا أنها لم تكن كذلك. ومتأخرة.. متأخرة جداً تعرفت إلى أم كلثوم. ألم نقل قبل قليل إنها تميل أكثر إلى الزائل والعابر؟. تقول هنا ‘’قلما كنا نستمع إلى أم كلثوم’’. لكنها حين سمعتها في سن الـ ,17 استدركت ‘’صار عندي تناقض قوي’’. أما السبب، فتوضحه بالقول ‘’كنت مع قضية المرأة وكنت أشعر بالتأزم حين تغني.. إيشي دايماً تغني يا ظالمني.. يا أنا بانتظارك’’. لكن تالياً، تغير هذا الموقف، وهي تابعت هنا ‘’لم أستطع لأن الأغنية تعبر عن شعور نسوي داخلي’’، على ما عبرت في إحدى إطلالاتها على قناة ‘’الجزيرة’’ الفضائية.

وشكل انخراطها في مجال فن النحت محطة إثراء أخرى. تقول مي ‘’أحب النحت لأنني أحب أن أغطس بيدي’’، مضيفة ‘’عندنا في العالم العربي أن الواحد حين يصبح مثقفاً يتوقف عن الشغل بيديه. لكن هذا غلط’’. تتابع موضحة ‘’الشغل باليدين شيء أساسي. التعبير بالكلمات شيء جميل، لكن التعبير باليدين أجمل’’. وتقول ‘’العمل على المنحوتات يعني العمل على الجبس الأبيض والطين وحتى الحديد أحياناً. شعور جميل جداً يشبه ذاك الشعور لدى الخباز حين يصنع الخبز’’.
وعلى خشبة مسرح ‘’مارينان’’ في بيروت حضرت مي آخر مسرحياتها التغريبية: ‘’قتلة الكتاب’’ العام الماضي. ينتهي المشهد الأخير من المسرحية بالعبارة الآتية: ‘’الكلمات لا تقتل.. البشر هم الذين يقتلون’’. ومي لم يقتلها أحد. كان الموت معها هادئاً ورحيماً.

وداعاً مي غصوب.

***

مرايا مي غصوب.. ثلاثة انعكاسات

الناشرة للمعرفة الناقدة للذكورة الُمشّكلة للحديد

حسام أبوأصبع
(البحرين)

رحلت إذاً مي غصوب (1952- 2007). وكالعادة مع كل ميتة نستنفر الجهود لسبك العبارات الرثائية. طيب، ما العمل إذا كان مطلوباً منك أن تكتب عن شخص لا تملك معلومات وفيرة عنه؟ أسهل الحلول هي وضع الاسم في الجوجل. وضعنا في الجوجل اسم مي غصوب بالعربية، فيا قبح ما وجدنا. وهذه جملة واحدة فحسب مما يمكن أن يجده المرء ‘’.. الكاتبة اللبنانية العوراء مي غصوب، مارونية تزوجت سبع مرات (..) وتوجهات دار الساقي توجهات ليبرالية إباحية (..) تتلقى دار الساقي دعماً سنوياً ثابتاً من الحكومة الأميركية عبر مؤسسة تعزيز الديمقراطية ‘’. هذا بالعربية، أما لو كتبت في الجوجل Mai ghoussoubMai ghoussoub فالأمر مختلف تماماً، ولن تجد البشاعة الآنفة، بل ستجد مؤلفاتها، منحوتاتها بمختلف المواد والخامات، معلومات شخصية عنها ‘’تاريخ الميلاد، النشأة، التحصيل العلمي.. ألخ’’.

وأقول هذا قدر المبدع/ المبدعة العربية في عصر ما يعرف بثورة المعلومات، والقرية الكونية التي هي قرية متخيلة مزعومة مزيفة. وهكذا هو حضوره في هذا الوسيط الأساسي للمعلومات، وهذه هي المعلومات السيالة العربية. وفي الواقع، فإن المعلومات الوفيرة مهمة في سياق كهذا، حتى نبتعد ولو نزراً يسيراً على الرثائيات التقليدية، التي تعلو بالشخص إلى مراتب القديسين من دون آثار عظيمة تركها ومن دون معجزات خلفها. وهي مهمة أيضاً - وحتى لو كان الموضوع مناسباتياً - لإعادة تقليب شيء من هذا الإرث.
وفي سياقنا هذا جمّعت الراحلة مي غصوب حسنات الطباعة ‘’تعميم المعرفة ونشرها’’ إلى جوار النحت ‘’تشكيل الحديد والخشب وغيرهما’’ والكتابة ‘’المرأة العربية والحال العربية’’. إذا لو قابلت غصوب المرآة، ستظهر رأساً ثلاثة صور لها.

