شاكر لعيبي
(العراق/تونس)

شاكر لعيبيمما لا شك فيه عندي أن للشعر العراقيٌ (رفعة) و(عظمة) في الثلاثين سنة الأخيرة لأنه يخرج من تجربة تاريخية (كبيرة) وأخري وجودية وإنسانية (كبيرة) هي الأخري. (العظمة) و(الكبير) مفردتان متكررتان عمدا في فقرتي السابقة بمناسبة السجال القائم حاليا بين الدكتور الفاضل جابر عصفور المتحدٌِث في مقابلة صحفية في جريدة (أخبار الأدب) عن (كبار الشعر العربيٌ) المعدودين كالعادة علي أصابع اليد، وبين نقاده من الشعراء والكتاب العرب الذين رأوا أن هناك (كبارا آخرين وعظماء) غير من يذكرهم، ولعلهم هم أنفسهم أي نقاد عصفور، من بينهم، كما تفوح كتاباتهم في الرد عليه. يجيب د. عصفور في جريدة (الحياة) _ وهي مؤسسة وله بها منبر ثابت كما لأحد مساجليه منبر آخر ثابت في مكان آخر­ علي ذلك موردا هذه المرة أسماء أخري عدة من غير (الكبار) الراسخين في الضمير الثقافي البطريركي العربي بصفتهم (كبارا) أيضا أو مشاريع لشعراء (كبار)، وفي كل ذلك السجال لا إشارة للشعر العراقي الأكثر حداثة الذي يدافع مناهضو الدكتور د. عصفور عن عظمته. غريب جدا. بهذا المعني فإن المؤسسات الثقافية العربية الراسخة والنسقية _ رغم زينتها ومنطقها الصارم­ هي فحسب من يتحاوّر بهذا الشأن. مّنْ لا مؤسسة له لا يتحاوّر ولا يجوْرّد مثالا بصفته (كبيرا) أو (صغيرا)، لأنه غير موجود أصلا للسبب عينه.

شاعر عزيز من مساجلي عصفور يعاود، من حيث لا يدري، مفهومات قديمة كتبها قلمي الفقير لربه قبل سنوات في جريدة (الحياة) نفسها بعنوان الشاعر الكبير والشاعر الصغير . ولأنني كأقراني من الشعراء غالعراقيينف الحداثيين كما يقال الذين لا يجحسب لهم أي حساب في ثقافة العرب القائمة علي تنميط مؤسساتي، بعنف رمزي غالبا مجستلهم من سطوة الدول والميديا والمجالس التي لا نمتلكها حاليا، فلم يقرأ أحد مقالتي المنشورة تلك ولم يعد إليها، ومن حقه تماما أن يفعل. لكن هل من حقه أن يستبعد من الأصوات الجديدة (الكبيرة) في الشعر العربي، وهو يجساجل تحت ضغط موضوعية مفتعلة بعض الشيء، أصواتّ الشعر العراقيٌ الأكثر حداثة بل ربما الأكثر أهمية ممن وقع الاستشهاد به؟

في مداخلتي (الشعر والمؤسسة) الملقاة في مهرجان أدبي مؤخراّ توضيح لهذا الأمر. وأضيف هنا أن الاستبعاد المنظٌّم بقفازات حريرية للشعر العراقي الجديد ينطلق من خشية غير معلنة من عظمته الأكيدة وتجربته الوجودية الراسخة. وهو استبعاد لا يطال سعدي يوسف لأسباب معروفة ولا يطال كذلك فاضل العزاوي مؤخرا لأسباب تتعلق بسطوة الميديا والنشر، وهما شاعران مهمان رغم ذلك، ولا يستبعد شاعرين عراقيين آخرين لكن بسبب سطوة الإشاعة هذه المرة، وهما شاعران مهمان أيضا رغم ذلك. النفي يطال في الحقيقة من يجايل سبعينيي العراق ومن جاء بعدهم ممن يجسْتشْهّد بغيرهم في أقطار عربية أخري. لو فهم هذا الأمر بأفقه الشخصي فلا دفاع عندي سوي الصمت المرٌ.

من الواضح عندي كذلك أن نقادا آخرين ممن ساهموا في النقاش ذاته، مباشرة أو مداورة، مثل صبحي حديدي وفخري صالح، لم يعودوا يتابعون الشعر العربي الحديث إلا متشظيا وتبدو مقالاتهم واستشهاداتهم وقد توقفت عند أسماء معينة لم يبرحوها ألبتة، ولن يفعلوا بسبب قوة العادة وثقل الإشاعة وسطوة المؤسسة، كما بسبب شروط الجغرافيا والأفكار المسبقة الرديئة والحسنة علي السواء، من بين أمور أخري.

إن تأجيل حضور المؤسسة الثقافية العراقية، ذات السطوة الثقافية، بل أي سطوة أخري، سيؤجل الإعلان أو التبشير بأصوات الشعر العراقي من تلك الأصوات المجايلة لما يورده كل من عصفور وخصومه ومساجليه. هل علينا إيراد هذه الأسماء بعينها؟ أم علينا قبل ذلك البرهنة علي أهميتها وهو ما لم يفعله عصفور ولا المعترضون عليه في أمثلتهم وأسمائهم؟ إن د. عصفور وخصومه الكرام ينطلقون من اشتراطات ليس الشعر الصافي أولها دائما، وهم يقترحون إدراج أسماء شعرية بعينها بين النجوم الشعرية الواحدية الكبيرة.
أرسل هذه الكلمة لتنشر في (أخبار الأدب) علي اعتبار أن السجال دار فيها، فهل لديٌّ سطوة ثقافية غير سطوة المعرفة المزعومة لكي أنشرها؟ سنري، ولن يغيٌر هذا الأمر شيئا من محبتي للجليل د. جابر عصفور ولا السادة الشعراء والنقاد من محاوريه، وهم من خلصائي في الشعر والنثر وندمائي في الليالي السود.

اخبار الأدب
الأحد 17 يونيو 2007