لا يكفي الجوجل إذاً لتشكيل صورة واضحة، لكن من حسن الحظ، أن دار الساقي أشهر من نار على علم، والمنحوتات التي عجنتها متوافرة بعض نماذجها في الوسيط الإلكتروني، أما مؤلفاتها فهي قليلة ومتاحة، وهي تستحق شيئاً من الالتفات، خصوصاً أن غصوب بكرت عربياً في تناول قضايا من قبيل ما بعد الحداثة. وسنأتي بعد قليل على هذا الكتاب.
؟ الصورة الأولى - الانعكاس الأول في المرأة: قلت أقصر السبل الذهاب إلى الإنترنت، لكن مراجعة المكتبة الشخصية، والأرشيف الشخصي، هي عملية سهلة أيضاً. نمسح بنظرة خاطفة بضع عناوين في الرف الخاص بدار الساقي اللندنية، سنجد مؤلف أو مؤلفات لــ: محمد أركون، جورج طرابيشي، محمد جابر الأنصاري، المرحوم فؤاد الخوري، الصديق خالد البسام، تركي الحمد، فريد هاليداي، ألبرتو مانجويل، مارسيل كوربرشوك، مضاوي الرشيد، مي يماني، المرحوم محمد شكري، روايات سعودية عديدة .. مؤلفات أخرى كثيرة، أعداد متفرقة من دورية أبواب. إذاً دار الساقي كانت دار نشر متميزة ومنفتحة على صنوف المعرفة والإبداع.

؟ الصورة الثانية - الانعكاس الثاني في المرآة: فيمكن قراءة حساسية أناملها في تطويعها الحديد لينثر الموسيقى، فأعمالها المتاحة على الشبكة - مرة أخرى - تنبئ عن توافرها على حساسية لافتة.

؟ الصورة الثالثة - الانعكاس الثالث في المرآة: وتبدو المؤلفة مي غصوب. فعلى الرف نفسه كتيبها ‘’ المرأة العربية وذكورية الأصالة ‘’، .1991 مابعد الحداثة: العرب في لقطة فيديو، .1992 و ‘’الرجولة المتخيلة، الهوية الذكرية والثقافة في الشرق الأوسط الحديث ‘’بالاشتراك مع الأكاديمية البريطانية إيما سنكلير ويب 2002 ولها إسهام في هذا الكتاب. مع متفرقات ومقالات ودراسات هنا أو هناك ومن بينها’’ أجسادنا، شرقنا وفننا ‘’في مجلة أبواب ع ,22 خريف .’’1999

أما عن دار الساقي أول الانعكاسات، فهي كما تمت الإشارة دار نشر معتبرة، وذات حضور متميز. والانطباع الأولي عن الجانب الفني الإبداعي يشي بشيء من التميز. والآن نأتي للانعكاس الثالث، وهو مهم لسببين، السبب الأول أن غصوب من المبكرات في تناول قضايا جديدة وجدلية بشيء من الاهتمام، وبطريقة لم تخل أبداً من حس الفنان. والسبب الثاني أنها من المتابعات اللصيقات لحركات الأزقة وفنونها، والأزياء، والطرز المعمارية، والإعلانات التجارية. وهي أيضاً المتوغلة في كشف شيء من أمشاج الذكورة ذات السطوة. وهي من الشارحات كذلك لمفهومات من قبيل الجندر والجندرية مع تطبيقات متعددة في سياق عربي وغير عربي.
ولكن، غصوب فوت عليها حسها الفني، ومقارباتها العجلى في تعميق ما تدرس من ظواهر بالإتيان بالشيء ونقيضه، ثم إقامة الجدل بينهما، وترجيح الكفة على الكفة. ففي كتابها ‘’ مابعد الحداثة: العرب في لقطة فيديو ‘’ - وهذا نموذج نسوقه للتدليل فحسب - رأت أن ما بعد الحداثة هي: ‘’مصالحة نهائية مع نزعة الاستقرار، أو عدمه، ومع استحالة التناسق، لكنها تؤول إلى التخلي عن الرؤية المطمئنة إلى العالم’’. إذاً ما بعد الحداثة هي الشك والاختلاف واللايقين. وهي انعدام الثقة وغياب الموثوقية. وتستشهد بأمثلة على هذه الروح من خلال التجوال في المدن الغربية بتعقيداتها ولا منطقيتها مع توافر الخيارات الكثيرة التي تمنح الفرد أقصى درجات الحرية في الاختيار. ثم تعود لاحقاً في كتابها هذا، إلى التعريف والمقاربة عن طريق الإشارة إلى الملمح الاستهلاكي في وصفها للمدينة الغربية بأجزائها المتنافرة بشكل عجيب، والتي تحتوي على التنوع الإثني والعرقي، والإعلانات الضخمة، والمتاجر العملاقة، والمطاعم متعددة الجنسيات.

وتذهب بعد ذلك مذهباً أبعد، وترى أن الثقافة هي الثقافة الشعبية، أي ثقافة الأقليات. إضافة إلى غياب الفارق الملموس بين ما هو راق وما هو وضيع، وازدياد في النزعة التجريبية، وصعود الحركة السنوية، واندحار المشروع الشيوعي، والتغير في النظام القيمي حيث البعد بل الإلغاء لما هو مثالي للأبد. ثم تقرأ مسألة التنافس في مجال الإنتاج التلفزيوني الضخم. وتشير إلى البرامج تسهم في صياغة العقول. وتقرر أن الفرد مجرد تحصيل حاصل على رغم من كونه صانع المعنى والدلالة، وترى كذلك أن هذه النظم تقف ضد التعصب وضيق الأفق والصنمية.
ومن هذه الزحمة تنتقل إلى معالجة مفهوم الذات ووضعيتها في هذا العصر الذي تميل فيها إلى العبث والسخرية والتهكم. ثم اندغام الحقيقة بالوهم بالكذب، والواقع بالخيال. وتنصل الذات من طرح أي معتقد، والاكتفاء بمجرد السخرية من المعتقدات كافة. وهو ما تطلق عليه ‘’ صدم القناعات، والقيم الائدة، على نحو لا يمكن تلافيه ‘’. بمعنى أن كل شيء عرضة للمساءلة بل ومن السخرية أيضاً. كما أن المعايير الفنية والجمالية في تقييم الأعمال الإبداعية بأشكالها منحسرة بشكل واضح، في ظل غياب الفارق بين ما هو راق ووضيع وتداخل. وتلخص ما تريد الوصول إليه بالتقرير أن تجليات ما بعد الحداثة تكون في الحرب ضد الكلية، وسطوع الروح العدمية في النظر للأشياء، والاعتباطية في التأليف والسخرية في كل شيء، لدرجة أن العلاقات بين الشيء وتمثيله أحياناً أصبحت في طور المستحيل.

هذا موقفها إذاً. وهو في الواقع ليس سوى استنساخ بسيط، إن لم نقل ساذج، في قراءة الأمور وتجلياتها، وفحص أبعادها الأبستمولوجية، وملاحظة ما وراء الأكمة. غصوب هنا وفي سياقات أخرى عديدة كانت تعمل على التبني والدعوة الجسورة والانبهار، مغفلة صورة الضد، وغير عابئة بما هو على طرف نقيض، مثل موقف المجموعة الكبيرة التي أعلنت ثقتها في حضارتها بقيمها القائمة على الحرية والديمقراطية والتعددية الحزبية وحقوق الإنسان.
وعلى ذلك، موقفها هو موقف المدافع المنافح الداعي المبشر، ولا يوجد ما يسند ويقوي وينقد وينقض الأصوات الأخرى، أو يرى التناقضات في المقاربة للموضوع نفسه. هذه إذاً غصوب، وقد رحلت الآن، كما تعكسها المرآة.. وعلى أي حال رحيلها خسارة كناشرة وكناحتة ومؤلفة سباقة مبكرة.

***

حين لا يتسع الفيديو للقطات الثابتة

ربيع 1994

أقتني كتباً.. ألتفت ذات اليمين وذات الشمال مع ثلة من الأصحاب في معرض البحرين الدولي للكتاب، ترتكز عيناي على الكتاب ذاته الذي كان صديقاً لي لبضع سنين، العنوان كان مثيراً قياساً بتلك السنوات، ‘’ما بعد الحداثة .. العرب في لقطة فيديو’’.. لمي غصوب. أحببت الكتاب كثيراً.. وأحببت مي. لكن إصداراتها قليلة جداً هذه الـ’’مي’’.. ولم يكن إشباع رغبة القراءة، إلا في متنفس آخر.. هو مجلة ‘’أبواب’’، حيث قراءة السرد بشكل مختلف على شاكلة ‘’تحليل صورة: رموز حليقة’’.
في كتابها ‘’لقطة فيديو’’ لم تبتعد مي عن لبنان أو عن خارطة تسمى الوطن العربي كما فعل بعض آخر، كانت مسكونة بكل شيء.. الكتابة.. النحت.. الحب.. الشأن الثقافي والمشروعات وأم كثلوم. كانت ترى إشكالاً عربياً في فهم الحداثة الذي اقتصر لسنوات عدة على الشكل الغارق في الأدب وما تلاه من فنون أخرى، وكانت ترى كم كانت العلكة قريبة من وضع مشابه وقريب من حال الوضع النسوي في البلدان العربية.. كانت مهتمة بكل شيء، وغير مهتمة بأي شيء.. كانت تلك مي.

صيف 1997

أدخل إلى مكتبة الساقي بمدينة لندن، ‘’الساقي’’ التي فتحت لنا ‘’أبواب’’.. وكل شيء، ثمة غنائم عليّ تجميعها، وكانت من ضمن الغنائم كتاب ‘’أناشيد مالدورور’’ لولتر يامون.. لكني ألتفت يميناً لأرى امرأة تقترح على رجال ونساء كتباً ومجلات، وتعقب ذلك بحديث عن خلفية هذا الكتاب وأهميته في حين.. ولكن هذا هو واجب صاحب أي محل.. تجلس المرأة على مكتبها الصغير.. تقرأ في حين وتستجمع الفواتير في حين آخر.. قيل لي حينها.. هذه هي صاحبتك: مي غصوب.. لحظتها لم أكن عليّ أن أستوعب أن التي كتبت ‘’الفيديو’’ و’’المرأة العربية وذكورية الأصالة’’ هي نفسها من تجلس خلف تلك الطاولة، وبينما كنت أحصي الغنائم كنت استرق النظر لامرأة في غاية العفوية، غير متكلفة تماماً كما هو حال ‘’المستغربات’’.
أذكر التفاصيل الكثيرة في تلك اللحظات، وكم رأيت في ملامحها امرأة أخذت الدنيا كثيراً من تقاسيمها، رغم أن الحياة لم تمنحها الكثير.

شتاء / ربيع 2007

أعرف الآن.. أن مي غصوب ذهبت..
أتطلع إلى صورها الحديثة.. وكم كانت الأيام تقسو على ملامحها.. أو ربما هي من قست على نفسها كثيراً.. لكن مي غصوب كانت تنتظر الموت حتماً، لكن قبل ذلك الموت أخذت تدين ‘’قتلة الكتابة’’ في عرض مسرحي.. ربما لم يكن الكتاب ولم يكن النحت حينها يستوعب ما تود أن تقول.. فكان المسرح..
وها نحن ذا نستسلم إلى الأخبار ومقالات الرثاء.. صور الذبح والجثث والدم ورعونة مستقبل لابد منه.. ها نحن ذا.. ننحني ببطء لنقفل شاشات التلفاز ونحدق في الفراغ.. لنرى كم هي الحياة قصيرة جداً، وكم ضيقة حتى لا تتسع إلا أحلامنا.. وكم هو فقد الأحبة غربة.
مي غصوب.. وداعاً.

****

الوقت
22 فبراير 2007